لا ريب أنّ ذكر
الله ودعاءه هو خير ما أُمضيت فيه الأوقات، وصُرفت فيه الأنفاس وأفضل ما تقرّب به العبد
إلى ربه سبحانه وتعالى، وهو مفتاح لكلّ خير يناله العبد في الدنيا والآخرة، فمتى أعطى
الله العبد هذا المفتاح؛ فقد أراد أن يفتح له
ومتى أضلّه؛ بقي
باب الخير مرتجًا دونه، فيبقى مضطرب القلب، مشوش الفؤاد، مشتت الفكر، كثير القلق، ضعيف
الهمة والإرادة
أمّا إذا كان محافظًا
على ذكر الله ودعائه وكثرة اللجوء إليه؛ فإن قلبه يكون مطمئنًا بذكره لربه {الَّذِينَ
آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ}
ولهذا فإن الأذكار
الشرعية والأدعية النبوية لها منزلة عالية في الدِّين، ومكانة خاصة في نفوس المسلمين"ومنها
أذكار الصباح المساء،وأذكار الصباح
تقال بعد الفجر، وأذكار المساء تقال بعد العصر، لكن لا بأس لو أن الإنسان لم ينتبه
إلى هذا الوقت أو انشغل، لكنّ الأصل هذا الوقت
والظاهر والله
أعلم أن الأجور مرتبة على ذكرها في وقتها، يعني كأنها ذكر مرتّب في زمن معين، فالأجر
مرتَّب على الزمن، لكنّ أهل العلم يقولون الأمر واسع فلا بأس
ومن أعظم أذكار
الصباح والمساء: سيد الاستغفار.
والذي سمّاه بهذا:
الرسول -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: ((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ..)) اللَّهمَّ أنتَ ربِّي لا إلَهَ إلَّا أنتَ ، خَلقتَني وأَنا عبدُكَ ، وأَنا على عَهْدِكَ ووعدِكَ ما استطعتُ ، أعوذُ بِكَ من شرِّ ما صنعتُ ، أبوءُ لَكَ بنعمتِكَ عليَّ ، وأبوءُ لَكَ بذنبي فاغفِر لي ، فإنَّهُ لا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ قالَ : ومَن قالَها منَ النَّهارِ موقنًا بِها ، فماتَ من يومِهِ قبلَ أن يُمْسيَ ، فَهوَ من أَهْلِ الجنَّةِ ، ومن قالَها منَ اللَّيلِ وَهوَ موقنٌ بِها ، فماتَ قبلَ أن يُصْبِحَ ، فَهوَ من أَهْلِ الجنَّةِ
الراوي:شداد بن أوس المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:6306 حكم المحدث:[صحيح]
وكلمة (سيّد) تدلّ
أنّ الاستغفار له صيغ متعددة، فتستطيع أن تستغفر بكلمات مختلفة، تقول: أستغفر الله،
تقول: أستغفر الله وأتوب إليه...، هذه كلها صيغ للاستغفار لكن أعلاها هي التي سماها
النبي -صلى الله عليه وسلم- سيِّد الاستغفار.
ويهمّنا معرفة
مَن سمّاه بذلك لأنّ ذلك يلفتنا إلى مسألة أخرى:
وهي أنّ بعض الناس
يسمُّون بعضَ الأذكار والأدعية بأسماء من عندهم، تجد ورقة مكتوب فيها: (دعاء الأبناء)
أي فيها من الأدعية
التي تنفع الأبناء، فمن الذي سمّاها؟! الناس! لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
أنّه سمّى دعاء بدعاء الأبناء، ولا دعاء الاختبارات!
من أين لنا هذه
الترتيبات كلّها؟! وماذا تعتبر؟
تعتبر بدعة، ونحن
لا نريد أن نبدِّع الناس، لكن عندنا قانون نسير عليه، فما خالفه ليس بسُنّة، أي بدعة،
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ
الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ))
هذه هي التي
((عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ)) أما غيرها فلا بدّ مِن نبْذِها.
وهنا ملاحظة مهمّة
ينبغي التنبّه لها:
ليس كلّ شيء لا
أعرفه فهو بدعة؛ لأن الجهل أحيانًا هو الذي يجعلني أعتقد أن هذا الشيء ليس بسُنّة،
وقد يكون الإنسان جاهلاً ولم يتعوّد على هذا الأمر في آبائه
فيأتيه الخبر بالسنة
الثابتة فيقول: هذا لم يكن عليه آباؤنا وأمهاتنا، هذا بدعة!! إذًا لا يقال على شيء
أنه بدعة إلا بعد أن يقول أهل العلم ذلك، ولا أجلس في بيتي أُبدِّع الناس!
المقصود: لا نسمّي
الأدعية من عندنا، ولو سمّيناها من عندنا فقد ابتدعنا؛ لأننا نعرف أن هذا الدعاء الذي
للاختبارات ودعاء الأبناء أتى الآن، لكن بعد مائة سنة ماذا سيحصل؟!
سيعملون حصن الطالب،
والطالب سيوزعه! وهكذا تأتي البدع، جماعة يتفقون على مسألة، فإذا قلنا لهم: هذا لم
يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
يقولون: نحن نعرف
أنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمّ أولاده ينشؤون في بيت يستعمل البدعة،
الكبير يعلم أنها بدعة، لكن الأبناء يعتقدون أن هذا هو الدِّين، والعكس بالعكس، لمّا
يكون شيئًا من الدِّين ولا أُفهِم من يتربى معي أنه من الدِّين؛ ينشأ على أنه أمر ليس
من الدِّين.
مسألة حبس الأبناء
عند عصمة المساء، لما تأتي الظلمة، أهذه سُنة أو أنها من عملنا ؟
سُنّة، كما قال
النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كُفُّوا صِبْيَانَكُمْ)) لكن ما الإشكال؟
أننا لما نكفّ
الأبناء لا نقول لهم نحن نكفّكم امتثالاً لسُنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا
كبروا قالوا: عندنا عادات لا ندري ما هي!
يتصورون أنّ المسألة
هي مجرّد عادة.
إذًا هذا سيِّد
الاستغفار؛ لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سمّاه سيِّد الاستغفار، وبما أنّ النبي
-صلى الله عليه وسلم- سمّى بعض الأدعية، فما لم يسمَّ من الأدعية؛ ليس له اسم ولا نسميه
لأنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قادر على تسميته، ما دام النبي -صلى الله عليه وسلم-
ترك تسميته إذًا لماذا أسمّيه؟!
هذا من عبوديتي
لله الذي أشهد أنه لا اله إلا هو، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فمَن شهد أن محمدًا
عبده ورسوله كان أتقى ما يكون للبدعة، يعني يتّقيها بقدر قدرته
مناسبة الكلام
عن البدعة في ش
شرح سيِّد الاستغفار:
أنّ النبي -صلى
الله عليه وسلم- هو الذي سمّى سيِّد الاستغفار بسيِّد الاستغفار، ومعنى ذلك أني لا
أُسمِّي أيَّ دعاء أو أُخصِّص أيَّ دعاء باسم وكذلك بالأجر المترتِّب عليه،
فالنبي -صلى الله
عليه وسلم- رتّب أجرًا على سيّد الاستغفار كما قال: ((وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ
مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ؛ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،
وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؛
فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)). الراوي:شداد بن أوس المحدث:البخاري المصدر:صحيح البخاري الجزء أو الصفحة:6306 حكم المحدث:[صحيح]
فليس لأحد أن يقول
لآخر: لو دعيت هذا الدعاء؛ يكون لك عند الله كذا أو كذا وكذا..
فهذا نقول له:
هات السند الذي يدلّ على صحة هذا الكلام!
إذا قال: لمَ لا
نُرغِّب الناس؟! بدل أن يتكلَّموا في الغيبة والنميمة يذكروا الله! حتى لو قلنا لهم
أجورًا ليست صحيحة.
نقول: هذا ليس
صحيحًا؛ لأنّ السُنّة ستندثر، وإذا ظهرت البدعة؛ اختفت السنة.
فإن قال: ما جئتُ
بكلام باطل، بل إني أقول كلامًا طيبًا، فلماذا تقول لي أن الأجر المرتَّب ليس صحيحًا؟!!
نقول: أولاً: أن
صاحب هذا الفعل يتكلم عن الله، يقول: ربنا سيعطيه، وهو كذاب!! لم يأته خبر لا في الكتاب
ولا في السنة أن ربنا سيعطيه هذا العطاء، كيف يتجرَّأ ويكذب على الله؟! المسألة ليست
سهلة.
يقول: من أجل أن
أحمّسه!!
نقول: لا يوجد
شخص يغرق نفسه وينقذ الناس، هذا ليس بمنطق، ولا تنظر للكلام أنه بسيط وسهل، افهم أنك
بهذا التصرف تكذب على الله!
ولو قال: لو سبَّحت
ألفًا وثلاثمائة وستًا وخمسين مرة؛ يُبنى لك كذا وكذا في الجنة!!
نقول: هذا كذب،
ليس على الناس فقط، بل على الله؛ لأنّ الأجور إنما نعرفها من نصّ الكتاب أو مِن السُنّة.
وأنت لا تأخذ كلام
أحد إلا بدليل، إما بدليل صريح واضح، وإما بدليل يتضمن المعنى.
وثمة دليل على
أن الذي يكذب على الله ويقول عليه بلا علم؛ صار في درجة قريبة من الشرك، وربما ساواه،
وبعض أهل العلم قالوا درجته أعلى من الشرك:
{قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا
وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
أهل العلم في هذه
الآية: أن الله رتّب الآثام من الأدنى إلى الأعلى، يعني الأقلّ هي الفواحش، إلى أن
نصل إلى أعلى شيء وهو القول على الله بلا علم.
ثانيًا: أن الأجور
ليست ملكنا حتى نقول له: اعمل كذا وكذا، وربنا سيعطيك كذا!! من أين هذا؟!
ثالثًا: أنّ الدِّين
كامل، ولسنا بحاجة أن نأتي بشيء لم يأتِ به النبي -صلى الله عليه وسلم-
فكأن الشخص يقول:
النبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعرف هذا الطريق، وأنا أعرفه أكثر من النبي -صلى
الله عليه وسلم-، أو يعرفه لكنه كتمه ولم يبلّغه!
فنقول: هذا لم
يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-
يقول: هذا كله
خير! نقول: إذا كان خيرًا، فالخير ليس كما أريده أنا، الخير هو الذي يأتي به النبي
-صلى الله عليه وسلم-
وقد ورد عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ
قَدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ -يعني صار نحيفًا ومريضًا- فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ
إِيَّاهُ؟)) قَالَ نَعَمْ
كُنْتُ أَقُولُ:
اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا!
-يعني الذي ستعاقبني به في الآخرة خذه مني في الدنيا
فالنبي -صلى الله
عليه وسلم- عاتبه على هذا الدعاء- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ! لَا تُطِيقُهُ -أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ- أَفَلَا قُلْتَ
اللَّهُمَّ: {آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ
النَّارِ}
قَالَ: فَدَعَا
اللَّهَ لَهُ فَشَفَاهُ. الراوي:أنس بن مالك المحدث:مسلم المصدر:صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:2688 حكم المحدث:صحيح
يعني أنّ الإنسان
لا يستطيع أن يعرف أين الخير بعقله، الخير هو الذي جاءت به الشريعة، وليس الخير هو
ما نقترحه! وإلا صارت الشريعة هي آراء الناس!
(سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)).
سنقسم الحديث إلى ثلاثة أقسام:
الجزء الأول:
((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ)).
الجزء الثاني: ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي)).
الجزء الثالث: ((فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)).
ما معنى لفظة ((اللَّهُمَّ)) ؟
معناها: يا الله، وقُلبت الياء (يا) ميمًا في آخر اللفظة؛ حتى يُبتدأ مباشرة باسم الله: (اللهم).
لماذا قلبوا الياء إلى ميم في آخر الكلمة ولم يأتوا بأيّ حرف آخر؟
لأن الميم تدلّ على الجمع، فأنت إلهي وإله الناس كلهم.
إذًا (اللهم) في أيّ دعاء معناها: يا الله
فنحن نقول: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي))، وفي الفاتحة نقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}ولمّا تريد أن تحمد تقول: أحمد الله رب العالمين، ولمّا تريد أن تطلب تقول: يا رب، ولمّا تريد أن تستغفر تقول ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي..)).
فهو ربّنا وهو ملكنا وهو رازقنا وله الأسماء الحسنى، ولنا أن ندعوه بأسماء كثيرة، فلماذا ندعوه بما يدل على الربوبية بالذات؟
ماذا يعني ربّ؟
ربي الذي ربّاني وربّى جميع العالمين بنعمه.
بأن حوّلنا من حال النقص إلى حال التمام في كلّ شيء, فالله عزّ وجلّ يُربّي عباده ليكونوا صالحين.
ماذا نعني عندما نقول للشيء أنه صالح؟
هو صالح بالعبادة, العبادة مادة صلاحه، أي يصلح بالعبادة.
أليس الإيمان يزيد وينقص؟
بلى، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
كلما زدت طاعةً؛ زدت إيمانًا, أصبحت المادة التي تستقي منها زيادة الإيمان هي الطاعة, فصارت الطاعات هي مادة الصلاح.
* ما معنى أن يكون العبد صالحًا؟
: يصلح أن يكون مجاورًا لله عزّ وجلّ في جنّته، ليس كل أحد يصلح أن يكون في جوار الرحمن, لكن العبد يقوم بالطاعات من أجل أن يصلح قلبه، فيصلح قلبه قبل أن يصلح بدنه ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))
فالقلب هو محطّ نظر الربّ، فيصلح القلب، ومن ثم يكون صالحًا لمجاورة الربّ.
مَن الذي يربّي القلب ويصلحه؟
الله عزّ وجلّ، حيث يخرج من كلّ عبد بما يجريه عليه من أقدار، يخرج منه الفاسد من قلبه ويدخل له الصالح.
هذا هدف مهم! وهو معرفة كيفية التوسّل باسم الربّ؛ لأنّ هذا الاسم -دونًا عن بقيّة الأسماء- تجتمع فيه كلّ مفاهيم الأسماء الأخرى.
أنت تعرف أنّ الله رحمن, تعرف أنه رحيم, تعرف أنه لطيف، تعرف أنه مالك الملك, تعرف أنه رزّاق...، إذًا ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي)) أي: الذي ربّيتني بنعمائك، ونعماؤك بين محبوب تُشكر عليه وبين مكروه أعلم أنك ما أردت به إلا خيرًا.
هذه نعم الله، الله عزّ وجلّ يريد تعليم عبده أنه عنده قدرة على الصبر لكنه لا يصبر، يعلّمه ويدرّبه إلى أن تأتيه المصيبة الكبرى وهو قد تمرّن وتعلّم أنه لابد أن يصبر.
لكن هل كل الناس يقبلون تربية الله؟ الجواب: لا.
تأتي تربية الله للعبد، ويفهمه أن هذا ما حصل إلا لهذا، ويأتي الرزق يطرق الباب, فينسب العبد النعمة إلى فلان الذي أتى بها!
فالله عزّ وجلّ يكرر نذره على العبد ويكرر تربيته له، ومع ذلك العبد كأنه ما سمع ولا رأى.
لذلك قال الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا} ماذا فعل الله بهم؟ {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.
ماذا يعني زاغوا باسم الربّ؟
لم يستجيبوا للتربية, ربنا يربّيهم مرارًا وهم لا يستجيبون، أصرّوا على أن يزيغوا, فلمّا أصرّوا على أن يزيغوا؛ أعطاهم الله عزّ وجلّ على ما يزيدهم زَيغًا.
ولكن {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} هو العبد لم يرضَ أن يتربّى؛ ولذلك نجد أن الله عزّ وجلّ يمدّ في أعمار أهل الكفر؛ علّهم يعتبرون🏻 يمدّ في أعمار أهل الفسق؛ علّهم ينتفعون 🏻لكن سبحان الله! مَن كان في قلبه زيغ؛ مع العمر قد يزداد زيغًا🏻
فالله عزّ وجلّ إمّا يعامل العباد بفضله، وهو الشكور، وإمّا يعاملهم بعدله، وهو الحليم سبحانه وتعالى.
إذا غضب زوج على امرأته، وهي باكية شاكية! نقول لها: ألا تؤمنين أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن؟! تقول: نعم أنا أؤمن, نقول: مادام تؤمنين فما فائدة شكواك لأمه وأبيه والجيران؟!
اطرقي بابَ مَن يملك قلبه, تقول: أباه له سلطته عليه, فأول مرة تتصل عليه يقول لها: أنا سآتي وأريه عمله! المرة الثانية كذلك, المرة الثالثة يقول: يا ابنتي، حلّي مشاكلك مع زوجك بنفسك!
إذًا نحن ما قبلنا المعنى إلا لمّا تربّينا, لمّا انقطعت علائقنا بالناس، لكن الموفّق مَن اعتبر بغيره, الموفّق مَن يأتيه اسم الله أو صفة الربّ سبحانه وتعالى فيعتبر بالناس الذين هم حوله،
ويتأمّل أقدارَ الله التي تجري عليه وعلى الناس مِن حوله، ولا ينتظر أنه يدخل في موقف ينعصر فيه حتى يؤمن بالاسم أو الصفة!
أَنْتَ رَبِّي)) يعني: أنا أعترف بما أراه عليَّ مِن نعم ظاهرة وباطنة، لم يُنعِمْ عليَّ بها غيره, والتي لابد فيها من أن أعلم أنّ الحمد كله له، اعترفت بالربوبية.
((لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) أعلم أنه لا يستحق الألوهية إلا أنت وحدك، فأنت وحدك الذي ربّيتني بكمال صفاتك، أنت وحدك الذي تستحق أن أخاف منك وأن أرجوك، أنت وحدك الذي تستحق أن أبكي لو كنتَ لستَ راضيًا علي، وأن أفرح لو أحسستُ برضاك، أنت وحدك الذي مدْحُك زَيْن وذمُّك شَيْن.
تابع شرح دعاء الاستغفار
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) أي اجعلني في جهة واجعل الذنب في جهة، أي أبعِدْني واعصمني.
هل معنى الكلام اني اذنب وانت يا الله لا تعطيني سيئات اصرفني عن الذنب أنت عندما تدعين هذا الدعاء لايشترط أن يكون الخير بالدنيا بل بالدنيا والآخرة
من أعظم الصور: أن العبد بعد أن يكون مذنبًا فيتوب، يقبل الله توبته ويكون وادًّا له، يعامله باسمه "الودود".
من أين أتينا بذلك؟
تعلمون أن الله يفرح فرحًا يليق بجلاله سبحانه وتعالى بتوبة عبده، فيصبح العبد محبوبًا بعد أن كان مذنبًا؛ لأن الله يفرح به، والشيطان يكره من العبد التوبة والاستغفار لكي لا يكون محبوبًا عند ربه، فيُخذِّله ويُنسيه ويُؤيسه من رحمة ربه! إمّا يُخذّله ويجعله يسوِّف.
أو ينسيه الذنب أصلاً.
أو يقول له: "بعد أن استمتعت بشهوتك وشبعت منها؛ الآن تتوب؟!!"
تُب ولو قال ما قال؛ لأنه لا ملجأ منه سبحانه وتعالى إلاّ إليه، ولو حصل مني ذلك ماذا أفعل؟
يس لديّ حل إلا العودة إلى الله مرة أخرى والصدق في التوبة والاستغفار من ذنبي والاستغفار عن توبتي التي لم تكن صادقة لكن في النهاية لابد من كيد العدو، لابد أن نكيد العدو, وذلك بأن تلهج ألسنتنا بذكر الربّ واستغفاره، وأن نكثر من التوبة؛ لأن التوبة وظيفة العمر, فدائمًا نقول: التوبة عن الذنب لكن توجد توبة أخرى، وهي: التوبة عن التقصير في أداء حقّ الربّ, ألم نسمع إبراهيم -عليه السلام- لمّا بنى البيت كما أخبر الله عز وجل في سورة البقرة: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}
وبعد ذلك: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}كيف يقولون {وَتُبْ عَلَيْنَا} وهم لم يذنبوا بل كانوا في طاعة؟! تب علينا من التقصير.
الأنبياء قدروا الله حقّ قدره، حتى لمّا أطاعوه قالوا: {وَتُبْ عَلَيْنَا}، ونحن لم نقدره حق قدره.
(فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت)) هنا الكلام المهم وهو التوحيد.
ما هو التوحيد؟
هو إفراد الله بالعبادة، هذا من محفوظات المدارس.
لكن أين التوحيد هنا؟
((لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت))
أتى التوحيد على الجزئية وليس على العموم.
الكلمة العامة هي التوحيد، أن أوحِّد في قلبي المقصود، ليس عندي مقصود إلا واحد
َ لذلك ابن القيم يقول:
فلواحد كن واحدًا في واحد أعني طريق الحق والإيمان
معنى التوحيد
☑️أي لا تجعل في قلبك إلا واحدًا،
☑️تطلب رضى واحد،
☑️وترجو واحدًا،
☑️ يهمك أن تذكره ليلاً ونهارًا،
☑️ واحدًا تستعين به،
☑ واحدًا يأتيك منه النعم،
☑️ واحدًا تشكره،
☑️ تلجأ إليه وقت الضيق،
☑️ ما تسأل أحدًا غيره،
☑️هذا هو التوحيد،
☑️ أن يبقى واحدٌ لك تعيش حياتك حول رضاه.
في آخر مقطع أتى التوحيد: ((فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت))
أي: لا يوجد أحد أعتقد أنه يغفر الزلات أو يمحوها أو يرفع مكاني عندك، إلا أنت،: لسنا أهل صكوك غفران، ولا الذين نتمسَّح بأقدام أو بتربة أحد، ولا نرى أحدًا معظمًا أو بينه وبين الله نسب، نحن لا نضع بيننا وبين الله أحدًا أبدًا،َ: ولا حتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما نعتقد يقينًا ما قال الله في حقِّه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون}، نؤمن يقينًا بذلك، ولا نعتقد أن الله أرسل رسوله بالتوحيد إلا من أجل أن لا يتعلق الناس إلا بالله.
فكيف يرسل الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أجل أن لا يكون الناسُ عبيدًا إلا لله، ثم في نهاية الأمر يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدين يُجعل فيه بيننا وبين الله!! كلامُ مَن هذا؟! عقلُ مَن هذا؟!
ألم يرسل الله رسوله بالتوحيد؟! فكيف يصير الرسول -صلى الله عليه وسلم- سببًا للشرك؟!! حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ))المصدر:صحيح أبي داود الجزء أو الصفحة:4252 حكم المحدث:صحيح فالقضية تدور.
فلا أحد يزهّدكم في التوحيد، لا أحد يقول لكم: التوحيد هذا مادة جامدة، وأن الناس ليسوا بحاجة إليها!
التوحيد هو صلب الاعتقاد، الله أرسل رسوله وأمرنا بالشرائع حتى تبقى حياتُنا كلُّها لواحد سبحانه وتعالى، وهذا هو الكلام المنطقي.
لو قيل لك: هذا يصلي ويصوم ويذهب إلى المسجد ويطوف ويحج...!
نقول: وكفار قريش كانوا يطوفون حول الكعبة، ويحجون ويصومون ويصلون، ويُكرمون الضيف، ومع ذلك اتخذوا مع الله أحدًا، هذا كله ذهب هباءً منثورًا، فاليوم نفس الأمر
هذا كله ذهب هباءً منثورًا، فاليوم نفس الأمر، لا يغرّك أنه يصوم ويصلي وهو يتمسّح بقبر ويحمل تربة... هذا كله هو عين الشرك.
نحن نحتاج إلى التوحيد؛ لأن الصحابة لمّا أخلصوا ووافقوا السنة؛ نصرهم الله، ولمّا خالفوا السنة في غزوة أحد؛ ذاقوا الألم، وكذلك لمّا لم يخلصوا واغتروا بأنفسهم في حُنين
إذًا هما شرطان لابد منهما:
1. الإخلاص.
2. والمتابعة.
فبهما تُنصر الأمة، وتُرزق سلاحًا، وإذا تُرك الإخلاص والمتابعة؛ يأتي السلاح ويقتل المسلمين بعضهم بعضًا!
من أجل ذلك؛ كونوا على حذر، بل كونوا من الحامدين الشاكرين أن الله لم يجعل له شريكًا في المُلك، لم يكن له وليٌّ من الذلّ، كبِّره تكبيرًا، احمد الله على أنه لم يجعل له شريكًا، احمد الله أنه لم يجعلك ذليلاً لأحد غيره،
تسجد لله وتقول: "يا رب!" وأنت مستور، يغفر لك وأنت مستور! بل وينشر عنك كل خير، ويخفي عن الناس كل عيب.
نتبع غدا بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
(سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)).
سنقسم الحديث إلى ثلاثة أقسام:
الجزء الأول:
((سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ)).
الجزء الثاني: ((أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي)).
الجزء الثالث: ((فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ)).
ما معنى لفظة ((اللَّهُمَّ)) ؟
معناها: يا الله، وقُلبت الياء (يا) ميمًا في آخر اللفظة؛ حتى يُبتدأ مباشرة باسم الله: (اللهم).
لماذا قلبوا الياء إلى ميم في آخر الكلمة ولم يأتوا بأيّ حرف آخر؟
لأن الميم تدلّ على الجمع، فأنت إلهي وإله الناس كلهم.
إذًا (اللهم) في أيّ دعاء معناها: يا الله
فنحن نقول: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي))، وفي الفاتحة نقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}ولمّا تريد أن تحمد تقول: أحمد الله رب العالمين، ولمّا تريد أن تطلب تقول: يا رب، ولمّا تريد أن تستغفر تقول ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي..)).
فهو ربّنا وهو ملكنا وهو رازقنا وله الأسماء الحسنى، ولنا أن ندعوه بأسماء كثيرة، فلماذا ندعوه بما يدل على الربوبية بالذات؟
ماذا يعني ربّ؟
ربي الذي ربّاني وربّى جميع العالمين بنعمه.
بأن حوّلنا من حال النقص إلى حال التمام في كلّ شيء, فالله عزّ وجلّ يُربّي عباده ليكونوا صالحين.
ماذا نعني عندما نقول للشيء أنه صالح؟
هو صالح بالعبادة, العبادة مادة صلاحه، أي يصلح بالعبادة.
أليس الإيمان يزيد وينقص؟
بلى، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
كلما زدت طاعةً؛ زدت إيمانًا, أصبحت المادة التي تستقي منها زيادة الإيمان هي الطاعة, فصارت الطاعات هي مادة الصلاح.
* ما معنى أن يكون العبد صالحًا؟
: يصلح أن يكون مجاورًا لله عزّ وجلّ في جنّته، ليس كل أحد يصلح أن يكون في جوار الرحمن, لكن العبد يقوم بالطاعات من أجل أن يصلح قلبه، فيصلح قلبه قبل أن يصلح بدنه ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ))
فالقلب هو محطّ نظر الربّ، فيصلح القلب، ومن ثم يكون صالحًا لمجاورة الربّ.
مَن الذي يربّي القلب ويصلحه؟
الله عزّ وجلّ، حيث يخرج من كلّ عبد بما يجريه عليه من أقدار، يخرج منه الفاسد من قلبه ويدخل له الصالح.
هذا هدف مهم! وهو معرفة كيفية التوسّل باسم الربّ؛ لأنّ هذا الاسم -دونًا عن بقيّة الأسماء- تجتمع فيه كلّ مفاهيم الأسماء الأخرى.
أنت تعرف أنّ الله رحمن, تعرف أنه رحيم, تعرف أنه لطيف، تعرف أنه مالك الملك, تعرف أنه رزّاق...، إذًا ((اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي)) أي: الذي ربّيتني بنعمائك، ونعماؤك بين محبوب تُشكر عليه وبين مكروه أعلم أنك ما أردت به إلا خيرًا.
هذه نعم الله، الله عزّ وجلّ يريد تعليم عبده أنه عنده قدرة على الصبر لكنه لا يصبر، يعلّمه ويدرّبه إلى أن تأتيه المصيبة الكبرى وهو قد تمرّن وتعلّم أنه لابد أن يصبر.
لكن هل كل الناس يقبلون تربية الله؟ الجواب: لا.
تأتي تربية الله للعبد، ويفهمه أن هذا ما حصل إلا لهذا، ويأتي الرزق يطرق الباب, فينسب العبد النعمة إلى فلان الذي أتى بها!
فالله عزّ وجلّ يكرر نذره على العبد ويكرر تربيته له، ومع ذلك العبد كأنه ما سمع ولا رأى.
لذلك قال الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا} ماذا فعل الله بهم؟ {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.
ماذا يعني زاغوا باسم الربّ؟
لم يستجيبوا للتربية, ربنا يربّيهم مرارًا وهم لا يستجيبون، أصرّوا على أن يزيغوا, فلمّا أصرّوا على أن يزيغوا؛ أعطاهم الله عزّ وجلّ على ما يزيدهم زَيغًا.
ولكن {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} هو العبد لم يرضَ أن يتربّى؛ ولذلك نجد أن الله عزّ وجلّ يمدّ في أعمار أهل الكفر؛ علّهم يعتبرون🏻 يمدّ في أعمار أهل الفسق؛ علّهم ينتفعون 🏻لكن سبحان الله! مَن كان في قلبه زيغ؛ مع العمر قد يزداد زيغًا🏻
فالله عزّ وجلّ إمّا يعامل العباد بفضله، وهو الشكور، وإمّا يعاملهم بعدله، وهو الحليم سبحانه وتعالى.
إذا غضب زوج على امرأته، وهي باكية شاكية! نقول لها: ألا تؤمنين أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن؟! تقول: نعم أنا أؤمن, نقول: مادام تؤمنين فما فائدة شكواك لأمه وأبيه والجيران؟!
اطرقي بابَ مَن يملك قلبه, تقول: أباه له سلطته عليه, فأول مرة تتصل عليه يقول لها: أنا سآتي وأريه عمله! المرة الثانية كذلك, المرة الثالثة يقول: يا ابنتي، حلّي مشاكلك مع زوجك بنفسك!
إذًا نحن ما قبلنا المعنى إلا لمّا تربّينا, لمّا انقطعت علائقنا بالناس، لكن الموفّق مَن اعتبر بغيره, الموفّق مَن يأتيه اسم الله أو صفة الربّ سبحانه وتعالى فيعتبر بالناس الذين هم حوله،
ويتأمّل أقدارَ الله التي تجري عليه وعلى الناس مِن حوله، ولا ينتظر أنه يدخل في موقف ينعصر فيه حتى يؤمن بالاسم أو الصفة!
أَنْتَ رَبِّي)) يعني: أنا أعترف بما أراه عليَّ مِن نعم ظاهرة وباطنة، لم يُنعِمْ عليَّ بها غيره, والتي لابد فيها من أن أعلم أنّ الحمد كله له، اعترفت بالربوبية.
((لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ)) أعلم أنه لا يستحق الألوهية إلا أنت وحدك، فأنت وحدك الذي ربّيتني بكمال صفاتك، أنت وحدك الذي تستحق أن أخاف منك وأن أرجوك، أنت وحدك الذي تستحق أن أبكي لو كنتَ لستَ راضيًا علي، وأن أفرح لو أحسستُ برضاك، أنت وحدك الذي مدْحُك زَيْن وذمُّك شَيْن.
تابع شرح دعاء الاستغفار
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ((اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ)) أي اجعلني في جهة واجعل الذنب في جهة، أي أبعِدْني واعصمني.
هل معنى الكلام اني اذنب وانت يا الله لا تعطيني سيئات اصرفني عن الذنب أنت عندما تدعين هذا الدعاء لايشترط أن يكون الخير بالدنيا بل بالدنيا والآخرة
من أعظم الصور: أن العبد بعد أن يكون مذنبًا فيتوب، يقبل الله توبته ويكون وادًّا له، يعامله باسمه "الودود".
من أين أتينا بذلك؟
تعلمون أن الله يفرح فرحًا يليق بجلاله سبحانه وتعالى بتوبة عبده، فيصبح العبد محبوبًا بعد أن كان مذنبًا؛ لأن الله يفرح به، والشيطان يكره من العبد التوبة والاستغفار لكي لا يكون محبوبًا عند ربه، فيُخذِّله ويُنسيه ويُؤيسه من رحمة ربه! إمّا يُخذّله ويجعله يسوِّف.
أو ينسيه الذنب أصلاً.
أو يقول له: "بعد أن استمتعت بشهوتك وشبعت منها؛ الآن تتوب؟!!"
تُب ولو قال ما قال؛ لأنه لا ملجأ منه سبحانه وتعالى إلاّ إليه، ولو حصل مني ذلك ماذا أفعل؟
يس لديّ حل إلا العودة إلى الله مرة أخرى والصدق في التوبة والاستغفار من ذنبي والاستغفار عن توبتي التي لم تكن صادقة لكن في النهاية لابد من كيد العدو، لابد أن نكيد العدو, وذلك بأن تلهج ألسنتنا بذكر الربّ واستغفاره، وأن نكثر من التوبة؛ لأن التوبة وظيفة العمر, فدائمًا نقول: التوبة عن الذنب لكن توجد توبة أخرى، وهي: التوبة عن التقصير في أداء حقّ الربّ, ألم نسمع إبراهيم -عليه السلام- لمّا بنى البيت كما أخبر الله عز وجل في سورة البقرة: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}
وبعد ذلك: {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}كيف يقولون {وَتُبْ عَلَيْنَا} وهم لم يذنبوا بل كانوا في طاعة؟! تب علينا من التقصير.
الأنبياء قدروا الله حقّ قدره، حتى لمّا أطاعوه قالوا: {وَتُبْ عَلَيْنَا}، ونحن لم نقدره حق قدره.
(فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت)) هنا الكلام المهم وهو التوحيد.
ما هو التوحيد؟
هو إفراد الله بالعبادة، هذا من محفوظات المدارس.
لكن أين التوحيد هنا؟
((لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت))
أتى التوحيد على الجزئية وليس على العموم.
الكلمة العامة هي التوحيد، أن أوحِّد في قلبي المقصود، ليس عندي مقصود إلا واحد
َ لذلك ابن القيم يقول:
فلواحد كن واحدًا في واحد أعني طريق الحق والإيمان
معنى التوحيد
☑️أي لا تجعل في قلبك إلا واحدًا،
☑️تطلب رضى واحد،
☑️وترجو واحدًا،
☑️ يهمك أن تذكره ليلاً ونهارًا،
☑️ واحدًا تستعين به،
☑ واحدًا يأتيك منه النعم،
☑️ واحدًا تشكره،
☑️ تلجأ إليه وقت الضيق،
☑️ ما تسأل أحدًا غيره،
☑️هذا هو التوحيد،
☑️ أن يبقى واحدٌ لك تعيش حياتك حول رضاه.
في آخر مقطع أتى التوحيد: ((فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْت))
أي: لا يوجد أحد أعتقد أنه يغفر الزلات أو يمحوها أو يرفع مكاني عندك، إلا أنت،: لسنا أهل صكوك غفران، ولا الذين نتمسَّح بأقدام أو بتربة أحد، ولا نرى أحدًا معظمًا أو بينه وبين الله نسب، نحن لا نضع بيننا وبين الله أحدًا أبدًا،َ: ولا حتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما نعتقد يقينًا ما قال الله في حقِّه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون}، نؤمن يقينًا بذلك، ولا نعتقد أن الله أرسل رسوله بالتوحيد إلا من أجل أن لا يتعلق الناس إلا بالله.
فكيف يرسل الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- من أجل أن لا يكون الناسُ عبيدًا إلا لله، ثم في نهاية الأمر يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بدين يُجعل فيه بيننا وبين الله!! كلامُ مَن هذا؟! عقلُ مَن هذا؟!
ألم يرسل الله رسوله بالتوحيد؟! فكيف يصير الرسول -صلى الله عليه وسلم- سببًا للشرك؟!! حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم.
لكن كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ وَحَتَّى تَعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الْأَوْثَانَ))المصدر:صحيح أبي داود الجزء أو الصفحة:4252 حكم المحدث:صحيح فالقضية تدور.
فلا أحد يزهّدكم في التوحيد، لا أحد يقول لكم: التوحيد هذا مادة جامدة، وأن الناس ليسوا بحاجة إليها!
التوحيد هو صلب الاعتقاد، الله أرسل رسوله وأمرنا بالشرائع حتى تبقى حياتُنا كلُّها لواحد سبحانه وتعالى، وهذا هو الكلام المنطقي.
لو قيل لك: هذا يصلي ويصوم ويذهب إلى المسجد ويطوف ويحج...!
نقول: وكفار قريش كانوا يطوفون حول الكعبة، ويحجون ويصومون ويصلون، ويُكرمون الضيف، ومع ذلك اتخذوا مع الله أحدًا، هذا كله ذهب هباءً منثورًا، فاليوم نفس الأمر
هذا كله ذهب هباءً منثورًا، فاليوم نفس الأمر، لا يغرّك أنه يصوم ويصلي وهو يتمسّح بقبر ويحمل تربة... هذا كله هو عين الشرك.
نحن نحتاج إلى التوحيد؛ لأن الصحابة لمّا أخلصوا ووافقوا السنة؛ نصرهم الله، ولمّا خالفوا السنة في غزوة أحد؛ ذاقوا الألم، وكذلك لمّا لم يخلصوا واغتروا بأنفسهم في حُنين
إذًا هما شرطان لابد منهما:
1. الإخلاص.
2. والمتابعة.
فبهما تُنصر الأمة، وتُرزق سلاحًا، وإذا تُرك الإخلاص والمتابعة؛ يأتي السلاح ويقتل المسلمين بعضهم بعضًا!
من أجل ذلك؛ كونوا على حذر، بل كونوا من الحامدين الشاكرين أن الله لم يجعل له شريكًا في المُلك، لم يكن له وليٌّ من الذلّ، كبِّره تكبيرًا، احمد الله على أنه لم يجعل له شريكًا، احمد الله أنه لم يجعلك ذليلاً لأحد غيره،
تسجد لله وتقول: "يا رب!" وأنت مستور، يغفر لك وأنت مستور! بل وينشر عنك كل خير، ويخفي عن الناس كل عيب.
نتبع غدا بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق