المشروع الثالث محاضرات عامة





محاضرة بعنوان 
قصة عيسى عليه الصلاة و السلام

المسيح عيسى بن مريم ويُعرف أيضاً بيشوع بالعبرية و بيسوع في العهد الجديد، هو رسول الله والمسيح في الإسلام، ويعتبر من أولي العزم من الرسل[3]، أُرسل ليقود بني إسرائيل إلى كتاب مقدس جديد وهو الإنجيل[4]، ويُفضل المسلمون إضافة عبارة "عليه السلام" بعد اسمه ككل الأنبياء توقيراً لهم. الإيمان بعيسى (وكل الأنبياء والرسل) ركن من أركان الإيمان، ولا يصح إسلام شخص بدونه. ذكر عيسى باسمه في القرآن 25 مرة، بينما ذكر محمد 4 مرات[5][6].


يذكر القرآن أن عيسى ولدته مريم بنت عمران، وتعتبر ولادته معجزة إلهية ، حيث أنها حملت به وهي عذراء من دون اي تدخل بشري كما هي طبيعه الحال، بأمر من الله وكلمه منه كن فكان ولحكمه ان يكتمل اعجاز الله في الخلق (فأدم أبو البشر خلق من دون أب ولا أم وحواء أم البشر خلقت من أب بلا أم وكل البشر خلقوا من أب وام وأما عيسي عليه السلام فمن أم بلا أب) وليكتمل بخلقه ناموس الخلق الذي أراده خالق الكون.

كانت لدى عيسى عليه السلام القدرة على فعل بعض المعجزات كسائر المرسلين والأنبياء مع الإختصاص له بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص بإذن الله.

وبحسب القرآن، فإن عيسى عليه السلام لم يُصلب، ولم يقتل بأي طريقة أخرى، بل توفاه الله ورفعه إليه، كذلك فإن عيسى مسلمٌ مثل كل الرسل في الإسلام، أي خضع لأمر الله، ونصح متبعيه أن يختاروا الصراط المستقيم. يرفض الإسلام فكرة الثالوث، أن عيسى هو إله متجسد، أو ابن الله أو أنه صُلب أو قيامة يسوع. ويذكر القرآن أن عيسى نفسه لم يدّعي هذه الأشياء، وأيضاً يشير إلى أن عيسى سينفي إدعاءه الألوهية في يوم القيامة[7]. ويشدد القرآن أن عيسى بشر فانٍ، مثل كل الأنبياء والرسل وأنه اختير لينشر رسالة الله. وتحرم النصوص الإلهية إشراك الله مع غيره، وأن توحيد الله هو السبيل الوحيد للنجاة.

يُؤمن المسلمون بأن محمد رسول للعالمين اما المسيح عيسى بن مريم هو رسول لبني إسرائيل فقط ليحل لهم بعض الذي حرم عليهم، وقد آمن برسالته الحواريين طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة من بني إسرائيل، وقد اعطاءه الله من المعجزات انه يكلم الناس وهو رضيع ويحيي الموتى بإذن الله ويشفي الأكمه والأبرص بإذن الله ويصنع من الطين على شكل الطير وينفخ به فيكون طير بإذن الله.[8][9]

البشارة
كانت مريم داخل المعبد عندما زارها الملك جبريل والذي أحضر إليها بشرة سارة بولادة ابن لها وهو كلمه الله المسيح عيسي ابن مريم[13].
 ذكر القرآن أن الله أرسل البشرى عبر جبريل إلى مريم، أن الله كرمها من بين جميع نساء العالم. أخبر جبريل أيضاً مريم أنها ستلد ابناً مباركا، يُسمى عيسى، وأنه سيكون نبي، وأن الله سينزل عليه الإنجيل. وأخبرها أن عيسى سيتكلم وهو طفل وسيتكلم وهو كهل، وسيكون من الصالحين. عندما سمعت مريم هذه الأخبار، سألت جبريل عن كيفية حملها وولادتها وهي لم يمسسها رجل ولم تكن فاسدة[14]. رد جبريل: (كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ[15]). ذكر القرآن أن عيسى خُلق بأمر الله، وقارن خلقه بخلق آدم حيث خلق آدم من دون والدين، ولكن بأمره (كن فيكون). وكانت الإجابة نفسها إلى زكريا، كيف حملت امرأتهإليصابات، وهي كبيرة في السن[16].

الولادة
ذكر القرآن قصة الولادة العذرية لعيسى عدة مرات. ذكر القرآن أن مريم عندما كانت مسافرةً في صحراء بيت لحم، جاءها ألم المخاض. وأثناء آلامها وضعفها، فجر الله ماءً متدفقاً من الأرض تحت قدمها لكي تشرب. وكانت مريم أثناء مخاضها بالقرب من نخلة، فطُلب منها أن تهز جذع النخلة ليتساقط عليها الرطب وتأكل. بكت مريم من ألمها وتمسكت بالنخلة، حتى سمعت صوتاً من تحتها (فهم البعض على أن هذا الصوت من عيسى الذي لايزال في رحمها، والآخر على أنه من ملك) يقول: (فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا). ذلك اليوم، ولدت مريم في وسط الصحراء.

بعد أربعين يوم، حملت مريم ابنها عيسى وعادت إلى الناس. أُمرت مريم أن لاتكلم الناس في ذلك اليوم، حيث سيجعل الله عيسى يتكلم، حيث يؤمن المسلمون أن عيسى فعلاً تكلم في المهد وكانت أول معجزة له. بعد ذلك، ذهبت مريم إلى المعبد وقد سخر منها رهبان المعابد الآخرين، لكن زكريا آمن بقصتها وأيدها. اتهم الرهبان مريم بأنها صارت امرأة فاسقة وأنها لمست رجلاً غريباً من دون زواج. أجابت مريم بالإشارة إلى ابنها وإخبارهم أن يكلموه. لكن الرهبان غضبوا لأنهم ظنوا أن مريم تستهزء بهم بطلبها أن يكلموا الرضيع. حينها أنطق الله عيسى من المهد وتكلم عن نبوته قائلاً :  قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا  وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا  وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا  وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا   .[8][17]

الرسالة
حسب النصوص الإسلامية، عيسى ارسله تعالى إلى بني اسرائيل يدعوهم إلى التوحيد والإيمان بالله ربا وإلها لا شريك له ولا ند ولا مثيل 

يؤمن المسلمون أن الله أنزل على عيسى كتاباً مقدساً جديداً يُسمىالإنجيل ليحل لبني إسرائيل بعض الذي حرم عليهم، وأيضاً بالبحث عن الحقيقة في الكتب السابقة مثل التوراة و الزبور. تكلم القرآن عن الإنجيل بأنه يبعث في قلوب متبعينه التقوى والتواضع. لكن الرسالة الحقيقية في الإنجيل حُرفت وغُيرت مرات عديدة في مختلف الأزمان.

 مذكور عن الإنجيل في القرآن
:

 إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ  وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ  قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاء إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ  وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ  وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ  وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ سورة  آل عمران

 كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ  آل عمران


 وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ  وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ   [18][19]
يتبع بإذن الله....


محاضرة بعنوان 
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَك 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فأبدع ما خلق ..لا تنفعه طاعة من أطاع ولا تضره معصية من فسق ..خلق السماوات والأرض رتقاً ثم فتق بقدرته ما رتق ..أقسم جل جلاله بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق وأقسم لتركبنّ طبقاً عن طبق ثم قال ( فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ )وأصلي وأسلم على من بعثه ربي جل جلاله بالحق وبالحق نطق روحي وأبي ونفسي وما أملك له الفداء عليه الصلاة والسلام ..

أما بعد : فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته .. وأسأل الله الذي لا إله إلا هو الذي شرفني برؤيتكم فوق هذا الفرش أن يشرفني برؤيتكم أخرى تحت العرش

وألاَّ يُبقي في صدوركم أمنية هي لله رضا ولكم فيها صلاح إلا كتب قضاءها قبل أن ينقضي يومكم هذا , إن ذلك على الله يسير وإنه بالإجابة لجدير جل جلاله ..

أحبتي حينما يكون الكلام عن كلام الله جل جلاله "عن القرآن" فلا يظن أحد أن المهمة سهلة , حين تتكلم عن أي كتاب فالأمر سهل تحضّر وتأتي تتكلم ,

لكن عندما يكون الكلام عن كلام الله عز وجل ثم تُعطى أربع ساعات , خمس ساعات , خمس سنوات , خمسة قرون لا تستطيع ,

واحد يقول هذا يبالغ .. لا والله إذا كان كلامي فرُدَّه عليّ , إذا كان كلام الله عز وجل فلا. ..لأن الله سبحانه وتعالى حين وصف المعاني التي في كتابه جل في علاه والعظمة التي في كلامه وصفها وصفاً تحار له العقول !

خذ مثال , والله سبحانه وتعالى إذا أعطى مثال ولم تفهمه فارجع له فإنك لست
عند الله بعالم ,( وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )

يعني أي  مثل يمرّ عليك أنت جاهل في ذاك المثل فارجع له مرة ثانية ففيه عمق وعظمة وعجب كما قال الجن في قوله تعالى :( إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) ما هذا  الكلام ! وصف الله سبحانه وتعالى عظمة هذا القرآن وسعة معانيه بمثال والله تحار له العقول يقول الله عز وجل :( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ ... ) تخيّل أوقفنا  كل محلات الخضار والفواكه وكل منتج غذائي يؤخذ من نتاج الأشجار , أوقفناه واقتلعنا تلك الأشجار كلها وقطعناها ولم نُغفل منها غصناً واحداً ثم نثرنا كل هذه الأشجار على أنها أقلام بين يدي العلماء وجمعناهم على شواطئ البحار وقُلِبت البحار كلها حبر وقلنا خذوا كتاب الله واكتبوا معاني الكلمات ,اكتبوا المعاني التي في القرآن , وبدأ العلماء يأخذون الأشجار والقطع و يغمسونها في الحبر ثم يكتبون ويكتبون ويكتبون وجف البحر الأول ثم جيء ببحر آخر وبحر ثالث ورابع ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ) إلى أن جف البحر السابع ( ... مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) لكن القضية إذا وصل للقلب - هذا الكتاب لم ينزل لغير القلب أبدا-

وخذها حبيبي الغالي وأختي الكريمة قاعدة : الآية إذا سمعتها أو حفظتها أو قرأتها اسأل نفسك :هل سكتّ بعدها ولم تبلّغها لغيرك ؟ إن كان الجواب نعم فوالله لم تصل إلى قلبك!لو وصلت إلى قلبك أتحداك أن تسكت وتتركها في صدرك , أتحداك..هل هذا مذكور في القرآن ؟ هل مذكور أنه إذا وصلت الآية للمكان الصحيح فإنك لن تستطيع أن تسكت عنها ؟ لن تتحمل أن تبقى في صدرك دون أن تبلغها غيرك ؟

قال تعالى: ( وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ... ) أين ؟ ( عَلَى قَلْبِكَ ) لماذا ؟ ( لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ )هل هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام ؟ لا..( المص (1) كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ ) حسنا ... أين أركز يا ربي سبحانك ؟هل أركّز على كم صفحة نظرت إليها عيناي ؟ أو كم آية نطقت بها شفتاي ؟ .. أين أركز لكي أعرف هل استفدت من القرآن أم لا ؟( فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ ...) ركّز على قلبك كم آية دخلت إليه ؟! (فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ) مستحيل تسكت إذا وصلت ! حسنا يا ربي أنا لا  أحس بالآية عندما أقرؤها ! قال الله هل تريد أن تعرف المشكلة ؟ ( اتَّبِعُوا .. ) الذي  قرأته اتّبعهُ ؟إذا اتبعته ينفتح القلب شيئا فشيئا ... وسأثبت هذا بإذن الله من كلام  الله ,لأجل هذا نسأل :الجن لما سمعوا القرآن هل وصل لقلوبهم أم لا ؟( وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) لم يستطيعوا أن يتحملوا ( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا ..)حسنا ... لماذا لا تحتفظوا به في صدوركم ؟ لا ...( قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ )

أحبتي تخيلوا ميت لا يرى أي شيء من الأنوار ولا يسمع أي صوت من التي نسمعها الآن ولا يشعر بأي شيء ثم فجأة بثّ الله فيه الروح سبحانه وبدأ القلب ينبض ثم فُتِحت العينان ثم تحركت الدماء وبدأ يتحرك ثم وقف ثم مشى ! أقسم بالله إذا دخل القرآن في حياتك فإنه يفعل لك مثل هذا !!

نحن بدون قرآن جنائز تمشي على الأرض , حياتنا توابيت , قبور .. والله حياة بدون قرآن ليس لها روح ولا رائحة ولا أي شيء ..من الذي يقول أنه روح ؟ الله تعالى هو الذي يقول ذلك ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا )جسد بدون روح لا يمكن أن يفعل شيء , حياة بدون قرآن والله لا تساوي شيء !

كانت حياة النبي عليه الصلاة والسلام - مع أنه صاحب أعظم خُلق في الدنيا- كانت حياته ليس لها طعم ولا رائحة وليس فيها روح ,( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ ) لم تكن تحس بطعم في قلبك ( وَلَٰكِن .. ) قال الله تعالى : ( وَلَٰكِن .. ) فاسمع ( وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ ) اللهم اجعلنا ممن شئت هدايتهم يا رب العالمين( نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) أيُّ صراط ؟ ( صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ )

( صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) أيُّ صراط ؟ ( صِرَاطِ اللَّهِ ) من هو الله ؟ ( الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) ، ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) ، ( قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيم ٌ ) أين المشكلة ؟ لماذا لا نُحس ؟! (أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ) ،( وَإِنَّهُ ...) هذا القرآن !(وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ ... ) من الذي يصفه ؟ الله سبحانه وتعالى ( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) العزيز إذا أتيته يبتهج ويضعك في عينه و فوق رأسه , لكن إذا ذهبت وأعطيته فضلة وقتك فإنه لا يلحقك ! (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ) .( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُون َ...) يُعلّمنا ( لَوْ تَعْلَمُون َعَظِيمٌ ) ما جواب القسم ؟ ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ) ، متى تقول لشخص أنني لم أرَ أكرم منك ؟ إذا أعطاك أكثر من حاجتك ، والله هذا القرآن يعطيك أكثر من حاجتك وأكثر مِن الوقت الذي أنت أعطيته ، لكن هل أحسسنا به ؟ إذا لم يذهب للقلب لن نُحس بشيء أحبتي ، كل هذا الكلام نُحسه كلام "فارغ" ! . الله سبحانه وتعالى لمّا تكلم عن القرآن قاس : هناك أُناس يعلمون وأناس لا يعلمون ، وصف الذين يعرفون ويعلمون بصفة والذين لا يعلمون بصفة ، قال سبحانه ( أَفَمَن يَعْلَمُ ..) اللهم اجعلنا ممن يعلم يا رب ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَق ُّ.. )هل قال "كَمَن لا يعلم " ؟! لا... بل قال سبحانه ( كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ ) تذهب  تقود الأعمى يمين فيذهب معك يظن أنه الاتجاه الصحيح ، تذهب تقوده يسار يذهب معك  يظن أنه الاتجاه الصحيح ، الله يقول الذي يعلم وهو ذاهب أين سيذهب يختلف عن الأعمى ! فيقول إن الذي لا يعلم القرآن أعمى ( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) اللهم اجعلنا منهم يا رب .

ما هذا الذي يُفترض أن نعلمه من القرآن أحبتي ؟ كل آية مرت على قلبك وأحسست أن شيئاً لم يحدث ! أن قراراً لم يتغير! أن شيئاً لم يتحرك ! يجب أن نعلم في تلك اللحظة مع تلك الآية أن القلب كان مُقفل في تلك اللحظة , قلب مكسور - نسأل الله أن يجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وأن يفتحها لكلامه - من الذي قاله ؟ يقوله ربي سبحانه ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن َ ) لم يقل ربي سبحانه "أفلا يقرؤون القرآن" ! بل قال سبحانه:( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَم ْ ....؟) إمَّا أن نُحِس أو أن هناك مشكلة  - أسأل الله أن ينجينا منها جميعاً - ( ...أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ).

اليوم الكلام أحبتي عن قول الله سبحانه وتعالى ( كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ۖ ) لكن لأجل أن نتكلم عن هذه الآية نحتاج سنوات - نسأل الله سبحانه أن يعيننا على  قول ما يرضيه وأن ينفعنا جميعاً يا رب العالمين .

هذا القرآن يصلح للتثبيت أم يَصلح لهداية شخص ليس بمُهتدٍ أم يَصلح لشخص مهتدٍ وثابت ويزيده إيمان ؟ أيُّهم ؟ كلهم ! كلهم وأكثر، ولمَّا نتكلم عن الثبات مع القرآن فإن الموضوع يختلف ، لمّا أتكلم وأشرح كتاب مؤلف علاّمة أو عالِم دين عن الثبات سيختلف الموضوع تماما عن إذا تكلمتُ عن كلام الله عن الثبات؛ يقول الله سبحانه وتعالى حتى تفهم هذه الآية يجب أن تدخل في القلب أولا ً، إذا دخلت في القلب فإنها تذهب لعقلك وليس العكس، إذا ذهبت لعقلك هُنا تكون القرارات وتتغير الحياة، يقول سبحانه ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ )لِماذا؟ ( لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِه ِ) ليدبروا أين ؟ (... لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ )، لأجل هذا الجن لمَّا دخل القرآن قلوبهم قالوا ( فَآمَنَّا بِهِ )، قرارات في العقل: "الآن مستحيل أن نترك هذا الكتاب"( وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ) - قرارات - الشاهد  دعونا نتدبر هذه الآية. آية ؟! إي والله آية .. ( الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ...؟ ) سوَرِه ِ ؟! لا...، صفحاتِهِ ؟! لا ... (أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ )، كل آية قبل أن تأتيك  تكون مُحكمة من أعلى ( أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ... ) آية ؟! إي والله .. مَن الذي أحكمها؟( مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ ...), مَن  الذي فصّلها ؟ (... خَبِيرٍ )، الإحكام يحتاج  حكيم والتفصيل يحتاج خبير.


إذاً لمَّا نتكلم عن الثبات اسأل أيُّ سؤال في ذهنك: كيف أثبت ؟ كيف أزداد ثباتاً ؟ أحسن قصص الثابتين، برنامج عملي للثبات ، كل هذه تجدها في كتاب الله، كيف يثبت العالِم ؟ كيف يثبت المجاهد ؟ كيف يثبت الإنسان المؤمن ؟ كلُّ هذه في كتاب الله. لكن ذرونا نجعل إشارات سريعة لأمثلة سريعة، القرآن يحملك من أي مرحلة ، من أي منزلة دينية أنت فيها، وإذا دخل القلب - أسأل الله أن يجعله ربيع قلوبنا - إذا دخل القلب ينقلك إلى مرحلة أعلى ، مثلا ً كافر ممكن أن ينقله بإذن الله إلى أن يصبح مسلم ، مسلم ينقله بإذن الله إلى أن يصبح مؤمن ، بإذن الله مؤمن ينقله إلى مُتقي ، مُتقي ينقله إلى مُحسن ، يعاملك على حسب درجتك الإيمانية ، المُتَّقي يسمع القرآن بطريقة تختلف عن المسلم العادي وعن الناس - أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المتقين- يقول الله سبحانه وتعالى ( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ) هذا له بيان ، واقفٌ يصلي سمِع بيان , تفاصيل عن أقوام  ، ما يُرضي الله وما لا يرضيه ، كيف طريق الجنّة ، كيف أسعد في حياتي ، كيف ..., كل شيء .. (هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ ) والذي بجانبه واقف , فقط بيان ؟! لا ...( وَهُدًى ) ذاك لم يحصُل عليها( وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ) يُعامل كل شخص على درجته الإيمانية, لكن هل ممكن شخص  كافر يسمع القرآن ويتغير ؟ إي والله ، لأجل هذا قال الله سبحانه وتعالى ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ) ثم ماذا ؟ قال تعالى:( ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) أحدهم  يقول هل من الممكن أن يتغير الإنسان من الكفر للأسلام ؟!.نعم ... الله تعالى لا يقول ولا يأمرنا بشيء لا ينفعنا, وإذا كنا لا نشعر فلا نظن أن كل الناس لا يشعرون , لأجل ذلك اسمعوا قصص المسلمين الجدد, معظمهم يقول: أسلمت بسبب آية .
قصة قِس في مصر على قناة الرحمة يقول : رأينا أعداد النصارى الذين يسلموا في مصر قد زاد فاجتمع القساوسة قالوا: لابد أن نضع حل لهذه القضية, فقالوا: نجعل حلول قريبة المدى وحلول بعيدة المدى, بعيدة المدى لابد أن ننشئ الأطفال ونبني فيهم ونزرع داخلهم أن هذا القرآن كله أخطاء, قال: فأعُطي كل واحد من القساوسة القرآن وأعُطيتُ قرآن وكان هناك مسابقة : مَن أحسن واحد يأتي بأخطاء أكثر ؟


يقول: ففتحت القرآن وأنا موقن أني سأكون الأفضل, فبمجرد أن فتحت القرآن قرأت قوله تعالى ( أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ) فأغلقت المصحف وفهمت أن هذه الرسالة لي وأسلمت !-شاهدوه على قناة الرحمة - فقال: فذهبت للوالدة, أمي كل حياتها وهي تربيني لأصبح قسيس, وأنا في القطار طوال الطريق أقول :يا رب يسر أمري كيف ستتقبل هذه الصدمة ! فقال: فذهبت لها فقلتُ كيف حالك يا أماه؟ وأنا أُقبِّل يديها ورجليها, فقالت:ما بك؟ فقلتُ :يا أمي أريد أن أقول لكِ شيء ولكن أخاف أن تستائي, فقالت :هل حدث لك شيء ؟ ما بك ؟ هل صحتك سيئة ؟ قلت: لا..

قالت هل أصاب أولادك شيء ؟ قلت: لا.. قالت : هل في عملك أي شيء ؟ فقلت :لا والله كل شيء بخير , قالت : الحمد لله إذَن ما بك؟ قلت: يا أمي أنا أسلمت , قالت : حقا !! تأخرت كثيرا , كنت واثقة أن الله سيهديك للإسلام لأن الله هداني , وإني لأدعو لك كل يوم .فأقول أحبتي نعم والله من الممكن إذا وصل القلب , القضية أن يصل إلى المكان الصحيح . هل من الممكن أن قِس يسلم ؟ كافر لم يسمع القرآن قط ؟ إي والله . أهم شيء أن نقطة واحدة تكون خارج قلبك وأنت تسمع القرآن , ما هي هذه النقطة ؟ الكبر ! أحيانا ذرة كبر لا نشعر بها تحرمنا لذة القرآن ! يقول الله سبحانه وتعالى:

(سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ) ذرة كبر كأن تقول: فلان لم يسلم علي مستنكرا ذلك, تقولها أو تشعر بها لكبر في نفسك , حسنا.. وأنت مَن تكون ؟! أنت جئت من تراب وعشت على تراب وستذهب للتراب , الكبر لله , وله الكبرياء..يقول الله تعالى أن هناك نصارى سمعوا القرآن فضرب في القلب , انتهت القضية , تغيرت حياتهم بالكلية , قال تعالى: (...ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ - وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ...) مما سمعوا؟ لا... مما حفظوا؟ لا... مما قرؤوا؟ لا...قال تعالى : تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين- وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) ما لنا ؟! هذه نقطة تحول في حياتنا , لماذا لا نؤمن ؟! إذن من الممكن أن تغيرك آية من الكفر للإسلام , حسنا...هل من الممكن أن يزيد إيماني إذا كنت مؤمن ؟ نعم ... قال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( حسنا... إذا آمنوا وزاد إيمانهم كيف يثبتوا ؟

هذا موضوعنا اليوم >> كيف يثبت <<أول القضية أن تعرف أن مسألة القلوب لا يملكها إلاّ علاّم الغيوب فقط . من الممكن أنه ليس لديّ علم شرعي سأذهب أتعلم "ممكن" , سأذهب أحفظ القرآن "ممكن" , سأثبِّت قلبي "لا يمكنك" !!

حسنا...هل يمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يثبِّت قلبه هو؟ لا...لأجل هذا الله سبحانه وتعالى ذكر لنا قضية كبرى : أنه لا أحد يُثبِّت إلاّ الله , إذا لم يثبتك الله فلن تثبُت أبدا , يقول ربي سبحانه : (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ... ) لا تقدر أن تثبُت أنت يا رسول الله بأبي وأمي عليك الصلاة والسلام , قال تعالى (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ ...) ففهم النبي عليه الصلاة والسلام الرسالة وبدأ يعلم الناس , كان أكثر دعائه "يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك" مادام أن القلوب  لا يملكها إلاّ أنت فثبِّت قلبي يا الله .. أكثر دعائه ؟! إذا كان في المسجد الواحد يستغفر من ٧٠ إلى ١٠٠ مرة فكم سيكون عدد مرات قوله هذا الدعاء ؟!

حسنا ... نقف مع هذه الآية لأن فيها رسالة للعلماء وفيها رسالة للعامة .أولاً الرسالة التي للعلماء ... الآن نفتح أي قناة نجد مفتين صحيح ؟! جميعهم يفتون على نفس القضية ,واحد يقول حلال وواحد يقول حرام ,حسنا... العالم إذا اجتهد وعنده العلم الشرعي وعلم بالقرآن وعلم بالحديث الصحيح _الضعيف الناسخ والمنسوخ _المطلق _المقيد _ علم اللغة جميع ذلك عنده فاجتهد وخرج وقال حرام, إذا قال حرام وهو صادق وقد بذل كل ما في وسعه لكن لم يصيب في اجتهاده فقد أخذ أجر اجتهاده, وفي حال اجتهد وأصاب فله أجرين, لكن في حال أنه أخطأ كيف يعرف أنه أخطأ ؟! أي سؤال تجد إجابته في القرآن , الله سبحانه يقول:( وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا ), (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ), (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ) إذا  أفتى  العالِم بمسألة هل يمكنني أن أعرف هل هو أخطأ ؟ نعم ..ممكن.أنا كعامي أعرف وهو يعرف كيف نعرف, من خلال القرآن , قال سبحانه :( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ ...)جاؤوا عند عالم يفتنونه إما بمال أو بجاه أو بأي شيء من أمور الدنيا حتى بعض الأحيان يخدعونه أنهم يريدون أن يقدمون الدين ! فيميل هو قليلا , ماذا يقول الله سبحانه وتعالى و لِمن ؟ للنبي عليه الصلاة والسلام ! لاحظ يقولها للنبي عليه الصلاة والسلام حتى لا تقول : لااا العالِم الفلاني بعيد عن هذا , قال تعالى :( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ...) أي أنا أريده حرام وأنت قلت حلال أو العكس , فهم فتنوك عن الذي أوحينا إليك , نكمل الآية (لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ) الكلام لِمَن؟ للنبي عليه الصلاة والسلام !! نكمل الآية لترى أنك إذا قلت أمر غير الذي أريده بسبب أنهم فتنوك "أنت مفتون ومفتري" وفي هذه الحال كيف تعرف أنك كذلك ؟ نكمل الآية :(لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) فهؤلاء يفرحون  بفتواك ويجعلونها في الصفحة الأولى في جرائدهم "العلامة أفتى" إذا اتخذك الفساق خَلِيلا فاعلم أنك فتِنت وافتريت على الله غير الذي يريد ! مستحيل أعداء الدين والمنافقين يفرحون بفتوى لك لأنهم يحبون الدين و مستحيل يحبوك ويتخذونك خَلِيلا وأنت على الصراط المستقيم لأن الله تعالى يقول عنهم : (وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) فمستحيل أن يفرح بك إلاّ إذا كنت مائل معه , وضحت أحبتي؟! هنا يأتي العالِم يرتجف يقول كيف أثبت؟ وكيف أعرف ذلك 

نقول تعرف ذلك إذا اتخذك هؤلاء خَلِيلا , فاعلم حينها أنك قد فُتِنتَ وافتريتَ , كيف تثبُت ؟ لاحظ ماذا قال الله تعالى في الآية: (وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ ...) أول شيء يجب أن تفهمه أن الثبات من فوق فدائما اسأل الله الثبات(وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا ) يعني ٩٩٩ فتوى ممتاز كلها في الكتاب والسنة ثم فتوى جاءت بهذا الشكل , يعني قليل ! ولكن هل تعرف ما هو ثمن القليل هذا عندما تأتي من عالِم ؟ إنها ترديه ولو كان رسول الله عليه الصلاة والسلام - وحاشاه - يقول الله تعالى هل تعرف ثمن القليل هذا كم؟ (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا - إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ ....) بمعنى سأعذبك ضعف العذاب الذين فوق الأرض لأن فتوَتَك فَتَنت أمّه وانتشرت وفَتنَت الكثير عن سبيل الله عز وجل , بعد هذا العذاب هل سنكون صافين ؟! هل ستُصفّى ذنوبي؟ لا ..( ...وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ) تلحقك في القبر لأن كثير يعملون بها ، حسنا...فقط ؟

عُذِّبت فوق الأرض وتحت الأرض فقط ؟ لا.. بل لا زال هناك يوم العرض (ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) لأجل شيئا قليلاً !! والله العالِم هنا يرتجف خوفا , لكن القرآن عظيم ، أعطاك مشكلة وأعطاك كيف تعرف أن هذه المشكلة فيك ثم أعطاك حلّها ، مظاهر ومعالم أنك على الصراط المستقيم ، الواحد يقول يا رب سبحانك ! الآن علمت أني إذا لم أثبت وافتريت وفُتنت سيتخذوني خليلا وسأدفع ثمنها فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض ، إذَن كيف أعرف أني ثبتُّ ! ( وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ۖ وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا ) لا  يضعونه في جرائد ولا في إعلام ,هذا الشخص أخرجوه , حسنا.. يقول أحدهم هل من الممكن أن شخص يخرج عن هذه السنة ؟ لا ..( سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ...) كل  شخص ثبت حاربوه , يريدون أن يخرجوه ويستفزوه ,(سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا) حسنا...كيف أثبت ؟ أريد برنامج عملي .. (أَقِمِ الصَّلَاةَ ...) تريده أن يثبتك ؟ حافظ على صلاتك (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ) ادعُ وقل يا رب ثبتني (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) هل تكفي ؟ ذهبتَ للقاء صحفي أو اجتماع أو ندوة أو مؤتمر(وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ(… فقط ؟ من الممكن أن تدخل صادق ثم تُفتن في الداخل وتخرج مخرج كذب ! (...وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا) حتى لا أُفتن ، (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) والله  إذا فعلت هذا  المنهج إنك على حق والذي أمامك سيزهق , ما هو منهجك إذَن ؟ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ… ) هنا تجد أسباب الثبات كلها (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) هنا تجد علامات , إذا لم تثبت ماذا سيحدث وإذا ثبتّ ماذا سيحدث , (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) فكلما  أفتى العالِم  فتوى والنَّاس رؤوس الفساد كرهوها يشعر بشفاء داخله أنه إذا لم يرضوا عنها فهذا شيء جيد (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِمَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) -اللهم اجعلنا منهم – أما الآخر الذي فقط يحاول أن يرضيهم ويحاول يبحث عن دليل يرضيهم ( وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) وبعدها؟(وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَىٰ بِجَانِبِهِ ۖ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا ) من تريد أن يأخذك خليل ؟ الله أم الناس ؟ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً - ‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) فخذ العلم من هنا , ثم امتنّ الله سبحانه على النبي عليه الصلاة والسلام وهدده بأمر أعظم ! لم يقل " لَئِن شئنا لأخذنا روحك أو نتلف أعصابك وتصبح معاق أو نأخذ عيناك فتصبح أعمى أو نأخذ كليتك وتصبح تغسل كلى "! لا...لم يقل ذلك ,بل قال سبحانه : (وَلَئِن شِئْنَا ...؟) لو شئتُ أخذت منك شيء أعظم في الدنيا ,شيء يعلِّمك أن تسير إما صح أو خطأ ؟ (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً - إلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ 
كبيرا


وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) تجد من أخبار الثابتين أن كلامهم عجيب ! اطلب من الله أن ينجيك الآن ! حتى السحرة لمَّا قال لهم فرعون ( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) ماذا قالوا؟ (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) لم يقولوا نجِّنا ! أهم شيء يا رب أن تثبتنا وتجعلنا من أهل الثبات . حسنا... كيف نثبت ؟! يقول الله سبحانه وتعالى أن الإيمان إذا دخل القلب فإنه لا يتزعزع , قال الله عز وجل: ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ) لو أن الله قال من يريدني أن أرضى عنه فليقتل نفسه ؟! ( أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم ) بيت بنيتَهُ ثم بعد ٢0 سنة يقول لك ربي إذا كنتَ  تريدني أن أرضى عنك فاخرج من بيتك "لوجه الله" ! ثم ماذا؟ (مَّا فَعَلُوهُ..) جميعهم ؟ لا.. هناك أناس في الخط الأبيض سيفعل أي شيء لأجل أن يرضى رب العالمين ، (مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ) لمّا نزلت هذه الآية قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " لو فعل ربنا لفعلنا " أي أقسم بالله لو قال اقتل نفسك لأقتل نفسي لا أرجع لأهلي , ولو قال اخرج من بيتك لخرجت , فدخل عبد الله بن رواحه والنبي صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم الآيات فرأى النبي عليه الصلاة والسلام عبد الله بن رواحه فقال "والذي نفسي بيده أن هذا منهم" بمعنى أن هذا لو أمرناه ما رجع لبيته ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام" للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " ثابت لا يتحرك , قال تعالى : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ) ,  قال الله تعالى ( إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ )بالطائرات (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ ) بالألغام (وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا *هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ ) الذين في الخط الأبيض (وَزُلْزِلُوا...) ثابتين ! (وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا). نفس الموقف رآه المنافقون ورآه  المؤمنون , قال تعالى: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) وفي نفس السورة قال تعالى:(وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ )هو قال سأخرجهم فوقكم وسأزيدهم وأزيدهم ولكن لن تنتهي القضية عند هذا الحد ! (وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) !

قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ ...) أي قضية تعرفها حاول أن تطبقها ، هذا من أسبابالثبات (..لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا *وَإِذًا  لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا *وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا  مُّسْتَقِيمًا *وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا)

ختاماً...يجب أن تدعو لنفسك كل يوم بالثبات , تدعو الله من قلبك حتى لو كنت "مجاهد في سبيل الله قد زكاك رب العالمين" , قال الله سبحانه (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ *وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ) ماذا يقول الله سبحانه وتعالى عن الراسخين في العلم , الذين "زكاهم" وقال هؤلاء "راسخون" ؟! يقول كانت دعوتهم : (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ) إذا كان هذا دعاء الراسخ فماذا عنا نحن ؟! أصلاً هم ما رسخوا إلاَّ بهذه الأدعية .

"أسال الله العلي الذي لا إله إلا هو أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا "



محاضرة بعنوان 
لحظة
بسم الله الرحمن الرحيم

ابدأ بسم الله مستعيناً .. راضٍ به مقدّراً معيناً والحمد لله الذي هدانا .. إلى طريق الحق واجتبانا أحمده سبحانه وأشكره .. ومن مساوئ عملي أستغفره واستعينه على نيل الرضا .. وأستمد لطفه فيما قضى.

حبيبي الغالي سأسألك سؤال : كم يوم في حياتك أصابك صداع!
اليوم فكر كم مرة أصابك صداع كاد أن ينفجر رأسك !
أوشكت أن تموت من شدة الألم كم مرة؟
الآن الآن تشعر منها بشيء لا .. ذهبت كم مرة بُشرت ببشارة أوشكت أن تطير من الفرح ؟

إما بنجاح إما بمولود إما بزواج أين هي الآن؟ أين ذهبت!!
وكم من معصية تلذذت بها في وقتها إما نظرة بالبصر بالأذنأو بالسمع أو باليد أو بالأقدام أو بالقلب أو باللسان ,كم من لذة أضحكتك ؟ أين هي الآن ؟ لكنها سُجلت شئنا أم أبينا سجلت ذهبت لذتها لكن هي بقيت !

كم مرة يا أخي استيقظت من النوم رغم أن ورائك عمل,ثم تذكرت الجنة وتذكرت أن هناك موقف سوف يكرم فيه أقوام ,وتذكرت قول الله عز وجل

( كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون )
فقلت اللهم اغفر لي , ونفضت فراشك وتجافيت عن مضجعك ثم توضأت ثم صليت ووضعت جبينك في التراب وقلت اللهم اجعل هذه الليلة وهذه السجدة أذكرها يوم ألقاك ,تُسعد قلبي يوم تخذل الناس معاصيهم ,ذهب التعب ذاك اليوم الآن لا تذكر شي ,لكن ما بقي كتب لك هنا ورفع ذكرك هناك ..

أتكلم عن تلك اللحظة التي أريد أخي الآن أن تتنقل بفكرك إلى ذلك الرضيع الذي ما أمهله الله عز وجل لم يمهله أكثر من شهرين ,حدد الله عز وجل مع ذلك الملك يوم أن كان ذلك الرضيع جنينًا في بطن أمه ذو أربعة أشهر أرسل الله الملك فحدد عمره أن هذا بعد شهرين سوف ينزل
عليه ملك ويأخذ روحه , ما أمهل ذلك القلب بأن ينبض أكثر من شهرين فإذا بذلك الجنين بعد شهرين , وبعد النبضة التي حدد الله عز وجل أن تكون الأخيرة إذا به ينبضها ويستكمل
عمره فيقف ذلك القلب وينزل ذلك الملك ويقبض الروح , وإذا بالأهل يأتون و يجدونه لا يتحرك , قلب لا ينبض,أنفاس لا تخرج, أفواه لا تتحرك,أذان لا تسمع وقد كانت قبل دقائق تسمع , بكت أمه , بكى أباه غسلوه كفنوه صلوا عليه دفنوا ذلك الرضيع ذو الشهرين في قبره ..

و إذا بالأرض تتصدع من فوقه شيئا فشيئا فيرى النور فإذا به يخرج من تلك الأرض رضيعا فيرفع رأسه إلى السماء والغبارمن فوق رأسه يتناثر يرفع رأسه إلى السماء فإذا بالسماء تتشقق وتتقطع ,ينظر إلى النجوم فإذا بها تنتثر , ينظر إلى الشمس فإذا بها تكور ثم تجمع الشمس مع القمر ثم تسجر في البحر ,فإذا بذلك البحر يشتعل نارا ثم يلتفت إلى الناس إذا بهم حفاة عراة يجرون
ويتراكضون فينظر من بين هؤلاء الناس إلى أغلى إنسانة في الوجود التي طالما بكت حين مرض وطالما تقطع قلبها يوم قيل مات ,ينظر إليها فإذا بها لا تُعنى به ولا تنظر إليه , ثم يلتفت إلى الجبال
( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي )

تعرف من هو ربك؟
الذي يسمع كلامك الآن ويرى ما في بالك ويعلم ما في صدرك الآن ,وما تكنه صدورنا سبحانه ينظر إلينا في هذه اللحظة والله هو الذي سينسف الجبال ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي )
التفت إلى ذلك الرضيع تجد شعره ذلك الأسود إذا به يشتعل شيبا ,, أسألك بالله ما الذي جعل تلك
الأم التي تقطع قلبها ولم تجف دموعها ما الذي جعلها تترك ذلك الجنين الذي لم تتهنى به في الدنيا , ما الذي جعلها تهرب منه !!

( يَا أَيُّهَا النَّاس )
لم يكلم الجدران, والله لو كلم الجدران لتزلزلت ولو أنزل على الجبال لتدكدكت , لكن ! أنزل علينا اللهم آتنا عقولا تنفعنا عندك .. 
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ )

يعني انتبه اعمل وافعل كالذي يمشي على الشوك قبلأن يضع قدمه قبل أن تتكلم بالكلمة قبل أن ترسل هذه اليد قبل أن تنظرهذه النظرة كأنك تمشي على شوك قبل أن تضع قدمك تعرف أين تضعها

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ )
لماذا ؟
لأنك سوف تقف في يوم( إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَة ) هناك سوف تندم إن لم تتق الله , دمعاتك تُجري فيها الأنهار لا يؤبه فيك , دمعتك اليوم غالية ,لأجل هذا يخبرك الله سبحانه وتعالى أن هذه الآيات لا تنفع الموتى أبدا , تنفعكم أنتم ,وقد يكون في الغد منا من لم تنفعه هذه الكلمات !
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيم )
جبار السموات والأرض العظيم هو الذي سماها يوم عظيم..( يَوْمَ تَرَوْنَهَا )سوف ترى تلك الأم التي كانت ترضع رضيعها )تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ )
أنا وأنت( سُكَارَى ) ,,والله ما شربنا الخمر هناك ( وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيد )
ولكن عذاب الله شديد , هو الرحمن نفسه ,,هو الغفورالرحيم يقول ولكن عذاب الله شديد , أسألك بالله لماذا شاب شعر رأسه !

هل لأنه زنى؟ هل لأنه ما قام يصلي الفجر؟ هل لأنه نامعن صلاة الفجر؟ أم لأنه في يوم من الأيام نظر إلى حرام؟
أم لأنه رأى الذنوب التي عليه فشاب شعره خوفا من عواقبها !!
هذا بلا ذنب يخاف مصيره لأنه رأى أشياء لم يتوقعها , بدلت الأرض غير الأرض والسموات , فشاب شعره ما أوقفه الله تعالى ,, ولم يسأله عبدي لما نظرت إلى الحرام؟!

ألم أعطيك نظرا وحرمت غيرك؟ , لن أتكلم عن تلك اللحظة لأن الكل سوف تمر عليه.. 
هل تعرف أي لحظة أريد أن أتكلم عنها !؟

تعال أنظر إلى اللحظة التي لا تمر على كل واحد منا لحظة مرتعلى أقوام لعلّنا نستيقظ وننظر أين هؤلاء الأقوام الذينمرت عليهم اللحظة !

وأين من عاش في وقتهم ما مرت عليه اللحظة هذه وكيف هذا رفعته تلك اللحظة إلى الفردوس الأعلى! وهؤلاء في السنين ما ازدادوا في جهنم إلا سعيرا وخسران!!

لحظة يوم أن ذلك القلب ينفض الغبار عن أغشيته يوم أن تلك العيون تنظر , وذلك القلب يبصر , يوم أن تسأل نفسك أنت وتقول كم لي من نفس , إذا كانت نفس غير
نفسي تُعذَب ارجع يا قلب ونم !

إذا كانت ليس عندك إلا نفس واحدة لا والله في تلك اللحظة التي ينظر الله عز وجل إلى قلبك وإذا به يتغير فإذا بحملة العرش تبدأ تستغفر لك يعطون الأمر , من تلك اللحظة متــــى ؟

تعرفون ماعز رضي الله عنه !!؟
ماعز اقترف جريمة عظيمة , ما عز زنى اختلى بها واعدها وكلمها بلسان , الله عز وجل أعطاه إياه ونسي , تحركت شفاهه بنعمة أعطاه الله إياه تحركت يده لمس تلك المرأة بيد,, الله سخرها له ,
تحركت قدمه إلى تلك المرأة بأقدام,, الله الذي سخرها له ونسي أن الله يراه في تلك اللحظات وانتزع منه الإيمان كما 

قال ابن عباس (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) مع أن الصحابي جلس مع النبي عليه الصلاة والسلام انتهى

ما عز وقضى حاجته وانتهت شهوته تفرقا من رآهما ؟!!
ما رآهما من أحد من الصحابة و لا أحد ممن في الأرض كلها ,ما أحد رآهم إلا أن رب العزة والجلال ( لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَام)

كان يراك وأنت في رحم أمك أفلا يراك وأنت على الأرض!
لو أنت في رمضان وتسللت بتعمد منك قطرة ماء وأنت تتمضمض قطرة تسللت ودخلت إلى حنجرتك هناك و نزلت أنت تعرف أن الله رآها أم لا إذا كان الله يرى , أعلم أن الإجابة نعم إذا كان الله يرى تلك القطرة فكيف لا يراك أنت بحجمك !!

علم ماعز أنه ماراه أحد من البشر بدأ يسأل نفسه, زنيت الآن لكن والذي نفسه بيده لتوقفن يا ماعز , و والذي نفسه بيده ليسألنك الله يا ماعز بدأت تلك الأطراف تؤنب ماعز تذكر أنها سوف تشهد عليه ,تذكر أنها سُخرت له ولكن سوف تتكلم تلك الأيادي وتلك الأقدام وسوف تقول يا ربي
هو الذي زنى , ماعز لم يتحمل أن رب العزة والجلال الذي لما هان عليه قوم عاد هانوا عليه عصوه , أستصلحهم عصوه ,رزقهم عصوه , أنعم عليهم زادهم في الجسم بسطة
ينحتون من الجبال بيوتا ( وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِين )هانوا عليه فحملهم بريح فدكهم دكا رؤوسهم كأعجاز نخل خاوية كل القوم هانوا عليه لما عصوه ..

هان عليه فرعون الذي أعطاه الملك ثم دس رأسه في التراب ,هان عليه قارون فلا يعلم أحد أين خسفت به الأرض وفي أي قاع سحيق ! لا يعرف أحد , هان عليه قوم شعيب فأرسل لهم سحب
ثم أمطرتهم بالنيران حتى احترقوا , فعلم ماعز أنه عصى الذي لما هان عليه هؤلاء القوم أبادهم, أنه عصى الذي عصاه إبليس فخلد في النار عصى من طرد آدم بذنب واحد يوم أن أكل فكيف بزنا !! لم يتحمل ماعز تلك المسائل بدأ يمشي يذهب إلى الصحابة , حسنًا يا ماعز خذ النبي عليه الصلاة والسلام بكلمة على إنفراد وقل له لكنه لم يتحمل , جاءه إبليس كم مرة قال يُفتضح أمرك أمام

الصحابة لكنه يعلم أن ذلك الموقف لا ينفع فيه الصحابة ,انظر ماعز ما تحمل أنه يقول يا رسول الله أريدك في كلمة على إنفراد , ما تحمل إلى أن جلس قال يا رسول الله ماعز زنا فطهره يا رسول الله ,
النبي عليه الله والسلام يعلم أن ماعز ما جاء لأجل يتوسطوا له الصحابة , وما جاء ماعز و هو يعلم أنهم سيجلدونه جلدتين فقط !يعرف النبي عليه الصلاة والسلام ماذا يريد هذا , يريد أنه يوقففيؤتى بالحجارة !

لو أقول لأحدكم سأعطيك قصر لكن ,وبكل قوتي سآخذ حجر وبكل قوتي وأنت واقف سأضربك أين ستصيبك لا أدري .. والله لن يوافق

لو قلت له ابرة سأضعها في عينك الآن , والله لن توافق ,هذا ماعز جاء وهو يعلم و يعرف النبي عليه الصلاة والسلام أنه يطلب أن يمثل أمامهم فيأخذ كل واحد حجر فيدُك بها جمجمة ما عز , و يدُك بها عينه فتفقع عينه ويدُك بها أسنانه ويكسرها , حتى يموت قال ويحك وارجع فاستغفر الله يغفر لك , يعرف أن هذا صادق ..رجع ماعز فتذكر قول الله الذي رآه ( فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون ) كُتبت يا ماعز اعمل ما شئت , فما تحمل ماعز رجع إلى النبي فقال يا رسول الله ماعز زنا فطهره يا رسول الله , قال ويحك ارجع لله فاستغفر.. رجع فتذكر

( أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا )على الركب , وماعز معهم وقد زنا فكيف يكون بأي وجه تلقى الله يا ماعز ! فرجع قال يا رسول الله ماعز زنا فطهره قال أماعز مجنون !!
قالوا يا رسول الله ما عرفنا عليه جنون قال أشرب الخمر !!
فقام أحد الصحابة قال والله ماعز لم يشرب خمرا يا رسول الله ..قال ويحك أتعرف ما هو الزنا ! علك ما زنيت يا ماعز قال والله يا رسول الله لقد أتيت من امرأة حرام ما يأتيه الرجل منا في زوجته حلال يعني زنيت , أخذوا ما عز في طريقه إلى هناك تخيل نفسك ثانية أنك تقاد الآن وسوف نضربك !!

ما تراجع ماعز , قيدوا ماعز فإذا بأحد الصحابة يأخذ حجرافإذا به يستقر في عين ماعز فإذا به يفقئها فإذا بالدماء تنزل ,لم قال يا رسول الله خلاص فقئت عيني ,ينتظر ماعز إذا بالحجر الثاني يأتي ويهشم رأس ماعز والثالث يدك أسنانه فإذا بماعز تميل تلك العنق وترتفع تلك الروح وتجري تلك الدماء فيقف ذلك القلب , رجع الصحابة ,كلها الآن لسبب لحظة وقف فيها يحاسب فيها نفسه ..
علم ماعز أنه ليس له نفسين يعذب بواحدة لأنها زنت وتنعم الثانية في الجنة , ولم يستطع إبليس أن يثنيه ,قال أحد الصحابة لأخيه أرأيت هذا الذي ستر الله عليه ففضح نفسه حتى رجم كالكلاب !
من سمعه ؟! سمعهم الله فأرسل رسالة إلى محمد عليه الصلاة والسلام , فما أخبرهم النبي عليه الصلاة والسلام مما سمع منهما حتى بلغوا عند جيفة حمار قد انتفخ وارتفعت أقدامه ,

قال فلان قال لبيك يا رسول الله , وقال و أنت يا فلان قال لبيك قال انزلا, وقف الرسول عليه الصلاة والسلام وقال أنتما الاثنين انزلا فكُلا من جيفة هذا الحمار, قطعوه الآن وكلا الآن قالا غفر الله لك يا رسول الله من يأكل من جيفة هذا الحمار ! قال ما نلتما من أخيكما آنفا أشد والله لو قطعتم الآن الحمار و أخرجتم قلبه و أخرجتم أحشائه و أخرجتموها و أكلتموها حتى سالت الدماء


أهون عند الله من أن تتكلمون عليه , ثم قال لهم الرسالة التي أتت من فوق أتت رسالة من فوق سبع سموات , الذي خافه ماعز فرحمه ,من خشي الرحمن ما قال من خشي القهار هو الرحمن لكن
يحذركم نفسه من خشي القهار من خشي الجبار لا والله من خشي الرحمن هو الرحمن إذا أقبلت عليه لكن أخذه أليم شديد إذا أخذ القرى وهي ظالمه قال والذي نفسي بيده أخبرهم عن الرسالة ,
الآن قل لهم يا محمد أين ماعز الآن قل لهم يا محمد ,قال والذي نفسي بيده إن ماعز الذي رجمتموه قبل قليل وقلتم رجم كالكلاب والله والذي نفسي بيده إن ماعز في أنهار الجنة ينغمس فيها الآن ..

سبحان الله أي لحظه رفعت ماعز من زاني إلى الفردوس الأعلى ..تعال ..وانظر معي إلى مرثد ابن أبي مرثد الذي كان يتناوب مع النبي عليه الصلاة والسلام في بدر أي فخر أن يركب مكان
النبي عليه الصلاة والسلام ثم ينزل ويمسك الناقة لنبي عليه الصلاة والسلام , هل تعرف مرثد ابن أبي مرثد !! مرثد كانت له عشيقه رضي الله عنه , يحبها حبا أوصله إلى الجنون لكن أتت اللحظة هذه حولت ذلك الجنون إلى عقل وحولت ذلك القلب الذي انطرح إلى الدنيا إلى الآخرة ,
فجاء والناس يُفتنون في مكة , جاء مرثد ليحمل أسرى المسلمين وينطلق بهم من مكة , يُهرب كل يوم واحد حتى يذهب به إلى المدينة ,وكانت له عشيقه يقال لها عَناق يبيت عندها في كل ليلة ويزنى بها ,قبل تأتيه تلك اللحظة و أتمنى أن تأتي هذه اللحظة قبل أن نموت لما جاءت تلك اللحظات وغير مرثد إذا بعناق تأتيه فإذا به يستخفي

منها ويهرب فيندس في مكان , فإذا بها كأنها لمحت مرثد قالت مرثد !؟
فإذا بها تقترب منه قالت مرثد !؟
حتى كان مستترا فإذا بها تفتح عليه قالت مرثد !؟
"الآن قد أسلم مرثد وهي مازالت على الشرك"
فقالت له مرثد بت عندنا الليلة تعال بت عندي الليله أما لك من فراش وطي وعيش رخي قال يا عناق انصرفي عني قالت يا مرثد بت عندي الليلة!
قال انصرفي يا عناق قالت والله و أقسمت وألت على نفسها إن لم يطعها في هذا الأمر ويبت عندها الليلة ويزني بها أنها تخبر وتفضح أمره عند قريش حتى يعذب هناك مع بلال حتى
يقطع ويجر مرثد على وجهه , ماذا قال مرثد ؟

قال عناق اسمعي إن رجلا
"انظر اللحظة كيف ترفعه عند الله عز وجل"
قال يا عناق إن رجل يبيع جنة عرضها الأرض و السموات تكون ملك له ينظر بنظره مئتين عام في ملكه كما قال ابن عمر يبيع حور لو بصقت في البحر المالح الاجاج لصار عذب فرات بإذن الله يبيع وقفه عند الله عز وجل أن يقول الله عز وجل تركتها لأجلي أدخل الجنة , قال إن رجل يبيع جنه عرضها الأرض والسمواتبلذة ساعة لمجنون إذا بها تصيح يا قريش ها هو مرثد , فإذا به يفر , هل رفضها مرثد لأنها قبيحة وإلا كبرت في السن وإلا قل حبها في قلبه لا والله , طوال الطريق وهو يفكر فيها من مكة للمدينة , ذهب للنبي عليه الصلاة والسلام دخل يريد النبي عليه الصلاة والسلام قال يا رسول الله هو ورسول الله فقط , قال يا رسول الله

"انظر يثبت لنا هذا الدين أنهم كانوا يتركونها لله والله انهم يحبون النساء وعندهم شهوة

" قال يا رسول الله أأتزوج عناق " أتأذن أني أتزوجها حلال !
قلبه متقطع متعلق بها لكن الله أغلى" أأتزوج عناق يا رسول الله ؟!
فإذا بجبريل ينزل بعد أن اهتزت السموات , قولوا لمرثد (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِك)

والنتيجة
( وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِين )
هل قال حسنًا انا لي فترة قصيرة مسلم أو قال لا يضر أهم شي لا إله الا الله !!
هذه اللحظة كيف رفعت مرثد حتى عُد بألف رجل يعد مرثد كألف رجل .

قال وعزتي وجلالي لا يكون عبدٌ من عبيدي على ما أكره فينتقل إلى ما أحب إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب هل علمت هذه المعلومة !!
ما كان عبد من عبادي وعزتي وجلالي على ما اكره "كان يعاكس كان ظالم نفسه مسكين ظلم نفسه ظلم مخيف هي التي سوف تعذب ويظن أنها أخرى" ,وإبليس (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ)
أخوتي متى تأتينا هذه اللحظة التي ترفع الواحد منا !!

أسالك بالله .. يوسف عليه السلام لو أنه زنى بامرأة العزيز هل سيكون يوسف يوسف !! وهل سوف تنزل سورة باسم يوسف!
لا وربي لحظات دقائق , هي جميله وهو شاب تدفعه شهوته الغريزيه وأعزب وفي غرفه لا يخاف من أحد ولا يستحي من فضيحة وهذه هي التي (غَلَّقَتِ الْأَبْوَاب) وتهيأت له كأحسن ما يكون وهي من أجمل النساء قالت يا يوسف (هَيْتَ لَكَ) أنا لم أتهيأ كل هذا إلا لأجلك أقبل يا يوسف قال
(قَالَ مَعَاذَ اللَّه ) لا يريد أن يسقط من عين الله عز وجل يريد أن بعد العشر دقائق هذه يكون أغلى الناس عند رب الناس سبحانه (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)

ما قلت من صواب فمن الله لا إله إلا هو وحده لا شريك له وما قلت من خطأ فمن نفسي والشيطان , واستغفر الله وأصلي وأسلم على أشرف من وطأت قدمه الثرى
بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام وجزاكم الله خير.
انتهى.

محاضرة بعنوان 
أعظم نعمة

الحمدلله رب العالمين الذي خلق ، فأبدع ما خلق ، لا تنفعه طاعة من أطاع ، و لا تضره معصية من فسق..خلق السماوات و الأرض رتقًا ، أقسم جل جلاله بالشفق ، و الليل و ما وسق ، و القمر إذا اتسق ، و أقسم لتركبن طبقًا عن طبق..ثم قال (فمَا لَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ)

و أصلي و أسلم على أشرف من بعثه ربي بالحق ، و بالحق نطق ، نفسي و روحي و أمي و أبي له الفداء عليه الصلاة و السلام..
أما بعد ..لا أستطيع أن أصف سعادتي وأنا بينكم

والحمدلله الذي اختص أحبتي هؤلاء من بين مليارات البشر أن يكونوا في بيت من بيوته يتلون كتابه إنها نعمة عظيمة ليست شيء بسيط..ماهو الدليل على أن أعظم نعمة تكفيك؟ هي أن يصل القرآن لقلبك؟! الله ذكر نعمة واحدة و أمرنا أن نفرح فقال (فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)

تخيل من عهد آدم عليه السلام كم شخص ملك الأرض ؟! ثم إلى مئات الأجيال من بعده و أموالهم و الأملاك والبيوت اجمعها كلها ,,الذي عندك هو خير من كل الذي جمعوه ..تخيل لو أن شخص كسب مليار ، أنت أفضل منه بآيات من القرآن وصلت قلبك وتفرح أكثر منه..( قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ) ماقال (مثل)  قال (خير) مما يجمعون..

فضل ورحمة دائما تأتي في القرآن
(وَلَئِنِ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً * إِلاّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا) رحمة و فضل صحيح! هي أعظم حتى من صحتك ,,لو أن شخص معاق و كل عضو فيه سرطان و لايرى لكن الله أدخل القرآن قلبه !!(أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ )  الله يسألك ..تخيل لو أنا  أعطيك عشرين ريال ثم بعد ذلك مليار ، سأختار الأكثر وأقول ألا يكفيك أني أعطيتك مليار!؟ الله يقول (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ) نعمة ليست عادية ( إِنَّ فِى ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ ) ليس الجميع يشعر بها (لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)..

أعرف شخص عندما وصل عند هذه الاية توقف وقال أنا لا أشعر بهذا لذلك أنا لدي مشكلة!! ,, يا جماعة نحن نشعر أننا مؤمنين !، لكن هذا عندنا,, و عند ربي شيء آخر(وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ) يقول لك ارتاح أنت مؤمن! (يَعِدُهُمْ وَيُمَنّيهِمْ) يقول لي أنت مؤمن فأصدقه (وَمَا يَعِدُهُمْ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلاَّ غُرُوراً) .

الشخص قال مستحيل الله يعد وعد ويضع شرط و أحقق الشرط و لا يعطيني الوعد ,,مستحيل الله يقول (و ذِكْرَىٰ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) و لا أشعر بشيء !(وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ) شرط ( يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ) وعد ، مستحيل اتقي الله و لايجعل لي مخرج ,, ماذا فعل ؟! قال ما مشكلتي مع قوم يؤمنون ؟! تعرفون أين ذهب ؟!

ذهب يبحث عن كل آيه فيها صفة مؤمنون وينظر لصفاتهم ليرى هل هذه الصفات فيه أو لا..جميل أننا نعرف خطأنا ، مشكلتنا أننا لاندري ونظن أننا نسير في الطريق الصحيح!!

الله يقول عن القرآن (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَٰنِ) يقرأ الآيات و لا يراجع نفسه هل هي فيه أو لا ، ماذا سيحدث (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا) معه دائما ( فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) ، ماذا يفعل ؟! (وَإِنَّهُمْ ) الشياطين (لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ) فتجده يقرأ (وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً ) و لا يراجع نفسه  ، و لايبتعد عن الغيبة!

(أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً ) ولا يشعر بشيء في قلبه!(وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ) المشكلة في آخر الآية (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ) المشكلة أننا نخطئ و نشعر أننا على صواب !! بدأ  يقرأ سورة المؤمنون و سيضع عند الصفات علامة هل هي فيه أو لا

(قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ)نأخذ واحدة واحدة (ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَٰشِعُونَ ) صح أم خطأ؟

(وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) هل كل ماجلست في مجلس واغتابوا اغتبت وتكلموا تكلمت !!يقول : ختمت ختمة مختلفة كأني أناقش أحد أصبحت أعيش في نعيم ,,إن قرأت عمَن أنعم الله عليه أقول يارب لاتحرمني و إن قرأت عمَن ابتلاه أقول يارب عافني أصبحت أشعر بطعم القرآن ..

طيب آيه فيها مدح أحد التجار يالله يارب مثل ما إنك أعطيته تعطيني يالله وفقت هذا عبد من عبادك وفقني لما وفقته إليه. عبد آخر قال لله سبحانه وتعالى يارب تعافيني إلى أن أموت,, عايش حياه فيها نعيم يالله يارب لاتحرمني من الجنه يالله يارب

يحس بطعم القرآن.. نعم له طعم ما كنت أحسه أبداً ,القرآن له طعم ,,طعم في الدنيا قبل الآخره ,,أحبابي عندنا مرضى بالمستشفى يأكلون عن طريق أنبوب أسأل الله أن يشفي كل مريض للمسلمين يأكلون عن طريق أنبوب من الأنف للمعده أنبوب دخل من الأنف للمعده ماذا سيكون فيه من الغذاء؟ تخيل لو أنا في مجموعه وأخذنا أغلى وأحسن وأجود أنواع العسل ,, كيلو كامل وجئنا نزور واحد من المرضى ,, الله يشفيه وسكبنا كيلو كامل من الأنبوبه بعد ما انتهى الكيلو سألناه قلنا ما رأيك فيه حبيبي؟ ماذا سيقول؟ العسل! أي عسل؟ صحيح؟ أي عسل؟ نحن أحضرنا لك أفضل و أغلى نوع,, طيب لو أعطيت أحدهم قطرة واحده بس سترى تعابير وجهه تدل على انه تذوق العسل ,,سبحان الله قطره واحده أثرت وكيلو كامل لم يؤثر ؟ مذكور في القرآن

يقول الله سبحانه وتعالى في تمكين سور القرآن ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)فرحان فبذلك ,, أصابت شي في قلبه( وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِم) وقال سبحانه ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)

لماذا أنزل هذا القرآن؟ أهم حكمه أنزل الله القرآن لأجله هي: ( كِتَـــابٌ أَنزَلنَـــاهُ إِلَيكَ مُبَــــارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا )-ماذا؟ آياته .. لأن كل آيه لها مع قلبك حكايه إذا وصلت القلب.

العشره كيلو من العسل وصل إلى اللسان فلم يحس بطعمه لأن أداة وصول الطعام ماهي؟اللسان,, طيب أداة وصول القرآن؟ القلب .

الأسئله إجاباتها مفصله تفصيلا ,,الله يقول سبحانه وتعالى(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ-من قارئ؟ لا هل من حافظ؟ لا-فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ)

كيف ترضى يارب بأي عضو؟ بأي عضو؟ (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ-مفصل بس؟ تَفْصِيلًا )( وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ )أي شي تريد تفصيله تجده هنا (تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ-يعني لازم تصل مكانها الصحيح ,, لو آخذ ماء وأنا عطشان وأسكبها هنا على رأسي لن أرتوي,, لازم تذهب المكان الصحيح,,

الله سبحانه وتعالى يقول( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ - أَم- أَم ْعَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا )لا يوجد خيار ثالث.

القرآن له خط سير خذها قاعده حبيبي الغالي أي آية سمعتها أو  قرأتها ثم سكتت لم تبينها لغيرك,, فهي ما وصلت قلبك.

الله سبحانه وتعالى وصف لنا خط سير للقرآن.

الآن أتحداك أن تدخل قلبك آيه وتسكت أتحداك ,, قال تعالى ( وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ -* هنا  بدأ خط سير القرآن الكريم من أعلى ,, أين ذهب؟ -نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ -أين؟- عَلَى قَلْبِكَ- تقدر تسكت؟ أتحداك - لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ )*وقال سبحانه ( - المص * كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ -أين  المفروض نركز؟ على العين التي تنظر الصفحات أو لساني الذي تحرك أو عقلي الذي يحفظ؟ - لا- فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ-ركز هنا - فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ )كيف أحصل عليها؟

طبق ما تفهم يعلمك الله ما لم تفهم، أعيد القاعدة؟
"طبق الذي تفهمه يعلمك الله أشياء لم تفهما"، هل وصل القرآن قلوبهم؟ أو لم يصل؟، وصل؟ ما هو الدليل؟ هل لما وصل قلوبهم سكتوا؟ أو علّموا به غيرهم؟ علموا غيرهم؛ ما هي الآية؟ هل وصل القرآن لقلوب الجن؟ نعم، {فَلَمَّا قُضِيَ} ماذا حصل؟ {وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم} ماذا؟ {مُّنذِرِينَ} يعني وصل، صح؟ طيب واحد يقول: كيف وصل؟ كل مره يتعرض للقرآن ودائما يقفل القرآن يقول كم قرار اتخذت؟؛ لأن الجن سمعوه مرة واحدة فاتخذوا قرارات!، كم اتخذت من قرار من هذه القراءة؟ أو سمعت؟ فرجع يسأل نفسه لماذا الجن استفادوا من القرآن؟، الجن طبقوا شرطين: الله سبحانه وتعالى يقول جل في علاه: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ}ما قال اسمعوا، استــمعوا اسمع تختلف عن تسمع، {فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا} استمعوا يعني مركز وأنصتوا يعني تركيز أكثر ، ماذا يحصل إذا طبقت هذا الشرطين؟ {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الجن فعلوها؟ فعلوا الشرطين؟ {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ} يسمعوا؛ لا {يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} جميعهم مركزين، {يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} حققوا واحد من الشرطين، {فَلَمَّاحَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا} يعني استمعوا فأنصتوا فرحمهم الله وفتح قلوبهم! دخل القرآن قلوبهم بالطريقة هذه، وضحت أحبتي؟ يعني الله أعطاهم شروط وحققوها، هم اتبعوا القرآن فأول ما اتبعوا القرآن نفذ كل خوف وكل حزن (فاتبعوه)، لأجل ذلك لما تقرأ الآية في سورة الجن، أخر آية في الوجه الأول: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ} أقفل المصحف ونام، لا: {آمَنَّا بِهِ} طيب ماذا أحسستم أيها الجن؟ {فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ} القرآن إذا نزل هنا (أشار على قلبه) نسف كل المخاوف، الله وعدنا أن يحصل لنا هذا؟ نعم، إذا اتبعنا، {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} لا تخاف، أحبتي سؤال: ما هي أهمية القرآن في حياتنا؟ الله ذكرها بنفسه، أهمية القرآن في حياتنا؟ ما هي؟ يعني هل مثل الأكل والشرب؟ أكثر,, صح؟

ما هو الدليل: {وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} ماذا؟ {رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا} روح!، {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} كانت حياتك يا رسول الله بأبي أنت وأمي عليه الصلاة والسلام لم يكن فيها طعم ولا رائحة ولا ذوق ولا شيء، { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ} لا يوجد شيئا في قلبك، ، { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن } تغيرت حياتك كانت ظلام وأصبحت بأنوار: {وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} اللهم اجعله لنا نورًا يا رب العالمين، { نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}

{صِرَاطِ اللَّهِ} من هو الله؟ {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} كيف يخاف!، أنا أعبد الذي بيده تصير الأمور وله ما في السماوات والأرض كيف تريدني أن أخاف؟! طيب هذا روح وله طعم لماذا لا نحس بهذا؟ هذا سؤال مهم: لماذا لا نحس؟، الآن حتى تصبح مفسر تحتاج أن تدرس القرآن وتدرس القراءات، وتدرس تفسير، تدرس الناسخ والمنسوخ، واللغة العربية، والمطلق والمقيَد، الحديث الضعيف والصحيح، كل هذه صح؟ حتى تتدبر ماذا يجب أن تعرف أو ما الذي تحتاجه؟ لأجل ذلك الله لم يقل: (الا يفسرون القرآن) يوجد أناس متخصصين، لكن التدبر لأي شخص، حتى الذي لا يعرف العربية، يقرأ الترجمة ويفهم ما المكتوب، لكن يحتاج لشيء واحد هو القلب، يحتاج هذا القلب، ما الذي يغلق هذا القلب؟ ..إذا أنت لا تحس بطعم القرآن راجع نفسك!، هل أنا لدي كِبر؟ أحيانَا يكون لدينا كِبر ولا نحس به، هل فعلَا فيه كِبر ؟ وأنت من تراب وتعيش فوق تراب وتذهب تراب!، ماذا يعني "أنت"؟!

سؤال أحبتي هل الكِبر له علاقة بالتدبر؟ الكِبر هذا مصيبة المصائب!، الله سبحانه وتعالى يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ} مستحيل يقرأ أو يسمع أو يفهم، {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ} قرأها وسمعها وحفظها لكن روحه لا، {لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.

لو شخص غير متكبر لكنه نصراني هل يستفيد من القرآن؟ ليس فقط لو كان نصراني لو كان قس في الكنيسة وغير متكبر و أعطى تركيزه للقرآن يستفيد من القرآن ، قالها الله "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ " عندما لم يستكبر سمع القرآن صح ، "وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ " مما سمعوا ؟ لا "مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ" ، الثاني: كثرة التوبة "وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ" ،الثالث: أي آية تفهمها حاول تطبقها "قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ" آية واضحة لا تحتاج لتفسير طبقها يفتح الله عليك بفهم آية لم تفهمها ، "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ" كلنا ذكرنا بآيات ربي وسمعناها وقرأناها وحفظناها صح ! "فَأَعْرَضَ عَنْهَا" سمع "ولا يغتب" ، "حافظوا على الصلاة " آيات واضحة جداً "فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ " مالجزاء؟ "إِنَّا جَعَلْنَا" ماقال الله سأغطي على عينيه فلا يرى صفحات القرآن ويقرأها أو أذنه سيصبح أصم ، لا "إنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ " وضحت أحبتي!

الرابع والأخير : تريد أن تتدبر؟ كلنا سنقول نعم ، لكن هل أنت صادق يأكل الموضوع ويشرب معك ؟ مثل لو أحد مريض سيدعي الله من قلب "يارب تشفيني" هل تدعي إن الله يشفي قلبك ويفتح عليه ؟ في السجود! كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعي بدعاء لن تجد مثله في السنة كلها ، يقول : "اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ" أنا عبد عندك لا أستطيع أن أفعل أي شيء إلا بإذنك "ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ" كلنا عبيد عندك يارب " نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ" الذي كتبته عليّ سيحصل لي "عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ" كل مايحصل لي فهو عدل منك وأنا أستحقه ،أرأيت كيف الخضوع والتذلل لله سبحانه! "أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ " النبي عليه السلام يسأل هنا بأسماء الله كلها ! " سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ " العزيز الرحيم العلي الجبار المتكبر كلها يارب أسألك بها " أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ" أو اسم لا أحد يعرفه من خلقك ، اسألك به ، ماذا يريد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد هذا ؟ بالتأكيد شيء عظيم ! كل هذا الدعاء بكل أسماء الله "أَنْتَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي" الربيع تراه في الأرض بالخارج ينشرح صدرك من الداخل ، فكيف إذا كان الربيع داخله ؟ "وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي" فتخيّل حبيبي لو كنت تدعي بهذا الدعاء في كل موطن يرجى به الإجابة ! أقسم بالله حياتك كلها تتغير " أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا" عندنا اثنين,, واحد من الناس و واحد يصلي بجانبه من المتقين، يصلون خلف الإمام بالتراويح ، طعم القرآن الذي يشعر به هذا غير الآخر ، الآيات كلهم يسمعونها لكن أثرها عليهم مختلف ، يقول الله سبحانه "هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ".

هذا وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



محاضرة بعنوان 
دمعة عفاف

إنه طهور القلوب العفاف , الوقار , الحياء , كلمات أقسم بربي أنها تكفي , لا زال بفضل الله جل وعلا عندنا نساء والله تساوي بقدرها ألف ألف رجل و ألف ألف امرأة , لكن لابد أن نرى أنفسنا , ولا نُخالف الواقع ونقول "أننا بخير فالعفة في كل مكان نراها "! .. لا وربي بل والله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام "كالغراب الأعصم" لا تكاد ترى واحدة , لكن هذه الواحدة بقدرها تساوي الملايين من النساء ,, نعم وربي فنحن لا ننكر الواقع .. قال ربي جل وعلا (وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ ..) لم يقل مسلمين ! الإسلام شيء بسيط (وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ). الإيمان أن تؤمن حق الإيمان أن معك ملك هنا وملك هنا , الله جل وعلا قال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَٰفِظِينَ _كِرَامًۭا ) لا بد أن تكرمهم (كَٰتِبِينَ) ما  نزلوا إلا لأجلي ولأجلك يكتبون (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) , فوالله لو كان أحد منا  عنده أخوه أو عند أبوه لن تجده يفعل ما يفعل من هذه معاصي , ولو كانت هذه عند أختها أو أخوها لا تستطيع أن تنزع ملابسها كما تنزعها مع صاحبها , لكنها جعلت الله تعالى أهون الناظرين إليها ,,

المقدم:الحمد لله بناتنا تربوا على الخير وعلى الاحتشام خصوصاً عندنا في الخليج , تعودنا على المبادئ الطيبة لكن ما الذي يجعل الشيطان يستحوذ علينا بهذه الطريقة ؟ ما هي خطواته في ذلك؟

الشيخ : الشيطان لن يأتي و يقول للمحتشمة أظهري شعرك , لا والله , الله لم يقل "لا تتبعوا الشيطان" لا والله بل قال جل في علاه (لَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ) لأنه يبدأ معه بأصغر صورة ممكن تتصورها !

عندنا أخوات تقول لها يمين تقول يمين , يسار يسار, سريعة الانقياد , تقول لها تقدمي تتقدم, تقول لها تأخري تتأخر, ( لايگن أحدكم إمعه ) اسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام:( لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة شبراً بشبر وذراعاً بذراع ولو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا : اليهود والنصارى يا رسول الله قال: فمَن ) مَن غيرهم ؟

المقدم: من الملاحظ فضيلة الشيخ أن موضوع الحجاب هذا موضوع ليس له أي اهتمام لدى كثير من المشايخ ,, مع أن بعض الأخوات عندنا تقول إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ! أهم شيء أن تكون إنسانه طيبة ولا يكون في قلبها شيء ,, يعني الإيمان الذي في القلب أهم شيء!!

الشيخ : لو كان ما في قلبها صادق و به إيمان ما خرجت بهذا الشكل ,النبي عليه الصلاة والسلام علمنا تشخيص هذه الحالة قال : (إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ) الله سبحانه وتعالى يقول :( ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ ..) لماذا لا يُعرفن؟؟ ( ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ) يعني تعرف أن هذه المرأة عفيفة,,  جاءت امرأة عندنا في المستشفى حجابها يحتاج له حجاب ! العيون ظاهره ومكحلة ,

كنتُ واقفا أتكلم مع رجل الأمن وجاءت من بعيد مقبلة قالت: هذا شاب لا يستحي , قال لها رجل الأمن إذا أنتِ استحييتي و تحجبتي الحجاب الشرعي فلن يجرؤ أحد عليكِ .. قالت له : هل تريدني أن ألبس قفاز وأضع عباءتي على رأسي ؟ والله صديقاتي اللاتي يخرجنَ مع أصدقائهنّ يلبسنَ عباءة على الرأس ويلبسون قفازات لكي يظهرن أمام الناس أنهم محترمات . هذه المشكلة , تقول الدين في القلب ! لو كان الإيمان في القلب والله لغيَّر هذه الجوارح وجعلها تنقاد لله , لأجل ذلك قال الله جل وعلا (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ..) , (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ..) لم يقل "قل للمسلمين"  , "قل للمسلمات"  , المؤمن لا يفعل إلا ما يرضي الله ورسوله , قال الله جل وعلا (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا ..) أيُّ أمر كان( يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ) ,( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) ... (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ), والله لو كان في القلب إيمان سيظهر على الجوارح , كل إناء بما فيه ينضح...

المقدم : هناك البعض لا يقتنع بمسألة الحجاب فتقول أنا صغيرة.. عندما أكبر سأتحجب ,, عندما أتزوج وهكذا !

أحبتي الإسلام هو الاستسلام والانقياد لله بالطاعة , لأجل هذا قال الله جل وعلا (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ) وقد قال سبحانه (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبهنَّ ) وقال (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) إذن فهذه إلهها هواها ! (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) , (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ  يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) الأنعام ستكون تراب على الأقل أما هذا فسيدخل النار,, أساسا الأنعام لا تقبل أي شيء تقدمه لها , هل من الممكن أن عنز تأكل لحم ؟ صحيح أن عقلها صغير وبريء ولكنها تستخدمه , قال تعالى (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ) , (أَفَتُؤْمِنُونَ  بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) ترى البنت متبرجة , العباءة على الكتف و مخصَّرة وبكامل زينتها , يعني تستعرض , والبنت تحترق في كل يوم كلما نظر إليها أحد أو لفتت نظر أحد إليها (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ) هذه البنت مسكينة , إنها تشعر  بنقص في نفسها, بالطبع هذه الأشياء كلها لم تظهر إلا بسبب إحساسها بالنقص, فهنيئا لها ! نهنؤها بكل هذه البلبلة , كسبت خسارة أنها ترجع إلى البيت محملة بأوزار كل من نظر إليها , وسيسألها الله عز وجل , فأهنئ هذه الأم أنها نِعم الراعية , النبي عليه الصلاة والسلام يقول : (أَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَعِيَّةً فَمَاتَ حِينَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ )


يوم الاثنين قبل رمضان الماضي بيوم واحد كنت مداوما بالمستشفى الساعة الرابعة أو الرابعة وقليل , المهم ضربت إنذارات المستشفى أن هناك حالة إنعاش في الدور الثالث وبسرعة دخل فريق متكامل , طاقم كامل من تمريض وأخصائيين واستشاريين , عندما دخلنا الغرفة إذا بامرأة في الأربعين سنة متمددة على السرير كأني أراها الآن , كنا كلنا ننظر إليها وننظر للجهاز "جهازمراقبة النبضات" و إذا بالقلب فيه 28 نبضة , يعني في الحقيقة القلب لا ينبض فقط مجرد أنه يهتز ولا يضخ , المهم نعطيها صعق كهربائي فإذا بها تهتز ولم يتحرك القلب ولا بنبضة واحدة , فأعطيناها 300 والله لو صعق بها حي لمات فإذا بها تهتز على السرير ولكن القلب مازال ينبض 28 نبضة , نعطيها 360 ولكن بلا فائدة , فإذا بجبار السموات والأرض يأمر أمرا من فوق عرشه سبحانه , أمر مختلف عن أوامرنا وعن أوامر الخلق ,أمرا لا يُرد (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) يأتي ذلك الأمر على ذلك القلب الذي أنبضه 42 سنة , قف الآن ! فيئسنا , فإذا بجبار السماوات والأرض سبحانه يأمر أمره على ذلك القلب الذي أوقفه أن يرجعه مرة أخرى , فنبض القلب وبدأ ينبض 80 نبضة والله كأحسن ما يكون فإذا بها تفتح عينها وأنا عند رأسها لأني أنا مَن يمسك لها أنبوب الحنجرة , المهم اختصارا للقصة بعد فترة تقريبا لحظات فإذا بالقلب تتغير نبضاته 90 ،100 ،130 ، 140، إلى أن وصل إلى 228 , فرجعنا مرة أخرى إلى الإنعاش إلى أن انقضت كل الخيارات والحلول , فإذا بذلك القلب يرجع كما كان (‏وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ) , (أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ) ثم الساعة السابعة والربع ترجع للإنعاش مرة  أخرى ثم بعد ذلك تخرج الروح بلا عودة , دخل رمضان ودخلت القبر .. حينها دخل عليَّ شاب عينه محمره وقد امتلأت بالدموع قال لي: ماتت؟ قلت : الله يرحمها , فقال : ماتت؟ قلت : قل الله يرحمها , توقعت أنه سيدعو لها بالفردوس الأعلى من الجنة , قال : أسأل الله أن يعذبها كما عذبتنا ! ثم بدأت أتكلم معه قلت : يا أخي اتقِ الله , الآن هذه أفضت إلى ما قدمت , بدلاً من أن تسأل الله لها الثبات ؟! قال لي: أنت لا تدري عن شيء , قال : أنا مرافق مع أبي في الغرفة المجاورة , هذه المرأة لم تربي بناتها , وأخبر أنهن تسببن في فتنته حتى أنه وهو واقف بين يدي الله في الصلاة لا يفقه من صلاته شيئا , هذه بالعباءة المخصرة وتلك بالعباءة الكتف وأخرى باللثام , حتى قال أنه والله لم يعد يعرف ما هي العبادة , حتى قال : أسأل الله أن يتوب عني وأن يفتنهن كما فتنَّني , وسيسألها الله عن ذلك ..

هذه المرأة الآن وهي في تلك الحفرة الضيقة بعد أن ينهال عليها التراب وتسمع قرع النعال لو سُئِلت في ذلك الموقف لو ترجعين هل ستلبسين بناتك عباءات محتشمة ستقول بل والله سألبسهن ثلاثين عباءة , كثير يقلن والله بناتي لا يطيعوني , سبحان الله ! يطيعونك فيما يخص المدرسة , يطيعونك في أمور البيت , يطيعونك في أشياء كثيرة , لكن لو تأمرينهن بخير لا يطيعونك ! والله الكثير لا يكلمون بناتهن بهذا الشأن بل ويسهِّلن لبناتهن كل الأمور ! هل سبق ورأيتم امرأة عوراء لابسة نقاب مكحلة عينها ؟ لا .. أنا عندي فتاه في المستشفى صغيره ليس لها إلا عين واحده وعينها الثانية خط وأربع رموش فقط , وعينها كبيرة حتى لما تكشف عليها تخاف , والله لو كانت هذه مثل تلك ما لبست اللثام , لكن سبحان الله القائل { وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ ...) _  لأننا أعطيناه عينين __(....أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) هل رأيت في حياتك واحدة لابسة عباءة على الكتف وهي معاقة ! هل رأيت في حياتك فتاة لا تسمع - صماء- وجالسه عند الأستوديو تريد أن تشتري شريط أغاني ؟ لماذا ؟؟ (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ) , قال سبحانه ٰ ( ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) المسألة أن الله جل وعلا لم  يخلقنا عبثا ولم يتركنا هملا لكن ليس كل الناس يفهم. تخيلوا الغرفة التي أنتم فيها الآن ملأنا نصفها بسبائك ذهب , والنصف الآخر مررنا على محل كل شي فيه بريال واشترينا مائة لعبة , كور, عرائس , سيارات صغيره , مطبخ صغير , وملأنا بهذه الألعاب النصف الآخر من الغرفة , ثم أدخلت طفله هذه الغرفة أين تتوقع أن تتوجه ؟ هل إلى الألعاب أم إلى السبائك ؟ الذهب مسألة مكلفة , سيكلفنا وقت وتعب لبيعه و..و..و , كيف لو ربيت هذه الطفلة على كيفية رؤية الأمور على حقيقتها تقول : يا حبيبتي يا شاطرة هذا الذهب يساوي الكثير , سيشتري لكِ محلات من هذه الألعاب . أحبتي يا ليتنا نعرف رخص قيمة هذه الدنيا , وأن ملذاتها المحرمة تكلفنا ما لا نطيق, بعض الناس يقول : لن تمسنا النار إلا أياما معدودة ! عرضتُ عليكم صورة رَجل مزقته النيران , لاحظوا أنه لم يلبث في النيران سنة , هذا أحرقته النار ثواني فقط , هل لاحظتم حجم الضرر الذي تسببت به هذه الحروق !

أيضا الصورة الثانية .. أقدام ممزقة وأيادي محروقة , نحن مشكلتنا في الإيمان بالغيب , نقول والله صحيح ما تقول لكن إن شاء الله سيغفر الله لنا ونحن أحسن من غيرنا ! أيضا الصورة التي تُظهرالأقدام الحمر والله ما لبثت إلاَّ ثواني في ماء حار , ثواني فقط !

علينا أحبتي أن نحافظ على أولادنا وبناتنا فلا يقف الأب عائقا أمام تزويج بناته بمن هم كفؤ من ذوو الخلق والدين .

النبي عليه الصلاة والسلام لم يقل "من ترضون قبيلته" ولم يقل "من ترضون جنسيته "! لا والله ، بل قال : (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) يعني قد  يكون عنده خلق وعنده دين لكن بعضهم لا يقبلونه ! (...إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) وهذا ما نراه الآن , كل يوم نسب  الطلاق تزيد , نسب المشاكل تزيد , لأنهم لا يسألون عن الدين بل عن الوظيفة , الدخل الشهري , هذا ما يسألون عنه .
وأقول لكل شاب وفتاة لا تستمروا في العلاقات المحرمة وابتعدوا عن كل ما يفضي إلى التعلق المحرم , لهذا جاء الدين يحرم الإختلاط سداً للذرائع, نقطة أخرى وهي قضية الحجاب وهي محور سؤال إحداهن , فأقول لها تأملي الحديث التالي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة فقالت أم سلمة فكيف يصنعن النساء بذيولهن قال يرخين شبرا فقالت إذا تنكشف أقدامهن قال فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه )

لاحظي أختي الكريمة ماذا قالت أم سلمة رضي الله عنها عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "يرخينه شبرا" هي الآن تشعر أن هناك مشكلة , أن إرخاء الثوب شبر فقط قد تظهر أصابع القدم ! لاحظي لم تقل سيقان ! ثم ماذا كان رده صلى الله عليه وسلم , لم يقل لا بأس وهذا ما نزل , بل قال " فيرخينه ذراعا " .إذن أخواتي ... من أراد الحق فالحق بيّن ، ومن أراد الباطل فالباطل بيّن .- المقدّم : إيميل من أخت كريمة تقول :أنا خلال دراستي في معهد من المعاهد ، تعرّفت على زميل لي فمرت الأيام وعلاقتنا توطّدت , و قدّمني لأهله ، ولكن يشاء الله أنه بعد فترة قصيرة من تخرجنا أُصيب بمرض خطير فجأة ، وبعد ٤٦ يوماً وهو في الإنعاش توفي ، لقد تعدّينا على حد من حدود الله ، وهو أنّه كنّا نحضّر مذكرات التخرّج معاً وفي مسجدٍ واحد ، وفي أحد أيام رمضان ، كنا في المكتب نعمل و بدون أن ندري ما نفعل قام بتقبيلي ، ولكن بعد ما جرى ندمنا على ما فعلنا - ولكن وقعوا في الفاحشة - أدعو الله أن يغفر لنا خاصةً له , لأنه لم يعد موجود ، وأدعو الله أن يتقبّل توبتي وتوبته ، والشيء الذي أرجوه منكم هو أن ترشدوني إلى ما أفعله كي أمحي الذنب الذي ارتكبناه بالنسبة له كغائب ولي أيضاً ، و ادعُ لنا شيخنا الكريم .

- الشيخ :قال تعالى :{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)}

إذا كانت العلاقات شريفة وهي ليست تسلية لا تنتهي بالزنا . كل علاقة يُقال عنها أنّها شريفة ، أنا علاقتي معك شريفة ، وعلاقة هذا الزميل في العمل شريفة ، فتبدأ الاتصالات و..و..و.. , هذا ما جنيناه ُمن الاختلاط .

هي لا تستطيع أن تتوب عنه الآن ، تستطيع أن تتوب عن نفسها إذا كانت على قيد الحياة ، لكن هو {لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}
{... فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ۚ أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ ... }لن تُمنع عنكِ التوبة ، لكن تُمنع عنه لأنه غرغر ، ولأنَّ الله جلّ وعلا يقول : {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ ... }
دعونا نقول لكل من قالوا : علاقتنا شريفة ، هؤلاء علاقتهم شريفة وانتهت بالزنا ! الله جلّ وعلا لم يقل : لا تتبعوا خطوة الشيطان ، بل قال :{... لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ... }

وقال سبحانه ساداً لتلك الذرائع {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ...}
لم يقل : "لا تزنون" لأنه كان هناك مقدمات , سبق ذلك كلمة ، مُحادثات ، رسائل غراميّة ..لأجل ذلك قال الله عز وجل : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ...} لا تقرب !سدّ عليك الذرائع ..

و قال تعالى : {... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ... }, وقال : { ... فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ ... }،سدّ عليك الذرائع حتى بألاّ تضرب بقدمها أمامك ! لو قلت لأحدكم الآن : ازنِ وافعل ما شئت ، اجلس معها خمس ساعات ، ثم تعال معنا نحاسبك على هذا ، فقد كُتب أنك زنيت نصف ساعة ، تعال نحرّقك نصف ساعة ، تخيّل الأشلاء كيف تتقطّع ، لكن إيماننا بالله جلّ وعلا ضعف إلا من رحم الله ، فلنفكر فيها الآن , واسألي لنفسك التوبة ، وأسأل الله أن يقبلك ويقبلنا من التائبين .

أما هو والله لو أنفقت ما في الأرض جميعاً لن تملكي له زيادة إلا أن يشاء ربي شيئاً .لأجل ذلك ما حرّم الدين شيئاً إلا وله حكمة .

متصلة : ما حكم كشف الوجه ؟ الشيخ : هذا حصل فيه خلاف

لكن كل الأئمة الأربعة - وارجعي إلى أقوال العلماء - كلهم حرّموه إذا كان فيه فتنة , المرأة وجهها عورة إذا كانت مظنّة فتنة .

أحبتي .. ماذا قال الله تعالى ؟ (وَمَنْ  أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ...) الشعور بالاكتئاب والكآبة(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(

الآن 21,000 حالة انتحار في أمريكا ما السبب ؟ لأن البنات هناك متغطيات ؟ لأن هناك البنات ليس لهن علاقة بأي أحد ؟! السبب أحبتي لأنه ليس لديهم خيار ! لأنهم سلكوا سبيل المعاصي لذلك كانت حياتهم ضنك ! مثل واحد يحفر حفرة ويمشي ويسقط فيها ,إذن 21,000حالة انتحار لأن عندهم ذنوب ومعاصي , فتاة عمرها 22سنة تسهر في الليل وتخرج مع أحد أصدقائها تجدها بعد ذلك منتحرة لأنها فعلت كل الذنوب فلم ترتاح في حياتها , مجموعة يخرجون سويا يلعبون ويقضون الأوقات مع بعضهم البعض وفي يوم من الأيام قال أحدهم ما رأيكم نذهب إلى كوكب آخر, ننتخر ونتقابل هناك فانتحروا جميعهم ! انظر إلى صغر عقولهم , لم يفُكر أحد منهم بالأمر)قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) انظر للمسألة , قلّ حياؤها عند الله فمن الطبيعي أنها ذهبت تتقابل مع واحد وتتعرف على واحد , فوالله ما فعلن هذه الأفاعيل إلا بعدما بعُدنَ عن الله جل وعلا , أسأل الله جل وعلا أن يبعد عنا الحزن وأن يحفظ ديننا وأن يبعد عنا المعاصي , ماذا قال الله تعالى ؟ ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ )

كان عندي مريض قبل ٤٤أشهر تقريباً كان يتعالج عندنا , كان شاب من أقوى الشباب ، في يوم من الأيام أراد الجبار سبحانه ألاَّ يحركه بعد أن كان يتحرك فدخل غيبوبة , في البداية كانت نقطة حبة بسيطة في كتفه ومع الأيام تكبر ثم تكبر حتى قالوا هذا سرطان وقالوا يجب أن تُقطع يدك , قال لا مستحيل كيف تقطعونها فقالوا يدك هذه لن تقدر أن تأكل بها لن تقدر أن ترفع بها الأشياء فقال لا لن تُقطع يدي وإذا بالسرطان يكبر ويكبر حتى جاءت مرحلة قال اقطعوها فقالوا لن نستطيع , الآن يجب أن نقطع الكتف كله !!

أقول لأختي الغالية إذا كان الله قد أعطاك في هذه الدنيا نعمة فالله ما أعطاك إياها حتى تعصينه بها , يقول الله سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا } تشجيعكِ لأبنتكِ من الآن وتعليمك لها الستر والعفاف أمر هام جداً , أسأل الله جل وعلا أن يستر أخواتي في الدنيا والآخرة .
نحن نتكلم كثيراً عن الفتاة الفتاة , النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( ما تركتُ فتنة من بعدي أضرُّ على الرجال من النساء )
لو سألنا أنفسنا سؤال :
هل نحن نخاف الناس أم نخاف الله ؟ فلنراجع علاقتنا مع الله تعالى ولننظر إلى واقعنا ، كيف أن واقعنا مُر إلا من رحم الله ! 

أسألك سؤال : لو كانت الاختبارات بعد أسابيع ، كم أم ستوقظ أبناءها الساعة الواحدة والنصف في الليل ! 
ليس ليتهجد بل يقوم ليُذاكر ، تعدُّ له الشاي وتساعده وتقول له "قُـمّ يا ولدي إن شاء الله تنجح " وتدعو له ، تخيل معي أنه يوم من الأيام قام متأخر ففاته الاختبار مع أنه قد ضبط المنبه ولكنه لم 
يستيقظ ، كيف يصبح جو البيت ؟
والله تجد الأم تشد شعرها والأب يرجع من الدوام ويسب الأم ويسب الولد ، كيف لم يستيقظ ! هذا ضيّع مستقبله والأم أمسكت التلفون ولم تترك أحد من الجيران ولا أحد من الأقارب إلا عَلِم أن فلان ابن فلان فاته الاختبار, سبحان الله ! تجد أن هذا الابن المسكين وأهله المساكين سنة كاملة لم يصلوا صلاة الفجر في المسجد ( إِنَّ هَٰؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) , (أَلَا  يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُون لِيَوْمٍ عَظِيمٍ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) قد يقول قائل ما علاقة الصلاة بالعفاف ؟!{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ }
لما سقط عمود الدين لا ذنب بعد الكفر ، إذا كانت الصلاة قد ضاعت فاعمل ما تشاء ، إن الله لن يضره معصية عاصي ولن تنفعه طاعة طائع .

ماذا يعني قوله تعالى{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ } ؟
الجواب في قوله تعالى:{ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ } لكن والله هناك  من يصلي لكن صلاته لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر ، لم يقل الله صلِّوا !
بل قال : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) 
عندما تتوضأ للصلاة ، فإنك إذا غسلت عينك فاغسلها وطهرها من الذنوب واستغفر مما كان منها , و أنها لن تعود للمعصية ،اغسل يدك وطهرها مما لمسته من الحرام , طهر بهذا الوضوء باطنك وظاهرك .استقبالك الكعبة بوجهك يذكرك أن هناك قلب لابد أن يستقبل فيكون فيه خشوع , تكون صلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر.

لكن أخي الشاب الذي ضيّع عمره في الأسواق للمعاكسات وتضييع الأوقات والله لو كان معاق , والله لو كان مصاب بشلل رباعي لما تحرك في هذا الطريق . 

وهذه قصة وقفت عليها بنفسي ، دخلت على أحد المرضى والله لا أعرف عنه شيء إلا إني أكشف عليه فقط ، تاريخه يعلمه الله ، صحائفه يعلمها الله ، خطاياه يعلمها الله ,لا أعرف عنه شيء ، وضعت السماعة على صدره ، عمره ثمانية وعشرون سنة , مشلول شلل رباعي لا يتحرك فيه إلا الرقبة فقط وأسفل الفك ,يتنفس من الحنجرة عن طريق أنبوب , فلما رفعت السماعة قلت له إن شاء الله إنك بخير , إن شاء الله اليوم إنك أحسن ؟
يريد أن يرد لكن لا يخرج صوت , يحاول أن يعبر ، لا أدري ربما يريد أن يقول "الحمد لله أنا بخير"المهم ؛ لما تكلمت معه قلت له : الله سبحانه وتعالى لا يحتاج أن يطرحك على السرير ويحركني أنا وملايين الناس ,لكن الله يحبك ، تضاف الحسنات إلى رصيدك وتمحى السيئات , المهم قلت له كلام والله مثلما أتكلم الآن ما أعددت له عدة ولا حسبت له حساب , قلت يا أخي كم واحد الآن حرك الله رجليه ويديه وكل يوم يذهب إلى المراقص ويرقص مع البنات ,أقسم بالله عندما قلت هذه الكلمة " يرقص في المراقص ويعاكس البنات" فَـإذا بتلك الأقدام تهتز والأيادي تهتز , "مشلول" لكنها تهتز !بدأ يُخرج البلغم - أعزكم الله - من الفتحة التي في الحنجرة ، بدأ يتحرك بحركة عضلة الرقبة ! 
والله تهز جسمه كله ، حرك الله الأعصاب من اهتزاز الرأس ،فإذا بالدكتور مباشرة يخرج ويشير لي من عند الباب , فخرجت لا أعرف ماذا حدث , هذا الآدمي يرتعش والآخر هناك يبكي !

قال لي يا أخي حرام عليك ، أتعرف من هو هذا الذي تكلمت معه ؟ والله العظيم أنا لا أبالغ إن قلت أنه إن لم يكن من أترف الأسر في الدول العربية فهو والله من أترف الأسر عندنا في السعودية ،
قال لي أخوه هذا : والله أخي هذا لم يكن يقيم ثلاث شهور في المملكة , دائماً يسافر إلى الخارج , قال هذا والله كان أحسن واحد يرقص في الرياض - سبحان الله - !!
أحسن واحد يرقص في الرياض .؟! أنا لماذا لم أقل " يغني" ؟ لماذا لم أقل " يلعب" ؟ الله تعالى ساق هذه الكلمة على لساني !

يقول إن هذا الشاب فلان ابن فلان عمره سبع وعشرين سنة عندما وقع عليه الحادث , وُجِد مطروحا على أحد الطرق السريعة في مدينة الرياض الساعة الرابعة فجرًا ، وجِد مخمورًا قد انقلبت به السيارة , شرب خمر الساعة الرابعة فجرا . 
أخذت الإشاعة التي في تاريخ الحادث و وضعتها فَـبكت عيناي والله ، لأني رأيت عمود فقري كان مستقيماً فأسقطه الجبار ، والله إنها فقرة هنا و فقرة هناك ، تذكرت حديث النبي عليه الصلاة والسلام , عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال 
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله ليملي للظالم ...) تعصي كل  يوم وهو سبحانه يرفق ، تعصي ويحلم ، تعصي و يستر عليك، إلى متى ؟ قال:( إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته )

قال ثم قرأ : (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)
الآن عمره ثمانية وعشرون سنة يقع الذباب على جبينه ,على أنفه 
ثم يطير والله لا يستطيع أن يحك هذا المكان ، يجلس يشم رائحة نفسِهِ لأنه يلبس - أعزكم الله - حفاظة لا يستطيع تنظيف نفسِهِ ، والله أنا رأيت مَن يُصبح بلا حفاظة ويمسي بحفاظة !

فلا تغتر بنعمة الله عز وجل عليك ! فو الله قد أعطى فرعون ..أين هو الآن ؟ أين ملك مصر ؟ أين مَن كانت الأنهار تجري من تحته ؟(أَفَلَاتَتَفَكَّرُونَ) !(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ) !... يرجع و يتوب لكن هيهات ! (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْمَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) ! (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّسَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) فاختر لنفسك ما تشاء !
منهم من يقول : أنا دائما أذنب ثم أتوب وأرجع للذنب مرة أخرى ثم أتوب وهكذا , كما هو الحال مع إحدى الفتيات التي قالت : أنا فقدت عفتي هل الله تعالى لن يغفر لي أبداً ؟ أقول : نعم إذا قررتِ كما قرر ماعز رضي الله عنه عندما زنى فإذا بتلك الآيات تقرع مسامعه ( أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى),( أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ) فإذا به يأتي إلى الرسول عليه الصلاة و السلام : يا رسول الله إني زنيت !انظروا إلى القرار ! -جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقف بين يديه وصاح من حر ما يجد وقال :
يا رسول الله..إن الأبعد قد زنى فطهرني ,فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله..زنيت فطهرني ,فقال صلى الله عليه وسلم:ويحك ارجع..فاستغفر الله وتب إليه.
فرجع غير بعيد ، فلم يطق صبرا فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال :
يا رسول الله .. طهرني ,فصاح به النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
ويلك..وما يدريك ما الزنا ! ثم أُمر به فطُرد وأُخرج .
ثم أتاه الثانية فقال :يا رسول الله ، زنيت فطهرني ,فقال صلى الله عليه وسلم: ويلك، وما يدريك ما الزنا !
ثم أمر به فطُرد وأُخرج ,ثم أتاه الثالثة والرابعة كذلك..فلما أكثر عليه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون ؟
قالوا: يا رسول الله ما علمنا به بأسا , فقال: أشرب خمرا ؟
فقام رجل فاستنكهه وشمه فلم يجد منه ريح خمر، فقال صلى الله عليه وسلم :هل تدرى ما الزنا ؟
قال: نعم ..أتيت من امرأة حراما مثلما يأتي الرجل من زوجته حلالا.
فقال صلى الله عليه وسلم: فما تريد بهذا القول ؟
قال: أريد أن تطهرني . -لا يريد أن تفوته جنة عرضها السموات و الأرض قال صلى الله عليه وسلم: نعم فأمر به أن يُرجم ..فرُجم حتى مات ,فلما صلوا عليه ودفنوه مر النبي صلى الله عليه وسلم على موضعه مع بعض أصحابه ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه :
انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه ولم تدعه نفسه حتى رُجم رجم الكلاب..
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ثم سار ساعة..حتى مر بجيفة حمار قد أحرقته الشمس حتى انتفخ وارتفعت رجلاه.
فقال صلى الله عليه وسلم: أين فلان وفلان
قالا: نحن ذانِ يا رسول الله
قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار,قالا: يا نبي الله..غفر الله لك ، من يأكل من هذا ! فقال صلى الله عليه وسلم: ما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من أكل الميتة..لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم ، والذي نفسىي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها..

اللهم يا من بيده الدنيا و الآخرة كما شرفتني برؤية أحبتي هؤلاء فوق هذا الفرش و أخواتي هناك اللهم شرفنا برؤية أخرى تحت العرش , اللهم إن في صدُور أحبتي هؤلاء وأخواتي هناك أمنيات لا يعلمها إلا أنت يا رب الأرض والسماء , اللهم لا تفرقهم من جمعهم هذا وفي صدر واحد منهم أمنية هي لك رضا وله فيها صلاح إلا كتبت قضاءها قبل أن يقوم من مجلسه هذا , اللهم اجعلنا ووالدينا وأحبابنا من عتقائك الليلة من النار , اللهم أرض عنا في هذه الليلة أجمعين رضا لا تسخط علينا بعده أبداً , اللهم اغفر ما سترت , واستر ما علمت , اللهم نسألك من الخير كله عاجله و آجله ما علمنا منه و ما لم نعلم , ونعوذ بك من الشر كله عاجله و آجله ما علمنا منه وما لم نعلم , وأصلي وأسلم على أشرف من وطأت قدمه الثرى بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام 

إن كان من خطأ فمنّا والشيطان , وما كان من صواب فمن الله وحده



محاضرة بعنوان 

موقف المسلم في الأزمات

الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره, و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مُضل له و من يضلل فلا هادي له, و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمداً عبده و رسوله 
أما بعد :
فإن المسلم يحتاج كثيرا في هذا الزمان إلى الثقة بالله سبحانه و تعالى، الثقة بالله يا عباد الله، الثقة بالله و التوكل على الله.

فلماذا يثق المؤمن بربه و يتوكل عليه ؟
- لأن الله سبحانه و تعالى على كل شيء قدير
- و لأن الأمر كله لله، قل إن الأمر كله لله،"إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ"(يس 82)
- لأنه تعالى يورث الأرض من يشآء من عباده كما قال "....إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ...."(الأعراف 128)
- لأن الأمور عنده سبحانه كما قال عز و جل ".....وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ" (البقرة 210) و ليس إلى غيره 
- لأنه شديد المحال فهو عزيز لا يُغلب كما قال تعالى ".......وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" (الرعد 13)
- لأنه سبحانه و تعالى له جنود السموات و الأرض فقال عز و جل "وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...." (الفتح 7)
- جمع القوة و العزة "......وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا" (الأحزاب 25)
- و قهر العباد فأذلهم، فهم لا يخرجون عن أمره و مشيئته "......هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" (الزمر 4)
- "إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" (الذاريات58) فهو ذو القوة و هو المتين سبحانه و تعالى
- و هو عز و جل يقبض و يبسط
- و هو يُؤتي مُلكه من يشآء "وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (آل عمران 189)
- و هو سبحانه و تعالى الذي يضُر و ينفع "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ......" (الأنعام 17)

و لذلك لمّا قام أعداء الله على النبي صلى الله عليه و سلم فأجمعوا مكرهم و أمرهم فإن الله عز و جل أذهب ذلك فقال "......وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (الأنفال 30) و قال "قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ...." (النحل 26) أتى الله بنيانهم من القواعد ، فإذاً المكر بمن مكر بالله ، فالله يمكر به ، و هو يخادع عز و جل "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ...." (النساء 142) و هو الذي يرد بأس المشركين فقال الله عز و جل ".......عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" (النساء 84) و لذلك فإن النبي صلى الله عليه و سلم لمّا واجه الأعداء في القتال قال الله سبحانه و تعالى ".......عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا" (النساء 84) و قال "......وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ" (البقرة 253) فهو الذي يقدّر الاقتتال و عدم الاقتتال "......فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" (المائدة 52) و الله عز و جل قد أخبر نبيه صلى الله عليه و سلم بأنه القادر على إمضاء القتال أو وقفه "........كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ........" (المائدة 64) و لذلك فإنه عليه الصلاة و السلام لا يخاف إلا الله "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ......" (الزمر 36).

 الله عز و جل سبحانه و تعالى يفعل ما يشاء و يقدّر ما يشاء و لذلك كانت الثقة به و التوكل عليه واجبا ، فترى موسى عليه السلام لمّا جاء فرعون و جنوده و أجمعوا كيدهم و بغيهم و ظُلمهم و عدوانهم فأُسقط في يد ضعفاء النفوس و قال بعض من مع موسى عليه السلام إنا لمُدرَكون، لا محالة هالكون، لا فائدة، لا نجاة ، محاط بنا ، ستقع الكارثة، سيُدركنا فرعون، سيأخذنا، سيقتلنا، سننتهي، قال موسى الواثق برب: كلّا إن معي ربي سيهدين، الثقة بالله عز و جل

يرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد، إنه الله عز و جل، و هي التي قالها النبي صلى الله عليه و سلم في غزوة الحديبية : إنه ربي و لن يضيّعني، و هي التي قالها الصحابة الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فما الذي حصل؟ ما زادهم ذلك إلا إيمانا و قالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و إتبعوا رضوان الله، و لذلك قال تعالى بعدها "إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ..... يعني يخّوفكم بأوليائه و مناصريه ......فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران 175).

لقد لفت علماء الإسلام و منهم ابن القيم رحمه الله إلى قضية خطيرة يقع فيها كثير من المسلمين و هي سوء الظن بالرب عز و جل ، يظنون أن الله لا ينصر شريعته و لا ينصر دينه ، و أن الله كتب الهزيمة على المسلمين أبد الدهر و أنه لا قيام لهم ، إذاً فلماذا أنزل الله الكتاب ؟ لماذا أرسل الرسول صلى الله عليه و سلم؟ لماذا شرع الدين ؟ لماذا جعل الإسلام مهيمناً على كل الأديان ؟ لماذا نُسخت كل الأديان السابقة بالإسلام إذا كان الإسلام لن ينتصر ؟ 

و لذلك قال عز و جل "مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا... و ليس في الآخرة فقط .....وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ..... فليمدد بسبب يعني بحبل ، إلى السماء يعني إلى سقف بيته ، ثم ليقطع يعني يختنق به ، يقتل نفسه ......فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ" (الحج 15) قال العلماء في تفسير هذه الآية : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه و سلم في الدنيا و الآخرة فليمدد بحبل يخنق به نفسه ، يتوصل إلى هذا الحبل الذي يشنق به نفسه إن كان ذلك غائظه لأن الله ناصر نبيه لا محالة ، قال تعالى "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (غافر 51-52) "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ" (الصافات 171-173) ، و قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ....." (المجادلة 5) ، وفي الآية الأخرى "إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي....." (المجادلة 20-21) ، فإذاً إذا تحققت شروط النصر فلابد أن ينصر الله الذين حققوا الشروط ، و إذا هُزموا فإنما يُهزموا لتخلّف تحقق الشروط.

و هذه الأمة تتربى بأقدار الله التي يجريها عليها ، و النبي صلى الله عليه و سلم قد علّمنا من سيرته كيف ينصر ربه فينصره "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد 7) "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" (آل عمران 160).

و الله عز و جل فعّال لِما يريد ، والله سبحانه و تعالى كتب المقادير قبل أن يَخلق السماوات و الأرض بخمسين ألف سنة ، ولذلك فإن كل ما يقع و يحدُث مكتوب عنده سبحانه و تعالى ، والله يعلم و أنتم لا تعلمون ، و قد يظن المسلمون بشيء شراً فإذا هو خير لقصر النظر و عدم معرفة الغيب ، و ما كان الله ليطلعكم على الغيب و قال تعالى ".....لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ......" (النور 11) و قال سبحانه و تعالى "....وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ...." (البقرة 216) ، و هذه القاعدة العظيمة التي جرت عبر التاريخ : "......إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...." (الرعد 11) و لذلك فإنه لابد من الثقة بالله عز و جل ، و لابد من اعتقاد أن القوة جميعا لله سبحانه و تعالى ، و لا يجري في الكون إلا ما يريد ، و لا يجري شيء و لا يقع إلا لحِكَم يُريدها سبحانه و لا يَدري الإنسان ماذا يترتب على الأمور و لذلك

فلابد أن يوقن المسلمون بربهم ، لابد أن يكونوا على صلة بربهم معتمدين عليه متوكّلين ، يطلبون منه القوة و المَدد لأنه سبحانه و تعالى مالك القوة جميعاً و هو الذي يمنح أسبابها من يشاء عز و جل ، إن المسلمين في زمن الضعف يجب عليهم أن يستحضروا دائما الثقة بالله و التوكل عليه و استمداد القوة منه و الركون إليه و أنه عز و جل ينصر من نصره ، فإذا التجأ العبد إليه فقد أوى إلى ركن شديد 

وصلى الله  على نبينا محمد  وعلى آله وصحبه وسلم


محاضرة بعنوان 
خطر السحر

قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا ابن وهب أخبرنا ابن أبي الزناد حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قدمت عليّ امرأة من أهل دومة الجندل جاءت تبتغي رسول الله  بعد موته حداثة ذلك.

 تسأله عن أشياء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعمل به، وقالت عائشة رضي الله عنها لعروة: يا ابن أختي فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله  فيشفيها فكانت تبكي حتى إني لأرحمها وتقول: إني أخاف أن أكون قد هلكت، كان لي زوج فغاب عني فدخلت على عجوز فشكوت ذلك إليها فقالت: إن فعلت ما أمرك به فأجعله يأتيك، فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين فركبت أحدهما وركبت الآخر، فلم يكن شيء حتى وقفنا ببابل وإذا برجلين معلقين بأرجلهما فقالا: ما جاء بك؟ قلت: نتعلم السحر فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري فارجعي فأبيت وقلت: لا، قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت ففزعت ولم أفعل فرجعت إليهما فقالا: أفعلتِ؟ فقلت: نعم، فقالا: هل رأيت شيئاً؟ فقلت: لم أر شيئاً فقالا: لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فأبيت

فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه فذهبت فاقشعررت وخفت ثم رجعت إليهما وقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ قلت: لم أر شيئاً. فقالا: كذبت لم تفعلي ارجعي إلى بلادك ولا تكفري فإنك على رأس أمرك،

 فأبيت، فقالا: اذهبي إلى التنور فبولي فيه فذهبت إليه فبلت فيه فرأيت فارساً مقنعاً بحديد خرج مني فذهب في السماء وغاب حتى ما أراه، فجئتهما فقلت قد فعلت، فقالا: فما رأيت قلت: رأيت فارساً مقنعاً خرج مني، ذهب في السماء وغاب حتى ما أراه فقالا: صدقت، ذلك إيمانك خرج منك اذهبي، 
فقلت للمرأة والله ما أعلم شيئاً، وما قالا لي شيئاً فقالت: بلى لم تريدي شيئاً إلا كان، خذي هذا القمح فابذري فبذرت وقلت: أطلعي فأطلعت وقلت: أحقلي، فأحقلت، ثم قلت أفركي، فأفركت، ثم قلت: أيبسي، فأيبست ثم قلت: أطحني فأطحنت ثم قلت: اخبزي فأخبزت، فلما رأيت إني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي، وندمت، والله يا أم المؤمنين ما فعلت شيئاً ولا أفعله أبداً.
 رواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن سليمان به مطولاً كما تقدم وزاد بعد قولها: ولا أفعله أبداً فسألت: أصحاب رسول الله : حداثة وفاة رسول الله وهم يومئذ متوافرون فمادروا ما يقولون لها وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلمه، قال هشام: إنهم كانوا من أهل الورع والخشية من الله.

قال الحافظ ابن كثير: وهذا إسناد جيد إلى عائشة رضي الله عنها.
إنه أججية الأحاجي ولغز الألغاز وسر من أكبر الأسرار، داء عضال، تفشى بين الرجال والنساء..  الفقراء، والأغنياء، الأميين، والمتعلمين المرضى، الاأصحاء البؤساء والوجهاء، العالة والرؤساء، إنه الداء الخطير الذي تفشى بين الناس عامة وخاصة إلا من رحم ربي، إنه خطر عظيم، خطر على العقيدة، خطر على الفرد، خطر على الأسرة، خطر على المجتمع، خطر على الأمة بأسرها.
إنه السحر قرين الكفر

 إنه كما ينبغي على الأمة أن تعرف الأمراض التي تصيب الأبدان وتفتك بالصحة، فكذلك ينبغي لهم أن يعرفوا وأن يهتموا بالأمراض التي تمس الدين بل قد تذهبه بالكلية، ولاشك أن أمراض العقائد والقلوب أشد ضرراً من أمراض الأبدان لأن مرض الأبدان لا يعدو أن يكون أثره في الدنيا بينما مرض العقائد ومرض القلوب يكون أثره في الدنيا والآخرة.

وإن من أشد الأمراض التي قد استشرت وانتشرت مرض السحر وإتيان السحرة، ومن هنا وجب على أهل العلم وحملة العقيدة أن يدفعوا عن حمى الإسلام ويذبوا عن حياضِه، وأن يوعوا الناس في أمور دينهم ودنياهم، خاصة في هذه الأزمان التي قد تنوعت فيه أمراض العصر، ففي كل عام نصبح بلون جديد من الأمراض، وبالتالي كثر المشعوذون والسحرة والدجالون بحجة معالجة المرضى وتطبيبهم.

فانتشر السحرة والمشعوذين في كل مكان حتى في الدول التي يُدعى أنها متقدمة.
* ففي فرنسا يوجد أكثر من 30.000 ساحر ومشعوذ.
* وفي ألمانيا 80.000 ساحر ومشعوذ. وفي غيرها كثير.

أيها الناس: اعلموا أن السحر حقيقة موجودة، ولها تأثير في واقع الناس، ولو لم يكن موجوداً وله حقيقة لما وردت النواهي عنه في الشرع والوعيد على فاعله، والعقوبات الشرعية، على متعاطيه، فكم فرق السحرة بين زوج وزوجته، وبين صديق وصديقه، وتاجر وتجارته، وموظف ووظيفته، وكل هذا حقيقة لا مكابرة فيها.

لقد عرف من خلال تتبع أحوال السحرة والمسحورين أن للسحر أنواعاً كثيرة من حيث تأثيرها على المسحور.

* فمنه سحر التفريق الذي قال الله فيه: فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه.
* ومنه سحر العطف الذي سماه رسول الله  التولة حيث قال : ((إن الرقى والتمائم والتولة شرك)) [رواه أحمد وأبو داود].
التولة: هو ما يصنعونه ويزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والرجل، إلى امرأته، وهو ضرب من السحر.
* ومن السحر أيضاً سحر التخييل كأن يرى الشيء الثابت متحركاً، والمتحرك ثابتاً كما قال تعالى عن موسى عليه السلام: فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى.
* ومن سحر سحر الخمول بحيث يحبب إلى المسحور الوحدة والصمت الدائم والشرود الذهني وما شابه ذلك من ألوان السحر وضروبه.

اعلموا أن السحر من نواقض الإسلام الكبرى فمن تعاطى السحر أو عمل به فهو كافر خالد مخلد في نار جهنم.

ذكر الله تعالى عن اليهود أنهم أعرضوا عن دين الرسول  وذهبوا ليتعلموا السحر ويعملوا به، وكفروا.
واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان.

قال القرطبي رحمه الله: قال محمد بن إسحاق: لما ذكر رسول الله سليمان في المرسلين قال بعض أحبارهم: يزعم محمدٌ  أن ابن داود كان نبياً! والله ما كان إلا ساحراً فأنزل الله عز وجل: وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا أي ألقت إلى بني آدم أن ما فعله سليمان من ركوب البحر واستئجار الطير والشياطين كان سحراً.

واعلموا أن الساحر لا يكون ساحراً حتى يكفر بالله، وقد أخبرنا ربنا تبارك وتعالى أن الذي يعلم الساحر السحر إنما هم الشياطين.

ولا يتمكن الساحر من ذلك حتى يكفر بالله العظيم ويستعين بالشياطين من دون الله.

فليس الساحر بنفسه هو الذي اخترع السحر، بل إن الشياطين هم الذين علموه. وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر.

وقد تواتر النقل بالاستقراء والتجربة والمشاهدة عمن بحث في أحوال السحر والسحرة في إثبات العلاقة والتبعية والانقياد والعبودية بين السحرة والشياطين.

فالسحرة يتقربون للشياطين بما تحبه الشياطين من كل شيء: بعقيدة فاسدة وأعمال خيالية وأكل للمحرمات، الخبائث وتقرب بالنجاسات ووقوع في الموبقات.

وبعد هذا كله إذا اجتاز الساحر امتحاناً يجربه الشيطان عليه بأكل نجاسة وصرف عبادة، ووقوع في أمر لا يجوز ولا يليق حينئذٍ يوقن الشيطان أن تلميذه من السحرة قد جاوز المرحلة، فيبدأ يسخر له من شياطين الجن من يعينه على إحداث الخلل والمرض والزلل.

أخي المسلم:
وإذا عرفت الساحر فلا يجوز لك المجيء إليه، فإن جئته لم تقبل لك صلاة أربعين يوماً.
روى مسلم في صحيح عن بعض أزواج النبي : ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، فإن صدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)).

وعن أبي هريرة  عن النبي  قال: ((من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد )).
وعن عمران بن الحصين مرفوعاً: ((ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن له، أو سحر له)).

أيها الأخوة الأكارم:
وللساحر علامات يعرف بها:
1- إذا دخلت عليه فسألك عن اسم أمك فاعلم أنه يستعين بالجن.
2- إذا أمرك ألا تذكر الله ولا تقل بسم الله عند علاجه لك فاعلم أنه ساحر.
3- إذا أخبرك بأمر غيبي كأن يخبرك عن مكان مسكنك أو عن اسمك مثلاً أو اسم أبيك.
4- يعطي ورقة ويكتب فيها بعض الآيات ككتابة آية الكرسي مثلاً وبعض أسماء الله، وفي أسفل الورقة يرسم مربعاً ويضع فيه بعض الحروف المقطعة أو أرقاماً وهذه الحروف والأرقام يخاطب بها الجن.
5-  من علاماته أيضاً أنه لا يرفع صوته بما يقول حتى لو طلبت منه ذلك، وربما موه عليك فقرأ بعض الآيات بصوت عالي ثم يخفض صوته في الباقي، وفيها يطلسم بكلمات وعزائم غير مفهومة حيث يتمتم بكلام لا معنى له، أو أن يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها.
6- أو يأمره أن يعتزل الناس فترة معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها العامة (الحجبة).
7- وأحياناً يطلب الساحر من المريض ألا يمس ماءً لفترة من الزمن غالباً أربعين يوماً.
وهذا يدل على أن الشيطان الذي يخدم هذا الساحر نصراني.

من أسباب كثرة السحرة، ضعف الإيمان وعدم التوكل على الله، ومنها كثرة الخدم والسائقين في البيوت.

وذلك أن كثيراً من الخادمات قبل أن تأتي إلى أي مكان تمرّ على الساحر ومعها اسم صاحب البيت وأين يسكن ومن ثم تطلب من الساحر أن يخبرها عن هؤلاء، فيقول الساحر هذا رجل عنده زوجة واحدة مثلاً، وعنده خمسة أبناء وذلك بواسطة الشياطين الذين في المنطقة.

فيقول لها: إذا أردت شيئاً فأرسلي لنا شيئاً من شعره أو شعر زوجته أو ولده أو شيئاً من لباسهم ونحن نعقد فيه شيئاً من السحر.

ولذلك بعض الناس فطنوا لهذا فيأمر الخادمة أو السائق ألا يقفل الرسالة إلا وقد أطلع على ما في داخلها، وإذا جاءت رسالة لابد وأن تفتح الرسالة بين عينيه حتى يرى ما فيها.

فإذا علمتم ساحراً في أي مكان أو علمتم من خلال الأوصاف التي قلتها لكم وجب عليكم إبلاغ الجهات المختصة بذلك كهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يوقفوا هذا الساحر عند حده، فحد الساحر أن يضرب بالسيف.

لأنه كافر والله قد سمى الساحر كفراً وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر.

وعن جندب مرفوعاً: ((حد الساحر ضربة بالسيف)) [رواه الترمذي]. وقال: الصحيح أنه موقوف. وفي صحيح البخاري عن  بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة.
وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت.

وبعد هذا أخي المسلم من خلال هذه الخطبة وهذه الآيات والأحاديث تبين لك أن السحر كفر وأن الساحر كافر، وأن من يأتي الساحر فهو على خطر عظيم وهو على شفا الكفر عياذاً بالله من ذلك.

ألا تخاف يا أخي من أن تخسر الدنيا والآخرة,ألا تتوكل على الله ربنا خالقنا المتصرف في شئوننا الذي ما أنزل داء إلا وأنزل له دواء. وهذا الداء دواؤه العلاج الرباني وليس العلاج الشيطاني.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وننزل من القرآن ما هو شفاء رحمة للمؤمنين.

نعم قد عرفنا السحر وأنواعه وعلامات السحرة ولكن كيف العلاج وما طرق الوقاية من الحسر والسحرة؟

1- العلاج: أن تعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يصيبك شيء إلا بإذن الله، ولن تشفى إلا بإذن الله وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له.

ومن العلاج بل هو العلاج وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين نعم هو القرآن لكن الناس قد أعرضوا عن هذا الدواء الرباني فبكثرة قراءة القرآن والنفث على المريض يفك الله السحر عن المسحور بإذنه سبحانه وتعالى.

·أما الوقاية:
أ‌-  فبإكثار الذكر ومداومة الطاعة والاستقامة على الخير والإعراض عن المحرمات وترك الموبقات وإن تحفظ الله بفعل أوامره وترك نواهيه ليحفظك في دنياك وأخراك.

والإكثار من قراءة القرآن وقراءة الأوراد والأذكار في الصباح والمساء والمحافظة على آية الكرسي وقراءة المعوذتين وسورة الإخلاص، ففي الحديث أنه من قرأها في صباحه ومساءه ثلاث مرات كفته من كل سوء.

ومن قرأ آية الكرسي لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان يومه ذلك.
ومن حافظ على ذلك كله حفظه الله.

أيها الناس: وإذا أصيب أحد الناس بهذا المرض أعني أصيب بالسحر – هدانا الله وإياكم – فعليه بالرقية الشرعية.

فإن الإنسان إذا اعتقد اعتقاداً جازماً أن الله جعل الشفاء في كتابه وأن الله قادر على شفائه، وأنه لا يملك أحد من البشر شيئاً من ذلك فإنه يرجى له الشفاء بإذن الله.

والرقية هي قراءة الآيات والأذكار والأدعية مع النفث على المريض ولا تكون الرقية شرعية حتى تجتمع فيها ثلاثة شروط:

1- أن تكون بالقرآن والأحاديث أو بكلام نافع.
2- أن تكون باللغة العربية.
3- أن يكون قلب الشخص معلقاً بالله وأن الشفاء من عند الله.

أيها الأخوة: الرقية ليست خاصة بأناس دون غيرهم فكل شخص يستطيع أن يرقي، فأنت تستطيع أن ترقي نفسك أو أن يرقيك أخوك أو صاحبك أو زوجك، فليست الرقية حكراً على أحد، ومن هنا تعجب من بعض الناس كيف يزدحمون على فلان وفلانة وكأن الرقية لا يحسنها إلا هو.

فتجد هذا يأتي من الشمال وهذا من الجنوب وهذا من الشرق حتى يتمكنوا من الحصول على الرقية.

نعم لا شك أن لصلاح الشخص أثر في الرقية، ولكن كم من شخص تحقره ويجعل الله الشفاء في رقيته.

أما أيها الأخوة: ومن أراد النجاة من كل هذا فعليه بالاعتصام بالقرآن تلاوة وعملاً وقراءة وحفظاً وعليه بالأذكار والأوراد في الصباح والمساء وحين النوم وعند اللباس وعند رؤية المبتلي وعند دخول الخلاء والخروج منه وعند دخول المسجد والخروج منه.

ومن أنواع علاج السحر:
ما ذكره الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - في رسالة السحر والكهانة.
قال – يرحمه الله –:
1-    ومن الأدعية الثابتة عنه  في علاج الأمراض من السحر وغيره وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه.

((اللهم رب الناس أذهب البأس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاء لا يغادر سقماً)).
ومن ذلك الرقية التي رقى بها النبي  وهي: ((باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك)) وليكرر ذلك ثلاث مرات.

* ومن علاج السحر أيضاً وهو من أنفع علاجه بذل الجهود في معرفة توضع السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك، فإذا عرف استخرج وأتلف بطل السحر.

* ومن علاج السحر بعد وقوعه أيضاً وه علاج نافع للرجل الذي يحبس عن جماع أهله: أن يأخذ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء ويصيب عليها من الماء ما يكفيه للغسل ويقرأ فيها: آية الكرسي، وسورة الكافرون، والإخلاص، والمعوذتين، وآيات السحر التي في سورة الأعراف وسورة يونس وسورة الشعراء وسورة طه وبعد قراءة ما ذكر في الماء يشرب بعضه ويغتسل في الباقي وبذلك يزول الداء - إن شاء الله –، ولا بأس من تكرار ذلك.

* وأما علاجه بسحر مثله فهذا لا يجوز، فإنه من عمل الشيطان بل من الشرك الأكبر فالواجب الحذر من ذلك.
* ومن العلاج أيضاً علاج السحر بالحجامة.

قال رسول الله: ((خيركم ما تداويتم به الحجامة)) [رواه مسلم].
ويقول ابن القيم أن أنواع علاج السحر الاستفراغ في المحل الذي يصل إليه السحر، وذلك بالحجامة (أ، هـ).

محاضرة بعنوان 
لذة المناجاة وحلاوة العباد
عن أي شيء يبحث الإنسان في هذه الحياة ?
أليس الناس يبحثون عن السعادة العظمى، والثروة الكبرى؟ أليسوا يجدون في إثر الطمأنينة المستقرة والراحة المستمرة ؟ أليسوا يرغبون في أن يدخل السرور إلى قلوبهم وأن تشيع البهجة في نفوسهم وأن تعلو البسمة شفاههم وأن تترقب ألسنتهم بجميل القول ، وأن تستقبل آذانهم حسن الكلام؟ أليس كثير من الناس يبحثون عن اللذة والسعادة ؟ 

إن طريقها في هذا الدين العظيم وكثيرون هم الضايعون في بحثهم، وآخرون كثيرون أيضاً هم الواهبون فيما توصلوا إليه من نتائج، يلتمسون بها السعادة، ويقصدون بها حصول اللذة ، وأولئك في حيرتهم يعمهون ، والآخرون في أوهامهم يتخبطون، وأنت أيها المؤمن الصادق .. أيها المسلم المخلص .. أيها العبد الخاضع لله ، صاحب اللسان الذاكر لله - عز وجل- والدمعة الخاشعة لله - سبحانه وتعالى - والجبهة الخاضعة لعظمة الله - جل وعلا - أنت وحدك إن فهمت هذا الإيمان ، تفاعلت معه، وإن أتيت بموجباته ، فأنت السعيد الفريد في هذه الحياة الدنيا، وأنت الناجي الفائز بإذن الله -عز وجل- في الحياة الأخرى.

اللذة التي يبحث عنها الناس
أي شيئ تطلب ؟ وعن أي شيء تبحث ؟ والأمر قد يسره الله - سبحانه وتعالى- وبسطه بين يديك ، وجعله طريق واحدة ، تبدأ من أول لحظة تعي فيها، وتدرك التكليف ، وإذا به طريق يمتد من هذه الأرض الصغيرة ،إلى السموات العلى إلى رضوان الله - سبحانه وتعالى - إن اللذة والسعادة في الإيمان .. في السعي لنيل رضى الرحمن.. في عبادة الملك المنان - سبحانه وتعالى -

فلننظر إلى هذه اللذة التي ذاقها المؤمنون .. التي عرفها وعلمها للناس المرسلون ، والتي اقتطف ثمارها وتمتع بأذواقها عباد الله الصالحون ، والتي حرمها كثيراً من المسلمين في هذه الأوقات ، لأنهم لم يأخذوا سبيلها، ولم ينهجوا طريقها، ولم يؤدوا واجباتها.

اللذة الحقيقية
إن أعظم هذه المنن والنعم أن تكون الحياة كلها لله - سبحانه وتعالى - { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }، { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين }. 
ما أعظم أن يكون الضعيف مرتبطاً بالله القوي ! ما أعظم أن يكون العبد العاجز مرتبطاً بالله - سبحانه وتعالى - الذي لا منتهى لكماله ! ما أعظم أن يخضع الفقير للمعدم للغني القاهر - سبحانه وتعالى - ! إنه حينئذً يتحول إلى صورةً أخرى ، وإلى معنىً آخر في هذه الحياة ، إنه يرتبط حينئذٍ بالسماء ، يرتبط بنور الوحي ، يرتبط بنفخة الله - عز وجل - التي نفخها في خلقة آدم أول ما خلق .. عندما جعل خلقه قبضة من طين، ونفخةً من روح ، عندما أراد الله - عز وجل - أن يجعل لهذه الروح غذاءها المرتبط بخالقها - سبحانه وتعالى - .

الإيمان الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فيه اللذة والحلاوة والمتعة والسعادة .. الذي فيه طمأنينة القلب ، وسكينة النفس ، فها هو - عليه الصلاة والسلام- يعبر تعبيراً صريحاً واضحا ،ً قوي المعنى: ( ذاق طعم الإيمان ، من رضي بالله ربًاً، وبالإسلام دينا،ً وبمحمدً - صلى الله عليه وسلم - نبياً ورسولاً ) ما أعظم هذا الاستقرار والسكينة والطمأنينة ، عندما ترتبط بالله - عز وجل- خضوعاً لإله واحد، وغيرك من الناس يخضع لقوى الأرض ، يبتغي لديها خيراً، وآخرون يخضعون لقوى البشر يخشون منها ضراً، وأنت حر طليق لا عبودية لك إلا لله - سبحانه وتعالى- ، والناس أيضاً يتخبطون ويتحيرون ويلتمسون طريقاً هنا وهناك ، ومنهجا من شرق وغرب ، وأنت عندك منهج الإسلام ، الصراط المستقيم الذي جمع الله - سبحانه وتعالى - فيه الخير كله، ونفى عنه القصور والضر كله { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }، والناس يبحثون عن قدوات يلتمسونها هنا وهناك، وقدوتك العظمى وأسوتك المثلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير الخلق أجمعين، وخاتم الأنبياء والمرسلين { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً }.

 ما أعظم هذه الوحدة التي توحد وجهتك وقصدك لله - سبحانه وتعالى - خضوعاً وذلة، وعلى الإسلام منهج تحاكم وشريعة حياة ، ومع الرسول- صلى الله عليه وسلم- قدوة تحتذى، وأسوة تتبع .
 ما أعظم هذه الطمأنينة التي تنسكب في القلب ! { الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}، ما أعظمها من نعمة ! وما أعظمها من لذة ! لو أن الإنسان تفاعل بها انفعال صادقاً.. لو أنه تشربها تشرباً كاملاً ، لو أنه عاشها وبقي معها، في مداومة مستمرة ، وفي حياة متواصلة ، إذاً لتحقق له أيضاً ما بينه النبي - صلى الله عليه وسلم - من المفارقة في اللذة التي إذا جناها العبد حقيقةً، وإذا اقتطفها ثانيةً ؛ فإنه لا يرضى عنها بديلاً ( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار )، كل هذه المشاعر من المحبة والميل العاطفي ،إنما رابطها الإيمان الذي يغذيها وينميها، ويجعلها متعةً ولذة في هذه الحياة ، ولذا قال سلف الأمة - عندما تذوقوا هذه الحلاوة -: " والله إنا لفي لذة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف ".

ذاقوا طعمها .. ذاقوا صلة بالله - سبحانه وتعالى - عظيمة، التي متى تعلق قلبك بها لن يتعلق بشيء سواه ، وبدأ حينئذً كل أمرك من طموح، ومن شوق ، ومن آمال ، ومن غايات في هذه الحياة ، يرتبط بهذا الإيمان كما بين النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المنن الإيمانية ، والمنح الربانية ، التي يسوقها - سبحانه وتعالى - لك أنت - أيها العبد المؤمن المسلم- من بين هذه البشرية الحائرة الضالة المتخبطة ، البعيدة عن منهج الله ، الجاحدة لرب الأرباب ، وملك الملوك - سبحانه وتعالى- .

تأمل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله إذا أحب عبداً نادى جبريل إني أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي في أهل السماء إن الله يحب فلان فأحبوه فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ) .
فإذا أنت ترى القلوب تهفو إليك ، وترى الأيدي تعانقك ، وترى الشفاه تبتسم لك ، وترى بريق العيون ينظر لك نظرة المحبة، ولم تسدي إليهم معروفا ،ً ولم تقدم إليهم مساعدة، وإنما هي لغة التحاور الإيماني وإنما هي مشاعر القلوب التي ترسل بإذن الله - عز وجل - تلك الروابط ، التي تسعد بها البشرية ، والتي تطمئن بها أسباب الحياة بين البشر .

حتى تدرك مدى ما ينعكس من أثار الإيمان في طمأنينتك وعلاقتك بهذا الكون وعلاقتك بهذه الحياة تأمل قول النبي - عليه الصلاة والسلام - عندما قال : ( من ابتغى رضى الله بسخط الناس ، رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن ابتغى سخط الله برضى الناس، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس)، يبقى شقياً محروماً ، منكوداً مطرداً، وإن ملك الأموال كلها، وإن كان بين يديه كل شيء من ملذات الحياة ، لكن في صدره ضيق، وفوق قلبه أكوام من الهموم، وفوق عينيه غم يتجسد في مراء وجهه ، كأن عليه قطع من سواد مظلم، وكأن على وجوههم قتر وذلة . نسأل الله - سبحانه وتعالى - السلامة.

والمؤمن الذي خلى بربه كما قال الحسن البصري حينما سئل : ما بال أهل الليل على وجوههم نور ؟ قال : لأنهم خلوا بربهم فألبسهم من نوره - سبحانه وتعالى – .
المؤمن الذي في عز المحنة وشدتها وهولها ، يبقى ساكناً ، مطمئناً بوعد الله - عز وجل - وبنصر الله - سبحانه وتعالى - كما كان من الرسل والأنبياء ( ما ضنك باثنين الله ثالثهما) .. { قال كلا إن معي ربي سيهدين } .. { قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم }، ما أعظم هذه الطمأنينة المنسكبة في القلب ، والتي تجعل الإنسان مستقراً مطمئناً .
فليتك تحلو والحياة مريرة **** وليتك ترضى والأنام غضابُ
فإذا صح منك الود فالكل هيناً **** وكل الذي فوق التراب ترابُ

هكذا عندما تتعلق بالله - عز وجل - تكون أشواقك وأفراحك ، وكل ما يمر بك إنما ينزل هذا المنزل العظيم فما الذي يفرحك في هذه الدنيا ؟ إنه الفرح بفضل الله .. بطاعة الله - سبحانه وتعالى - { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون }، عندما يفرح الناس بالعلاوات وزيادة الأموال .. عندما يفرحون بالدور والقصور ، يفرح المؤمن بسجدةٍ خاشعة ، في ليلة ساكنة ، في وقت سحر يناجي فيها ربه ، ويسكب دمعه ، ويتذلل بين يدي خالقه - سبحانه وتعالى – { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون } ما هذا الشوق الذي يستولي على القلب عندما يتغلغل فيه الإيمان ؟
فهذا بلال - رضي الله عنه - عندما تحين وفاته ، تصيح زوجته وتقول: يا حزناه فيقول : بل وافرحتاه ، غداً ألقى الأحبة محمداً وصحبه.
الشوق إلى لقاء الله - سبحانه وتعالى - دعا أنس بن النضر أن يلغي ذلك التفكير المادي المنطقي في يوم أحد ،وإذا به يقول : "واهاً لريح الجنة ، والله إني لأجد ريحها دون أحد " ثم ينطلق مشتاقاً راغباً محباً متولعاً عاشقاً للقاء الله - سبحانه وتعالى - راغباً في طاعة الله - سبحانه وتعالى - ويلقي بنفسه يعانق الموت قبل أن يأتيه ، وإذا به يمضي شهيداً إلى الله - سبحانه وتعالى - .
وذاك عمير بن الحمام في موقعة وغزوة بدر يأكل تمرات ، فحينما يسمع نداء النبي – صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا يقاتلهم اليوم رجل مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة ) فيرمي بالتمرات قائلاً : ما أطولها من حياة حتى أبلغ هذه الأمنية العظيمة .

نعمة الإيمان وأثره على الحياة 
الإيمان يحول الحياة كلها إلى جنة خضراء ، كأنما الإنسان في بستان تجري من حوله الأنهار ، وتزينه الأزهار ، ويستمتع بضلال الأشجار ، ويتناول لقطف تلك الثمار ، كأنه ما مسه من ضر ، ولا لقي في هذه الحياة من عناء ، كما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير) ، وقال في حديث آخر : ( عجباً لأمر المؤمن ! إن أمره كله له خير ، إن أصابته سراء شكر ، وإن أصابته ضراء صبر ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ) ففي كل الأحوال هو يرى نور الله - عز وجل - ويرى حكمة قدر الله - عز وجل - ويسلم لأمر الله - عز وجل - ويبتغي في السراء ، وفي الضراء رضوان الله - عز وجل- ويلتمس أجر الله - سبحانه وتعالى - حتى الشوكة يشاكها العبد المؤمن يكفر الله - سبحانه وتعالى - به من خطاياه ما أعظم هذه المنة أيها الأخوة الأحبة ! .

إنها نعمة لا تدانيها نعمة ، ولا توازيها منة ، عندما ينشغل الناس بجمع الأموال والثروات ، وينشغل العبد المؤمن بجمع الأعمال الصالحة والحسنات ، يلتمس أجراً هنا ، ويلتمس حسنةً هناك كما كان أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم - لا يتنافسون على غنائم الدنيا ، ولا على لعاعتها ، وإنما - كما في حديث أبي ذر رضي الله عنه - : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور ، يصلون كما نصلي ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم .

جاءت الحسرة في نفوس الصحابة على ذلك الأجر والثواب الذي لا يستطيعونه فقال لهم النبي - عليه الصلاة والسلام - مسلياً وفاتحاً أفاقاً وأبواباً من الخير عظيمة ( أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون به كل تسبيحة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ) وذكر أبواب من الخير عظيمة ثم ماذا ؟ رجع القوم بعد ذلك مرة أخرى فقالوا : يا رسول الله سمع إخواننا ما قلت ففعلوا مثلما فعلنا . قال : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ) .

كان القوم إنما همهم أن يجمعوا رصيداً يحضون فيه برحمة الله - سبحانه وتعالى - ويتأهلون فيه لنيل رضوان الله - عز وجل- وأن يشملهم بواسع رحمته ، وأن يتغمدهم برضوانه ومغفرته- سبحانه وتعالى- .

وقد ورد في صحيح مسلم عن حال الصحابة أنه أحدهم كان لا يجد الصدقة يتصدق بها ، فماذا كان يصنع وقد عذره الله سبحانه وتعالى ؟ قال : فكان أحدنا يحتمل الحمال - عنده قوة بدن - فيعمل حاملاً لا ليتوسع في الرزق ، ولا ليرفع من مستوى المعيشة ،ولا ليزيد في الأرصدة ، ولا ليؤمن المستقبل- كما يقول الناس اليوم - ولكن يحمل الحمالة ليجد ما يتصدق به بين يدي الله - سبحانه وتعالى

ما أعظم هذه النفوس وهذه الغايات ! سعادة عندما يقدم لله - عز وجل - .. سعادة عندما يفرّج كربة أخيه المسلم ، سعادة عندما يتابع النبي – صلى الله عليه وسلم - ثم ما أعظم أن ينشغل الناس بسفساف القول كذباً ودجلاً .. نفاقاً وتذمراً .. وغيبة ونميمة ، ولا تزال أنت - أيها العبد المؤمن - مرطباً لسانك بذكر الله .. مسبحاً لمالك السموات والأرض - سبحانه وتعالى - .. ما تزال تستغفر كما كان المصطفى – صلى الله عليه وسلم – يستغفر في اليوم والليلة سبعين مرة . - وفي روايات أخرى - مائة مرة .

ما تزال تلهج بذكر الله - عز وجل- متبعاً وصية رسولك – صلى الله عليه وسلم( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ) وكذلك تشنف أذنك، وترطب لسانك بتلاوة القرآن، والناس ساهون لاهون، وفي غيهم يعمهون، وأنت تثلج صدرك، وتطمئن قلبك، وترطب لسانك بتلك الآيات العطرة، في صخب هذه الحياة الداوية .. في هذه الأعصر التي كثر فيها قول الباطل.

مفاتيح سعادة المسلم 
يبقى المسلم متميزاً لأنه لا يفتر ولا ينأ عن ذكر الله - سبحانه وتعالى - ويشعر بمدى التوجيه الإلهي الرباني الذي جاء مؤكداً ومطلقاً ، مما يدل على أفاق واسعة من هذا الأمر العظيم { يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً } أي لا حد له ولا منتهى ولا وقت ولا زمان ولكنه في الليل وفي النهار .. تسبيح في الغدو والآصال .. ذكر ودعاء لله - سبحانه وتعالى- تستفتح فيه يومك وتفتح لك فيه أبواب الرضى ، وأبواب الهناء ، وأبواب الرزق وأبواب السعادة في الدنيا ، وتختم به ليلك ونهارك ويومك ،فإذا بك تطمئن في كنف الله ، وإذا بك تبيت في حفظ الله ، وغيرك قد تسلطت عليه المردة والشياطين، وذاك يمسه جن ، وذاك يركبه شيطان وأنت محفوظ بإذن الله - سبحانه وتعالى - ما أعظم هذه السعادة ! وما أجل هذه النعم والمنن ! . 

والناس في ليلهم صاخبون ، وبعضهم في المعاصي غائصون ، ويحيون السهرات الماجنة ، ويعيشون مع الأفلام الداعرة ، وأنت - أيها العبد المؤمن – في خلوة من صخب الحياة إلى هدوء الليل وقمت تختلس تلك الركيعات بين يدي الله - سبحانه وتعالى - في ذلك الوقت الذي هو أعظم وقتاً ، وفيه أعظم منة ، كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام -: ( ينزل ربنا إذا بقي الثلث الأخير من الليل فينادي: هل من سائل فأعطيه ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ وذلك الدهر كله )، فكيف يحضى أولئك الغافلون وأولئك العاصون بهذه المنن ؟ إنهم عنها والله لمحرومون ، وأنت إن كنت من أهل الليل .. إن كنت من أهل مناجاة الأسحار .. إن كنت من أهل ذرف الدموع في تلك الأوقات الفاضلة ، المكثرين من التلاوة والأذكار ، المداومين على الدعاء والاستغفار ؛ فإنك حضي وحري بأن تنال موعود النبي – صلى الله عليه وسلم -: ( أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام وصلّوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا جنة ربكم بسلام )، ما بال الناس يستيقظون وعلى وجوههم قتر وفي جباههم تجهّم ؟! والمؤمن الوحيد كما أخبر النبي - عليه الصلاة والسلام - هو الذي ينشرح صدره ، ويبدأ يومه بهذه العبادة والمناجاة لله - سبحانه وتعالى - كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - ( يضرب الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة يقول: نم عليك ليل طويل ، فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة ، فإذا قام وتوضأ انحلت الثانية ، وإذا صلى انحلت عقده كلها وأصبح نشيط النفس وإلا أصبح خفيف النفس كسلان ) .

أنت - أيها العبد المؤمن - بيدك مفاتيح السعادة بين يديك خيرات وثروات عظمى، فيها سكينة النفس ، وطمأنينة القلب ، ولذة الحياة، وحسن القول، وجميل ما يصنع، وأحسن ما يعمل من الأعمال الصالحة ، فما أعظم هذا التميز وهذا التأهيل الذي يمكن للعبد المؤمن أن يكون فيه فريداً بين كل من لم يكون على منهج الله - سبحانه وتعالى - وما بالنا حرمنا هذه النعم ؟ لأننا لم نرتبط بها حق الارتباط ، ولم نؤدها حق الأداء، لم نشعر بتلك اللذة التي كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يقول فيها : (وجعلت قرة عيني في الصلاة)، منتهى السعادة ، منتهى السرور، منتهى الانشراح ، منتهى الإقبال واللذة في تلك العبادة ، فأي أحد لا يحب الإقبال على ما يسره مما يحبه ويميل إليه قلبه !! إنه إذا وجد شيئاً يحبه أقبل عليه وتعلق به، وبذل لأجله كل شيء، ولذلك كان - عليه الصلاة والسلام - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة فإذا بالطمأنينة ،وإذا بالسعادة، وإذا باليقين الراسخ ينبعث في القلب من جديد ، ويحيي في النفس حياةً قوية راسخة، ولذلك كان يقول - عليه الصلاة والسلام - : (أرحنا بها يا بلال ) .

فلنرتح من تعب الحياة ، ومن سخطها في ظل العبادة والخشوع والخضوع لله - سبحانه وتعالى - فإن هذا طريق بإذن الله - عز وجل - موصل إلى سعادة الدنيا ، وإلى نجاة الآخرة .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


محاضرة بعنوان 
من ثمرات اليقين باليوم الآخر
عبد العزيز بن ناصر الجليل

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام عـلـى نـبـيـنــا وقدوتنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أما بعد..

لما كان الإيمان باليوم الآخر أحد أصول الإيمان الستة التي لا يصح إيمان مسلم بدونها.

ولـمـا لذلك الإيمان من أثر في حياة المسلم وطاعته لأوامر الله (عزو جل) واجتناب نواهيه، ولما لـــه من أثر في صلاح القلوب وصلاح الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة، ولما في نسيان ذلك اليوم العظيم والغفلة عنه من خطر على حياة الناس ومصيرهم.. فلا غرابة إذن أن يرد ذكر هذا اليوم كثيراً في القرآن، حتى لا تكاد تخلو منه صفحة من صفحاته.

وإذا كان الكتاب والسنة قد اهتما غاية الاهتمام بتفاصيل ذلك اليوم المشهود وبأحوال هذا النبأ العظيم؛ فإنه من الحمق والجهل ألا نهتم بما اهتم به الوحيان.

إن أعـظــم قـضـيـة يجب أن ينشغل بها كل واحد منا هي: قضية وجوده وحياته والغاية منها، وقضية مستقبله ومصيره وشقائه وسعادته، فلا يجوز أن يتقدم ذلك شيء مهما كان، فكل أمر دونه هين وكل خطب سواه حقير. وهل هناك أعظم وأفدح من أن يخسر الإنسان حـيـاتـــه وأهله، ويخسر مع ذلك سعادته وسعادتهم، فماذا يبقى بعد ذلك؟ ((قُـــــلْ إنَّ الخَاسِرِينَ الَذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ)) [الزمر: 15].

وأهمية هذا الموضوع تتجلى فيما يلي:
1- انفتاح الدنيا الشديد على كثير من الناس في هذا الزمان وما صحب ذلك من مكر الليل والنهار بأساليب جديدة ودعايات خبيثة تزين الدنيا في أعين الناس وتصدهم عن الآخرة، ومع ما كان عليه صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الإيمان والتقوى، فقد كان يحذرهم من الاغترار بالدنيا وضرورة الاستعداد للآخرة، مع أن الدنيا لم تنفتح عليهم مثل اليوم، فـــلا شك ولا ريب أننا أحوج منهم بكثير إلى أن نتذكر الآخرة ويذكّر بعضنا بعضاً بعظمة شأنها وأهمية الاستعداد لها.

2- ركون كـثـيـر مـــن الـنـاس للـدنـيا ولقد ترتب على ذلك أن قست القلوب، وتحجرت الأعين، وهُجِرَ كتاب الله (عز وجل)، وإذا قـــــرأ أحدنا القرآن قرأه بقلب لاهٍ، فأنّى لمثل ذلك القلب أن يخشع لذكر الله؟ وأنّى لعينيه أن تـدمــــع خوفاً من الله، وقد انعكس ذلك على الصلاة فقلّ الخاشعون والمطمئنون فيها.. والله المستعان.

3- لما في تذكر ذلك اليوم ومشاهده العظيمة من حث على الـعـمـــل الصالح والمبادرة لفعل الخيرات وترك المنكرات، بل ما تكاسل المتكاسلون في عمل الصالحات سواء الواجب منها والمسنون إلا بسبب الغفلة عن الآخرة والانشغال عنها، يقول (تعالـى) فـي وصــف عباده الصالحين: ((رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإقَامِ الصَلاةِ وَإيتَاءِ الــزَّكَاةِ)) [النور: 37]. ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لايَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)) [الزمر: 9].

4- لـمـــا ظهر في عصرنا اليوم من المشكلات المعقدة والأمراض المزمنة، التي  نشأت عنها الأمراض النفسية المتنوعة من القلق والاكتئاب اللذين يؤديان غالباً إلى حياة يائسة، ومن أسباب ذلك: البعد عن الله (تعالى)، وعن تذكر اليوم الآخر.

5- لما تميز به زماننا اليوم من كثرة المظالم في بعض المجتمعات واعتداء الناس بعضهم على بعض، من أكلٍ لأموال غيرهم بدون وجه حق، وكذلك النيل من الأعراض، والحسد والتباغض، والفرقة والاختلاف، وبخاصة بين بعض الدعاة وطلبة العلم، ولا شك أنه لا شيء مثل تذكر اليوم الآخر وتذكـر الوقـوف بين يدي اللـه (عز وجل) علاجاً لتلك الأمراض.

6- ولما كان الركون إلى الدنيا والغفلة عن الآخرة من أعظم الأسباب في وهن النفوس وضعفها كان لا بد من التذكير المستمر بذلك اليوم وما فيه من نعيم أو جحيم، لأن في هذا التذكير أكبر الأثر في نشاط الهمم وعدم الاستسلام للوهـن واليأس رجـاء ثواب اللـه (عز وجل) وما أعده للمجاهدين في سبيله الداعين إليه.

7- ولما قلّ في برامج الدعوة والتربية الاعتناء بهذه الجانب العظيم من التربية مما له الأثر الكبير في الاستقامة على الجادة والدعوة إلى الله على بصيرة، ولكن نرى من بعض المهتمين بالدعوة من يستهين بهذا الجانب العظيم حتى صار بعضهم يقلل من أثر التذكرة بالآخرة بقوله: إن هذا الأمر يغلب عليه الوعظ أو هذا مقال عاطفي وعظي… إلخ.. مع أن المتأمل لكتاب الله (سبحانه) وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- يرى بجلاء جانب الوعظ بارزاً بالربط بين الدنيا والآخرة والثواب والعقاب.. نسأل الله أن يهدينا جميعاً وأن يوفقنا للاقتداء بالسنة والسير على نهجها.

الآثار المرجوة لليقين باليوم الآخر:
إن في اليقين باليوم الآخر وأنبائه العظيمة لآثاراً واضحة وثماراً طيبة، لابد أن تظهر في قلب العبد وعلى لسانه وجوارحه، وفي حياته كلها، ولكن هذا اليقين وحده لا يكفي حتى ينضم إليه الصبر ومجاهدة الشهوات والعوائق، لأن الواحد منا ـ مع يقينه باليوم الآخر وأهواله ـ يرى في حياته أن ثمرات هذا اليقين ضعيفة، فلابد إذن من سبب لهذا الأمر، ويجلي هذه المسألة الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى) فيقول: (فإن قلت كيف يجتمع التصديق الجازم الذي لا شك فيه بالمعاد والجنة والنار ويتخلف العمل؟
 وهل في الطباع البشرية أن يعلم العبد أنه مطلوب غداً إلى بين يدي بعض الملوك ليعاقبه أشد عقوبـة، أو يكرمـه أتم كرامة، ويبيت ساهياً غافلاً! ولا يتذكر موقفه بين يدي الملك، ولا يستعد له، ولا يأخذ له أهبته؟!.

قيل: هذا (لعمر الله) سؤال صحيح وارد على أكثر الخلق؛ فاجتماع هذين الأمرين من أعجب الأشياء، وهذا التخلف له عدة أسباب:

أحدهما: ضعف العلم ونقصان اليقين، ومن ظن أن العلم لا يتفاوت، فقوله من أفسد الأقوال وأبطلها.

وقد سأل إبراهيم الخليل ربه أن يريه إحياء الموتى عياناً بعد علمه بقدرة الرب على ذلك، ليزداد طمأنينة، ويصير المعلوم غيباً شهادة.

وقد روى أحمد في مسنده عن النبي أنه قال: (ليس الخبر كالمعاينة) (1).

فإذا اجتمع إلى ضعف العلم عدم استحضاره أو غيبته عن القلب في كثير من أوقاته أو أكثرها لاشتغاله بما يضاده، وانضم إلى ذلك تغاضي الطبع، وغلبات الهوى، واستيلاء الشهوة، وتسويل النفس، وغرور الشيطان، واستبطاء الوعـد، وطول الأمـل، ورقدة الغفلة، وحب العاجلة، ورخص التأويل، وإلف العوائد، فهناك لا يمسك الإيمان إلا الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وبهذا السبب يتفاوت الناس في الإيمان والأعمال، حتى ينتهي إلى أدنى مثقال ذرة في القلب.
وجماع هذه الأسباب يرجع إلى ضعف البصيرة والصبر، ولهذا مدح الله (سبحانه) أهل الصبر واليقين، وجعلهم أئمة الدين، فقال (تعالى): ((وَجَعَلْنَـا مِنْهُمْ أَئِمَّـةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُـونَ)) [السجدة: 24])(2).

ذكر الثمرات المرجوة:
وبعد هذه المقدمة التي لا بد منها حول ثمرات اليقين بالنبأ العظيم نذكر ما تيسر من هذه الثمرات، والله ولي التوفيق:
1- الإخلاص لله (عز وجل) والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم :
إن الموقن بلقاء الله (عز وجل) يوم الفزع الأكبر، لا تلقاه إلا حريصاً على أعماله، خائفاً من كل ما يحبطها من أنواع الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، حيث إن الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال، فتصير هباءً منثوراً، والشرك الأصغر يحبط العمل الذي حصل فيه هذا النوع من الشرك كيسير الرياء، والعجب، والمن، وطلب الجاه والشرف في الدنيا، فكلما كان العبد موقناً بلقاء ربه كان منه الحرص الشديد على ألا تضيع منه أعماله الصالحة في موقف القيامة، يوم أن يكون في أشد الأوقات حاجة إليها؛ ولذلك فهو يجاهد نفسه بحماية أعماله في الدنيا بالإخلاص فيها لله (تعالى) لعل الله (عز وجل) أن ينفعه بها، كما أن اليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل) يجعل العبد في أعماله كلها متبعاً للرسول -صلى الله عليه وسلم- غير مبتدع ولامبدل؛ لأن الله (عز وجل) لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً صواباً، قال (تعالى):- ((قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إلَيَّ أَنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)) [الكهف: 110].

2- الحذر من الدنيا والزهد فيها والصبر على شدائدها وطمأنينة القلب وسلامته:
إذا أكثر العبد ذكر الآخرة، وكانت منه دائماً على بال، فإن الزهد في الدنيا والحذر منها ومن فتنتها سيحلان في القلب، وحينئذ لا يكترث بزهرتها، ولا يحزن على فواتها، ولا يمدن عينيه إلى ما متع الله به بعض عباده من نعم ليفتنهم فيها، وهذه الثمرة يتولد عنها بدورها ثمار أخرى مباركة طيبة منها: القناعة، وسلامة القلب من الحرص والحسد والغل والشحناء؛ لأن الذي يعيش بتفكيره في الآخرة وأنبائها العظيمة لا تهمه الدنيا الضيقة المحدودة، مع ملاحظة أن إيمان المسلم باليوم الآخر وزهده في الدنيا لا يعني انقطاعه عنها وعدم ابتغاء الرزق في أكنافها؛ يقول (تعالى):- ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ)) [القصص: 77].

كما يتولد أيضا من هذا الشعور، الراحة النفسية والسعادة القلبية وقوة الاحتمال والصبر على الشدائد والابتلاءات، ذلك للرجاء فيما عند الله (عز وجل) من الأجر والثواب، وأنه مهما جاء من شدائد الدنيا فهي منقطعة ولها أجل، فهو ينتظر الفرج ويرجو الثواب الذي لا ينقطع يوم الرجوع إلى الله (عز وجل)، قال (تعالى): ((إن تَكُونُوا تَاًلَمُونَ فَإنَّهُمْ يَاًلَمُونَ كََمَا تَاًلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)) [النساء: 104] وما إن يفقد القلب هذه المعاني حتى يخيم عليه الهم والتعاسة، ومن هنا ينشأ القلق والانزعاج والضيق والحزن، أما ذاك الذي عرف الدنيا على حقيقتها، وامتلأ قلبه بهمّ الآخرة وأنبائها، فإن نفسه لا تذهب على الدنيا حسرات، ولا تنقطع نفسه لهثاً في طلبها، ولا يأكل قلبه الغل والحسد والتنافس فيها، ولا يقل صبره ولا يجزع قلبه عند المحن والشدائد، ومهما حرم في هذه الدنيا الفانية فهو يعلم أن لله (عز وجل) في ذلك الحكمة البالغة، وهو يرجو الأجر يوم القيامة، قال (تعالى): ((وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَـا يَظْهَرُونَ (33)وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُـرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفـا وَإن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتـاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِـرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)) [الزخرف: 33- 35].

3- التزود بالأعمال الصالحة وأنواع القربات واجتناب المعاصي والمبادرة بالتوبة والاستغفار:يقول الإمام ابن القيم (رحمه الله تعالى): (ومما ينبغي أن من رجا شيئاً استلزم رجاؤه ثلاثة أمور:
أحدهما: محبة ما يرجوه.
الثاني: خوفه من فواته.
الثالث: سعيه في تحصيله بحسب الإمكان.
وأما رجاءٌ لا يقارنه شيء من ذلك فهو من باب الأمــاني، والـرجــاء شـيء والأماني شيء آخر، فكل راجٍ خائف، والسائرعلى الطريق إذا خاف أسرع السير مخافة الفوات.

وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلـعـة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)(3) وهو (سبحانه) كما جعل الرجاء لأهل الأعمال الـصــالـحة، فكذلك جعل الخوف لأهل الأعمال الصالحة، فعلم أن الرجاء والخوف النافع ما اقـتـرن به العمل، قال (تعالى): ((إنَّ الَذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّــهِــــمْ يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّــهِـــمْ رَاجِعُونَ (60) أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)) [المؤمنون: 57- 61].

وقد روى الترمـذي في جامعه عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية، فقلت: أهم الذين يشربون الخمر ويزنون ويسرقون؟ قال: (لا، يا ابـنـــة الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافـون أن لايتقبل منهـم، أولئـك يسارعون فـي الخيرات)(4) وقد روي من حديث أبي هريرة أيضاً.

والله (سبحانه) وصف أهل السـعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقيـاء بالإسـاءة مع الأمن)(5).
وقــال (تعـالـى): ((إنَّ الَذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) [البقرة: 218].

يقــول ابن القيم (رحمه اللـه تعالى): (فتأمل كيف جعـل رجاءهم إتيانهم بهـذه الطاعات؟ وقـــال المغرورون: إن المفرطين المضيعين لحقـوق اللـه المعطلـين لأوامـره الباغـين المتجرئين على محارمـه، أولئك يرجون رحمة الله)(6).

٤-اجتناب الظلم بشتى صوره:
نظراً لكثرة الظلم والشحناء بين المسلمين في عصرنا الحاضر، وأنه لا شيء يمنع النفس من ظلم غيرها في نفس أو مال أو عرض: كاليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل)، وإعطاء كل ذي حق حقه، وإنصاف المظلوم ممن ظلمه، فإذا تذكر العبد هذا الموقف العصيب الرهيب، وأنه لا يضيع عند الله شيء، كما قال (تعالى): ((وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)) [الأنبياء: 47] وقوله (تعالى) ((وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً)) [طه: 111]، إذا تذكر هذه المواقف واتعظ بهذه الآيات، وأيقن بتحققها فلا شك أن ذلك سيمنعه من التهاون في حقوق الخلق، والحذر من ظلمهم في دم أو مال أو عرض، خاصة وأن حقوق العباد مبنية على المشاحة والحرص على استيفاء الحق من الخصم، وبالذات في يوم الهول الأعظم الذي يتمنى العبد فيه أن يكون له مظلمة عند أمه وأبيه وصاحبته وبنيه، فضلاً عن غيرهم من الأباعد، ومعلوم أن التقاضي هنالك ليس بالدينار والدرهم ولكن بالحسنات والسيئات.

فياليتنا نتذكر دائماً يوم الفصل العظيم، يوم يفصل الحكم العدل بين الناس، ويقضي بين الخصماء بحكمه وهو أحكم الحاكمين، ليتنا لا نغفل عن هذا المشهد العظيم، حتى لا يجور بعضنا على بعض، ولا يأكل بعضنا لحوم بعض، ولا نتكلم إلا بعلم وعدل، إنه لا شيء يمنع من ذلك كله إلا الخوف من الله (عز وجل) وخوف الوقوف بين يديـه، واليقـين الحـق بأن ذلك كـائن في يـوم لا ريب فـيه؛ قال (تعالى): ((إنَّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)) [الزمر: 30، 31].

٦- حصول الأمن والاستقرار والألفة بين الناس بالحكم بشريعة الله:
إن مجتمعاً يسود بين أهله الإيمان بالله (عز وجل) واليقين بالآخرة والجزاء والحساب، لا شك أنه مجتمع تسوده المحبة ويعمه السلام؛ لأن تعظيم الله (سبحانه) سيجعل هذه النفوس لا ترضى بغير شرع الله (عز وجل) بديلاً، ولا تقبل الاستسلام إلا لحكمه، وهذا بدوره سيضفي الأمن والأمان على مثل هذه المجتمعات، لأن أهلها يخافون الله ويخافون يوم الفصل والجزاء، فلا تحاكم إلا لشرع الله، ولا تعامل إلا بأخلاق الإسلام الفاضلة: فلا خيانة ولا غش ولا ظلم، ولا يعني هذا أنه لا يوجد في المجتمعات المسلمة من يظلم أو يخون أو يغش، فهذا لم يسلم منه عصر النبوة ولا الخلافة الراشدة، لكن هذه المعاصي تبقى فردية، يؤدّب أفرادها بحكم الله (عز وجل) وحدوده، إذا لم يردعهم وازع الدين والخوف من الله، والحالات الفردية تلك ليست عامة، أما عندما يقل الوازع الديني والخوف من الآخرة، ويكون التحاكم إلى أهواء البشر وحكمهم فهذا هو البلاء العظيم والفساد الكبير: حيث تداس القيم والحرمات، ويأكل القوي الضعيف، وبالتالي: لا يأمن الناس على أديانهم ولا أنفسهم ولا أموالهم ولا أعراضهم، وكفى بذلك سبباً في عدم الأمن والاستقرار، وانتشار الخوف، واختلال حياة الناس.٧-تقصير الأمل وحفظ الوقت:

إن من أخطر الأبواب التي يدخل منها الشيطان على العبد: طول الأمل، والأماني الخادعة التي تجعل صاحبها في غفلة شديدة عن الآخرة، واغترار بزينة الحياة الدنيا، وتضييع ساعات العمر النفيسة في اللهث وراءها حتى يأتي الأجل الذي يقطع هذه الآمال، وتذهب النفس حسرات على ما فرطت في عمرها، وأضاعت من أوقاتها. ولكن اليقين بالرجوع إلى الله (عز وجل) والتذكر الدائم لقصر الحياة وأبدية الآخرة وبقائها، هو العلاج الناجع لطول الأمل وضياع الأوقات.

يقول ابن قدامة (رحمة الله): (واعلم أن السبب في طول الأمل شيئان أحدهما: حب الدنيا، والثاني:  الجهل.

أما حب الدنيا: فإن الإنسان إذا أنس بها وبشهواتها ولذاتها وعلائقها، ثقل على قلبه مفارقتها، فامتنع من الفكر في الموت، الذي هو سبب مفارقتها، وكل من كره شيئاً دفعه عن نفسه...

السبب الثاني: الجهل، وهو أن الإنسان يعول على شبابه، ويستبعد قرب الموت مع الشباب، أو ليس يتفكر المسكين في أن مشايخ بلده لو عدوا كانوا أقل من العشرة؟ وإنما قلوا لأن الموت في الشباب أكثر، وإلى أن يموت شيخ قد يموت ألف صبي وشاب، وقد يغتر بصحته، ولا يدري أن الموت يأتي فجأة، وإن استبعد ذلك)(8).

8- سلامة التفكير وانضباط الموازين وسمو الأخلاق:
لا يستوي من يؤمن بالله واليوم الآخر ويوقن بيوم الحساب والجزاء ولا يغفل عنه،  ومن لا يؤمن بالآخرة، أو يؤمن بها ولكنه في لهو وغفلة عنهـا، لا يستويان أبـــداً في الدنيا ولا في الآخرة، أما في الآخرة فيوضحه قوله (تعالى): ((لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمُ الفَائِزُونَ))[الحشر: 20].

وأما في الحياة الدنيا فلا يلتقي أبداً من يعلم أن له غاية عظيمة في هـذا الحياة، وأن مرده إلى الله (عز وجل) في يوم الجزاء والحساب والنشور، مع من لا يعلم من هذه الحياة الدنيا إلا ظاهرها، وأنها كل شيء عنده، وهو عن الآخرة من الغافلين.

إنهما لا يلتقيان في التفكير، ولا في الميزان الـذي تـوزن بـــه الأشــــياء والأحداث، ولا في الأحكـام، وبالتالي: فبقدر ما تسمو أخلاق الأول وتعلو همته لسمو منهجه وميزانه بقدر ما تسفل وترذل أخلاق الآخر لسفالة تصوره وفساد ميزانه. قال  (تعالى) في وصف أهل الدنيا: ((يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)) [الروم: 7].

9- الفوز برضا الله (سبحانه) وجنته، والنجاة من سخطه والنار:
وهذه ثمرة الثمـار، وغاية الغايـات، ومسـك الختـام فـي مبحث الثمار، قال (تعالى): ((كُـــلُّ نَـفْـــسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِـلَ الجَنَّــةَ فَقَـدْ فَـــازَ وَمَا الحَيَــاةُ الدُّنْيَا إلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ)) [آل عمران: 185].

يقول الشيخ السعدي (رحمه الله تعالى) عند قـولــه (تعالى): ((فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)): (أي: حصل له الفوز العظيم بالـنـجــاة من العذاب الأليم، والوصول إلى جنات النعيم، التي فيها: ما لا عين رأت، ولا أذن سـمـعـــت، ولا خطر على قلب بشر؛ ومفهوم الآية: أن من لم يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فـإنــــــه لم يفز، بل قد شقي الشقــاء الأبدي، وابتلـي بالعذاب السرمـدي، وفي هـذه الآية إشارة لطيفة إلى نعيم البرزخ وعذابه، وأن العاملين يجزون فيه بعض الجزاء مما عملوه، ويقدم لـهــم أنـمـــــوذج مـمـا أسلفوه)(9).

اللهم إنا نسألك بأن لك الحمد، أنت الـمـنــــان، بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسألك أن لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنـا، يا حـي يا قيوم، يا أرحم الراحمين.
(1) أحمد، جـ1ص215، 271.
 وصحح إسناده أحمد شاكر (1842).
(2) الجواب الكافي، ص 54.
(3) رواه الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب 18 الحديث رقم 2450. وانظر صحيح سنن الترمذي (1993).
(4) رواه أحمد، جـ6ص159، والترمذي (كتاب التفسير) باب تفسير سورة المؤمنون، ح 3175.
(5) الجواب الكافي، ص 57، 58.
(6) الجواب الكافي، ص 56.8) مختصر منهاج القاصدين، ص367 ـ 368.
(9) تفسير السعدي، جـ1 ص 467 ـ 468.



محاضرة بعنوان
هل تريدين السعادة 

 وأسأل الله الذي جمعنا وإياكم في هذه الروضة أن يجعلنا فيمن تنزَّل عليه الرحمة، وتغشاه السكينة، وتحفُّه الملائكة، ويذكره الله -عز وجل- فيمن عنده. اللهم إنا نسألك ألا تصرفنا -رجالا ونساء- من هذا المسجد إلا وقد غفرت لنا ما تقدم من ذنوبنا. اللهم لا تعذب جمعًا الْتقى فيك ولك. اللهم لا تعذب ألسنة تخبر عنك. اللهم لا تعذب أعينًا ترجو لذة النظر إلى وجهك. اللهم لا تعذب قلوبًا تشتاق إلى لقاك. ما أجمل أن تلتقي الأسر المسلمة على كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-. ما أجمل أن نتذكر الله -عز وجل- جميعًا ليعم النفع للرجل والمرأة، والصغير والكبير، والذكر والأنثى.
إنها لَنعمة عظيمة قد كان -صلى الله عليه وسلم- يفعلها، وذاك من هديِه وخير الهدي هديُه -صلى الله عليه وسلم-. وعذرًا لكم -أيها الرجال- سيكون الخطاب هذه المرة من بين مرات كثيرة وكثيرة لطالما خوطبتم أنتم، سيكون الخطاب للنساء، عذرًا وعفوًا، وما يُقال للرجل يُقال للمرأة، وما يُقال للمرأة يُقال للرجل إلا فيما اختص به كل جنس عن جنس آخر، والذي خصَّه به شرعنا المطهر الذي أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-.
* السعادة نوعان..... *
أيها الأخوات. أيتها الأمهات هل تُردْن السعادة؟ هل تُردْن السكينة؟ هل تُردْن الأمن والطمأنينة؟ هل تُردْن ذلك في الدنيا والآخرة؟ أم تُردْنها في وقت غير وقت من هذه الأوقات؟ إني لأقول لَكنَّ: إن السعادة سعادتان؛ دنيوية مؤقَّتة بعمر قصير محدود، من طلبها مجردة وحدها فسينسى ذلك في غمسة واحدة يُغمسها في جهنم. يُؤتَى بأَنعَم أهل الدنيا من أهل النار فينغمس في النار غمسة، ثم يقال له: هل مرَّ بك خير قط؟ هل مرَّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب. ينسى كل نعيم ولذة في الحياة بغمسة واحدة يُغمسها في النار. نعوذ بالله من النار.
أما السعادة الثانية: فهي سعادة أخروية دائمة لا انقطاع لها–أبدًا- وهذه هي المطلوبة. فلو حصل للإنسان في حياته ما حصل من التعاسة والشقاء لم يكن بعد ذلك نادمًا أبدًا؛ لأن غمسة واحدة في الجنة تُنسيه تلك الأيام، وتُنسيه ذلك الشقاء وتلك التعاسة.
أيها الأحبة إن سعادة الدنيا مقرونة بسعادة الآخرة، وإنما السعادة الكاملة في الدنيا والآخرة للمؤمنين والمؤمنات، للصالحين والصالحات، للطيبين والطيبات، للقانتين والقانتات، للعابدين والعابدات، للمتقين والمتقيات؛ فاسمع لربك يوم يقول –سبحانه وبحمده-: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 

فالسعادة كلها بطاعة الله، والسعادة كلها بالسير على منهج الله وعلى طريقة محمد بن عبد الله -صلى وسلم عليه الله- يقول الله –عز وجل وعلا –: {وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
والشقاوة كلها في معصية الله، والتعاسة كلها في منهج غير منهج الله وغير منهج محمد -صلى الله عليه وسلم- {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا}

* دعـوة حنـون *
فيا أيتها الأخوات المسلمات هل تُردْن السعادة؟ إن كنتن كذلك، وما أظنكن إلا كذلك؛ فلتسمعن مني النصيحة والعتاب من مخلص في نصحِكن يرجو لَكُنَّ حُسن الثواب، يخشى على هذه الوجوه من الحميم من العذاب، أخواتنا لا تغضبن فالحق أولى أن يجاب. 
أيتها الأخت المسلمة بصوت المحب المشفق وكلام الناصح المنذر أدعوكِ وأدعو الكل، وأدعو نفسي إلى تقوى الله -عز وجل- وأن نقدم لأنفسنا أعمالاً صالحة تُبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ} 
تبيضُّ وجوهنا يوم أن نلقى الله. 
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}
ألا هل تُردْن النجاة؟ إن النجاة لفي تقوى الله–جل وعلا- لا غير. 
{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}

* من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة *
ثم إني أدعوكِ أخرى -يا أخت الإسلام- إلى أن تحمدي الله -عز وجل- الذي أنعم عليكن بنعمة الإيمان ونعمة القرآن وكرَّمكِ وطهَّركِ ورفع منزلتك أيَّ رفعة. لم تُرفَع منزلة المرأة تحت أي مظلة مثلما رُفعَت تحت مظلة "لا إله إلا الله محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
ليس هذا فحسب؛ بل أنزل الله فيكن وفي أخواتك سورة كاملة في قرآنه باسم سورة "النساء"، وسورة أخرى باسم سورة "مريم"، وسورة ثالثة باسم سورة "المجادلة".
 ليس هذا فحسب بل خصَّكنَّ بأحكام عديدة في كتابه الكريم في حين كانت المرأة قبل هذا الدين سلعة رخيصة سلعة ممتهنه كسبق المتاع، عار على أهلها وعار على وليِّها، وعار على المجتمع الذي تعيش فيه؛ ولذلك تعامل أحيانًا كالحشرة بل تُفضَّل البهائم عليها. لم تنالي عزَّك إلا في وسط هذا الدين يا أَمَة الله، فاستمسكي به، واسمعي إلى قول الله -عز وجل- يوم يحكى ماضينا لابد أن تتذكريه؛ فتحمدي الله أولاً وأخرًا وظاهرًا وباطنًا على ما أنتِ فيه. 
{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ }

صور مشينة لوضع المرأة في الجاهلية الأولى *
لا إله إلا الله، إنه ليئدُها ويقتلها ويدفنها حية أحيانًا، فاسمعي يا أمة الله؛ يُذكر أن صحابيًا اسمه عبد الله بن مغفل –رضى الله عنه وأرضاه- كان إذا جلس عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ظهر على وجهه حزن وكآبة، حزن عظيم وكآبة عظيمة، فسأله النبي –صلى الله عليه وسلم- عن سبب حزنه ذلك الذي لا ينقطع أبدًا، فقال: يا رسول الله كنت في الجاهلية، وخرجت من عند زوجي وهي حامل، وذهبت في سفر طويل لم أعُدْ إلا بعد سنوات، وجئت وقد أنجبت لي طفلة تلعب بين الصبيان كأجمل ما يكون الأطفال، قال: فأخذتها، وقلت لأمها: زيِّنيها زيِّنيها، وهي تعلم أني سأئدها وأقتلها، فقامت أمها تزينها وبها من الهمِّ ما بها.
 زينتها وتقول لأبيها: يا رجل لا تضيِّع الأمانة، يا رجل لا تضيِّع الأمانة، قال: ثم أخذتها كأجمل ما يكون الأطفال براءة وجمالاً، فخرجت بها إلى شِعْب من الشعاب، قال: وبقيت في ذلك الشعب أبحث عن بئر أعرفها هناك، فجئت إلى بئر قوية دوية، ليس فيها قطرة ماء، قال: فوقفت على شفير البئر، أنظر إلى تلك الصغيرة، فيرقُّ قلبي لما بها من البراءة، وليس لها من ذنب، ثم أتذكر نكاحها وسفاحها؛ فيقسو قلبي عليها، بين هذين العاطفتين أعيش، قال: ثم استجمعت قواي، فأخذتها، فنكبتها على رأسها في وسط تلك البئر.
 قال: وبقيت أنتظر هل ماتت؟ وإذا بها تقول: يا أبتاه ضيعت الأمانة، يا أبتاه ضيعت الأمانة. ترددها وترددها حتى انقطع صوتها؛ فوالله يا رسول الله ما ذكرت تلك الحادثة إلا وعلاني الحزن والهم، وتمنيت أن لو كنت نسيًا منسيًا، لو كان ذلك في الإسلام.
 ثم نظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا دموعه تهراق على لحيته -صلى الله عليه وسلم-، وإذا به يقول -فيما رُوي- يا عبد الله والله لو كنت مقيم الحدِّ على رجل فَعَل فعلا في الجاهلية لأقمته عليك، لكن الإسلام يَجبُّ ما قبله -أو كما قال صلى الله عليه وسلم-. 

ألا فاحمدي الله يا أخت الإسلام الذي هداكُنَّ لهذا الدين، وشرَّفكِ بهذا الدين، وأكرمكِ بهذا الدين، ورفع قدركِ بهذا الدين، يوم ضلَّ غيرُك من نساء العاملين، ثم استمسكي بحبل الله -جلا وعلا-، واعتصمي بدين الله -عز وجل-؛ فإنه الركن إن خانتكِ أركان مسؤولية الأخت المسلمة أمام الله مسؤولية كاملة *
ثم أنقذي نفسك من النار، أنقذي نفسك من النار يا أَمَة الله، والله لستِ خيرًا من فاطمة الزهراء بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وقد قال لها أبوها يومًا من الأيام –كما في صحيح مسلم-: "يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار لا أُغني عنكِ من الله شيئًا" وهذا إخطار لكِ أمة الله وإنذار منه –صلى الله عليه وسلم- يوم عُرضت عليه النار فرأى أكثرها النساء. ألا فاعلمي أنكِ عرضة لعذاب الله إن لم تخضعي لأوامر الله، إن لم تطيعي الله، إن لم تقفي عند أوامره وحدوده وتجتنبي نواهيَه، ألا فأنقذي نفسك من النار، واعملي بطاعة الله ولا تجعلي لكِ رقيبًا غير الله –جل وعلا- الذي ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، وإنك –والله- لأعجز من أن تطيقي عذاب النار.
 إن الجبال لو سُيِّرت في النار لذابت من شدة حرِّها؛ فأين أنتِ –أيتها الضعيفة- من الجبال الشمِّ الراسيات، متاع قليل، والآخرة خير لمن اتقى، لا مهرب من الله إلا إليه، ولا ملجأ فيه إلا إليه، الكل راجع إليه، الكل مسئول بين يديه، الكل موقوف بين يديه، الكل سيُسأل عن الصغير والكبير والنقير والقطمير {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} 

فماذا عسى يكون الجواب؟ ماذا عسى يكون الجواب يا أخا الإسلام ويا أخت الإسلام؟ ألا فأعدي وأعدَّ للسؤال جوابًا، ثم أعدَّ للجواب صوابًا، أطيعي الله يا أمة الله، وأطيعي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، خذي من أوامر الله ما استطعتي، واجتنبي نواهيَه، وقفي عند حدوده، وتمسكي بدين الله، ثم تمسكي بحيائك –والحياء من الإيمان- ما استطعتِ إلى ذلك سبيلا؛ فإنكِ إمَّا قدوة اليوم، وإما قدوة الغد، وكلٌ سيُسأل؛ فماذا سيكون الجواب؟ أنت داعية في بيتك -أَمَة الله-، وأنت داعية إن كنتِ معلمة في مدرسة، ومسؤولة عن رعيتك أيًّا كانت تلك الرعية -يا أَمَة الله- ألا فلتكوني قدوة حسنة في تربية الجيل، ألا ولتقومي بهذه المسؤولية؛ فإن الله سائلكِ عمَّن استرعيت ماذا فعلتِ؟ أَقُمتِ بالأمانة فيهم، أم ضيَّعتي الأمانة ليكون لك مثل أجور من اتبعك إن عملتي بالحق لا يُنقَص من أجورهم شيء؟ وإياكِ ثم إياكِ أن تكوني قدوة السوء للأخرى؛ فتأتين يوم القيامة تحملين أوزارك وأوزار من أضللت كاملة، ألا ساء ما تزرين المرأة المسلمة راعية وهي مسؤولية عمن استرعت *
ألم تسمعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ثم خصَّك أيتها المرأة، فقال: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها"؟ وفي الحديث الصحيح الآخر: "وما من راعٍ استرعاه الله رعية فبات غاشًّا لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة"
أنت راعية في مدرستك، وأنت راعية في بيتك؛ فاللهَ اللهَ لا يأتي يوم القيامة، ولكل ابن من أبنائك عليكِ مظلمة، ولكل بنت من بناتك عليكِ مظلمة؛ لم تأمريهم ولم تنهيهم، ولم تربيهم على قال الله، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. إياكِ أن يأتي يوم القيامة، ولكل طالبة –إن كنت معلمة- عليكِ مظلمة؛ لأنكِ لم تربيهم على قال الله، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عندها التعامل بالحسنات والسيئات يأخذون حسناتكِ، ثم تحملين من سيئاتهم، ثم تُطرَحين في النار، أجارَكِ الله من النار، من غضب الجبار وكل مسلمة ومسلم.

 اسمعي يوم يقف الناس في عرصات القيامة، يوم يقول الله -كما في الأثر-: "وعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم يؤخذ بِيَدِ العبد ويؤخذ بِيدِ الأَمَة يوم القيامة -كما يقول ابن مسعود-: فيُنادَى على رؤوس الخلائق: هذا فلان أو فلانة من كان عليه حق فليأتِ إلى حقِّه، فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها أو أمها. 
{فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ}
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} 
فاللهَ اللهَ لا يكون أبناؤك وبناتك خصماءكِ عند الله فتهلكي، أجاركِ الله من الهلاك.

* واجبات الأخت المسلمة التي تنال بها السعادة *
يا أَمَة الله؛ يا أيتها الأخت المسلمة هل تريدين السعادة؟ هل تريدين السعادة؟ اقتدي بالصالحات تفوزي في الحياة وعند الممات، واعملي صالحًا ثم أخلصي العمل لله –جل وعلا- تخلصي، وبلغي العلم إن كنتِ تعلمين شيئًا بلِّغيه؛ لأنكِ ستُسألين عنه بين يدَي الله –عز وجل- ماذا عملتِ في ذلك العلم، وإن لم تكوني قد تعلَّمتي من العلم شيئًا، فعليكِ أن تتعلمي ما يجب عليكِ؛ لتعبدي الله –عز وجل- على بصيرة وعلى هدى؛ فهذا واجب وفرض عين لا يسقط عن أي إنسان –كان من كان-. 
يا أمة الله إن الإنسان ليَأْلَم يوم يسمع عن عجائز البيوت لا يُجِدْن قراءة الفاتحة، بل لا يعرفن كيف يصلين؟ بل لا يعرفن بعض أحكام النساء. أحد الرجال –كما يذكر أحد الدعاة إلى الله- يعود إلى أهله في البيت في يوم من الأيام ويُجلس أسرته ليربيهم، ويعرف ماذا وراء هذه الأسرة؟ فجلس معهم وقال لأمه العجوز قال: اقرئي لي الفاتحة -يريد أن يعرف هل هي تعرف قراءة الفاتحة التي لا تتم الصلاة إلا بها أم لا- قالت: وما الفاتحة يا بني؟ قال: إذا كبرتِ ماذا تقولين لصلاتك؟ قالت: أقول: لا جربت كتابًا ولا حسبت حسابًا فلا تعذبني يوم العذاب. عمرها سبعون سنة، وأنا أقول: ربما أنه يخرج من بيتها من يذهب إلى المتوسطة، وقد حفظ من القرآن ما حفظ، ويخرج من بيتها ويذهب إلى الثانوية، وقد حفظ ما حفظ، وتخرج من بيتها المعلمة وقد حفظت من كتاب الله ما حفظت، لكننا تعلمنا العلم لا لنعمل به، ولكن لتنال شهادة.، حاشاكِ أختي المسلمة أن يكون هذا ديدنك، إنكِ مسؤولة عن هذا " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع؛ عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟. 
فماذا سيكون الجواب يا أمهات المستقبل ويا معلمات الجيل ويا مربيات الأمة؟ اقتدي بالصالحات -كما قلت- وتشبهي بهم، واعملي بما عملوا به، وامشي على أثرهم لِيُلحِقَكي الله بهن.

المرأة المسلمة راعية وهي مسؤولية عمن استرعت *
ألم تسمعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ثم خصَّك أيتها المرأة، فقال: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها"؟ وفي الحديث الصحيح الآخر: "وما من راعٍ استرعاه الله رعية فبات غاشًّا لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة". 
أنت راعية في مدرستك، وأنت راعية في بيتك؛ فاللهَ اللهَ لا يأتي يوم القيامة، ولكل ابن من أبنائك عليكِ مظلمة، ولكل بنت من بناتك عليكِ مظلمة؛ لم تأمريهم ولم تنهيهم، ولم تربيهم على قال الله، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. إياكِ أن يأتي يوم القيامة، ولكل طالبة –إن كنت معلمة- عليكِ مظلمة؛ لأنكِ لم تربيهم على قال الله، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عندها التعامل بالحسنات والسيئات يأخذون حسناتكِ، ثم تحملين من سيئاتهم، ثم تُطرَحين في النار، أجارَكِ الله من النار، من غضب الجبار وكل مسلمة ومسلم. اسمعي يوم يقف الناس في عرصات القيامة، يوم يقول الله -كما في الأثر-: "وعزتي وجلالي لا تنصرفون اليوم ولأحد عند أحد مظلمة، وعزتي وجلالي لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم يؤخذ بِيَدِ العبد ويؤخذ بِيدِ الأَمَة يوم القيامة -كما يقول ابن مسعود-: فيُنادَى على رؤوس الخلائق: هذا فلان أو فلانة من كان عليه حق فليأتِ إلى حقِّه، فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها أو أمها. 
{فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ}
{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ* لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} 
فاللهَ اللهَ لا يكون أبناؤك وبناتك خصماءكِ عند الله فتهلكي، أجاركِ الله من الهلاك.

* واجبات الأخت المسلمة التي تنال بها السعادة *
يا أَمَة الله؛ يا أيتها الأخت المسلمة هل تريدين السعادة؟ هل تريدين السعادة؟ اقتدي بالصالحات تفوزي في الحياة وعند الممات، واعملي صالحًا ثم أخلصي العمل لله –جل وعلا- تخلصي، وبلغي العلم إن كنتِ تعلمين شيئًا بلِّغيه؛ لأنكِ ستُسألين عنه بين يدَي الله –عز وجل- ماذا عملتِ في ذلك العلم، وإن لم تكوني قد تعلَّمتي من العلم شيئًا، فعليكِ أن تتعلمي ما يجب عليكِ؛ لتعبدي الله –عز وجل- على بصيرة وعلى هدى؛ فهذا واجب وفرض عين لا يسقط عن أي إنسان –كان من كان-. 
يا أمة الله إن الإنسان ليَأْلَم يوم يسمع عن عجائز البيوت لا يُجِدْن قراءة الفاتحة، بل لا يعرفن كيف يصلين؟ بل لا يعرفن بعض أحكام النساء.
 أحد الرجال –كما يذكر أحد الدعاة إلى الله- يعود إلى أهله في البيت في يوم من الأيام ويُجلس أسرته ليربيهم، ويعرف ماذا وراء هذه الأسرة؟ فجلس معهم وقال لأمه العجوز قال: اقرئي لي الفاتحة -يريد أن يعرف هل هي تعرف قراءة الفاتحة التي لا تتم الصلاة إلا بها أم لا- قالت: وما الفاتحة يا بني؟ قال: إذا كبرتِ ماذا تقولين لصلاتك؟ قالت: أقول: لا جربت كتابًا ولا حسبت حسابًا فلا تعذبني يوم العذاب.
 عمرها سبعون سنة، وأنا أقول: ربما أنه يخرج من بيتها من يذهب إلى المتوسطة، وقد حفظ من القرآن ما حفظ، ويخرج من بيتها ويذهب إلى الثانوية، وقد حفظ ما حفظ، وتخرج من بيتها المعلمة وقد حفظت من كتاب الله ما حفظت، لكننا تعلمنا العلم لا لنعمل به، ولكن لتنال شهادة.، حاشاكِ أختي المسلمة أن يكون هذا ديدنك، إنكِ مسؤولة عن هذا " لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع؛ عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟. 
فماذا سيكون الجواب يا أمهات المستقبل ويا معلمات الجيل ويا مربيات الأمة؟ اقتدي بالصالحات -كما قلت- وتشبهي بهم، واعملي بما عملوا به، وامشي على أثرهم لِيُلحِقَكي الله بهن.
نموذج للمرأة الصابرة ، العاملة على رعاية بيتها *

ليس هذا فحسب، هل كانت أسوتكِ أختي المسلمة فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك التي تربَّت في بيت النبوة، وذاقت ما ذاقه ذاك البيت من أذى في سبيل الله -عز وجل-، ترى أباها -صلى الله عليه وسلم- وهو يقوم بالدعوة يقف صفًا واحدًا، والبشرية كلها صفٌّ ضده، تراه وهو يصلى، فيقول أحدهم: أيهم أو أيكم يمهل هذا المرائي حتى يسجد، فيأخذ سَلا جَذور بني فلان، فيضعه على ظهره -صلى الله عليه وسلم-؟ رأت المنظر وهي طفلة صغيرة تتربى على "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" يسجد أبوها، والسَّلا على ظهره، والفرث والدم على ظهره –صلى الله عليه وسلم- ولم يجد نصيرًا له في تلك اللحظة بعد الله إلا ابنته فاطمة، وهي جارية صغيرة لتمتد إليه، وتأخذه من على ظهره، وتدعو عليهم، وتسبهم وتشتمهم. عاشت حياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في أيام كان في مكة، ويوم هاجر إلى المدينة، ويوم استقرَّ إلى هناك.
 انظر إليها في تمسُّكها بدينها، وتمسكها بعفتها وحيائها وصبرها العظيم، تلك المرأة التي تزوجت بعلي –رضي الله عنه وأرضاه- فما حملت معها الجواهر ولا الفساتين، وما دخلت القصور ولا الدُّور، وإنما دخلت بيتًا من طين. أما جهازها –يا أمة الله- فهو وسادة محشوة بليف وسقاء وجُرَّتين ورَحَى تطحن الحبَّ عليها، وهي سيدة نساء العالمين –رضي الله عنها وأرضاها- ما ضرَّها ذلك وما أنقص من قدرها ذلك. انظر إليها يوم يتحدث عنها زوجها في آخر حياته يتحدث عنها –رضي الله عنه وأرضاه- فيقول: كانت بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكانت أكرم أهله عليه، جرت بالرحى تطحن الحب حتى أكسر الجر في يديها، واستقت بالقربة حتى أثَّر الحبل في نحرِها –رضي الله عنها وأرضاها- وقَمَّت البيت حتى تغيَّرت هيئتها -رضي الله عنها وأرضاها- وأوقدت النار حتى تغيرت هيئتها، وأصابها من ذلك ضرٌ أيَّما ضر. اسمعي إليها يوم تقول -يومًا من الأيام-: "خير للنساء ألا يَرَيْنَ الرجال، ولا يراهنَّ الرجال" .
 بضعة منه -صلى الله عليه وسلم- أخذت من علمه وفقهه -صلى الله عليه وسلم- انظري إليها يوم تَقمُّ البيت، وتوقد النار، وتجرُّ بالرَّحى، وتطحن الحب، وتصبر، ولم تصخب، ولم تشتكِ، ولم تسخط من قضاء الله -عز وجل- ثم فوق ذلك تربي أبناءها تربية عظيمة؛ تربيهم على كتاب الله، وعلى سنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- وألا يراقبوا أحدًا غير الله –عز وجل- فمن كان من أبنائها؟ كان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة –رضى الله عنهم أجمعين- هي بنت مَنْ؟ هي أمُّ مَنْ؟ هي زوج مَنْ؟ 
من ذا يساوي في الأنام علاها أمَّا أبوها فهو أكرم مرسل  جبريل بالتوحيد قد رباها وعليٌّ زوج لا تسأل عنه  سوى سيف غدا بيمينه تيَّاها طلبت من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يخدمها مملوكة من المماليك، أن يخدمها إياها؛ فماذا كان منه –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا والله ما دام على الصفة فقير يحتاج إلى لقمة أو إلى كسرة" –أو كما قال –صلى الله عليه وسلم-، فذهبت إلى بيتها وقد تعبت من أعمال البيت، وجاء النبي –صلى الله عليه وسلم- إليها ليدخل بيتها وهي وزوجها في فراش واحد، ثم قال لهما –صلى الله عليه وسلم-: "أولا أدلكما على خير لكما من خادم" "أولا أدلكما على خير لكما من خادم" من الذي قال هذا؟ إنه من لا ينطق عن الهوى. إنْ هو إلا وحي يوحى. قال: "إذا أويتم إلى فراشكما فَسَبِّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبِّرا أربعًا وثلاثين؛ فذالكما خير لكما من خادم".
هل فعلنا ذلك يا أيها الأحبة؟ بل هل علمنا نساءنا أن يذكروا هذا الذكر قبل أن يناموا؟ إنه من المعين على خدمة البيت. يقول عليٌّ: والله ما تركته من بعد ذلك اليوم حتى لقيت الله -جل وعلا- قالوا: حتى ولا ليلة (صفِّين) قال: ولا ليلة صفين في وسط المعركة وفي وسط ما حصل ما نسيه -رضي الله عنه وأرضاه-.

محاضرة بعنوان
مِنْ واجبات المرأة المسلمة
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مركز الدعوة والإرشاد بالرياض

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله . 
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أمـا بعـد :.
فإن المرأة مُخاطَبَةٌ – غالباً – بما يُخاطَب به الرجل في الكتاب والسّنة ، وإن ورد الخطاب بلفظ التّذكير .
قال ابن القيم : قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكَّرين إذا أطلقت ولم تقتـرن بالمؤنث فإنـها تتناول الرجال والنساء ؛ لأنه يُغلّب المذكَّر عند الاجتماع ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] اهـ.
ولما كان الأمر كذلك فإنه يجب على المرأة – عموماً – ما يجب على الرجل ، إلا فيما اختصّ به الرجل .
فالمرأة مُخاطبةٌ بالإيمان بالله وملائكته وكُتُبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرِّه 
وهي مُخاطبةٌ بأركان الإسلام ( الشهادتين ، والصلاة والصيام والزكاة والحج ) إلا أنه خُفِّفَ عنها في الصلاة فتسقط عنها حال الحيض والنفاس ، وخُفِّفَ عنها في الصيام فتُفطر حال العذر وتقضي ، وخُفِّفَ عنها في الحج فلا تُطالَب بأداء الحج - ولو كانت مستطيعة - ما لم يكن هناك مَحرَم يَحفظها ويَرعى شؤونـها .
وخُفِّفَ عنها في الجهاد ، فقد استأذنت عائشةُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، فقال : جهادكن الحج . رواه البخاري .

والمرأة إذا آمنت بالله وأطاعت ربّـها كان لها الجزاء الأخروي ، فقد ذُكِرَتْ مع الرجل في مواطن بيان الجزاء في الآخرة .
قال تبارك وتعالى : ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ) [النساء:124]
وقال جل جلاله :( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [النحل:97] .
وقال عز وجل : ( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) [غافر:40].
ومِنْ هنا كان على المرأة المسلمة واجبات ، وعليها حقوق .

فمن واجبات المرأة :
أن تؤذّي الصلاة في وقتها ، إلا أنه خُفِّف عنها في حضور الجماعة ، فلا تجب عليها ، بل إن صلاتـها في بيتها أفضل .
ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها لغير عذر ، فإن مَن تَرَكَ صلاةً واحدة من غير عذر فقد برئت منه الذمة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت وحرقت ، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا ، فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة ، ولا تشرب الخمر فإنـها مفتاح كل شَـرّ . رواه ابن ماجه ، وحسّنه الألباني .

وأداء الصلاة على أول وقتها مِن أفضل الأعمال وأحبِّها إلى الله .
فقد سُئل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أحبُّ إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها . رواه البخاري ومسلم .
وبعض النساء تؤخِّر الصلاة حتى يخرج وقتها ، وإذا كان هذا بغير عذرٍ شرعي فإنـها تُـردّ على صاحبها ، لقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء:103].

وبعض النساء تؤخّر الاغتسال بعد الطُّهر يوم أو يومين وأحياناً ثلاثة ، فتجلس هذه الأيام لا تُصلي وهي قد طهُرت ، فما عذرها أمام الله ؟
والواجب عليها المبادرة إلى الاغتسال بعد الطهر ثم تصلي الصلاة التي عليها ، ولو كان الأمر في شيء يتعلّق بالمرأة كَحَقٍّ من حقوقها لما رَضِيَتْ بتأخيره أو نقصه أو بخسه فهي لا ترضى أن يُخصم عليها شيء من راتبها إذا كانت مُعلّمة ، ولا يُنقص شيء مِنْ درجاتها إن كانت طالبة ، ولا يُقصّر في شيء من حقوقها إن كانت زوجة ، بينما هي تٌقصِّر في حقّ ربِّها ، وفي فريضة من أعظم الفرائض ، بل هي أعظم الفرائض بعد الشهادتين .

ومما يجب على المرأة المبادرة بقضاء رمضان إن كانت أفطرت منه شيئاً ، ولا تؤخّره إلى رمضان القادم .
وتجب عليها الزكاة في مالِها إن كان لها مال وبلغ النصاب وحال عليه الحول .ومتى ما وَجَدتْ المال والمَحرَم وأمن السبيل وجب عليها المبادرة إلى الحج .

ومما يجب على المرأة – وتغفل عنه كثير من النساء – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، ويتأكّد هذا الأمر بين بنات جنسها .
فقد كانت نساء الصحابة يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر بين بنات جنسهن ، بل وحتى في حق الرجال .
رأت عائشة على امرأة بُرْداً فيه تصليب ، فقالت : اطرحيه اطرحيه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى نحو هذا قضبه . رواه الإمام أحمد . ومعنى قَضَبَه : أي قطعه .
وما أكثر الملابس التي فيها صُلبان ، وواجب المسلمة أن تأمر بإزالته ، وتُبيّن هدي النبي صلى الله عليه وسلم تجاه هذا الأمر ، كما فَعَلَتْ عائشة رضي الله عنها .
فتُبيّن الحكمة إن عُلِمَتْ ، وتوضّح الدليل إذا وُجِدَ .
ومن ذلك أنه قيل لعائشة رضي الله عنها : إن امرأة تلبس النعل ، فقالت : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء . رواه أبو داود وهو حديث صحيح .
ودخلت مولاة لعائشة عليها فقالت لها : يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا ، فقالت لها عائشة رضي الله عنها : لا آجرك الله . لا آجرك الله تدافعين الرجال ! ألا كبّرتِ ومررتِ . رواه البيهقي والشافعي .

وأنكرت قَشْرَ الوجه ، فقالت : يا معشر النساء إياكن وقشر الوجه . رواه أحمد . 
ولما دَخَلَتْ نسوةٌ من أهـــل الشام على عائشة رضي الله عنها قالت : لعلكـن مـن
الكُورة - أي البلدة - التي تدخل نساؤها الحمام ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أيما امرأة وضعت ثيابـها في غير بيت زوجها فقد هتكت ستـرها فيما بينها وبين الله عز وجل .
رواه الحاكم ، وهو حديث صحيح .فدلّ هذا على حُرمة وضع الثياب في غير بيت الزوج ، كَمَنْ تضع ثيابـها عند " الكوافيرة " وفي المَشاغِل ومن ثم تبدو العورات ، وتُهتك الأستار التي بين المرأة وبين الله عز وجل .

ومثله المسابح والأندية الرياضية والمراكز الاجتماعية ونحوها .
ويلحق به التّهتّك في قصور الأفراح ، فتأتي المرأة وما ظهر منها أقل مما سُتِر ، فيظهر الصدر والظهر وأحياناً أجزاء من البطن وأما ظهور الساقين وأحياناً الفخذين فحدّث ولا حرج ، فانتشر بين النساء ما يُسمّى بـ " العاري " ، وهذا فيه أكثر من محذور شرعي : أولاً : أن هذا هو اللباس الكاسي العاري . 
ثانياً : أن هذا من وضع الثياب في غير البيت .
ولا شك في تحريم هذا النوع من اللباس ولو كان بين النساء .

إن عورة الرجل مع الرجل ما بين السُّرة إلى الركبة ، ومع ذلك لو خرج رجل يُريد الصلاة وليس عليه إلا سروالاً يستـر ما بين السرة والركبة ، لعُدّ هذا من السَّفَه وقلـةِ العقل .
وهنا أودُّ التنبيه على أمر قد يقول به بعض الناس ، وشبهةٌ قد تُثار بين حين وآخر ، وهو قول بعضهم : إن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل .
فهذا قول على الله بغير علم ، فليس عليه أثارةٌ من علم ، ولا رائحةٌ من دليلٍ ولو كان ضعيفاً ، يعني ليس هناك حديث سواء صحيح أو ضعيف يقول : إن عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل .

فإنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : المرأة عورة . فإنه لا يُستثنى من هذا الدليل الصحيح إلا بدليل صحيح ، ومن استثنى بغير دليل فقد تحكّم برأيه ، وخالف السُّنّة .
ثم إن الله لما ذَكَرَ الزينة وما يظهر منها للمحارم قَرَنَ المحارم مع النساء ، فدلّ على أن ما يجوز أن تُظهره المرأة للمرأة ما يظهر عادة أمام النساء والمحارم ، وهي مواضع الزينة 
والوضوء ، وما عداها فهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : المرأة عورة . رواه الترمذي وغيره 

ومما يدلّ على ذلك أيضا أن عورة الأَمَـة على النصف من عورة الحُرّة ، ويُوضّحه قوله صلى الله عليه وسلم : إذا زوج أحدكم خادمه – عبده أو أجيره – فلا ينظـر إلى ما دون السرة وفوق الركبة . رواه أبو داود وغيره ، وهو صحيح .
فهل إذا قيل إن عورة الحُرّة مع الحُرّة كعورة الرجل مع الرجل ، هل يعني هذا أن تُظهر الأَمَـة جميع عورتها أمام النساء ؟ أو تستـر السوءة المغلّظة فقط ؟ 
هذا لا يقول به عاقل . 

والإماء هنّ اللواتي كُنّ يُظهرن شيئاً من أجسادهن ، فهل هانت بنات الرجال ، وكرائم الحرائر حتى يتشبّهن بالإماء ؟إن عمرَ رضي الله عنه كان يَضرِب الإماء إذا تَشبّهنَ بالحرائر ، واليوم كم مِن الحرائر مَنْ تحتاج دِرّة عمر لتشبُّهها بالإماء ؟!
قال البيهقي : والصحيح أنها لا تبدي لسيدها بعدما زوّجها ، ولا الحرة لذوي محارمها إلا ما يظهر منها في حال المهنة . اهـ 
وهكذا كان لباس نساء الصحابة في البيوت ،كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية 
ومما يجب على المرأة غضّ بصرها وحفظ فرجها ، والبعد عن أسباب الوقوع في الفاحشة والرذيلة .
فالمرأة المسلمة مخاطَبةٌ بذلك ، من أجل ذلك قال الحق سبحانه : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) وقد ختم الله الآية بالخطاب للمؤمنين عامة ، فقال : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].

والتّبرج من أسباب الطرد من رحمة الله والبعد عن الجنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية ، إذا اتقين الله ، وشر نسائكم المتبرِّجات المتخيِّلات ، وهن المنافقات ، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم . رواه البيهقي ، وهو صحيح .
والأعصم الذي في يديه بياض ، أو في إحدى يديه .
فدلّ هذا على أن غضّ البصر سبب لحفظ الفرج ، والبعد عن أسباب الافتتان بالرجال ، فإن المرأة خُلِقَتْ من الرجل ، وجُعِلَتْ نِهـمتها فيه ، كما قال ابن عباس .
ولذا يجب على المرأة أن تحتجب عن الرجال الأجانب .
وهذا مما تساهل فيه كثير من النساء ، خاصة أمام أبناء العم والخال ونحوهم ، ولا يجوز للمرأة أن تكشف إلا لمحارمها ، وهم الزوج ومَنْ يحـرم عليها الزواج بـهم .
وهم الذين ذَكَرَهم الله في قوله : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
فهؤلاء يجوز للمرأة أن تكشف لهم ، أما من عداهم فلا يجوز أن تكشف لهم .
ومما تساهلت فيه كثير من النساء لبس البرقع أو النقاب الواسع ، والذي يَفتِن أكثر مما يَستر ، والمقصود من الحجاب الستر والبعـد عن الريبة ، فإن المرأة إذا احتجبت وتستّرت لم يكن فيها مطمع لأصحاب النفوس المريضة .

بخلاف ما إذا أظهرت عينيها فإنـها تُنادي على نفسها ، ولو كانت حَسَنَة النـيَّـة .
فتبتعد المسلمة المصونة العفيفة عما يجلب لها الشر ، وما يُوقعها في مهاوي الردّى .
وقد شبّه النبي صلى الله عليه وسلم دخول قريب الزوج على زوجة قريبِــه بالموت ، فقال : إياكـم والدخولَ على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت . رواه البخاري ومسلم . والحمو هو قريب الزوج ، لأنه يَدخل بيت قريبه من غير نكير .
هذا إذا كان قريب الزوج ، فكيف بغيره ؟

ويجب على المرأة طاعة والديها وطاعة زوجها في غير معصية الله .
كما يجب على المرأة أن لا تَرضى بأن تُساوَم على دينها ، فتتعلّم وتعمل في حدود عمل المرأة ، لا أن تتعلّم لتعمل ثم تتمرّد على خالقها وتنبذ دينها وراء ظهرها .

وقد اجتمع سفير الدولة العثمانية في بـلاد الإنجليز مع كبراء الدولة ، فقال أحد الكبراء للسفير : لماذا تُصرّون أن تبقى المرأة المسلمة في الشرق الإسلامي متخلِّفة معزولة عن الرجال محجوبة عن النور ؟! فردّ السفير العثماني – بذكاء وسرعة بديهة - : لأن نسائنا المسلمات في الشرق لا يرغبن أن يلدن من غير أزواجهن ! فخجل الرجل وسكت وبُهِت الذي كفر .
قال جول سيمون : يجب أن تبقى المرأة امرأة ، فإنـها بـهذه الصفة تستطيع أن تجد سعادتـها ، وأن تـهبها لسواها .
ومعنى أن تبقى المرأة امرأة ، أن تبقى كما خلقها الله ، ولأجل المهمة التي وُجِدت من أجلها .
ويعني أن لا تتدرج المرأة في أعمال الرجل ، فإنـها بذلك تفقد أنوثتها ورقّتها التي هي زينة لها .
وخلاصة القول في مسألة عمل المرأة – العمل الذي يُخرجها عن أنوثتها إلى مخالطة الرجال ، والقيام بأعمالهم – ما قاله الفيلسوف الألماني شوبنهور : اتركوا للمرأة حُريّتها المطلقة كاملة بدون رقيب ، ثم قابلوني بعد عام ! لِتَـرَوا النّتيجة ، ولا تنسوا أنكم سَتَرْثُون معي للفضيلة والعِفّة والأدب ، وإذا ما متّ فقولوا : أخطأ أو أصاب كبد الحقيقة 

إن اللطيف الخبير ركّب المرأة في صورة لا تصلح إلا لها ، وركّب الرجل في صورة لا تصلح إلا له ، بل ذلك مُشاهدٌ في كلِّ ذكرٍ وأُنثى . 
فإذا كان هناك من الرجال من يتكسّر في مِشيته ويخضع في قوله عُدّ هذا خلاف الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها ، وعُدّ من التخنّث الذي يأباه كرام الرجال .
وفي المقابل إذا كان هناك امرأة تتطبّع بطباع الرجال ، وقد اخشوشنت عُد هذا خلاف الفطرة ، وعُدّ من التّرجل الذي لُعِنَتْ فاعلته .
وقد أُجريَ استفتاء في إنجلترا عن المرأة العاملة فكان من نتائجه :
أن الفتاة الهادئة هي الأكثر أنوثة ، لأنها تُوحي بالضعف ، والضعف هو الأنوثة !
أن الأنوثة لا يتمتّع بها إلا المرأة التي تقعد في بيتها .

وما ذلك إلا لأن المرأة الغربية تمرّدت على خالقها وصادَمَتْ فطرتها وسَبَحَتْ عكس التيار ، فَجَنَتْ يداها ما غَرَسَته لها المدنية والحضارة .
وكم هي صيحات النساء الغربيات بل وعقلاء الرجال عنهم يُنادون بحياة شرقية للمرأة الغربية ( يعني مثل حياة المرأة المسلمة ) ، والمرأة المسلمة تُنادي أو يُنادى لها أن تتطور وتتحضّر لتُصبِحَ مثل المرأة الغربية .

عجيب أن يُراد لنا أن نبدأ من حيث بدأ الآخرون ، ونسلك الطرق المظلمة التي سلكوا ، ونشرب من الماء الآسن الذي منه شربوا ، وصدق المصطفى المعصوم ، والصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لسلكتموه . قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ رواه البخاري ومسلم .وتخصيص جحر الضب – والله أعلم – لأنه أشد الجحور التواء وانحداراً ، مع ما فيه من الهوامّ وذوات السّموم .

فلا مانع أن تتعلّم المرأة وتعمل في محيط النساء ، وليس من شرط التعليم أن تعمل المرأة ، بل إذا تعلّمت علّمتْ أولادها ، وربما علّمت أسرَتها ، فكم من الأمهات لا يُحسنّ الصلاة ، ولا قراءة الفاتحة وبناتهن في المدارس والجامعات ! 
فَلِمَ تتعلّم الفتاة ؟
هل تتعلّم لتُكثر من حجج الله عليها ، كما قالت عائشة رضي الله عنها .
يعني أن تُقيم الحجة على نفسها أمام الله ثم لا تعمل بما عَلِمَتْ ، بل تتعلّم وتُفني عمرها وتؤخّر زواجها لتحصل على الشهادة التي تؤهّلها إلى الوظيفة فحسب .
وصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تزولا قدما عبدٍ حتى يُسأل عن علمه ماذا عَمِلَ به ؟
وهذه الفترة – أعني فترة الشباب – هي المرحلة الذهبية من عمُرِ الإنسان ، ولذا فإنه يُسأل يوم القيامة عن عمره فيمَ أفناه ، وعن شبابه فيمَ أبلاه . كما أخبر بذلك مَنْ لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم .
وإن كانت مرحلة الشباب داخلة في العمر ، إلا أنها لما كانت مرحلة القوّة والاكتساب كان السؤال عنها خاصة .
فيجب على المسلمة أن تلتزم بشرع ربها وخالقها وباريها وفاطرها ، فهو سبحانـه الذي خَلَقَ الخلق ، وهو سبحانه أعلم بما يُصلح أحوالهم .
قال عز وجل : (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
والله سبحانه هو الذي شَرَعَ هذه الشريعة ، وأمر بالتمسك بها ، فلا صَلاح للأمّة إلا بالتّمسك بها ، والعمل بمقتضاها .

ومما يجب على المسلمة أن تبتعد عن مواطن الريبة ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبغض الأماكن إلى الله الأسواق ، وأن المرأة إذا خَرَجَتْ استشرفها الشيطان ، وأن بيتها خيرٌ لها ، فيكون خروجها للسوق ونحوه بقدر حاجتها ، ويكون بوجـود مَحـرَم لها ، لا أن تكون خرّاجـة ولاّجة تطوف الأسواق ، وتتعرّف على كل جديد كل يوم ، بل ربما كل صبح ومساء .
ثم إذا خرجت المرأة مِن بيتها فإنها لا تخرج متطيبة ولا متجمّلة ، إذ المقصود من الحجاب الستـر والحشمة والبعد عن الريبة ، لا لَفْْتَ الأنظار إليها سواء بشكل العباءة أو عطوراتها الفوّاحة ، والأمر في غاية الخطورة ، وهو من الإثم بمكان ، لقوله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة استعطرت مرّتْ على قومٍ ليجدوا رِيحها فهي زانية . رواه أحمد وغيره وهو حديث صحيح 
ولذا لما لَقِيَتْ امرأةٌ أبا هريرة فوجد منها ريح الطيب ينفح ، ولذيلها إعصار – يعني غبار - قال : يا أمة الجبار جئت من المسجد ؟ 
قالت : نعم . 
قال : وله تَطَيّبْتِ ؟ 
قالت : نعم . 
قال : إني سمعت حِبِّي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول : لا تُقْبَلُ صلاةٌ لامرأةٍ تطيبت للمسجـد حتى ترجع فتغتسل غسلها من الجنابة ؛ فاذهبي فاغتسلي . رواه لإمام أحمد وغيره ، وهـو حديث صحيح .

وقد أُمِرتْ المرأة أن تخرج إلى المسجد غير متعطّرة ولا متجملة .
كما في قوله صلى الله عليه وسلم : أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة . رواه مسلم .

وقالتْ زينب امرأةُ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه وعنها : قال لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تَمَسَّ طيبا . رواه مسلم .
ويجب على المسلمة أن لا تخضع بالقول للبائع ولا لمن تُكلِّمَه سواء كان ذلك بالهاتف  أو مباشرة .
وقد أدّب الله أمهات المؤمنين ، فقال : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا)[الأحزاب:32]
وهُـنّ القدوة والأسوة لنساء الأمّة .
 ولهذا قال بعض العلماء : إن المرأة إذا تكلّمت فإنها تجعل إصبعها في فمها إذا كلّمت الرجال الأجانب ؛ لأنه أبعد عن الخضوعِ في القول .
لأن المرأة إذا خضعت بالقول ظَنّ من في قلبه مرض أنها إنما خضعت لإعجابها به وهنا يتدخّل الشيطان ليوقع بينهما ، وهذا ما يُريده الشيطان ؛ أن يجعل بني آدم معه في النار ، وقد أقسَم على هذا .

واليوم لا يُقال : تضع المرأة أصبعها في فمه ، بل يُقال لها : لا تخضع بالقول ، ولا تتكسّر في كلامها ولا في مشيتها .
ويجب على المسلمة إذا كانت أُمّـاً أن تُربي أولادها على هدي الشريعة لتنتفع بهم أولاً ، وتنتفع بهم الأمة ثانياً ، فإن صلاح الأولاد مطلب ضروري ، إذ أن صلاحَ الأولاد فيه خيـرٌ كثير ونفع عظيم ، فالولد الصالح يكون بارّاً بوالديه حال حياتهما وبعد وفاتهما ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم : إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له . رواه مسلم .

فتـربية الأولاد الذكور والإناث إنما تكون على معالي الأمور والتّرفّع بهم عن سفاسفها ، فإن الله تعالى يُحبّ معالي الأمور ويكره سفاسفها ، كما صحّ بذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
التـربية الإيمانية على حبِّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، لا على حُبِّ المغنين والمغنيات والممثلين والممثلات ، واللاعبين ، ونسيان نجوم الأمة من أعلام الصحابة وأئمة الهدى ، واتّخاذ سَقَطَ الناس قدوة وأسوة لأبنائنا وبناتنا .
فعندما تموتُ امرأةٌ غربيةٌ كافرة ، أويموتُ مُغَنٍّ مسلم لم يُقدّم لأمّته سوى طربٍ وزمر تضِجّ الصحف بل عامة وسائل الإعلام ، ويموت في عام واحد عدد من علماء الإسـلام فما يُذكر كثيرٌ منهم بل ربما لم يُعرف بعضهم .

مُدرِّسة في إحدى مدارس رياض الأطفال تسأل طفلين : 
فسألت الأول : ما هي أمنيتك ؟ فيقول أن أكون صحابياً !
وتسأل الثاني نفس السؤال ، فيقول : أن أكون لاعباً !
ولا شك أن تلك الإجابات لم تأتِ مِن فراغ ، ولم عبثاً ، ولم تكن من صنع أفكار أولئك الأطفال .
إنها أمانة أُنيطت بالأم ، ومسؤولية حُمّلت إياها ، وسوف تُسأل عنها يوم القيامة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم . رواه البخاري ومسلم .
فلتُعِدّ للسؤال جواباً ، وأن يكون الجواب صواباً . والله المستعان .




محاضرة بعنوان 
ما  الهم الذي تحمله ؟؟؟؟


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
واشهد أن محمدا عبده ورسوله  تسليما كثيرا
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ).

أما بعد فأيها الأخوة المؤمنون، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
أيها الأحبة، هذا الموضوع موضوع يهم الجميع رجالا ونساء شبابا وكهولا وشيبا.
هذا الموضوع أيها الأحبة الذي يحمل هذا السؤال:
ما الهم الذي تحمله ؟
ما سبب هذا الموضوع أيها الأخوة 
سبب هذا الموضوع، هناك سببان رئيسان :
السبب الأول ما رأيته من هذه الصحوة المباركة:
التي تعد بمئات الآلاف بل بالملايين، فعندما تذهب إلى مسجد من المساجد تجده مليئا بالمصلين وبالمتعلمين، بالراكعين وبالساجدين، عندما نلتقي في مناسبة كُثر، في المحاضرات ودروس العلم نجد أولئك الذين يقبلون على هذه المحاضرات وعلى هذه الدروس وهم بعشرات الآلاف، عندما نذهب لبلد من البلدان سواء داخل هذه البلاد أو خارجها ماذا نجد؟
نجد كما قلت مئات الألوف، لا أعني أننا لا بد أن نلقاهم ولكننا نسمع عنهم رجالا ونساء.

عندما رأيت هذا العدد لهائل ورأيت هذه الملايين كما قلت، ورأيت هذه اليقظة المباركة، ونظرت إلى الأعمال التي تؤدى، ونظرت إلى النتائج التي نرجو، فإذا هي لا تتناسب أبدا مع هذا العدد الهائل الذي أشرت إليه.

هذه الملايين التي تمثل هذه الصحوة المباركة من الرجال والنساء، نتائج أعمالها لا تمثل هذا الواقع التي تعيشه الصحوة فتساءلت ما السر في ذلك ؟
لماذا لا نرى أعمالا تتناسب مع هذه الطاقات ومع هذه المواهب ومع هذه الأعداد.
فجلست أتأمل وأفكر في هذه القضية.

السبب الثاني ما رأيته من أعداء الله:
من حرص ومن دأب ومن نشاط ومن عمل ضد الإسلام، هذا العمل الدؤوب الذي نسمع آثاره وأخباره في كل يوم.

أسألكم أيها الأحبة، هل استمعتم في يوم من الأيام ومنذ عدة سنين إلى نشرة من نشرات الأخبار ولم تسمعوا في هذه النشرة خبرا أو أكثر من خبر من آثار أعداء الله ومن مؤامرتهم على الأمة الإسلامية ؟

لا أظننا منذ سنوات  نستمع إلى نشرة من نشرات الأخبار من أي إذاعة كانت إلا ونجد خبرا رئيسا أو أكثر من خبر يدل ويمثل ما عليه أعداء الله جل وعلا وما يقوم به أعداء الله.

أقول أيها الأخوة، الذي يرى ويستمع إلى جهود أعداء الله يتعجب، وهم على الباطل، وهم على الكفر يرى والله عجبا، يرى جهودا متواصلة، ويرى أيضا ثمارا لهذه الجهود، ولا أذهب بكم بعيدا، إننا نرى جهود أعداء الله جل وعلا في بلادنا بلاد التوحيد.

خروج النساء إلى الأسواق كاسيات عاريات أثر من جهود عظيمة عملها أعداء الله.

ما يسمى بالبث المباشر هذه البلية التي بلينا بها أخيرا أو ما سمى بالدُش، أتعلمون منذ كم بدء؟  منذ عام ألف وأربعمائة هجرية أي منذ قرابة خمسة عشر عاما وأعداء الله على قدم وساق نشاطهم من أجل الوصول إلى النتيجة التي وصلوا إليها بعد سنوات.

وأذكر أن أحد وزراء الإعلام وهو زير الإعلام السابق ذكر في محاضرة ألقاها في كلية الشرعية في حدود عام 1400/1401هـ أنه بعد سبع أو ثمان سنوات سيأتي ما يسمى بالبث المباشر، وإذا نحن فعلا نراه بعد عشر سنوات.

بنوك الربا وانتشارها  ثمرة عملية – أيها الأحبة- لنشاط أعداء الله ولدأبهم ولحرصهم.
هذان السببان جعلني أتسأل هذا السؤال وهو موجه إلى كل واحد منكم، موجه إلى الرجال وإلى النساء، موجه إلى الكهول وإلى الشباب وإلى الصغار:
ما الهم الذي تحمله ؟؟
لماذا ؟ لأن الذي يهتم لشيء لا بد أن يُرى أثر هذا الهم.
ولأني أريد أن أشرح لكم الموضوع وأن ابسطه تبسيطا، لنأخذ مثلا عمليا.
جلست أتأمل وأقول يا تُرى لو قمت بتوزيع استمارة على الأخوة الموجودين أمامي الآن وقلت لكل واحد منهم خذ القلم والورقة وأجب على هذا السؤال:

ما الهم الذي تحمله ؟؟
وأنا أقصد بهذا السؤال أن تضع جميع همومك مرتبة حسب الأولويات لأنه لا يمكن لأي واحد منا إلا أنه يحمل عدة هموم، وأنا هنا لا أعني الهم الذي يصطلح عليه العامة عندما يقولون: فلانا مهموم أي مريض أو نحو ذلك.

لا، بل أقصد الهم الذي يهمك ويشغل بالك وتجري وتسرع وتتحرك في نطاق هذا الهم.
تُرى لو أن كل واحد منكم كتب ما يهمه، كتبها مرتبة، وأريد من كتابته أن يكون صادقا مع الله جل وعلا، فمن السهل جدا أن تأتي ورقة كل واحد منكم وفيها:
أنني أحمل هم الإسلام.
لكنني لا أريد هذا الجواب بهذه الطريقة.
أريد أن تتأمل، ولا مانع أن تأخذ الورقة معك إلى بيتك ولتنفرد بنفسك في غرفة ليس عندك أحد، وتتقي الله جل وعلا وتنظر فعلا:ما الذي يهمك ؟

ما الهم الذي يشغلُك ؟
ثم تكتب لي اهتماماتك، فهل أجد أن الذي يهمك، وأن الهم رقم واحد هو:
همُ الإسلام ! همُ هذه الأمة! همُ هذا الدين ! هم هذه العقيدة ؟؟
أو  أنني سأفاجئ بأن الهموم تشعبت واختلفت.
وكما قلت لكم أريد الإجابة بصراحة وبصدق، لا يهمني أسم من كتبها وإنما يهمني أن اصل إلى نتيجة عملية.

إنني أتوقع أنني سأجد عددا كبيرا يكتب لي أن همه هم الإسلام، وأسأل الله أن تكونوا منهم. سيكتب لي أن همه هم هذه الدعوة، لا أشك في ذلك.
ولكنني على قناعة أنني سأجد عددا كبيرا أيضا منهم من يكتب لي:
أن همي هو هم الوظيفة.
وآخر يكتب أن همي الحقيقي هو هم السعي في طلب الرزق.
وثالث يقول لي إن همي الذي يسيطر على كياني هو هم الزواج.
ورابع يقول لي إن همي الذي يسيطر علي هو هم الأولاد وتأمين مستقبلهم ومعيشتهم.
وخامس يقول لي إن همي أن أبني بيتا.

وهكذا نجد الهموم قد تفرعت. لا أشك أن هم الإسلام سيأتي، ولكن قد يأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة.
هكذا إذا كنا صادقين في الإجابة – أيها الأخوة -.
ما الهم الذي يشغلُك ؟
هذا سؤال – أيها الأحبة – هو القضية التي نناقشها هذه الليلة، ولذلك أذكر لكم في بداية حديثي قول المصطفى  في الحديث الذي رواه عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال  سمعت نبيكم  يقول 
( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه،  ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك )صححه الألباني

هذه حقيقة أيها الأخوة، وهذه قضية يجب أن نقف معها وأن نكون صرحاء.
هذا هو السؤال هذا اليوم : ما الهم الذي تحمله ؟
قف مع نفسك وقفة مصارحة لأنني فعلا لن أطلب منك إجابة، ولن أقدم لك ورقة، ولكني أوجه لك سؤال ستسأل عنه يوم القيامة يوم تلقى الله جل وعلا.

ما الهم الذي يشغلُك  أيها الأخ الكريم ؟
هل هو هم هذه الأمة المستباحة ؟
هل هو هم هذه الأمة المضطهدة ؟
هل هو هم هذا الدين الذي توجه له أعداء الله عن قوس واحدة ؟
هل هو هم هذه العقيدة التي تهاجم الآن في بلاد التوحيد ؟

الرافضة أصبح لهم مكانة في بلاد التوحيد، الصوفية أصبح لهم مكانة في بلاد التوحيد، اليهود والنصارى وأعداء الله، غيرهم وغيرهم يسعون بجد واجتهاد لهدم عقيدة التوحيد في بلاد التوحيد.
(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون).
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).

هذه هي الحقيقة يا أخي الكريم.
فتعال معي نتساءل سؤال حقيقيا إيمانيا قبل فوات الأوان ما الهم الذي تحمله ؟
هل أنت تحمل هم الوظيفة كما يفعل كثير من الناس ؟
هل أنت تحمل هم طلب الرزق في الحياة، وتجعل هم الإسلام درجة ثانية وثالثة ؟
هل أنت تحمل هم أولادك ، وتقول من لأولادي من بعدي؟

لا من أجل الدين ولكن من أجل الدنيا، هناك من  يسعى جادا وحريصا يواصل ليله ونهاره من أجل أولاده، من أجل دنياهم لا من أجل دينهم.
هنا تأتي القضية التي تحتاج إلى سؤال ومصارحة ما الهم الذي تحمله ؟
يا أخي الكريم، انظر في النتيجة التي تصل إليها.
فإن توصلت إلى أنك تحمل هم الإسلام، وتحمل هم هذه الدعوة، وتحمل هم هذه الأمة فهنيئا لك. أقول لك والله هنيئا لك وهنيئا لك.

لأنه كما استمعنا في الحديث:
( من جعل الهموم هما واحدا، هم أخرته، كفاه الله هم دنياه).
إذا كنت تحمل هم الدعوة، وتحمل هم الإسلام، وتحمل هم هذا الدين فهنيئا لك لأن الله  سيكفيك بقية الهموم.

وإن كنت توصلت إلى أن الهم الذي يسيطر عليك، وأن الأمر الذي تسعى إليه في حياتك هو هم وظيفة أم هم طلب رزق أم أي هم من هموم الدنيا.
فأقول لك البدار البدارَ قبل أن يصدق عليك حديث المصطفى  :
(ومن تشعبت به الهموم في أحوال) من وظيفة وزواج وطلب رزق وبناء بيت.
(ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبالي الله في أي أوديتها هلك ).

أخي الكريم تسألني وتقول لي :
كيف أعرف أني أحمل هم الإسلام ؟
وأنا أسألك مرة أخرى عن أي شيء تفكر ؟
أسألك بالله عندما تضع رأسك على الوسادة ما هو الذي يسيطر على تفكيرك ؟
عندما تستيقظ من النوم ما الذي يشغل بالك ؟
عندما تسير في السيارة والأفكار تدور في خاطرك، ما هي هذه الأفكار ؟
بل أقول وأنت تصلي ما الذي يشغلك ؟ هل هي الصلاة وما فيها من آيات؟

أسألك هذا اليوم وقد استمعت إلى هذه الآيات العظيمة من سورة المائدة ، هل أنت معها متأملا متفكرا ؟ أم أنك لا تدرك إلا ركوعها وسجودها ولم تعقل منها شيء ؟
لماذا ؟ لأن الدنيا قد شغلت بالك، لأن هموما أخرى من هموم الدنيا قد أرقتك.

يا أخي الكريم إذا كنت عندما تضع رأسك على الوسادة تفكر في حال هذه الأمة.
إذا كنت يا أخي الكريم عندما تستيقظ  تفكر في واقع هذه الأمة.
يا أخي الكريم عندما تسير في الطريق لا تفكر إلا في أحوال المسلمين .
عندما تجلس مع إخوانك حديثكم عن الإسلام وعن أحوال المسلمين.

عندما تتحدث مع أولادك تتحدث عن تربيتهم وإعدادهم لأجيال قادمة ليقفوا أمام أعداء الله جل وعلا. إذا كنت كذلك فأنت فعلا تحمل هم الإسلام.

قالت زينب (رضي الله عنه) للرسول  :
( يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثُر الخبث).
ولا أزكيكم على الله – لا أشك في طيبة كل واحد منكم، ولكن الطيبة وحدها لا تكفي.
الصلاح وحده لا يكفي، انظر ما الذي  يحدثك الآن؟
ما الذي يشغل بالك الآن ؟

الناس يختلفون في هذه القضية:
هناك الكثيرون يسيطر على كيانهم أمور الدنيا كما ذكرت من طلب رزق، ومن وظيفة أو أولاد أو منصب أو دراسة أو طلب شهادة أو طلب جاه أو طلب سمعة.
الناس شتى (كل يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها).

فيا أخي الكريم هذا هو السؤال.
ويكفينا لو أنهيت المحاضرة على حد هذا السؤال لكفانا لقاء هذا اليوم لأهمية هذا الموضوع.
وهنا قلت لك أخي الكريم أنت أحد رجلين وأسأل الله أن تكون الأول، أن تكون ممن يحمل هم هذا الدين حقيقة وصدقا وواقعا.
أو – وأعيذك بالله من ذلك- أن الهم الذي تحمله هو هم أي هدف من أهداف الدنيا أو غاية من غايات الدنيا.

بعد ذلك يأتي سؤال لا بد منه وهو:
هل يعنى هذا  أن لا نحمل هم وظيفة ؟
ولا نحمل هم طلب الرزق ؟
ولا نحمل هم الزواج ؟

أخشى أن يتعجل متعجل من الحماس ومن الخير  وقد يكون الآن يعد العدة للزواج بعد رمضان  فيقول مادام هذا يصادم الهم الأول إذا أنا لن أتزوج.

ويأتي أخر فيقول أنا اليوم أدرس والحمد لله وأريد الشهادة، إذا هذا يتصادم مع حمل هم الإسلام، إذا لا أريد الشهادة وينسحب من جامعته ومن دراسته.
وثالث أخشى أن يقدم استقالته من وظيفته.

فالسؤال الذي لا بد منه هل يعني هذا أنه لا يجوز لنا أن نحمل هم هذه الهموم ؟
وأقول لا، ليست هذه هي القضية.
قلت لكم ما الهم الذي تحمله ؟ أي ما الهم رقم واحد ؟ ومعنى ذلك أن هناك عدة هموم.
ليست المشكلة – أخي الكريم – أن تحمل هم الزواج، أو أن تحمل هم بناء البيت أو أن تحمل هم طلب الرزق، أو أن تحمل هم طلب الوظيفة.

كل هذا يكون مشروعا في حالة واحدة فقط، إذا كان همك الأول هو هم هذا الدين، وهم هذه الأمة، وهم هذه العقيدة فكل الهموم التي تأتي بعد ذلك لا حرج عليك ولا تأثيم عليك – أخي الكريم -، لماذا ؟

لأنه ثبت علميا – انتبهوا لهذه القضية-
ثبت علميا وثبت من حيث الواقع ومن حيث التجارب أن الهم رقم واحد يسيطر على بقية الهموم.

فإن كنت تحمل الهم رقم واحد هو هم هذا الدين فإنه سيسيطر ويوجه هم الوظيفة وهم الزواج وهم طلب الرزق وهم بناء البيت إلى غير ذلك.
أما إن كان الهم رقم واحد من هموم الدنيا فإنه سيؤثر على هم الدين حتى لو كنت تحمل هم هذا الدين ولكن جاء بالمرتبة الثانية أو الثالثة أو الرابعة.
والأمثلة توضح هذه الحقيقة:
لنأخذ المثال عن رجلين، رجل يحمل هم هذا الدين ومع ذلك يحمل هم الوظيفة، يحمل هم طلب الرزق، يحمل هم الزواج، يحمل هم بناء البيت فكيف تكون النتيجة ؟

إذا كان يحمل هم هذا الدين فهو قطعا سيبحث عن الوظيفة التي تخدم دينه، ولو عرض عليه مثلا وظيفة مدرس وخّير بين مدرستان:
إحداهما قريبة من البيت ومريحة وسيعطى من الحصص قليلا ولكن ليس فيها مجال للدعوة إلى الله جل وعلا.

والأخرى بعيدة  وتحتاج منه مشقة وقد يكون نصابه أكثر، ولكنه يجد أنها مجالا خصبا لتربية الأولاد، لتربية الأبناء، أو لتربية البنات إن كانت مدرّسة، وتحتاج منه إلى جهد وجهاد.
إن الذي يحمل هم هذا الدين سيختار المدرسة الثانية.

 عند قضية الزواج مثلا، فالذي يحمل هم هذا الدين سيبحث عن الفتاة الملتزمة، الفتاة الصالحة، ولو جاءته أمه وقالت يا بني إني وجدت لك فتاة جميلة ومن عائلة كريمة ووضعها المادي مناسب ولكنها لم تلتزم بعد، سيقول:
لا يا أمي لأن المصطفى  يقول : (فأضفر بذات الدين تربت يداك).
وتعرض عليه الثانية والثالثة والرابعة ولا يقبل إلا بذات الدين، حتى لو قالت له أمه في يوم من الأيام يا بني  إني وجدت لك فتاة ملتزمة صالحة، ولكن قد لا تكون ذات نصيب كبير من الجمال، 

سيقول:
ليس الجمال مشكلة يا أمي فالذي يهمني هو هذا الدين فسيتزوجها.

أما الأخر الذي لا يحمل هم الدين فيريد في المرأة إما جمالا أو مالا أو حسبا أو نسبا، كما قال المصطفى :
(تنكح المرأة لأربع، لمالها ولجمالها، ولحسبها ، ولدينها فأضفر بذات الدين تربت يداك ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.

انظروا للذين تشعبت بهم الهموم حول هذا المثال.
نحن عرفنا أن الذي يحمل هم هذا الدين لن يتزوج إلا امرأة صالحة حتى ولو نقصت الأمور الأخرى، حتى ولو كانت قليلة المال، حتى ولو كان جمالها ليس بذاك الجمال لكن يهمه منه أمر الدين.

أما الأخر  فلننظر:
هناك من الشباب من يبحث عن الجمال فقط، فتأتيه أمه أو يأتيه أبوه  أو إخوانه فيقولون وجدنا لك فتاة ثرية وذات دين وحسب  ولكن جمالها قليل، أي ليست قبيحة ولكنها ليست جميلة جدا، فيقول لا أريدها.

ثم يعرض عليه ويعرض عليه حتى يأتي يوم من الأيام فيقال له:
وجدنا لك فتاة جميلة جدا، ولكنها فتاة مغرورة، ولكنها فتاة قليلة الدين غير ملتزمة فيقول هذه التي أريد وتلتزم إن شاء الله فيما بعد. هذا أن كان يعنيه أمر الالتزام.
ارأيتم الفرق بين الاثـنين؟

وثالث يبحث عن امرأة موظفة فيعرض عليه من النساء من فيها من الجمال وفيها من الحسب وفيها من الدين لكنها ليست موظفة فيقول لا أريدها.
حتى إذا وجدوا له امرأة موظفة كما يريد حتى لو كانت قليلة الالتزام بالدين فيقبل بها
لماذا لأن هدفه الأول ، ولأن همه الأول من هموم الدنيا ولم يكن هم هذا الدين.

حتى في قضية شراء البيت  فالذي لا يهمه أمر دينه فتجده يركز على الأرض وعلى موقعها وعلى مساحتها وهل هي على شارعين أو على ثالثة أو على واحد ثم يشتريها.

أما الذي يهمه أمر هذا الدين فيسأل عن الجار، ويسأل عن الحارة، ويسأل عن الموقع، فإذا وجدها مناسبة اشتراها.

إذا أيها الأخوة، وصلنا إلى حقيقة معينة أنه ليست القضية وليست المشكلة أن تحمل هم الوظيفة ولا أن تحمل هم الزواج، بل يجب أن تحمل هم الزواج لأن الرسول  يقول :
(يا معشر الشباب من استطاع منكم البائة فليتزوج).
ولكن القضية ما هو الهم الذي يسيرك ؟
ما هو الهم الذي يسيطر على كيانك ؟
ما هو الهم الذي يؤرقك ليلا ونهار ؟
هذا هو السؤال وهذا هو الجواب.
ففتش عن نفسك، وتأمل في حالك وبادر قبل فوات الأوان.

هنا يأتي سؤال آخر.
تأتي هموم أخرى طارئة تسيطر على همنا كمن يصاب بمصيبة مثلا، أو يصاب بمرض، أو يكون عليه من الديون ما يثقله فيقول لي يا أخي الكريم:الذي يؤرقني الآن هو هم هذا الدين، فهل أنا على طريق خاطئ ؟

أقول له يا أخي الكريم إن الهموم الطارئة لا تتعارض مع الهم الأول، فمن الطبيعي جدا إذا أصيب الإنسان بمصيبة أن يبقى زمنا يسيرا تشغله هذه المصيبة.

فالذي عليه دين اثقل كاهله لا شك أن الدين سيؤرقه حتى يقضي هذا الدين، ولكنه مرة أخرى يعود خيرا مما كان.

هذه قضايا أيها الأحباب تبين لنا بصفاء وبجلاء هذه الحقيقة :
 ما الهم الذي تحمله ؟ 
وهنا مرة أخرى أعود إلى قضية أشرت إليها، ولكن قبل ذلك أذكر حديثا للمصطفى  يقول فيه:
(من أراد أن يعلم ما له عند الله، فلينظر ما لله عنده).
تريد أن تعرف موقعك عند الله، وأن تعرف مكانك في الآخرة، أنظر ما لله عندك.
أنظر ما لهذا الدين في قلبك، اجر الحسابات.
هل الذي في قلبك هو حب هذا الدين والعمل لهذا الدين والغيرة على هذا الدين‍.
أو أنك فعلا تحب هذا الدين ولكن الذي في قلبك للدنيا أكثر بهمومها وشعابها.
(من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده).

هذه قضية لا بد أن نقف معها أيها الأحبة، هنا السؤال الجوهري في هذه المحاضرة:
ماذا يعني أن يكون همي الأول هذا الدين ؟ وكيف يكون ذلك؟
أقول لك أن هذا يعني:
أولا أن تفكر دائما وأبدا في دينك وفي أمتك وفي الواقع الذي تعيشه الأمة الآن.
ثانيا العمل الدؤوب الجاد، انظر يا أخي الكريم كم مضى من عمرك ،ماذا قدمت للإسلام.

انظر كم عمرك الآن ثلاثين سنة ، أو خمس وعشرين سنة، أو أربعين سنة، أو خمسين سنة ، أو ستين سنة ؟
اجلس مع نفسك جلسة مصارحة واسأل ماذا قدمت للإسلام ؟
 ماذا قدمت لدينك؟ أنظر إلى هذه النعم التي أعطاك الله جل وعلا وهذه المواهب  كيف استخدمتها ؟
هل استخدمتها لأمور الدنيا، أو استخدمها لأمور دينك ؟
إذا العمل الجاد الدؤوب ، ومحاسبة النفس .هل أنت تحاسب نفسك ؟

تريدون أن أوجه لكم سؤال آخر فأقول:
كم مرة جلست مع نفسك  لمدة ساعتين أو ثلاث وليس لك هم ولا غرض  ولا مأرب ولا حاجة إلا أن تحاسب نفسك على ماذا قدمت لدينك ؟

سؤال صريح أيها الأخوة، لنكن صرحاء مع أنفسنا، ولله أن الوقت أن نحاسب أنفسنا الآن خير لنا من أن نحاسبها أو تُحاسب يوم القيامة.
يقول عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:
(حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر على الله  جل وعلا).

هل جلست لمدة ساعة واحدة في المسجد، أو في بيتك وغفلت عن أولادك ؟
هل جلسَت هذه الأخت جلست صدق مع نفسها وصارحت نفسها، وصارحت نفسك:
ماذا قدمت للإسلام في ما مضى من عمرك ؟
الذي أخشاه، بل الذي أتوقعه أن الكثير منا لم يجلس مع نفسه، ويمر عليه الشهران والثلاثة  والسنة ولم يجلس جلست صدق ومصارحة .

أيها الأخوة، الخلوة الشرعية مع النفس ومحاسبة النفس لا بد منها، فهل نحن نفعل ذلك؟
إذا كنت تفعل ذلك فأقول لك نعم إنك تحمل هم الإسلام.

أما إذا كانت أمور الدنيا تتوالى عليك ولم تجلس يوما واحدا مع نفسك جلست صدق ومصارحة ومحاسبة فتدارك نفسك.أن تحمل هم الإسلام يعني  الإبداع، أين الإبداع ؟

لماذا نرى أن الإبداع  وكأنه حكر على الكافرين ؟، وكأنه حكر على أعداء الله ؟
أين ما أبدع المسلمون ؟
أسألك أنت ماذا أبدعت ؟
ماذا أبدعت من مشاريع ؟  ماذا أبدعت من عمل ؟

لا أريد أن أكثر الأمثلة ولكن أضرب لكم مثلا واحدا:
طفل عمره في حدود عشر سنوات:
وقف عند ماكينة البيع الذاتي للمرطبات وهي كما تعلمون منتشرة في الأسواق.
نظر إليها وقال إنني أتمنى  ؟؟؟؟؟
ماذا يتمنى هذا الطفل ؟
 أيتمنى أن هذه الماكينة له ليكسب من وراءها الأموال .
أيتمنى أن هذه الماكينة وفيها مما لذ وطاب من  المرطبات له ليشرب على راحته وكما ينبغي ‍‍لا، قال إنني أتمنى أن توجد ماكينة مثلها نضع فيها الأشرطة:
فندخل فيها عدة ريالات فيخرج لي شريط للشيخ عبد العزيز ابن باز (رحمه الله).
ثم اضغط زرا آخر فيخرج لي شريط للشيخ محمد ابن عثيمين (رحمه الله).
واضغط زرا رابعا و خامسا  وسادسا وسابعا.

هذا طفل، ارأيتم التفكير، هذا يحمل هم الإسلام لأن عنده الإبداع، لأن عنده تفكير، لأن عند إنتاج حتى ولو كان مثلا يسيرا.

أنت ماذا أبدعت ؟ أنت ماذا فكرت؟ أنت ماذا قدمت ؟
ماذا يعني أن يكون همك رقم واحد هو هم الإسلام؟
هي الانطلاقة المؤصلة على هدي المصطفى  الملتزمة بالكتاب والسنة، لماذا ؟
لأن الذين يسيرون إلى الله كُثر، ولكن كثيرا منهم على الخطئ وبعضهم على الانحراف.

يقول المصطفى  عندما نزل قوله تعالى :
(هل أتاك حديث الغاشية).
قال نعم أتاني حديث الغاشية، نعم أيها الأخوة.
(عاملة ناصبة، تصلى نارا حامية).

فيا أخي الكريم الانطلاقة المؤصلة أن تنظر في عملك ؟
 وهل وقفت مرة واحدة  أيها الداعية، ويا طالب العلم مع نفسك وتأملت في طريقتك ومسيرتك إلى الله هل هي على هدي المصطفى ؟
هل هي على منهج أهل السنة والجماعة ؟
هل لك منطلق وأصل في سلف هذه الأمة أو لا؟

وأخيرا مما أشير إليه هنا أيها الأحباب، أين المشاريع التي نقدمها ؟
لا ننكر ولا نغفل حق العاملين، وأنه يوجد في بلادنا مشاريع خيرة.

ولكن صدقوني المشاريع التي توجد في بلادنا في بلاد التوحيد، في بلاد الحرمين من مشاريع إسلامية لا تتناسب أبدا مع مكانة هذه البلاد، ومع أهل هذه البلاد.

تريدون مثلا ، خذوا مثلا واحدا فقط:
كم يوجد في هذه البلاد من جريدة إسلامية ؟
لا شيء .
كم يوجد في هذه البلاد من مجلة إسلامية ؟
واحدة، ولكن كم توزع ؟ من أضعف المجلات توزيعا.

أيتناسب مع بلاد الحرمين أن لا يوجد فيها جريدة يومية إسلامية، وفيها عدد من الصحف  والجرائد، التي لا تمثل الإسلام بل إنها تنشر ما يهدم الإسلام.

أيليق ببلاد الحرمين ، وبأهل الحرمين ، وبالمنتسبين لبلاد التوحيد أن لا يوجدوا مجلة إسلامية توزع مئات الآلاف .

كم يتألم قلبي وأنا أرى هذه المجلات الوافدة توزع أسبوعيا بين سبعين إلى ثمانين إلى تسعين إلى مائة ألف نسخة.
ومجلة إسلامية أسبوعية في بلادنا قد لا توزع إلا بضعة آلاف.

أين المشاريع الإسلامية ؟ أليس عيبا أن يحدث هذا ؟
أليس عيبا أن يحدث هذا ؟ أليس عيبا والله أن يقع هذا في بلادنا ؟
أليس من الخلل والخطئ والخطل أن لا يوجد في بلادنا من هذه المشاريع التي أشرت إليها ؟
نعم توجد بعض المشاريع ، ولكن لا تتناسب أبدا والله .

وما رأيكم لو أن تاجرا يملك  مئات الملايين ، ثم جاء الناس يتحدثون أن هذا الرجل بخيل لا ينفق في سبيل الله ولا يتبنى المشاريع الإسلامية.
ثم جاء رجل وقال لقد جنيتم على هذا الرجل ، ولقد كذبتم في حقه، ولقد ظلمتموه، والله لقد رأيته مرة تبرع بعشرة ريالات. وقام آخر وقال لقد رأيته يوما تبرع بمائة ريال.

سبحان الله يملك مئات الملايين ويتبرع بعشرة ريالات وبمائة ريال.
هذا دليل والله على بخله. جزاك الله خيرا فقد أفدتنا.

كذلك في بلاد الحرمين، في بلاد التوحيد لا نجد مثل هذه المشاريع العملاقة التي تخدم الإسلام في الجوانب الإعلامية.

بينما ننظر في الجانب الآخر كم يدخل في بلادنا من الصحف والمجلات ؟
أقول لكم إنه يدخل شهريا ما يزيد عن عشرة آلاف نسخة من المجلات والصحف أكثرها لا تمثل الإسلام، بل إنها والله حرب على الإسلام والمسلمين.

هذه حقائق، فأين الهم الذي نحمله ؟  
إذا كان همك الإسلام يا أخي الكريم، إذا كان همك هذا الدين فأتقي الله، أين الاستمرار ؟
لماذا بدأ الفتور يدب في أوصالنا ؟

منذ ثلاث سنوات، ومنذ سنتين كن نجد الكثير من الدروس فيها العشرات بل المئات بل الآلاف، ولكن بدأنا نسمع التكاسل والتواكل والتراخي والفتور .هل رأيتم تاجرا يفتر ؟

ذُكر لي عن بعض التجار الذين يقادون الآن بالعربات، أعمارهم فوق الثمانين ومع ذلك يعملون أكثر من عشر ساعات يوميا من أجل دنياهم.

أبدا، قل أن نجد تاجرا يقول أنا بلغت الستين سأتوقف عن طلب الدنيا، ما رأينا هذا إلا نادرا والنادر لا حكم له.

ولكن في سبيل الله ، في الدعوة إلى الله ، في العمل ، سنة وسنتين وثلاث ثم يبدأ الفتور .
هل هذا فعلا يحمل هم الإسلام ؟
كيف يكون الذي يحمل هم الدنيا أفضل منا وأقوى منا ؟

وهنا أختم هذه النقطة وأنتقل للنقطة قبل الأخيرة، وهي نقطة مهمة جدا :
مثل حي:
لماذا لأن ضرب المثل أكثر الله منه في القرآن لقوة تأثيره، فسأضرب لكم مثلا واحدا ممن يحمل هم الإسلام.

لن أضرب لكم مثلا بمن سلف وكلنا يعلم أن المصطفى  منذ بعثه الله إلى أن لقي الله يحمل هم هذا الدين.

هذه قضية بديهية في أذهاننا جميعا، لن أتكلم عن الصحابة ، وعن عمر رضي الله عنه الذي يحمل هم هذا الدين حتى أنه وهو في صلاته يجهز الجيوش، حتى أنه وهو يخطب الخطبة قلبه وتفكيره مع الجيش الذي ذهب يغزو حتى قال:

(يا سارية الجبل، يا سارية الجبل).
وهو يخطب على المنبر في مسجد المصطفى  فسمعه المجاهدون كرامة من الله  وهم في جهادهم، وقد كانوا في مأزق شديد، وكانوا في ضنك ، وأحاط بهم الأعداء، ولا يعلمون أين يذهبون، فإذا هم يسمعون صوت عمر  يا سارية الجبل يا سارية الجبل.

سبحان الله- الله أكبر، مع أنه في منبر المصطفى  كرامة من الله جل وعلا، لماذا ؟
لأنه يحمل هم هذا الدين .
لن أحدثكم عن هؤلاء  فأنتم تعرفونهم أولا.
وأخشى من الشيطان وهو متحفز دائما أن يقول لكم هؤلاء ذهبوا، ظروفهم تختلف عن ظروفنا، أزمانهم تختلف عن أزماننا.

سأحدثكم عن رجل واحد (كان) يعيش بيننا أضرب به مثلا من أجل شحذ الهمم والعزائم، وأريد أن أقول عندما أحدثكم عن هذا العلم وعن هذا القدوة، فسأتحدث عن جانب واحد فقط وهو جانب حمله لهم الإسلام حتى يكون لنا عبرة وقدوة، ألا وهو:

سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز (رحمه الله).
أيها الأخوة، لو تحدثت وتحدثت لما وفيته حقه، ولكني سأقتصر على الجزء الذي أشرت إليه والذي يتعلق بحمله لهم الإسلام، وسأذكر لكم حقائق ووقائع  تؤكد هذه الحقيقة وتبينها لعله يكون دافعا لنا، خذوا هذه الحقائق، خذوا هذه الدرر:

منذ عرفت الشيخ منذ أكثر من عشرين سنة لا أعرف أنه أخذ إجازة:
لا شهر في السنة ولا يوم أبدا، وكنت أتحدث في هذا الكلام في عدة مجالس أنني منذ عرفته في بداية التسعينات، أي التقيت معه لا أعرف أنه أخذ إجازة يوما واحد.

واذكر لكم حقيقة تبين هذا الأمر حيث ذهبت في عام 1391هـ إلى المدينة من أجل لقاء مع سماحته وكان معي أحد المشايخ.

ذهبنا بتوصية من أحد مشايخنا في الرياض بارك الله في الجميع وفيكم، فجئنا إلى الشيخ بعد أن وصلنا المدينة ليلة الجمعة كهذه الليلة.

ثم بعد صلاة الفجر في المسجد النبوي خرجنا ننتظر خروج الشيخ، فلما خرج قلنا يا سماحة الشيخ نحن جئنا من الرياض ومعنا لك رسالة ونريد أن نلتقي معك.

فقال لنا يا أبنائي هذا اليوم يوم الجمعة وهو مخصص للأولاد ، فلعلكم تأتون غدا إلى الجامعة الإسلامية (عندما كان رئيسا للجامعة الإسلامية).

فقال له صاحبي  يا فضيلة الشيخ نحن مسافرون وورائنا أعمال ودراسة، (وقد كنا طلاب في كلية الشريعة وقته) ، فلعلك تستقبلنا هذا اليوم.

فقال إذا ائتوني ضحى في بيتي وسأحاول أن أقضي حاجتكم.
فقلت لأخي الشيخ الذي معي لا يليق أن نذهب إلى الشيخ هذا اليوم وقد خصصه لأولاده ، فهو اليوم جالس مع أولاده ومع زوجاته وهو يوم جمعة.

فلو انتظرنا إلى الغد ونحن على خير، نصلي في المسجد النبوي والحمد لله والصلاة فيه بألف صلاة لعلنا ننتظر إلى الغد. قال لا نذهب استثمارا للوقت.ذهبنا وكنت أقدم رجلا وأخر أخرى وأتصور أن الشيخ سيكون بين أولاده وننتزعه من بينهم، فلما وصلنا إلى بيته، طرقنا الباب وكان مفتوحا.

وكنت أنا الطارق حيث كان صاحبي ورفيقي كفيف البصر لا كفيف البصيرة، بل أنار الله بصيرته بكتاب الله جل وعلا.

كنت أطرق الباب فجاءنا رجل أعرابي من أهل المدينة وقال تطرقون بيت من ؟    

فخشيت أنني أخطأت، فقلت أليس هذا بيت الشيخ عبد العزيز ابن باز، فقال  وهل بيت الشيخ عبد العزيز ابن باز يطرق ؟ أدخلوا ودخل أمامنا.

فدخلنا فإذا الشيخ في مجلسه وإذا المجلس مكتظ بالناس.
سبحان الله، سبحان الله.
قدمنا للشيخ الكتاب فقال إذا تتغذون معنا، فقلنا خيرا إن شاء الله.
فلما صلينا قال لي صاحبي مرة أخرى لنذهب إلى الشيخ.
فقلت له يا أخي الكريم أخذنا عليه الضحى ولا نريد أن نأخذ عليه وقت الغذاء وعلى الأقل يتغداء مع أولاده.

قال سنذهب واختلفنا والخلاف شر. ولذلك تأخرنا على الشيخ وذهبنا في النهاية، فدخلنا المجلس ولم يشعر الشيخ بنا، وجلسنا وإذا المجلس مليء بالناس.

فإذا الشيخ يقول هل حظر فلان وفلان (يسمينا بأسمائنا)؟
قالوا نعم، قال أعطونا الغذاء.
إذا يا أحبتي الكرام هذا اليوم الذي قال لنا سماحة الشيخ أنه مخصص لأولاده، هكذا قضاه.

قبل رمضان كنت جالسا مع أحد الملازمين للشيخ فتحدثنا في هذه القضايا فإذا هو يقول لي إنني سمعت بأذني سماحة الشيخ يقول منذ أيام لأحد المشايخ:
منذ ثمان وخمسين سنة لم أخذ إجازة يوم واحد.

هذا يحمل هم ماذا ؟ هم الدنيا  ؟‍‍!!
والله أنني منذ عرفت الشيخ وجلست معه ما سمعته يوما يتكلم بأمر من أمور الدنيا:

التي تتعلق بالبيع والشراء والتجارة أبدا، أبدا إلا إذا كانت في صالح المسلمين، أما أن يتكلم عن أسعار الأراضي، أو السيارات، أو البيوت، أو الوظائف لا يعرف فيها شيء.

أقول لكم منذ عشرين سنة لم أسمعه يوما واحدا يتكلم إلا في ما يخص أمور المسلمين، ويرضي ربه جل وعلا من ذكر وتسبيحا وقراءة قرآن وكلمات طيبة  وحل مشاكل المسلمين.

هذا يحمل هم ماذا أيها الأخوة ؟
سماحة الشيخ عبد العزيز (رحمه الله) وعمره فوق الثمانين سنة:

وكان لا ينام إلا بحدود أربع إلى خمس ساعات فقط.، والباقي عشرين ساعة كلها في ذكر الله  وطاعته وعبادته  وقضاء حوائج المسلمين، قال لنا أكثر من مرة أنه مستحق للتقاعد منذ سبعة عشر عاما بكامل الراتب ، ولكن والله ما بقيت إلا من أجل أن أخدم المسلمين.

نعم أيها الأخوة هذه حقائق. حقائق أيها المسلمون.
قلت لكم هذا الرجل (كان) يعيش بيننا هذا همه ومع ذلك هل هو يفتر في عبادتهالذي أعرفه عن سماحة الشيخ أنه (لم يكن) يترك ورده من القرآن يوميا أبدا  وخذوا هذه القصص:

يقول أحد كتّاب الشيخ، ذهبت أنا وإياه إلى مكة وجلست أقرأ عليه المعاملات بعد العشاء إلى حدود الساعة الحادية عشر ليلا.

فقال سماحة الشيخ بأدبه وتواضعه يبدو أننا تعبنا، الشيخ ما تعب ولكن الذي تعب هو الموظف، فالشيخ بأدبه ما أراد أن يقول للموظف هل تعبت، فقال يبدو أننا تعبنا.

يقول الموظف فقلت له نعم يا شيخ.
قال إذا ننام، يقول فوضعت المعاملات وقام الشيخ يصلي.
يقول قمت فصليت ما كتب الله لي ثم نمت.
فاستيقظت بعد الثانية عشرة فإذا الشيخ يصلي، ثم استيقظت قبل الفجر فإذا الشيخ يصلي.

ويقول أحد إخوانه الذين جاءوا معه من الطائف إلى الرياض عن طريق البر، ولم صرنا في منتصف الليل بعد الساعة الثانية ليلا تقريبا قال الشيخ لمرافقيه:
يبدو أننا تعبنا وسهرنا، قفوا لننام في الطريق.

يقول فوقفنا فما لمست أقدامنا الأرض إلا ونمنا والجيد منا من استطاع أن يصلي ركعة أو ثلاث ركعات، وشرع الشيخ في الصلاة، فلما استيقظنا قبل صلاة الفجر فإذا الشيخ يصلي.

يحدثني أحد الملازمين للشيخ قبل أسبوعين فيقول ما ترك الشيخ كلمة بعد صلاة العصر  إذا صلى في أي مسجد إلا وألقى كلمة حتى يوم الجمعة، ما تركها أبدا.

ندوة الجامع الكبير، إذا كان الشيخ في الرياض لا يترك حضور ندوة الجامع الكبير أبدا إلا لعارض صحي.

إذا يا أخوان، هذه حقائق ممن يحمل هم الإسلام .
وأختم الحديث عن حياته بقصة حدثني فيها أحد الموظفين بدار الإفتاء منذ عدة سنوات فيقول:

جاءت رسالة من الفلبين لسماحة الشيخ:
فإذا فيه امرأة تقول أن زوجي مسلم أخذوه النصارى فألقوه في بئر، فأصبح أطفالي يتامى، وأصبحت أرملة وليس لي أحد بعد الله جل وعلا.
وسألت من يمكن أن اكتب له في الأرض ؟
قالوا لا يوجد إلا الشيخ عبد العزيز أبن باز، فآمل أن تساعدني.

كتب عليها الشيخ للجهات المسؤولة في دار الإفتاء لمساعدتها، فجاءته إجابة أن يا سماحة الشيخ  لا يوجد بند من البنود عندنا لمساعدة امرأة وضع زوجها في البئر، فالبنود المالية محددة، فيقول الشيخ لكاتبه، أكتب مع التحية لأمين الصندوق أن أخصم من راتبي عشرة لآلاف ريال وأرسله إلى هذه المرأة.
معذرة فالحديث عنه لا يمل، بقول لي أحد الزملاء في الجامعة:

وقد ذهب في دورة إلى دولة أفريقية، يقول جاءتنا عجوزا في وسط أفريقيا ثم سألتنا عبر المترجم من أين أنتم؟
قالوا لها إنهم من السعودية، فقالت بلغوا سلامي الشيخ عبد العزيز ابن باز.
عجوز في وسط أفريقيا، كيف عرفت الشيخ عبد العزيز أبن باز ؟
لأنه يحمل همها.
هذه حقائق يا أحبابي الكرام، هذه نماذج واقعية، هذا قضايا.

كيف أحدثكم أيها الأحباب، ماذا أقول لكم:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم……إذا جمعتنا يا جليس المجامع.
أتـني بهؤلاء، هذه النماذج الحية.

 وبعد ذلك أقول أيها الأخوة الكرام عودوا إلى السؤال:
مالهم الذي تحمله ؟
حاسب نفسك يا أخي الكريم.
حاسبي نفسك يا أختي الكريمة.واحملوا هم هذا الدين، وبادروا قبل فوات الأوان، وقبل أن تتمنوا أن الذي كان ما كان.

أيها الأخوة الكرام، أيها الأخوات الكريمات:

القافلة تسير، دين الله منتصر لا نشك في ذلك أبدا أيها الأخوة.

أعداء الله رمونا عن قوس واحدة ، اجتمع الكفر، اجتمع اليهود والنصارى والوثنيون والملحدون على شيء واحد الآن هو حرب الإسلام.

إذا كانوا كذلك أيها الأخوة:

أيليق بنا والحقيقة تلك أن نحمل هما غير هم الإسلام؟

كيف تحمل يا أخي الكريم هما غير هم الإسلام  وبلاد المسلمين كما ترى ؟

كيف تحمل يا أخي الكريم هما غير هم الدين والقدس تحت الاحتلال اليهودي؟

وإخواننا هناك يسامون سوء العذاب.

كيف تحمل يا أخي الكريم هما غير هم الإسلام  وإخواننا الدعاة وشباب الإسلام سجناء في السجون يعذبون ويبتلون ويؤذون بما تعلمون وتسمعون.

أيليق بنا يا أحبتي الكرام أن تهتم بأمور الدنيا، أن نهتم في أمور الوظيفة  وأمور المعاش وأمور الرزق ودين الله جل وعلا تنتهك حرماته ؟

أيليق بنا يا أحبتي الكرام وأعداء الله جل وعلا لا أقول من اليهود والنصارى فقط بل من أذنابهم ممن يتكلمون بلغتنا ومن بني جلدتنا يخدمون الأعداء ليل نهار، ويحاربون دين الله جل وعلا.

لقد اطلعت هذا اليوم على جزء مما يعمله هؤلاء في بلاد التوحيد، على جزء مما يتآمر به العلمانيون، ما يتآمر به المنافقون على عقيدتنا وعلى بلادنا.

في بلاد التوحيد الرافضة ، العلمانيون، المنافقون، الصوفية كلهم الآن يعملون ليل نهار لشيء واحد ضد هذا الدين .

أيليق بنا أن يسيطر علينا هم غير هم هذا الدين  ؟

أتق الله يا أخي الكريم.

أختي الكريمة كيف تهتمين بالتوافه ، كيف تهتمين بما يجب أن تترفعي عنه ، وأخواتك المسلمات تنتهك أعراضهن ، ويبتلين في دينهن، أيليق هذا يا أخواتي الكريمات ؟

عباد الله أخوتي الكرام.
الله اللهَ، عودة صادقة إلى الله جل وعلا، حاسبوا أنفسكم فلا يزال معنا فسحة، ولا ندري متى نلقى الله، علينا أن نجدد إيماننا علينا أن ننظر مرة أخرى إلى واقعنا حتى لا يحل بنا غضب الله جل وعلا.

وجهت هذا السؤال لبعض طلبتي فجاءتني الإجابة من بعضهم اقرأ عليكم جزء من رسالة وصلتني من أحد الأخوة جزاه الله خيرا يقول فيها إجابة على السؤال:

وبعد أن طرحت هذا السؤال فإن اهتماماتي تنحصر في ما يلي:
أحمل هم العالم الذي حجب علمه عن الأمة حتى لا يضيء لها طريق النجاة.
أحمل هم العالم الذي جعل علمه وسيلة لغير نصر هذا الدين.
أحمل هم الداعية المودع في السجن ،أو المفصول عن وظيفته لا ذنب اقترفَه إلا أنه يدع إلى دين الله جل وعلا.

أحمل هم رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذين يتعرضون للأذى من كثير من الناس، ويتعرضون للأقاويل والوشايات.

أحمل هم بنت الإسلام التي يريد العلمانيون إخراجها من خدرها والزج بها في معترك العمل مع الرجال خلافا لما تقتضيه فطرتها الإسلامية.
أحمل هم أخي المسلم في فلسطين الذي يعيش في خيمة بالية لا تظله من شمس ولا تحميه من مطر من عدة سنوات.
أحمل هم خمسمائة مليون دولار معظمها من أموال المسلمين ترصد كميزانية سنوية لمشروع تنصير أبناء المسلمين.

أحمل هم معاناة كل مسلم في كشمير وبورما والفلبين وأسيا الوسطى وكل بلد إسلامي.
أحمل هم كل مسلمة انتهك الصليبيون عرضها في البوسنة وفي أريتيريا وفي كل بلاد.

وأخيرا وليس آخرا أحمل هم مليار ومائة وخمسين مليون مسلم يمثلون خمس العالم ولكنهم غثاء كغثاء السيل لا وزن لهم ولا قيمة لهم في معادلات الإستراتيجية الدولية.

يا أخي الكريم هذه هي همومي باختصار كما شئت أن تعرف، فجزاك الله خير.
وأقول له جزاك الله خير.
إذا أيها الأخوة لتكون اهتماماتنا عالية ولنحذر أن يصدق علينا قول الباري جل وعل كما في هذه الآية:

(ثم أنزل عليكم من بعد الغم امنة نعاسا يغشى  طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية).
نعوذ بالله أن تهمنا أنفسنا عن دين الله جل وعلا، ولذلك أحدثكم واكرر مرة أخرى ما بدأت به من أحاديث المصطفى  :

عن عبدالله أبن مسعود رضي الله عنه قال سمعت نبيكم  يقول:
(من جعل الهموم هما واحدا هم آخرته كفاه الله هموم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يبالي الله في أي أوديتها هلك).

ويقول :
(من أصبح منكم معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا).
وقال : (التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة).
فيا أحبتي الكرام بادروا بالأعمال سبعا، البدار البدارَ لإصلاح أوضاعنا.

وليكن همكم لا أقول من هذه الليلة ، إنني واثق أن همكم قبل هذه الليلة هو هم هذا الدين هو هم هذا الإسلام، هو هم هذه العقيدة، هو هم هذه الأمة.
ليكن همك يا أخي الكريم تربية الأجيال.
ليكن همك يا أخي الكريم إعداد الأمة إعدادا لملاقاة أعداء الله .
قد هيئوك لأمر لو فطنت له……. فاربأ  بنفسك أن ترعى مع الهمل
وإذا كانت النفوس كبارا….تعبت في مرادها الأجسام

وأحذر أن تكون:
من يهن يسهل الهوان عليه….ما لجرح بميت إيلام

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وصلى الله على نبينا محمد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



محاضرة بعنوان 
مجلس ماتع من مجالس التابعين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد :

فقد تميزت مجالس السلف رحمهم الله ورضي عنهم بالهدوء والوقار ولين الجانب مع قوة العلم وحسن الفهم وجمال الخُلق وصفاء القلب واستحضار الدليل ، كل ذلك بأسلوب هادئ وحوار لطيف ونقاش علمي وأدب رفيع بعيد عن الفظاظة والغلظة والقسوة والشدة والتهكم والتنفير والإثارة والاستفزاز .

إنها مجالس تعَدُّ بحق مدرسةً راقيةً في جمال العلم وجمال الحوار وجمال الخُلق وجمال الحديث ، وإليك مجلس من روائع مجالسهم لترى من خلاله الطريقة المثلى والنهج الأسمى والمسلك الرشيد الذي كانوا عليه ، وليتنا نكون في مجالسنا كما كانوا لنسعد كما سعدوا ونفوز كما فازوا .

روى مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده عن حصين بن عبد الرحمن قال : كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ ؟ قُلْتُ أَنَا ، ثُمَّ قُلْتُ : أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ ، قَالَ فَمَاذَا صَنَعْتَ ؟ قُلْتُ اسْتَرْقَيْتُ ، قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ قُلْتُ حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ ، فَقَالَ وَمَا حَدَّثَكُمْ الشَّعْبِيُّ ؟ قُلْتُ : حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ حُصَيْبٍ الْأَسْلَمِيِّ أَنَّهُ قَالَ : لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ، فَقَالَ قَدْ أَحْسَنَ مَنْ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ وَلَكِنْ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لِي هَذَا مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ الْآخَرِ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ ، فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ((مَا الَّذِي تَخُوضُونَ فِيهِ ؟ )) فَأَخْبَرُوهُ ، فَقَالَ : (( هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون)) فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ ، فَقَالَ : (( أَنْتَ مِنْهُمْ )) ، ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ : ((سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ)) [1].

راوي هذا المجلس هو حصين بن عبد الرحمن أحد علماء التابعين الفضلاء وأئمة العلم النبلاء والحفاظ المتقنين .

يقول " كنت عند سعيد بن جبير " أي في مجلس ، وسعيد كذلك من أجلَّة التابعين وعلية العلماء المحققين ، فاستهل سعيد هذا المجلس المبارك بقوله : " أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة " ؛ والكوكب هو الشهاب الذي ترُجم به الشياطين حين يحاولون استراق السمع من السماء ، كما قال تعالى { إِنَّا  زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6) وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7) لَا يَسَّمَّعُونَ  إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ (9) إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ}[الصافات:6-10] .

وقوله " انقض البارحة " : أي سقط من السماء ، والبارحة هي أقرب ليلة مضت ، ومراده الليلة التي سبقت اليوم الذي عقدوا فيه هذا المجلس . ومن المعلوم أن من كان مستيقظاً في ذاك الوقت سيتنبه في الغالب لهذه الآية العظيمة الدالة على كمال قدرة الله عز وجل ، والله يقول : {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء:59] ، والسلف  رحمهم الله يستشعرون هذا المعنى ويتذاكرونه ويذكرون به عظمة الله وكمال قدرته سبحانه ، بخلاف من ليس على طريقتهم ممن يرى أنها أمور طبيعية وظواهر كونية فلا تؤثر فيهم ولا يبالون بها ولا يكترثون .قال حصين : " فقلت أنا " أي أنا رأيته .

ثم استدرك حصين رحمه الله وقال : " ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة " ؛ قال ذلك بُعداً عن الرياء ومن أن يُحمد بما لم يفعله تلك الليلة ؛ وهذا يبيِّن لنا الحياة الجميلة التي كانوا يعيشونها في لياليهم ، بحيث إنَّ الذي يكون مستيقظاً في الليل لا يظنُّ فيه إلا أنه في صلاة ، بينما في وقتنا الحاضر من يكون مستيقظاً في الليل فثمة أمور تشغله بسبب ما نعيشه من تحول في الحياة بسبب الإضاءة والإنارة التي جعلت الليل شبيهاً بالنهار ، بل لم نعُد نرى بسبب قوة الإضاءة وكثرتها في البيوت والطرقات الكواكب والنجوم وجمال السماء وزينتها ، مما أدى بكثير من الناس إلى تحول عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها حيث جعل لهم الليل لباساً ينامون فيه ويهدؤون ويسكنون والنهار معاشاً يسعون فيه في تحصيل أرزاقهم وجلب مصالحهم . نعم كان مستغرباً في حياتهم أن يقوم المسلم في الليل في غير صلاة ، ولهذا قال " أما إني لم أكن في صلاة " إذ الأذهان في وقتهم لا تذهب إلا إلى هذا ولا تظن إلا هذا الظن .

إذاً ماذا كنت تفعل في تلك الساعة ما دمت لم تكن في صلاة ؟ سؤال يطرح نفسه في هذا المقام ، وأجاب عنه حصين دون أن يُسأل فقال : " ولكني لُدغت " ؛ السبب الذي كان من أجله مستيقظاً تلك الساعة هو أنه لُدغ أي لدغته عقرب فكان متأذِّياً من سمِّها متألماً من لدغتها منشغلاً بهذا الأمر ، واللدغة تؤذي الملدوغ وتتعبه وتؤلمه فلا يتمكن بسببها من الراحة ولا يهنأ بنوم ، ولأجل ذلك رأى الكوكب فلم يكن نائماً ولا كان مصلياً وإنما كان مشغولاً بهذه اللدغة التي أصابته تلك الليلة فأرقته وآلمته .قال له سعيد : " فما صنعت ؟ " وهذا سؤال طبيعي جداً في مثل هذا المقام أن يقال ما صنعت ؟ أو بمَ تعالجت؟ أو كيف فعلت ؟ أو بأيِّ شيء تداويت ؟ وهو في الوقت نفسه يتضمن المواساة والاطمئنان وقوة العاطفة وتحرك المشاعر تجاه من أصيب ، بل قد تقوى المشاعر في مثل هذا المقام لدى بعض الناس فتكثر منه الأسئلة التي ترهق المصاب وتزعجه ، ولربما صاحَبَ ذلك لدى بعض الناس فضولاً لا ثمرة من وراءه ، فيسأل المصاب عن تفاصيل دقيقة تتعلق بالحدث الذي أصابه كأن يقول البعض في مثل هذا الموقف : ما لون العقرب ؟ ومن أين خرجت ؟ وما حجمها ؟ ونحو ذلك من الأسئلة ، فيتحوَّل المجلس إلى حديث عوام لا فائدة فيه ، فأي فائدة في السؤال عن العقرب المعتدية والإعراض عن حال المصاب بِسُمِّها المتأذي من لدغتها !! .

قال حصين : " استرقيت " أي : الذي فعلته وصنعته عندما لدغتني العقرب هو : أني استرقيت لنفسي بالقرآن والذكر المأثور .فقال له سعيد : " فما حملك على ذلك ؟ " وهذه رغبة من سعيد في معرفة الدليل الذي استند عليه حصين في هذا العمل ، وهو من كمال حرص السلف رحمهم الله وعنايتهم بمعرفة الدليل ، بخلاف حال الكثير من الناس حيث يزعجهم السؤال عن الدليل ، بل لم يجد سعيد رحمه الله أي حرج في سؤاله في هذا المقام عن الدليل على ما فعل ، وقد يستكثر بعض الناس مثل هذا السؤال فيقول : الرجل مصاب ومتأذٍ بالسُّم وأنت تقول له الدليل !! ولربما قال بعضهم : وهل هذا وقته ؟! بينما الأمر عند السلف طبيعي جداً ومألوف ومعتاد .

قال حصين : " حديث حدثناه الشعبي " أي الدليل على ما صنعت حديث حدثناه الشعبي .

قال سعيد : " وما حدثكم ؟ " أي اذكر لنا الحديث الذي حدَّثكم به الشعبي ، وهذا كله من تمام الحرص وكمال العناية بمعرفة الدليل .

قال حصين : " حدثنا عن بريدة بن الحصيب أنه قال : لا رقية إلا من عين أو حمة " ؛ وهو حديث ظاهر الدلالة على المقصود . والعين : هي إصابة العائن غيره بعينه ، والحمه : هي لدغة العقرب وذوات السموم . وليس المراد حصر جواز الرقية في هذين فقط ، وإنما المراد لا رقية أشفى وأولى من رقية العين والحمة ، والحمة كما عرفنا هي لدغة العقرب ، وقد أحسن حصين رحمه الله عندما رقى نفسه عملاً بهذا الحديث واستناداً إلى هذا الدليل .

ولهذا قال له سعيد : " قد أحسن من انتهى إلى ما سمع " أي أحسنتَ في صنيعك وأصبتَ في عملك حيث بنيْته على الدليل وأقمته على السنة ، فأنت بلغك الدليل وعملت به فأحسنت بهذا الصنيع ، إذ الناس في هذا الباب ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :

1- قسم بلَغَه الدليل وعمل به ؛ وهذا محسِن .
2- قسم يعمل بدون دليل ولا برهان ؛ وهذا مسيء .
3- قسم لا يعمل بما يعلم ؛ وهذا كذلك مسيء .

فالمحسن إذاً من انتهى إلى ما سمع ؛ أي : سمع الحق وعمل به ، فهذا جمع بين العلم والعمل .

ثم قال سعيد بعد أن أيَّد حصيناً على صنيعه : " ولكن حدثنا ابن عباس ...." وساق الحديث إلى تمامه .

والشاهد فيما ساقه سعيد هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( لا يسترقون )) ، ولم  يورد سعيد ذلك ليخطِّئ به صنيع حصين ، وإنما ساقه ليبين مقاماً عظيماً في هذا الباب وهو مقام تمام التوكل وكماله ، لا أن الحديث الذي أورده معارض للحديث الأول ، لقوله " قد أحسن من انتهى إلى ما قد سمع " ولكن كذا وكذا . فعلم بهذا أن الحديث الأول لا يخالف الثاني ، لأن الثاني فيه وصف السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بدون حساب ولا عذاب بتمام التوكل ، فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يكتوون ولا يتطيرون ، وهذا لا يتعارض مع ما ورد من مشروعية استرقاء المسلم لنفسه بالآيات والرقى الشرعية والتعوذات المأثورة ، فهذا يدل على المشروعية وذاك يدل على مقام التمام والكمال ؛ فلا تعارض .

وبهذا تم هذا المجلس المبارك الماتع النافع . وهذه دعوة أوجِّهها في تمام عرض هذا المجلس للباحثين وطلاب العلم إلى المساهمة في إبراز مجالس السلف رحمهم الله لنأخذ منها الدروس ونستقي منها العبر ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .



محاضرة بعنوان    
 الدعاء اقوى سلاح للمؤمن 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
الحمد لله الذي خص الأمة المحمدية بخصائص كبرى ومحاسن عظمى، وأشهد أن لا 
إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له في الآخرة والأولى، وأشهد أنّ نبيّنا 
محمّدًا عبده ورسوله النبي المجتبى والعبد المصطفى، فتح الله به أعينًا عميًا 
وقلوبًا غلفًا وآذانًا صمًا، اللهمَّ صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله 
وأصحابه أولي الإخلاص والتقوى.

أمّا بعد:
أحبتي في الله نحن بأيدينا سلاح ولو انه غير مستخدم صحيح لكن نذكر به الاحبة في الله وهو الدعاء لنا ولكل مسلم بالثبات وحسن التصرف والخوف من العقاب والالحاح في طلب الثواب من رب العباد والدعاء فعله عظيم لامره تبارك وتعالي حين امرنا به في محكم التنزيل اعوذ بالله من الشيطان الرجيم..

قال ربكم ادعوني استجب لكم .. الآية 
واليكم هذه الخطبة القيمة علها تفي بالغرض والله اسأله النفع والفائدة لنا جميعا وخاصة ونحن في شهر فضيل تقبل اللهم منا ومنكم الصيام والقيام وسائر صالح الاعمال..


الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.

يتقلب الناس في دنياهم بين أيام الفرح والسرور, وأيام الشدة والبلاء, وتمر بهم سنين ينعمون فيها بطيب العيش, ورغد المعيشة, وتعصف بهم أخرى عجاف, يتجرعون فيها الغصص أو يكتوون بنار البُعد والحرمان.

وفي كلا الحالين لا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه, وثمة عبادة هي صلة العبد بربه, وهي أنس قلبه, وراحة نفسه.

في زمان الحضارة والتقدم, في كل يوم يسمع العالم باختراع جديد, أو اكتشاف فريد في عالم الأسلحة, على تراب الأرض, أو في فضاء السماء الرحب, أو وسط أمواج البحر, وإن السلاح هو عتاد الأمم الذي تقاتل به أعداءها, فمقياس القوة والضعف في عُرف العالم اليوم بما تملك تلك الأمة أو الدولة من أسلحة أو عتاد.

ولكن ثمة سلاح لا تصنعه مصانع الغرب أو الشرق, إنه أقوى من كل سلاح مهما بلغت قوته ودقته, والعجيب في هذا السلاح أنه عزيز لا يملكه إلا صنف واحد من الناس, لا يملكه إلا أنتم, نعم, أنتم أيها المؤمنون الموحدون, إنه سلاح رباني, سلاح الأنبياء والأتقياء على مرّ العصور.

سلاح نجى الله به نوحًا عليه السلام فأغرق قومه بالطوفان, ونجى الله به موسى عليه السلام من الطاغية فرعون, نجى الله به صالحًا, وأهلك ثمود, وأذل عادًا وأظهر هودَ عليه السلام, وأعز محمدًا  في مواطن  كثيرة.

سلاح حارب به رسول الله  وأصحابه أعتى قوتين في ذلك الوقت: قوة الفرس, وقوة  الروم, فانقلبوا صاغرين مبهورين، كيف استطاع أولئك العرب العزَّل أن يتفوقوا عليهم وهم من هم, في القوة والمنعة, ولا يزال ذلكم السلاح هو سيف الصالحين المخبتين مع تعاقب الأزمان وتغير الأحوال.
تلكم العبادة وذلك السلاح هو الدعاء.

أخرج أبو داود والترمذي وابن ماجه عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((الدعاء هو العبادة)) ثم قرأ: وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين [غافر: 60] [1].

وليعلم أن للدعاء أدابًا عظيمة حريٌ بمن جمعها أن يستجاب له, فمنها:
أولاً: أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة, ورمضان من الشهور, ويوم الجمعة من الأسبوع, ووقت السحر من ساعات الليل, وبين الآذان والإقامة وغيرها.
روى الترمذي وأبو داود وأحمد في مسنده ـ وحسنه ابن حجر ـ أن أنسًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((الدعاء لا يرد بين الآذان والإقامة)) [2].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا أعطاه إياه قال: وهي ساعة خفيفة)) رواه البخاري ومسلم[3].

ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له, ومن يسألني فأعطيه, ومن يستغفرني فأغفر له)) [4].

ثانيًا: أن يغتنم الأحوال الشريفة كحال الزحف, وعند نزول الغيث, وعند إفطار الصائم, وحالة السجود, وفي حال السفر.
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء)) [5].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما ـ في حديث طويل وفيه ـ قال عليه الصلاة والسلام: ((فأما الركوع فعظموا فيه الرب عز وجل, وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمِنٌ أن يستجاب لكم)) [6] رواه مسلم, أي حقيق وجدير أن يستجاب لكم.

وأخرج أبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة الوالد, ودعوة المسافر, ودعوة المظلوم)) [7].

وأخرج الترمذي وحسنه وابن ماجه والطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر, والإمام العادل, ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين))

ثالثًا: أن يدعو مستقبلاً القبلة رافعًا يديه مع خفض الصوت بين المخافتة والجهر, وأن لا يتكلف السجع في الدعاء, فإنَّ حال الداعي ينبغي أن يكون حال متضرع, والتكلف لا يناسب, قال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون [البقرة: 186].

ذكر ابن حجر عن بعض الصحابة في معنى قوله تعالى: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً [الإسراء: 1100] أي لا  ترفع صوتك في دعائك فتذكر ذنوبك فتُعير بها.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما عند البخاري: "فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه, فإني عهدت رسول الله  وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب[9]".

رابعًا: الإخلاص في الدعاء والتضرع والخشوع والرغبة والرهبة, وأن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاؤه فيه.

قال تعالى: إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدًا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا ومما رزقناهم ينفقونفلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [السجدة: 14 ـ 16].

أخرج الترمذي والحاكم وقال: حديث مستقيم الإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة, واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه)) [10].

وروى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة, ولا يقولن اللهم: إن شئت فأعطني فإنه لا مستكره له)) [11].

قال ابن بطال: ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة, ولا يقنط من الرحمة, فإنه يدعو كريمًا, وقديمًا قيل: ادعوا بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والإنطلاق.

خامسًا: أن يلح في الدعاء ويكون ثلاثًا ولا يستبطئ الإجابة, قال تعالى:أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض[النمل: 62].

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يستجاب لأحدكم ما لم يعجل, يقول: دعوت فلم يستجب لي)) [12].

قال الداودي ـ رحمه الله ـ : على الداعي أن يجتهد ويلح ولا يقل: إن شئت، كالمستثني, ولكن دعاء البائس الفقير.

سادسًا: أن يفتتح الدعاء ويختمه بذكر الله تعالى والصلاة على النبي ثم يبدأ  بالسؤال.

قال سبحانه: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها [الأعراف: 180].

أخرج النسائي وابن ماجه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله  جالسًا  يعني ورجل قائم يصلي، فلما ركع وسجد وتشهد دعا فقال في دعائه: اللهم إني أسألك  بأن لك الحمد لا إله إلا أنت, المنان, بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام, يا حي يا قيوم إني أسألك, فقال النبي  لأصحابه: ((تدرون بم دعا؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: ((والذي نفسي بيده لقد دعا الله باسمه العظيم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى)) [13].

وروى البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن رسول الله  كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل ((اللهم لك الحمد, أنت نور السموات والأرض, ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض, ولك الحمد أنت رب السموات والأرض ومن فيهن, وأنت الحق ووعدك الحق, وقولك الحق, ولقاؤك حق, والجنة حق، والنار حق, والساعة حق, اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت, وإليك أنبت, وبك خاصمت, وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وأخرت, وأسررت وأعلنت, أنت إلهي لا إله إلا أنت)) [14].

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك )[15].

قال أبو سليمان الداراني ـ رحمه الله ـ: من أراد أن يسأل الله حاجة, فليبدأ بالصلاة على النبي  ثم يسأل حاجته ثم يختم بالصلاة على النبي  فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع  ما  بينهما.

سابعًا: التوبة ورد المظالم والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة, وهو الأدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة تحري أكل الحلال, كما قال الغزالي رحمه الله.

أخرج الطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((من سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء)) [16].

قال الأوزاعي ـ رحمه الله ـ : خرج الناس يستسقون فقام فيهم بلال بن سعد, فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال: (يا معشر من حضر: ألستم مقرين بالإساءة؟, قالوا: بلى, فقال: اللهم إنا سمعناك تقول: ما على المحسنين من سبيل [التوبة: 91]. وقد أقررنا بالإساءة فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا, اللهم اغفر لنا, وارحمنا واسقنا), فرفع يديه ورفعوا أيديهم فسُقوا.

وقال سفيان الثوري: "بلغني أن بني إسرائيل قحطوا سبع سنين حتى أكلوا الميتة من المزابل وأكلوا الأطفال, وكانوا كذلك يخرجون إلى الجبال يبكون ويتضرعون فأوحى الله إلى أنبيائهم  عليهم السلام: لو مشيتم إليَّ بأقدامكم حتى تَحْفَى ركبكم وتبلغ أيديكم عنان السماء وتكل ألسنتكم من الدعاء فإني لا أجيب لكم داعيًا, ولا أرحم لك باكيًا حتى تردوا المظالم إلى أهلها, ففعلوا فمطروا من يومهم". والتوجيه النبوي يقول: ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) [17].

إن من عظيم ألطاف الله سبحانه وتعالى أنه جعل الدعاء جزءاً من العبادة، وجزءاً عظيماً من التقرب إليه، أي جعل استجداء العبد من الرب عبادة من العبادات التي يستحق عليها الأجر من الله سبحانه وتعالى. ولا أَدَلَّ على لطف الله بعباده من أن يجعل استجداءهم منه عبادة يتقربون بها إليه فيستحقون بها الأجر. ومن ثم سمى الله سبحانه وتعالى الدعاء عبادة وذلك في مثل قوله: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ} [غافر: 40/60] فَعَدَّ الدعاء؛ أي: الاستجداء؛ أي: طلبَ العبد من ربه أي شأن من شؤونه، عبادة من العبادات التي يَتَقَرَّب بها إلى الله ومن ثم يستحق العبد عليها الأجر العظيم. 

والدعاء من أهون الطاعات ومن أخف القربات على كيان الإنسان، لا تكلفه مغرماً، ولا تُحَمِّله ثِقْلاً، بل إنه يمارس في ذلك حظ نفسه. فالذي يدعو الله عز وجل يطلب منه أن يحقق له شؤونه، ربما كانت شؤوناً دنيوية وربما كانت شؤوناً تتعلق بصحبته وعافيته ورغد عيشه ونحو ذلك ومن ثَم فإن هذا اللون من العبادة أسهل ألوانها ليس فيها ثِقْل ولا تَحَمِّل صاحبها مغرماً.

ولكن في الناس كثيرين يسألون عن جدوى الدعاء وفائدته وما زالوا يستشكلون: أن في الناس مَن يسأل الله عز وجل ويدعوه فلا يجد استجابة، فَفِيْمَ كان الدعاء قربة إلى الله عز وجل؟

والجواب أيها الإخوة: أن الله لا يخلف الميعاد، وهو القائل: {وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وهذه حقيقة لاشك فيها ولا ريب، ولكن ليس كل من يطلب شيئاً يدعو الله، فرق كبير بين الطلب وبين الدعاء. طلب الإنسان من الإنسان شيء، ودعاء العبد من ربه شيء آخر.

لا يستجاب الدعاء إلا بشروط وقيود. وانظروا - أيها الإخوة - إلى قول الله سبحانه وتعالى: {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 2/186] أي ليضعوا في اعتبارهم ضرورة استجابتهم لي أيضاً قبل أن يضعوا في اعتبارهم ضرورة استجابتي أنا لهم.

 أن تدعو الله عز وجل فتتذكر أنه قد وعدك بالاستجابة ثم تنتظر منه وفاء ما وعد، وتنسى أنه طلب منك أنت بدورك أن تستجيب لله عز وجل ما دعاك إليه وما طلبه منك، هذا لا يسمى دعاءً، هذا طلب، وهذا شأن من يطلب من نِدِّه ومن إنسان مثله. اِستجبْ لله عز وجل وحَقِّقْ ما قد سألك تنفيذه ثم انظر كيف يستجيب الله سبحانه وتعالى طلبك ويحقق رجاءك وسؤالك. 
إن هنالك سُنَّة ماضية في عباد الله عز وجل ألزم بها ربنا ذاته العلية فتنبهوا جميعاً إليها وضعوها في اعتباركم.

 إنها السنة التي يعبِّر عنها بيان الله عز وجل في مثل قوله: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِه} [النساء: 4/123] وهي السنة التي يقررها بيان الله عز وجل في مثل قوله: {وَذَرُوا ظاهِرَ الإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمِ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 6/120]. 

تلك هي سنة الله عز وجل في عباده؛ من اقترف سوءاً سواء كان مما يدخل في ظاهر الإثم أو مما يدخل في باطن الإثم لابد أن يلقى هذا العبد جزاء ما اقترف.

وظاهر الإثم تلك المعاصي التي تَجْتَرِحُها الأعضاء من عين تنظر وأذن تسمع ويد تبطش إلى آخر ما هنالك.

أما باطن الإثم فهو تلك الأوباء والأمراض التي تتوضع في داخل النفس والفؤاد كالشحناء كالبغضاء كالحقد كالكراهية كالاستكبار كالتعلق بالدنيا إلى آخر ما تعرفون من الآثام التي لا تتراءى أمام الأبصار وإنما هي خفية يراها علاّم الغيوب، يراها من يعلم السر وأخفى وهي أخطر شأناً من ظاهر الإثم على حَدِّ تعبير البيان الإلهي {وَذَرُوا ظاهِرَ الإِثْمِ وَباطِنَهُ} ثم قال: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمِ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ}. 

وهنا قد تصطدم سنة رب العالمين مع دعائك يا بن آدم، تدعو الله عز وجل أن يكشف عنك الغم وأن يعافيك من مرضك وأن يزيل هذا الابتلاء الذي ران عليك ولكنك لو عدت إلى خفي فؤادك لوجدت أن إثماً من باطن الإثم تعاني منه، لوجدت أن فؤادك ينطوي على حقد، على ضغينة، على قطيعة رحم، على معنى من المعاني الخطيرة التي تدخل فيما سماه الله باطن الإثم، فكيف يستجاب دعاؤك؟! دعاؤك الصاعد من الأرض إلى السماء يصطدم مع سنة الله الهابطة إليك من السماء إلى الأرض. والله عز وجل يقول: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 4/123] وأخف أنواع الجزاء أن يعاقب الله الإنسان على سوئه في دار الدنيا، هذه رحمة أن يعجل الله عز وجل له عقابه في دار الدنيا. هذه قاعدة لا تشذ - أيها - الإخوة وميزان الله عز وجل في هذا دقيق.

لا تظن أن الإنسان الذي يعاني من كرب داهمه ثم لم يعلم سببه، أو أن الإنسان الذي ابتلي بمرض عانى منه ولم يعلم مَأْتَاه وسببه، أو أن الذي يعاني من كرب في داخل أسرته مع أهله مع أولاده؛ لا تظنوا أن ذلك جاء عشوائياً، كل ذلك بحساب، عُدْ إلى نفسك وحاسب ذاتك تجد أنك قد ارتكبت إثماً إما مما يدخل في ظاهره أو مما يدخل في باطنه.

ولعلكم تعلمون أنه عندما نزل قول الله عز وجل: {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} هُرِع كثير من أصحاب رسول الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال فيهم  أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله ما النجاة بعد اليوم؟ أي مَن منا لم يرتكب في يوم ما إثماً أو شيئاً يخالف أمر الله عز وجل؟ ألا يوجد ثَمة عفو؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يغفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض، ألست تجزع؟ ألست تحزن؟! ألست تصيبك اللأواء؟ قال: نعم. قال: فذلك ما تجزون به. يُعجّل الله سبحانه وتعالى العقاب في دار الدنيا لكي لا يَدَّخر العقاب عليه يوم القيامة.

 أما أن تتصوروا أن زيداً من الناس تتوضع الآثام في كيانه؛ إن ظاهراً على الأعضاء أو باطناً في النفس، وباطن الإثم أخطر من ظاهره، ثم تتصوروا أن ذلك يمر عَرَضاً دون عقاب فلا تتصوروا ذلك {لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ}.

ولذلك فلقد كان الصديقون والربانيون وكل عباد الله الصالحين إذا مَرَّ بأحدهم بلاء أو انحطت في داره مصيبة من المصائب جلس يناجي ربه سبحانه وتعالى ويعلن التوبة إليه، يقول له: اللهم إني قد تبت إليك، اللهم إني تائب إليك من الذنب الذي أعلم ومن الذنب الذي لا أعلم، لاشك أني قد ارتكبت ذنباً، ارتكبت معصية فكان هذا البلاء كفارة هذه المعصية، ولعلي لا أعلمها. وكم وكم يمر الإنسان في يومه وليله بمعاصٍ كثيرة يستخف بها ولا يبالي بشأنها فيرتكبها دون أن يتنبه إليها ويكون الباري لطيفاً به يأتيه العقاب عاجلاً بعد حين، إما في مرض أو في بلاء أو في كرب لا يعلم مأتاه ينحط على فؤاده، ومن هنا لا يجد الاستجابة. يقول:لقد أصابني هَمٌّ خطير ودعوتُ الله فلم يرتفع هذا الهمُّ عني، لقد أصابني فقر، أصابتني جائحة، أصابني كرب ويَعُدُّ الكروب التي مرت به ودعوتُ وألحفتُ في الدعاء وكررت فلم أجد استجابة. يا هذا اقرأ كلام الله وتدبّره {وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ} ثم قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ}[البقرة: 2/186].

هل استجبت لله قبل أن تدعو الله؟ أي: هل استجبت لله بأن تبت عن معاصيك بأن طهرت قلبك من الشحناء، من البغضاء، مما يُبْغِضُ الله سبحانه وتعالى. تبت عن ذلك توبة نصوحاً ثم أقبلت إلى الله تجأر إليه بالدعاء، لو فعلت ذلك لرأيت الاستجابة. 

هذه السُّنة الإلهية ينبغي أن تتذكروها أيها الإخوة عندما تتذكرون الدعاء. بل ينبغي أن تعلموا أن الإنسان ربما أصاب رشاشُ معصيته أسرتَه، ربما وجد في أسرته من يعاني من آلام وكروب. وما مَرَدُّ ذلك إلا معصيةٌ هو المرتكب لها. ينبغي أن نعلم هذا. ألم تسمعوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه))؟ معصيتي التي أعكف عليها ثم لا أستيقظ منها قد تنعكس إلى أهلي، تنعكس إلى زوجي إلى أولادي وينبغي أن أَشَمَّ رائحة كفي دائماً. علم هذا من علم وجهل هذا من جهل أيها الإخوة. وإني لأسأل الله ضارعاً أن يجعل في الابتلاءات التي تصيبنا ما يوقظنا من سكرتنا، وما يوقظنا من انحرافنا، وما يعود بنا إلى فحص دخائلنا، دخائل نفوسنا، كيف حالي؟ ما هي أوضاعي النفسية؟ لعلي حاقد، لعلي حاسد، لعلي مستكبر، لعلي أسأت إلى إخوة، لعلي جرحت كرامة أناس، لعلي كسرت خاطر بعض الناس. والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: ((أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي)]


محاضرة بعنوان    
وسائل الثبات على الدين وقت الفتن 
 ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته صلى الله عليه وسلم وسائل كثيرة للثبات

 أستعرض معك أيها القارئ الكريم بعضاً منها:
 أولاً:
الإقبال على القرآن: القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى، وهو حبل الله المتين، والنور المبين، من تمسك به عصمه الله، ومن اتبعه أنجاه الله، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم. نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا . وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان:32، 33]. لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت؟ - لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله. - لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة، ويطمئن قلبه بذكر الله. - لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله، وكذا الموازين التي تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه، ولا تتناقض أقواله باختلاف الأحداث والأشخاص. -

 أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين كالأمثلة الحية التي عاشها الصدر الأول،
وهذه نماذج:
1- ما هو أثر قول الله عز وجل: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:3] على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال المشركون: "ودع محمد" (انظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/156).
2- وما هو أثر قول الله عز وجل: {لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} [النحل: 103]، لما ادعى كفار قريش أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما يعلمه بشر وأنه يأخذ القرآن عن نجار رومي بمكة؟
3- وما هو أثر قول الله عز وجل: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [التوبة: 49]، في نفوس المؤمنين لما قال المنافق: "ائذن لي ولا تفتني"؟

أليس تثبيتاً على تثبيت، وربطاً على القلوب المؤمنة، ورداً على الشبهات، وإسكاتاً لأهل الباطل؟ بلى وربي. ومن العجب أن الله يعد المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائم كثيرة يأخذونها (وهي غنائم خيبر) وأنه سيعجلها لهم وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم، وأن المنافقين سيطلبون مرافقتهم وأن المسلمين سيقولون لن تتبعونا وأنهم سيصرون يريدون أن يبدلوا كلام الله وأنهم سيقولون للمؤمنين بل تحسدوننا وأن الله أجابهم بقوله: {بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الفتح: 15]

ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة وكلمة بكلمة. - ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً، ومنه ينطلقون، وإليه يفيئون، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل. ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم.

ثانياً: التزام شرع الله والعمل الصالح: قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]. قال قتادة: "أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح، وفي الآخرة في القبر". وكذا روي عن غير واحد من السلف (تفسير القرآن العظيم لابن كثير 3/4211).
 وقال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66] أي على الحق. وهذا بيّن، وإلا فهل نتوقع ثباتاً من الكسالى القاعدين عن الأعمال الصالحة إذا أطلت الفتنة برأسها وادلهم الخطب؟! ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم صراطاً مستقيماُ. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة، وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل. وكان أصحابه إذا عملوا عملاً أثبتوه. وكانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته. وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «من ثابر على اثنتي عشرة ركعة وجبت له الجنة» (سنن الترمذي 2/273 وقال: الحديث حسن أو صحيح، وهو في صحيح النسائي 1/388، وصحيح الترمذي 1/131). أي السنن الرواتب. وفي الحديث القدسي: «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه» (رواه البخاري، انظر فتح الباري 11/340).

ثالثاً: تدبر قصص الأنبياء ودراستها للتأسي والعمل: والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120]. فما نزلت تلك الآيات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للتلهي والتفكه، وإنما لغرض عظيم هو تثبيت فؤاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفئدة المؤمنين معه. فلو تأملت يا أخي قول الله عز وجل: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 68- 70] قال ابن عباس: "كان آخر قول إبراهيم حين ألقي في النار: حسبي الله ونعم الوكيل" (الفتح 8/22). ألا تشعر بمعنى من معاني الثبات أمام الطغيان والعذاب يدخل نفسك وأنت تتأمل هذه القصة؟ - لو تدبرت قول الله عز وجل في قصة موسى: {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61، 62]. ألا تحس بمعنى آخر من معاني الثبات عند ملاحقة الطالبين، والثبات في لحظات الشدة وسط صرخات اليائسين وأنت تتدبر هذه القصة؟ لو استعرضت قصة سحرة فرعون، ذلك المثل العجيب للثلة التي ثبتت على الحق بعدما تبين. ألا ترى أن معنى عظيماً من معاني الثبات يستقر في النفس أمام تهديدات الظالم وهو يقول: {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71]. ثبات القلة المؤمنة الذي لا يشوبه أدنى تراجع وهم يقولون: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72]. وهكذا قصة المؤمن في سورة يس ومؤمن آل فرعون وأصحاب الأخدود وغيرها يكاد الثبات يكون أعظم دروسها قاطبة.

رابعاً: الدعاء: من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران:8]، {...رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا..} [البقرة:285]، ولما كانت «قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء» (رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عمر مرفوعاً انظر مسلم بشرح النووي 16/)204. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» (رواه الترمذي عن أنس مرفوعاً تحفة الأحوذي 6/349 وهو في صحيح الجامع 7864).

خامساً: ذكر الله: وهو من أعظم أسباب التثبيت؛ تأمل في هذا الاقتران بين الأمرين في قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} [الأنفال: 45]. فجعله من أعظم ما يعين على الثبات في الجهاد. (وتأمل أبدان فارس والروم كيف خانتهم أحوج ما كانوا إليها) -ما بين القوسين مقتبس من كلام ابن القيم رحمه الله في الداء والدواء- بالرغم من قلة عدد وعدة الذاكرين الله كثيراً. وبماذا استعان يوسف عليه السلام في الثبات أمام فتنة المرأة ذات المنصب والجمال لما دعته إلى نفسها؟ ألم يدخل في حصن (معاذ الله) فتكسرت أمواج جنود الشهوات على أسوار حصنه؟ وكذا تكون فاعلية الأذكار في تثبيت المؤمنين. سادساً: الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً: والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل. وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا في الثبات فتأمل وسائل نفسك: لماذا ضل كثير من السابقين واللاحقين وتحيروا ولم تثبت أقدامهم على الصراط المستقيم ولا ماتوا عليه؟ أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهم وأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم؟؟ فترى أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة في التصوف إلى أخرى... وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون، وانظر كيف حُرم أهل الكلام الثبات عند الممات فقال السلف: "أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام"، لكن فكر وتدبر هل رجع من أهل السنة والجماعة عن طريقه سَخْطَةً بعد إذ عرفه وفقهه وسلكه؟ قد يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهات عرضت لعقله الضعيف، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصح منه أو تبين له بطلانه.

ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال هرقل لأبي سفيان: "فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟" قال أبو سفيان: لا. ثم قال هرقل: "وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب" (رواه البخاري، الفتح 1/32). سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع وآخرين هداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة ساخطين على مذاهبهم الأولى، ولكن هل سمعنا العكس؟! فإن أردت الثبات فعليك بسبيل المؤمنين.

سادساً: الحرص على أن يسلك المسلم طريقاً صحيحاً: والطريق الوحيد الصحيح الذي يجب على كل مسلم سلوكه هو طريق أهل السنة والجماعة، طريق الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، أهل العقيدة الصافية والمنهج السليم واتباع السنة والدليل، والتميز عن أعداء الله ومفاصلة أهل الباطل. وإذا أردت أن تعرف قيمة هذا في الثبات فتأمل وسائل نفسك: لماذا ضل كثير من السابقين واللاحقين وتحيروا ولم تثبت أقدامهم على الصراط المستقيم ولا ماتوا عليه؟ أو وصلوا إليه بعدما انقضى جل عمرهم وأضاعوا أوقاتاً ثمينة من حياتهم؟؟ فترى أحدهم يتنقل في منازل البدع والضلال من الفلسفة إلى علم الكلام والاعتزال إلى التحريف والتأويل إلى التفويض والإرجاء، ومن طريقة في التصوف إلى أخرى... وهكذا أهل البدع يتحيرون ويضطربون، وانظر كيف حُرم أهل الكلام الثبات عند الممات فقال السلف: "أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام"، لكن فكر وتدبر هل رجع من أهل السنة والجماعة عن طريقه سَخْطَةً بعد إذ عرفه وفقهه وسلكه؟ قد يتركه لأهواء وشهوات أو لشبهات عرضت لعقله الضعيف، لكن لا يتركه لأنه قد رأى أصح منه أو تبين له بطلانه.

ومصداق هذا مساءلة هرقل لأبي سفيان عن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال هرقل لأبي سفيان: "فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟" قال أبو سفيان: لا. ثم قال هرقل: "وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب" (رواه البخاري، الفتح 1/32). سمعنا كثيراً عن كبار تنقلوا في منازل البدع وآخرين هداهم الله فتركوا الباطل وانتقلوا إلى مذهب أهل السنة والجماعة ساخطين على مذاهبهم الأولى، ولكن هل سمعنا العكس؟! فإن أردت الثبات فعليك بسبيل المؤمنين.

سابعاً: التربية: التربية الإيمانية العلمية الواعية المتدرجة عامل أساسي من عوامل الثبات. التربية الإيمانية: التي تحيي القلب والضمير بالخوف والرجاء والمحبة، المنافية للجفاف الناتج من البعد عن نصوص القرآن والسنة، والعكوف على أقاويل الرجال. والتربية العلمية: القائمة على الدليل الصحيح المنافية للتقليد والأمعية الذميمة. والتربية الواعية: التي لا تعرف سبيل المجرمين وتدرس خطط أعداء الإسلام وتحيط بالواقع علماً وبالأحداث فهماً وتقويماً، المنافية للانغلاق والتقوقع على البيئات الصغيرة المحدودة. والتربية المتدرجة: التي تسير بالمسلم شيئاً فشيئاً، ترتقي به في مدارج كماله بتخطيط موزون، والمنافية للارتجال والتسرع والقفزات المحطمة. ولكي ندرك أهمية هذا العنصر من عناصر الثبات، فلنعد إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسائل أنفسنا: ما هو مصدر ثبات صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، إبان فترة الاضطهاد؟ كيف ثبت بلال وخباب ومصعب وآل ياسر وغيرهم من المستضعفين، وحتى كبار الصحابة في حصار الشعب وغيره؟

ثامناً: الثقة بالطريق: لا شك أنه كلما ازدادت الثقة بالطريق الذي يسلكه المسلم، كان ثباته عليه أكبر.. ولهذا وسائل منها: - استشعار أن الصراط المستقيم الذي تسلكه يا أخي ليس جديداً ولا وليد قرنك وزمانك، وإنما هو طريق عتيق (عتيق صفة مدح) قد سار فيه من قبلك الأنبياء والصديقون والعلماء والشهداء والصالحون، فتزول غربتك، وتتبدل وحشتك أنساً، وكآبتك فرحاً وسروراً، لأنك تشعر بأن أولئك كلهم أخوة لك في الطريق والمنهج. - الشعور بالاصطفاء، قال الله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النمل: 59]. وقال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32]. وقال: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 6]. وكما أن الله اصطفى الأنبياء فللصالحين نصيب من ذلك الاصطفاء وهو ما ورثوه من علوم الأنبياء. ماذا يكون شعورك لو أن الله خلقك جماداً، أو دابة، أو كافراً ملحداً، أو داعياً إلى بدعة، أو فاسقاً، أو مسلماً غير داعية لإسلامه، أو داعية في طريق متعدد الأخطاء؟ ألا ترى أن شعورك باصطفاء الله لك وأنْ جعلك داعية من أهل السنة والجماعة من عوامل ثباتك على منهجك وطريقك؟

تاسعاً: ممارسة الدعوة إلى الله عز وجل: النفس إن لم تتحرك تأسن، وإن لم تنطلق تتعفن، ومن أعظم مجالات انطلاق النفس: الدعوة إلى الله، فهي وظيفة الرسل، ومخلصة النفس من العذاب؛ فيها تتفجر الطاقات، وتنجز المهمات {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [الشورى: 15]. وليس يصح شيء يقال فيه "فلان لا يتقدم ولا يتأخر" فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، والإيمان يزيد وينقص. والدعوة إلى المنهج الصحيح ببذل الوقت، وكدّ الفكر، وسعي الجسد، وانطلاق اللسان، بحيث تصبح الدعوة هم المسلم وشغله الشاغل يقطع الطريق على محاولات الشيطان بالإضلال والفتنة، زد على ذلك ما يحدث في نفس الداعية من الشعور بالتحدي تجاه العوائق، والمعاندين، وأهل الباطل، وهو يسير في مشواره الدعوي، فيرتقي إيمانه، وتقوى أركانه. فتكون الدعوة بالإضافة لما فيها من الأجر العظيم وسيلة من وسائل الثبات، والحماية من التراجع والتقهقر، لأن الذي يُهاجم لا يحتاج للدفاع، والله مع الدعاة يثبتهم ويسدد خطاهم والداعية كالطبيب يحارب المرض بخبرته وعلمه، وبمحاربته في الآخرين فهو أبعد من غيره عن الوقوع فيه.

عاشراً: الالتفاف حول العناصر المثبتة: تلك العناصر التي من صفاتها ما أخبرنا به عليه الصلاة والسلام: «إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر» (حسن رواه ابن ماجة عن أنس مرفوعاً 237 وابن أبي عاصم في كتاب السنة 1/127 وانظر السلسلة الصحيحة 1332). فالبحث عن العلماء والصالحين والدعاة المؤمنين، والالتفاف حولهم معين كبير على الثبات. وقد حدثت في التاريخ الإسلامي فتن ثبت الله فيها المسلمين برجال. ومن ذلك: ما قاله علي بن المديني رحمه الله تعالى: "أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة". وتأمل ما قاله ابن القيم رحمه الله عن دور شيخه شيخ الإسلام في التثبيت: "وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا، وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل، وآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها " (الوابل الصيب ص 97). وهنا تبرز الأخوة الإسلامية كمصدر أساسي للتثبيت، فإخوانك الصالحون والقدوات والمربون هم العون لك في الطريق، والركن الشديد الذي تأوي إليه فيثبتوك بما معهم من آيات الله والحكمة.. الزمهم وعش في أكنافهم وإياك والوحدة فتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

الحادي عشر: الثقة بنصر الله وأن المستقبل للإسلام: نحتاج إلى الثبات كثيراً عند تأخر النصر، حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146- 148]. ولما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يثبت أصحابه المعذبين أخبرهم بأن المستقبل للإسلام في أوقات التعذيب والمحن فماذا قال؟ جاء في حديث خباب مرفوعاً عند البخاري: «وليُتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه» (رواه البخاري، انظر فتح الباري 7/165). فعرض أحاديث البشارة بأن المستقبل للإسلام على الناشئة مهم في تربيتهم على الثبات.

الثاني عشر: معرفة حقيقة الباطل وعدم الاغترار به: في قول الله عز وجل: {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ} [آل عمران: 196] تسرية عن المؤمنين وتثبيت لهم. وفي قوله عز وجل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء} [الرعد: 17] عبرة لأولي الألباب في عدم الخوف من الباطل والاستسلام له. ومن طريقة القرآن فضح أهل الباطل وتعرية أهدافهم ووسائلهم: {وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55] حتى لا يؤخذ المسلمون على حين غرة، وحتى يعرفوا من أين يؤتى الإسلام. وكم سمعنا ورأينا حركات تهاوت ودعاة زلت أقدامهم ففقدوا الثبات لما أتوا من حيث لم يحتسبوا بسبب جهلهم بأعدائهم.

الثالث عشر: استجماع الأخلاق المعينة على الثبات: وعلى رأسها الصبر، ففي حديث الصحيحين: «وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر» (رواه البخاري في كتاب الزكاة- باب الاستعفاف عن المسألة، ومسلم في كتاب الزكاة- باب فضل التعفف والصبر). وأشد الصبر عند الصدمة الأولى، وإذا أصيب المرء بما لم يتوقع تحصل النكسة ويزول الثبات إذا عدم الصبر. تأمل فيما قاله ابن الجوزي رحمه الله: "رأيت كبيراً قارب الثمانين وكان يحافظ على الجماعة فمات ولد لابنته، فقال: ما ينبغي لأحد أن يدعو، فإنه ما يستجيب. ثم قال: إن الله تعالى يعاند فما يترك لنا ولداً" (الثبات عند الممات لابن الجوزي ص34) تعالى الله عن قوله علواً كبيراً. ولما أصيب المسلمون في أحد لم يكونوا ليتوقعوا تلك المصيبة لأن الله وعدهم بالنصر، فعلمهم الله بدرس شديد بالدماء والشهداء: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] ماذا حصل من عند أنفسهم؟ فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، منكم من يريد الدنيا.

الرابع عشر: وصية الرجل الصالح: عندما يتعرض المسلم لفتنة ويبتليه ربه ليمحصه، يكون من عوامل الثبات أن يقيض الله له رجلاً صالحاً يعظه ويثبته، فتكون كلمات ينفع الله بها، ويسدد الخطى، وتكون هذه الكلمات مشحونة بالتذكير بالله، ولقائه، وجنته، وناره. وهاك أخي، هذه الأمثلة من سيرة الإمام أحمد رحمه الله، الذي دخل المحنة ليخرج ذهباً نقياً. لقد سيق إلى المأمون مقيداً بالأغلال، وقد توعده وعيداً شديداً قبل أن يصل إليه، حتى لقد قال خادم للإمام أحمد: "يعز عليّ يا أبا عبد الله، أن المأمون قد سل سيفاً لم يسله قبل ذلك، وأنه يقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف" (البداية والنهاية 1/332). وهنا ينتهز الأذكياء من أهل البصيرة الفرصة ليلقوا إلى إمامهم بكلمات التثبيت؛ ففي السير للذهبي 11/238 عن أبي جعفر الأنباري قال: "لما حُمِل أحمد إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، فإذا هو جالس في الخان فسلمت عليه. فقال: يا أبا جعفر تعنيت. فقلت: يا هذا، أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك، فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبن خلق، وإن لم تُجب ليمتنعن خلق من الناس كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك، فإنك تموت، لا بد من الموت، فاتق الله ولا تجب. فجعل أحمد يبكي ويقول: ما شاء الله. ثم قال: يا أبا جعفر أعِد.. فأعدت عليه وهو يقول: ما شاء الله.." (أ.هـ). .

 وقال الإمام أحمد في سياق رحلته إلى المأمون: "صرنا إلى الرحبة منها في جوف الليل، فعرض لنا رجل فقال: أيكم أحمد بن حنبل؟ فقيل له: هذا. فقال للجمال: على رسلك.. ثم قال: يا هذا، ما عليك أن تُقتل ها هنا، وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضى. فسألت عنه، فقيل لي هذا رجل من العرب من ربيعة يعمل الصوف في البادية يقال له: جابر بن عامر يُذكر بخير" (سير أعلام النبلاء 11/241). وفي البداية والنهاية: أن أعرابي قال للإمام أحمد: "يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤماً عليهم، وإنك رأس الناس اليوم فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه، فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة، وإن كنت تحب الله، فاصبر على ما أنت فيه، فإنه ما بينك وبين الجنة إلا أن تقتل"، قال الإمام أحمد: وكان كلامه مما قوى عزمي على ما أنا فيه من الامتناع عن ذلك الذي يدعونني إليه (البداية والنهاية 1/332). وفي رواية أن الإمام أحمد قال: "ما سمعت كلمة وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة الأعرابي كلمني بها في رحبة طوق وهي بلدة بين الرقة وبغداد على شاطئ الفرات، قال: يا أحمد إن يقتلك الحق متّ شهيداً، وإن عشت عشت حميداً.. فقوي قلبي" (سير أعلام النبلاء 11/241). ويقول الإمام أحمد عن مرافقة الشاب محمد بن نوح الذي صمد معه في الفتنة: "ما رأيت أحداً -على حداثة سنه، وقدر علمه- أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجو أن يكون قد ختم له بخير. قال لي ذات يوم: "يا أبا عبد الله، الله الله، إنك لست مثلي، أنت رجل يُقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك، لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله. فمات وصليت عليه ودفنته" (سير أعلام النبلاء 11/242). وحتى أهل السجن الذين كان يصلي بهم الإمام أحمد وهو مقيد، قد ساهموا في تثبيته. فقد قال الإمام أحمد مرة في الحبس: "لست أبالي بالحبس -ما هو ومنزلي إلا واحد- ولا قتلاً بالسيف، وإنما أخاف فتنة السوط". فسمعه بعض أهل الحبس فقال: "لا عليك يا أبا عبد الله، فما هو إلا سوطان، ثم لا تدري أين يقع الباقي" فكأنه سُرِّي عنه (سير أعلام النبلاء 11/240). فاحرص أيها الأخ الكريم على طلب الوصية من الصالحين وأعقلها إذا تليت عليك. واطلبها قبل سفر إذا خشيت مما قد يقع فيه، واطلبها أثناء ابتلاء، أو قبل محنة متوقعة، واطلبها إذا عُينت في منصب أو ورثت مالاً وغنى، وثبت نفسك، وثبت غيرك

الخامس عشر: التأمل في نعيم الجنة وعذاب النار وتذكر الموت: والجنة بلاد الأفراح، وسلوة الأحزان، ومحط رحال المؤمنين والنفس مفطورة على عدم التضحية والعمل والثبات إلا بمقابل يهوّن عليها الصعاب، ويذلل لها ما في الطريق من عقبات ومشاق. فالذي يعلم الأجر تهون عليه مشقة العمل، وهو يسير ويعلم بأنه إذا لم يثبت فستفوته جنة عرضها السموات والأرض، ثم إن النفس تحتاج إلى ما يرفعها من الطين الأرضي ويجذبها إلى العالم العلوي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم ذكر الجنة في تثبيت أصحابه، ففي الحديث الحسن الصحيح مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بياسر وعمار وأم عمار وهم يؤذون في الله تعالى فقال لهم: «صبراً آل ياسر صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة» (رواه الحاكم 3/383، وهو حديث حسن صحيح، انظر تخريجه في فقه السيرة تحقيق الألباني ص103). وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول للأنصار: «إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض» (متفق عليه). وكذلك من تأمل حال الفريقين في القبر، والحشر، والحساب، والميزان، والصراط، وسائر منازل الآخرة. كما أن تذكر الموت يحمي المسلم من التردي، ويوقفه عند حدود الله فلا يتعداها. لأنه إذا علم أن الموت أدنى من شراك نعله، وأن ساعته قد تكون بعد لحظات، فكيف تسول له نفسه أن يزل، أو يتمادى في الانحراف، ولأجل هذا قال صلى الله عليه وسلم : «أكثروا من ذكر هادم اللذات» (رواه الترمذي 2/50 وصححه في إرواء الغليل 3/145)


محاضرة بعنوان 
تربية الأبناء والبنات
فبعضُ الآباء يشتَكِي من سلبيَّة أولادِه، ويَرَى عدَم اهتِمامهم بغيرهم، وأنهم لا يُشاطِرُونه همومَه ممَّا يتعلَّق بأهلهم أو ببعضِ حوائِجِه الخاصَّة، فالحملُ كلُّه علَيْه؛ فهو يقومُ بكلِّ شيءٍ مع أنَّه يُوجَد في البيت أكثرُ من ابنٍ بلَغُوا الحلم أو كادوا، ولو استَطلَعت الأمرَ من جِهَة الأبناء لوجدتهم يُحمِّلون آباءَهم تقصيرَهم، وأنهم هم السبب في ذلك.

ولو تأمَّلنا من حولنا لَوَجَدنا أنَّ بعضَ الأبناء لهم دورٌ بارِزٌ في تَصرِيف شؤون البيت والأسرة، ويتحمَّلون جزءًا مِن مسؤوليَّات أبيهم، فيتحمَّلون جلَّ الأعمال التي للأبِ أو بعضها؛ إذًا ليس كلُّ العيب في أولادِنا، بل ربما يأتي العيبُ منَّا مَعاشِر الآباء، فنُقصِّر في تَحمِيلهم المسْؤوليَّات منذ الصِّغَر، فإذا كبروا شقَّ عليهم ذلك.

بعضُ الآباء يشتَكِي من عُزُوف أولادِه عن حُضُور المناسَبات الاجتماعيَّة، بل إذا حضَر ضُيوفٌ للبيت لم يحضروا، وأصبح الأبُ هو المسؤول عن استِقبال الضُّيوف وتَودِيعهم وإكرامهم، مع أنَّ أولادَه ليس لديهم شغلٌ يَشغَلهم عن الحضور، بل ربما كانوا داخِل البيت، وهنا على الأب أنْ يقف مع نفسه ويَنظُر هل له دورٌ في ذلك؟ فالأبناء في حالِ الصِّغَر لديهم رغبةٌ شديدة في حضور المُناسَبات الاجتماعيَّة، ومُشارَكة الناس  الأقارب والأباعد مُناسَباتهم، ويُلحُّون على أبائهم لحضور هذه المناسبات والجلوس مع الضُّيوف إذا حضروا للبيت، فإذا كان الأب يمنَعُهم من ذلك فمِن الطَّبَعِيِّ إذا شبوا ولم يألَفُوا حُضورَ هذه المناسبات أنْ يَزهَدُوا فيها كِبارًا، ولا يَرتاحوا إذا حضروها.

وقد كان سلَفُ هذه الأمَّة يُحضِرون أولادَهم الصِّغار مَجالِسَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليَستَفِيدوا وليتربَّوا على إلفِها؛ يقول عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - كُنَّا عندَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((أخبِرُوني بشجرةٍ تُشبِه - أو: كالرجل - المسلم، لا يَتَحاتُّ ورقُها))، قال ابن عمر: فوَقَع في نفسي أنها النَّخلة، ورأيتُ أبا بكرٍ وعمرَ لا يتكلَّمان فكرهت أنْ أتكلَّم، فلمَّا لم يقولوا شيئًا قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((هي النخلة))، فلمَّا قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقَع في نفسي أنها النَّخلة، فقال: ما منَعَك أنْ تكلَّم؟! قال: لم أرَكُم تكلَّمون فكَرِهتُ أنْ أتكلَّم أو أقول شيئًا، قال عمر: لأنْ تكون قلتَها أحبُّ إلَيَّ من كذا وكذا؛ رواه البخاري (4698) ومسلم (2811).
  
وابن عمر - رضي الله عنهما - كان من صِغار الصَّحابة، فحين قَدِم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينةَ كان عمره إحدى عشرة سنة تقريبًا، وكان يحضر مجالس الكِبار ويحضر مُناسَبات المسلمين في المدينة، فلمَّا كبر أصبَح علَمًا من أعلام المسلمين.

وبعضُ الآباء يتولَّى شِراء حَوائِج البيت، فهو الذي يتنقَّل بين المَتاجِر لشِراء الأطعِمة ونحوها للبيت، فيكبر الأولاد وهم لا يُحسِنون التَّعامُل في البَيْع والشِّراء، وربما يقَع الابن حينَما يتزوَّج في حرَجٍ عندما يُرِيد شِراء حوائج بيتِه؛ لأنَّه لَم يُدرَّب على ذلك، وحُجَّة الأبِ أنهم لا يُحسِنون الشِّراء، وربما غشَّهم بعضُ الباعة؛ فهم لا يُحسِنون المُماكَسة، ولا يعرفون قِيَم السِّلَع، وربما اشترَوْا سِلَعًا فاسِدةً، وهذا أمرٌ يقَع، لكنْ على  الأبِ تَدرِيبُهم أوَّلاً باصطِحابهم معه حين الشِّراء ومُشاوَرتهم، وإذا كان اختِيارُهم غير حسنٍ بيَّن لهم وجه الخطأ، ثم يستقلُّون بالشراء، وإذا حصَل منهم خطأٌ وهو - حاصِلٌ غالبًا - يقوم بتَوجِيههم لتَدارُك هذا الخطَأ مستقبلاً، فغالبًا الوُقوع في الخطأ سببٌ في اليقَظَة مُستَقبلاً، وكذلك يُشرِكهم الأبُ في بعضِ الأعمال؛ فمثلاً حينما يبدأ الأب في بناءِ بيتٍ فليَكُن للأولاد دورٌ في ذلك، بشِراء بعض موادِّ تناسب أعمارهم واذواقهم
يقول ربُّنا - تبارك وتعالى -: ﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ﴾ [النساء: 6]، فيَأمُر الله وليَّ اليتيم أنْ يُدرِّبه على البَيْع والشراء حينما يُقارِب البلوغَ، فإذا تبيَّن له حُسنُ التصرُّف في المال دفَع المال إليه 

على الأب أنْ يُربِّي أولاده على حُسن تَصرِيف شُؤونهم الخاصَّة منذ الصغر، يُدرِّبهم على حُسن التصرُّف في المال فيما يخصُّهم مِنْ مَصروف؛ فمثلاً يُعطِي الأبُ ابنَه مصروفَه الشهري، ويُخبِره أنَّ هذا المصروف للفترة من كذا إلى كذا، قد لا يُحسِن الابنُ التصرُّف أوَّل الأمر، فينفد المصروف قبلَ انتِهاء المدَّة أو يضيع منه، لكنْ من خِلال التجرِبَة سنجد بعد فترةٍ أنَّ هذا المصروف سيَكفِيه، بل ربما وفّر منه لشِراء حَوائِج أخرى له.

وإذا كان كبيرًا يجعَل له حسابًا في البنك، ويُعطِيه بطاقة صرَّاف ليأخذ مصروفه شيئًا فشيئًا، وهذا له أثرٌ كبيرٌ في شُعورِ الابن بأنَّه أصبَح رجلاً معتمدًا على نفسه، وأنَّه محلُّ ثقة أبيه، وكذلك شِراء حَوائِجه الخاصَّة؛ كالملابس يُدرَّب على شرائها ثم يتولَّى هو الشِّراء.
  
وعلى الأب أنْ يُشعِرَ ابنَه بنُبوغِه وحُسنِ تصرُّفه، فيُعامِله مُعامَلةَ الكِبار، فيشركه في المسائل الكِبار التي تتعلَّق بالبيت من زَواج أختٍ، أو شراءِ بيتٍ، أو بَيْعٍ أو عِلاجٍ، خطأِ أحدِ أفراد الأسرة، أو نحو ذلك من الشُّؤون الكِبار للأسرة أو للأب؛ تقديرًا لحسن تصرُّفه وتحمُّله للمسؤوليَّة؛ فعن ابن عباس - رضِي الله عنهما - قال: كان عمرُ يُدخِلني مع أشياخ بدرٍ، فكأنَّ بعضهم وجَد في نفسِه فقال: لِمَ تُدخِل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال عمر: إنَّه مَن قد علِمتُم، فدَعاه ذاتَ يوم فأدْخَلَه معهم، فما رُئِيتُ أنَّه دَعاني يَومئذٍ إلاَّ ليُرِيهم، قال: ما تقولون في قول الله - تعالى -: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]؟ فقال بعضهم: أُمِرنا أنْ نحمد الله ونستَغفِره إذا نصَرَنا وفتَح علينا، وسكَت بعضهم فلم يَقُل شيئًا، فقال لي: أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعلَمَه له، قال: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1] وذلك علامة أجلك ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]، فقال عمر: ما أعلَمُ منها إلاَّ ما تقول؛ رواه البخاري (49700).

على الأب أنْ يُحمِّل أولادَه مسؤوليَّة البيت شيئًا فشيئًا، يُشرِكهم في حَلِّ المشاكل إنْ وُجِدت، فيكون الابنُ مَسؤولاً عن أهلِه في الذهاب والإياب، وفي مُراجَعتهم المستشفى،  وفي اصطِحابهم إلى السوق، يُشرِكهم فيما يتعلَّق بشؤون أخَواتِهم، فيكون لهم دورٌ في قبول الخاطب وفي السؤال عنه، وهل هو مناسبٌ أو لا، فيَنشَأ الابن على تحمُّل المسؤوليَّة، ولدَيْه القدرة على مُخالَطة الرجال ومُناقَشتهم؛ عن أنس - رضِي الله عنه - قال: كنت ألعَبُ مع الغِلمان فأتانا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسلَّم علينا وأخَذ بيَدِي فبعثَنِي في حاجةٍ وقعَد في ظلِّ حائطٍ أو جدارٍ حتى رجَعتُ إليه فبلغت الرسالةَ التي بعثَنِي فيها، فلمَّا أتيتُ أمَّ سليمٍ قالت: ما حبَسَك؟ قلت: بعثَنِي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حاجةٍ له، قالت: وما هي؟ قلت: سرٌّ، قالت: احفَظْ على رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سرَّه، قال: فما حدَّثتُ به أحدًا بعدُ؛ رواه الإمام أحمد (11649)، ورواته ثقات.

وعلى الأب العملُ على رفْع معنويَّات أبنائه؛ يُشعِرهم بتقديره لهم، يَمدَحهم ويُثنِي على مَواطِن الخير فيهم، لا سيَّما عند غيرِهم وبحُضورِهم، وليس الأمر مُتعلِّقًا بالأب فقط، بل على أفراد المجتمع أنْ يُشعِروا أبناءَ المسلمين بقَدرِهم؛ يُقدِّرونهم ويحترمونهم، يَتعامَلون معهم كما يَتعامَلون مع الكبار، فهذا له دورٌ في شُعورِهم بقدرهم، فيترفَّعون عن بعض ما لا يرضَى من الأقوال والأفعال؛ عن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: كان غلامٌ يهوديٌّ يخدم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فمَرِض، فأتاه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَعُودُه، فقعَد عند رأسِه فقال له: ((أسلِمْ))، فنظَر إلى أبيه وهو عندَه فقال له: أطِعْ أبا القاسم - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأسلم، فخرَج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقَذَه من النار))؛ رواه البخاري (1356). 

في الخِتام تذكَّر - أخِي الأب - قولَ الشاعر:
وَيَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا ♦️♦️♦️ علَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

أخِي الأب، كأنِّي بك تجيل فكرَك وترجع بذاكرتك إلى الوَراء، إلى أيَّام طفولتك وشبابك، وتتذكَّر أنَّه لم يعمَل معك بعض ما ذُكِر ونَشَأت معتمدًا على نفسك، وهذا صحيحٌ، لكنْ لا تنسَ أنَّ ظروف الحياة التي كُنتَ تمرُّ بها تختَلِف عن ظروف الحياة التي يمرُّ بها أبناؤك.

أبنائي الشباب ممَّن يسمع كلامي، إيَّاكم أنْ تفهَمُوا أنِّي أقصد من كلامي أنْ يجلس الواحد منكم ولا يُبادِر بالعمل ومساعدة أهله إلاَّ إذا طلَبُوا منه ذلك، فمن العقوق أنْ تَرَى  أباك مشغولاً في شؤونه الخاصَّة أو في شؤون البيت وأنت في لهوٍ ولعبٍ، فبعضُ الآباء قد لا يحبُّ أنْ يُكلِّف أبناءَه شفَقَةً عليهم، فليُبادِر الابن، وليتحمَّل جزءًا من المسؤوليَّة.

واعلَمُوا أنْ ظروف الآباء مختلفةٌ، ونظرتهم فيما يُصلِح أبناءهم تختَلِف، فليس ما يفعَلُه عمك أو خالك أو أب جيرانِكم مثلاً مع أبنائهم يُمكِن أنْ يقوم به أبوك، فلا تُطالِبه بأمورٍ قد لا يستَطِيعها أو يستَطِيعها لكنْ تشق عليه، أو يرى أنَّ المصلحة بخلافها.

وهَبْ أنَّ أباك قصَّر في بعْضِ مسْؤوليَّاته تجاهك أو تجاه أمِّك، فليس هذا مُسوِّغًا أنْ تُقصِّر في حقِّه ولا تُعِينه فيما تَقدِر عليه، فعليه ما حمل وعليك ما حملت.

وليحذر الأب أن يكلّف ولده بما ينوءُ به ظهرهُ الصغير, أو بما لا يفهمه عقله الغرير .
يقول الإمام جمالُ الدّين القاسميّ : (( لا تأمرْ ولدكَ بشيء دون أن تذكر حكمة ما تطلبه منه )) (2) .

ولقد كان النبي  صلى الله عليه وسلم, يعامل الطفل باحترامٍ لذاته ولإرادته..فقد (( أُتي النبي يوماً بشراب, فشرب منه, وعن يمينه غلام , وعن يساره كبار الصحابة.
فقال للغلام: أتأذنُ لي أن أُعطيَ هؤلاء ؟
فقال الغلام: لا, والله يا رسول الله, لا أُؤثر بنصيبي منك أحداً!..
فتَلَّه النبي  صلى الله عليه وسلم في يَده ))(3)!.

فانظر إلى هذا الطفل المبارك الذي لم يؤثرْ بمكانه من رسول الله أحداً, كيف لم يؤثر أيضاً بنصيبه من بركة ثغر النّبوة أحداً ! وقد قَبل النبي رفضه, ولم يغالب إرادته, بل سُرَّ به .
وبهذا الجواب الكبير أثبت الطفل الصغير أنـه أهل لأن يجلسَ عن يمين الرسول  صلى الله عليه وسلم .

وهذا نموذجٌ لطفل التربية الإسلامية, الذي ينطوي على رجولة واعدة, على حين نرى أنّ الرجل الذي لم يُربّ في محضن الإسلام , كيف يتصرّف في المحن كالأطفال, وإن كان يفتقرُ إلى براءة الأطفال!!.

ومن أهم جوانب المسؤولية الواجب تربيتُها عند الطفل, مسؤوليتُه تجاه مجتمعه وأُمتّه, وتجاه الإنسانية كلها.

فعلى الأب أن يَغرسَ في ولده هذا الشعار : (( أنا لأُمتي, وأُمتّي لي )) وهذا الشعار : (( سعادتي في إسعاد الناس )).

يقول د. عبد الكريم بكار : (( إنّ الذين يستحقون الاحترام, هم أولئك الذين تجاوزوا عقبة نفسي نفسي إلى حمل هموم الآخرين )) (4) .

ومن أسفٍ أنّ المربّين لا يولون هذه الناحية الاهتمام الكافي.
فقد رُبِّينا على أنّ (( فرضَ العين )) هو أهمُّ من (( فرض الكفاية )) مع أنّ الأول يتعلق بالفرد, والثاني يتعلق بالأمّة !. وكلاهما يَحرُم التهاون به.

وربيّنا على الفردية والنفعية, وعلى النفور من العمل المؤسّسي, ناسين أن الفرقَ بين قوّةِ الحجر وقبضةِ الرّمل هو في علاقة الحبّ والتعاون بين ذرات الحجر .

يقول الدكتور أمين المصري : (( يشهدُ الطّفل ما تعانيه أمه لأن ولدَها لم ينجح في الامتحان, لكنّه لا يسمعُ في عمره كلمة حُزنٍ على هذه الأُمّة )) (5) .

فأين الأبُ الصالح الذي يربّي أبناءه على تحمُّل مسؤولية الخير, كما يتحمّل السّحاب مسؤولية المطر ؟!..

قصص تحمل المسئولية :
1- جاء أبو ذر الغفاري إلى رسول الله صلي الله عليه وسلم، ليطلب  من الرسول أن يساعده ليتولي ولي على إحدي الولايات، وكان أبو ذر الغفاري ينقصه بعض الشروط المطلوبة في تولي منصب الولاية، فرفض الرسول صلي الله عليه وسلم طلبه، ورد عليه الرسول “يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها” رواه مسلم.

2- كان الفاروق عمر بن الخطاب يتفقد أحوال الناس ليلا، فسمع  الفاروق صوت طفل صغير يبكي، فتوجه إلى الصوت، فوجد نار أمام خيمة، فقال يا أهل الضؤ وكره، فوجد امراة داخل الخيمة، فقال لها ارضعي طفلك، وانصرف الفاروق، واستمر بكاء الطفل، فعاد إليها عمر بن الخطاب مرة أخري وقال لها ما لي أراك أم سو لماذا لم ترضعيه، فردت عليه أضجرتنا يا هذا إني أربعة على الفطام، فأرسل الفاروق في الناس وقال لا تكرهوا أولادكم على الفطام فانا ننفق للفطيم وننفق للرضيع.

3- ذهبت عجوز تشكي لسليمان القانوني عن الخليفة العثماني، بأن أحد أفراد جنوده قد سرق ماشيتها عندما كانت نائمة، فرد عليها قائلاً: كان عليك أن تسهري على مواشيك ولا تنامي، ولكنها ردت عليها بكل ثبات: ظننتك ساهراً على رعايتنا يا مولاي فنمت مطمئنة البال.

4- عبد الله بن عمر رضي الله له كان يبلغ من العمر إحدى عشر عاماً، عندما جاء النبي المدينة وكان يحرص على حضور مجالس الكبار ويحضر كل مناسبات المسلمين في المدينة، وعندما كبر أصبح علم من أعلام الإسلام، وكان يشجعه والده وتأقلمه على تحمل المسئولية.

حتى أصبح عبد الله علماً من علماء الإسلام، حتى فكر بعض المسلمين عند طعن عمر أن يقوم ولده عبد الله بتولي الخلافة مكان أبوه.                       




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق