يحق لك أخى المسلم الإستفادة من محتوى المدونة فى الإستخدام الشخصى غير التجارى
الجمعة، 29 يناير 2016
..✍..شجاعة بلاحدود..✍..
إذ يتفاجأ المسلمين بٲن الفرس قد جلبوا
معهم أسدا مدربا على القتال !!!
و بدون سابق إنذار يركض الٲسد
نحو جيش المسلمين وهو يزأر ويكشر عن ٲنيابه
!!
فيخرج من جيش المسلمين رجل بقلب ٲسد !!!
ويركض الرجل المسلم الشجاع البطل نحو الٲسد
في مشهد رهيب لا يمكن تصوره !!!
كيف لرجل أن يركض نحو أسد ؟؟!!
و ٲعتقد ٲنها لم تحدث في التاريخ ٲن رجلا
يركض نحو ٲسد مفترس !!!
الجيشان ينظران ويتعجبان .. فكيف لرجل مهما
بلغت قوته ٲن يواجه ٲسدا !!!
انطلق بطلنا كالريح نحو الٲسد لا يهابه
!!! وبصدره عزة وإيمان وشجاعة المسلم الذي لايهاب شيئاً إلا الله بل كان يعتقد ٲن الٲسد هو الذي يجب أن يهابه
.... !!!
ثم قفز عليه كالليث على فريسته وطعنه عدة
طعنات حتى قتله !!
فتملَّك الرعب من قلوب الفرس كيف سيقاتلون
رجال لا تهاب الٲسود !!!؟؟؟
فدحرهم المسلمون عن بكرة ٲبيـــــهم
...
ثم ذهب سعد بن ٲبي وقَّاص رضي الله عنه إلى بطلنا وقبل رأسه تكريما له
!!!
فانكب بطلنا بتواضع الفرسان على قدم سعد رضي
الله عنه فقبلها وقال :
ما لمثلك ٲن يُقبِّل رأسي
!!!
ٲتدرون من هو الٲسد ؟ إنه
هاشم بن عتبه ابن ٲبي وقَّاص قاتل الٲسود.
هؤلاء من يجب تدريسهم لٲبنائنا لا هتلر ولا ميسي و لا كرستيانو و لا غيره
.....
هم يريدون منا ٲن ننسى ٲسودنا المسلمين....
ولكن لن ننساهم ... بل سنعيد مجدهم بإذن
الله.
فقه الأسماء الحسنى
فقه الأسماء الحسنى 1
الفقه بأسماء الله الحسنى باب شريف من العلم
بل هو الفقه الأكبر وهو أشرف ما صرفت فيه الأنفاس
وكما أن لكل بناء أساس فإن أساس الدين الإيمان بالله
سبحانه وبأسمائه وصفاته فالعارف همته تصحيح الأساس وإحكامه
والجاهل يرفع في البناء عن غير أساس فلا يلبث بنيانه
أن يسقط
وهذا الأساس أمران
:
صحة المعرفة بالله وأمره وأسمائه وصفاته
والثاني: تجريد الانقياد له ولرسوله دون
ما سواه
فقه الأسماء الحسنى 2
عجيب حال كثير من الناس يقول ابن القيم
( كيف ينقضي الزمان وينفد العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة بل عاش عيش البهائم وانتقل منها إنتقال
المفاليس ..... )
لماذا ؟
لأن معرفة الله وتوحيده ، والأنس به والشوق
إلى لقائه هو اللذة التامة ،
بل هو طيب العيش والنعيم ،فمن حرص أن يكون
همه واحدا وهو الله ، وطريقه واحدا وهو بلوغ رضا ربه نال غاية المنى وحاز مجامع السعادة
انتهى
فقه أسماء الله الحسنى 3
هل أسماء الله الحسنى محصورة بعدد ؟
أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك"، إلى أن قال: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو عملته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"، وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة"، فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة فقوله: "من أحصاها" تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: "عندي مئة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله" فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المئة، بل هذه المئة معدة لهذا الشيء.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدها وسردها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أ.هـ.
انتهى
فقه أسماء الله الحسنى4
لا شك أن أسماءه سبحانه تتفاضل لتفاضل ما تحمله معانيها
فهل اسم الله "الرحمن" كـ"الرحيم"
وهل اسمه:الله..كبقية الأسماء..
ومما يدل عليه "لقد دعا الله باسمه الأعظم .."الحديث
ولا أظن في الأمر خلافا إذ هو أظهر من تفاضل آيات القرآن -على القول به-
يوجد أسماء خاصة بالله لا يجوز أن يتسمى بها غيره
أورد ابن القيم منها:
الله، والرحمن، والحكم، والأحد، والصمد ، والخالق ، والرزاق، والجبار، والمتكبر، والأول والآخر، والباطن، وعلام الغيوب. تحفة المودود ص 98 .
اعتبار ابن القيم أن (الله - الرب - الرحمن) هي مرجع الأسماء الحسنى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة: اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن فاشتملت على التعريف بالمعبود – تبارك وتعالى – بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى، والصفات العليا إليها ، ومدارها عليها وهي: الله، والرب، والرحمن وبنيت السورة على الإلهيه، والربوبية، والرحمة، فـ
{ إياك نعبد } مبني على الإلهية، و{ إياك نستعين } على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته انتهى
فقه أسماء الله الحسنى5
اقتران أسماء الله الحسنى بعضها ببعض
مثال: السميع البصير -- الرؤف الرحيم - العلي العظيم - الفتاح العليم .....
والأمثلة كثيرة جدا
ولا شك أن هذا الاقتران فيه من الحكم العظيمة والفوائد الجليلة ما يدل على كمال الرب سبحانه وتعالى مع حسن الثناء وكمال التمجيد
إذ كل اسم من أسمائه متضمن صفة كمال لله تعالى فإذا اقترن باسم آخر كان له سبحانه ثناء من كل اسم منهما باعتبار انفراده وثناء من اجتماعهما، وذلك قدر زائد
على مفرديهما انتهى
فقه أسماء الله الحسنى6
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى1
الوكيل: الحفيظ المحيط، وقيل: الشهيد.
وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد القائم عليهم بمصالحهم ، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، فالخلق والأمر كله له لا يملك أحد من دونه شيئاً، وقيل: الحافظ، الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق.
وقيل: الكفيل ونعم الكفيل بأرزاقنا.
وقيل: الكافي ونعم الكافي.
وقوله تعالى: ( وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) آل عمران/173 . أي كفانا الله، ونعم المولى وليه وكفله ، والوكيل في كلام العرب هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، ولما كان المؤمنون المذكورون في هذه الآية قد فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه، وصف نفسه بقيامه بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال: ونعم الوكيل تعالى لهم.
إذن متى نحتاج اسم (الوكـيـــل)؟
بعدد أنفاسنا نوكله يدبر شؤوننا، طول الوقت تتقلب في التدبير: تُدبّر نَفسك، تُدبّر أولادك، تُدبّر أكلك، تُدبّر ضيوفك، تُدبّر بيتك، وكلما كثرت حاجتك للتَّدبير كلما كثرت حاجتك لاستعمال اسم الوكيل.
لما تتخذ الله وكيلا، وتوكّله على أَمرِك فتقول: (يا رب دَبِّرني فأنا عاجز لا أستطيع أن أدبر شأن نفسي) انظر ماصفات مَن وكّلته: على كل شيء قدير، بكل شيء عليم، حكيم، رحيم، فلمَّا يدبّرك سيدبّرك بهذه الصفات، فلمَّا تتخذه وكيلًا على الحقيقة وتكون قوة تَعلّقك به صادقة، لا يمكن أن يَخذِلك! لكــن لابد أن تتصور أن المسألة تحتاج إلى توحيد.
ما المقصود بالتوحيد في التوكيل؟
أي أنك ما تتخذ غيره وكيلا.
والله -عز وجل- يختبرك، وقت ما يتعلق قلبك به توكُّلًا عليه، يأتيك مِن الناس مَن يقول لك: (تعال، أنا أفعل لك، أنا عندي واسطة، أنا أفعل كذا وكذا أو أنا عندي كذا وكذا). ستقول لي أن هذه من الأسباب.
نقول: اعلم أن هذه يُمكن أن تكون اختبارًا وليست أسبابا، فمن أجل أن تعرف عليك أن تُفرِّق، يجب عليك قبل أن تقفز إلى الأسباب أن تتعلق بهِ -سبحانه وتعالى-، استعِن به، واستهديه (هل آخذ هذا السبب يا رب أم لا آخذه؟) استخِر. المهم أن تعلم بأنك لمَّا توحّده بكونه وكيلًا لك، تأتيك البلاءات، والصعوبة كلها في أن تجعلهُ وَحدَهُ وَكيلك
والصعوبة كلها في أن تجعلهُ وَحدَهُ وَكيلك لأنك في مواقف تَجد نَفسَك عاجزًا. في المقابل تأتي مواقف تجِد فيها قوة في نَفِسك، فتخيل لمَّا تكون نفسك فيها قوة لأن تُدَبّر نفسك، فتقول مثلا: (أنا مُعتاد على فعل هذا الأمر، أنا طول عمري أقوم به، هذه ليست المرة الأولى التي أفعل فيها هذا الفعل) أي أنّ نفسك ستكون حاجزًا بينك وبينَ أن تُوكِّل الله، لأننا اتفقنا سابقًا أن خبرتك هي نقطة بلاءك، بمعنى أنه كلَّما ازددت خبرة في أمر، كلما زادت ثقتك في نفسك وشعرت أنك في غنى عن الاستعانة بالله. وهذا ما هو إلا خُذلان!!
فكلما ازددت خبرة قَلَّت استعانتك بالله -عز وجل- ثقةً بنفسك، مع أنك في أذكار الصباح والمساء تقول: (لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)، أي أنك تقول: يا رب لا تجعلني أدبر نفسي ولا بمقدار طَرفة عين، يعني ولا حتى في أقل الأمور، وفي أول الدعاء تقول: (أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ)،دبّرني واجعله صالحًا لي.
ثم لو تأمّلت في قولك (أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ) وفهمت ما معنى الصّلاح وما معنى أن تكون صالحًا، فهمت حينها أن (أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ) ليس معناها أنه يجب أن يوافق هواك، لا، إنما تعني: يا رب دبّرني في شأني بما يزيدني صلاحًا أن أُجاورك في جنّتك، لأن معنى عبارة (هذا عبدٌ صالح) أنه عبدٌ صالح لمجاورة الله في الجنّة، فالعباد يصلحون للمجاورة بعد أن يصلحهم الله، فأنت تقول:(أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ)يعني أجري عليَّ في شؤوني وتدبيري ما يجعلني صالحًا لمجاورتك. ثمًّ تقوم بِدَفعِ عَدوَّك الأكبر الذي لو تُرِكتَ له لفسدت، بقولك: (لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)، وفي رواية لأحمد،
فقه أسماء الله الحسنى7
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى2
النسيان أمر طبعي وعادي، ومن أجل ذلك قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[8] فمثل هذه المفاهيم لن تستملك قلبك مِن أول ما تسمعها، إنما لما تسمعها أول مرة تكون كأنها خاطر، ثم مع تكرارها تَتشبّع بها، ثم مع تكرارها والصَّدق في إرادة التمسك بها يسددك الله -عز وجل- في المواقف، فالتسديد ما يأتي إلا مِن عند الله -عز وجل-، لكن مِثل هذا لا يَنفع فيه إلا الإعادة والزيادة حتى يتشبّع قلبك، وكلما زِدْت كلما زادت عدد المواقف التي تُوَفَّق فيها، لكن ليس من مرة واحدة، ففي خلال اليوم كلما زِدْتَ سَماعًا عن وصف الله وزدْتَ لجوءًا له، قلّت عَدد السّاعات التي ينفصل فيها قلبك عن اللجوء لله، فنحن تأتينا ساعات ولحظات ودقائق تنفصل فيها قلوبنا عن التعلق بالله، فكلما ازددت ذكرًا وكلما تذكرت بالعلم، وكلما فهمت عن صفاته -سبحانه وتعالى-، قلّت هذه الساعات التي ينفصل عقلك فيها عن ذكر الله -عز وجل-.
ماذا تفعل إذا مَكّنك الله وأصبحت عندك خبرة؟
ذَكِّر نفسك أنك لم تكن تعْلم وأنّ الله علَّمك. لابد أن تُذكِّر نفسك بأصلك، ولو لم تفعل هذا ستدفع الثَّمن قريبًا!
1 مثلا: امرأة متمكِّنة في الطبخ، فإذا قيل لها:(افعلي لي كذا و كذا) ترد فتــقول:(هذا أمر سهل، فقط أعطِني ربع ساعة). فماذا يفعل الله بها؟ في الغالب أن الله يَخذلها، تأديبًا، لأنها نَكَبَت نَفسها بأنها شعرت بقوة قدرتها. في المقابل قد تتكلم أمام الناس فتقول:(هذا الشيء سهل عليَّ مثل شربة الماء) ويتركك الله -عز وجل- ويعاملك بحِلْمِهِ
لكـــن كلما ازددت عبادةً وطاعةً كلما تأدّبتَ بسرعة قبلما تفلت، وكلما أتى هذا بسرعة دلَّ على أنك مِن الله قريب. فإذا تمكنت مِن الشيء، دائمًا ذَكِّر نفسك بأن الله علّمك، ثم اعلم أن هذا الذي تمكّنت منه قد تأتيه عوائق لا تستطيع أن تُصلحها.
2 فمثلا صداع قليل يأتيك في رأسك فما تستطيع أن تنظر إلى الجهاز، أو تعمل على الانترنت، وقد كنت واثقًا أنك سترسل أغراضك، ثم في لحظة واحدة ينقطع الانترنت، وأحيانًا قد تقول: (انقطع الانترنت مِن عندي، سأذهب إلى الجيران) وفي الواقع أن الكيبل الذي في البحر الأحمر انقطع، وهذا الكيبل لمَّا انقطع مرتان وراء بعضهما البعض في سنتين، أتت صدمة للناس الذين كانت قلوبهم مُعلقة بالانترنت، لأن هناك أناس كثيرون سافروا وقد اعتمدوا على أنّ فلان سيرسل لهم كذا وفلان سيعطيهم كذا، وفجأة قيل لهم أنه لابد مِن الانتظار على الأقل ثلاث أو أربع أيام إلى أن يَصلح! فأنت خرجت مطمئنًا أنك أنت مدبّر لكل شؤونك، وأنك الآن ستفتح بريدك وتجد كذا وكذا، وفي النهاية لا بريد تم فتحه ولا أي شيء مِن هذا تحقّق، فالمفترض أن تتأدب مِن هذا الموقف وتفهم أنك لا تستطيع أن تُدبِّر شأنك، لا تستطيع أن تدبّر أمورك، إنما اجعل نفسك قويًا في توكّلك على الله.
3 وفي أحيان كثيرة نأتي نتوضأ ونتذكر أشياء كثيرة، فنقول لأنفسنا (انتبه لا تنس هذا الأمر) وبعد ذلك ونحن نصلّي نتذكره، وبعدما نُسلِّم من الصلاة نتذكره، أيضا ونحن نلبس ملابسنا نقول أننا لو نسينا هذا الشيء سنرجع له ولو كنا في آخر الدنيا، ثم في الأخير نركب سيارتنا ونحن قد نسيناه! هذا تأديب عام.
4 وكم مِن المرات أخذنا أشياء نريد أن نأخذها معنا ووضعناها عند باب البيت حتى لا ننساها، وبعد ذلك نخرج وننساها، ونحن أصلًا خارجون مِن بيوتنا لأجلها، ثم نخرج ونركب سياراتنا ونحن لم نأخذها! مِن أجل أن تعرف أنت مَن! فلو اتخذته وكيلا كان ذكّرك بها في الوَقت المناسب وكان شعرت بمنّته فتشعر بضعفك. ولا تقل: (أنا ذاكرتي ضعيفة) فذاكرتك في قلبك، وقلبك هذا بقدر امتلائه بكمال الله، وبقدر امتلائه بالتعلق بالله، بقدر ما يذكّرك الله ما ينفعك، وعندما لا يذكّرك تفهم لماذا لم يذكّرك، لسببٍ أو لآخر.
يتبع بإذن الله...
فقه أسماء الله الحسنى8
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى3
لاترهق نفسك بأن تتصور أنك تدبّر شؤونك كلها، وأنك يجب أن تبقى ذاكرًا للأشياء وما تُخطئ، وتَحْمِل بكفّيك الاثنين مسئولياتك ومسئوليات أولادك، فأنت الآن لو حملت كأسَي ماء مع بعضهما البعض، وأردت أن تحْمِل شيئا مِن الأرض، ستحتاج لقوة إتقان حتى لا تسكب الماء وأنت تأخذ الورقة مِن الأرض، وتدبيرك لشئونك بنفس هذه الطريقة، أي أنني مِن أجل أن لا أسكب الماء وأأخذ الذي في الأرض في نفس الوقت أحتاج إلى تركيز، وبعد ذلك في النهاية ومع قوة التركيز لابد أن يُسكب مِن الماء قليلًا، فهذا هو تدبيرك لنفسك: مهما بذلت جهودك، ومهما كان معك مِن أوراق وأقلام وتخطط وتخطط، في النهاية لا يحصل إلا الذي يريده الله.
هل معنى هذا الكلام أن لا نُخطط؟! لا تفهم خطأ، بل أول ما يشتعل في قلبك إرادة شيء استعن بالله.
لمَّا تقول: (جاءتني فكرة: ما رأيكم أن نفعل كذا وكذا) سنناقش عبارة (جاءتني فكرة) ونقوم بإعرابها:
جاء (فعل) الياء (ضمير مفعول به – أنا) فكرة (فاعل)
مِن أين أتت هذه الفكرة؟ وكيف ستكون هذه الفكرة فاعل؟ ومن أين ستأتي الأفكار إلا أنها مواهب يهبها الله! فمَن قَدَحَ في ذِهنَك أصلا هذا المَخرَج أو هذه الفكرة؟ ما قَدحها إلا الله، فأول ما تشتعل في نَفسك الحاجة، أول ما تَعِزم، تَعَلَّق به مباشرة فهو الوكيل، فيُسدِّدك، فتجد حينها نفسك لا تَكتُب إلا ما يَنفعك، ولا تُخطط إلا ما يُناسِبَك. أنت الآن في عُنق الزُّجاجة، فمن أجل أن يتوسع عنق الزجاجة استعن فيُفَرِّج عليك، إلى أن تصل إلى القرار السليم.
هناك ثلاث اختبارات في حياة العَبد مُتكررة:
1.{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ} الاختبار الأول أن تعْلم أنه هو الذي مسَّكَ بالضر، فهل أنت راضِ عنه أم لست براضٍ؟ يعني الاختبار الأول في الرِّضا: هل ترضى عنه أم لا ترضى بعدما مسَّك بالضر؟ سواء وقت وقوع الضُّر أو بعده، فليس فقط الرضا في وقت وقوع الضر ومِن ثم انتهى! وقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما صحّ في البخاري: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى)[9] فهنا سيتبيّن رضاك، والذي يصبر عند الصدمة الأولى هذا أعلى شيء، والذي يتصبّر ولكن ليس عند الصدمة الأولى -يعني بعدها بقليل- أفضل من الذي لا يتصبّر نهائيًا، والذي يتصبّر في اليوم الثاني أفضل مِن الذي لا يتصبر أصلًا، والذي يتصبّر في اليوم الثالث أفضل مِن الذي يتصبّر في اليوم الخامس، لكن الصبر الحقيقي هو: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى).
الضُّر هذا أي شيء، بتفاصيل الحياة، ومما لا يُعقل أن البعض إذا كان يمشي فاصطدم في الباب قام يَسُب الباب، والآن لمَّا يَصُعب عليهم شيء يقومون بلعنه! هلاّ قلت (بسم الله)! استحضر الاستعانة يفتحها الله لك، لكن كل شيء أصبح عندنا بالمقلوب.
2. {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هو} الاختبار الثاني: ستطلب الكشف مِمّن؟ {فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هو} وهذا يُناسب اسم الوكيل. وقد تقول: (كيف يكشفه الله)؟ نقول: نعم، الله -عز وجل- يُعامِلك بلطفه، وألطافه لها صورتان:
الصورة الأولى صورة لطف محض لا علاقة لك به، فأنت توكلهُ وهو يأتيك بالخير مِن حيث لا تحتسب، وأنت لم تحرّك ساكنا، طُرِقَ بابك فأتاك الخير، هذا نوع مِن اللطف.
الصورة الثانية مِن اللطف وكشف الضُّر هو التَّسخير، يعني يُسخّر في عقلك فكرة، يُسخّر لك شخص، يأتي في بالك مثلًا جِهة معينة تذهب لها، هذا هو التَّسخير. ما معنى التسخير؟ أن يُسخّر الله -عز وجل- لعباده فكر أو أشخاص أو ملاجئ حوله تكون سَببًا في جَرَيان الرِّزق منها، أي أن عقلك يكون غافلًا تمامًا عن هؤلاء ثم يُلقيه الله -عز وجل- في قلبك إلقاءً.
3. الاختبار الثالث في سورة الزمر{فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}كقولك: (جاءتني فكرة) أو تقول: (أنا لدي ميزة خطيرة، لو يأتيني ضِيق يُلقى في ذهني المخرج مباشرة).. مثلما قال قارون. فإذا أصاب شخص الضر، ودعا الله، إلى هنا قد مشى في الاختبارين الأوليين بطريقة صحيحة، {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً} إذا آتيناه بفكرة أو سخّرنا له أحدًا يُساعده، مــاذا يفعل؟ يقول: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}يعني أنا، فمثلا يقول: (أنا أصلًا دائما في المواقف قوي ثابت، عندي حكمة) إلى آخر هذه الوصوفات التي يصف الإنسان بها نفسه.
لكن انظر ماذا قال الله -عز وجل-: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} اختبار، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} هذه هي القضية أن أكثرهم لا يعلمون، فهذا ثالث اختبار: يعني مسَّك الله بضر، عَلِمْت أنه منه، ورضيت عنه، ودعوته، إلى هنا أنت تمشي على الطريق الصحيح، لكن لمَّا أتتك النِّعمة اغتررت.
نحن ندخل في هذا الاختبار بِعدد أنفاسنا، فمثلا يدخل أولادنا الاختبارات وندعو الله أن ينجحهم، وكل أحد يتصل علينا نقول له: (ادع لنا أن ينجح أبناؤنا) فلمَّا ينجحون نقول: (أصلًا أنا كنت أذاكر لهم، أصلًا أنا كنت أسهر عليهم) كل هذا يقال عنه: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
لمَّا تقرؤون كتاب الله انظروا لهذه الصفات بقدر ما تستطيعون: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}، {لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} فالآيات لمَّا تُختم بمثل هذا ابحث عن الوصف، يعني ابحث مَن هذا الذي قال الله -عز وجل- عنه: {َلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}. انتبه، فهذا معناه أنه يجب أن تكون ضِد هذا الوصف مِن أجل أن تكون ممن يعْلم. مثل ما ذَكرنا سابقًا في مسألة الأمثال وأنه {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} فلمَّا تأتيك الأمثال في القرآن وتجد نفسك لا تَعقِلها، معنى ذلك أنك جاهل، وهذا هو الجهل الحقيقي، لأنك في قبرك ستُسأل: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟
انتهى
فقه أسماء الله الحسنى9
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى4
اسم الوكيل
متى تتخذ الله وكيلا؟
《في كل وقت، بعدد تدبيرك لشؤونك 》
قد تقول لي: (أفي كل وقت؟! هذا أمر صعب!)
نقول: ابدأ مع نفسك ببرنامج، ابدأ بالشيء الذي تراه مُهمّا، بالشيء الجَوهَري في حياتك، مثلًا: صلاح أبنائك، صلاح زوجك، أو صلاح نفسك. نفسك هذه اشتكيها إلى الله، واتخذه على نفسك وكيلًا، واطلب منه أن يُهيّئ لَك الظروف، ويسدّدك، ويكون سمعك الذي تسمع به، وبصرك الذي تُبصر به، لأنك الآن تبحث عن الحكمة في التصرفات، فنحن نكبر ونرى أن كثيرًا مِن قراراتنا السابقة كانت عبارة عن طَيش، فلمَّا تبدأ تدخل في مرحلة النُّضج، وترى أن كثيرًا مِن قراراتك السابقة كانت طَيش، مِن أين لك الحكمة إذا كنت ستبقى في نفس الطريقة ونفس التفكير؟ لاتتصور أن السِّن سيزيدك شيئا، لا، السن في العادة لَمَّا يَزيد مِن غير دين يَزيد معه الحقد ويزيد معه الطَّيش، وتزيد القسوة!
مثلا قد حدثت لك مواقف مع الناس، فهذا طعنك في ظَهرك، وهذا فَعَل كذا، وهذا فَعَل كذا، وهذهِ كُلها تَجارب ماضية، والآن بعد أربعين سنة بعد كل التجارب الماضية التي عِشتَها، لما تتعامل مع أحد يكون في قلبك كَمية مِن الأحقاد على مَن مَضى، فَتُعامِل هذا الذي أمامك بكمية الأحقاد الماضية، لمـــاذا؟ لأنك تنظر إليه وتقول:(عسى ألاّ تكون مثل فلان الذي فعل بي كذا، أو ربما تكون مثل ذاك، أو تصرفاتك مثل تصرفات كذا) فتأتي بسلسلة من التاريخ الماضي.
مِن أجل ذلك لما يأتي التوحيد يعْلَم العبد أن يُعامِل الله، وأنّك إذا وكّلته -عز وجل- على أمرك ما أتاك إلا كل خير، فيأتي مِن هذا الشخص الذي أمامك بالخير ويَصْرِف عنك شرّه.
فقه أسماء الله الحسنى10
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى5
هناك أشخاص تعيش معهم فلا تفهم مِن أين تأتي بهم، تأتي بهم مِن اليمين فلا تخرج معهم بنتيجة، وتأتي بهم مِن اليسار فلا تخرج منهم بشيء أيضًا،
فالمفترض أن مِثل هؤلاء يَزيدونك تَعلّقًا بالله
ومِن أجل ذلك لمَّا يأتي التوحيد وتأتي الخبرة، تقول: (أنا جرّبت نفسي وتعاملت بعقلي ففشلت، ليس لي إلا الفتاح أن يفتح لي قلبك)
ومن أجل هذا نقول:🏻 انتبه،
🏻لاتزدد خبرة وأنت بعيدٌ عن التوحيد،
🏻 لا تزدد خبرة وأنت ما تتصور أن الله -عز وجل- هو سبحانه وتعالى الذي يُلقي في قَلوب العِباد تعاملاتهم وحسن التصرف والحكمة.
فلا تتصور أنك حكيم بنفسك، ولا يأتي أحد يتصور أنه سيكسب أبناءه بِفكره وعقله
ولا سيكسب زوجه بشطارته أو بجمالهِ أو تصرفاته، لا،
التَّسديد مِن عند الله، فاتخذه وكيلا، هو نِعْمَ الوكيل
يعني لو وَكّلتَهُ على نفسك يُسَدّدك أن تتصرف كما يُحب ويرضى، أما التي تشعر أنها مَلَكَتْ زوجها ومَلَكَتْ قلبه بِشطارِتها ستأتيها قاصمة ف ي نهاية الأمر، لكن كونك تعرف أنه ليس منك، وتدعو أن يا رب سخره لي وأصلح قلبه، هذه من النِّعم: أنّ الله -عز وجل- يُبَيِّن للعبد في ثنايا حياته أن هناك ثغرة، وأنك ناقص ولست بكامل، فلا أحد يتصور أن هذا الشخص سيبقى طول عمره صالحًا ولن يفسد، وأنه لو صلح فسيصلح بجماله أو بأسلوبي أو بكلامي أو بلباقتي
أنت في الماضي خُذِلْت لأنك على نفسك اعتمدت، وبقراراتك وثقت، وأنك صاحب خبرة وتفهم، أو أنك لست بجديد على هذا البرنامج، أو أنك لست جديدًا في معاملة الناس، فكلما ازددت ثقةً كلما أتاك الأمر مِن جهة لا تنتظرها أبدا، مع أنّ الله -عز وجل- لا يتركك هكذا إلا ويعطيك إشارات، لكن الشخص لمَّا يثق في نفسه يصبح أَعمى عن هذه الإشارات، ونحن اتفقنا أنّ طريق الهدى يُعرض على كل أحد، لكـــن هناك مَن استعان واستهدى فأرشده الله، وهناك مَن اعتمد على نفــسه ووثق بها فخذله الله.
ونحن لمَّا نُطلِق ألسنتنا على أولاد الناس أن آباءهم ما عرفوا كيف يربّونهم، وننتقد، هذا مثل ماحدث مع الإمام مالك، الإمام مالك كان شيخ الدنيا في زمنه، فكان له ولد ليس على سلوك تام ومستقيم، فكانوا دائما ينتقدون الإمام مالك، فكان يقول: (أنّ المُرَبي الله) يعني أن الله هو الذي يربّي عباده، فأنت تعجز، ليس لك حول ولا قوة.
ونحن الأمهات نعلم يقينًا أن المُرَبي الله، لأننا نَعجَز معهم، نأتي بهم مِن اليمين فلا يَستجيبون، نأتي بهم من اليسار ولا يَستجيبون، نفعل لهم كذا فيأتون بعكسهِ، وأنتم ترون ما ترون، فهذا كله يجب أن يزيدنا تعلقًا بالله، ومن أجل ذلك أتدري لماذا ((الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ))[10]؟ لأنك ترتفع عند الله بقدر ما عندك مِن تعلّق بالله، والمفترض أننا لمَّا يأتونا أولادنا يزيدنا هذا لله ذلًا وانكسارا، فأبناؤنا هؤلاء من أسباب زيادة ذُلَنا واستعمالنا لاسمه الوَكيل، بأن نتخذه عليهم وكيلًا ليسددهم ويسددنا في التصرف معهم.
لابد أن يكون في داخلك مُعْتَقَد، أن كل الأدعية هذه مثل السيف، والسيف بضاربهِ، أي أنّ السيف يقطع ولاتوجد فيه أيّ مشكلة، لكــن ماذا تحتاج أنت؟ تحتاج يَدًا قوية تَضرب بالسَّيف. الأدعية كلها مِثل السيف، والسيف متى ينفع؟ بقلب، فعلى حسب قوة اعتقادك ينفعك الدعاء.
من أجل ذلك يأتي الناس في أحيان كثيرة إلى أدعية معينة ويذكرونها في مواطن، وقد تكون المواطن صحيحة وقد لا تكون صحيحة، نترك الآن صحتها أو عدم صحتها، ننظر له وهو يدعو بالدعاء ويكون في موطن صحيح ثم بعد ذلك لا يخرج بنتيجة، مِثل أناس كثيرين يقرؤون آية الكرسي عند النوم، وقد أتى الوعد أنه لا يَقرَبك شيطان، لكنهم ينامون ويحلمون أحلام مزعجة، فمــــاذا نقول لهم؟ نقول بأن آية الكرسي مثل السَّيف، والسَّيف بقوة ضاربهِ، فماذا يجب أن تفعل في قلبك؟
أولًا تعتقد بكل الموجود في آية الكرسي، ثم تَتلوها بِلسَانك، ومِثله لمَّا تأتي تَخاف من أحد لاتتخيل أن حروف هذا الدعاء هي التي سَتنفَعك، حروف هذا الدعاء عبارة عن تَرجمة لاعتقاد قامَ في قلبك، وعلى ذلـــك كل الأدعية استعمِلوها بهذه الصورة، فلمَّا تأتيك وعود عظيمة على أدعية لا تستغربِ، لأن هذه الوعود العظيمة مَبنية على فَهمك لهذا الدُّعاء، مِثل سَيد الاستغفار، فقد أتاك وَعد أنك إذا قلت سيد الاستغفار في الصباح ومِتَّ، تدخل الجنًّة، ما بينك وبين الجنَّة إلا الموت، ولو قلته في المساء أيضًا ما بينك وبين الجنًّة إلا الموت، وهذا الدُّعاء كُله على بعضهِ مجرد سطرين، ويأخذ من الوقت بالكثير دقيقتين، فلمــاذا هذا الوعد العظيم على هذا النص؟ لأنك لو فهمت تفاصيلهُ، لو وَقَعَ في قلبك قوة الذُّل، وقوة البَراءة، وقوة الخوف من ذنبك، كل هذا مُؤهِلٌ لك أن يُغفَر لك، فَتُقبِل على الله مغفورًا لك.
نشّط اعتقادك، يعني اقرأ معاني هذا
النص مرة أخرى، واقرأ ما يدل عليه، نشِّط اعتقادك مثلًا في اسمه الغفور، فلمَّا تُنشّط اعتقادك في اسمه الغفور ويأتيك سيد الاستغفار سَيَنْشَط.
فقه أسماء الله الحسنى 11
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى6
متى تتعامل مع اسم الله (الوكيل)؟
1 نبدأ بآية آل عمران : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[11] في هذه القصة قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن قريش اجتمعت لك، فماذا كان موقفه؟ هم الآن يُخيفون النَّاس، ولمَّا يُخيفك أَحد مِن النَّاس مـــاذا تقول؟ (حسبنا الله ونعمَ الوكيل).
إذن متى تستعمل اسم الوكيل؟
إذا خَشيتَ مِن ضررٍ يقع عليك مِن أحد، خصوصًا لو كان هذا الضَّرر جاء بصورة التَّخويف، أي أنّ أحدًا جاء يُخَوّفِك مِن هذا الضرر، يقول لك مثلًا: (عامِل فلان جيدًا وإلا ففلان هذا وراءه شر).
2 {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا}[13]
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي أنّ هؤلاء المنافقون يقولون طاعة، سمعًا وطاعة سنفعل، {فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ} يعني إذا خرجوا من عندك{بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ}.
{وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} هذا على وجه التهديد.
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} اتركهم لاتحمل هَمَّهُم، وهذه مشكلة النفاق، أنهم يكونون في صفوفك، في داخل بيتك، في داخل مجتمعك، في داخل طلابك لو كنت معلم، في داخل مدرستك لو كنت مدير، في داخل حلقتك لِمَن له حلقات وله اجتماعات، المهم أنه في مجتمعك الصغير يكون في داخله شخص منافق يبيت لك ما لايرضى الله من القول، لكن مَن هو؟ وما حالهُ؟ وماذا يبيّت؟ وكيف يريد أن يَصِل؟
كل هذه هموم ستجعلك لا تنام الليل، وهي ليست مثل الحالة الأولى، الحالة الأولى على الأقل واضح فيها عَدوّك، لكن الحالة الثانية أشد صعوبة لأنها من الدَّاخل وخَفِيّة، وكل شخص يقول لك رأيًا في هذا الذي تَشُكّ فيه، وكل شخص يوجّهك فيه توجيهًا، فلا تعرف في النهاية ماذا تفعل، وماذا يريدون أن يفعلوا وماذا يدبّرون وماذا يخطّطون ...إلخ.
مَكائد، وهذه تكون بين النساء خصوصا، تحصل في مسائل تتصل بالتعدد، وليس شرطًا بالتعدد، يمكن أن تحدث أيضًا لمَّا يكون نساء الإخوان مع بعضهم البعض، فهؤلاء لوحدهم عندهم مؤامرات وقصص وحكاوي، فتجد أنهم يجلسون في المجلس ما شاء الله لايوجد أحسن منهم، وتقول لكِ: (تعالي أذهب بك إلى كذا) وتكون كأنها صاحبتك، وبعد ذلك تنقلب، فهذا يقول لك رأي، وهذا يقول لك رأي، وآخر يقول لك: (أنا زعلانة منها، طوال المجلس أشعر أنها منافقة، تقول لك كلام ومن ورائي تقول كلامًا آخرا) فهل تصدّقين هذه التي قالت لك هذا الكلام؟ أم تصدّقي هذه التي ظاهر معاملتها لك بالطيّب؟
الحل في ثلاث :
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}واعتقد يقينا أنه {وَكَفَى بِاللَّهِِ وَكِيلًا}.
مشكلتنا نحن في الجُملة الأخيرة {وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا} لسنا مُتَيقّنين بها. فأولًا أعرض عنهم، يعني لا تدخل في الخوض في الكلام معهم، اتركهم، عامِلهم لا مشكلة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عامَل المنافقين، لكن مِن الدَّاخِل اعرض عن كُل كَلامهم، لا هذا الذي يقول لك هذا الكلام، ولا ذاك الذي يقول لك ذاك الكلام، لأنك لو شَغَلْتَ نفسك بهم لا تستطيع أن تعبد ولا تدعي ولا تصلّي ولا تعرف طريقك المستقيم، وهذا من أصعب البلاء: أن يأتيك البلاء مِن شخص مَدفون لا تَعرِف مَن هو، أو قد تعرفه لكنه ليس ظاهرًا وليس باطنًا، وتصبح بين أن تظلم نفسك وبين أن تظلم الآخرين. كل هذا كأنه دَوّامة، فلا تشغل نفسك بهذا كلهُ لأنك ما خُلِقت لأجل هذا، إنما أتاك هذا امتحانًا لك، فلو آمنت أن هذا امتحان افعل ثلاثة أفعال، فِعلَان بقلبك، وفِعل بِبَدَنك:
اعرض عنهم ولا تدخل في نقاشات، واملأ قلبك توكلًا عليه، ثم مــاذا سيفعل بك؟ سَيَرُد عنك، سَيشغِلهم بِأنَفسهم، وسَيجعَل تَدبيرَهم تَدميرًا لهم، وسَيُنجيك وإن فعلوا ما فعلوا، وسَيُخرجكَ مِنها كُلها. هذا التوكل، وبعد ذلك لمَّا يتحرّك في قلبك شيء، سَكِّنْ نَفسَك أنه يكفيك، أنك وكّلت الله، وكفى بالله وكيلا، هو سيأخذ لك بحقك، وسَيَرُد عنك.
ولاحظوا ما جاء الحل أنك فقط تتوكل على الله وكفى بالله وكيلا، أيضًا جاء في الحل أنك تُعرض عنهم وما تُدخِل نفسك في نقاشات وفي كَلام كثير، فهذا الكلام الكثير هو الذي يُدخل أطراف ليس لها علاقة بالموضوع، وكل المشكلة في أننا نتوازن بين مفاهيم كثيرة، هنا الصعوبة، يعني مثلًا: نتوازن بين توكُّلي على الله واكتفائي به وكيلا -هذا بالنسبة لي يعتبر غاية في الطمأنينة- وبين أني أنا ضعيف أصلًا ليس لدي القدرة والنَّفس أن أُنافح ولا أُدافع،
وبين أن النَّاس يتهمونك بالضعف، وأحيانًا أنت تكون مِن الداخل أصلًا لايوجد فيك حيل أن تناقش ولا تتكلم، فهذه الصعوبات التي تجدها في الدنيا، ولابد أنك تجد حولك مَن يؤذيك، فتُؤمَر بِمِثل هذا الأمر {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا }.
فقه أسماء الله الحسنى 12
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى7
هل أسماء الله الحسنى محصورة بعدد ؟
أسماء الله ليست محصورة بعدد معين، والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك"، إلى أن قال: "أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو عملته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك"، وما استأثر الله به في علم الغيب لا يمكن أن يعلم به، وما ليس معلوماً ليس محصوراً.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة"، فليس معناه أنه ليس له إلا هذه الأسماء، لكن معناه أن من أحصى من أسمائه هذه التسعة والتسعين فإنه يدخل الجنة فقوله: "من أحصاها" تكميل للجملة الأولى وليست استئنافية منفصلة، ونظير هذا قول العرب: "عندي مئة فرس أعددتها للجهاد في سبيل الله" فليس معناه أنه ليس عنده إلا هذه المئة، بل هذه المئة معدة لهذا الشيء.
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله اتفاق أهل المعرفة في الحديث على أن عدها وسردها لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أ.هـ.
انتهى
لا شك أن أسماءه سبحانه تتفاضل لتفاضل ما تحمله معانيها
فهل اسم الله "الرحمن" كـ"الرحيم"
وهل اسمه:الله..كبقية الأسماء..
ومما يدل عليه "لقد دعا الله باسمه الأعظم .."الحديث
ولا أظن في الأمر خلافا إذ هو أظهر من تفاضل آيات القرآن -على القول به-
يوجد أسماء خاصة بالله لا يجوز أن يتسمى بها غيره
أورد ابن القيم منها:
الله، والرحمن، والحكم، والأحد، والصمد ، والخالق ، والرزاق، والجبار، والمتكبر، والأول والآخر، والباطن، وعلام الغيوب. تحفة المودود ص 98 .
اعتبار ابن القيم أن (الله - الرب - الرحمن) هي مرجع الأسماء الحسنى
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تفسير سورة الفاتحة: اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن فاشتملت على التعريف بالمعبود – تبارك وتعالى – بثلاثة أسماء مرجع الأسماء الحسنى، والصفات العليا إليها ، ومدارها عليها وهي: الله، والرب، والرحمن وبنيت السورة على الإلهيه، والربوبية، والرحمة، فـ
{ إياك نعبد } مبني على الإلهية، و{ إياك نستعين } على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة. والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته انتهى
اقتران أسماء الله الحسنى بعضها ببعض
مثال: السميع البصير -- الرؤف الرحيم - العلي العظيم - الفتاح العليم .....
والأمثلة كثيرة جدا
ولا شك أن هذا الاقتران فيه من الحكم العظيمة والفوائد الجليلة ما يدل على كمال الرب سبحانه وتعالى مع حسن الثناء وكمال التمجيد
إذ كل اسم من أسمائه متضمن صفة كمال لله تعالى فإذا اقترن باسم آخر كان له سبحانه ثناء من كل اسم منهما باعتبار انفراده وثناء من اجتماعهما، وذلك قدر زائد
على مفرديهما انتهى
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى1
الوكيل: الحفيظ المحيط، وقيل: الشهيد.
وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد القائم عليهم بمصالحهم ، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه، فالخلق والأمر كله له لا يملك أحد من دونه شيئاً، وقيل: الحافظ، الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق.
وقيل: الكفيل ونعم الكفيل بأرزاقنا.
وقيل: الكافي ونعم الكافي.
وقوله تعالى: ( وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) آل عمران/173 . أي كفانا الله، ونعم المولى وليه وكفله ، والوكيل في كلام العرب هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، ولما كان المؤمنون المذكورون في هذه الآية قد فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه، وصف نفسه بقيامه بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال: ونعم الوكيل تعالى لهم.
إذن متى نحتاج اسم (الوكـيـــل)؟
بعدد أنفاسنا نوكله يدبر شؤوننا، طول الوقت تتقلب في التدبير: تُدبّر نَفسك، تُدبّر أولادك، تُدبّر أكلك، تُدبّر ضيوفك، تُدبّر بيتك، وكلما كثرت حاجتك للتَّدبير كلما كثرت حاجتك لاستعمال اسم الوكيل.
لما تتخذ الله وكيلا، وتوكّله على أَمرِك فتقول: (يا رب دَبِّرني فأنا عاجز لا أستطيع أن أدبر شأن نفسي) انظر ماصفات مَن وكّلته: على كل شيء قدير، بكل شيء عليم، حكيم، رحيم، فلمَّا يدبّرك سيدبّرك بهذه الصفات، فلمَّا تتخذه وكيلًا على الحقيقة وتكون قوة تَعلّقك به صادقة، لا يمكن أن يَخذِلك! لكــن لابد أن تتصور أن المسألة تحتاج إلى توحيد.
ما المقصود بالتوحيد في التوكيل؟
أي أنك ما تتخذ غيره وكيلا.
والله -عز وجل- يختبرك، وقت ما يتعلق قلبك به توكُّلًا عليه، يأتيك مِن الناس مَن يقول لك: (تعال، أنا أفعل لك، أنا عندي واسطة، أنا أفعل كذا وكذا أو أنا عندي كذا وكذا). ستقول لي أن هذه من الأسباب.
نقول: اعلم أن هذه يُمكن أن تكون اختبارًا وليست أسبابا، فمن أجل أن تعرف عليك أن تُفرِّق، يجب عليك قبل أن تقفز إلى الأسباب أن تتعلق بهِ -سبحانه وتعالى-، استعِن به، واستهديه (هل آخذ هذا السبب يا رب أم لا آخذه؟) استخِر. المهم أن تعلم بأنك لمَّا توحّده بكونه وكيلًا لك، تأتيك البلاءات، والصعوبة كلها في أن تجعلهُ وَحدَهُ وَكيلك
والصعوبة كلها في أن تجعلهُ وَحدَهُ وَكيلك لأنك في مواقف تَجد نَفسَك عاجزًا. في المقابل تأتي مواقف تجِد فيها قوة في نَفِسك، فتخيل لمَّا تكون نفسك فيها قوة لأن تُدَبّر نفسك، فتقول مثلا: (أنا مُعتاد على فعل هذا الأمر، أنا طول عمري أقوم به، هذه ليست المرة الأولى التي أفعل فيها هذا الفعل) أي أنّ نفسك ستكون حاجزًا بينك وبينَ أن تُوكِّل الله، لأننا اتفقنا سابقًا أن خبرتك هي نقطة بلاءك، بمعنى أنه كلَّما ازددت خبرة في أمر، كلما زادت ثقتك في نفسك وشعرت أنك في غنى عن الاستعانة بالله. وهذا ما هو إلا خُذلان!!
فكلما ازددت خبرة قَلَّت استعانتك بالله -عز وجل- ثقةً بنفسك، مع أنك في أذكار الصباح والمساء تقول: (لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)، أي أنك تقول: يا رب لا تجعلني أدبر نفسي ولا بمقدار طَرفة عين، يعني ولا حتى في أقل الأمور، وفي أول الدعاء تقول: (أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ)،دبّرني واجعله صالحًا لي.
ثم لو تأمّلت في قولك (أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ) وفهمت ما معنى الصّلاح وما معنى أن تكون صالحًا، فهمت حينها أن (أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ) ليس معناها أنه يجب أن يوافق هواك، لا، إنما تعني: يا رب دبّرني في شأني بما يزيدني صلاحًا أن أُجاورك في جنّتك، لأن معنى عبارة (هذا عبدٌ صالح) أنه عبدٌ صالح لمجاورة الله في الجنّة، فالعباد يصلحون للمجاورة بعد أن يصلحهم الله، فأنت تقول:(أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ)يعني أجري عليَّ في شؤوني وتدبيري ما يجعلني صالحًا لمجاورتك. ثمًّ تقوم بِدَفعِ عَدوَّك الأكبر الذي لو تُرِكتَ له لفسدت، بقولك: (لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ)، وفي رواية لأحمد،
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى2
النسيان أمر طبعي وعادي، ومن أجل ذلك قال الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[8] فمثل هذه المفاهيم لن تستملك قلبك مِن أول ما تسمعها، إنما لما تسمعها أول مرة تكون كأنها خاطر، ثم مع تكرارها تَتشبّع بها، ثم مع تكرارها والصَّدق في إرادة التمسك بها يسددك الله -عز وجل- في المواقف، فالتسديد ما يأتي إلا مِن عند الله -عز وجل-، لكن مِثل هذا لا يَنفع فيه إلا الإعادة والزيادة حتى يتشبّع قلبك، وكلما زِدْت كلما زادت عدد المواقف التي تُوَفَّق فيها، لكن ليس من مرة واحدة، ففي خلال اليوم كلما زِدْتَ سَماعًا عن وصف الله وزدْتَ لجوءًا له، قلّت عَدد السّاعات التي ينفصل فيها قلبك عن اللجوء لله، فنحن تأتينا ساعات ولحظات ودقائق تنفصل فيها قلوبنا عن التعلق بالله، فكلما ازددت ذكرًا وكلما تذكرت بالعلم، وكلما فهمت عن صفاته -سبحانه وتعالى-، قلّت هذه الساعات التي ينفصل عقلك فيها عن ذكر الله -عز وجل-.
ماذا تفعل إذا مَكّنك الله وأصبحت عندك خبرة؟
ذَكِّر نفسك أنك لم تكن تعْلم وأنّ الله علَّمك. لابد أن تُذكِّر نفسك بأصلك، ولو لم تفعل هذا ستدفع الثَّمن قريبًا!
1 مثلا: امرأة متمكِّنة في الطبخ، فإذا قيل لها:(افعلي لي كذا و كذا) ترد فتــقول:(هذا أمر سهل، فقط أعطِني ربع ساعة). فماذا يفعل الله بها؟ في الغالب أن الله يَخذلها، تأديبًا، لأنها نَكَبَت نَفسها بأنها شعرت بقوة قدرتها. في المقابل قد تتكلم أمام الناس فتقول:(هذا الشيء سهل عليَّ مثل شربة الماء) ويتركك الله -عز وجل- ويعاملك بحِلْمِهِ
لكـــن كلما ازددت عبادةً وطاعةً كلما تأدّبتَ بسرعة قبلما تفلت، وكلما أتى هذا بسرعة دلَّ على أنك مِن الله قريب. فإذا تمكنت مِن الشيء، دائمًا ذَكِّر نفسك بأن الله علّمك، ثم اعلم أن هذا الذي تمكّنت منه قد تأتيه عوائق لا تستطيع أن تُصلحها.
2 فمثلا صداع قليل يأتيك في رأسك فما تستطيع أن تنظر إلى الجهاز، أو تعمل على الانترنت، وقد كنت واثقًا أنك سترسل أغراضك، ثم في لحظة واحدة ينقطع الانترنت، وأحيانًا قد تقول: (انقطع الانترنت مِن عندي، سأذهب إلى الجيران) وفي الواقع أن الكيبل الذي في البحر الأحمر انقطع، وهذا الكيبل لمَّا انقطع مرتان وراء بعضهما البعض في سنتين، أتت صدمة للناس الذين كانت قلوبهم مُعلقة بالانترنت، لأن هناك أناس كثيرون سافروا وقد اعتمدوا على أنّ فلان سيرسل لهم كذا وفلان سيعطيهم كذا، وفجأة قيل لهم أنه لابد مِن الانتظار على الأقل ثلاث أو أربع أيام إلى أن يَصلح! فأنت خرجت مطمئنًا أنك أنت مدبّر لكل شؤونك، وأنك الآن ستفتح بريدك وتجد كذا وكذا، وفي النهاية لا بريد تم فتحه ولا أي شيء مِن هذا تحقّق، فالمفترض أن تتأدب مِن هذا الموقف وتفهم أنك لا تستطيع أن تُدبِّر شأنك، لا تستطيع أن تدبّر أمورك، إنما اجعل نفسك قويًا في توكّلك على الله.
3 وفي أحيان كثيرة نأتي نتوضأ ونتذكر أشياء كثيرة، فنقول لأنفسنا (انتبه لا تنس هذا الأمر) وبعد ذلك ونحن نصلّي نتذكره، وبعدما نُسلِّم من الصلاة نتذكره، أيضا ونحن نلبس ملابسنا نقول أننا لو نسينا هذا الشيء سنرجع له ولو كنا في آخر الدنيا، ثم في الأخير نركب سيارتنا ونحن قد نسيناه! هذا تأديب عام.
4 وكم مِن المرات أخذنا أشياء نريد أن نأخذها معنا ووضعناها عند باب البيت حتى لا ننساها، وبعد ذلك نخرج وننساها، ونحن أصلًا خارجون مِن بيوتنا لأجلها، ثم نخرج ونركب سياراتنا ونحن لم نأخذها! مِن أجل أن تعرف أنت مَن! فلو اتخذته وكيلا كان ذكّرك بها في الوَقت المناسب وكان شعرت بمنّته فتشعر بضعفك. ولا تقل: (أنا ذاكرتي ضعيفة) فذاكرتك في قلبك، وقلبك هذا بقدر امتلائه بكمال الله، وبقدر امتلائه بالتعلق بالله، بقدر ما يذكّرك الله ما ينفعك، وعندما لا يذكّرك تفهم لماذا لم يذكّرك، لسببٍ أو لآخر.
يتبع بإذن الله...
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى3
لاترهق نفسك بأن تتصور أنك تدبّر شؤونك كلها، وأنك يجب أن تبقى ذاكرًا للأشياء وما تُخطئ، وتَحْمِل بكفّيك الاثنين مسئولياتك ومسئوليات أولادك، فأنت الآن لو حملت كأسَي ماء مع بعضهما البعض، وأردت أن تحْمِل شيئا مِن الأرض، ستحتاج لقوة إتقان حتى لا تسكب الماء وأنت تأخذ الورقة مِن الأرض، وتدبيرك لشئونك بنفس هذه الطريقة، أي أنني مِن أجل أن لا أسكب الماء وأأخذ الذي في الأرض في نفس الوقت أحتاج إلى تركيز، وبعد ذلك في النهاية ومع قوة التركيز لابد أن يُسكب مِن الماء قليلًا، فهذا هو تدبيرك لنفسك: مهما بذلت جهودك، ومهما كان معك مِن أوراق وأقلام وتخطط وتخطط، في النهاية لا يحصل إلا الذي يريده الله.
هل معنى هذا الكلام أن لا نُخطط؟! لا تفهم خطأ، بل أول ما يشتعل في قلبك إرادة شيء استعن بالله.
لمَّا تقول: (جاءتني فكرة: ما رأيكم أن نفعل كذا وكذا) سنناقش عبارة (جاءتني فكرة) ونقوم بإعرابها:
جاء (فعل) الياء (ضمير مفعول به – أنا) فكرة (فاعل)
مِن أين أتت هذه الفكرة؟ وكيف ستكون هذه الفكرة فاعل؟ ومن أين ستأتي الأفكار إلا أنها مواهب يهبها الله! فمَن قَدَحَ في ذِهنَك أصلا هذا المَخرَج أو هذه الفكرة؟ ما قَدحها إلا الله، فأول ما تشتعل في نَفسك الحاجة، أول ما تَعِزم، تَعَلَّق به مباشرة فهو الوكيل، فيُسدِّدك، فتجد حينها نفسك لا تَكتُب إلا ما يَنفعك، ولا تُخطط إلا ما يُناسِبَك. أنت الآن في عُنق الزُّجاجة، فمن أجل أن يتوسع عنق الزجاجة استعن فيُفَرِّج عليك، إلى أن تصل إلى القرار السليم.
هناك ثلاث اختبارات في حياة العَبد مُتكررة:
1.{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ} الاختبار الأول أن تعْلم أنه هو الذي مسَّكَ بالضر، فهل أنت راضِ عنه أم لست براضٍ؟ يعني الاختبار الأول في الرِّضا: هل ترضى عنه أم لا ترضى بعدما مسَّك بالضر؟ سواء وقت وقوع الضُّر أو بعده، فليس فقط الرضا في وقت وقوع الضر ومِن ثم انتهى! وقد قال الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما صحّ في البخاري: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى)[9] فهنا سيتبيّن رضاك، والذي يصبر عند الصدمة الأولى هذا أعلى شيء، والذي يتصبّر ولكن ليس عند الصدمة الأولى -يعني بعدها بقليل- أفضل من الذي لا يتصبّر نهائيًا، والذي يتصبّر في اليوم الثاني أفضل مِن الذي لا يتصبر أصلًا، والذي يتصبّر في اليوم الثالث أفضل مِن الذي يتصبّر في اليوم الخامس، لكن الصبر الحقيقي هو: (إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى).
الضُّر هذا أي شيء، بتفاصيل الحياة، ومما لا يُعقل أن البعض إذا كان يمشي فاصطدم في الباب قام يَسُب الباب، والآن لمَّا يَصُعب عليهم شيء يقومون بلعنه! هلاّ قلت (بسم الله)! استحضر الاستعانة يفتحها الله لك، لكن كل شيء أصبح عندنا بالمقلوب.
2. {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هو} الاختبار الثاني: ستطلب الكشف مِمّن؟ {فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هو} وهذا يُناسب اسم الوكيل. وقد تقول: (كيف يكشفه الله)؟ نقول: نعم، الله -عز وجل- يُعامِلك بلطفه، وألطافه لها صورتان:
الصورة الأولى صورة لطف محض لا علاقة لك به، فأنت توكلهُ وهو يأتيك بالخير مِن حيث لا تحتسب، وأنت لم تحرّك ساكنا، طُرِقَ بابك فأتاك الخير، هذا نوع مِن اللطف.
الصورة الثانية مِن اللطف وكشف الضُّر هو التَّسخير، يعني يُسخّر في عقلك فكرة، يُسخّر لك شخص، يأتي في بالك مثلًا جِهة معينة تذهب لها، هذا هو التَّسخير. ما معنى التسخير؟ أن يُسخّر الله -عز وجل- لعباده فكر أو أشخاص أو ملاجئ حوله تكون سَببًا في جَرَيان الرِّزق منها، أي أن عقلك يكون غافلًا تمامًا عن هؤلاء ثم يُلقيه الله -عز وجل- في قلبك إلقاءً.
3. الاختبار الثالث في سورة الزمر{فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}كقولك: (جاءتني فكرة) أو تقول: (أنا لدي ميزة خطيرة، لو يأتيني ضِيق يُلقى في ذهني المخرج مباشرة).. مثلما قال قارون. فإذا أصاب شخص الضر، ودعا الله، إلى هنا قد مشى في الاختبارين الأوليين بطريقة صحيحة، {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً} إذا آتيناه بفكرة أو سخّرنا له أحدًا يُساعده، مــاذا يفعل؟ يقول: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}يعني أنا، فمثلا يقول: (أنا أصلًا دائما في المواقف قوي ثابت، عندي حكمة) إلى آخر هذه الوصوفات التي يصف الإنسان بها نفسه.
لكن انظر ماذا قال الله -عز وجل-: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} اختبار، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} هذه هي القضية أن أكثرهم لا يعلمون، فهذا ثالث اختبار: يعني مسَّك الله بضر، عَلِمْت أنه منه، ورضيت عنه، ودعوته، إلى هنا أنت تمشي على الطريق الصحيح، لكن لمَّا أتتك النِّعمة اغتررت.
نحن ندخل في هذا الاختبار بِعدد أنفاسنا، فمثلا يدخل أولادنا الاختبارات وندعو الله أن ينجحهم، وكل أحد يتصل علينا نقول له: (ادع لنا أن ينجح أبناؤنا) فلمَّا ينجحون نقول: (أصلًا أنا كنت أذاكر لهم، أصلًا أنا كنت أسهر عليهم) كل هذا يقال عنه: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}.
لمَّا تقرؤون كتاب الله انظروا لهذه الصفات بقدر ما تستطيعون: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ}، {لَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}، {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} فالآيات لمَّا تُختم بمثل هذا ابحث عن الوصف، يعني ابحث مَن هذا الذي قال الله -عز وجل- عنه: {َلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}. انتبه، فهذا معناه أنه يجب أن تكون ضِد هذا الوصف مِن أجل أن تكون ممن يعْلم. مثل ما ذَكرنا سابقًا في مسألة الأمثال وأنه {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} فلمَّا تأتيك الأمثال في القرآن وتجد نفسك لا تَعقِلها، معنى ذلك أنك جاهل، وهذا هو الجهل الحقيقي، لأنك في قبرك ستُسأل: مَن ربك؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟
انتهى
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى4
اسم الوكيل
متى تتخذ الله وكيلا؟
《في كل وقت، بعدد تدبيرك لشؤونك 》
قد تقول لي: (أفي كل وقت؟! هذا أمر صعب!)
نقول: ابدأ مع نفسك ببرنامج، ابدأ بالشيء الذي تراه مُهمّا، بالشيء الجَوهَري في حياتك، مثلًا: صلاح أبنائك، صلاح زوجك، أو صلاح نفسك. نفسك هذه اشتكيها إلى الله، واتخذه على نفسك وكيلًا، واطلب منه أن يُهيّئ لَك الظروف، ويسدّدك، ويكون سمعك الذي تسمع به، وبصرك الذي تُبصر به، لأنك الآن تبحث عن الحكمة في التصرفات، فنحن نكبر ونرى أن كثيرًا مِن قراراتنا السابقة كانت عبارة عن طَيش، فلمَّا تبدأ تدخل في مرحلة النُّضج، وترى أن كثيرًا مِن قراراتك السابقة كانت طَيش، مِن أين لك الحكمة إذا كنت ستبقى في نفس الطريقة ونفس التفكير؟ لاتتصور أن السِّن سيزيدك شيئا، لا، السن في العادة لَمَّا يَزيد مِن غير دين يَزيد معه الحقد ويزيد معه الطَّيش، وتزيد القسوة!
مثلا قد حدثت لك مواقف مع الناس، فهذا طعنك في ظَهرك، وهذا فَعَل كذا، وهذا فَعَل كذا، وهذهِ كُلها تَجارب ماضية، والآن بعد أربعين سنة بعد كل التجارب الماضية التي عِشتَها، لما تتعامل مع أحد يكون في قلبك كَمية مِن الأحقاد على مَن مَضى، فَتُعامِل هذا الذي أمامك بكمية الأحقاد الماضية، لمـــاذا؟ لأنك تنظر إليه وتقول:(عسى ألاّ تكون مثل فلان الذي فعل بي كذا، أو ربما تكون مثل ذاك، أو تصرفاتك مثل تصرفات كذا) فتأتي بسلسلة من التاريخ الماضي.
مِن أجل ذلك لما يأتي التوحيد يعْلَم العبد أن يُعامِل الله، وأنّك إذا وكّلته -عز وجل- على أمرك ما أتاك إلا كل خير، فيأتي مِن هذا الشخص الذي أمامك بالخير ويَصْرِف عنك شرّه.
فقه أسماء الله الحسنى10
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى5
هناك أشخاص تعيش معهم فلا تفهم مِن أين تأتي بهم، تأتي بهم مِن اليمين فلا تخرج معهم بنتيجة، وتأتي بهم مِن اليسار فلا تخرج منهم بشيء أيضًا،
فالمفترض أن مِثل هؤلاء يَزيدونك تَعلّقًا بالله
ومِن أجل ذلك لمَّا يأتي التوحيد وتأتي الخبرة، تقول: (أنا جرّبت نفسي وتعاملت بعقلي ففشلت، ليس لي إلا الفتاح أن يفتح لي قلبك)
ومن أجل هذا نقول:🏻 انتبه،
🏻لاتزدد خبرة وأنت بعيدٌ عن التوحيد،
🏻 لا تزدد خبرة وأنت ما تتصور أن الله -عز وجل- هو سبحانه وتعالى الذي يُلقي في قَلوب العِباد تعاملاتهم وحسن التصرف والحكمة.
فلا تتصور أنك حكيم بنفسك، ولا يأتي أحد يتصور أنه سيكسب أبناءه بِفكره وعقله
ولا سيكسب زوجه بشطارته أو بجمالهِ أو تصرفاته، لا،
التَّسديد مِن عند الله، فاتخذه وكيلا، هو نِعْمَ الوكيل
يعني لو وَكّلتَهُ على نفسك يُسَدّدك أن تتصرف كما يُحب ويرضى، أما التي تشعر أنها مَلَكَتْ زوجها ومَلَكَتْ قلبه بِشطارِتها ستأتيها قاصمة ف ي نهاية الأمر، لكن كونك تعرف أنه ليس منك، وتدعو أن يا رب سخره لي وأصلح قلبه، هذه من النِّعم: أنّ الله -عز وجل- يُبَيِّن للعبد في ثنايا حياته أن هناك ثغرة، وأنك ناقص ولست بكامل، فلا أحد يتصور أن هذا الشخص سيبقى طول عمره صالحًا ولن يفسد، وأنه لو صلح فسيصلح بجماله أو بأسلوبي أو بكلامي أو بلباقتي
أنت في الماضي خُذِلْت لأنك على نفسك اعتمدت، وبقراراتك وثقت، وأنك صاحب خبرة وتفهم، أو أنك لست بجديد على هذا البرنامج، أو أنك لست جديدًا في معاملة الناس، فكلما ازددت ثقةً كلما أتاك الأمر مِن جهة لا تنتظرها أبدا، مع أنّ الله -عز وجل- لا يتركك هكذا إلا ويعطيك إشارات، لكن الشخص لمَّا يثق في نفسه يصبح أَعمى عن هذه الإشارات، ونحن اتفقنا أنّ طريق الهدى يُعرض على كل أحد، لكـــن هناك مَن استعان واستهدى فأرشده الله، وهناك مَن اعتمد على نفــسه ووثق بها فخذله الله.
ونحن لمَّا نُطلِق ألسنتنا على أولاد الناس أن آباءهم ما عرفوا كيف يربّونهم، وننتقد، هذا مثل ماحدث مع الإمام مالك، الإمام مالك كان شيخ الدنيا في زمنه، فكان له ولد ليس على سلوك تام ومستقيم، فكانوا دائما ينتقدون الإمام مالك، فكان يقول: (أنّ المُرَبي الله) يعني أن الله هو الذي يربّي عباده، فأنت تعجز، ليس لك حول ولا قوة.
ونحن الأمهات نعلم يقينًا أن المُرَبي الله، لأننا نَعجَز معهم، نأتي بهم مِن اليمين فلا يَستجيبون، نأتي بهم من اليسار ولا يَستجيبون، نفعل لهم كذا فيأتون بعكسهِ، وأنتم ترون ما ترون، فهذا كله يجب أن يزيدنا تعلقًا بالله، ومن أجل ذلك أتدري لماذا ((الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ))[10]؟ لأنك ترتفع عند الله بقدر ما عندك مِن تعلّق بالله، والمفترض أننا لمَّا يأتونا أولادنا يزيدنا هذا لله ذلًا وانكسارا، فأبناؤنا هؤلاء من أسباب زيادة ذُلَنا واستعمالنا لاسمه الوَكيل، بأن نتخذه عليهم وكيلًا ليسددهم ويسددنا في التصرف معهم.
لابد أن يكون في داخلك مُعْتَقَد، أن كل الأدعية هذه مثل السيف، والسيف بضاربهِ، أي أنّ السيف يقطع ولاتوجد فيه أيّ مشكلة، لكــن ماذا تحتاج أنت؟ تحتاج يَدًا قوية تَضرب بالسَّيف. الأدعية كلها مِثل السيف، والسيف متى ينفع؟ بقلب، فعلى حسب قوة اعتقادك ينفعك الدعاء.
من أجل ذلك يأتي الناس في أحيان كثيرة إلى أدعية معينة ويذكرونها في مواطن، وقد تكون المواطن صحيحة وقد لا تكون صحيحة، نترك الآن صحتها أو عدم صحتها، ننظر له وهو يدعو بالدعاء ويكون في موطن صحيح ثم بعد ذلك لا يخرج بنتيجة، مِثل أناس كثيرين يقرؤون آية الكرسي عند النوم، وقد أتى الوعد أنه لا يَقرَبك شيطان، لكنهم ينامون ويحلمون أحلام مزعجة، فمــــاذا نقول لهم؟ نقول بأن آية الكرسي مثل السَّيف، والسَّيف بقوة ضاربهِ، فماذا يجب أن تفعل في قلبك؟
أولًا تعتقد بكل الموجود في آية الكرسي، ثم تَتلوها بِلسَانك، ومِثله لمَّا تأتي تَخاف من أحد لاتتخيل أن حروف هذا الدعاء هي التي سَتنفَعك، حروف هذا الدعاء عبارة عن تَرجمة لاعتقاد قامَ في قلبك، وعلى ذلـــك كل الأدعية استعمِلوها بهذه الصورة، فلمَّا تأتيك وعود عظيمة على أدعية لا تستغربِ، لأن هذه الوعود العظيمة مَبنية على فَهمك لهذا الدُّعاء، مِثل سَيد الاستغفار، فقد أتاك وَعد أنك إذا قلت سيد الاستغفار في الصباح ومِتَّ، تدخل الجنًّة، ما بينك وبين الجنَّة إلا الموت، ولو قلته في المساء أيضًا ما بينك وبين الجنًّة إلا الموت، وهذا الدُّعاء كُله على بعضهِ مجرد سطرين، ويأخذ من الوقت بالكثير دقيقتين، فلمــاذا هذا الوعد العظيم على هذا النص؟ لأنك لو فهمت تفاصيلهُ، لو وَقَعَ في قلبك قوة الذُّل، وقوة البَراءة، وقوة الخوف من ذنبك، كل هذا مُؤهِلٌ لك أن يُغفَر لك، فَتُقبِل على الله مغفورًا لك.
نشّط اعتقادك، يعني اقرأ معاني هذا
النص مرة أخرى، واقرأ ما يدل عليه، نشِّط اعتقادك مثلًا في اسمه الغفور، فلمَّا تُنشّط اعتقادك في اسمه الغفور ويأتيك سيد الاستغفار سَيَنْشَط.
فقه أسماء الله الحسنى 11
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى6
متى تتعامل مع اسم الله (الوكيل)؟
1 نبدأ بآية آل عمران : {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[11] في هذه القصة قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم- أن قريش اجتمعت لك، فماذا كان موقفه؟ هم الآن يُخيفون النَّاس، ولمَّا يُخيفك أَحد مِن النَّاس مـــاذا تقول؟ (حسبنا الله ونعمَ الوكيل).
إذن متى تستعمل اسم الوكيل؟
إذا خَشيتَ مِن ضررٍ يقع عليك مِن أحد، خصوصًا لو كان هذا الضَّرر جاء بصورة التَّخويف، أي أنّ أحدًا جاء يُخَوّفِك مِن هذا الضرر، يقول لك مثلًا: (عامِل فلان جيدًا وإلا ففلان هذا وراءه شر).
2 {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا}[13]
{وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ} أي أنّ هؤلاء المنافقون يقولون طاعة، سمعًا وطاعة سنفعل، {فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ} يعني إذا خرجوا من عندك{بَيَّتَ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ}.
{وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ} هذا على وجه التهديد.
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} اتركهم لاتحمل هَمَّهُم، وهذه مشكلة النفاق، أنهم يكونون في صفوفك، في داخل بيتك، في داخل مجتمعك، في داخل طلابك لو كنت معلم، في داخل مدرستك لو كنت مدير، في داخل حلقتك لِمَن له حلقات وله اجتماعات، المهم أنه في مجتمعك الصغير يكون في داخله شخص منافق يبيت لك ما لايرضى الله من القول، لكن مَن هو؟ وما حالهُ؟ وماذا يبيّت؟ وكيف يريد أن يَصِل؟
كل هذه هموم ستجعلك لا تنام الليل، وهي ليست مثل الحالة الأولى، الحالة الأولى على الأقل واضح فيها عَدوّك، لكن الحالة الثانية أشد صعوبة لأنها من الدَّاخل وخَفِيّة، وكل شخص يقول لك رأيًا في هذا الذي تَشُكّ فيه، وكل شخص يوجّهك فيه توجيهًا، فلا تعرف في النهاية ماذا تفعل، وماذا يريدون أن يفعلوا وماذا يدبّرون وماذا يخطّطون ...إلخ.
مَكائد، وهذه تكون بين النساء خصوصا، تحصل في مسائل تتصل بالتعدد، وليس شرطًا بالتعدد، يمكن أن تحدث أيضًا لمَّا يكون نساء الإخوان مع بعضهم البعض، فهؤلاء لوحدهم عندهم مؤامرات وقصص وحكاوي، فتجد أنهم يجلسون في المجلس ما شاء الله لايوجد أحسن منهم، وتقول لكِ: (تعالي أذهب بك إلى كذا) وتكون كأنها صاحبتك، وبعد ذلك تنقلب، فهذا يقول لك رأي، وهذا يقول لك رأي، وآخر يقول لك: (أنا زعلانة منها، طوال المجلس أشعر أنها منافقة، تقول لك كلام ومن ورائي تقول كلامًا آخرا) فهل تصدّقين هذه التي قالت لك هذا الكلام؟ أم تصدّقي هذه التي ظاهر معاملتها لك بالطيّب؟
الحل في ثلاث :
{فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ}.
{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}واعتقد يقينا أنه {وَكَفَى بِاللَّهِِ وَكِيلًا}.
مشكلتنا نحن في الجُملة الأخيرة {وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا} لسنا مُتَيقّنين بها. فأولًا أعرض عنهم، يعني لا تدخل في الخوض في الكلام معهم، اتركهم، عامِلهم لا مشكلة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عامَل المنافقين، لكن مِن الدَّاخِل اعرض عن كُل كَلامهم، لا هذا الذي يقول لك هذا الكلام، ولا ذاك الذي يقول لك ذاك الكلام، لأنك لو شَغَلْتَ نفسك بهم لا تستطيع أن تعبد ولا تدعي ولا تصلّي ولا تعرف طريقك المستقيم، وهذا من أصعب البلاء: أن يأتيك البلاء مِن شخص مَدفون لا تَعرِف مَن هو، أو قد تعرفه لكنه ليس ظاهرًا وليس باطنًا، وتصبح بين أن تظلم نفسك وبين أن تظلم الآخرين. كل هذا كأنه دَوّامة، فلا تشغل نفسك بهذا كلهُ لأنك ما خُلِقت لأجل هذا، إنما أتاك هذا امتحانًا لك، فلو آمنت أن هذا امتحان افعل ثلاثة أفعال، فِعلَان بقلبك، وفِعل بِبَدَنك:
اعرض عنهم ولا تدخل في نقاشات، واملأ قلبك توكلًا عليه، ثم مــاذا سيفعل بك؟ سَيَرُد عنك، سَيشغِلهم بِأنَفسهم، وسَيجعَل تَدبيرَهم تَدميرًا لهم، وسَيُنجيك وإن فعلوا ما فعلوا، وسَيُخرجكَ مِنها كُلها. هذا التوكل، وبعد ذلك لمَّا يتحرّك في قلبك شيء، سَكِّنْ نَفسَك أنه يكفيك، أنك وكّلت الله، وكفى بالله وكيلا، هو سيأخذ لك بحقك، وسَيَرُد عنك.
ولاحظوا ما جاء الحل أنك فقط تتوكل على الله وكفى بالله وكيلا، أيضًا جاء في الحل أنك تُعرض عنهم وما تُدخِل نفسك في نقاشات وفي كَلام كثير، فهذا الكلام الكثير هو الذي يُدخل أطراف ليس لها علاقة بالموضوع، وكل المشكلة في أننا نتوازن بين مفاهيم كثيرة، هنا الصعوبة، يعني مثلًا: نتوازن بين توكُّلي على الله واكتفائي به وكيلا -هذا بالنسبة لي يعتبر غاية في الطمأنينة- وبين أني أنا ضعيف أصلًا ليس لدي القدرة والنَّفس أن أُنافح ولا أُدافع،
وبين أن النَّاس يتهمونك بالضعف، وأحيانًا أنت تكون مِن الداخل أصلًا لايوجد فيك حيل أن تناقش ولا تتكلم، فهذه الصعوبات التي تجدها في الدنيا، ولابد أنك تجد حولك مَن يؤذيك، فتُؤمَر بِمِثل هذا الأمر {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا }.
شرح اسم الوكيل سبحانه وتعالى7
3{وَلِلّهِ
مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا}[14] لو كانت
لك أُمنية،
عندك رغبة تودّ تحقيقها:
سواء صلاح أبناء أو غيره، وما استطعت تحقيقها لنفسك، أو تراها في الأفق لكن تغتم خائفًا أن تفوت،
أو ترى أمامها عوائق، مــاذا يُقال لَك؟
أليس مُناك هذا مُلْكٌ لله؟!
هل يأتي به أحد غير الله؟!
لا يأتي بمُناك إلا الله، وأنت تعلم أن
له ما في السماوات وما في الأرض، إذن اتخذه وكيلا،
وَكِّله أن يأتي لك بِمُناك.
مثال: شخص يريد أن يترقّى في عمله، يشعر
أن هذه الترقية في العمل أمنية يحبها ويتمناها، أنا لن أناقشه بأنَ هذه أمنية في الدنيا،
إنما سأناقشه حول أنه ما دام ظهرت لك أُمنية، إذن كيف تُعاملها؟
لا تشغل نفسك ليلًا ونهارًا بأنهم سيقبلون
فلان لو تكلّم، وفلان أتى بشهادته وسيتفوّق على شهادتي!
لا تفكّر هذه التفكيرات، إنما أُمنِيتك
التي تريدها تَمنَّاها على الله، واتخذه وكيلًا يأتِك بها، فإذا اتخذته وكيلا كفى به
وكيلا.
4{إِنَّمَا
اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات
وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا }[15]
ما علاقة نفي الولد وإثبات المِلكِية بالوَكالة؟
لأنه{وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا}.
نحن نتكلم عن التوحيد بأنه وحده الإله، وليس له ولد يُفوّض إليه الأمر أو يطلب
منه، ولهُ وحده الملك. إذن أنت عَلِمْت أنه وحده الإله، فما معنى الإله؟
الإله يعني المألوه الذي تتعلق به القلوب
وتعظمه، ففي بداية آية الكرسي {اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ} وفي آخرها {وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، هو الإله العَلي الذي تتعلق به القلوب، والعظيم الذي تعظمه
القلوب.
فإذا عَلِمْت أنه وحده يجب أن تتعلق به
القلوب وتعظمه، وليس له الولد، وله وحده الملك، إذن مـــا المطلوب منك؟
أن لا تتخذ غيره وكيلا.
هذه الآية أتت في سياق الكلام عن تَوحيده،
فكما أنّك توحّده في الألوهية وتنفي عنه الولد وتوحّده في الملك،فوحّده في كفايتك بوكالته.
{وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلًا} يعني لا تتخذ غيره وكيلا،وَحّده باتخاذه وكيلًا،اجعله كافيًا لك.
اكتفي به وَكيلا؛لأنه الوكيل؛ولأن له مُلك السماوات والأرض، وليس له
ولد.
تتخذه وكيلًا وأنت تعتقد أنك لو وكّلته
لا يخذلك،فإذا لم يأتِك مُرادك سيأتيك ولو بعد حين،
وسيأتيك في أحسن وضع، وسيأتيك مرادك بل
أعظم منه لو رضيت به ربًّا، فكونك تتخذ الله وكيلًا،هذا معتمد على رضاك بالله.
مثلًا: تمنيت تخصصًا في عِلم معيَّن، ولم
يُقدَّر لك وذهبت إلى مكان آخر، بعدما اتخذت الله وكيلا وطلبت الله ورَجَوته وقلت:(أنت يا رب حسبي ونعم الوكيل، سأوكلك أمري، لن أشغل نفسي ولن أدمّر نفسيّتي).
فقه أسماء الله الحسنى 13
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى1
وروده في كتاب الله:
ورد اسم الجبار في القرآن في موضع واحد، وهو الموضع الذي جُمعت فيه عدد من الأسماء في أواخر سورة الحشر:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }[1].
وروده في السنة:
ورد في السنة (اسمًا) في أدلة كثيرة،
منها ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِيَدِهِ كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ )) [2].
وورد أيضاً عند مسلم من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنه قال: رأيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وهو يقول: ((يَأْخُذُ الْجَبَّارُ عَزَّ وَجَلَّ سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بِيَدَيْهِ))[3].
و ورد في السُّنة فيما رواه أبوا داوود وصححه الألباني رحمه الله من حديث عوف ابن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في ركوعه: ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ))[4]. ذي الجبروت يعني صاحب الجبروت، هنا سيكون مصدراً.
أما وروده (فعلاً) فقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول بين السجدتين: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي))[5]
لفظ (اجبرني) ظهر هنا فعلاً من اسم الجبار، ونحن نقول هذا الدعاء، وفي المصاب أيضا نقول: (نسأل الله أن يجبرك في مصابك) فما معناه؟ الجبار يأخذ في أذهاننا معنى العظمة، ولكن هذا واجه واحد فقط للمعنى.
والمراد بالجبار فِعلاً:
1. بمعنى الإصلاح (جبر الكسر).
2. وبمعنى قهر الخلائق على مشيئته.
والجَّبار في اللُّغة:
صيغة مبالغة من اسم الفاعل (الجابر)، وهو الموصوف بالجبر، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضربٍ من القهر، أي بنوع من القوة والقدرة. ومنها جَبَر العَظم إذا أصلَحَ كسره، وجَبَر الفقير يعني أغناه، وجَبَرَ الخاسر عوّضه، وجَبَرَ المريض عالجه. ونحن عندما نقول في الرياضيات: (اجبر الكسر)، أي كَمِّله، فلو كان الكسر واحدًا ونصف، فجبر الكسر يعني تحويل النصف هذا إلى واحد كامل فيصبح إثنان.
نريد أن نصل إلى اتزان في معنى إيماننا بالقضاء والقدر؛ لأن مسألة الإيمان بالقضاء والقدر والتي فيها إشكال دائماً، أصل مشكلتها أنها تُطرح قبل ما تُطرح صفات الرب. ركن الإيمان بالقضاء والقدر مبني على إيمانك بأسماء الله تعالى وصفاته،
كل أركان الإيمان لا تُطرح إلا بعد استيفاء الركن الأول وهو الإيمان بالله). فتشبَّع مِن الإيمان بالله وبكمال صفاته وبما يستحقه سبحانه وتعالى مِن تأليه وتعظيم، وبعد ذلك تكلَّم عن الإيمان بالقضاء والقدر والإشكالات التي فيه
وتكلَّم عن الإيمان باليوم الآخر والإشكالات التي يمكن أن تظهر فيه، أما في الغالب إيمانك بالملائكة والكتب والرسل فهذه مسائل لا يوجد كثيرُ إشكالٍ فيها، لكن دائماً ترى الإشكال في الإيمان بالقضاء والقدر
ومسألة الجبر على الإيمان، فقد يأتي سُؤال: هل نحن مُسيّرون أم مُخيّرون؟! هذا السؤال مَنشؤه فساد، ولكي نعالج هذه المسالة جيداً لابد أن تتعلم عن أسماء الله تعالى، فإذا تعلمت تَصورت كيف يعاملك الله، فإذا تصورت ذلك يأتيك بسهولة إيمانك بمراتب الإيمان بالقضاء والقدر
لها ثلاث معاني:
1. تدور حول معنى القهار.
2. تتصل باللطف والرحمة.
3. تتصل بالعُلو.
واعلموا أنَّ أسماء الله عز وجل لها تقسيم عند أهل العلم إلى أسماء جمال وأسماء جلال. أسماء الجمال هي التي تدل على الرحمة وما يدور حولها، وأسماء الجلال تدل على العظمة وما يدور حولها، فأسماء الجمال تُسَبِّب لك التعلق بالله، وأسماء الجلال تُسبّب لك التَّعظيم.
معاني اللطف والرحمة.
"الجبار سبحانه هو الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، ويجبر الخوف والحزن بالأمن والاطمئنان، فهو جبَّار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق". أي أن الجبار هنا بمعنى الإصلاح، وإصلاحه سبحانه وتعالى لحياة الخلائق إصلاح مَن يمْلِك وإصلاح العزيز،
فهو يَمْلك حوائجهم، وعزيز قادر على إنفاذ أمره، ليس مثل إصلاح الضُّعفاء. كل الخلق إن تصورت أنهم قادرين على إصلاح شيء مِن حياتك تكن حينها جاهلاً بصفات ربك وصفات الخلق، لأن كل الناس لا يملكون إصلاح أمر لم يُصلحه الله تعالى. كلما نظرت في أسماء الله كلما دفعتك إلى التوحيد،
لا يفتح لك الناس باب لم يفتحه الله، ولايستطيع الخلق أن يعطوك ما منعك الله، ولا أن يهبوك شيء لم يهبك الله، ولا أن يُحسنوا إليك إحساناً لم يأذن الله به، ولا أن يجبروا لك كسراً لم يأذن الله بجبره، فعاد الأمر كله إلى أن ما تبحث عنه مِن جَبْر قلبك أو جَبْر نقص عندك لا تستطيعه بطرق أبواب الناس،
بل في كثير من الأحيان تأتي لشخص وتقول له: (أنت أخطأت في حقي وجرحتني وأحتاج أن ترجع عن حالك من أجل أن تهدأ نفسي) وأنا ذاهبة إليه متأملة أني لو كنت واضحة معه سيفهم ويحل المشكلة، فتجد الجُرح بدل أن يُجبر يزداد عمقاً! وبدل أن يصلُح الحال بينك وبينه يزداد فساداً!
من أجل ذلك لابد أن تتصور أن الله عز وجل حَكَمَ في مسألة إرادة الإصلاح بين الزوجين فقال: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}[6] أي إذا كان في قلوبهم إرادة الإصلاح، لكن هل هم سَيُصلِحون أنفسهم ؟ لا، فالفعل نُسِب لله تعالى، هو الذي يوفّق بينهما. إذاً في الوقت الذي نجتمع فيه للصلح حتى التوفيق لا يملكه إلا الله، لكن المهم أن يكون في قلبك إرادة الإصلاح.
ثم يأتون ونفوسهم ليس فيها إرادة الإصلاح، فيخرج كل واحد وهو مشحون أضعاف ما كان، لماذا؟ لأن الذي يجبر الخلل الذي في قلوبنا والنقص والجروح والآلام وإلى آخر ما نتصور من حركات القلب، إنما هو الله عز وجل.
إذاً القاعدة التي تتعامل فيها مع الحياة: أنَّ استيفاء الحقوق في الحياة يصل إلى حد المستحيل، فعلى ذلك ابنِ كل علاقاتك على أنَّ الله يجبر لك ما هو واقع من نقص فيك ومِن حولك، فنحن تكون لنا احتياجات معينة، نفسية، في الناس الذين نعاملهم،
وقد تعيشين مع رجل 20 أو 25 سنة وهو بهذه النفسية لم يتغير، النقص الذي فيه هو نفسه، والحاجة التي أنتِ فيها هي نفسها، وتشعرين في لحظات بالحيرة: ماذا أفعل؟! فهو باقٍ على عدم احترامه لي مثلاً، وتشعرين أن هذه حاجة لك. اعلمي أن هذه الحاجة بقيت حاجة فيك مِن أجل أن تطلبي الله أن يجبرها داخِلك،
والإشكال أن الله يجبرها ولا نَقبل بِجبره! فهذا شخص واحد في حياتنا لا يحترمنا، وبعد ذلك أعطانا الله 100 شخص يحترمنا، ولكننا لا نقبل! فإما أن يحترمنا فلان وإما لا، والباقي كلهم المِئة لا حاجة لي بهم ! هذا خطأ، ففلان هذا باقٍ لا يَحترمك لكي تبقى متعلقًا بالله،
تسأله، والباقي احترموك مِن أجل أن ترى كيف الله يَجبرك.
مثلا لدي مثلًا 4 أطفال، أحدهم عاق، والباقي طيبون مباركون معتدلون نفسيا، بينما أنا كل تفكيري في هذا الذي نقص، ولا أرى جَبْر الله لي بالثلاثة. فالله تعالى مُحسن إليك، لكنك أعمى عن الإحسان! الله جابر لك كسرك،
لكنك لا ترى حتى جَبره، لأنَّ لك تفكيرًا مُعينًا: أنَّ مصلحتك بأن الشيء الفلاني يحدث، وفي العادة تقول: (الذي أحببته هو العاق !!). هل تعرف لماذا هذا عاق بالذات؟ لكي لا يقوى تعلقك بهِ،
لكي لا تستغني بهِ عن الله، لكي لا يقع في قلبك الوقوف عند بابهِ، بل في أحيان كثيرة نأتي مقبلين ونقول أن فلان بالذات لا يفعل كذا، وأنا أعرف أن فلان هذا لا يفعل خطأً من هذا النوع ولا يقول هذا الكلام، ثم لأنك وثقت في فلان،
فالله عز وجل يجعله يقول الكلام الذي لا تتصوره، والذي لا تنتظره منه. فلا تضع ثُقلك على فُلان، إنما أنواع الإحسان التي تأتي من الخلق هي لُطف يجريه الله تعالى على ألسنتهم مِن عنده سبحانه وتعالى، وليس مِن عند أنفسهم.
وهذه كلها أنواع مِن الجبر يَجبر فيها الله عز وجل نقائصنا، سواءً كانت النفسية، وهذه مع التَّرف أصبحت حاجة مُلِحَّة، فنحن مع الترف والحمد لله الأمن والأمان ...إلخ،
أصبحت الحاجات النفسية مُلِحَّة أكثر مِن الحاجات المادية، لأن الحاجات المادية متوفرة، فما نسمع الشكاوى في كثير من المجتمعات -مجتمعات الخليج والمملكة- إلا وهي دائرة حول أنه قال لي كلمة أغضبتني، وحصل كذا وكذا، وكلها عبارة عن مشاعر وأحاسيس،
لأننا لسنا مُنشغلون بالمسائل الأساسية في الحياة، فالحمد لله أمن وأمان وأرزاق من كل مكان، فالذي حاصل هو نوع مِن التَّرف، وهذا النوع مِن الترف هو الذي يأتي بالحساسية تجاه النقائص النفسية.
على كل حال، إن كانت نقيصة مادية أم نقيصة نفسية ففي كلا الحالتين لا يجبرها إلا الله، وكونك تعتقد أن حوائجك لا يجبرها إلا الله، يجعلك لا تقف بحوائِجك إلا عند باب الله، وهذا الفارق بين مَن عَلِمَ عن الله وبين مَن جَهِلَ عن الله، فالذي يعلم عن الله قلبه مُعلّق أنَّ العطاء مِن عند الله، والجاهل ينتظر جَبْره مِن أسباب نقصه! فمَن الذي أنقص عليك؟ زوج؟ أبناء؟ صاحب العمل هو الذي أنقص عليك؟ الجاهل هنا ينتظر جَبْره مِمّن أنقص عليه، والعالم بربه ينتظر جَبْره من الله.
المهم أنك عندما تتعامل مع الله تعْلم أنَّ اعتقاداتك لابد أن تمر بعقبة {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[7] فإذا اقتحمتها أعطاك حتى أغناك. فلنفترض أنه نقصت عليك أي مشاعر نفسية، اتُهِمت مثلا في العمل أنك مقصر، وأنت في الحقيقة باذل جهودك، وبعد ذلك قالوا لك: (سامِحنا فقد أخطأنا)، وأنت ترى في عيونهم أن الأمر ليس خطأً، لكنهم بعدما واجهوك بالنقص ما استطاعوا أن يستمروا بنفس الطريق،
وأنت ترى في عيونهم أنهم لا زالوا مُتهمِينك بالتقصير، وقد عمِلت كل الذي تستطيعه، لكن نوع من الظلم وَقَعَ منهم. هذا الآن نوع من أنواع الاختبار، فأنت تحتاج أن يَنجَبِر قلبك تجاه الاتهام الذي اتهموك إياه، هذه حاجة نفسية،
فلا تنتظر منهم هُم أن يجبروا لك ما وقع مِن ألم، فهم لن يجبروه! مَن سيجبره لك؟ الله عز وجل، لكن متى سيجبره؟ عندما يَجتمع قلبك عليه وحده أن يجبرك، وتَطرُد مِن قلبك أنَّ هؤلاء يَجبرونك.
ومِثله الحوائج المادية، ففي كل نقص ينقصك صغيرًا كان أو كبيرًا، اعلم أن الله تعالى هو الذي يجبر نقصك، ومِن النَّقص مثلا المرض، اعلم أن الله تعالى هو الذي يجبر مرضك بالشفاء، أيضا قلة التركيز في مواطن كثيرة والنسيان مِن الحالات التي تَمُر علينا وخصوصاً طلبة العلم، وهذا إشكال كبير لطلبة العلم:
فهم يحفظون ويحفظون ثم يأتون يريدون أن يستنطقوا ما حفظوه فلا يجدوه، فاسألوا الله تعالى باسمه الجبار أن يجبر لكم نقص ما تحفظون، أن يجبر لكم ما ضاع منكم مِن عِلم في عقولكم. أحياناً يكون طالب العلم قد درس دورة على كتاب، ثم حصل بصورة أو بأخرى أن زملاؤه استعاروا منه كتابه، وفُقِد الكتاب
وهو قد جَمَعَ كُل عِلمه على كتابه، فاسأل الله أن يجبر لك نقص كتابك. عامِل الله تعالى في كل نقص حصل باسمه الجبار أن يجبر لك هذا النقص، فإذا التجأت إليه وسألته باسمه الجبار أن يجبر لك النقص، سترى الجبر فوق ما تتصور من عطاء!
فأنت مثلا كنت ترى أنك جمعت في كتابك من العلم الذي لن تستطيع أن تجد مثله، فتجد أن الله يجبر نقصك بأن تُرزق الكتاب، وليس شرطاً هو نفسه الذي ضاع، إنما تُرزق أن تتعلم أكثر، ويكون ضياع الكتاب سببًا لزيادة اجتهادك وإتيانك بمعلومات،
فلو بقيت على كتابك لَمَا اجتهدت أكثر، أي أن الجَّبِر يأتي بأعلى مما تتصور ! ولا تجعل الجبر في شيء معين فقط، فجميع حوائج الخلائق بهذا المعنى.
أن تُوحّد الله تعالى في طلب جَبر كسرك، يعني ما تطلب جبر الكسر إلا من الله، كل عسير ما تطلب تيسيره إلا من الله. وخلال هذا العَسير الذي تعيشه قد تأتي أشياء تُعرض عليك قد تلفت قلبك عن باب الله، وقد يُمَثِّل لك أحد أو أنت تظن أن هذه من الأسباب لتيسير الأمر، ثم تذهب مع هذا السبب فتجد أنه ليس من هذا الطريق، وتعود مرة أخرى إلى باب الله
ويأتيك أمر آخر في الوسط وتعتقد أنه سبب وتَسير وراءه ثم تجده يُغلق، هذه كلها فِتن، والمفترض أنك عن باب الله لا تغادر، قلبك ما يغادر باب الله. ماذا إذاً عن الأخذ بالأسباب؟! عندما تكون في فِتنة لابد أن تكون حساسيتك للأسباب عالية،
بمعنى أنك تيأس مِنها يأسا تاماً، ثم إذا أتى أمر في ظاهره أنه سبب، تُبقي قلبك مُعلقًا بالله، تَسأل الله إن كان سبباً يرضيه أن ييسر لك الاستمرار فيه، وإن كان سببًا لا يرضيه أن يصرفه عنك.
نفترض أن عندك مشكلة -أمر عسير- وتقول: يارب يارب، ثم ظَهَرَت لك في الأفُق أسباب، قد تقولون: لماذا لا نعتبرها من باب تهيئة الأسباب؟ نقول: نعم، لكن عندما تكون في بلاء فحتى تهيئة الأسباب هذه يجب أن تكون حَساسًا تجاهها غاية الحساسية،
فلا تنزع نفسك من باب الله وتذهب تجري للسبب الذي تَهَيّأ. قِف عند باب الله، وكلما ألَحَّ السبب وظهر في شاشتك كلما زاد منك التوسل لله: يارب إن كان هذا سببًا يرضيك ودخولي فيه يرضيك عني فيسره لي، إلى أن تراه ظاهراً، ثم أنك ترى في أحيان كثيرة أنَّ سببا يظهر ثم ماذا يحصل له؟
يغيب ! أو شخص اليوم يتصل يقول لك أعطني أوراقك، فيقع في قلبك الفرح، وتقول بأنك ضمنت هذه الوظيفة، وتُعدِّد مآثر فلان هذا فتقول أنه رئيس مكتب كذا ويعمل كذا وأصلا طوال عمره يعمل للناس كذا، وتُعدّد مآثره. هنا جاءك الاختبار!
أتتك العقبة! أوَّل ما ظهر لك سبب، التَفّت قلبك عن باب الله وبَقيت تُثني على فلان، فتجد أن فلان هذاالذي اتصل عليك اليوم وقال لك أعطني أوراقك، غداً لايرد عليك! أُغلق الباب! وكان الباب اختباراً! ويتهيأ لك سبب آخر، فماذا تفعل؟!
نحن لا نقول لك لا تأخذ بالسبب، لكن عندما تأخذ بالسبب فلتبقَ يائِساً منه متعلقًا بالله، حتى عندما يظهر لك السبب تبقى سائلاً الله أن ينفعك به.
إيمانك باسمه الجَّبار يزيدك تعلقاً أنَّه لا ييسر العسير إلا الله، فلا تَغتَر بمجرد ظُهور الأسباب، اجعل قلبك من السبب يائسًا، وبالله مُحسنًا الظن، ولا تأتي وتُعدِد مآثر هذا الذي أتى إليك في صورة سبب.
أي أنه تعالى يَجبر قُلوب المؤمنين، فترى أنَّ قلوب الخاضعين لعظمته مجبورةً عن الدنيا، فكل ما حصل نقص ترى أثره سريعًا، يعني يقع في قلوبهم شعورهم بالنقص في الدنيا ثم يُجْبَر مُباشرة، ويَرمُد، إلى أن يَكمل قوة تعلقهم بالله، فيصبح إقبال الدنيا عليهم أو ذهابها سواءً في نفوسهم.
انظر لهؤلاء عندما تقع عليهم المصائب، وعندما يقع عليهم نقص في أموالهم وأولادهم وثمراتهم، انظر لهؤلاء كيف تكون قلوبهم، تجدها مجبورة، ماذا يعني ذلك؟ يعني الآلام فيها خفيفة وتذهب بذكر الله، ليس لأن ما عندهم إحساس، ليس لأن أولادهم هؤلاء لا قيمة لهم،
ليس لأن أزواجهم لا قيمة لهم، إنما لأن الله عندما أخذ منهم هذه الأمور المحبوبة أنزل مع الأخذ الجبر، فجَبَرَ قلوبهم عن النقص الذي حصل في حياتهم، فَسَكَنَت آلامهم. وهذا هو المعنى العظيم لمعنى التصبّر،
أي أنك لو ابتدأت بالصبر على المصيبة، سيقابلها من الله عطاء أن يجبر قلبك على ما أصابك، وإذا بقيت تُشْعِل في نفسك نار النقص، وتُذكِّر نفسك بالنقائص، فهذا الجبر لا يأتيك، وتبقى دائماً شاعراً بالنقص.
ولذلك ترى الفوارق بين الناس، فهناك أناس مِن أول ما تنزل عليهم المصائب يلجؤون إلى الجبار فيجبر قلوبهم، وهناك أناس متوسطون، فمع مرور الأيام والليالي عليهم كأن قلوبهم حصل لها الجبر،
أما القسم الثالث فتجدهم بعد سنين ولازالت آلامهم كما هي. ماذا فعل هؤلاء القوم في أنفسهم؟ ما رضوا عن الله فما أرضاهم الله عنه! ويبقى الألم من أوله كالآخر.
يأتي الشيطان لك بكل الصورة التي مضت، وتجد نفسك تدخل في آلام، وتصبح في حال بكاء، نقول بأن تصبّرك هنا نوع من أنواع العبادة، لأن الشيطان مِن أهم مقاصده {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا }[8] وهناك فرق بين أنك تُعَيِّشْ نفسك حالة الآلام ،
وبين أن يأتي الشيطان بهذا الفِكْر لك فيكون ردك الصبر، فرق بين الحالتين، والنساء أكثر الناس تعرضًا لهذه الحالة -حالة بقاء استجرار الآلام- هل تعرفون ماذا يفعل الجَمَلْ في أكله؟! يَسْتَجِر ويأتي به مرة أخرى،
وهناك كثير من النساء يعيشون بهذه الطريقة، عاشت آلام ثم يتسلط عليها الشيطان فيجعلها تعيش دائماً تحت ظل نقائصها وآلامها، مع أن الله يفتح لها بهذه الآلام أبوابًا من الأجور إذا صبرت،
ويفتح لها أيضا باب الجبر لقلبها إذا طلبت مِن الله أن يجبرها. هناك ميل في النفوس للشعور بالظلم، كأن هذه الأقدار وقع فيها نوع ظلم، نحن لا نقول هذا الكلام بلسان مقالنا، لكن بلسان حالنا كأننا ندّعي على الله بأنه ظلمنا ببقاء الأحزان متصلة،
وأنتم تعلمون أن الله {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[9] فاعلم أن ما أصابك في وسعك احتماله. جبر القلوب هنا يكون بماذا ؟ (بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق الإلهي والهداية والرشاد)،
هذا نوع جبر خاص، أولاً يجبر قلوبهم بالانشغال عن النقائص، بالانصراف عنها، فما يشعرون أن هناك شيئًا ينقصهم، فيُجبرون عن التعلق بالنقائص، تنصرف قلوبهم،
أي تنجبر نقطة النقائص عندهم، بما يفيضه على قلوبهم من المحبة لله سبحانه وتعالى، فتجد قلوبهم مجبورة عن الدنيا بمحبة الله والتعلق به، ورؤية أنه من أجل رضاه تُباع الدنيا.
وحبّب لهم العلم، فيجدون فيه من اللذائذ ما تغنيهم عما نقصهم من أنواع الاستقرار.
أيضاً الدعوة إلى الله، من أنواع المعارف أن تعرف فيكون منك دعوة إلى الله،
والدعوة إلى الله نوع من أنواع الجبر، لأنك عندما تدعو إلى الله تجد قومًا يشتكون لك نَفس حالك، فتجد نَفسَك تكلمهم تُصبرهم، وكأن تصبيرك لهم تصبيراً لنفسك، وهذا نوع من أنواع الجبر، لأن أقرب أذن سامعة للمتكلم هي أذنه.
أيضاً من أنواع الجبر بهذا العلم: أن الله عز وجل عندما يفتح لك بابًا من العلم وأنواعًا من المعارف تستحقر الناقص عندك فتراه ليس بشيء، بل مع الأيام ترى هذا الناقص فتحًا للكمال، فالعلم والدعوة كلها نوع من أنواع الجبر مِن الله عز وجل لعباده.
ومنها الرفعة عنده، أي تُجبر بها وترتفع عنده، يجبرك الله بما علّمك، وترتفع عنده بهذا العلم أيضاً.
كذلك يجبر الله عز وجل القلوب بما يفيضه من التوفيق الإلهي والهداية والرشاد. والمقصود بالهداية والرشاد الدلالة، أي أنه يجبرك بأن يدلّك على الصواب،
أيضا يجبرك بالتوفيق الإلهي، فكلما رضيت عن الله وتقربت إليه وقَبِلْت منه كلما كان سَمعُك الذي تسمع به، وبَصرك الذي تُبصر به، ويدك التي تَبطش بها، فهذا كله نوع من أنواع التوفيق الإلهي الذي نرجوه.
فكلما زدت تعلقاً بالله وكلما نقصت عليك الدنيا، كان نقص الدنيا عطاءً منه سبحانه وتعالى، لأنه سيجبر نقص الدنيا لك بتوفيقه،
سيجبر نقص الدنيا لك بأنواع من المعارف، سيجبر نقص الدنيا لك بأن يوقع في قلبك حبه، من أجل ذلك لو تبينت لك الحقيقة ستأتي اللحظة التي تتمنى فيها أن تنقص الدنيا لكن تُجبر هذا الجبر.
من أصعب المسائل: أن يكون معك مال أو ما معك سواء، أن ترى بأن عندك كذا أو ليس عندك مِن الدنيا سواء، هذا مِن الصَّعب بصورة، خصوصاً لو كنت مِن الناس الذين يشعرون أنه ما يحميك إلا نقودك التي بالبنك، وكم رصيدك! فتقول: لو حصل كذا وكذا فعندي كذا وكذا،
فترى أناسًا كثيرين يعيشون مُخططين أنهم لو كبروا سيكون لديهم كذا وكذا من الأشياء، على أنهم متصورين أنَّ هذه الأشياء ستنفعهم عندما يكبرون، ولايعلمون أنَّ عدة أسباب زرعناها لأنفسنا على أنها تنفعنا ثم هي التي أتت بالمشاكل !!
ويكفيكم في هذا مشاكل البناء، ومشاكل ما يأتي من وراء البيوت التي تُشترى، والبيوت التي تُبنى، الديون التي تحصل، ثم هلاك الناس قبل سكناهم في البيت، ثم اختلاف الأبناء على هذا الوِّرْث.
فلا تتصور أنَّ الذي يَجبر قلبك في الدنيا مادة تملكها، إنما الذي يجبر قلبك على الحقيقة الجَّبار سبحانه وتعالى، يجبره بأن يدفع عنك شُعور النَّقص، فأنت ترى الكبار من العلماء مثل الشيخ محمد بن عثيمين وبن باز رحمهم الله واليوم الشيخ الفوزان وغيره
يدخلون في أكبر المجالس والأماكن وهم بصورتهم وثيابهم هي هي وأحذيتهم هي هي، لا يرون أنَّ مثل هذا يَنقُصهُم عند أحد، وفي مقابل هذا لو قيل لأي شخص ضعيف في قلبه: تعال إلى هذا المجلس، فانظر ماذا يفعل في نفسه مِن أجل أن يذهب.
فترى أنَّ هؤلاء مَجبورة قلوبهم عن أن يروا أنَّ هناك نقصاً، وهذا لا يعني أن لايعملوا بمقتضى إيمانهم باسم الله الجميل، لأنه جميل يحب الجمال، لكن فارق شاسع بين أن تتعبد الله بهذا، وبين أن تلاحظ الناس الذين تذهب لهم، وتلاحظ رضاهم، وتشعر أن قيمتك هو ما تلبس، وقيمتك شكلك،
فَجَبَر قلوبهم أن يشعروا أصلاً بِنقص، أي أن الشخص هو الذي يُشعِر نفسه بالنقص، وأنه ناقص لو ما فعل كذا. انظر إلى الناس وهم ذاهبون إلى الأفراح، لا أحد يرى إلا نفسه فقط، ولا يفكر إلا في نفسه، والناس مُلتهون عن بعضهم بأنفسهم، المَقصد أنك تعيش حول نفسك، فتُمْرِض قلبك أنه ينقصك كذا لأن عينك كذا وأنفك كذا وشكلك كذا
فترى نفسك فيك نَقص، مُقَدِّر نفسك بالصورة الظاهرية ! أما أهل الإيمان والخضوع والانكسار فقد جَبر الله في قلوبهم هذه الأمور بما يُلحقه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق الإلهي والهداية والإرشاد.
في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ)) هل نحن شاعرون بأننا جميعنا جائعون؟ إلى هنا نعم،
لكن في الحديث ((إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ))، أي أن الذي يطعمنا على الحقيقة هو الله، وبعد ذلك ماذا نفعل مِن أجل أن نُطعم؟ ((فَاسْتَطْعِمُونِي)) ، يعني اطلبوا مني أن أجبر لكم هذا النقص الذي تشعرونه ، فالجوع نقص، اطلبوا من الله أن يجبر لكم هذا النقص. ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ))[10]،
متى طلبنا مِن الله أن يكسينا؟! في الطعام ربما يحصل أن الشخص يسأل الله، لأنه قد يأتي في قلوبنا اشتهاء لشيء غير موجود فينصحك أحدهم بأن تطلب من الله، لكن في الكسوة يكاد يقترب هذا مِن النادر -
أن أحدًا منا يطلب مِن الله تعالى أن يَكسِيه- لأننا نتصور أن الكسوة هذه جهد بشري، وأنني أحتاج أن يكون عندي نوع ذوق معين، وأحتاج أن المصانع تنتج شيئًا معينًا، وإذا لم أجده في البلد سأجده في الخارج، مرةً أخرى مشاعر الاستغناء عن الله ! ندور ونرجع لهذه القاصمة التي هي أكثر شيء يُبعدك عن الله، ما هو؟ شعورك أنك مستغنٍ عن الله
ماذا تشعر وأنت تقوم بنفض الفراش قبل النوم؟ الواقع يقول أنها مجرد عادة، وأحياناً كثيرة تنساها، كما تنسى المعوذات وتستثقلها، لأنك أصلاً تشعر بأنك في غنى عن أن تفعل هذا، لكن لو كنت في قرية وبيت مليء بالحشرات، سيكون نفض الفراش أحد أعظم العبادات التي ستقوم بها، ونحن بهذه الطريقة نعامل ربنا !! الشيء الذي يظهر لي الحاجة إليه أنفذه من الشريعة، والشيء الذي لا يظهر لي حاجة إليه أستغني عنه في الشريعة،
وهكذا أيضا حتى في تعلقاتك بالله، فترى مثلاً أن لك أمًا حانية، وأن بِرَّها ليس صعبًا، فما تتوسل إلى الله أن يعينك على برها، إنما تشعر بأنه شيء طبيعي وتستطيعه، مع أننا طوال الوقت نقول أنك لا تستطيع شيئًا إلا بحول الله وقوته،
لابد أن تتبرأ من الحول والقوة، لكنك تأتي إلى نقاط معينة وترى أن هذا أمر أنت قادر عليه، فتستغني عن الذل عند باب الله تعالى، وهذه أكثر مشكلة نعيشها.
بمعنى العلي على كل شيء، الذي له جميع أنواع العلو: علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. (وهو الجَّبار أيضاً لِعلوه على خلقه ونفاذ مشيئته في ملكه، فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن). هذا المعنى قريب من معنى العزيز.
أنواع العلو الثابتة لله: علو ذاته سبحانه وتعالى، فهو على العرش استوى سبحانه وتعالى، وعلو القدر أي علو أسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، الجبار العالي في ذاته، العالي في قدره وأسمائه وصفاته وأفعاله.
نأتي إلى علو القهر، ما معنى علو القهر؟ هذا يعود للمعنى الأول، أي الجبار بمعنى القهار، وعلو القهر أي أنه سبحانه وتعالى عالٍ في قهره، قادر على إنفاذ أمره.
قال ابن القيم: وأما الجَّبار من أسماء الرب تعالى هو الجبروت، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)). فالجبار اسم من أسماء التعظيم، كالمتكبر والملك والعظيم والقهار -هذا المعنى المشهور-، والمعنى الثاني الذي هو من أسماء الجمال يعني أسماء التعلق.
وهذا معناه أن اسم الجبار من أسماء الجلال والعظمة. (أي أنه القاهر لكل شيء، الذي دان له كل شيء وخَضَعَ له كل شيء،
فالعالم العلوي والسفلي بما فيهما من المخلوقات العظيمة كلها قد خضعت في حركاتها وسكناتها وما تأتي وما تَذر لِمليكها ومُدَّبِرها، فليس لها من الأمر شيء ولا مِن الحُّكم شيء، بل الأمرُ كله لله والحُكم الشرعي والقدري والجزائي كله لله، لا حاكم إلا هو، ولا رب غيره ولا إله سواه).
ما معنى أنه جَبَّار؟ هو ذاته المعنى الموجود في نفوسنا: أنه قاهر، قاهر كل شيء، كل شيء دان له سبحانه وتعالى، كل شيء خَضَعَ له، لا يستطيع شيء أن يخرج عن أمره وسلطانه سبحانه وتعالى
إذاً كُل ما تتصور عظمته تستعمل معه أن الله عز وجل جَبَّار عليه. أي شيء تراه عظيماً، مثلاً أعلى سفوح جبال تراها، أعظم كواكب تراها، كُل هذا العظيم في نظرك عندما تَنظر إليه تُعامِله على أنك تتعبّد الله باسمه الجَّبار فيه، فترى أنه مع عظمته لكن لا مَليك له ولا مدبر له إلا الله.
فكأن هذا الاسم ماذا يفعل بك بمعناه الثاني؟ يَقطع في قلبك تعظيم كل شيء تراه عظيماً. أهل السهول مثلا وأهل البحار عندما يذهبون إلى مناطق فيها جبال عالية هائلة،
تقع الرهبة في قلوبهم، لأن عظمة الجبال وعلوّها يقع في القلب منها أنَّ هذا شيء عظيم، فعندما يقع في قلبك عظمة هذا عامله بإيمانك واعتقادك باسم الله الجبار، فهذا الذي يراه الناس عظيماً إنما حَركاته وسَكناته كلها للملك سبحانه وتعالى، لمدبره سبحانه وتعالى، فمهما كان عظيماً ليس لهُ من الأمر شيء
ومثله عندما تدخل إلى بلدان الحضارة، بلدان ناطحات السَّحاب التي قد تُوقِع في قلبك شيء من الرهبة، خصوصا أنها في مناطق تحجب عنك الشمس، أي أنك عندما تسير فيها تحجب عنك الشمس، فترى في قلبك لها عظمة، انزع ما في قلبك من العظمة لها بإيمانك أنَّ الله هو الجبار.
ستصبح ناطحات السحاب بسبب الانهيار الاقتصادي خرابات قريباً، أي أنها سوف تكون طويلة لكن لا قيمة لها، لن تنهار وتصبح مساوية للأرض، لكن في حقيقتها ستصبح لا شيء، وهذا يزيدك إحساساً بأنه لا عظيم إلا الله. فكلما وجدت مِن مظاهر الأرض أو مظاهر فِعل أهل الأرض ما تراه عظيماً،
اعلم أن الله عز وجل يُهلِكُه كله ولا يساوي شيء، بل يَتكفأ الله تعالى الأرض كما يتكفأ أحدكم خُبزته، وسنرى شرح الحديث لكي تتصوروا أنَّ الأرض كلها تكون بمثابة الخبزة يَطعموها أهل الجنة، فَكُل ما عند أهل الدنيا وكل مالهم في الأرض يتحول طعاماً لأهل الجنة بعدما يُساوَى بالأرض.
فلو كنت من أهل السهول ورأيت الجبال لا تغتر بعظمتها، ولو كنت من أهل الجبال وأتيت ورأيت البحر بسعته وأمواجه والعالم العجيب، لا تغتر بعظمتها. البحر بالنسبة لكم كلمة ليست ذات بال لأنكم اعتدتم رؤيته، لكن الذي يأتي مِن المناطق الداخلية ويرى البحر يقع في قلبه الرهبة
وبالعكس الذي يأتي من السهول ويذهب إلى المناطق الجبلية يقع في قلبه الرهبة، والذي يكون في مدن أو قرى بعيدة عن العمران العالي ويذهب إلى المدن التي فيها ناطحات السحاب يُفاجَئ، يقع في قلبه نوع من الرهبة، كُل هذا يحتاج أن تعالجه باسمه الجَّبار: أنه سبحانه وتعالى مالك العالم العلوي والسفلي،
وأنَّ هذه لا حركة ولا سكون لها إلا بإذن مَالكها ومُدبرها، ليس لأهل الأرض فيها مِن الأمر شيء، ولا مِن الحُكم فيها شيء، وإذا أعطاهم الأسباب من أجل أن يفعلوا فلا تتصور أنهم يملكون، كل هذه ابتلاءات واختبارات، لكن لا تفهم مِن هذا أن العبد مجبور على فِعْل نَفسه، بل الأمر كما قال الله تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[11].
سلطانهم هذا أصلاً لم يستطيعوه وحدهم إنما أعطاهم الله تعالى إياه - فمهما كان قويًا لا تعظِّمه في نفسك، بل اعلم أن الله تعالى أعظم وأجل، فلا يقع في قلبك الخوف مِن غيره، وهذا مِن دُعاء الله عز وجل باسمه الجبار دعاء عبادة.
عندما يكون زوجك متسلطًا عليك، وترين أن لا منفذ لكِ، وطوال الوقت تشعرين أنه سيفعل وسيفعل، وتشعرين كأنه مالك لأمرك تماماً ،كيف تتعبدين الله هنا؟ بدفع هذا الخوف ! لأنك تعلمين أن هذا العظيم في نظرك فالله أعظم وأجلّ منه، هذا معنى، والمعنى الذي بعده أن حال هذا الرجل أو هذا الشخص المخيف إنما هو تحت تدبير الله، فحركاته وسكناته كلها لا يستطيعها إلا بأمر الله، فاطلب ممن يملكه أن يدفع عنك شره، وهذا من جديد يعيدنا إلى التوحيد.
فإذا خِفْت لا تتصور أن أمْنك بالهرب إلى أحد، إنما في الحقيقة أمْنك في الهرب إلى الله الجبار القهار، ولذلك لن يفهم هذا الكلام جيداً إلا الذي عاش أحداثًا، فرأى شخصا عظيماً متسلطاً على حياته أو حياة أهله أو حياة أشخاص معه، ثم ماذا يحصل؟ هذا العظيم وهو في أوج عظمته وفي أوج خوف أهله منه،
يسقط ميتاً أو مريضاً ! فتحصل هنا حالتان للشخص الذي كان واقعًا تحت السلطة، نعم هناك مشاعر فرح بالتخلص منه، لكن توجد أيضًا مشاعر اهتزاز، لأن هذا العظيم كان يشكِّل له شيئاً. فكلما رأيت عظيمًا اعلم أن الله أعظم وأجل منه، وهناك معلومة ثانية أيضاً، وهي أن هذا العظيم إنما هو تَحت قهر الله وسلطانه وتدبيره، فادفع عنك الخوف من كل أحد بالخوف من الله،
وبتعظيم الله، وباعتقاد أن كل شيء يخيفك في الدنيا إنما هو تَحْتَ قَهْر الله وسلطانه.
فلا تتصور أن أحداً في الدنيا لا منجى ولا ملجأ منه، كل أهل الدنيا وكل شيء غير الله لك منه منجى.
فقه أسماء الله الحسنى 28
علم التوحيد، وبالذات "علم الأسماء والصفات" يورثك [التقوى]
فلو تعلمت العلم الذي يجعل قلبك لواحد، ولا يتشتت قلبك عن الواحد، حتما سيقع في قلبك أنك تريد أن تتعلم
كيف تتصرف مع الواحد، وكيف ترضيه،
ابتداء من دخولك إلى الخلاء وفي كل شؤون حياتك، حتى عند بيعك وشراءك،كل هذا لأنك تريد أن تتصرف بالصورة التي ترضيه،
لماذا؟
لأن قلبك دائر حول رضا واحد!
كثير منا مر بتجربة،تعلم منها أشياء كثيرة، فدخل دورات فقه، وتجويد، ومع ذلك (القلب) يسير إلى الخلف وليس إلى الأمام، وتجد نفسك تقول كلاما جميلا، وتفتح الكتب وتفسر للناس الآيات، لكن هناك شيء في الداخل غير موجود،تشعر أنك ريشة في مهب الريح! تشعر أن أي شيء يمكن أن يشكلك.
إلى أن رزقك الله (بالعلم عنه)
قال الامام مالك : خرج أهل الدنيا من الدنيا و لم يذوقوا أطيب شيئ فيها
قيل: ما هو ؟
قال: معرفة الله تعالى.
وحتى نتعرف على الله نتعلم عنه ونقرأ معاني اسماءه وصفاته ونعيشها في الحياة
وهذا رزق من الرزاق سِيق إلينا شروحات بعض معاني اسماءاللهالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
وانت اذا استغنيت عن الناس، شعرت براحةٍ نفسيّة. كلَّما استغنيت عن ما في أيدي الناس، أحبَّك الناس. كلَّما استغنيت عن أموالهم، وعن عطاءاتهم، وعن ما يخصُّونك به، شعرت بكرامة. دققوا في هذه الأقوال الثلاثة.. احتج إلى الرجل تكن أسيره، أحسن إليه تكن أميره، استغنِ عنه تكن نظيره. لذلك من بعض الأدعية اللطيفة:
اللهمَّ لا تجعل حوائجنا إلا إليك، ودُلَّنا بك عليك.
الغنيُّ هو الذي لا يحتاج أحداً، وهذه ليست إلا لله. أما العبد فإنه يحتاج، إلا أنَّه إذا احتاج إلى ربِّه بقي عزيزاً، أما إذا احتاج إلى عبيده كان ذليلاً لهم.
الإمام الحسن البصري من كبار التابعين وله هيبةٌ لا توصف، وله مكانةٌ عليَّة، سُئِلَ مرةً بِمَ نِلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
أما إذا تعلَّم الإنسان العلم الشرعي، ثم احتاج إلى دنيا الناس واستغنوا عن علمه، فو الله هذا منتهى الذل.. أن يستغني الناس عن علمك، وأن تحتاج إلى دنياهم، لكنَّ الإمام الحسن البصري نال هذا المقام الرفيع باستغنائه عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمه.
والحقيقة: اسم الغني.. والمؤمن إذا أقبل على الله عزَّ وجلَّ، يشتقُّ من هذا الاسم شيئاً، يشعر أنَّه غنيٌ عن المطامع. الطمع أذلَّ رقاب الرجال، غنيٌ عن ما في أيدي الناس، لا يشتهي ما لا يجد.. لي صديقٌ كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظَّمه في عيني صِغرُ الدنيا في عينيه، كان لا يشتهي ما لا يجد، ولا يُكثر إذا وجد. خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً.. من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر.
دخلوا على سيِّدنا أبي عبيدة الجراح، وكان قائد الجيوش الإسلاميَّة في بلاد الشام، رأوا في غرفته قدر ماءٍ مغطىً برغيف خبزٍ، وجلداً يجلس عليه، وسيفٌاً معلَّقٌاً في الحجرة. قيل له: يا أبا عُبيدة ما هذا ؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير، ألا يُبلِّغنا المقيل.
ازهد بما في أيدي الناس، يحبُّك الناس.. ارغب بما عند الله، يُحبُّك الله، الله بالعكس إن أحببت ما عنده أحبَّك، وإن زهدّتَ بما في أيدي الناس، أحبَّك الناس.
فالغني هو الله الذي لا يحتاج أحداً، وجوده ذاتي أما الإنسان يحتاج ؛ لكن بين أن يحتاج الله عزَّ وجلَّ، ويحتاج إلى ما عنده، وبين أن يحتاج إلى خلقه. إذا احتاج ما عنده علا، إن احتاج إلى خلقه دنى.. احتج إلى الرجل تكن أسيره، استغنِ عنه تكن نظيره، أحسن إليه تكن أميره.
بالمناسبة إنَّ أدقَّ ما في هذا الموضوع ؛ حديثٌ صحيح قاله النبيُّ عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
(سنن الترمذي)
لا تنسوا.. أنْ، خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً. إذا كان لديك آلة بسيطة فتصليحها سهلٌ، أما إذا كانت تعمل بالحاسوب وتعطَّلت، ولا يوجد من يصلحها لك، يأتيك الهم فكلَّما كانت الآلة شديدة التعقيد، فتصليحها يكون صعباً وهمَّاً أكبر.. هذه قاعدة.. خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً.
يقول الله عن ذاته .
وهذه لها معنى دقيق.. فأحياناً الإنسان يستغني عن الناس، لأنَّه مستغنٍ عنهم، يترفَّع عنهم، ويستعلي عليهم، وأحياناً يحتقرهم، يؤذيهم بقوله لكنَّ الله جلَّ جلاله مع أنَّه غنيٌ عن خلقه ؛ لكنَّ كماله مطلق.
تجد غنياً بعيداً عن الله، به كبرٌ، وغطرسة، واستعلاء، وتأفف.. وأحياناً تجد غنياً على حجمه المالي الكبير متواضعاً، قريباً منك.. العظمة أن تكون مستغنياً عن الناس ؛ وأنت معهم، تصغي إلى حديثهم، تتعاطف مع مشكلاتهم، يعنيك ما يعنيهم، يؤلمك ما يؤلمهم، ترجو لهم ما ترجو لنفسك.
وهذه صفة عالية جداً، الأنبياء كانوا مع الخلق، يمشون في الأسواق، يعيشون معهم، لذلك قالوا: هناك برجٌ عاجيٌّ فكري، وهناك برجٌ عاجيٌّ أخلاقي.. البرج العاجي مذموم.. يقولون لك: فلان يعيش في برج عاجي، ليس واقعياً، بعيداً عن هموم الناس، إذا ابتعدت عن هموم الناس وعن حياتهم اليوميَّة، وعن مآسيهم، وعن آلامهم،
وعن طموحاتهم فأنت في بُرجٍ عاجيٍّ فكري. أنت تعيش في الأحلام. أما إذا ابتعدت عن سقطاتهم وانحرافاتهم ومعاصيهم فأنت في برجٍ عاجيٍ أخلاقيّ.
الإنسان يتمنّى ولداً حتى يُعينه في الكِبَر، وهذه هي سنَّة الله في خلقه. فتجد الشاب يصعد على الدرجات قافزاً كل عشر درجات معاً، وبعد فترة يصعد درجة درجة، ثم يضع رجله فوق الدرجة ويرتاح، دقيقتين ثم ينقل رجله الأخرى ويرتاح كذلك دقيقتين،
ثم بعد ذلك لا يستطيع الصعود ؛ فينتقل إلى بيت غير مرتفع أرضي. فالله عزَّ وجلَّ غني أما الإنسان مفتقر.
﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
فنحن بحاجة إلى أولاد لأنَّ الإنسان فانٍ، وبابنه يشعر بامتداد أثره، الإنسان ابنه يُعوِّض نقصه، فإذا لم يكن قد درس، فيكون حريصاً على أن يُدَّرِسَ ابنه.
وإذا لم يتاجر يقول لك: لا أريد أن أجعله موظفاً. وإذا لم يكن الأب متعلِّماً للغة من اللغات، يقول لك: أريد أن أعلِّم ابني للغة. فالإنسان أحياناً يحقق نقصه بابنه، ويحقق فيه امتداده لأنَّه فاني ؛ فيقول لك: هذا من أثري، يخلفُني، ذِكْرٌ لي بعد أن أموت. فالإنسان بحاجة إلى ولد..
﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
ليس بحاجة إلى ولد.
وفي سورة إبراهيم يقول تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
انتهى
فقه أسماء الله الحسنى 31
شرح اسم الله - الإله1
اللقاء الأول
إنّ أصول الأسماء الحسنى التي تجمع في دلالاتها معاني سائر أسماء الله ثلاثة أسماء وهي:
الله
والرب
والرحمـٰن.
طريقة دراستنا لباب الأسماء والصفات: سنستخدم كتاب (فقه الأسماء الحسنى) للشيخ عبد الرزاق البدر، ونسير فيه بالترتيب، فأول اسم ذكره الشيخ هو اسم: (الله، الإله)، وذلك بعدما ذكر مقدمة عن أسماء الله. سنقرأ كل يوم ما تيسر من نفس الكتاب، ونعلّق عليه. بسم الله. قال -حفظه الله-:
ما ميزة هذه الثلاث الأسماء؟ سمّاها الشيخ أصول الأسماء الحسنى؛ لأنها تجمع في دلالتها سائر معاني أسماء الله.
فهذه الأسماء الثلاثة تنتظم في دلالاتها جميع أسماء الله، وأسماء الله تدور عليها وترجع إليها:
فاسم (الله) متضمّنٌ لصفات الألوهية.
واسم (الرب) متضمّنٌ لصفات الربوبية.
واسم (الرحمـٰن) متضمّنٌ لصفات الإحسان والجود والبر.
فقه أسماء الله الحسنى 32
شرح اسم الله - الإله2
الدرس الثاني
في سورة الفاتحة قال تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ} وهنا: لفظ الجلالة (الله). {رَبِّ الْعَالَمِينَ} هنا: الرب. {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } هنا: الرحمن.
استشهد الكاتب بكلام ابن القيم -رحمه الله- في سورة الفاتحة؛
ليبيّن لك أن أصول أسماء الله تعالى ثلاث: (الله، الرب، الرحمن) والثلاث هذه في سورة الفاتحة، فقد عرّفتنا بالله بثلاثة أسماء: (أنَّه الله، وأنَّه الرب، وأنَّه الرحمن).
أما الرحيم يعود إلى الرحمن؛ لأن الرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة، فمِن رحمته الواسعة أنَّهُ يوصل رحمته لكل أحد.
وأيضًا السورة نفسها مبنية على هذه الثلاثة أمور: الألوهية. والربوبية. والرحمة.
يتبين ذلك لما تقرأ: {الْحَمْدُ للّهِ} فهنا عَرَفْتَ الله، {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهنا عَرَفْتَ الرب، ومن {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } عَرَفْتَ الرحمن، وبعد ذلك أتى قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }
[الفاتحة : 4-6[ .
أما{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فمبنية على الألوهية؛ أي أني أعبدك لأنك إلهي؛ لأنك الله (الألوهية).
{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أستعين بك لأنك الرب المعين (الربوبية).
ثم أتى طلب الهداية في قوله: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} ففيها طلب الصراط المستقيم، وأنت تعتقد أن الله رحمن رحيم؛ أي أنك تعتقد في الله صفة الرحمة.
إذن {الْحَمْدُ للّهِ} الحمد يتضمّن الأمور الثلاثة؛ فهو يُحمد -سبحانه وتعالى- على ألوهيته، وعلى ربوبيته، وعلى رحمته.
ثمّ كلّ هذه الصفات تجتمع وتظهر آثارها يوم الدين {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيظهر من ربوبيته، ورحمته، وألوهيته ما لا تدركه العقول اليوم، وتظهر أيضًا آثار الربوبية عليك؛
فإذا اتخذت الله ربًا وإلهًا وطلبت منه الرحمة، ستظهر آثار طلبك منه يوم الدين، فكلما زدت تأليهًا له، واستعانة به، وطلب الرحمة منه، كان هذا اليوم العظيم أسهل وأيسر عليك، وكلما ضعفْت في هذا، كان يوم الدين أصعب وأعسر عليك. فنسأله بمنِّه وكرمه أن يجعلنا ممن كان هذا اليوم عليه يسيرًا، اللهم آمين.
فقه أسماء الله الحسنى 33
شرح اسم الله - الإله3
وأول ما نبدأ به من أسماء الله الحسنى اسمه تبارك وتعالى (الله)، وهو اسم ذكر جماعة من أهل العلم أنه اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.
ولهذا الاسم خصائص وميزات اختصّ بها:
أ- أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها،
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180[
وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8[
وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر
ومعروف أنّ الاسم الأعظم لله -عزَّ وجلَّ- هو اسم من أسمائه التي ذُكرت في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن لم يُخصَّص الاسم، فأصبح للعلماء فيه آراء، فمنهم مَن قال أن (الله) هو الاسم الأعظم.
فقه أسماء الله الحسنى 34
شرح اسم الله - الإله4
ولهذا الاسم خصائص وميزات اختصّ بها:
أ- أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها،
قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180[
وقال تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8[
وقال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر
لم يُخصَّص الاسم، فأصبح للعلماء فيه آراء، فمنهم مَن قال أن (الله) هو الاسم الأعظم.
سائر الأسماء مضافة إلى اسم الله؛ فاسم الله هو أصل لجميع الأسماء، وجميع الأسماء مضافة إليه، واستشهد الكاتب هنا بآية الأعراف وآية الحشر؛ أما آية الأعراف ففيها إثبات أنه الأصل لجميع الأسماء: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى، فأصبح اسم الله هو الأصل، وجميع الأسماء الحسنى تابعة له. ثم في آخر آية من سورة الحشر أضيفت الأسماء الحسنى للفظ الجلالة الله: {هُوَ اللَّهُ} ثم أضيف {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} والآية التي تسبقها أيضا نفس الأمر لكن هناك فاصل بين الله وبين الأسماء المضافة إليه، قال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ثم أضيف {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} فكلها مضافة إلى الله.
إذن مِن خصائص اسم الله أن الأسماء تُضاف إليه.
ويقال: (الرحمن الرحيم الخالق الرزاق العزيز الحكيم) من أسماء الله.
ولا يقال: (الله) من أسماء الرحمن الرحيم أو من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
ومن خصائص هذا الاسم :
ب- أنه مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال.
والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي هي صفات الجلال والكمال والعظمة، فهو الاسم الذي مرجع سائر أسماء الله الحسنى إليه، ومدار معانيها عليه.
فقه أسماء الله الحسنى 35
شرح اسم الله - الإله5
أنه أكثر أسماء الله
الحسنى ورودًا في القرآن الكريم، فقد ورد هذا الاسم في القرآن أكثر من ألفين ومائتي مرّة، وهذا ما لم يقع لاسم آخر، وقد افتتح الله -جلّ وعلا- به ثلاثًا وثلاثين آية.
وقد عدّد العلامة ابن القيم عشر خصائص لفظية لهذا الاسم, ثم قال:
"وأما خصائصه المعنوية فقد قال فيها أعلم الخلق به -صلى الله عليه وسلم- ((لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)).
وكيف تحصى خصائص اسم مسماه كل كمال على الإطلاق ومدح، وكل حمد، وكل ثناء، وكل مجد، وكل جلال، وكل كرم، وكل عزّ، وكل جمال، وكل خير وإحسان وجُود وبِّر وفضل، فَلَهُ ومِنْهُ؟!
- فما ذكر هذا الاسم في قليل إلَّا كثّره
- ولا عند خوف إلَّا أزاله
- ولا عند كرب إلَّا كشفه - ولا عند همٍّ وغمٍّ إلَّا فرَّجه
- ولا عند ضيق إلَّا وسَّعَه - ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلَّا أفاده القوة
- ولا ذليل إلَّا أناله العزّة - ولا فقيرٍ إلَّا أصاره غنيًّا
- ولا مستوحش إلَّا آنَسَه - ولا مغلوب إلَّا أيَّده ونصره
- ولا مضطرٍّ إلَّا كشف ضرَّه - ولا شديد إلَّا آواه
- فهو الاسم الذي تُكْشَفُ به الكربات - وتُستنزَلُ به البركات والدعوات
- وتُقالُ به العثرات - وتُستَدفَعُ به السيِّئات
- وتُستَجلَب به الحسنات..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
فقه أسماء الله الحسنى 36
شرح اسم الله - الإله6
أيضًا من خصائصه:
هذا كله يعتمد على اعتقادك في هذا الاسم، أي أنه كلما زاد يقين العبد بأن الله كامل الصفات، وأنه إذا قال: (يا الله) نادى الله، نادى مَن له الكمال المطلق، ومَن بيده الأمر كله، ومَن هو على كل شيء قدير. فإذا امتلأ قلبه بذلك، كُشفت الكربات، نزلت البركات، أُقيلت العثرات، اُستدفعت السيئات.
أما إذا دَعوت وقلت: (يا الله) وقلبك ما امتلأ اعتقادًا أنه كامل الصفات، سيكون هذا مثل أي كلام تقوله وقلبك غير ممتلئ به، فأصبح مدار الانتفاع باسم الله بل بكل الأسماء على ما قام في قلبك، فإذا امتلأ قلبك يقينًا بأن كلمة (يا الله)، لفظ الجلالة (الله) تعني لك أنه كامل الصفات، تعني لك أنه: كامل العلم، كامل القدرة، كامل الإطلاع،
أنه محيط بك، أنه على كل شيء قدير، أن حالك عنده معلوم، وأن فرجك بيده، كل هذا لما يقع في قلبك ستكون كلمة (يا الله) مختلفة عما لو كان الإنسان ضعيفًا في اعتقاده، ولذلك تجد العبد يقول بلسانه: (يا الله)؛ لكن بوجدانه معلق بغير الله! لماذا يتكلم الإنسان بلسانه بشيء مختلف عما قام في قلبه؟ بسبب ضعف العلم عن الله أو ضعف اليقين.
فأنت تحتاج مع أسماء الله تعالى إلى أمرين:
الأمر الأول: العلم؛ فتتعلّم معنى الاسم.
الأمر الثاني: اليقين بهذا المعنى.
فقه أسماء الله الحسنى 37
شرح اسم الله - الإله7
فأنت تعْلم أن معنى اسم الله هو كل معاني الأسماء الحسنى، فكل شيء ستتعلمه بعد ذلك سيعود له، فكأنه يُضاف في قلبك إلى معنى اسم الله.
سنتقدّم ونتعلّم عن الرب، عن الرحمن، عن الجبار، عن الستير، عن الغفور، عن الشكور، وهذه كلها من أسماء الله، فكلما تعلمت اسمًا تُضيفه إلى اسم الله، تضيفه إلى المعنى القائم في قلبك، فلَمّا تقول: (يا الله) تجمع في قلبك كل الذي تعلمته عن الله: أنه شكور، غفور، جبّار، قريب، مجيب، سميع، بصير، كل الذي تعلّمته تجمعه في لحظة حاجتك، وعلى ذلك أصبح العلم مهم جدًا لكي تنتفع مِن تعاملك مع أسماء الله،
لابد أن تتعلم معانيها من أجل أن تنتفع بها. لكن هل يكفينا العلم؟ لا، فهناك أناس كثيرون عندما تسألهم عن معنى اسم كذا وكذا، يستطيعون الإتيان بالمعاني منضبطة وبأدلتها وشواهدها. لابد أن يُضاف إلى العلم اليقين، وهذا يغيب عن كثيرين!
كيف أتيقن بمعاني أسماء الله تعالى؟
بملاحظة تربية الله، وسيظهر لنا ذلك لما نأتي عند اسم (الرب)..
الله -عزَّ وجلَّ- يربّيك طوال حياتك، يربّيك بما يجريه عليك مِن أقدار؛ وهذه الأقدار التي تجري عليك ينقسم الناس أمامها إلى صنفين: أعمى، وبصير. لذلك تجد في كتاب الله تكرار الكلام عن الأعمى والبصير؛ وأن الناس إما أعمى أو بصير. فمَن هو البصير؟
فقه أسماء الله الحسنى 38
شرح اسم الله - الإله8
البصير هو: الذي بصّره الله بتربيته، فإذا أقدمت مثلا على عمل، ومنعك الله منه، كيف تُفسّر منْع الله لك؟ إذا كنت بصيرًا سترى أن اختيار الله أحسن مِن اختيارك، وستنتظر مِن ردّك عن هذا الأمر الخير؛ لأن شيئًا يمنعك الله عنه فمِن المؤكد أن المنع هو المصلحة، لكن مَن يرى هذا؟ البصير، ونحن لدينا أعمى وبصير، ولدينا أيضا أناس في الوسط ليسو عميان تمامًا، وليسو بصيرين تمامًا.
في الغالب لما يكون هناك ضعف علم عن الله أو ضعف يقين، ويأتينا المنع، يكون عندنا تقريبًا عمى، فلا نرضى عن الله ولا نرضى عن أفعاله. اليقين يأتي من تربية الله. لكن متى ستنتفع مِن تربية الله؟ كلما ازددت بصيرةً، كلما استعملت الذي تعلمته في تصرفاتك.
فعلى سبيل المثال، مَرّ معنا اسم (الجبار)، وقلنا أن مِن معانيه: الذي يجبر القلوب المنكسرة، فإذا أردت أن تؤمن بهذا الاسم جيدًا لابد أن تغفل تمامًا عن كل أحد غير الله أنه يجبر قلبك، واعلم أنه لا يجبر قلبك إلا الله، وانظر إلى الحياة، تجد أنك إذا دخلت في مُشكلة مع أحد وجَرَحَك وتكلّم عليك، وجاء يعتذر لك، تجد أنه بدلاً مِن أن يُصلِح الموقف زاده سوءًا أو أخرج كلمة أكبر من الكلمة التي مضت! خصوصًا في الاحتكاكات الشديدة (الزوج، الأبناء) دائمًا تأخذ منهم هذه الجروح، فهذه الاحتكاكات الشديدة مهما كان فيها اعتذارات فلازال فيها ثغرات وآلام، فمِن أجل أن تَحِل مشكلتك ماذا يجب عليك أن تفعل؟ لا تتصور أن هؤلاء يجبرون قلبك بكلامهم، قد يأتي كلام طيّب، الحمد لله هذا رزق من الله؛ لكن مَن في الحقيقة يجبر قلبك؟ الله –عز وجل-، فحتى يُجبر قلبك لابد أن تدفع عن قلبك التعلق أن هؤلاء يجبرون قلبك، وتتعلق بالله أنه يجبر قلبك.
نحن نريد اليقين، أنتِ عشتِ المواقف، وزوجكِ مثلا تكلم عليك وحزنتِ وبكيتِ، ثم جاء يعتذر، ففتحنا الموضوع من جديد، ودخلنا في نقاش جديد، ولازال غير معترفا بخطئه، وأصبح الاعتذار مشكلة جديدة! ولن ننتهي! كلما حدثت هذه المواقف زادتك يقينا أنه لا يجبر قلبك إلا الله! فلما تجد أن الاعتذار أصبح مشكلة، هذا يبصّرك أنه لا يجبر قلبك إلا الله، أما الناس فيُجري الله على ألسنتهم ما يجبر به قلبك، لكن متى؟ لما ما تنتظر الجبر إلا من الله، لما يكون قلبك معلقا بأن الله هو الذي يجبرك، حينها يُجري الله -عز وجل- على ألسنة الناس حولك ما يكون جبرا لخاطرك. لكن أن تأتي وتقول: من حقي عليك أن تعتذر، ومن حقي كذا وكذا.
قد ينفذها نعم مثل الرجل الآلي، ثم تقولين: ليته ما اعتذر! فاعتذاره أتى لي باكتئاب، والناس يردون عليك بأنك في بطر ولا تخافين الله، فتدخلين في دوامة ولا أحد يشعر بك، لأنه اعتذر أصلا بأسلوب مستفز، وقد تحكين الذي حصل لكِ لأحد فيقول لك: احمدي الله فزوجي لا يعتذر ولا يعترف، فتبقين تغلين من الداخل ولا أحد يشعر بك، هذا جزاء وفاقا، لأنك ظننتِ أن الناس يجبرون قلبك.
فعليك أن تتيقن، تكفيك هذه التجربة التي مررت بها لتفهم أن الناس لا يجبرون كسرك، والله هو الذي يجبر الكسر، إما من عطائه، فيكون الزوج ليس كثير الاهتمام ولكن الأبناء والإخوان والأب والأم شديدي الاهتمام الحمدلله، فينقص جانب لكن تأتي جوانب أخرى، والدنيا أصلا لابد أن يكون فيها ابتلاء {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } فاقبل جبر الله لك.
وأيضًا من عطاء الله وجبره لك أنه يجري على لسان هذا الذي أنقصك كلامًا يجبرك به. مقصدنا مِن هذا كله أنك لما تعيش المواقف تفهم أنه ما جبرك إلا الله، وما أعطاك إلا الله، وما أغناك إلا الله، وما رزقك إلا الله. مواقف متكررة ولو حكيتها لأحد لن يفهمها، ولا يهم ذلك، فمن القواعد المهمة للانتفاع بالتربية أن لا تحكي لأحد شيء لأنك مهما حكيته فلن يفهم لأنك تعرف كل الملابسات لهذه التربية التي رباك الله إياها، لما يربيك الله تزداد يقينا، ففي المرة القادمة يستحي قلبك أن يلتفت لغير الله، أن يطلب غير الله.
فقه أسماء الله الحسنى 39
شرح اسم الله - الإله9
فمطلوب منك أمران: الأمر الأول أن تتعلم والأمر الثاني أن تتيقن. كيف تتيقن؟ انتفع بتربية الله لك، فالله يربيك، وإذا كنت بصيرا انتفعت مما تعلمته، ومن رحمة الله بعباده أنه يعلمهم ثم يربيهم، يعلمك المسألة ثم يربيك فيها ويرى هل تُبْصِر بعدما بصّرك أو تبقى أعمى؟! ولذلك كثير من طلاب العلم الذين يحضرون دروس العلم يجدون كثيرًا من أحوالهم تُقال في الدروس، مَن الذي أخبر المتكلم؟! لم يخبره أحد، إنما الله يُجري على لسان المتكلم ما ينفع السامع؛ لأنه هو الذي يربّي عباده -سبحانه وتعالى-، ويربّيهم بتعليمهم؛ فيعلّمهم ويبصّرهم، لكن الناس ينقسمون إلى قسمين: أعمى وبصير.
فمتى ينفعك اسم الله هذا النفع كما ذكر ابن القيم: "فماذكر هذا الاسم في قليل إلا كثّره، ولا عند خوف إلاَّ أزاله، ولاعند كرب إلاَّ كشفه، ولا عند همٍّ وغمٍّ إلا فرجه، ولا عند ضيق إلاَّ وسَّعَه، ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلاَّ أفاده القوةَّ، ولا ذليل إلا أناله العزة، ولا فقيرٍ إلا أصاره غنياً" متى يحصل كل هذا؟ على قدر ما قام في قلبك من يقين، واليقين عبارة عن علم وانتفاع بتربية الله. على قدر ما قام في قلبك من اعتقاد على قدر ما تنتفع من أسماء الله.
لا تتصور أن القضية في عدد، فقد يأتي مَن يقول: "اسم (اللطيف) له ملائكة! قُل:(اللطيف) ألف مرة وهذا التكرار يأتي بالملائكة التي تنفعك!" ليست هذه الطريقة؛ بل الطريقة أن تعتقد في الاسم كمال صفات الرب، فإذا اعتقدت نفعك الله بما اعتقدت، لذلك ورد في الحديث: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))[1] فإذا تعلقت بالله كيف يعاملك الله؟ يكون وكيلك؛ وإذا كان الله وكيلك كفاك كل همّ، ودفع عنك كل غمّ، ولا ترى الشرور إلا عابرة عنك مِن قوة حصانتك.
فقه أسماء الله الحسنى 40
شرح اسم الله - الإله10
تجد شخصا يقول لك: "الكهرباء كانت ستُحدث حريقا هنا لكن دفع الله الشر". وأنت غافل عن أنه تبقى ثانية واحدة ويحصل حادث، لكن دفع الله عنك الشر وأتى الخير، وأنت تكون في وسط هذا، وما تسمع الشرور إلا وهي مارّة، لأنك تحصنت بالقوي العزيز.
ومثله لما يأتيك الشيطان وتكون قد تحصّنت بالله وتقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) متى تنفعك هذه الكلمة؟ على قدر يقينك بالله –عز وجل- وبأنه يعصمك وأنه يدفع عنك الشيطان ويخذله. لذلك كلما تيقنّت أن: مَن آوى إلى الله آواه الله، تنتفع بالاستعاذة ولا يتسلط عليك الشيطان، فأصبحت كل القضية في قلبك، قلبك هو محط نظر الرب: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ))[2] فانظر إلى قلبك أين مكانه؟ وبماذا امتلأ؟ فعلى أساس هذا القلب ستكون معاملة الرب لك.
إذن كل البركات في هذا الاسم تنزل على مَن اعتقد؛ لأننا نسمع ثناءً على مَن تعلق بأسماء الله، ونرى أننا نردد الأسماء وما نجد كثيرًا من آثارها! لماذا؟ لأنك لن تنتفع بأسماء الله إلا بقدر اعتقادك.
وأما معنى هذا الاسم فأصله (الإله) وهو بمعنى المعبود.
بعد ذلك قال:
ما العلاقة بين لفظ الجلالة (الله) والعبادة؟
(الله) أصلها (إله)، والفعل من (إله) هو التأليه، والتأليه معناه التعلق والتعظيم اللذان يورثان الذل، والذل يورث العبادة، إذن الله أصلها الإله وهو يعني المعبود.
أصل كلمة (الله) مِن إله، وإله معناه
مألوه
مألوه أي تألهه القلوب، مِن (الألوهية)
فقه أسماء الله الحسنى 41
شرح اسم الله - الإله11
انتقل إلى (الإله)؟ لأنه أصل اسم الله، واستشهد بآية البقرة وآية التوبة وآية الأنبياء، فآية البقرة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} تدلّ على ثبوت اسم الإله. وآية التوبة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أيضًا تدلّ على ثبوت اسم الإله. وفي الأنبياء: { قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إثبات اسم الإله. فهذا كله فيه إثبات لاسم الإله.
وهذا وإنَّ أجمع وأحسن ما قيل في معنى (الله) ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:
”الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين“. رواه ابن جرير في تفسيره.
ما معنى الله ؟
ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين؛ يعني صاحب الألوهية والعبودية، والصاحب يعني المستحق لها.
فقد جمع -رضي الله عنه- في هذا التفسير بين أمرين:
الأول: الوصف المتعلِّق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدال عليها لفظ (الله)
كما دلّ على العلم -الذي هو وصفه- لفظ (العليم)
وكما دلّ على العزّة -التي هي وصفه- لفظ (العزيز)
وكما دلّ على الحكمة -التي هي وصفه- لفظ (الحكيم)
وكما دلّ على الرحمة -التي هي وصفه- لفظ (الرحيم)
وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها
فقه أسماء الله الحسنى 42
شرح اسم الله - الإله12
العليم اسم، والصفة العلم. العزيز اسم، والصفة العزة. الله اسم، والصفة الألوهية. إذن كل اسم من أسماء الله متضمّن لصفة، مرّر على ذهنك أسماء، واذكر الصفة منها:
الاسم
الصفة منه
الكريم
الكرم
السميع
السمع
الحكيم
الحُكم والحِكمة
الحليم
الحِلم
اللطيف
اللطف
القوي
ذو القوة
هناك أسماء مشهورة والصفات منها واضحة، لكن هناك أسماء أيضا مشهورة والصفات منها ليست ظاهرة في الذهن؛ فاسم الشكور من أسماء الله، ولو قلنا لك: اكتب سطرين في معنى هذا الاسم، سيتجه العقل مباشرة إلى الشكر الصادر من العبد، مع أنك تتكلم عن صفة لله؛ لكن ذلك من كثرة غرابة المعنى. نحن نتصور أن العبد عليه أن يشكر ربه، لكن كيف يشكر الله عباده؟ نعم يشكر الله عباده، وهذا من عظيم رحمته تعالى وعطائه: أنك تعمل الحسنة، فيشكرها الله -عزَّ وجلَّ- لك فيجعلها إلى سبعمائة ضعف أو أكثر، كما في آية سورة البقرة: {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}وصف الله نفسه بأنه واسع: بمعنى أنه واسع العطاء، وعليم بمن يستحق هذا العطاء. إذن تحتاج أن تمرِّر على نفسك أسماء الله وتعرف ما هي الصفة في كل اسم، وعلى أساسه سيسْهُل عليك استيعاب معاني الأسماء. فمثلا المُهيمن: ما المقصود باسم المهيمن؟ نقرأ معناه من كتاب (فقه الأسماء الحسنى):
قال: ومعنى المهيمن أي:
المطّلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور
الذي أحاط بكل شيء علمًا
الشاهد على الخلق بأعمالهم
الرقيب عليهم فيما يصدر منهم من قول أو فعل
لا يغيب عنه من أفعالهم شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
إذن المُهيمن يعني المُطلع على خفايا الأمور، أي أن له علاقة بصفة العلم؛ فالصفة التي نثبتها في اسم المهيمن هي العلم، فعلمه -سبحانه وتعالى- مُحيط بكل شيء، مُطلع على خفايا الأمور، رقيب على أعمال العباد، فاسم المهيمن يدور حول كمال صفة العلم.
نأخذ مثال أيضا اسم المؤمن، يدور معنى اسم المؤمن حول أنه -سبحانه وتعالى- مُصدِّق لنفسه، مُصدِّق لوعده، ومُصدِّق لوعده لجزائه للمؤمنين. فالاسم لابد أن يكون وراءه صفة يوصف الله بها.
كذلك اسم السلام، الصفة: أنه سالم من النقص والعيب.
فكل اسم متضمن لصفة، وقد تستطيع أن تأتي بالصفة من ظاهر الاسم، مثل العليم صفته العلم، والعزيز صفته العزة، لكن هناك أسماء من الصعب عليك استخراج الصفة لو ما راجعت معناها، فلابد من مراجعة معناها، مثل المؤمن والمهيمن. إذن الله اسم، والصفة: أنه ذو الألوهية. ما معنى أنه ذو الألوهية؟ نقرأ من أجل نتصور المسألة.
فكذلك (الله) هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحقّ أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشاركٌ بوجه من الوجوه، وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرّ والكرم والامتنان.
فقه أسماء الله الحسنى 43
شرح اسم الله - الإله13
(الله) يعني: ذو الألوهية؛ أي أنه هو الإله، فكأنك تقول: إله؛ لأنه موصوف بأوصاف الألوهية، أي أن له جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان، كلها مُجتمعة في الله الذي يستحق الألوهية،
أي أن جميع أوصاف الكمال مجتمعة فيه، منتفية عنه جميع أوصاف النقص. لذلك لا يستحق أحد أن يكون مع الله إلهاً، لماذا؟ لأن كل الخلق أوصافهم أوصاف النقص، والله -عزَّ وجلَّ- له أوصاف الكمال، وله من الكمال أكمله، أما العباد ففيهم كمال، لكنه ناقص على قدرهم، وأيضًا فيهم أوصاف نقص، فقد جمعوا بين مشكلتين: أن فيهم أوصاف نقص، وأن الكمال الذي فيهم ناقص.
في المقابل وصف الله تعالى: أوصاف النقص منفية عنه:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}
فقه أسماء الله الحسنى 44
شرح اسم الله - الإله14
وأيضًا موصوف بصفات الكمال، بل له من الكمال أكمله، لذلك استحق أن تتعلق به وتترك باب كل أحد غيره، هذا الاسم يزيد معناه في قلبك كلما زدت علمًا عنه -سبحانه وتعالى-، فكل ما تعلمته كأنك تجمعه تحت هذا الاسم، فلما تقول: (يا الله) يكون في قلبك أنه (رحمن رحيم، جبار، غفور، شكور...) كل هذه المعاني، ولذلك لن تزداد حبًّا لله تعالى إلا بزيادة علمك عنه.
إذن معنى لفظ الجلالة الله: أنه ذو الألـوهية؛ وذو الألوهية يعني صاحب الألوهية، أي المستحق أن يكون إلها، ومَن المستحق أن يكون إلهًا؟ هو مَن جمع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرّ والكرم والامتنان، هو صاحب الألوهية، هو الذي يستحق أن يكون إلهًا، وهذا الأمر لما تُثبته لابد أن تستخدم أمامه النفي لغيره.
فإذا اعتقدت أن الله هو إلهك كامل الصفات، لابد مع هذا الاعتقاد أن تستعمل نفي هذه الصفات عن كل أحد غيره؛ وهذا معنى: لا إله إلا الله.
ما معنى لا إله إلا الله؟
نبدأ أولًا من عند اسم (إله)، فلما تقول: ليس لي (إله)، أي ليس لي معبود أعبده، ليس عندي أحد أعتقد أنه كامل الصفات أتعلق به وأعظمه إلا الله، هو: الذي أعتقد أنه ذو الألوهية، هو: الذي أعتقد أن جميع أوصاف الكمال، والجلال، والجمال، والرحمة، والبر، والكرم، والامتنان له، فأنت تنفي هذه الصفات كلها عن غير الله،
وتثبتها لله –عز وجل-، ومن تفسير هذا مثلًا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فكل أحد غير الله وصفه أنه فقير، لا غني إلا الله، لا حميد في كل أفعاله وفي كل أقواله إلا الله، وحميد تعني أنه محمود، فلا يُحمد عليها إطلاقًا إلا الله.
لكن هل أنت تعيش هذا واقعيًا؟! يأتي الفرق هنا بين الناس في تحقيق معاني أسماء الله؛ ومِن أجل ذلك ورد في الحديث ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))[3] أحصاها يعني: أخذها من مصادرها، وعاش تحت ظلها، فمثلًا لو كنت تعتقد بأن الله هو الحميد، أي أنه المحمود على كل أفعاله إطلاقًا، وأفعاله هي ما يجري عليك من قضاء وقدر،
و كذلك محمود –سبحانه وتعالى- على كل أقواله، وأقواله يُقصد بها كتابه، وكن فيكون لكل المخلوقات، فلما تقول: أنا أؤمن أنه وحده -سبحانه وتعالى- الحميد على كل أفعاله وأقواله، فهل أنت مؤمن بقضائه وقدره وحامد له عليه؟ هل واقع في قلبك أنه ما يأتيك من الله إلا الخير؟ على حسب درجة وقوع هذا الأمر يكون إيمانك بالاسم.
فقه أسماء الله الحسنى 45
شرح اسم الله - الإله15
إذا كنت مؤمن حقيقةً أن لا إله إلا الله، فهذا يعني أنك معتقد بأن كل أوصاف الكمال موصوف بها الله، وأيضًا منفية عن غير الله؛ أي أنك تحتاج لأن تعيش تحت ظل تفكيرين وهما:
التفكير الأول: ضعف الناس وعدم استحقاقهم لا للتعلق ولا للتعظيم ولا للرجاء ولا للوقوف عند بابهم ولا لأي شيء، كل هذا يجب أن ينتفي عن الناس.
يُقابله: لا رجاء لك إلا بالله، لا متعلق ولا معظم في قلبك إلا الله، فكل ما تعتقده من كمال صفات في الله لابد أن تنفيه عن الناس، لكن الناس فيهم بعض كمال، فمن أين أتاهم هذا الكمال؟ الكمال ما أتاهم إلا مِن الله، وهم ليسوا أهل الكمال التام بل كمالهم الذي تراه ما هو إلا بسبب ستر الله عليهم؛ وإلا في الحقيقة هم نقائص، ودائما نقول للمرأة: لا تتعلقي بزوجك، لا تتعلقي بأبنائك،
ونقول للأبناء: لا تتعلقوا بآبائكم تعلقًا يجعلكم تظنون أنهم كُمَّل؛ لأنه كل ما زاد ظنك في أن هذا كامل كلما كنت سببًا لكشف ستر الله عنه بالنسبة لك، فالشخض الكامل -في صورته الظاهرة- يزيد تعلقك به، ويزيد إحساسك أنه كامل، ويزيد تعظيمك له وشعورك أنه كامل؛ وكلما زاد هذا الشعور كلما كنت سببًا في أن يكشف الله لك عيوبه. لماذا؟ لأن هذا مِن تربية الله لك، يكسر لك مَن تراه عظيمًا.
ومِن أجل ذلك ارحم نفسك وارحم حتى الناس الذين ترتبط بهم، فلا تظن فيهم الكمال المطلق؛ لأنك إذا ظننت فيهم الكمال المطلق سيُكشف سترهم، فهم يكونون مستورين ومحترمين عندك، فلما تعظمهم زيادة يكشف الله لك ما بهم من عيوب.
فإنّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤْلـَه ويُعبد لأجلها فيؤله لأن له أوصاف العظمة والكبرياء
ويؤله لأنه المتفرد بالقيوميّة والربوبية والملك والسلطان
فقه أسماء الله الحسنى 46
شرح اسم الله - الإله16
فإذا كان –سبحانه وتعالى- مالك الملك فلا يخدعك ما هو واقع في الحياة.
فقد تقول: مُعاملتي هذه تحتاج لتوقيع فلان. لكن مَن يملك تمرير هذه المعاملة؟ في العقل المجرد عند الناس أن فلان الذي سيُوقّع، فلما تُقبل عليه تُقبل بأحد شعوريي
1.إما تُقبل عليه وقلبك قاصده هو لأن يوقّع، ومستعد لأن تقدم تنازلات وتسترجيه.
2.وإما تُقبل عليه وقلبك ما يقصد إلا الله وشاعر أن الله لو أراد أن يجعله يفعل سيفعل، فتتعلق بالله أن يجعله يفعل.
هذا الفرق بين أن تعتقد بأن الله هو مالك الملك وأنه الرب وأنه المدبِّر، وبين أن تعتقد بأن هذا الشيء تحت يد فلان و لن يأتي إلا لما فلان يوافق، وهذا مثله مثل صورة علاقتنا بالأزواج وبالأبناء ومسألة صلاحهم، ماذا تعتقد في كل هؤلاء؟ ماذا تعتقد في صلاحهم؟ حب الأزواج لزوجاتهم من أين سيأتي؟ رضاهم من أين سيأتي؟ القلوب هذه مُلك مَن؟ مُلكٌ لله تبارك وتعالى.
إذن لا تخاطب هذا الذي أمامك، بل تعلّق بالله الذي يملك قلبه، وسترى حينها أثر هذا على قلبه؛ ولذلك تجد كثيرًا ممن يستقيم يجد معارضات مِن الأهل ومِن الناس الذين حوله، وأن هذا ليس راضٍ على حجابه أو على قيامه في الليل. هناك حل واحد:
*كن صادقًا مع الله، فمَن آوى إلى الله آواه الله
*كن صادقًا مع الله وكل تفكيرك بأنك لو تقربت إلى الله سيُغير مافي قلوبهم.
*أيضًا تفهّم جيدًا أن في الوسط هناك شيء اسمه (عقبة) {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ }أي أنك لابد أن تُبتلى وتُختبر في الوسط قبل أن يعطيك الله-عزَّ وجل- قلب هذا ورضا هذا وقبول هذا، والعقبة هذه لابد لها مِن صبر ولابد لها مِن زمن؛ فمِن أجل هذا لما تنظر في سورة العصر ماذا تجد؟
أن الفالحين الصالحين ما وصفهم؟ {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} لابد أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر، ولذلك غالب الذين لديهم مشاكل لا نقول لهم إلا كلمتين: الحق كذا، ولابد أن تصبر. لن تُحل المشكلة بدون الصبر.
على ماذا يدور كلامنا هذا كله؟
على أنك لو تعلقت بالله، وأنت تعلم ما له -سبحانه وتعالى- من كمال صفات، لابد أنه لن يخذلك، وهذا أحد مفاهيم سورة الكهف التي تقرأها كل جمعة.
إذن أنت تقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة وكم مرة في اليوم من أجل أن تذكّرك لماذا يجب أن يقع في قلبك أنه: لا إله إلا الله.
وقصة أصحاب الكهف أيضا تقرأها كل جمعة وهي تعلمك أنه لا يمكن أن تأوي إلى الله ولا يُؤويك الله، لابد أن يؤويك.
فقه أسماء الله الحسنى 47
شرح اسم الله - الإله17
لكن كن صادقًا في لجوئك إليه، مُعتقدًا أنه كامل الصفات، مُعتقدًا أنه يرد عنك الشر، يرد عنك البلاء، حتى لو طالت المدة! حتى لو أتت صُعوبات! فقط عند باب الله قف! واسأله هو، سيُذلّل لك كل ما تراه صعبًا وعظيمًا ولابد؛ ولذلك أنت تؤلهه لأنه المتفرد بالرحمة وإيصال النعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه.
انظر هذا المعنى الآن في أذكار الصباح والمساء التي تقولها، فأنت تقول ((اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ)) [4] ونحن نردِّد هذا المعنى دائمًا؛ لأنه ينطبق على تفاصيل حياتنا.. على كأس الماء، على الأكلة التي تأكلها، على النومة التي تنامها، على المشية التي تمشيها، فيها كلها تعتقد أن ما بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر.
ننظر إلى الحياة فنجد أنها أخذتنا في الغفلة، والغفلة أخذت منا زمنًا وأخذت منا مشاعر طويلة، فلما تفيق تأتيك صدمة في نفسك: كيف عشت طوال هذه الفترة من الزمن وأنا انسب هذه النعمة لفلان! وهذه النعمة أنسبها لفلان! وهذا المكان أنسبه لفلان..
تخيل عندك ضيوف، والحمد لله كان العشاء جيدا، إلى من ستُنسب هذه النعمة في الواقع؟ هل ستبحث عن المطعم أو الواسطة الذي أتت به؟ انظر إلى أين تتشتت نفوسنا وقتما تأتي النعمة! مثلا أشياء الضيافة تُشترى من محل معين وهذا المحل مرتب وأكله لذيذ، فلما تمر مِن عند المحل هذا تشعر اتجاهه بالاحترام! وهذه المعاملات التسويقية تجعل العميل رهينًا من جهة الاحترام، وأنه ما يأكل إلا من هذا المكان، فأصبحت الأكلة محسوبة أنها طيبة لأنها من هذا المكان، وقد تأتي فتقول: فعلا هي طيبة لأنها من هذا المكان ولو أكلت من غيره لا يكون طعمه كذا!
نقول: لا تُخدع ولا تغتر، ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ))[5] وقد لا يأتي الخراب إلا من عند هذا الذي وثقت فيه كل الثقة!
فقه أسماء الله الحسنى 48
شرح اسم الله - الإله18
ننظر الآن إلى العيد والكسوة والمحلات والتخفيضات، تأتي مَن تقول: بنتي لا أجد لها ملابس بسبب أن سنها كذا أو حجمها كذا، وننسى:((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ))[6] كل هذا غائب، وهذا الحديث وارد في صحيح مسلم، ومتكرر! فتأتيك صدمة في مشاعر الغفلة، الغفلة زمنًا طويلاً، وأنا أتخيل في ذهابي وعودتي من وإلى السوق أنها سبب كسوتي أحسن الملابس، أو أن ابنتي ليس لها حظ أو أنه بسبب أن جسمها كذا وكذا. قد تقول بأن هذه أسباب حقيقية.
نقول أنك لم تفهم الموضوع: ((كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ)) هذه هي الحقيقة، ما يكسيك إلا الله؛ لكنك أصبحت رهين الأسباب، وعاملك الله بما أنت رهين له، ويزيد عليك البلاء.
من أجل ذلك لابد أن تفهم معنى الله: أنه المُتفرد بالقيومية، المُتفرد بالربوبية، المُتفرد بالمُلك، المُتفرد بالرحمة، بإيصال النعم، فما أتى بالنعمة لك إلا الله، ولما تعيش التفاصيل لابد أن تبقى متذكرًا لهذا الكلام، المشكلة أننا بكلام عام في الصباح والمساء نقول: ((مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ؛ فلك الحمد، ولك الشكر )) هذا بكلام عام، والحمد لله هذا الكلام طيب يرفع درجتك؛ لكنك تحتاج من أجل أن تكون كما ينبغي، لابد أن يمر هذا الكلام على كل تفاصيل الحياة، نحن لا نريد أن نصل في المبالغة إلى درجة كل التفاصيل؛
لكن نقول: افعل ما تستطيع، واعلم أن الناس يتفاوتون على حسب مشاعرهم في التفاصيل، فكلما زادت التفاصيل التي تشعر فيها أن الله هو صاحب النعمة، أنه هو الذي أوصلك، أوصل النعمة لك، أنه هو القائم عليك، أنه هو الذي دبّرك؛ كلما زدت في التفاصيل دلَّ على زيادة إيمانك وزيادة تعلقك، الناس تفزع إلى الأشياء، وأنت في مكانك تفزع إلى الله تعالى، وهذه الفوارق في زيادة الإيمان ونقصه، وهذه الفوارق كل ما لها تزول بين المستقيمين وغير المستقيمين، أي أنه في لحظة الحاجة قد تجد الشخص المستقيم على الدين وغير المُستقيم سواء، لماذا؟ لأنه ما درَّب نفسه في الزمن الأول على أنه ما يفزع إلا لله.
فقه أسماء الله الحسنى 49
شرح اسم الله - اسم الرب١
لقاؤنا هذا الأسبـوع في باب الأسماء والصفات في اسم {الرب} وهو من أعظم الأسماء و أشملها لمعاني الصفات.
قبل الدخول في الكلام حول اسم الرب.
س: كيف ندعو بهذه الأسمـاء؟
ج: أولا: مسألة الدعاء بحد ذاتها تحتاج إلى كثيـر تأمل عندنا ثم ننتقل إلى الحديث حول الدعاء بالأسماء.
سنضع قاعدة؛ لأن هذا هو المقصود من معرفة الأسماء أصلا هو أن يدعو بها العبد، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
القاعدة التي سنذكرها اليوم هي مسألة كيف يكون الدعاء بأسماء الله؟
سنبدأ بالكلام حول الدعاء والشق الثاني كيف ندعو بهذه الأسماء و سنذكر مسألة في الغالب أنها تعتبر شائـكة.
الدعاء عبادة والعبـادة تحتاج إلى شرطين هما: الإخلاص والمتابعة .
الإخلاص: يعني أن تدعو الله ولا تدعو أحدا غيره ولا تدعوا أحدا معه .
ثم يأتي السؤال حول الشرط الثاني وهو المتابعة يعني متابعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكون متابعته في الدعاء؟.
أدعو كما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم.
سيأتي مباشرة سؤال يقول: أنا عندي حاجات في نفسي ولم أجد في النصوص من الألفاظ التي توافق هذه الحاجات.؟
نقول: لا بـأس, ادعو بما يقوم في قلبك بشرط ألا يكون إثم أو قطيعة رحم
لكن لا تنسى أنه من المتابعة عدم جعل هذا الدعاء وردًا,
يعني مثلا : كنت قلق و خائف من أحد الاختبارات ودعوت دعاء معين وكنت ملح وصادق و قلبك مجموع وانتهى الاختبار،
عليك بعد هذا أن تنسى الدعاء لا أن تدوام عليه؛
لأن سبب توفيقك في الاختبار هو صدقك في هذا الدعاء وما قام في قلبك, وحروفك هذه لا قيمة لها .
نحن وصلنا إلى حال، أنه توجد لدينا أدعية قبل دخول الاختبار، و أدعية أثناء الاختبـار كل هذا ما أنزل الله به من سلطان.
ما هو الكلام المخصوص والذي له قيمته : هو الكلام المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد نهينا حتى عن تغيير ألفاظه.
وهناك أدلة كثيرة تبين النهي عن تغيير ألفاظ الدعاء المأثـور ، منها ما رواه الصحابة عن دعاء الاستخـارة: الرسـول كان يحفظهم إياه كالسـورة من القرآن قال ابن أبي جمرة: يحفظهم إياه كالسـورة من القرآن حفاظًا على حروفه حتى لا تندرس أي لا تندثر و لا تختفي.
وحديث آخر: كان فيه رسول الله يحفظ أحد الصحابة دعاء ما قبل النوم فأعاده الصحابي على نفسه يريد حفظه فأعاده بصوت مسموع فقال: آمنت بكتابك الذي أنزلت و برسولك الذي أرسلت فقال له النبي: لا. نبيك الذي أرسلت، منعه الرسول من تغير اللفظ مع أن نبي و رسول بمعنى واحد, ولكن هذا المنع من التغييـر إشارة إلى أن الألفاظ في الدعاء مقصودة.
من أجل هذا لابد من الخوف من البدع في هذا الباب ((باب الدعاء))
إذن: الألفاظ النبوية هي التي يعتنى بها وهي التي تنشر بين الناس .
شخص يقول: من أين آتي بالألفاظ النبوية ؟
موجودة في كتب السنة ففي صحيح البخاري يوجد كتاب اسمه [كتاب الدعوات] هذا فيه مجموعة الأدعية التي صحت عند البخاري و يبحث في كتب السنة عن ذلك .
تلخيصـا لما مضى: الدعاء عبادة يحتاج إلى إخلاص و متابعة.
أما الإخلاص فمعناه أن العبد يدعوا الله وحده ولا يدعوا أحدا غيره ولا معه.
يقع في قلبه أن الله وحده له صفات الكمال ووحده القـادر على إجابة دعوته،.
والمتابعة: تعني متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف أتابعه في الدعـاء؟
أي أدعية واردة ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام فيها الكفاية والشـفاء لمن كان عالمًا بلغة العرب، معتقدًا بكمال ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
هي لا تنفع إلا هذا المتيقن بكمال ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. نقول له: إذا كنت تحتاج أي أمر من أمور الدنيا قل: ربنا آتنا في الدنيـا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. هذا الدعاء يكفيه.
[عند رؤية ما يعجبك السنة أن تقول: لا عيش إلا عيش الآخـرة]
هذه هي التربية النفسيـة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربيها لصحابتـه . وقد كان رسول الله يدعو الله فيترك الدنيا و يقول: {لبيك} يعني استجبت لا عيش إلا عيش الآخـرة.
فقه أسماء الله الحسنى 50
شرح اسم الله - اسم الرب2
كل هذا الكلام حول الدعاء نفسه،
ننتقـل الآن لقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} هذا ما نريد أن نقرره اليوم.
ما معنى فادعــوه بها؟
الدعـاء ينقسم إلى قسمين:
1/ دعـاء مسألة .
2/ دعـــاء عبـادة.
دعاء العبـادة معناه: أن العبد يسأل بلسان حاله: أي أن يقوم بالعبادات التي أمـر بها فيصلي و يصوم ويتصدق يفعل هذه الأفعال على أنها منجيـة من النـار، يتصدق ولو بشق تمرة كأنه وهو يتصدق يقول: يارب اجعل هذه التمـرة سبب لوقايتي من النــار.
دعاء مسألة: بلسان المقال يعني: يطلب مطالبـه بلسانه وكلامه.
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ينزل عليها كلا النوعين من أنواع الدعاء أي بلسان الحال أو المقال.
قاعـدة: أنه كلما تـرد كلمة دعاء في كتاب الله يكون المقصود بها دعاء المسألة ودعاء العبادة.
ماذا يعني أن تدعو الله بأسمائه الحسنى بلسـان حالك؟
يعني: عندما تتعــلم أسماء الله ستتعبد الله بالعبادات القلبيـة على وفق فهمك للأسمـاء.
للقلب قول وعمل: الاعتقادات هي أقـوال القلوب،
الحركات هي أعمال القـلوب.
كل العبادات القلبيـة دعاء بأسماء الله وصفاته (خوف – رجاء – محبـة – تـوكل – استعاذة – استغاثة ..) كلها نوع دعـاء بأسماء الله وصفاته حتى ولو لم يتلفظ العبد بذلك.
حضـور مجالس الذكـر دعاء عبادة، جئت وفي قلبك نية طلب رضـا الله عزوجل، قائم في قلبك أنك أتيت أخذا بأسباب المغفرة، كأنك بلسان حالك تقول: يارب اجعل هذا العمـل كفارة لذنوبي ...
التسبيح عبادة: عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم خير ما قلت أنا والنبيـين قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. هذا ذكر، أين الدعــاء؟ لم يقل: يارب أعطيني..أسألك يارب..فهذا دليل على أن هذا الذكـر دعاء عبادة. فكأنه يقول: يارب أنا أقر بالشهادة فاجعلها لي سبب لوقايتي من النار ودخولي الجنة.
هذا هو المقصود بالتعبد لله بأسمائه و صفاته بلسان الحال.
وهذا باب مغفول عنه, دائما التركيـز على دعائه بأسمائه و صفاته لفظًا.
فقه أسماء الله الحسنى 51
شرح اسم الله - اسم الرب3
اختــرنا اسم هو أعظم الأسمـاء و أكثر الأسماء جمعًا لمعاني صفات الله وهو اسم: الرب
تكرر اسم الرب كثيرًا في كتاب الله و يحتاج لإحصـائه بين ذكره منفردًا، و مضافًا فهو تارة مضاف وتارة منفرد.
ِ( إنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
بل إن كل أدعية الأنبياء باسم الرب.
(َقالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة : 25]
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)
[هود : 47]
(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) [مريم:4
(فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : 24]
(َقالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً) [نوح : 5]
نبدأ بالمعنى اللغوي لكلمة رب:-
سؤال: لنعرف المعنى اللغوي لكلمة رب، هل اسم (الرب) يختص بالله عزوجل مثل اسم (الله)؟
ج: لا، والدليل في سورة يوسف: {أما أحدكما فيسقي ربه خمـرًا} المقصود بربه أي سيده, إذن هو اسم لا يخص الله عزوجل فيمكن أن يطلق على غيـره.
يقال: رب الدار ورب الفرس بمعنى صاحبـها.
سنأخذ من المعنى اللغوي: السيد – صاحب، وندور حوله لغويًا، نبدأ في فهم معنى اسم الرب في حق الله تبارك وتعالى.
الرب: تأتي من تربيـة – ورب الدار ورب الفرس صاحبها ومربيها، مربيها أي: يعتني بها و يصلحها, والله عزوجل رب العباد, ماذا ستقول؟ اعتنى بهم وأصلحهم.
فا سم الرب يشتمل على صفات كثيرة؛ لأن التربية مبنية على ملك الله لعباده، على كمال قدرته، على كمال رحمتـه.
أول موطن ذكر فيه اسم الرب في القرآن الكريم وهو أعظم موطن، في سـورة الفاتحة.
قال تعالى: {الحمد لله}: الحمد كله لله الذي ربى عباده، والحمد هو وصف المحمود بصفات الكمال المطلق.
{رب العالميـن}: أول صفة وردت هنا يستلزمها اسم الرب هي (الرحمن الرحيم) إذا الله عزوجل ربى عباده برحمته، نتأمل في الرحمن الرحيم ثم نعود لاسم الرب.
الرحمن: ذو الرحمـة الواسـعة التي تشمــل كل أحد (حتى الكـافر).
الرحيـم: ذو الرحمة الواصـلة التي تصـل لكل أحد يريد أن يوصل الله رحمته إليه.
هذا أحسن ما قيـل في التفريق بين اسمي الرحمن الرحيم.
الله ربانا برحمته والأدلة المتكاثرة في الرحمة تدل على أن رحمة الله عزوجل سبقت غضبـه.
الله عزوجل يستحق الحمد على تربيته لنا ما وجه هذا الحمد؟
لأنه اعتنى بهم وأوصلهم لما يصلحهم.
نرى الآن عناية الله سبحانه و تعالى بعباده. من بين الصفات التي تلزم للعناية بالعباد و إصلاحهم صفة اللطــــف.
اسم اللطيف: (معنى اللطيف):. مع أن هذا ليس مقصودنا نحن نشرح اسم الرب لكننا قلنا أن الرب يربي عباده فيعتني بهم و يصلحهم ومن لوازم هذا أن يلطف بهم كما أن من لوازمه أن يرحمهم.
{الله لطيف بعباده يرزق من يشـاء}، من لطفه سبحانه وتعالى يأتي الرزق, ومن تربية الرب لعباده رزقهم وهو لطيف سبحانه يرزق من يشاء، منذ أن نسمع كلمة من يشـاء يتبادر إلى الذهن الحكمة مباشرة، إذا المشيئة مع الحكمة, فيرزق من يشاء على أساس حكمته تبارك و تعالى.
والحكمة كما هو معلوم وضع الشيء في موضعه الصحيح. في سورة لقمان: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله إن الله لطيف خبيـر}. ما علاقة: أن الحبـة في الصخرة أو في السماء أو في الأرض بك؟ يعني: إن كانت هذه الحبـة رزقك ستأتيـك.
والله سبحانه وتعالى يسوق عبده إلى مصالحه يقدر عليه الأقدار المؤلمة التي ترقيـه، قال يوسف بعدما جاءه إخوته و أبويه: {إن ربي لطيـف لما يشـاء} إذا أراد الله أمرًا هيأ لـه الأسباب وما يريـد الله بعبده إلا خيـًرا.
والرب إذن هو معتني مصلح بعباده لا يقدر عليهم إلا ما يصلحهم.
فقه أسماء الله الحسنى 52
شرح اسم الله - اسم الرب4
س: ما عــلاقة اسم اللطيـف باسم الر ب؟
ج: الله يربي عبـاده فيعتني بهم ليصلحهم، تربية الله لعبده تأتيـه بالرحمة، تربية الله لعباده كلها رحمة.
يأتــي السؤال:
لماذا لا يشـعر العباد برحمة الله؟
فتجد ذاك يفكر بالانتحـار!! وتلك تتمنى الموت وتدعو على نفسها بالموت!!
لأنهم لا يفهمون لطف الله بهم وقد قلنا أن الله يقدر على عبده الأقـدار المؤلمة كي يرتقي به إلى أعلى المراتب.
أحسن مثال لهذا: يوسف عليه السلام وما حصل له من أقدار.
الله عزوجل أراد أن يرقي يوسف في الرتب فجاءت التـرقية من البلاء.
لماذا غاب هذا عن العباد
لماذا لا يفهمون أن رحمة الله في أقــداره مهما كانت صورتها؟
السبب: أن العبد ما امتلأ يقينًا أن الرب رحمن رحيم, الذي امتلأ قلبه يقينًا بصفات ربه تبارك وتعالى، حتى ولو لم ير القدر بعين الرضـا يعلم أن وراء هذا القدر خير بطريقة ما وإن لم يدركها هو خير بل وكل الخيـر.
لماذا لا يشعر العبد بعناية الرب ورحمته بهم؟
ينقصهم اليقين، قلوبهم لم تمتلئ يقينًا بأن ربهم موصوف بالرحمة الكاملة والواصـلة لو أراد أن يرحمك مباشرة أعطاك لكنه سبحانه يريد لك ما يصلحك، وما يصلحك أنت نفسك قد لا تعلمه،
فتأتي رحمة لقلب ممتلئ بمعرفة صفة رحمة الرب فيرضى عن أقواله ويرى تربية الله ويستطيـع أن يستبشـر بلطف ربه.
يعني أنه عندما يتقلب فيما يضره يعلم أن الفرج قريب من تمام ثقته أن الله إلا و يفرج على عباده حتى أنه لا يقول: إن شاء الله بقوله تعالى: {إن مع العسـر يسرا إن مع العسـر يسرا}
إذا وثقت أن الله سيفرج عنك فإنه سيفرج همك من حيث لا تحتسب. بمعنى: أن العبد وهو يتقلب في الآلام يعلم أنها طريق لتحقيـــق الآمال.
تلخيــــــــص:-
نحن الآن نشرح اسم الرب و أول موطن له سـورة الفاتحة وأول صفة لازمة لاسـم الرب جاءت هي الرحمن الرحيم فالله يربينا برحمته قد يقول قائـل: هناك أقدار مؤلمة تنزل علينا، نقول: هذه الرحمة لرفع منزلتك ولإصلاحك وهذا لا يتأتى إليك مبـاشرة بل يأتيك لرفع منزلتك ولإصـلاحك وهذا لا يتأتى إليك مباشـرة بل تأتيــك بألطف ما يكـون.
فالله رفع يوسف و بقى ذكره مع شدة محنتـه، جاءته الرحمة في هذه المحنـة بلطف بحيث أنه في نهاية المحنـة قال: إن ربي لطيف لما يشـاء.
إذا أراد شيئا سبحانه هيأ له الأسبـاب وكانت هذه الأسباب مع أن صورتها ضِيـْق لكنها في الحقيقة رحمة وأيما رحمـة.
إذن: رب يلزم منه صفة الرحمن الرحيم إنه ذو الرحمة الواسـعة الواصلة كما تقدم معنا، ولكن لابد أن يعلم العبد أن رحمة الله فيها صفة اللطف يعني أنها تأتي بألطف ما يكون [إذن هذه علاقة اسم اللطيف باسم الرب].
كذلك فالرب يربي عباده باسمه (الخبيـر):
معنى الاسم: العلم وزيـادة فهو يعلم بواطن الأمـور ودقائقها.
الله عزوجل يربي عباده باسمه الخبيـر، فهو سبحانه وتعالى عندما يقرأ العبد أفعاله الواقعة يعلم أن ربه خبير بأحوال قلبه وأفعاله.
كل عبد مثلا يقول: لو جاءني مال سأفعل كذا وكذا – لو أنا في هذا الموقف لن أصبـر والخبيـر يقلبه يعلم أنه قادر على الصبـر و يعلم أن هذا لا يصلح له ليرتقي إلا البـلاء.
يعني هذا الشخص لو لم يأتيه بلاء يركن للدنـيا وتركه الله في الرخاء زمنًا.
والإنسان ينسى نفسه فعندما كان في زمن الرخاء استرخى تعلقه بالله.
ويقول: أنا لا أتحمل الشـدة وهو في الشـدة يتعلق بالله والله خبير بعباده يعلم أن هذا لا يصلح له إلا أن يقع عليه بلاء وشـدة وهما اللذان يصلحانه والله لا يكلف نفسـا إلا وسعها بمعنى: أنه مادُمت ابُتليت بهذا الابتـلاء تأكد أنك قادر على تحمله وما دمت ابتليت هذا البلاء إذن الاختـبار هو صبرك..
وما دام بليت هذا البلاء، فاعلم أن الله يريد أن يصلحك،
وإن لم يحسن التصرف في هذا البلاء سيربيه الله ببلاءات أخرى إلى أن يفعل ما يرضى الله ولا يفعل إلا ما يحب الله. الله يعطي العبد ما يصلحه ويمنع عنه ما يفسـده لأنه خبير سبحانه.
شخص يقول: أنا أنفع للرئاسـة لو أعطوني المنصب، سأصلح المدرسة.. وهناك أناس كثيرين واثقين من أنفسهم وهذه مشكلة، فالله تعالى يقول: {ولا تــزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} طالما أن هذا لم يأتك المنصب أو الوظيفة أو ما شابه، فاعلم أن هذا من رحمة الله ولطفه بك،
يقول العبد: أنا أعرف نفسي..نقول له: الله خبير يعلم حركات قلبك ومكنوناتك أكثر من علمك بنفسك، لذلك ننبه ونقول: ونحن سائرين في الحيــاة لا تميل أنفسنا إلى أنفسنا (لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) لأنني أتصور لو كنت في الموقف كان فعلت كذا، ولما يأت الموقف تتغير ردة الفعل المتصـورة،
في الحقيقة بعد أن تـمر علينا أزمات و نلتفت للخلف نقول: سبحان الله كيف استطعنا أن نصبر على كذا وكذا..لا ينزل البلاء إلا و ينزل معه الصبـر،وهذا الصبـر من تربية الله عزوجل لعبـاده.
أنت الآن ابتليت هذا البلاء أو أعطيت هذا العطـاء فاعلم أن الله أعطاك ليصلحك و يرقيك.
أنت بذاتك يناسبك هذا البـلاء سواء كان عظيما أو شديـدا لا تتصور أنك لا تستطيع التعامل معه وتحمــله.
فقه أسماء الله الحسنى 53
شرح اسم الله - اسم الرب5
لما فقد يعقوب عليه السلام ابنه قال: {فصبـر جميــل والله المستعان}.
وقد اتفقنا في اللقــاء السابق: أن الصبـر الجميـل هو الصبر الذي لا شكـوى فيه لغيـر الله {إنما أشكـوا بثي وحزني إلى الله} فالشكوى إلى الله لا تخالف الصـبر الجميـل، كونك تسجد وتتكلم عن حالك و تستشعر فقرك لخالقك هذا لا يخالف الصبـر الجميـل والشـاهد هنا: {والله المسـتعان} يعني جاءت مصيبة لا أقول: ما احتملها، أقــول: افعل ما يرضيـه عني وهو وحده المستعان الذي يعينني على فعل ما يرضيـه عني.
فالصبــر الجميل ليس من حولي وقوتي بل المستعان عليه هو الله يأتيني به ويمدني به،
عندما يأتيني البلاء أري الله من نفسي خيــرا، فأتصبر لأن المربي عندما يريد إصلاحي، يبتليني ويسددني و يعطيني مع البلاء صبر و حكمة و رضا، ويعطني مفتاح الفرج ويلهمني كيفية الخروج كل هذا بلطفه سبحانه، فهو رحمن رحيم لا يقدر على العبد من الأقدار إلا ما يصلحه، وهو خبير بحاله وحركات قلبــه، فلا يتصور العبد أن ربه يقدر عليه ما لا يستطيعه.
إذن كلما صلح العبد كلما رقاه ربه في البلاء, كلما قوي قلب العبـد كلما زاد بلاؤه وارتقى، كما علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه)).
والبلاء درجــات، فأشــدهم بلاء الأنبيـاء، لأن الله خبير بقلوبهم ولا يريد سبحانه إلا إصلاحهم.
إذا بما أن الله رب يربي عباده ليصلحهم وهو رحيم و لطيف، فيرزقهم رحمته بلطف وهو خبيـر بما في قلوبهم يعلم ما تحمله وما تستطيعه فيبتليهم على قدر إيمانهم)).
لكن الناس تجاه البلاء درجات.
الفتنة واقعة بالســراء والضـراء ((و ألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتهم فيـه)) حتى فتح البركات بعد الطاعات فتنـة. وهذا معنى جديد غير متـداول.
المعنى الأول: واضح في الأذهان وهو أن العبد إذا حلت عليه مصيبة واضح أنها اختبار و فتنة.
أما أن النعم فتنة و فتح باب الطاعات فتنة هذا غير واضح في الأذهان.
المطلوب من العبد أن يعلم أن كل هذا جاء من رب وصفه أنه رحمن رحيم لطيف خبيـر، يورث عباده معالي الأمـور بأقداره التي يقدرها عليهم –فلن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر- يورثهم الجنات العلى بما يقدر لهم ولأنه خبير بهم لا يقدر لهم إلا ما يستطيعونه.
لكن المشكــلة في ردود أفعال الناس تجـاه أقدار الناس فهم يردون رحمة الله يردون لطف الله لا يعتنون بلطف الله ولا يعتنون بكونه سبحانه خبيــر يعلم ما في قلوبهم وبواطنهم. لكن نحن سنتكلم عن الخط المستقيم الصحيح الذي يجب أن يسير فيه العبـد.
شخص يعلم أن الله ربه يربيه، يعتني به، يصلحه من أجل أن يكون صالحا ليس للآن للآخـرة في جنات عدن، الإصلاح ليس لتصلح لك الحيـاة الآن إنما للآخـرة.
أخبر الله تعالى في سورة الفجــر: أن الناس ينقسمون حال استقبال النعمة لقسمين:
ربي أكرمن، نعمـة: ربي أكرمني.
وربي أهانني إذا قدر عليه رزقه.
بــلاء: ربي أهانني،
فبماذا يجيب الله عزوجل؟
يقول: كــلا، لا هـذا صحيح ولا هـذا صحيح.
أيضا في أخر السـورة ينقسم الناس إلى قسمين، قسم يقول: يا ليتني قدمت لحياتي ليست هنا إنما في الآخـرة، النظرة هذه ناقصـة.
عندما نقول: الله عزوجل يربي عبـاده، ويعتني بهم و يصلحهم ليس لهذه الحيـاة بل للحياة الحقيقة الأخروية، هذه الحياة التي نعيشها الآن اسمها دنيا سفلى دنيــة،
ما هي التي يعتني الرب بك من أجلها إنما يعتني بك حتى لا تقول في الآخرة : يا ليتني قدمت لحياتي. هذا الذي تحسـر جاءته فرص كثيــرة ولم يغتنمها ليقدم لحياته وهذا من أعظم معاني المربي وصفاته أن يعلم العبد أن ربه يرقيه ويصلحه و يعتني به فإن أعرض، أعرض الله عنه
وهذا هو المخيـف. و الإعراض يكون بعدم فــهم تربية الله. الآم العبـد التي يعيشها كلم نفسك وقل لها هذا أبذله الآن لأبني حياتي الحقيقية الآن بناء الدور في الدنيا شاق و يحتاج إلى مجهود كبير، يرتاح صاحبه بعده عندما يرى بناءه، وهذه نفس الصـورة مع الفارق الشاسع. أتعب في البلاء هذا التعب صورة بناء حتى لا يقول: يا ليتني قدمت لحياتي.
فقه أسماء الله الحسنى 54
شرح اسم الله - اسم الرب6
أنواع ربوبية الله تعالي :
هناك نوعين من الربوبية ،
ربوبية عامة وربوبية خاصة،
1-اما الربوبية العامة يشترك فيها كل الخلق مؤمنهم وكافرهم ،يشتركون أن الله أوجدهم جميعاً وأعدهم ولازال يمدهم بأسباب الحياة وأسباب المعيشة، وكل ما يطلب ويراد فلا يطلب إلا منه سبحانه وتعالى في الحقيقة ولا يعطي مرادات الخلق إلا الله عز وجل في الحقيقة ،
لكن الخلق يغترون بالأسباب والوسائل وبسبب ذلك يكفرون ، يعرفون نعمة الله ثم ينكروها، والسبب أنها جائتهم عن طريق الأسباب ،الآن الخلق كلهم يشتركون ان الله ربهم أوجدهم وأعدهم وامدهم مابالهم لا يعترفون، السبب أن عطايا الله تأتيهم عن طريق الأسباب فأعينهم تكون على السبب ويتركون المعطي على الحقيقة.
لذلك في سورة النحل بعد أن عدد الله نعمه وعطاياه على خلقه قال:(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها)، يشغلهم الإعطاء عن المسبب، وهذا دليل قصور العقل، لأنك إذا فكرت في حال الناس بعضهم على بعض تجدهم يرفضون هذا الحال، بمعنى لو أعطتك أختك هدية وأرسلت هذه الهدية مع شخص ما، فمن تشكرين على الحقيقة صاحب الهدية أو الذي أوصل لك الهدية؟ ؟
الشكر لصاحب الهدية ولا يمنع شكر من أحضرها،
فلما تتركي شكر من أهداك وتشكري الواسطة في النقل يعاب عليك يقال لك أين عقلك السليم تشكري السبب والوسيله، وتتركي المعطي
إذاً فطرنا تقبل هذا الشىء، وترى شكر غير المعطي عيب، فإذا تبين لك أن المعطي على الحقيقة هو الله كان يعيبك أن تترك شكره وتشكر غيره ، أو تترك شكره حتى لو لم تشكر غيره.
المقصود الآن أن الرب ربى جميع العالمين بنعمه، أوجد وأعد وأمد، وكان هذا سبب كافي لأن يحبوه ويتعلقوا به، لأن فطرهم مفطورة على حب المحسنين، لكنهم تشاغلوا بالأسباب عن المسبب وتشاغلوا بالعطيه عن المعطي.
ولذلك لما تقرأ ترى صفة ذميمة ذكرت في أول الوحي " ان رآه استغنى" ، بمعنى أن النعمة لما تصبح تحت يد العبد استغن عن الله ولذلك أتى الكفر وهذا سواء الكفر الأكبر أو كفر النعمة،
اذاً لما تعلم ان الله اوجد واعد وامد انت يقع في قلبك حبه لان الناس جميعا فطروا على حب المحسنين ، اذا قيل لك ان المحسن هو الله تحب الله، لكن المشكلة اننا انقطعت هذه الصلة واصبحنا لا نسند النعم الى الله ويحصل من وراء هذا ضعف حب الله
فقه أسماء الله الحسنى 55
شرح اسم الله - اسم الرب7
2-التربية الخاصة
لكن هناك خاصة من الخلق اصطفاهم الله وصفت عقولهم واذهانهم وانتفعوا بعقولهم وانتفعوا بالرساله من رسوله فكانوا أهل الله وخاصته وهؤلاء رباهم الله تربية خاصة.
ما معالم التربية الخاصة؟ ما معناها؟
١/ يوفقهم الى الإيمان : إن أعظم عطايا التربية الخاصة هو ان يوفق الله هؤلاء العباد للإيمان، بمعنى ان هؤلاء العباد لما يسمعوا الأخبار عن الله وعن اليوم الأخر وعن لقاء الله وعن حقيقة الدنيا وعن المعاملات التي يحبها الله،
ماذا يحصل في قلوبهم؟
يحصل في قلوبهم اليقين بهذه الأخبار، يحصل في قلوبهم القبول لها يحصل في قلوبهم الإنقياد لها، يحصل في قلوبهم الصدق في استقبال هذه الأخبار.
لذلك الله في سورة يونس يقول لنا " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" ، والمقصد ان قيام البدن يعني نزول النعم من عند الله على الأبدان هذه يشترك فيها المسلم والكافر، ويشترك فيها الآدمي والحيوان ، فإنهم جميعهم يدبرهم الله لكن يتميز المؤمن بأن الله يتفضل عليه بأسباب الإيمان.
فإذا كنت حقاً مؤمن سيكون فرحك بسبب الإيمان لا يقدر، ولا يمكن ان تقارنه بفرحك بالأسباب الماديه ، لايمكن ان تقارنه بفرحك بالدنيا .
إذا هذه من اهم معالم التربية الخاصة اذا وجدت ان اسباب الايمان توفرت حولك ووجدت نفسك منشرح للايمان واذا وجدت نفسك تفهم النصوص وتستغفر من اجل ان تفهم كلمة من القران وتحمد الله على فهم شىء من دينه او من اسماءه وصفاته هذا معناه انك تقترب من التربية الخاصة بخطوات ، كلما انشرح الصدر للإيمان كلما دل ان الله يعامل عبده بالتربية الخاصة،
٢/ يحفظهم من الشرور التي تهلك ايمانهم تأتي رياح الفتن تجدهم صدوا عنها، يدخلوا الناس في فتنة مثل الأسهم يقول تعال ادخل معانا يرى نفسه يبغضه او يقول خليني افكر وينصرف قلبه عنه او لايتحمس بتعبير آخر انه لا يجد في نفسه اهتمام فتجد الشر ينصرف عنه والشر هنا المقصود به الذي يضعف الإيمان ، هذا هو الشر على الحقيقة، والخير هو مايزيد ايمانك اي ضائقه تمر بها يا أيها المؤمن وتجد نفسك ناديت وناجيت وسألت واستغثت وانكسرت فهذا خير لأن الخير مقياسه ان يزيد ايمانك
فالله عز وجل من اثار تربيتة الخاصة لعباده ان يسبب لهم اسباب زيادة الايمان الذي هو الخير
والخير هو كل ما يدفعك الى باب الله، ولو تأملت جيداً تجد هذه الصورة تجد نفسك طول الوقت محتاج وهذه الحاجة تدفعك الى باب الله، صحيت الصباح وتجد نفسك سمعت خبر غير جيد ان حصل في مكتبك كذا او حصل كذا، من افتتاحية اليوم تقول يارب ييسر وعلى الظهر والعصر تجد خبر ثاني، في العادة الناس يقولون هذا اليوم ملىء بالمصائب ومليئ بالشرور والصحيح انه يوم مليء بالعبادات ، تضطر فتعبد فتنجو في الدنيا واهم شئ ان تنجو في الاخرة لان عباداتك واستعاذتك واستغاثتك واستعانتك تنفعك في اخرتك قبل ان تنفع في دنياك
بهذا اتفقنا على أمرين من معالم التربية الخاصة :
انه سبحانه وتعالى يسبب لك أسباب زيادة الإيمان ، انه يحفظك من الشرور وهي اسباب ضعف الايمان ، ويرزقك الخير وهو اسباب زيادة الايمان ،
٣/ يوفقك الى العبودية وهذه تفهمها لما تفهم انك ليس لك حول ولا قوة الا بالله ، فالمؤذن يقول حي على الصلاه حلي على الفلاح يدعوك الى أمر الله، اذا شرح الله صدرك واعطاك القوة تجد نفسك تمتثل الى الامر مباشرة لو لم يعطيك القوة تجد نفسك تتباطىء وتتكاسل يأتي يقول ربنا لم يعطني القوه نقول ليس بهذه الصورة ، هو سبحانه يتعالى عن الظلم ويتنزه عنه وهو يشرح صدور المحبين للصلاة المعتنين فيكون الناتج انهم وقت سماعهم للنداء تفزع قلوبهم فيقومون والذي يعطيهم هذه القوة هو الله.
سبحان الله ، والنداء ينادي حي على الصلاة حي على الفلاح فنتشاغل عن ربنا ونتكاسل ! ولا نشعر اننا فعلنا شىء ابداً ! ولا نجد ان الأمر يحتمل استغفارا !
فهذا الأمر انما هو من ضعف الإيمان، مثل هذه المؤشرات من ضعف الإيمان ، فمن اعتنى وفق ،
إذا اعتنيت يوفقك الله فيعطيك الحول والقوة، لم تعتني ولا تهتم للصلاة ولا ترتب نفسك على الصلاة ولا ترتب يومك على الصلاة النتيجة انك لا تعطى قوة للقيام بالعمل، فتجد نفسك خاملا كسلان .
فقه أسماء الله الحسنى 56
شرح اسم الله - اسم الرب8
من آثار التربية الخاصة
٤/ أن يصل الإنسان الى الرضا ،
الرب اسم عظيم من اسمائه لو علمت آثار تربيتة الخاصة سيكون مردود هذا عليك ان تصل الى الرضا عن الله .
نبدأ بأول جملة في الحديث ، يكون تركيزنا على الحديث نفهم منه كيف يكون حال من عرف اسم الله الرب وكيف سيذوق حلاوة الإيمان، في الحديث الذى رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا ».
نبدأ بمسألة ذوق طعم الإيمان ، ما معنى أن يذوق الإنسان طعم الإيمان، هل للإيمان طعم ؟
الجواب نعم،ولو ذوقته لأستغنيت عن طعم كل شىء،إن له في القلب إنشراح
إن لهذا الإيمان في القلب ضياء ونور اذا ذاقه الإنسان استغنى عن ذوق كل شىء.
أن من ذاق طعم حلاوة الإيمان ودخل في فؤادة ماذا يحصل؟
ينخفض طعم كل شىئ اخر،حلاوة الإيمان برد يجده الإنسان في قلبه هدوء يجده في الأزمات،
سعه يجدها في المضائق، إنشراح وقت الأضطراب، سكون وقت قلق الناس .
طعم الإيمان شىء فوق أن يوصف لكن له آثار من أعظم اثاره التي للأسف نفتقدها اليوم من أعظم اثاره الطمأنينة، إن القلق الذي يسري بين الناس اليوم على التافه من الأمور قبل ان يكون على كبيرها إنما يدل على ان القوم لم يذوقوا طعم الإيمان، القلق وان كان صفة نفسية في الأنسان لكن الإيمان يعالجها، لا نعتذر ان طباعنا قلقة، ولذلك نحن نمارس القلق.
الله في كتابه اخبر كما في سورة المعارج عن بعض طباع الإنسان الذي استثني منها المصلين فقد أخبرنا ( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ)
فالناس مشتركين في الطباع جزوع وهلوع ومنوع يشتركون إلا المصلين لما ربوا أنفسهم على الإيمان كانت النتيجة أن خرجوا من هذه الصفات.
فالقلق يمكن أن يعبر عنه بالهلع، وإن كان هو درجات لكن كأن غايتها ونتيجتها الإنسان يقنط على امور تافهه الى كبيرها الى ان يصيبه الهلع، فمن ذاق طعم الإيمان حصلت له الطمأنينة وانطرد عنه القلق.
من أين يأتي بهذه النتيجة ؟
من المؤكد انها تأتي من جهة الرضا بالله ربا ، من الطمأنينة التي هي من اثار الإيمان والرضا بالله ربا، من ماذا يقلق الناس؟
يقلق الناس من الغد ، يقلق الناس ماذا سيحصل وحول هذا الأمر، دائماً القلق على ما سيكون، سواء هذا الإنسان قلق على أمور حقيقة او قلق على أمور وهميه مثلا امرأه عندها اربع اطفال لم يتجاوزوا عشر سنوات تجدها مهمومة تقول ما بكِ؟ تقول ليس فيه مستقبل ليس فيه وظائف ،
وتجده الطفل عنده عشر سنوات ونحن لا ندري ماذا نكسب غدا لنتكلم على المستقبل هذا من آثار ضعف الإيمان "وفي السماء رزقكم وما توعدون"، من غَير هذا الأمر العظيم في نفوس الخلق ، من قال البترول والتخطيط الأستراتيجي يأتي من ورائه الأرزاق، نحن قوم قبل قليل كنا لا نعرف هذا كله ورزقنا الله من حيث لا نحستب وسيظل يرزقنا من حيث لا نحتسب فهو ولينا وكيلنا والعلة في الإيمان.
المقصود ان الطمأنينة التي هي ضد القلق من اثار ذوق حلاوة الايمان ،من آثار ذوق طعم الإيمان، والقلق وإن كان وهمياً هذا مثل الحالة التي نتكلم عنها او زوجة تقلق على زوجها او قلق حقيقياً يعني فيه ازمة او مشكلة في كلا الحالتين نحن نحتاج ان نرضى بالله ربا .
كيف تعالج هذا المفهوم ؟
كيف يعالج ان ارضى بالله ربا كيف يعالج القلق؟
سنقول : ان معرفتك لله ربا، ما وصفه ؟
مالك كل شىء ، حكيم في كل فعله، يدبر شؤون خلقه على حكمته، رأيت منه كل خير، يعني لك سلف قد سبق وحصل معك ، ولذلك "وذكرهم بأيام الله" .
إذا كنت تعرف عن الله الرب انه هو المدبر انه هو المالك انه هو الحكيم انه هو العليم ، ان له سبحانه وتعالى اياماً معك ومع الخلق كلهم ، فلطف بهذا واعطى هذا ومّن على هذا، وارشد هذا، كل هذا أمام عينيك ، فكيف تجتمع هذه المعاني كلها لك ثم يقول لك اتخذني وكيلا، فوق هذه المعاني كلها الآن يقول لك اتخذني وكيلا ، لو وكلتني قضيت لك شأنك على أحسن حال ويقع في قلبك الطمأنينة، فأكيد أن الإيمان بهذا يوصل العبد إلى دفع القلق.
فقه أسماء الله الحسنى 57
شرح اسم الله - اسم الرب9
من عرف الله وعرف تمام ملكه وعظيم سلطانه وحكمته سبحانه وتعالى وعلمه ورحمته وقربه من عباده وعلم مفهوم الخير والشر واتخذ ربه وكيلاً له يصبح قلبه راض عن الله، يرى الاقدار التي تأتيه أبواب للرفعه عند الله ويرى الناس الذين يقبلون عليه"وجعلنا بعضكم لبعض فتنه أتصبرون " فيرى الناس المحيطين به أبواب للفتنة للرفعه عند الله، ويرى الضيق باب للفرج بعد الإنكسار والذل،ويرى النقص بابا للكمال، بعد اللجوء والإنكسار،
فإن عينيك هي التي تتغير نظرتها للأمور اذا عرفته ربا كامل الصفات فاللهم اشرح صدورنا لمعرفتك وزدنا يقيناً وإيمانا.
ثم يأتي عامل مهم يزيدك رضا عن الله: هو تاريخك الذي يخصك "وذكرهم بأيام الله "، إن لله مع كل الخلق ألطافاً ورحمة وعطايا وإنجاء من هلاك، وتفريج بعد شدة، كل هذا في تاريخنا الشخصي وليس في تاريخ الأمم، تاريخ الامم مليء قبل أن تذهب إلى تاريخ الأمم فكر في تاريخك الذى يخصك، كيف تنسى انه قريباً فرج عليك،كيف تنسى انه قريباً عاملك بستره كيف تنسى انه قريباً اعطاك وامتن عليك وانك تتقلب في منته.
إن تاريخ العبد وأيام الله مع خلقه تعين العبد على الرضا عن الله لكن الجحود والإنكار الذى نسميه بتعبيرنا النسيان هذا يسبب للعبد أن تمر عليه المواقف متكرره نفس الموقف تعاد عليه المواقف ويجيب نفس الإجابة السابقة كأنه لا يعرف.
تصور مثلاً في اخر الشهر الماضي والناس مرتبطين في شهورهم بالتدبير، قبل ست أو سبع أيام انتهت أموالنا التي كنا نضعها لهذه الأيام انتهت لأي سبب، ثم رزقنا الله من حيث لا نحتسب ما نقضي به هذه الأيام ويزيد ،وانتهى الأمر على خير، أتينا لهذا الشهر وقعنا في نفس المشكلة
المفروض تكون مشاعرنا ثقة في الله يقينا بالله ، وأن من رزقنا أولا سيرزقنا ثانية ويمنع عنا الشر، لكن يصبح عندك اليأس ويصبح عندك شعور أن تقول الناس يتمتعون وأنا أريد شىء ثابت ولا أريد أن اقول كل شويه أنا احتاج ويارب ،
كيف تقول هذا الكلام هذه الحاجات كلها التي تحتاجها إنما وجدت لتدفعك إلى باب العباده ،
فكيف تنسى أيام الله، والأيام قريبة، ثم أن من العجب العجيب أنه سبحانه وتعالى يذكرك بكمال صفاته يريك آثار نعمائه، وتنسى،
مثلاً تخرج من البيت وتنسى المفتاح بمعنى لو تريد الدخول ستكسرالباب ويذكرك الله في اخر لحظة تقول الحمدلله لو اعتمدت على الله سيدبرك، هذا مؤشر أن كل شىء يجب أن تعتمد فيه على الله تطلب الله تسأل الله ،
فمن رحمة الله انه يعطيك ما ينبهك يقال لك هذا مفتاح البيت مثل أكبر شىء تخافه وتقلق عليه كما ذكرك في الوقت المناسب ودبرك في الوقت المناسب سيدبرك في كل شىء تهتم به، وهو سبحانه وتعالى قادرعلى أن يكفيك الهموم لكن يبتليك بالهموم لتخرج منك العبادات يستخرج منك العبادات،فتعبد فتكون الهموم كفارات، وهذا كله لأننا في دار المعبر لسنا في دار المستقر، إنها دار الآفات والله يدعوك إلى دار السلام.
فالمقصود أن معرفة الله لابد ان تسبب الرضا به، وهذا لا يكون إلا إذا بذل الإنسان جهده في أمرين
في العلم عن الله
والأمر الثاني في التفكر في الائه ونعمائه وآياته وأفعاله مع خلقه ،
الأحداث التي تجري على الخلق ليست صدفه وليس كما اتفق، النملة تدب على الأرض فتنظر لها تعتبر، ما خلق الله شىء في الأرض إلا للأنتفاع أو الإعتبار أو الإستمتاع ..إما تنتفع مباشرة أو تعتبر به أو تستمتع، هذه الثلاثة أمور تحيط بك لما تنظر لكل شىء تنظر بهذه الطريقة ،
اذا نظرنا للأعتبار نرى ان اشياء كثيرة حولك تعتبر بها وتعلم ان الله يعامل بها خلقه، ذاك العالم الذي يأس من كونه يتعلم، مر على الصخرة فرأى الماء يقطر عليها وقد أثر فيها الماء قال قلبي ليس مثل الصخرة و العلم الطف من الماء فأعتبر، وعاد إلى العلم.
فكوننا تمر علينا الأحداث وتمر علينا الأمور ولا نجد في قلوبنا يقظة للتأمل فيها هذه اشارة الى ضعف الإيمان.
فقه أسماء الله الحسنى 58
شرح اسم الله - اسم الرب10
كيف نقوي معرفتنا بالرب بحيث تكون النتيجة أن أرضى عنه سبحانه وتعالى ومن رضى فله الرضى، عليك أن ترضى به ربا مدبرا، وأن تثق به متصرفا أن تطمئن لأفعاله، عليك أن تتخذه وكيلا،
كيف أصل إلى هذا؟
تصل إلى هذا:من جهة بالعلم ومن جهة بالتفكر ترى كيف عامل هؤلاء وهؤلاء، عندما تقرأ مثلاً في قصة نوح عليه سلام وتجد كيف يمرون عليه وهو يصنع الفلك ويسخرون منه هذه الاداة اين تمشي بها ، متصورين شىء لم يمر عليهم ، شىء يصنعه وليس عند من حوله دلاله لأي شىء يصنعه.وهذا الذى اشتغل به نفعه الله به في الوقت المناسب،
وهذا تأخذ منه عبره عظيمة أن الله يهيأ الخلق لأمور تحصل لهم ، إذا هيأك الله اشتغل بما هيأك ، اشتغل في الوظيفة الحالية، أنت الآن تريد أن تكون مثلاً طالب علم ووجدت نفسك مضطر أن تعمل اداري في مكان هذا الوضع الآن، قلبك مشتاق الى العلم لكن ليس فيه حل الا ان تبقى في هذا الأمر، ماذا يقال لك ؟
أرضى بالله ولا تبرد شوقك للعلم لكن حول شوقك إلى رجاء ترجو من الله أن تتعلم ثم ارضى بالأمر الذى أنت فيه ولا تدري لأي شىء هيأك، وضع أمامك نوح وهو يبني السفينه، وضع امامك الأنبياء وهم يرعون الغنم، الآن يهيأهم الله لرعاية الناس بأن يرعوا الغنم،
رضاك بالحال الذى أنت فيه من جهة الدنيا أقصد وشوقك إلى المطالب العليا من جهة الدين،
ثم تخرج للعلم وقد كسبت خبرة في الإدراة ثم يأتي اليوم الذى يحتاج اليك طالب علم خبير بالأداره
هيأك وأنت لا تدري لأي شىء هيأك الرضا هذا انما هو اشارة الى الثقة بالله عز وجل.
هذا الرضا الذى يولد الطمأنينة لابد أن يكون له من عدو وعدوه الشيطان كلما أتتك الهموم فوقع في قلبك الإنقباض فذكرت الله انشرح صدرك اغتاظ الشيطان ، فيقلب عليك الأمر تقليباً يعيد عليك الضيق
وأنت ماذا يجب عليك ان تفعل؟
لا تستلم فتعيد طمأنينة نفسك، فحدث نفسك تحديث من يأدبها قل لها : لي رب الملك كله بيده ، له ملك السماوات والأرض ،يحي ويميت وهو على كل شىء قدير لا أحد يسبقه هو الأول والأخر يعطي الأسباب، ثم أنه يعطيك بلا اسباب الأخر الذي شأن الخلق كلهم إليه والعطايا منه ، هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم، كلم نفسك كالمأدب لها عظها لا تتركها
لا تترك الشيطان يثير عليك المخاوف، خصوصاً أنك لما تقول يذكرك أنت عندما تقول اعرف كمال صفات الله يقول لك لكن فعل بفلان كذا وفلان عنده امراض وراثيه وأمها ماتت بكذا وخالتها ماتت بكذا وهي اتاها كذا ويخوفك بأمر في الغيب فأنت ماذا تقول ؟
انا وكيلي الله يحفظني يرعاني يدفع عني، فكلما أصابك بوسواسه يخيفك، رد عليه بسلاح المعرفة
وكرر على نفسك ما تعرفه من اسماء الله وصفاته ، ليصل القلب الى الرضا.
ان التخويف والقلق سلاح الشيطان ، وسواس الشيطان إما لشهوة يثيرها إما لخوف يسيطر عليك.وهو يتمتع بتخويفك ، وبتثقيل كل شأن عليك، يثقل عليك العباده ويثقل عليك الطاعة
يشعرك انك مريض يشعرك انك ستموت الى درجة ان يشعر الإنسان بشىء يدب في بدنه ،
فالمقصود اننا نتحسس لمواطن الضعف في نفوسنا التي منها يدخل الشيطان ونواجهها ولا نقبل منه ان يثيرنا .
وهناك كلمات كثيرة نتداولها تدل على عدم الرضا عن الله من أهم هذه الكلمات التي فيها تعبير عن الحسد، ومن الأخطاء التي تحصل في مفهوم الحسد ان الناس يحسدون ،ولا يفكرون ان الحسد يحصل منهم، الحسد احد التعبيرات القوية لعدم الرضا عن الله، لأن من ينظر الى عطايا الله الى غيره فيقلبها ويفتشها وينظر فيها انما هو عبد غير راض عن عطايا الله له ، ودائماً يشغل نفسه
يعني اثنين في وظيفه واحد تأتيه ترقية و الآخر لا تأتيه يشغل نفسه يقول لماذا لم تأتيني الترقية ماذا يقولوا الناس عني اكيد لعيوب في فيحمل هم الناس ولا يحمل هم ان هذا انعكاس عدم رضاه عن الله، لذلك تجد الحاسد مع الشيطان يتعاونان يذهبون الى صاحب النعمة يقول له لا تفرح سيفعلون بك كذا وكذا لا تفرح ستدفع ثمن كذا وكذا، وان الكراسي دواره تظهر انها نصائح الآن لكن هي تعبير عن الحسد وعن عدم الرضا عن الله.
ونحن نعبر عنها ان هذه مجرد غيره واننا نغير والغيرة طبيعيه او التنافس، كل هذه الأمور انما هي تزيين بالباطل، إن من رضى عن الله رضى بما قسم الله، من ذاق طعم الايمان علم ان له ربا حكيم رحيم ملك قدوس منزه عن كل نقص يقسم للخلق ما ينفعهم، اذا آمن الإنسان بهذا الكمال خرج من ذلك الرضا، فنظر الى كل عطية بعين الرضا فكان هذا النظر سبب لأن يرضى الله عنه ، ومن وقع منه السخط على عطايا الله زاد سخطه يعني التي تتزوج ويكون لزوجها صفات معينه وترى ازواج صديقتها على صفات تريدها هي والزوج ليس فيه هذه الصفات لو رضيت بما قسم الله عاشت حياة هنيه اذا لم ترضى يبقى معها الشقاء الى لحظة الرضى عن الله ، اذا عاشت 10 ا و20 سنه مع الزوج يبقى هذا الشقاء معها حتى تلك اللحظة من رضى عن الله وعن عطاياه كتب له الهناء والسعادة ، من رضى فله الرضى،
فقه أسماء الله الحسنى 59
شرح اسم الله - اسم الرب11
من عرف الله بكمال اسمائه وصفاته ، من عرف الله بعلمه وحكمته ، من عرف الله بملكه وقدرته، من عرف الله بقربه من خلقه واستجابته لهم، من عرف الله حقاً سيرضى عنه. الذي يسخط على اقداره اصل مصابه في عدم معرفة الله
الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام لتعلموا أيها الخلق ان امره على مهل
وانه حليم يضع الأمور في مواضعها ويدبرها احسن تدبير واخبرك انه استوي على العرش دليل على عظمته سبحانه وتعالى وملكه وسلطانه في كل شىء، فأي شىء يمكن ان تطلبه من الملك العظيم الرب الكريم ثم يكون خارج ملكه وسلطانه؟
كل شىء في ملك الله وسلطانه لا يخرج شىء عنه ابدا، ثم انه قريب يسمع عباده، مجيب سبحانه وتعالى لايردهم، كل هذا يجعلك في تمام الثقة انه يدبرك أحسن تدبير،
والنفس فطرت على الثقة فيمن هو كامل الصفات، فطرت على ذلك. اذا عَلمت ان الله كامل الصفات هربت إليه وصمدت إليه لماذا في مقابل هذا تجد الناس لا يرضون بتدبير الله؟
ويصابون بالقلق على كل شىء بل احيان كثيرة يقلقون قلقا وهمياً،
الشيطان ، العدو الذي همه ان تفقد عقيدتك التي تحملها في قلبك لربك من حسن الظن به، لأنه يعلم انه اذا اخترق حسن ظنك بالله فقد اخترق في قلبك الإيمان، ولا تستطيع بعد هذا الأختراق ان تذوق حلاوة الإيمان ولا تطمئن للرحمن ولا ان تذوق رحمة الله التي تتجلي في كل شىء حولك،
لذلك سهامه مباشرة على رضاك عن الله.
صفات الله تظهر في تدبيره لنا،لما تظهر النتائج لما تأتيك امور ليست على ما يوافق هواك قل لنفسك هذا اختيار العبد الضعيف الذى لا يدري ما المصلحة لكن الرب الكريم الذى من اثار حكمته ان يدبر الخلق على ما يوصلهم للكمال هذا اختياره ونحن بأختياره راضيين. وكلما زاد رضاك عن الله ارضاك الله ،
ما معنى ارضاك الله ؟
نقول من آثار إرضاء الله لك ان يشرح صدرك لإختياره وعطائه، وان يبصرك كم من حكمة في اختياره ،
يقول الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله في كتابه فقه الأسماء الحسنى:(هذا وان شهود العبد انفراد الرب تعالى بالخلق والحكم وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وانه لا تتحرك ذرة إلا باذنه وان الخلق مقهورون تحت قبضته وأنه مامن قلب إلا وهو بين اصبعين من اصابعه ان شاء ان يقيمه اقامه وان شاء ان يزيغه ازاغه فيه تحقيق لمقام (اياك نعبد واياك نستعين)علما وحالا فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبيةثم يرقى منه صاعداً الى توحيد الإلولهيه ،فإنه ان تيقن ذلك لم يتخذ غيره إلها ومعبودا، فأول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية ثم يرتقي الى الإلوهيه، ........).
نقرر هذه المسألة، ماذا يقول في هذا المقطع الأخير ، اذا شاهدت ان كل شىء بيد الله ، ان الله الذي يدبر كل شىء ويقلب كل شىء من خروج هذه الشمس الى غروبها ومن خروج الليل وتبدله مع النهار الى قلبك الذي هو بين جنبيك وهو مقلبه عليك ، اذا شهدت هذا وعلمت ان كل شىء بيده وان لا ساكن يسكن إلا بأمره ولا متحرك يتحرك إلا بأمره.
ولذلك كان من آياته سبحانه وتعالى "منامكم بالليل والنهار"،انظر الى هذه الآية العجيبة "منامكم بالليل والنهار وابتغائكم من فضله "، انظر الى هذه الآية العجيبة ؟ ما أعجبها؟ انك بكامل قواك تتحرك ثم لا تجد نفسك الا مقهوراً، قد دب الى عينيك النعاس ثم لا تجد نفسك إلا قد فقدت قواك وفقدت احساسك بما حولك لا تسمع شىء يكلمك الخلق لا ترد عليهم، يكلموك لا ترد، يقلبوك ولا تتحرك اين ذهبت قوتك؟ من سكنك هذا التسكين؟ كيف سكنت ؟ سبحان الله ، كيف تذهب قواك مرة واحده وتنام قهرا؟، ثم سبحان الله تقوم قهرا.
كيف لما يقوم الإنسان نعبر عنه انه اكتفى نوما وأحيانا يكون لم يكتفي نوما ، ساعات يقوم في وقت غير مناسب يقوم في منتصف الليل يبحث عن النوم يبحث عنه يبحث عنه لا يأتيه ، فسبحان من جعل سكون هذا البدن آية من آياته ،ثم عودة النشاط وكيف يدب النشاط مرة اخرى الى بدنك وتتحرك وتبتغي من فضل الله وتتحرك والذي يراك في وسط النهار يرى شخص ذو فتوة وقوة لا يغلبه احد ، ثم هذا الطويل العريض الفتي يأتي عليه امر الله فيخمده ،وتراه بطوله وعرضه تأتي الذبابة لايستطيع ان يدفعها ولا يحس بها، "ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغائكم من فضله "، آية تدل على كمال ربوبيته ،
هذا قلبك بين جنبك تظن انك تحركه وهذا بدنك الذى تظن انك تملكه ها انت بكامل قواك تذهب قواك في لحظة. وها انت بكامل ذاكرتك تذكر انك وضعتك اموالك هنا وضعت اغراضك هنا وانك يجب عليك قبل ان تخرج ان تحملها معك ،بكل قواك هذه ثم ماذا يحصل ؟بكلمة واحده – نسيت- ، من يدبرك هذا التدبير سبحان الذي لا يسكن ساكن الا بأمره ولا يتحرك متحرك إلا بعد إذنه ،
اذا عرفت هذا فقواك كلها في الطلب والإنكسار والذل ومسألتك كلها في أن يعطيك ويغنيك لن تكون إلا له . فإن الخلق ان اجتمعوا ليعطوك دقيقة واحده من النوم وهو لم يأذن لك لن تكون ، وان كثير ممن يطببون بالطب من اجل ان ينامون يقولون لك بعد زمن تفقد أبدانهم التفاعل مع هذه الأدوية فلا تصبح مؤثرة فيهم ولا يستطيعون من جديد ان ينامون ،تعلم نحن مَن وما مقدار ضعفنا هؤلاء يشتكون من كثرة النوم وهؤلاء يشتكون من الأرق لا ينامون و هؤلاء يشتكون في وسط اعمالهم يفقدون قواهم واذا لم يناموا خمس دقائق لا يجدون قوة .
وهذه الآية الغائبة عن الخلق لا ينظرون لها الا على اساس الوقت وعلى أساس ان الحياة سائرة بهذه الطريقة طول الحياة ، ليل الناس ينامون ونهار الناس يستيقظون وانتهى الأمر ،
والله في سورة الروم يقول : ومن آياته .
هذه الآية ماذا تفعل بك و لأي شىء تدفعك؟
تدفعك الى ان لا تسأل وان لا ترجوا ولا تستغيث ولا تستعيذ ولا تحب ولا تعظم الا إياه، الذي يملك بدنك وفؤادك ويملك لك المصالح كلها بدون اسثناء ، هو الذى يستحق منك ان تسأله بل وتوحده في السؤال ، تسأل من غيره؟ تحب من غيره ؟ترجو من غيره ؟
وكلهم مثلك فقراء، اذا طلبت منهم تجدهم في وسط الليل انقطعوا عنك بنومهم.
فقه أسماء الله الحسنى 60
شرح اسم الله - اسم الرب12
فأنظر لا قريب ولا مجيب ولا أحد ينفعك ولا يدفع عنك الظلم إلا الله ، فهو أهلٌ لأن يحب
واهلٌ لأن يعظم واهلٌ ان تتعلق نفوسنا به واهلٌ لأن نرجوه، اهلٌ لكل حقائق الإلوهيه.
فكلما تعلقت نفسك بغيره وشعرت أنك تريد أن تستنجد بغيره والشيطان يرشدك إلى هذا آو هذا أن اطلب هذا وأسأل هذا قل لنفسك: لا يملك أحد النفع ولا دفع الضر إلا الله ،
واسمع هذا في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام لم يناهز الحلم :احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، اذا سألت فأسأل الله ،إذا استعنت فأستعن الله ،و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك.
لذلك لا نفوسنا ولا نفوس أبنائنا نربيها على التعلق بالخلق بل من حق الله علينا بعدما ننظر في آياته وكمال ربوبيته وتدبيره لنا وتقليبه لنا في مصالحنا حقه علينا ألا نطلب إلا إياه ولا نستغيث إلا به ولانثق إلا به ، ونفوسنا تركن إليه وهي تثق به .
إن حسن تدبير الله يشهد عليه كل شىء خلق السماوات والأرض بالحق ، تشهد لك بالحق، ليس فيه شىء تراه في الأرض إلا وهو في غاية الحكمة ، فبقي أن تنقل هذه الصورة في الأرض إلى الأقدار التي تجري عليك وترى أن حكمة الله ورحمته التي ظهرت عليك في كل مقدور ظهرت عليك في كل قدر وقع عليك هذا يدفعك أن تجعل جميع حاجتك عند باب الله.
إن ايمانك بربوبية الله وتدبيره تدفعك إلى تأليهه الى محبته إلى تعظيمه وحده لا شريك له. إن كل ما في الكون تحت تدبيره وفي ملكه وسلطانه وتصرفه وأنت من هؤلاء وكل من تثق فيهم من الخلق هم تحته تدبيره فلم يبقى إلا إياه أهلا ًلأن تتعلق قلوبنا به، وتطرد غيره ، لابد أن تطرد غير الله من قلبك لابد أن تدفع كل أحد فكلهم تحت ملكه وسلطانه وهو الذى يدبرهم فإن أردت تدبيراً فتدبيره وعطائه ولا ترى في الكون الا آثار افعاله سبحانه وتعالى.
قال تعالى : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل افلا تذكرون )) الآية اولاً تقول:" قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ما جوابهم ؟ سيقولون لله قل أفلا تذكرون ،ان كنتم تعلمون انه هو حده مالك الأض ومن فيها وربهم ومالكهم فهو وحده الههم ومعبودهم فكما لا رب لهم غيره فهكذا لا اله سواه وفي هذا احتجاج عليهم ان من فعل لهم هذا وحده ما هو إلا الإله وحده فإن كان معه رب فعل هذا فيبنغي أن تعبدوه و إن لم يكن معه رب فعل هذا فكيف تجعلون معه اله اخر
ونحن متيقنين أن لا رب فعل إلا إياه فلا إله يستحق الحب والتعظيم إلا إياه سبحانه وتعالى. قال: وهذا من أبين ما يكون دلالة على فساد الشرك، وما عليه أهله من الفساد والضلال تعالى الله عما يشركون يعني اظهر دليل على فساد أن تشرك بقلبك أحد مع الله تطلبه أو تسأله أو ترجوه هو أن تعرف أنه لا يفعل في الكون الا الله ولا مدبر الا اياه ولا يرزقك الا هو فكيف بعد أن تعلم أنه هو الذي أعطاك واواك وهداك يتوجه قلبك بالشكرر إلى غيره أو يتوجه قلبك بطلب سواه وسواه لم يفعل شيئا، بل سواه دارت عليه آثار عطايا الله ولو كان عابداً ولو كان كما يعبرون وليا فإن هذا الولي ما اهتدى للهداية ولم يكون في طريق الهداية إلا لما هداه الله فأسال أنت الله كما سأل هو الله ان يهديك وكلاكما في طريق الله تعبدون الله .
هذا الولي صلاحه على نفسه ولا تظن أن ولي صالح يعطيه الله أو يقلده شيئا من قلائد الأرض ،
لأن هذه دعواهم ما دعواهم؟
هذا رجل صالح عابد ولما اكثر في العبادة فالله عز وجل شكره، شكره بأي شىء؟
اعطاه تصريف هذه القريه، هل يمكن لهذا الكلام أن يقبل ؟
وكل القرآن فيه انه هو وحده الذى دبر وانه سبحانه وتعالى لا يرضى الشرك وانه سبحانه لا يرضى الشرك في في الربوبية ولا الإوهيه وكل الخلق يشعرون انه لا يمكن ان يكون هناك شرك في الربوبية وان واحد يدبر هذا الكون كله ولو كان اكثر من واحد ما كان هذا الأنتظام العجيب في تدبيره ، فالواحد الذى دبر هو الواحد الذى يستحق أن يحب ويعظم ويسأل ويرجى.
نسأله سبحانه ان نكون ممن احسن ظنه به وتييقن بكمال ربوبيته ونسأله سبحانه ان يكون اثر ذلك رضا في قلوبنا عنه وتعلقاً به سبحانه وتعالى. نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن ينفعنا بما علمنا، هذا ما تيسر والحمدلله رب العالمين
و جزاكم الله خيراً .
فقه أسماء الله الحسنى 14
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى 2
شرح اسم والمراد بالجبار فِعلاً:
1. بمعنى الإصلاح (جبر الكسر).
2. وبمعنى قهر الخلائق على مشيئته.
والجَّبار في اللُّغة:
صيغة مبالغة من اسم الفاعل (الجابر)، وهو الموصوف بالجبر، وأصل الجبر إصلاح الشيء بضربٍ من القهر، أي بنوع من القوة والقدرة. ومنها جَبَر العَظم إذا أصلَحَ كسره، وجَبَر الفقير يعني أغناه، وجَبَرَ الخاسر عوّضه، وجَبَرَ المريض عالجه. ونحن عندما نقول في الرياضيات: (اجبر الكسر)، أي كَمِّله، فلو كان الكسر واحدًا ونصف، فجبر الكسر يعني تحويل النصف هذا إلى واحد كامل فيصبح إثنان.
نريد أن نصل إلى اتزان في معنى إيماننا بالقضاء والقدر؛ لأن مسألة الإيمان بالقضاء والقدر والتي فيها إشكال دائماً، أصل مشكلتها أنها تُطرح قبل ما تُطرح صفات الرب. ركن الإيمان بالقضاء والقدر مبني على إيمانك بأسماء الله تعالى وصفاته،
كل أركان الإيمان لا تُطرح إلا بعد استيفاء الركن الأول وهو الإيمان بالله). فتشبَّع مِن الإيمان بالله وبكمال صفاته وبما يستحقه سبحانه وتعالى مِن تأليه وتعظيم، وبعد ذلك تكلَّم عن الإيمان بالقضاء والقدر والإشكالات التي فيه
وتكلَّم عن الإيمان باليوم الآخر والإشكالات التي يمكن أن تظهر فيه، أما في الغالب إيمانك بالملائكة والكتب والرسل فهذه مسائل لا يوجد كثيرُ إشكالٍ فيها، لكن دائماً ترى الإشكال في الإيمان بالقضاء والقدر
ومسألة الجبر على الإيمان، فقد يأتي سُؤال: هل نحن مُسيّرون أم مُخيّرون؟! هذا السؤال مَنشؤه فساد، ولكي نعالج هذه المسالة جيداً لابد أن تتعلم عن أسماء الله تعالى، فإذا تعلمت تَصورت كيف يعاملك الله، فإذا تصورت ذلك يأتيك بسهولة إيمانك بمراتب الإيمان بالقضاء والقدر
فقه أسماء الله الحسنى 15
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى 3
معنى اسم الجبار في حق الله تعالى:لها ثلاث معاني:
1. تدور حول معنى القهار.
2. تتصل باللطف والرحمة.
3. تتصل بالعُلو.
واعلموا أنَّ أسماء الله عز وجل لها تقسيم عند أهل العلم إلى أسماء جمال وأسماء جلال. أسماء الجمال هي التي تدل على الرحمة وما يدور حولها، وأسماء الجلال تدل على العظمة وما يدور حولها، فأسماء الجمال تُسَبِّب لك التعلق بالله، وأسماء الجلال تُسبّب لك التَّعظيم.
معاني اللطف والرحمة.
"الجبار سبحانه هو الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، ويجبر الخوف والحزن بالأمن والاطمئنان، فهو جبَّار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق". أي أن الجبار هنا بمعنى الإصلاح، وإصلاحه سبحانه وتعالى لحياة الخلائق إصلاح مَن يمْلِك وإصلاح العزيز،
فهو يَمْلك حوائجهم، وعزيز قادر على إنفاذ أمره، ليس مثل إصلاح الضُّعفاء. كل الخلق إن تصورت أنهم قادرين على إصلاح شيء مِن حياتك تكن حينها جاهلاً بصفات ربك وصفات الخلق، لأن كل الناس لا يملكون إصلاح أمر لم يُصلحه الله تعالى. كلما نظرت في أسماء الله كلما دفعتك إلى التوحيد،
لا يفتح لك الناس باب لم يفتحه الله، ولايستطيع الخلق أن يعطوك ما منعك الله، ولا أن يهبوك شيء لم يهبك الله، ولا أن يُحسنوا إليك إحساناً لم يأذن الله به، ولا أن يجبروا لك كسراً لم يأذن الله بجبره، فعاد الأمر كله إلى أن ما تبحث عنه مِن جَبْر قلبك أو جَبْر نقص عندك لا تستطيعه بطرق أبواب الناس،
بل في كثير من الأحيان تأتي لشخص وتقول له: (أنت أخطأت في حقي وجرحتني وأحتاج أن ترجع عن حالك من أجل أن تهدأ نفسي) وأنا ذاهبة إليه متأملة أني لو كنت واضحة معه سيفهم ويحل المشكلة، فتجد الجُرح بدل أن يُجبر يزداد عمقاً! وبدل أن يصلُح الحال بينك وبينه يزداد فساداً!
من أجل ذلك لابد أن تتصور أن الله عز وجل حَكَمَ في مسألة إرادة الإصلاح بين الزوجين فقال: {إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا}[6] أي إذا كان في قلوبهم إرادة الإصلاح، لكن هل هم سَيُصلِحون أنفسهم ؟ لا، فالفعل نُسِب لله تعالى، هو الذي يوفّق بينهما. إذاً في الوقت الذي نجتمع فيه للصلح حتى التوفيق لا يملكه إلا الله، لكن المهم أن يكون في قلبك إرادة الإصلاح.
فقه أسماء الله الحسنى 16
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى 4
ومن أجل ذلك عندما نأتي ونَجمَع الناس مِن أجل حَل مشكلة، وهذا موجود في كل الأوضاع على مستوى العوائل وعلى مستوى الأعمال، حيث تكون لديهم مشكلة ونجمع الأطراف ليتقابلوا وتتصافى النفوس إن شاء الله، ثم يأتون ونفوسهم ليس فيها إرادة الإصلاح، فيخرج كل واحد وهو مشحون أضعاف ما كان، لماذا؟ لأن الذي يجبر الخلل الذي في قلوبنا والنقص والجروح والآلام وإلى آخر ما نتصور من حركات القلب، إنما هو الله عز وجل.
إذاً القاعدة التي تتعامل فيها مع الحياة: أنَّ استيفاء الحقوق في الحياة يصل إلى حد المستحيل، فعلى ذلك ابنِ كل علاقاتك على أنَّ الله يجبر لك ما هو واقع من نقص فيك ومِن حولك، فنحن تكون لنا احتياجات معينة، نفسية، في الناس الذين نعاملهم،
وقد تعيشين مع رجل 20 أو 25 سنة وهو بهذه النفسية لم يتغير، النقص الذي فيه هو نفسه، والحاجة التي أنتِ فيها هي نفسها، وتشعرين في لحظات بالحيرة: ماذا أفعل؟! فهو باقٍ على عدم احترامه لي مثلاً، وتشعرين أن هذه حاجة لك. اعلمي أن هذه الحاجة بقيت حاجة فيك مِن أجل أن تطلبي الله أن يجبرها داخِلك،
والإشكال أن الله يجبرها ولا نَقبل بِجبره! فهذا شخص واحد في حياتنا لا يحترمنا، وبعد ذلك أعطانا الله 100 شخص يحترمنا، ولكننا لا نقبل! فإما أن يحترمنا فلان وإما لا، والباقي كلهم المِئة لا حاجة لي بهم ! هذا خطأ، ففلان هذا باقٍ لا يَحترمك لكي تبقى متعلقًا بالله،
تسأله، والباقي احترموك مِن أجل أن ترى كيف الله يَجبرك.
مثلا لدي مثلًا 4 أطفال، أحدهم عاق، والباقي طيبون مباركون معتدلون نفسيا، بينما أنا كل تفكيري في هذا الذي نقص، ولا أرى جَبْر الله لي بالثلاثة. فالله تعالى مُحسن إليك، لكنك أعمى عن الإحسان! الله جابر لك كسرك،
لكنك لا ترى حتى جَبره، لأنَّ لك تفكيرًا مُعينًا: أنَّ مصلحتك بأن الشيء الفلاني يحدث، وفي العادة تقول: (الذي أحببته هو العاق !!). هل تعرف لماذا هذا عاق بالذات؟ لكي لا يقوى تعلقك بهِ،
لكي لا تستغني بهِ عن الله، لكي لا يقع في قلبك الوقوف عند بابهِ، بل في أحيان كثيرة نأتي مقبلين ونقول أن فلان بالذات لا يفعل كذا، وأنا أعرف أن فلان هذا لا يفعل خطأً من هذا النوع ولا يقول هذا الكلام، ثم لأنك وثقت في فلان،
فالله عز وجل يجعله يقول الكلام الذي لا تتصوره، والذي لا تنتظره منه. فلا تضع ثُقلك على فُلان، إنما أنواع الإحسان التي تأتي من الخلق هي لُطف يجريه الله تعالى على ألسنتهم مِن عنده سبحانه وتعالى، وليس مِن عند أنفسهم.
فقه أسماء الله الحسنى 17
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى 5
قد يكون فيكِ كس، ونقص، وترين أن أحدًا يحترمك أو يُحبكِ أو يقدّرك، وأنتِ تشعرين أنك لا تستحقين في الصورة الحقيقية، فترين كيف الله تعالى يَجبر صورتك في أعين الناس، كيف يجبر صورتك في أعين مَن تحتكين بهم، وهذه كلها أنواع مِن الجبر يَجبر فيها الله عز وجل نقائصنا، سواءً كانت النفسية، وهذه مع التَّرف أصبحت حاجة مُلِحَّة، فنحن مع الترف والحمد لله الأمن والأمان ...إلخ،
أصبحت الحاجات النفسية مُلِحَّة أكثر مِن الحاجات المادية، لأن الحاجات المادية متوفرة، فما نسمع الشكاوى في كثير من المجتمعات -مجتمعات الخليج والمملكة- إلا وهي دائرة حول أنه قال لي كلمة أغضبتني، وحصل كذا وكذا، وكلها عبارة عن مشاعر وأحاسيس،
لأننا لسنا مُنشغلون بالمسائل الأساسية في الحياة، فالحمد لله أمن وأمان وأرزاق من كل مكان، فالذي حاصل هو نوع مِن التَّرف، وهذا النوع مِن الترف هو الذي يأتي بالحساسية تجاه النقائص النفسية.
على كل حال، إن كانت نقيصة مادية أم نقيصة نفسية ففي كلا الحالتين لا يجبرها إلا الله، وكونك تعتقد أن حوائجك لا يجبرها إلا الله، يجعلك لا تقف بحوائِجك إلا عند باب الله، وهذا الفارق بين مَن عَلِمَ عن الله وبين مَن جَهِلَ عن الله، فالذي يعلم عن الله قلبه مُعلّق أنَّ العطاء مِن عند الله، والجاهل ينتظر جَبْره مِن أسباب نقصه! فمَن الذي أنقص عليك؟ زوج؟ أبناء؟ صاحب العمل هو الذي أنقص عليك؟ الجاهل هنا ينتظر جَبْره مِمّن أنقص عليه، والعالم بربه ينتظر جَبْره من الله.
المهم أنك عندما تتعامل مع الله تعْلم أنَّ اعتقاداتك لابد أن تمر بعقبة {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ}[7] فإذا اقتحمتها أعطاك حتى أغناك. فلنفترض أنه نقصت عليك أي مشاعر نفسية، اتُهِمت مثلا في العمل أنك مقصر، وأنت في الحقيقة باذل جهودك، وبعد ذلك قالوا لك: (سامِحنا فقد أخطأنا)، وأنت ترى في عيونهم أن الأمر ليس خطأً، لكنهم بعدما واجهوك بالنقص ما استطاعوا أن يستمروا بنفس الطريق،
وأنت ترى في عيونهم أنهم لا زالوا مُتهمِينك بالتقصير، وقد عمِلت كل الذي تستطيعه، لكن نوع من الظلم وَقَعَ منهم. هذا الآن نوع من أنواع الاختبار، فأنت تحتاج أن يَنجَبِر قلبك تجاه الاتهام الذي اتهموك إياه، هذه حاجة نفسية،
فلا تنتظر منهم هُم أن يجبروا لك ما وقع مِن ألم، فهم لن يجبروه! مَن سيجبره لك؟ الله عز وجل، لكن متى سيجبره؟ عندما يَجتمع قلبك عليه وحده أن يجبرك، وتَطرُد مِن قلبك أنَّ هؤلاء يَجبرونك.
فقه أسماء الله الحسنى 18
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى 6
هذه المسافة -مسافة جَمع القلب على باب الله- لابد أن تأتي فيها اختبارات، ويأتي فيها {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} فإذا اقتحمتها وجَمَعت قلبك على باب الله، جَبَر الله عز وجل لك ما وقع في قلبك من نقائص. ومِثله الحوائج المادية، ففي كل نقص ينقصك صغيرًا كان أو كبيرًا، اعلم أن الله تعالى هو الذي يجبر نقصك، ومِن النَّقص مثلا المرض، اعلم أن الله تعالى هو الذي يجبر مرضك بالشفاء، أيضا قلة التركيز في مواطن كثيرة والنسيان مِن الحالات التي تَمُر علينا وخصوصاً طلبة العلم، وهذا إشكال كبير لطلبة العلم:
فهم يحفظون ويحفظون ثم يأتون يريدون أن يستنطقوا ما حفظوه فلا يجدوه، فاسألوا الله تعالى باسمه الجبار أن يجبر لكم نقص ما تحفظون، أن يجبر لكم ما ضاع منكم مِن عِلم في عقولكم. أحياناً يكون طالب العلم قد درس دورة على كتاب، ثم حصل بصورة أو بأخرى أن زملاؤه استعاروا منه كتابه، وفُقِد الكتاب
وهو قد جَمَعَ كُل عِلمه على كتابه، فاسأل الله أن يجبر لك نقص كتابك. عامِل الله تعالى في كل نقص حصل باسمه الجبار أن يجبر لك هذا النقص، فإذا التجأت إليه وسألته باسمه الجبار أن يجبر لك النقص، سترى الجبر فوق ما تتصور من عطاء!
فأنت مثلا كنت ترى أنك جمعت في كتابك من العلم الذي لن تستطيع أن تجد مثله، فتجد أن الله يجبر نقصك بأن تُرزق الكتاب، وليس شرطاً هو نفسه الذي ضاع، إنما تُرزق أن تتعلم أكثر، ويكون ضياع الكتاب سببًا لزيادة اجتهادك وإتيانك بمعلومات،
فلو بقيت على كتابك لَمَا اجتهدت أكثر، أي أن الجَّبِر يأتي بأعلى مما تتصور ! ولا تجعل الجبر في شيء معين فقط، فجميع حوائج الخلائق بهذا المعنى.
فقه أسماء الله الحسنى 19
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى 7
والمعنى أنه بِمَنِّه وكرمه سبحانه وتعالى وبِلطفه ورحمته ورأفته يُوصل للعباد الرحمات ويَجبر لهم الكسور بألطف ما يكون، المُهم أنك عندما تَنظر لهذا المعنى تَفهم أنَّ هناك عقبة تواجهك تجاه هذا المعنى، فما هي العقبة ؟ أن تُوحّد الله تعالى في طلب جَبر كسرك، يعني ما تطلب جبر الكسر إلا من الله، كل عسير ما تطلب تيسيره إلا من الله. وخلال هذا العَسير الذي تعيشه قد تأتي أشياء تُعرض عليك قد تلفت قلبك عن باب الله، وقد يُمَثِّل لك أحد أو أنت تظن أن هذه من الأسباب لتيسير الأمر، ثم تذهب مع هذا السبب فتجد أنه ليس من هذا الطريق، وتعود مرة أخرى إلى باب الله
ويأتيك أمر آخر في الوسط وتعتقد أنه سبب وتَسير وراءه ثم تجده يُغلق، هذه كلها فِتن، والمفترض أنك عن باب الله لا تغادر، قلبك ما يغادر باب الله. ماذا إذاً عن الأخذ بالأسباب؟! عندما تكون في فِتنة لابد أن تكون حساسيتك للأسباب عالية،
بمعنى أنك تيأس مِنها يأسا تاماً، ثم إذا أتى أمر في ظاهره أنه سبب، تُبقي قلبك مُعلقًا بالله، تَسأل الله إن كان سبباً يرضيه أن ييسر لك الاستمرار فيه، وإن كان سببًا لا يرضيه أن يصرفه عنك.
نفترض أن عندك مشكلة -أمر عسير- وتقول: يارب يارب، ثم ظَهَرَت لك في الأفُق أسباب، قد تقولون: لماذا لا نعتبرها من باب تهيئة الأسباب؟ نقول: نعم، لكن عندما تكون في بلاء فحتى تهيئة الأسباب هذه يجب أن تكون حَساسًا تجاهها غاية الحساسية،
فلا تنزع نفسك من باب الله وتذهب تجري للسبب الذي تَهَيّأ. قِف عند باب الله، وكلما ألَحَّ السبب وظهر في شاشتك كلما زاد منك التوسل لله: يارب إن كان هذا سببًا يرضيك ودخولي فيه يرضيك عني فيسره لي، إلى أن تراه ظاهراً، ثم أنك ترى في أحيان كثيرة أنَّ سببا يظهر ثم ماذا يحصل له؟
يغيب ! أو شخص اليوم يتصل يقول لك أعطني أوراقك، فيقع في قلبك الفرح، وتقول بأنك ضمنت هذه الوظيفة، وتُعدِّد مآثر فلان هذا فتقول أنه رئيس مكتب كذا ويعمل كذا وأصلا طوال عمره يعمل للناس كذا، وتُعدّد مآثره. هنا جاءك الاختبار!
أتتك العقبة! أوَّل ما ظهر لك سبب، التَفّت قلبك عن باب الله وبَقيت تُثني على فلان، فتجد أن فلان هذاالذي اتصل عليك اليوم وقال لك أعطني أوراقك، غداً لايرد عليك! أُغلق الباب! وكان الباب اختباراً! ويتهيأ لك سبب آخر، فماذا تفعل؟!
نحن لا نقول لك لا تأخذ بالسبب، لكن عندما تأخذ بالسبب فلتبقَ يائِساً منه متعلقًا بالله، حتى عندما يظهر لك السبب تبقى سائلاً الله أن ينفعك به.
إيمانك باسمه الجَّبار يزيدك تعلقاً أنَّه لا ييسر العسير إلا الله، فلا تَغتَر بمجرد ظُهور الأسباب، اجعل قلبك من السبب يائسًا، وبالله مُحسنًا الظن، ولا تأتي وتُعدِد مآثر هذا الذي أتى إليك في صورة سبب.
فقه أسماء الله الحسنى 20
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى8
وفي داخل هذا النوع من الجبر جبرٌ آخر خاص: (ويجبر جبراً خاصاً قلوب الخاضعين لعظمته، وقلوب المحبين له، الخاضعين لكماله، الراجين لفضله ونواله). أي أنه تعالى يَجبر قُلوب المؤمنين، فترى أنَّ قلوب الخاضعين لعظمته مجبورةً عن الدنيا، فكل ما حصل نقص ترى أثره سريعًا، يعني يقع في قلوبهم شعورهم بالنقص في الدنيا ثم يُجْبَر مُباشرة، ويَرمُد، إلى أن يَكمل قوة تعلقهم بالله، فيصبح إقبال الدنيا عليهم أو ذهابها سواءً في نفوسهم.
انظر لهؤلاء عندما تقع عليهم المصائب، وعندما يقع عليهم نقص في أموالهم وأولادهم وثمراتهم، انظر لهؤلاء كيف تكون قلوبهم، تجدها مجبورة، ماذا يعني ذلك؟ يعني الآلام فيها خفيفة وتذهب بذكر الله، ليس لأن ما عندهم إحساس، ليس لأن أولادهم هؤلاء لا قيمة لهم،
ليس لأن أزواجهم لا قيمة لهم، إنما لأن الله عندما أخذ منهم هذه الأمور المحبوبة أنزل مع الأخذ الجبر، فجَبَرَ قلوبهم عن النقص الذي حصل في حياتهم، فَسَكَنَت آلامهم. وهذا هو المعنى العظيم لمعنى التصبّر،
أي أنك لو ابتدأت بالصبر على المصيبة، سيقابلها من الله عطاء أن يجبر قلبك على ما أصابك، وإذا بقيت تُشْعِل في نفسك نار النقص، وتُذكِّر نفسك بالنقائص، فهذا الجبر لا يأتيك، وتبقى دائماً شاعراً بالنقص.
ولذلك ترى الفوارق بين الناس، فهناك أناس مِن أول ما تنزل عليهم المصائب يلجؤون إلى الجبار فيجبر قلوبهم، وهناك أناس متوسطون، فمع مرور الأيام والليالي عليهم كأن قلوبهم حصل لها الجبر،
أما القسم الثالث فتجدهم بعد سنين ولازالت آلامهم كما هي. ماذا فعل هؤلاء القوم في أنفسهم؟ ما رضوا عن الله فما أرضاهم الله عنه! ويبقى الألم من أوله كالآخر.
فقه أسماء الله الحسنى 21
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى9
قد يقول قائل أنه أحيانا لا يكون الألم طوال الوقت لكن بعد سنة أو سنتين أتذكر فيحصل لي ألم؟ نقول: لا بأس، فحتى هذا ورد في النص، فأنت الآن لو صبرت، يأتي الشيطان لك بكل الصورة التي مضت، وتجد نفسك تدخل في آلام، وتصبح في حال بكاء، نقول بأن تصبّرك هنا نوع من أنواع العبادة، لأن الشيطان مِن أهم مقاصده {لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا }[8] وهناك فرق بين أنك تُعَيِّشْ نفسك حالة الآلام ،
وبين أن يأتي الشيطان بهذا الفِكْر لك فيكون ردك الصبر، فرق بين الحالتين، والنساء أكثر الناس تعرضًا لهذه الحالة -حالة بقاء استجرار الآلام- هل تعرفون ماذا يفعل الجَمَلْ في أكله؟! يَسْتَجِر ويأتي به مرة أخرى،
وهناك كثير من النساء يعيشون بهذه الطريقة، عاشت آلام ثم يتسلط عليها الشيطان فيجعلها تعيش دائماً تحت ظل نقائصها وآلامها، مع أن الله يفتح لها بهذه الآلام أبوابًا من الأجور إذا صبرت،
ويفتح لها أيضا باب الجبر لقلبها إذا طلبت مِن الله أن يجبرها. هناك ميل في النفوس للشعور بالظلم، كأن هذه الأقدار وقع فيها نوع ظلم، نحن لا نقول هذا الكلام بلسان مقالنا، لكن بلسان حالنا كأننا ندّعي على الله بأنه ظلمنا ببقاء الأحزان متصلة،
وأنتم تعلمون أن الله {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}[9] فاعلم أن ما أصابك في وسعك احتماله. جبر القلوب هنا يكون بماذا ؟ (بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق الإلهي والهداية والرشاد)،
هذا نوع جبر خاص، أولاً يجبر قلوبهم بالانشغال عن النقائص، بالانصراف عنها، فما يشعرون أن هناك شيئًا ينقصهم، فيُجبرون عن التعلق بالنقائص، تنصرف قلوبهم،
أي تنجبر نقطة النقائص عندهم، بما يفيضه على قلوبهم من المحبة لله سبحانه وتعالى، فتجد قلوبهم مجبورة عن الدنيا بمحبة الله والتعلق به، ورؤية أنه من أجل رضاه تُباع الدنيا.
فقه أسماء الله الحسنى 22
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى10
أيضاً يَجبر قلوبهم بأنواع المعارف، وهذا الأمر يذوقه طلبة العلم، فيجدون لذائذ في الطَّلب تبرّد قلوبهم وتَشرح صدورهم عمّا ينقصهم في الدنيا، ففي كثير من الأحيان تجد أنَّ الحياة الخاصة لطلبة العلم ليست مستقرة تماماً، لكن مِن جَبر الله لهم أن علّمهم عنه، وفهّمهم عنه، وحبّب لهم العلم، فيجدون فيه من اللذائذ ما تغنيهم عما نقصهم من أنواع الاستقرار.
أيضاً الدعوة إلى الله، من أنواع المعارف أن تعرف فيكون منك دعوة إلى الله،
والدعوة إلى الله نوع من أنواع الجبر، لأنك عندما تدعو إلى الله تجد قومًا يشتكون لك نَفس حالك، فتجد نَفسَك تكلمهم تُصبرهم، وكأن تصبيرك لهم تصبيراً لنفسك، وهذا نوع من أنواع الجبر، لأن أقرب أذن سامعة للمتكلم هي أذنه.
أيضاً من أنواع الجبر بهذا العلم: أن الله عز وجل عندما يفتح لك بابًا من العلم وأنواعًا من المعارف تستحقر الناقص عندك فتراه ليس بشيء، بل مع الأيام ترى هذا الناقص فتحًا للكمال، فالعلم والدعوة كلها نوع من أنواع الجبر مِن الله عز وجل لعباده.
ومنها الرفعة عنده، أي تُجبر بها وترتفع عنده، يجبرك الله بما علّمك، وترتفع عنده بهذا العلم أيضاً.
كذلك يجبر الله عز وجل القلوب بما يفيضه من التوفيق الإلهي والهداية والرشاد. والمقصود بالهداية والرشاد الدلالة، أي أنه يجبرك بأن يدلّك على الصواب،
أيضا يجبرك بالتوفيق الإلهي، فكلما رضيت عن الله وتقربت إليه وقَبِلْت منه كلما كان سَمعُك الذي تسمع به، وبَصرك الذي تُبصر به، ويدك التي تَبطش بها، فهذا كله نوع من أنواع التوفيق الإلهي الذي نرجوه.
فكلما زدت تعلقاً بالله وكلما نقصت عليك الدنيا، كان نقص الدنيا عطاءً منه سبحانه وتعالى، لأنه سيجبر نقص الدنيا لك بتوفيقه،
سيجبر نقص الدنيا لك بأنواع من المعارف، سيجبر نقص الدنيا لك بأن يوقع في قلبك حبه، من أجل ذلك لو تبينت لك الحقيقة ستأتي اللحظة التي تتمنى فيها أن تنقص الدنيا لكن تُجبر هذا الجبر.
من أصعب المسائل: أن يكون معك مال أو ما معك سواء، أن ترى بأن عندك كذا أو ليس عندك مِن الدنيا سواء، هذا مِن الصَّعب بصورة، خصوصاً لو كنت مِن الناس الذين يشعرون أنه ما يحميك إلا نقودك التي بالبنك، وكم رصيدك! فتقول: لو حصل كذا وكذا فعندي كذا وكذا،
فترى أناسًا كثيرين يعيشون مُخططين أنهم لو كبروا سيكون لديهم كذا وكذا من الأشياء، على أنهم متصورين أنَّ هذه الأشياء ستنفعهم عندما يكبرون، ولايعلمون أنَّ عدة أسباب زرعناها لأنفسنا على أنها تنفعنا ثم هي التي أتت بالمشاكل !!
ويكفيكم في هذا مشاكل البناء، ومشاكل ما يأتي من وراء البيوت التي تُشترى، والبيوت التي تُبنى، الديون التي تحصل، ثم هلاك الناس قبل سكناهم في البيت، ثم اختلاف الأبناء على هذا الوِّرْث.
فقه أسماء الله الحسنى 23
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى11
فنحن نرى بيوتًا باقية 20 سنة في مكانها، لماذا؟ اختلفوا في الورث ! والآباء عمِلوا هذا العمل على أنه يضمن لهم مُستقبلاً، فكان خراب المستقبل بِهِ !! وهذا أمر مُشاهَد لا يحتاج حتى إلى دليل مِن كَثرة ما نرى ونسمع. فلا تتصور أنَّ الذي يَجبر قلبك في الدنيا مادة تملكها، إنما الذي يجبر قلبك على الحقيقة الجَّبار سبحانه وتعالى، يجبره بأن يدفع عنك شُعور النَّقص، فأنت ترى الكبار من العلماء مثل الشيخ محمد بن عثيمين وبن باز رحمهم الله واليوم الشيخ الفوزان وغيره
يدخلون في أكبر المجالس والأماكن وهم بصورتهم وثيابهم هي هي وأحذيتهم هي هي، لا يرون أنَّ مثل هذا يَنقُصهُم عند أحد، وفي مقابل هذا لو قيل لأي شخص ضعيف في قلبه: تعال إلى هذا المجلس، فانظر ماذا يفعل في نفسه مِن أجل أن يذهب.
فترى أنَّ هؤلاء مَجبورة قلوبهم عن أن يروا أنَّ هناك نقصاً، وهذا لا يعني أن لايعملوا بمقتضى إيمانهم باسم الله الجميل، لأنه جميل يحب الجمال، لكن فارق شاسع بين أن تتعبد الله بهذا، وبين أن تلاحظ الناس الذين تذهب لهم، وتلاحظ رضاهم، وتشعر أن قيمتك هو ما تلبس، وقيمتك شكلك،
فَجَبَر قلوبهم أن يشعروا أصلاً بِنقص، أي أن الشخص هو الذي يُشعِر نفسه بالنقص، وأنه ناقص لو ما فعل كذا. انظر إلى الناس وهم ذاهبون إلى الأفراح، لا أحد يرى إلا نفسه فقط، ولا يفكر إلا في نفسه، والناس مُلتهون عن بعضهم بأنفسهم، المَقصد أنك تعيش حول نفسك، فتُمْرِض قلبك أنه ينقصك كذا لأن عينك كذا وأنفك كذا وشكلك كذا
فترى نفسك فيك نَقص، مُقَدِّر نفسك بالصورة الظاهرية ! أما أهل الإيمان والخضوع والانكسار فقد جَبر الله في قلوبهم هذه الأمور بما يُلحقه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق الإلهي والهداية والإرشاد.
في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ)) هل نحن شاعرون بأننا جميعنا جائعون؟ إلى هنا نعم،
لكن في الحديث ((إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ))، أي أن الذي يطعمنا على الحقيقة هو الله، وبعد ذلك ماذا نفعل مِن أجل أن نُطعم؟ ((فَاسْتَطْعِمُونِي)) ، يعني اطلبوا مني أن أجبر لكم هذا النقص الذي تشعرونه ، فالجوع نقص، اطلبوا من الله أن يجبر لكم هذا النقص. ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ))[10]،
متى طلبنا مِن الله أن يكسينا؟! في الطعام ربما يحصل أن الشخص يسأل الله، لأنه قد يأتي في قلوبنا اشتهاء لشيء غير موجود فينصحك أحدهم بأن تطلب من الله، لكن في الكسوة يكاد يقترب هذا مِن النادر -
أن أحدًا منا يطلب مِن الله تعالى أن يَكسِيه- لأننا نتصور أن الكسوة هذه جهد بشري، وأنني أحتاج أن يكون عندي نوع ذوق معين، وأحتاج أن المصانع تنتج شيئًا معينًا، وإذا لم أجده في البلد سأجده في الخارج، مرةً أخرى مشاعر الاستغناء عن الله ! ندور ونرجع لهذه القاصمة التي هي أكثر شيء يُبعدك عن الله، ما هو؟ شعورك أنك مستغنٍ عن الله
ماذا تشعر وأنت تقوم بنفض الفراش قبل النوم؟ الواقع يقول أنها مجرد عادة، وأحياناً كثيرة تنساها، كما تنسى المعوذات وتستثقلها، لأنك أصلاً تشعر بأنك في غنى عن أن تفعل هذا، لكن لو كنت في قرية وبيت مليء بالحشرات، سيكون نفض الفراش أحد أعظم العبادات التي ستقوم بها، ونحن بهذه الطريقة نعامل ربنا !! الشيء الذي يظهر لي الحاجة إليه أنفذه من الشريعة، والشيء الذي لا يظهر لي حاجة إليه أستغني عنه في الشريعة،
وهكذا أيضا حتى في تعلقاتك بالله، فترى مثلاً أن لك أمًا حانية، وأن بِرَّها ليس صعبًا، فما تتوسل إلى الله أن يعينك على برها، إنما تشعر بأنه شيء طبيعي وتستطيعه، مع أننا طوال الوقت نقول أنك لا تستطيع شيئًا إلا بحول الله وقوته،
لابد أن تتبرأ من الحول والقوة، لكنك تأتي إلى نقاط معينة وترى أن هذا أمر أنت قادر عليه، فتستغني عن الذل عند باب الله تعالى، وهذه أكثر مشكلة نعيشها.
فقه أسماء الله الحسنى 24
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى12
معاني تتصل بالعُلو.بمعنى العلي على كل شيء، الذي له جميع أنواع العلو: علو الذات وعلو القدر وعلو القهر. (وهو الجَّبار أيضاً لِعلوه على خلقه ونفاذ مشيئته في ملكه، فلا غالب لأمره ولا معقب لحكمه، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن). هذا المعنى قريب من معنى العزيز.
أنواع العلو الثابتة لله: علو ذاته سبحانه وتعالى، فهو على العرش استوى سبحانه وتعالى، وعلو القدر أي علو أسمائه وصفاته وأفعاله سبحانه وتعالى، الجبار العالي في ذاته، العالي في قدره وأسمائه وصفاته وأفعاله.
نأتي إلى علو القهر، ما معنى علو القهر؟ هذا يعود للمعنى الأول، أي الجبار بمعنى القهار، وعلو القهر أي أنه سبحانه وتعالى عالٍ في قهره، قادر على إنفاذ أمره.
قال ابن القيم: وأما الجَّبار من أسماء الرب تعالى هو الجبروت، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ)). فالجبار اسم من أسماء التعظيم، كالمتكبر والملك والعظيم والقهار -هذا المعنى المشهور-، والمعنى الثاني الذي هو من أسماء الجمال يعني أسماء التعلق.
فقه أسماء الله الحسنى 25
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى13
معاني تدور حول معنى القهار.وهذا معناه أن اسم الجبار من أسماء الجلال والعظمة. (أي أنه القاهر لكل شيء، الذي دان له كل شيء وخَضَعَ له كل شيء،
فالعالم العلوي والسفلي بما فيهما من المخلوقات العظيمة كلها قد خضعت في حركاتها وسكناتها وما تأتي وما تَذر لِمليكها ومُدَّبِرها، فليس لها من الأمر شيء ولا مِن الحُّكم شيء، بل الأمرُ كله لله والحُكم الشرعي والقدري والجزائي كله لله، لا حاكم إلا هو، ولا رب غيره ولا إله سواه).
ما معنى أنه جَبَّار؟ هو ذاته المعنى الموجود في نفوسنا: أنه قاهر، قاهر كل شيء، كل شيء دان له سبحانه وتعالى، كل شيء خَضَعَ له، لا يستطيع شيء أن يخرج عن أمره وسلطانه سبحانه وتعالى
إذاً كُل ما تتصور عظمته تستعمل معه أن الله عز وجل جَبَّار عليه. أي شيء تراه عظيماً، مثلاً أعلى سفوح جبال تراها، أعظم كواكب تراها، كُل هذا العظيم في نظرك عندما تَنظر إليه تُعامِله على أنك تتعبّد الله باسمه الجَّبار فيه، فترى أنه مع عظمته لكن لا مَليك له ولا مدبر له إلا الله.
فكأن هذا الاسم ماذا يفعل بك بمعناه الثاني؟ يَقطع في قلبك تعظيم كل شيء تراه عظيماً. أهل السهول مثلا وأهل البحار عندما يذهبون إلى مناطق فيها جبال عالية هائلة،
تقع الرهبة في قلوبهم، لأن عظمة الجبال وعلوّها يقع في القلب منها أنَّ هذا شيء عظيم، فعندما يقع في قلبك عظمة هذا عامله بإيمانك واعتقادك باسم الله الجبار، فهذا الذي يراه الناس عظيماً إنما حَركاته وسَكناته كلها للملك سبحانه وتعالى، لمدبره سبحانه وتعالى، فمهما كان عظيماً ليس لهُ من الأمر شيء
ومثله عندما تدخل إلى بلدان الحضارة، بلدان ناطحات السَّحاب التي قد تُوقِع في قلبك شيء من الرهبة، خصوصا أنها في مناطق تحجب عنك الشمس، أي أنك عندما تسير فيها تحجب عنك الشمس، فترى في قلبك لها عظمة، انزع ما في قلبك من العظمة لها بإيمانك أنَّ الله هو الجبار.
فقه أسماء الله الحسنى 26
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى14
اهتزازة أرضية فقط بمقياس 6 ريختر ستجعله يساوي الأرض! ما معنى هذا؟ أنَّه محفوظ موجود باقٍ لأن الله تعالى يريد بقاؤء، وليس لأنَّ إرادة أهله بقاؤُه. ففي الغرب وفي الدول التي شابهت الغرب، ستصبح ناطحات السحاب بسبب الانهيار الاقتصادي خرابات قريباً، أي أنها سوف تكون طويلة لكن لا قيمة لها، لن تنهار وتصبح مساوية للأرض، لكن في حقيقتها ستصبح لا شيء، وهذا يزيدك إحساساً بأنه لا عظيم إلا الله. فكلما وجدت مِن مظاهر الأرض أو مظاهر فِعل أهل الأرض ما تراه عظيماً،
اعلم أن الله عز وجل يُهلِكُه كله ولا يساوي شيء، بل يَتكفأ الله تعالى الأرض كما يتكفأ أحدكم خُبزته، وسنرى شرح الحديث لكي تتصوروا أنَّ الأرض كلها تكون بمثابة الخبزة يَطعموها أهل الجنة، فَكُل ما عند أهل الدنيا وكل مالهم في الأرض يتحول طعاماً لأهل الجنة بعدما يُساوَى بالأرض.
فلو كنت من أهل السهول ورأيت الجبال لا تغتر بعظمتها، ولو كنت من أهل الجبال وأتيت ورأيت البحر بسعته وأمواجه والعالم العجيب، لا تغتر بعظمتها. البحر بالنسبة لكم كلمة ليست ذات بال لأنكم اعتدتم رؤيته، لكن الذي يأتي مِن المناطق الداخلية ويرى البحر يقع في قلبه الرهبة
وبالعكس الذي يأتي من السهول ويذهب إلى المناطق الجبلية يقع في قلبه الرهبة، والذي يكون في مدن أو قرى بعيدة عن العمران العالي ويذهب إلى المدن التي فيها ناطحات السحاب يُفاجَئ، يقع في قلبه نوع من الرهبة، كُل هذا يحتاج أن تعالجه باسمه الجَّبار: أنه سبحانه وتعالى مالك العالم العلوي والسفلي،
وأنَّ هذه لا حركة ولا سكون لها إلا بإذن مَالكها ومُدبرها، ليس لأهل الأرض فيها مِن الأمر شيء، ولا مِن الحُكم فيها شيء، وإذا أعطاهم الأسباب من أجل أن يفعلوا فلا تتصور أنهم يملكون، كل هذه ابتلاءات واختبارات، لكن لا تفهم مِن هذا أن العبد مجبور على فِعْل نَفسه، بل الأمر كما قال الله تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ}[11].
فقه أسماء الله الحسنى 27
شرح اسم الجبار سبحانه وتعالى15
هذا الكلام يُعَالَجْ به كل مشاعر خَوف مِن الظُّلم والظلمة، ففي كثير من الأحيان نواجه أشخاصًا نرى قدرتهم على ظُلم غيرهم، لهم سلطان في الأرض ونفوذ. عندما يقع في قلبك إحساسك بسلطانهم الذي أعطاهم الله تعالى إياه -سلطانهم هذا أصلاً لم يستطيعوه وحدهم إنما أعطاهم الله تعالى إياه - فمهما كان قويًا لا تعظِّمه في نفسك، بل اعلم أن الله تعالى أعظم وأجل، فلا يقع في قلبك الخوف مِن غيره، وهذا مِن دُعاء الله عز وجل باسمه الجبار دعاء عبادة.
عندما يكون زوجك متسلطًا عليك، وترين أن لا منفذ لكِ، وطوال الوقت تشعرين أنه سيفعل وسيفعل، وتشعرين كأنه مالك لأمرك تماماً ،كيف تتعبدين الله هنا؟ بدفع هذا الخوف ! لأنك تعلمين أن هذا العظيم في نظرك فالله أعظم وأجلّ منه، هذا معنى، والمعنى الذي بعده أن حال هذا الرجل أو هذا الشخص المخيف إنما هو تحت تدبير الله، فحركاته وسكناته كلها لا يستطيعها إلا بأمر الله، فاطلب ممن يملكه أن يدفع عنك شره، وهذا من جديد يعيدنا إلى التوحيد.
فإذا خِفْت لا تتصور أن أمْنك بالهرب إلى أحد، إنما في الحقيقة أمْنك في الهرب إلى الله الجبار القهار، ولذلك لن يفهم هذا الكلام جيداً إلا الذي عاش أحداثًا، فرأى شخصا عظيماً متسلطاً على حياته أو حياة أهله أو حياة أشخاص معه، ثم ماذا يحصل؟ هذا العظيم وهو في أوج عظمته وفي أوج خوف أهله منه،
يسقط ميتاً أو مريضاً ! فتحصل هنا حالتان للشخص الذي كان واقعًا تحت السلطة، نعم هناك مشاعر فرح بالتخلص منه، لكن توجد أيضًا مشاعر اهتزاز، لأن هذا العظيم كان يشكِّل له شيئاً. فكلما رأيت عظيمًا اعلم أن الله أعظم وأجل منه، وهناك معلومة ثانية أيضاً، وهي أن هذا العظيم إنما هو تَحت قهر الله وسلطانه وتدبيره، فادفع عنك الخوف من كل أحد بالخوف من الله،
وبتعظيم الله، وباعتقاد أن كل شيء يخيفك في الدنيا إنما هو تَحْتَ قَهْر الله وسلطانه.
فلا تتصور أن أحداً في الدنيا لا منجى ولا ملجأ منه، كل أهل الدنيا وكل شيء غير الله لك منه منجى.
فقه أسماء الله الحسنى 28
علم التوحيد، وبالذات "علم الأسماء والصفات" يورثك [التقوى]
فلو تعلمت العلم الذي يجعل قلبك لواحد، ولا يتشتت قلبك عن الواحد، حتما سيقع في قلبك أنك تريد أن تتعلم
كيف تتصرف مع الواحد، وكيف ترضيه،
ابتداء من دخولك إلى الخلاء وفي كل شؤون حياتك، حتى عند بيعك وشراءك،كل هذا لأنك تريد أن تتصرف بالصورة التي ترضيه،
لماذا؟
لأن قلبك دائر حول رضا واحد!
كثير منا مر بتجربة،تعلم منها أشياء كثيرة، فدخل دورات فقه، وتجويد، ومع ذلك (القلب) يسير إلى الخلف وليس إلى الأمام، وتجد نفسك تقول كلاما جميلا، وتفتح الكتب وتفسر للناس الآيات، لكن هناك شيء في الداخل غير موجود،تشعر أنك ريشة في مهب الريح! تشعر أن أي شيء يمكن أن يشكلك.
إلى أن رزقك الله (بالعلم عنه)
قال الامام مالك : خرج أهل الدنيا من الدنيا و لم يذوقوا أطيب شيئ فيها
قيل: ما هو ؟
قال: معرفة الله تعالى.
وحتى نتعرف على الله نتعلم عنه ونقرأ معاني اسماءه وصفاته ونعيشها في الحياة
وهذا رزق من الرزاق سِيق إلينا شروحات بعض معاني اسماءاللهالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
فقه أسماء الله الحسنى 29
شرح اسم الله تعالى (الغني)1
أن الله - تعالى شأنُه - هو الغني بذاته، الذي له الغِنَى التامُّ من جميع الوجوه؛ لكماله وكمال صِفاته؛ فبِيَده خزائن السموات والأرض، وخزائن الدنيا والآخِرة، فالربُّ غنيٌّ لذاته، والعبد فقيرٌ لذاته، مُحتَاج إلى ربه، لا غِنى له عنهوانت اذا استغنيت عن الناس، شعرت براحةٍ نفسيّة. كلَّما استغنيت عن ما في أيدي الناس، أحبَّك الناس. كلَّما استغنيت عن أموالهم، وعن عطاءاتهم، وعن ما يخصُّونك به، شعرت بكرامة. دققوا في هذه الأقوال الثلاثة.. احتج إلى الرجل تكن أسيره، أحسن إليه تكن أميره، استغنِ عنه تكن نظيره. لذلك من بعض الأدعية اللطيفة:
اللهمَّ لا تجعل حوائجنا إلا إليك، ودُلَّنا بك عليك.
الغنيُّ هو الذي لا يحتاج أحداً، وهذه ليست إلا لله. أما العبد فإنه يحتاج، إلا أنَّه إذا احتاج إلى ربِّه بقي عزيزاً، أما إذا احتاج إلى عبيده كان ذليلاً لهم.
الإمام الحسن البصري من كبار التابعين وله هيبةٌ لا توصف، وله مكانةٌ عليَّة، سُئِلَ مرةً بِمَ نِلت هذا المقام ؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
أما إذا تعلَّم الإنسان العلم الشرعي، ثم احتاج إلى دنيا الناس واستغنوا عن علمه، فو الله هذا منتهى الذل.. أن يستغني الناس عن علمك، وأن تحتاج إلى دنياهم، لكنَّ الإمام الحسن البصري نال هذا المقام الرفيع باستغنائه عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمه.
والحقيقة: اسم الغني.. والمؤمن إذا أقبل على الله عزَّ وجلَّ، يشتقُّ من هذا الاسم شيئاً، يشعر أنَّه غنيٌ عن المطامع. الطمع أذلَّ رقاب الرجال، غنيٌ عن ما في أيدي الناس، لا يشتهي ما لا يجد.. لي صديقٌ كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظَّمه في عيني صِغرُ الدنيا في عينيه، كان لا يشتهي ما لا يجد، ولا يُكثر إذا وجد. خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً.. من أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر.
دخلوا على سيِّدنا أبي عبيدة الجراح، وكان قائد الجيوش الإسلاميَّة في بلاد الشام، رأوا في غرفته قدر ماءٍ مغطىً برغيف خبزٍ، وجلداً يجلس عليه، وسيفٌاً معلَّقٌاً في الحجرة. قيل له: يا أبا عُبيدة ما هذا ؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير، ألا يُبلِّغنا المقيل.
ازهد بما في أيدي الناس، يحبُّك الناس.. ارغب بما عند الله، يُحبُّك الله، الله بالعكس إن أحببت ما عنده أحبَّك، وإن زهدّتَ بما في أيدي الناس، أحبَّك الناس.
فالغني هو الله الذي لا يحتاج أحداً، وجوده ذاتي أما الإنسان يحتاج ؛ لكن بين أن يحتاج الله عزَّ وجلَّ، ويحتاج إلى ما عنده، وبين أن يحتاج إلى خلقه. إذا احتاج ما عنده علا، إن احتاج إلى خلقه دنى.. احتج إلى الرجل تكن أسيره، استغنِ عنه تكن نظيره، أحسن إليه تكن أميره.
بالمناسبة إنَّ أدقَّ ما في هذا الموضوع ؛ حديثٌ صحيح قاله النبيُّ عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
(سنن الترمذي)
لا تنسوا.. أنْ، خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً. إذا كان لديك آلة بسيطة فتصليحها سهلٌ، أما إذا كانت تعمل بالحاسوب وتعطَّلت، ولا يوجد من يصلحها لك، يأتيك الهم فكلَّما كانت الآلة شديدة التعقيد، فتصليحها يكون صعباً وهمَّاً أكبر.. هذه قاعدة.. خذ من الدنيا ما شئت وخذ بقدرها هماً.
يقول الله عن ذاته .
فقه أسماء الله الحسنى 30
شرح اسم الله تعالى (الغني)2
يقول الله عن ذاته .﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾وهذه لها معنى دقيق.. فأحياناً الإنسان يستغني عن الناس، لأنَّه مستغنٍ عنهم، يترفَّع عنهم، ويستعلي عليهم، وأحياناً يحتقرهم، يؤذيهم بقوله لكنَّ الله جلَّ جلاله مع أنَّه غنيٌ عن خلقه ؛ لكنَّ كماله مطلق.
تجد غنياً بعيداً عن الله، به كبرٌ، وغطرسة، واستعلاء، وتأفف.. وأحياناً تجد غنياً على حجمه المالي الكبير متواضعاً، قريباً منك.. العظمة أن تكون مستغنياً عن الناس ؛ وأنت معهم، تصغي إلى حديثهم، تتعاطف مع مشكلاتهم، يعنيك ما يعنيهم، يؤلمك ما يؤلمهم، ترجو لهم ما ترجو لنفسك.
وهذه صفة عالية جداً، الأنبياء كانوا مع الخلق، يمشون في الأسواق، يعيشون معهم، لذلك قالوا: هناك برجٌ عاجيٌّ فكري، وهناك برجٌ عاجيٌّ أخلاقي.. البرج العاجي مذموم.. يقولون لك: فلان يعيش في برج عاجي، ليس واقعياً، بعيداً عن هموم الناس، إذا ابتعدت عن هموم الناس وعن حياتهم اليوميَّة، وعن مآسيهم، وعن آلامهم،
وعن طموحاتهم فأنت في بُرجٍ عاجيٍّ فكري. أنت تعيش في الأحلام. أما إذا ابتعدت عن سقطاتهم وانحرافاتهم ومعاصيهم فأنت في برجٍ عاجيٍ أخلاقيّ.
الإنسان يتمنّى ولداً حتى يُعينه في الكِبَر، وهذه هي سنَّة الله في خلقه. فتجد الشاب يصعد على الدرجات قافزاً كل عشر درجات معاً، وبعد فترة يصعد درجة درجة، ثم يضع رجله فوق الدرجة ويرتاح، دقيقتين ثم ينقل رجله الأخرى ويرتاح كذلك دقيقتين،
ثم بعد ذلك لا يستطيع الصعود ؛ فينتقل إلى بيت غير مرتفع أرضي. فالله عزَّ وجلَّ غني أما الإنسان مفتقر.
﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
فنحن بحاجة إلى أولاد لأنَّ الإنسان فانٍ، وبابنه يشعر بامتداد أثره، الإنسان ابنه يُعوِّض نقصه، فإذا لم يكن قد درس، فيكون حريصاً على أن يُدَّرِسَ ابنه.
وإذا لم يتاجر يقول لك: لا أريد أن أجعله موظفاً. وإذا لم يكن الأب متعلِّماً للغة من اللغات، يقول لك: أريد أن أعلِّم ابني للغة. فالإنسان أحياناً يحقق نقصه بابنه، ويحقق فيه امتداده لأنَّه فاني ؛ فيقول لك: هذا من أثري، يخلفُني، ذِكْرٌ لي بعد أن أموت. فالإنسان بحاجة إلى ولد..
﴿ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾
ليس بحاجة إلى ولد.
وفي سورة إبراهيم يقول تعالى:
﴿ وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾
انتهى
شرح اسم الله - الإله1
اللقاء الأول
إنّ أصول الأسماء الحسنى التي تجمع في دلالاتها معاني سائر أسماء الله ثلاثة أسماء وهي:
الله
والرب
والرحمـٰن.
طريقة دراستنا لباب الأسماء والصفات: سنستخدم كتاب (فقه الأسماء الحسنى) للشيخ عبد الرزاق البدر، ونسير فيه بالترتيب، فأول اسم ذكره الشيخ هو اسم: (الله، الإله)، وذلك بعدما ذكر مقدمة عن أسماء الله. سنقرأ كل يوم ما تيسر من نفس الكتاب، ونعلّق عليه. بسم الله. قال -حفظه الله-:
ما ميزة هذه الثلاث الأسماء؟ سمّاها الشيخ أصول الأسماء الحسنى؛ لأنها تجمع في دلالتها سائر معاني أسماء الله.
فهذه الأسماء الثلاثة تنتظم في دلالاتها جميع أسماء الله، وأسماء الله تدور عليها وترجع إليها:
فاسم (الله) متضمّنٌ لصفات الألوهية.
واسم (الرب) متضمّنٌ لصفات الربوبية.
واسم (الرحمـٰن) متضمّنٌ لصفات الإحسان والجود والبر.
فقه أسماء الله الحسنى 32
شرح اسم الله - الإله2
الدرس الثاني
في سورة الفاتحة قال تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ} وهنا: لفظ الجلالة (الله). {رَبِّ الْعَالَمِينَ} هنا: الرب. {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } هنا: الرحمن.
استشهد الكاتب بكلام ابن القيم -رحمه الله- في سورة الفاتحة؛
ليبيّن لك أن أصول أسماء الله تعالى ثلاث: (الله، الرب، الرحمن) والثلاث هذه في سورة الفاتحة، فقد عرّفتنا بالله بثلاثة أسماء: (أنَّه الله، وأنَّه الرب، وأنَّه الرحمن).
أما الرحيم يعود إلى الرحمن؛ لأن الرحمن ذو الرحمة الواسعة، والرحيم ذو الرحمة الواصلة، فمِن رحمته الواسعة أنَّهُ يوصل رحمته لكل أحد.
وأيضًا السورة نفسها مبنية على هذه الثلاثة أمور: الألوهية. والربوبية. والرحمة.
يتبين ذلك لما تقرأ: {الْحَمْدُ للّهِ} فهنا عَرَفْتَ الله، {رَبِّ الْعَالَمِينَ} وهنا عَرَفْتَ الرب، ومن {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ } عَرَفْتَ الرحمن، وبعد ذلك أتى قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ*إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }
[الفاتحة : 4-6[ .
أما{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فمبنية على الألوهية؛ أي أني أعبدك لأنك إلهي؛ لأنك الله (الألوهية).
{وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أستعين بك لأنك الرب المعين (الربوبية).
ثم أتى طلب الهداية في قوله: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم} ففيها طلب الصراط المستقيم، وأنت تعتقد أن الله رحمن رحيم؛ أي أنك تعتقد في الله صفة الرحمة.
إذن {الْحَمْدُ للّهِ} الحمد يتضمّن الأمور الثلاثة؛ فهو يُحمد -سبحانه وتعالى- على ألوهيته، وعلى ربوبيته، وعلى رحمته.
ثمّ كلّ هذه الصفات تجتمع وتظهر آثارها يوم الدين {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} فيظهر من ربوبيته، ورحمته، وألوهيته ما لا تدركه العقول اليوم، وتظهر أيضًا آثار الربوبية عليك؛
فإذا اتخذت الله ربًا وإلهًا وطلبت منه الرحمة، ستظهر آثار طلبك منه يوم الدين، فكلما زدت تأليهًا له، واستعانة به، وطلب الرحمة منه، كان هذا اليوم العظيم أسهل وأيسر عليك، وكلما ضعفْت في هذا، كان يوم الدين أصعب وأعسر عليك. فنسأله بمنِّه وكرمه أن يجعلنا ممن كان هذا اليوم عليه يسيرًا، اللهم آمين.
فقه أسماء الله الحسنى 33
شرح اسم الله - الإله3
وأول ما نبدأ به من أسماء الله الحسنى اسمه تبارك وتعالى (الله)، وهو اسم ذكر جماعة من أهل العلم أنه اسم الله الأعظم، الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى.
ولهذا الاسم خصائص وميزات اختصّ بها:
أ- أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها،
قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180[
وقال تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8[
وقال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر
ومعروف أنّ الاسم الأعظم لله -عزَّ وجلَّ- هو اسم من أسمائه التي ذُكرت في كتابه أو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن لم يُخصَّص الاسم، فأصبح للعلماء فيه آراء، فمنهم مَن قال أن (الله) هو الاسم الأعظم.
فقه أسماء الله الحسنى 34
شرح اسم الله - الإله4
ولهذا الاسم خصائص وميزات اختصّ بها:
أ- أنه الأصل لجميع أسماء الله الحسنى، وسائر الأسماء مضافة إليه ويوصف بها،
قال الله تعالى:{وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180[
وقال تعالى:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [طه: 8[
وقال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} الحشر
لم يُخصَّص الاسم، فأصبح للعلماء فيه آراء، فمنهم مَن قال أن (الله) هو الاسم الأعظم.
سائر الأسماء مضافة إلى اسم الله؛ فاسم الله هو أصل لجميع الأسماء، وجميع الأسماء مضافة إليه، واستشهد الكاتب هنا بآية الأعراف وآية الحشر؛ أما آية الأعراف ففيها إثبات أنه الأصل لجميع الأسماء: {وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} الأسماء الحسنى لله تبارك وتعالى، فأصبح اسم الله هو الأصل، وجميع الأسماء الحسنى تابعة له. ثم في آخر آية من سورة الحشر أضيفت الأسماء الحسنى للفظ الجلالة الله: {هُوَ اللَّهُ} ثم أضيف {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} والآية التي تسبقها أيضا نفس الأمر لكن هناك فاصل بين الله وبين الأسماء المضافة إليه، قال تعالى:{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ثم أضيف {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} فكلها مضافة إلى الله.
إذن مِن خصائص اسم الله أن الأسماء تُضاف إليه.
ويقال: (الرحمن الرحيم الخالق الرزاق العزيز الحكيم) من أسماء الله.
ولا يقال: (الله) من أسماء الرحمن الرحيم أو من أسماء العزيز، ونحو ذلك.
ومن خصائص هذا الاسم :
ب- أنه مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دالٌّ عليها بالإجمال.
والأسماء الحسنى تفصيل وتبيين لصفات الإلهية التي هي صفات الجلال والكمال والعظمة، فهو الاسم الذي مرجع سائر أسماء الله الحسنى إليه، ومدار معانيها عليه.
فقه أسماء الله الحسنى 35
شرح اسم الله - الإله5
أنه أكثر أسماء الله
الحسنى ورودًا في القرآن الكريم، فقد ورد هذا الاسم في القرآن أكثر من ألفين ومائتي مرّة، وهذا ما لم يقع لاسم آخر، وقد افتتح الله -جلّ وعلا- به ثلاثًا وثلاثين آية.
وقد عدّد العلامة ابن القيم عشر خصائص لفظية لهذا الاسم, ثم قال:
"وأما خصائصه المعنوية فقد قال فيها أعلم الخلق به -صلى الله عليه وسلم- ((لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)).
وكيف تحصى خصائص اسم مسماه كل كمال على الإطلاق ومدح، وكل حمد، وكل ثناء، وكل مجد، وكل جلال، وكل كرم، وكل عزّ، وكل جمال، وكل خير وإحسان وجُود وبِّر وفضل، فَلَهُ ومِنْهُ؟!
- فما ذكر هذا الاسم في قليل إلَّا كثّره
- ولا عند خوف إلَّا أزاله
- ولا عند كرب إلَّا كشفه - ولا عند همٍّ وغمٍّ إلَّا فرَّجه
- ولا عند ضيق إلَّا وسَّعَه - ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلَّا أفاده القوة
- ولا ذليل إلَّا أناله العزّة - ولا فقيرٍ إلَّا أصاره غنيًّا
- ولا مستوحش إلَّا آنَسَه - ولا مغلوب إلَّا أيَّده ونصره
- ولا مضطرٍّ إلَّا كشف ضرَّه - ولا شديد إلَّا آواه
- فهو الاسم الذي تُكْشَفُ به الكربات - وتُستنزَلُ به البركات والدعوات
- وتُقالُ به العثرات - وتُستَدفَعُ به السيِّئات
- وتُستَجلَب به الحسنات..." إلى آخر كلامه رحمه الله.
شرح اسم الله - الإله6
أيضًا من خصائصه:
هذا كله يعتمد على اعتقادك في هذا الاسم، أي أنه كلما زاد يقين العبد بأن الله كامل الصفات، وأنه إذا قال: (يا الله) نادى الله، نادى مَن له الكمال المطلق، ومَن بيده الأمر كله، ومَن هو على كل شيء قدير. فإذا امتلأ قلبه بذلك، كُشفت الكربات، نزلت البركات، أُقيلت العثرات، اُستدفعت السيئات.
أما إذا دَعوت وقلت: (يا الله) وقلبك ما امتلأ اعتقادًا أنه كامل الصفات، سيكون هذا مثل أي كلام تقوله وقلبك غير ممتلئ به، فأصبح مدار الانتفاع باسم الله بل بكل الأسماء على ما قام في قلبك، فإذا امتلأ قلبك يقينًا بأن كلمة (يا الله)، لفظ الجلالة (الله) تعني لك أنه كامل الصفات، تعني لك أنه: كامل العلم، كامل القدرة، كامل الإطلاع،
أنه محيط بك، أنه على كل شيء قدير، أن حالك عنده معلوم، وأن فرجك بيده، كل هذا لما يقع في قلبك ستكون كلمة (يا الله) مختلفة عما لو كان الإنسان ضعيفًا في اعتقاده، ولذلك تجد العبد يقول بلسانه: (يا الله)؛ لكن بوجدانه معلق بغير الله! لماذا يتكلم الإنسان بلسانه بشيء مختلف عما قام في قلبه؟ بسبب ضعف العلم عن الله أو ضعف اليقين.
فأنت تحتاج مع أسماء الله تعالى إلى أمرين:
الأمر الأول: العلم؛ فتتعلّم معنى الاسم.
الأمر الثاني: اليقين بهذا المعنى.
فقه أسماء الله الحسنى 37
شرح اسم الله - الإله7
فأنت تعْلم أن معنى اسم الله هو كل معاني الأسماء الحسنى، فكل شيء ستتعلمه بعد ذلك سيعود له، فكأنه يُضاف في قلبك إلى معنى اسم الله.
سنتقدّم ونتعلّم عن الرب، عن الرحمن، عن الجبار، عن الستير، عن الغفور، عن الشكور، وهذه كلها من أسماء الله، فكلما تعلمت اسمًا تُضيفه إلى اسم الله، تضيفه إلى المعنى القائم في قلبك، فلَمّا تقول: (يا الله) تجمع في قلبك كل الذي تعلمته عن الله: أنه شكور، غفور، جبّار، قريب، مجيب، سميع، بصير، كل الذي تعلّمته تجمعه في لحظة حاجتك، وعلى ذلك أصبح العلم مهم جدًا لكي تنتفع مِن تعاملك مع أسماء الله،
لابد أن تتعلم معانيها من أجل أن تنتفع بها. لكن هل يكفينا العلم؟ لا، فهناك أناس كثيرون عندما تسألهم عن معنى اسم كذا وكذا، يستطيعون الإتيان بالمعاني منضبطة وبأدلتها وشواهدها. لابد أن يُضاف إلى العلم اليقين، وهذا يغيب عن كثيرين!
كيف أتيقن بمعاني أسماء الله تعالى؟
بملاحظة تربية الله، وسيظهر لنا ذلك لما نأتي عند اسم (الرب)..
الله -عزَّ وجلَّ- يربّيك طوال حياتك، يربّيك بما يجريه عليك مِن أقدار؛ وهذه الأقدار التي تجري عليك ينقسم الناس أمامها إلى صنفين: أعمى، وبصير. لذلك تجد في كتاب الله تكرار الكلام عن الأعمى والبصير؛ وأن الناس إما أعمى أو بصير. فمَن هو البصير؟
فقه أسماء الله الحسنى 38
شرح اسم الله - الإله8
البصير هو: الذي بصّره الله بتربيته، فإذا أقدمت مثلا على عمل، ومنعك الله منه، كيف تُفسّر منْع الله لك؟ إذا كنت بصيرًا سترى أن اختيار الله أحسن مِن اختيارك، وستنتظر مِن ردّك عن هذا الأمر الخير؛ لأن شيئًا يمنعك الله عنه فمِن المؤكد أن المنع هو المصلحة، لكن مَن يرى هذا؟ البصير، ونحن لدينا أعمى وبصير، ولدينا أيضا أناس في الوسط ليسو عميان تمامًا، وليسو بصيرين تمامًا.
في الغالب لما يكون هناك ضعف علم عن الله أو ضعف يقين، ويأتينا المنع، يكون عندنا تقريبًا عمى، فلا نرضى عن الله ولا نرضى عن أفعاله. اليقين يأتي من تربية الله. لكن متى ستنتفع مِن تربية الله؟ كلما ازددت بصيرةً، كلما استعملت الذي تعلمته في تصرفاتك.
فعلى سبيل المثال، مَرّ معنا اسم (الجبار)، وقلنا أن مِن معانيه: الذي يجبر القلوب المنكسرة، فإذا أردت أن تؤمن بهذا الاسم جيدًا لابد أن تغفل تمامًا عن كل أحد غير الله أنه يجبر قلبك، واعلم أنه لا يجبر قلبك إلا الله، وانظر إلى الحياة، تجد أنك إذا دخلت في مُشكلة مع أحد وجَرَحَك وتكلّم عليك، وجاء يعتذر لك، تجد أنه بدلاً مِن أن يُصلِح الموقف زاده سوءًا أو أخرج كلمة أكبر من الكلمة التي مضت! خصوصًا في الاحتكاكات الشديدة (الزوج، الأبناء) دائمًا تأخذ منهم هذه الجروح، فهذه الاحتكاكات الشديدة مهما كان فيها اعتذارات فلازال فيها ثغرات وآلام، فمِن أجل أن تَحِل مشكلتك ماذا يجب عليك أن تفعل؟ لا تتصور أن هؤلاء يجبرون قلبك بكلامهم، قد يأتي كلام طيّب، الحمد لله هذا رزق من الله؛ لكن مَن في الحقيقة يجبر قلبك؟ الله –عز وجل-، فحتى يُجبر قلبك لابد أن تدفع عن قلبك التعلق أن هؤلاء يجبرون قلبك، وتتعلق بالله أنه يجبر قلبك.
نحن نريد اليقين، أنتِ عشتِ المواقف، وزوجكِ مثلا تكلم عليك وحزنتِ وبكيتِ، ثم جاء يعتذر، ففتحنا الموضوع من جديد، ودخلنا في نقاش جديد، ولازال غير معترفا بخطئه، وأصبح الاعتذار مشكلة جديدة! ولن ننتهي! كلما حدثت هذه المواقف زادتك يقينا أنه لا يجبر قلبك إلا الله! فلما تجد أن الاعتذار أصبح مشكلة، هذا يبصّرك أنه لا يجبر قلبك إلا الله، أما الناس فيُجري الله على ألسنتهم ما يجبر به قلبك، لكن متى؟ لما ما تنتظر الجبر إلا من الله، لما يكون قلبك معلقا بأن الله هو الذي يجبرك، حينها يُجري الله -عز وجل- على ألسنة الناس حولك ما يكون جبرا لخاطرك. لكن أن تأتي وتقول: من حقي عليك أن تعتذر، ومن حقي كذا وكذا.
قد ينفذها نعم مثل الرجل الآلي، ثم تقولين: ليته ما اعتذر! فاعتذاره أتى لي باكتئاب، والناس يردون عليك بأنك في بطر ولا تخافين الله، فتدخلين في دوامة ولا أحد يشعر بك، لأنه اعتذر أصلا بأسلوب مستفز، وقد تحكين الذي حصل لكِ لأحد فيقول لك: احمدي الله فزوجي لا يعتذر ولا يعترف، فتبقين تغلين من الداخل ولا أحد يشعر بك، هذا جزاء وفاقا، لأنك ظننتِ أن الناس يجبرون قلبك.
فعليك أن تتيقن، تكفيك هذه التجربة التي مررت بها لتفهم أن الناس لا يجبرون كسرك، والله هو الذي يجبر الكسر، إما من عطائه، فيكون الزوج ليس كثير الاهتمام ولكن الأبناء والإخوان والأب والأم شديدي الاهتمام الحمدلله، فينقص جانب لكن تأتي جوانب أخرى، والدنيا أصلا لابد أن يكون فيها ابتلاء {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } فاقبل جبر الله لك.
وأيضًا من عطاء الله وجبره لك أنه يجري على لسان هذا الذي أنقصك كلامًا يجبرك به. مقصدنا مِن هذا كله أنك لما تعيش المواقف تفهم أنه ما جبرك إلا الله، وما أعطاك إلا الله، وما أغناك إلا الله، وما رزقك إلا الله. مواقف متكررة ولو حكيتها لأحد لن يفهمها، ولا يهم ذلك، فمن القواعد المهمة للانتفاع بالتربية أن لا تحكي لأحد شيء لأنك مهما حكيته فلن يفهم لأنك تعرف كل الملابسات لهذه التربية التي رباك الله إياها، لما يربيك الله تزداد يقينا، ففي المرة القادمة يستحي قلبك أن يلتفت لغير الله، أن يطلب غير الله.
فقه أسماء الله الحسنى 39
شرح اسم الله - الإله9
فمطلوب منك أمران: الأمر الأول أن تتعلم والأمر الثاني أن تتيقن. كيف تتيقن؟ انتفع بتربية الله لك، فالله يربيك، وإذا كنت بصيرا انتفعت مما تعلمته، ومن رحمة الله بعباده أنه يعلمهم ثم يربيهم، يعلمك المسألة ثم يربيك فيها ويرى هل تُبْصِر بعدما بصّرك أو تبقى أعمى؟! ولذلك كثير من طلاب العلم الذين يحضرون دروس العلم يجدون كثيرًا من أحوالهم تُقال في الدروس، مَن الذي أخبر المتكلم؟! لم يخبره أحد، إنما الله يُجري على لسان المتكلم ما ينفع السامع؛ لأنه هو الذي يربّي عباده -سبحانه وتعالى-، ويربّيهم بتعليمهم؛ فيعلّمهم ويبصّرهم، لكن الناس ينقسمون إلى قسمين: أعمى وبصير.
فمتى ينفعك اسم الله هذا النفع كما ذكر ابن القيم: "فماذكر هذا الاسم في قليل إلا كثّره، ولا عند خوف إلاَّ أزاله، ولاعند كرب إلاَّ كشفه، ولا عند همٍّ وغمٍّ إلا فرجه، ولا عند ضيق إلاَّ وسَّعَه، ولا تعلَّق به ضعيفٌ إلاَّ أفاده القوةَّ، ولا ذليل إلا أناله العزة، ولا فقيرٍ إلا أصاره غنياً" متى يحصل كل هذا؟ على قدر ما قام في قلبك من يقين، واليقين عبارة عن علم وانتفاع بتربية الله. على قدر ما قام في قلبك من اعتقاد على قدر ما تنتفع من أسماء الله.
لا تتصور أن القضية في عدد، فقد يأتي مَن يقول: "اسم (اللطيف) له ملائكة! قُل:(اللطيف) ألف مرة وهذا التكرار يأتي بالملائكة التي تنفعك!" ليست هذه الطريقة؛ بل الطريقة أن تعتقد في الاسم كمال صفات الرب، فإذا اعتقدت نفعك الله بما اعتقدت، لذلك ورد في الحديث: ((مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ))[1] فإذا تعلقت بالله كيف يعاملك الله؟ يكون وكيلك؛ وإذا كان الله وكيلك كفاك كل همّ، ودفع عنك كل غمّ، ولا ترى الشرور إلا عابرة عنك مِن قوة حصانتك.
فقه أسماء الله الحسنى 40
شرح اسم الله - الإله10
تجد شخصا يقول لك: "الكهرباء كانت ستُحدث حريقا هنا لكن دفع الله الشر". وأنت غافل عن أنه تبقى ثانية واحدة ويحصل حادث، لكن دفع الله عنك الشر وأتى الخير، وأنت تكون في وسط هذا، وما تسمع الشرور إلا وهي مارّة، لأنك تحصنت بالقوي العزيز.
ومثله لما يأتيك الشيطان وتكون قد تحصّنت بالله وتقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) متى تنفعك هذه الكلمة؟ على قدر يقينك بالله –عز وجل- وبأنه يعصمك وأنه يدفع عنك الشيطان ويخذله. لذلك كلما تيقنّت أن: مَن آوى إلى الله آواه الله، تنتفع بالاستعاذة ولا يتسلط عليك الشيطان، فأصبحت كل القضية في قلبك، قلبك هو محط نظر الرب: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلَا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ))[2] فانظر إلى قلبك أين مكانه؟ وبماذا امتلأ؟ فعلى أساس هذا القلب ستكون معاملة الرب لك.
إذن كل البركات في هذا الاسم تنزل على مَن اعتقد؛ لأننا نسمع ثناءً على مَن تعلق بأسماء الله، ونرى أننا نردد الأسماء وما نجد كثيرًا من آثارها! لماذا؟ لأنك لن تنتفع بأسماء الله إلا بقدر اعتقادك.
وأما معنى هذا الاسم فأصله (الإله) وهو بمعنى المعبود.
بعد ذلك قال:
ما العلاقة بين لفظ الجلالة (الله) والعبادة؟
(الله) أصلها (إله)، والفعل من (إله) هو التأليه، والتأليه معناه التعلق والتعظيم اللذان يورثان الذل، والذل يورث العبادة، إذن الله أصلها الإله وهو يعني المعبود.
أصل كلمة (الله) مِن إله، وإله معناه
مألوه
مألوه أي تألهه القلوب، مِن (الألوهية)
فقه أسماء الله الحسنى 41
شرح اسم الله - الإله11
انتقل إلى (الإله)؟ لأنه أصل اسم الله، واستشهد بآية البقرة وآية التوبة وآية الأنبياء، فآية البقرة: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} تدلّ على ثبوت اسم الإله. وآية التوبة: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أيضًا تدلّ على ثبوت اسم الإله. وفي الأنبياء: { قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} إثبات اسم الإله. فهذا كله فيه إثبات لاسم الإله.
وهذا وإنَّ أجمع وأحسن ما قيل في معنى (الله) ما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال:
”الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين“. رواه ابن جرير في تفسيره.
ما معنى الله ؟
ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين؛ يعني صاحب الألوهية والعبودية، والصاحب يعني المستحق لها.
فقد جمع -رضي الله عنه- في هذا التفسير بين أمرين:
الأول: الوصف المتعلِّق بالله من هذا الاسم الكريم، وهو الألوهية التي هي وصفه الدال عليها لفظ (الله)
كما دلّ على العلم -الذي هو وصفه- لفظ (العليم)
وكما دلّ على العزّة -التي هي وصفه- لفظ (العزيز)
وكما دلّ على الحكمة -التي هي وصفه- لفظ (الحكيم)
وكما دلّ على الرحمة -التي هي وصفه- لفظ (الرحيم)
وغيرها من الأسماء الدالة على ما قام بالذات من مدلول صفاتها
فقه أسماء الله الحسنى 42
شرح اسم الله - الإله12
العليم اسم، والصفة العلم. العزيز اسم، والصفة العزة. الله اسم، والصفة الألوهية. إذن كل اسم من أسماء الله متضمّن لصفة، مرّر على ذهنك أسماء، واذكر الصفة منها:
الاسم
الصفة منه
الكريم
الكرم
السميع
السمع
الحكيم
الحُكم والحِكمة
الحليم
الحِلم
اللطيف
اللطف
القوي
ذو القوة
هناك أسماء مشهورة والصفات منها واضحة، لكن هناك أسماء أيضا مشهورة والصفات منها ليست ظاهرة في الذهن؛ فاسم الشكور من أسماء الله، ولو قلنا لك: اكتب سطرين في معنى هذا الاسم، سيتجه العقل مباشرة إلى الشكر الصادر من العبد، مع أنك تتكلم عن صفة لله؛ لكن ذلك من كثرة غرابة المعنى. نحن نتصور أن العبد عليه أن يشكر ربه، لكن كيف يشكر الله عباده؟ نعم يشكر الله عباده، وهذا من عظيم رحمته تعالى وعطائه: أنك تعمل الحسنة، فيشكرها الله -عزَّ وجلَّ- لك فيجعلها إلى سبعمائة ضعف أو أكثر، كما في آية سورة البقرة: {إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}وصف الله نفسه بأنه واسع: بمعنى أنه واسع العطاء، وعليم بمن يستحق هذا العطاء. إذن تحتاج أن تمرِّر على نفسك أسماء الله وتعرف ما هي الصفة في كل اسم، وعلى أساسه سيسْهُل عليك استيعاب معاني الأسماء. فمثلا المُهيمن: ما المقصود باسم المهيمن؟ نقرأ معناه من كتاب (فقه الأسماء الحسنى):
قال: ومعنى المهيمن أي:
المطّلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور
الذي أحاط بكل شيء علمًا
الشاهد على الخلق بأعمالهم
الرقيب عليهم فيما يصدر منهم من قول أو فعل
لا يغيب عنه من أفعالهم شيء ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
إذن المُهيمن يعني المُطلع على خفايا الأمور، أي أن له علاقة بصفة العلم؛ فالصفة التي نثبتها في اسم المهيمن هي العلم، فعلمه -سبحانه وتعالى- مُحيط بكل شيء، مُطلع على خفايا الأمور، رقيب على أعمال العباد، فاسم المهيمن يدور حول كمال صفة العلم.
نأخذ مثال أيضا اسم المؤمن، يدور معنى اسم المؤمن حول أنه -سبحانه وتعالى- مُصدِّق لنفسه، مُصدِّق لوعده، ومُصدِّق لوعده لجزائه للمؤمنين. فالاسم لابد أن يكون وراءه صفة يوصف الله بها.
كذلك اسم السلام، الصفة: أنه سالم من النقص والعيب.
فكل اسم متضمن لصفة، وقد تستطيع أن تأتي بالصفة من ظاهر الاسم، مثل العليم صفته العلم، والعزيز صفته العزة، لكن هناك أسماء من الصعب عليك استخراج الصفة لو ما راجعت معناها، فلابد من مراجعة معناها، مثل المؤمن والمهيمن. إذن الله اسم، والصفة: أنه ذو الألوهية. ما معنى أنه ذو الألوهية؟ نقرأ من أجل نتصور المسألة.
فكذلك (الله) هو ذو الألوهية، والألوهية التي هي وصفه هي الوصف العظيم الذي استحق أن يكون به إلهًا، بل استحقّ أن لا يشاركه في هذا الوصف العظيم مشاركٌ بوجه من الوجوه، وأوصاف الألوهية هي جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرّ والكرم والامتنان.
فقه أسماء الله الحسنى 43
شرح اسم الله - الإله13
(الله) يعني: ذو الألوهية؛ أي أنه هو الإله، فكأنك تقول: إله؛ لأنه موصوف بأوصاف الألوهية، أي أن له جميع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبر والكرم والامتنان، كلها مُجتمعة في الله الذي يستحق الألوهية،
أي أن جميع أوصاف الكمال مجتمعة فيه، منتفية عنه جميع أوصاف النقص. لذلك لا يستحق أحد أن يكون مع الله إلهاً، لماذا؟ لأن كل الخلق أوصافهم أوصاف النقص، والله -عزَّ وجلَّ- له أوصاف الكمال، وله من الكمال أكمله، أما العباد ففيهم كمال، لكنه ناقص على قدرهم، وأيضًا فيهم أوصاف نقص، فقد جمعوا بين مشكلتين: أن فيهم أوصاف نقص، وأن الكمال الذي فيهم ناقص.
في المقابل وصف الله تعالى: أوصاف النقص منفية عنه:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}{ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ}
فقه أسماء الله الحسنى 44
شرح اسم الله - الإله14
وأيضًا موصوف بصفات الكمال، بل له من الكمال أكمله، لذلك استحق أن تتعلق به وتترك باب كل أحد غيره، هذا الاسم يزيد معناه في قلبك كلما زدت علمًا عنه -سبحانه وتعالى-، فكل ما تعلمته كأنك تجمعه تحت هذا الاسم، فلما تقول: (يا الله) يكون في قلبك أنه (رحمن رحيم، جبار، غفور، شكور...) كل هذه المعاني، ولذلك لن تزداد حبًّا لله تعالى إلا بزيادة علمك عنه.
إذن معنى لفظ الجلالة الله: أنه ذو الألـوهية؛ وذو الألوهية يعني صاحب الألوهية، أي المستحق أن يكون إلها، ومَن المستحق أن يكون إلهًا؟ هو مَن جمع أوصاف الكمال وأوصاف الجلال والعظمة والجمال، وأوصاف الرحمة والبرّ والكرم والامتنان، هو صاحب الألوهية، هو الذي يستحق أن يكون إلهًا، وهذا الأمر لما تُثبته لابد أن تستخدم أمامه النفي لغيره.
فإذا اعتقدت أن الله هو إلهك كامل الصفات، لابد مع هذا الاعتقاد أن تستعمل نفي هذه الصفات عن كل أحد غيره؛ وهذا معنى: لا إله إلا الله.
ما معنى لا إله إلا الله؟
نبدأ أولًا من عند اسم (إله)، فلما تقول: ليس لي (إله)، أي ليس لي معبود أعبده، ليس عندي أحد أعتقد أنه كامل الصفات أتعلق به وأعظمه إلا الله، هو: الذي أعتقد أنه ذو الألوهية، هو: الذي أعتقد أن جميع أوصاف الكمال، والجلال، والجمال، والرحمة، والبر، والكرم، والامتنان له، فأنت تنفي هذه الصفات كلها عن غير الله،
وتثبتها لله –عز وجل-، ومن تفسير هذا مثلًا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فكل أحد غير الله وصفه أنه فقير، لا غني إلا الله، لا حميد في كل أفعاله وفي كل أقواله إلا الله، وحميد تعني أنه محمود، فلا يُحمد عليها إطلاقًا إلا الله.
لكن هل أنت تعيش هذا واقعيًا؟! يأتي الفرق هنا بين الناس في تحقيق معاني أسماء الله؛ ومِن أجل ذلك ورد في الحديث ((إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ))[3] أحصاها يعني: أخذها من مصادرها، وعاش تحت ظلها، فمثلًا لو كنت تعتقد بأن الله هو الحميد، أي أنه المحمود على كل أفعاله إطلاقًا، وأفعاله هي ما يجري عليك من قضاء وقدر،
و كذلك محمود –سبحانه وتعالى- على كل أقواله، وأقواله يُقصد بها كتابه، وكن فيكون لكل المخلوقات، فلما تقول: أنا أؤمن أنه وحده -سبحانه وتعالى- الحميد على كل أفعاله وأقواله، فهل أنت مؤمن بقضائه وقدره وحامد له عليه؟ هل واقع في قلبك أنه ما يأتيك من الله إلا الخير؟ على حسب درجة وقوع هذا الأمر يكون إيمانك بالاسم.
فقه أسماء الله الحسنى 45
شرح اسم الله - الإله15
إذا كنت مؤمن حقيقةً أن لا إله إلا الله، فهذا يعني أنك معتقد بأن كل أوصاف الكمال موصوف بها الله، وأيضًا منفية عن غير الله؛ أي أنك تحتاج لأن تعيش تحت ظل تفكيرين وهما:
التفكير الأول: ضعف الناس وعدم استحقاقهم لا للتعلق ولا للتعظيم ولا للرجاء ولا للوقوف عند بابهم ولا لأي شيء، كل هذا يجب أن ينتفي عن الناس.
يُقابله: لا رجاء لك إلا بالله، لا متعلق ولا معظم في قلبك إلا الله، فكل ما تعتقده من كمال صفات في الله لابد أن تنفيه عن الناس، لكن الناس فيهم بعض كمال، فمن أين أتاهم هذا الكمال؟ الكمال ما أتاهم إلا مِن الله، وهم ليسوا أهل الكمال التام بل كمالهم الذي تراه ما هو إلا بسبب ستر الله عليهم؛ وإلا في الحقيقة هم نقائص، ودائما نقول للمرأة: لا تتعلقي بزوجك، لا تتعلقي بأبنائك،
ونقول للأبناء: لا تتعلقوا بآبائكم تعلقًا يجعلكم تظنون أنهم كُمَّل؛ لأنه كل ما زاد ظنك في أن هذا كامل كلما كنت سببًا لكشف ستر الله عنه بالنسبة لك، فالشخض الكامل -في صورته الظاهرة- يزيد تعلقك به، ويزيد إحساسك أنه كامل، ويزيد تعظيمك له وشعورك أنه كامل؛ وكلما زاد هذا الشعور كلما كنت سببًا في أن يكشف الله لك عيوبه. لماذا؟ لأن هذا مِن تربية الله لك، يكسر لك مَن تراه عظيمًا.
ومِن أجل ذلك ارحم نفسك وارحم حتى الناس الذين ترتبط بهم، فلا تظن فيهم الكمال المطلق؛ لأنك إذا ظننت فيهم الكمال المطلق سيُكشف سترهم، فهم يكونون مستورين ومحترمين عندك، فلما تعظمهم زيادة يكشف الله لك ما بهم من عيوب.
فإنّ هذه الصفات هي التي يستحق أن يُؤْلـَه ويُعبد لأجلها فيؤله لأن له أوصاف العظمة والكبرياء
ويؤله لأنه المتفرد بالقيوميّة والربوبية والملك والسلطان
فقه أسماء الله الحسنى 46
شرح اسم الله - الإله16
فإذا كان –سبحانه وتعالى- مالك الملك فلا يخدعك ما هو واقع في الحياة.
فقد تقول: مُعاملتي هذه تحتاج لتوقيع فلان. لكن مَن يملك تمرير هذه المعاملة؟ في العقل المجرد عند الناس أن فلان الذي سيُوقّع، فلما تُقبل عليه تُقبل بأحد شعوريي
1.إما تُقبل عليه وقلبك قاصده هو لأن يوقّع، ومستعد لأن تقدم تنازلات وتسترجيه.
2.وإما تُقبل عليه وقلبك ما يقصد إلا الله وشاعر أن الله لو أراد أن يجعله يفعل سيفعل، فتتعلق بالله أن يجعله يفعل.
هذا الفرق بين أن تعتقد بأن الله هو مالك الملك وأنه الرب وأنه المدبِّر، وبين أن تعتقد بأن هذا الشيء تحت يد فلان و لن يأتي إلا لما فلان يوافق، وهذا مثله مثل صورة علاقتنا بالأزواج وبالأبناء ومسألة صلاحهم، ماذا تعتقد في كل هؤلاء؟ ماذا تعتقد في صلاحهم؟ حب الأزواج لزوجاتهم من أين سيأتي؟ رضاهم من أين سيأتي؟ القلوب هذه مُلك مَن؟ مُلكٌ لله تبارك وتعالى.
إذن لا تخاطب هذا الذي أمامك، بل تعلّق بالله الذي يملك قلبه، وسترى حينها أثر هذا على قلبه؛ ولذلك تجد كثيرًا ممن يستقيم يجد معارضات مِن الأهل ومِن الناس الذين حوله، وأن هذا ليس راضٍ على حجابه أو على قيامه في الليل. هناك حل واحد:
*كن صادقًا مع الله، فمَن آوى إلى الله آواه الله
*كن صادقًا مع الله وكل تفكيرك بأنك لو تقربت إلى الله سيُغير مافي قلوبهم.
*أيضًا تفهّم جيدًا أن في الوسط هناك شيء اسمه (عقبة) {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ }أي أنك لابد أن تُبتلى وتُختبر في الوسط قبل أن يعطيك الله-عزَّ وجل- قلب هذا ورضا هذا وقبول هذا، والعقبة هذه لابد لها مِن صبر ولابد لها مِن زمن؛ فمِن أجل هذا لما تنظر في سورة العصر ماذا تجد؟
أن الفالحين الصالحين ما وصفهم؟ {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} لابد أن يتواصوا بالحق ويتواصوا بالصبر، ولذلك غالب الذين لديهم مشاكل لا نقول لهم إلا كلمتين: الحق كذا، ولابد أن تصبر. لن تُحل المشكلة بدون الصبر.
على ماذا يدور كلامنا هذا كله؟
على أنك لو تعلقت بالله، وأنت تعلم ما له -سبحانه وتعالى- من كمال صفات، لابد أنه لن يخذلك، وهذا أحد مفاهيم سورة الكهف التي تقرأها كل جمعة.
إذن أنت تقرأ آية الكرسي بعد كل صلاة وكم مرة في اليوم من أجل أن تذكّرك لماذا يجب أن يقع في قلبك أنه: لا إله إلا الله.
وقصة أصحاب الكهف أيضا تقرأها كل جمعة وهي تعلمك أنه لا يمكن أن تأوي إلى الله ولا يُؤويك الله، لابد أن يؤويك.
فقه أسماء الله الحسنى 47
شرح اسم الله - الإله17
لكن كن صادقًا في لجوئك إليه، مُعتقدًا أنه كامل الصفات، مُعتقدًا أنه يرد عنك الشر، يرد عنك البلاء، حتى لو طالت المدة! حتى لو أتت صُعوبات! فقط عند باب الله قف! واسأله هو، سيُذلّل لك كل ما تراه صعبًا وعظيمًا ولابد؛ ولذلك أنت تؤلهه لأنه المتفرد بالرحمة وإيصال النعم الظاهرة والباطنة إلى جميع خلقه.
انظر هذا المعنى الآن في أذكار الصباح والمساء التي تقولها، فأنت تقول ((اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ)) [4] ونحن نردِّد هذا المعنى دائمًا؛ لأنه ينطبق على تفاصيل حياتنا.. على كأس الماء، على الأكلة التي تأكلها، على النومة التي تنامها، على المشية التي تمشيها، فيها كلها تعتقد أن ما بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك؛ فلك الحمد ولك الشكر.
ننظر إلى الحياة فنجد أنها أخذتنا في الغفلة، والغفلة أخذت منا زمنًا وأخذت منا مشاعر طويلة، فلما تفيق تأتيك صدمة في نفسك: كيف عشت طوال هذه الفترة من الزمن وأنا انسب هذه النعمة لفلان! وهذه النعمة أنسبها لفلان! وهذا المكان أنسبه لفلان..
تخيل عندك ضيوف، والحمد لله كان العشاء جيدا، إلى من ستُنسب هذه النعمة في الواقع؟ هل ستبحث عن المطعم أو الواسطة الذي أتت به؟ انظر إلى أين تتشتت نفوسنا وقتما تأتي النعمة! مثلا أشياء الضيافة تُشترى من محل معين وهذا المحل مرتب وأكله لذيذ، فلما تمر مِن عند المحل هذا تشعر اتجاهه بالاحترام! وهذه المعاملات التسويقية تجعل العميل رهينًا من جهة الاحترام، وأنه ما يأكل إلا من هذا المكان، فأصبحت الأكلة محسوبة أنها طيبة لأنها من هذا المكان، وقد تأتي فتقول: فعلا هي طيبة لأنها من هذا المكان ولو أكلت من غيره لا يكون طعمه كذا!
نقول: لا تُخدع ولا تغتر، ((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ))[5] وقد لا يأتي الخراب إلا من عند هذا الذي وثقت فيه كل الثقة!
فقه أسماء الله الحسنى 48
شرح اسم الله - الإله18
ننظر الآن إلى العيد والكسوة والمحلات والتخفيضات، تأتي مَن تقول: بنتي لا أجد لها ملابس بسبب أن سنها كذا أو حجمها كذا، وننسى:((يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ؛ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ))[6] كل هذا غائب، وهذا الحديث وارد في صحيح مسلم، ومتكرر! فتأتيك صدمة في مشاعر الغفلة، الغفلة زمنًا طويلاً، وأنا أتخيل في ذهابي وعودتي من وإلى السوق أنها سبب كسوتي أحسن الملابس، أو أن ابنتي ليس لها حظ أو أنه بسبب أن جسمها كذا وكذا. قد تقول بأن هذه أسباب حقيقية.
نقول أنك لم تفهم الموضوع: ((كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ)) هذه هي الحقيقة، ما يكسيك إلا الله؛ لكنك أصبحت رهين الأسباب، وعاملك الله بما أنت رهين له، ويزيد عليك البلاء.
من أجل ذلك لابد أن تفهم معنى الله: أنه المُتفرد بالقيومية، المُتفرد بالربوبية، المُتفرد بالمُلك، المُتفرد بالرحمة، بإيصال النعم، فما أتى بالنعمة لك إلا الله، ولما تعيش التفاصيل لابد أن تبقى متذكرًا لهذا الكلام، المشكلة أننا بكلام عام في الصباح والمساء نقول: ((مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ؛ فلك الحمد، ولك الشكر )) هذا بكلام عام، والحمد لله هذا الكلام طيب يرفع درجتك؛ لكنك تحتاج من أجل أن تكون كما ينبغي، لابد أن يمر هذا الكلام على كل تفاصيل الحياة، نحن لا نريد أن نصل في المبالغة إلى درجة كل التفاصيل؛
لكن نقول: افعل ما تستطيع، واعلم أن الناس يتفاوتون على حسب مشاعرهم في التفاصيل، فكلما زادت التفاصيل التي تشعر فيها أن الله هو صاحب النعمة، أنه هو الذي أوصلك، أوصل النعمة لك، أنه هو القائم عليك، أنه هو الذي دبّرك؛ كلما زدت في التفاصيل دلَّ على زيادة إيمانك وزيادة تعلقك، الناس تفزع إلى الأشياء، وأنت في مكانك تفزع إلى الله تعالى، وهذه الفوارق في زيادة الإيمان ونقصه، وهذه الفوارق كل ما لها تزول بين المستقيمين وغير المستقيمين، أي أنه في لحظة الحاجة قد تجد الشخص المستقيم على الدين وغير المُستقيم سواء، لماذا؟ لأنه ما درَّب نفسه في الزمن الأول على أنه ما يفزع إلا لله.
شرح اسم الله - اسم الرب١
لقاؤنا هذا الأسبـوع في باب الأسماء والصفات في اسم {الرب} وهو من أعظم الأسماء و أشملها لمعاني الصفات.
قبل الدخول في الكلام حول اسم الرب.
س: كيف ندعو بهذه الأسمـاء؟
ج: أولا: مسألة الدعاء بحد ذاتها تحتاج إلى كثيـر تأمل عندنا ثم ننتقل إلى الحديث حول الدعاء بالأسماء.
سنضع قاعدة؛ لأن هذا هو المقصود من معرفة الأسماء أصلا هو أن يدعو بها العبد، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}
القاعدة التي سنذكرها اليوم هي مسألة كيف يكون الدعاء بأسماء الله؟
سنبدأ بالكلام حول الدعاء والشق الثاني كيف ندعو بهذه الأسماء و سنذكر مسألة في الغالب أنها تعتبر شائـكة.
الدعاء عبادة والعبـادة تحتاج إلى شرطين هما: الإخلاص والمتابعة .
الإخلاص: يعني أن تدعو الله ولا تدعو أحدا غيره ولا تدعوا أحدا معه .
ثم يأتي السؤال حول الشرط الثاني وهو المتابعة يعني متابعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف تكون متابعته في الدعاء؟.
أدعو كما دعا الرسول صلى الله عليه وسلم.
سيأتي مباشرة سؤال يقول: أنا عندي حاجات في نفسي ولم أجد في النصوص من الألفاظ التي توافق هذه الحاجات.؟
نقول: لا بـأس, ادعو بما يقوم في قلبك بشرط ألا يكون إثم أو قطيعة رحم
لكن لا تنسى أنه من المتابعة عدم جعل هذا الدعاء وردًا,
يعني مثلا : كنت قلق و خائف من أحد الاختبارات ودعوت دعاء معين وكنت ملح وصادق و قلبك مجموع وانتهى الاختبار،
عليك بعد هذا أن تنسى الدعاء لا أن تدوام عليه؛
لأن سبب توفيقك في الاختبار هو صدقك في هذا الدعاء وما قام في قلبك, وحروفك هذه لا قيمة لها .
نحن وصلنا إلى حال، أنه توجد لدينا أدعية قبل دخول الاختبار، و أدعية أثناء الاختبـار كل هذا ما أنزل الله به من سلطان.
ما هو الكلام المخصوص والذي له قيمته : هو الكلام المأثور عن النبي صلى الله عليه و سلم و قد نهينا حتى عن تغيير ألفاظه.
وهناك أدلة كثيرة تبين النهي عن تغيير ألفاظ الدعاء المأثـور ، منها ما رواه الصحابة عن دعاء الاستخـارة: الرسـول كان يحفظهم إياه كالسـورة من القرآن قال ابن أبي جمرة: يحفظهم إياه كالسـورة من القرآن حفاظًا على حروفه حتى لا تندرس أي لا تندثر و لا تختفي.
وحديث آخر: كان فيه رسول الله يحفظ أحد الصحابة دعاء ما قبل النوم فأعاده الصحابي على نفسه يريد حفظه فأعاده بصوت مسموع فقال: آمنت بكتابك الذي أنزلت و برسولك الذي أرسلت فقال له النبي: لا. نبيك الذي أرسلت، منعه الرسول من تغير اللفظ مع أن نبي و رسول بمعنى واحد, ولكن هذا المنع من التغييـر إشارة إلى أن الألفاظ في الدعاء مقصودة.
من أجل هذا لابد من الخوف من البدع في هذا الباب ((باب الدعاء))
إذن: الألفاظ النبوية هي التي يعتنى بها وهي التي تنشر بين الناس .
شخص يقول: من أين آتي بالألفاظ النبوية ؟
موجودة في كتب السنة ففي صحيح البخاري يوجد كتاب اسمه [كتاب الدعوات] هذا فيه مجموعة الأدعية التي صحت عند البخاري و يبحث في كتب السنة عن ذلك .
تلخيصـا لما مضى: الدعاء عبادة يحتاج إلى إخلاص و متابعة.
أما الإخلاص فمعناه أن العبد يدعوا الله وحده ولا يدعوا أحدا غيره ولا معه.
يقع في قلبه أن الله وحده له صفات الكمال ووحده القـادر على إجابة دعوته،.
والمتابعة: تعني متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف أتابعه في الدعـاء؟
أي أدعية واردة ثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام فيها الكفاية والشـفاء لمن كان عالمًا بلغة العرب، معتقدًا بكمال ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
هي لا تنفع إلا هذا المتيقن بكمال ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. نقول له: إذا كنت تحتاج أي أمر من أمور الدنيا قل: ربنا آتنا في الدنيـا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. هذا الدعاء يكفيه.
[عند رؤية ما يعجبك السنة أن تقول: لا عيش إلا عيش الآخـرة]
هذه هي التربية النفسيـة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربيها لصحابتـه . وقد كان رسول الله يدعو الله فيترك الدنيا و يقول: {لبيك} يعني استجبت لا عيش إلا عيش الآخـرة.
فقه أسماء الله الحسنى 50
شرح اسم الله - اسم الرب2
كل هذا الكلام حول الدعاء نفسه،
ننتقـل الآن لقوله تعالى {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} هذا ما نريد أن نقرره اليوم.
ما معنى فادعــوه بها؟
الدعـاء ينقسم إلى قسمين:
1/ دعـاء مسألة .
2/ دعـــاء عبـادة.
دعاء العبـادة معناه: أن العبد يسأل بلسان حاله: أي أن يقوم بالعبادات التي أمـر بها فيصلي و يصوم ويتصدق يفعل هذه الأفعال على أنها منجيـة من النـار، يتصدق ولو بشق تمرة كأنه وهو يتصدق يقول: يارب اجعل هذه التمـرة سبب لوقايتي من النــار.
دعاء مسألة: بلسان المقال يعني: يطلب مطالبـه بلسانه وكلامه.
{ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها } ينزل عليها كلا النوعين من أنواع الدعاء أي بلسان الحال أو المقال.
قاعـدة: أنه كلما تـرد كلمة دعاء في كتاب الله يكون المقصود بها دعاء المسألة ودعاء العبادة.
ماذا يعني أن تدعو الله بأسمائه الحسنى بلسـان حالك؟
يعني: عندما تتعــلم أسماء الله ستتعبد الله بالعبادات القلبيـة على وفق فهمك للأسمـاء.
للقلب قول وعمل: الاعتقادات هي أقـوال القلوب،
الحركات هي أعمال القـلوب.
كل العبادات القلبيـة دعاء بأسماء الله وصفاته (خوف – رجاء – محبـة – تـوكل – استعاذة – استغاثة ..) كلها نوع دعـاء بأسماء الله وصفاته حتى ولو لم يتلفظ العبد بذلك.
حضـور مجالس الذكـر دعاء عبادة، جئت وفي قلبك نية طلب رضـا الله عزوجل، قائم في قلبك أنك أتيت أخذا بأسباب المغفرة، كأنك بلسان حالك تقول: يارب اجعل هذا العمـل كفارة لذنوبي ...
التسبيح عبادة: عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم خير ما قلت أنا والنبيـين قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. هذا ذكر، أين الدعــاء؟ لم يقل: يارب أعطيني..أسألك يارب..فهذا دليل على أن هذا الذكـر دعاء عبادة. فكأنه يقول: يارب أنا أقر بالشهادة فاجعلها لي سبب لوقايتي من النار ودخولي الجنة.
هذا هو المقصود بالتعبد لله بأسمائه و صفاته بلسان الحال.
وهذا باب مغفول عنه, دائما التركيـز على دعائه بأسمائه و صفاته لفظًا.
شرح اسم الله - اسم الرب3
اختــرنا اسم هو أعظم الأسمـاء و أكثر الأسماء جمعًا لمعاني صفات الله وهو اسم: الرب
تكرر اسم الرب كثيرًا في كتاب الله و يحتاج لإحصـائه بين ذكره منفردًا، و مضافًا فهو تارة مضاف وتارة منفرد.
ِ( إنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)
بل إن كل أدعية الأنبياء باسم الرب.
(َقالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) [المائدة : 25]
(قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)
[هود : 47]
(قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) [مريم:4
(فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص : 24]
(َقالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً) [نوح : 5]
نبدأ بالمعنى اللغوي لكلمة رب:-
سؤال: لنعرف المعنى اللغوي لكلمة رب، هل اسم (الرب) يختص بالله عزوجل مثل اسم (الله)؟
ج: لا، والدليل في سورة يوسف: {أما أحدكما فيسقي ربه خمـرًا} المقصود بربه أي سيده, إذن هو اسم لا يخص الله عزوجل فيمكن أن يطلق على غيـره.
يقال: رب الدار ورب الفرس بمعنى صاحبـها.
سنأخذ من المعنى اللغوي: السيد – صاحب، وندور حوله لغويًا، نبدأ في فهم معنى اسم الرب في حق الله تبارك وتعالى.
الرب: تأتي من تربيـة – ورب الدار ورب الفرس صاحبها ومربيها، مربيها أي: يعتني بها و يصلحها, والله عزوجل رب العباد, ماذا ستقول؟ اعتنى بهم وأصلحهم.
فا سم الرب يشتمل على صفات كثيرة؛ لأن التربية مبنية على ملك الله لعباده، على كمال قدرته، على كمال رحمتـه.
أول موطن ذكر فيه اسم الرب في القرآن الكريم وهو أعظم موطن، في سـورة الفاتحة.
قال تعالى: {الحمد لله}: الحمد كله لله الذي ربى عباده، والحمد هو وصف المحمود بصفات الكمال المطلق.
{رب العالميـن}: أول صفة وردت هنا يستلزمها اسم الرب هي (الرحمن الرحيم) إذا الله عزوجل ربى عباده برحمته، نتأمل في الرحمن الرحيم ثم نعود لاسم الرب.
الرحمن: ذو الرحمـة الواسـعة التي تشمــل كل أحد (حتى الكـافر).
الرحيـم: ذو الرحمة الواصـلة التي تصـل لكل أحد يريد أن يوصل الله رحمته إليه.
هذا أحسن ما قيـل في التفريق بين اسمي الرحمن الرحيم.
الله ربانا برحمته والأدلة المتكاثرة في الرحمة تدل على أن رحمة الله عزوجل سبقت غضبـه.
الله عزوجل يستحق الحمد على تربيته لنا ما وجه هذا الحمد؟
لأنه اعتنى بهم وأوصلهم لما يصلحهم.
نرى الآن عناية الله سبحانه و تعالى بعباده. من بين الصفات التي تلزم للعناية بالعباد و إصلاحهم صفة اللطــــف.
اسم اللطيف: (معنى اللطيف):. مع أن هذا ليس مقصودنا نحن نشرح اسم الرب لكننا قلنا أن الرب يربي عباده فيعتني بهم و يصلحهم ومن لوازم هذا أن يلطف بهم كما أن من لوازمه أن يرحمهم.
{الله لطيف بعباده يرزق من يشـاء}، من لطفه سبحانه وتعالى يأتي الرزق, ومن تربية الرب لعباده رزقهم وهو لطيف سبحانه يرزق من يشاء، منذ أن نسمع كلمة من يشـاء يتبادر إلى الذهن الحكمة مباشرة، إذا المشيئة مع الحكمة, فيرزق من يشاء على أساس حكمته تبارك و تعالى.
والحكمة كما هو معلوم وضع الشيء في موضعه الصحيح. في سورة لقمان: {يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله إن الله لطيف خبيـر}. ما علاقة: أن الحبـة في الصخرة أو في السماء أو في الأرض بك؟ يعني: إن كانت هذه الحبـة رزقك ستأتيـك.
والله سبحانه وتعالى يسوق عبده إلى مصالحه يقدر عليه الأقدار المؤلمة التي ترقيـه، قال يوسف بعدما جاءه إخوته و أبويه: {إن ربي لطيـف لما يشـاء} إذا أراد الله أمرًا هيأ لـه الأسباب وما يريـد الله بعبده إلا خيـًرا.
والرب إذن هو معتني مصلح بعباده لا يقدر عليهم إلا ما يصلحهم.
فقه أسماء الله الحسنى 52
شرح اسم الله - اسم الرب4
س: ما عــلاقة اسم اللطيـف باسم الر ب؟
ج: الله يربي عبـاده فيعتني بهم ليصلحهم، تربية الله لعبده تأتيـه بالرحمة، تربية الله لعباده كلها رحمة.
يأتــي السؤال:
لماذا لا يشـعر العباد برحمة الله؟
فتجد ذاك يفكر بالانتحـار!! وتلك تتمنى الموت وتدعو على نفسها بالموت!!
لأنهم لا يفهمون لطف الله بهم وقد قلنا أن الله يقدر على عبده الأقـدار المؤلمة كي يرتقي به إلى أعلى المراتب.
أحسن مثال لهذا: يوسف عليه السلام وما حصل له من أقدار.
الله عزوجل أراد أن يرقي يوسف في الرتب فجاءت التـرقية من البلاء.
لماذا غاب هذا عن العباد
لماذا لا يفهمون أن رحمة الله في أقــداره مهما كانت صورتها؟
السبب: أن العبد ما امتلأ يقينًا أن الرب رحمن رحيم, الذي امتلأ قلبه يقينًا بصفات ربه تبارك وتعالى، حتى ولو لم ير القدر بعين الرضـا يعلم أن وراء هذا القدر خير بطريقة ما وإن لم يدركها هو خير بل وكل الخيـر.
لماذا لا يشعر العبد بعناية الرب ورحمته بهم؟
ينقصهم اليقين، قلوبهم لم تمتلئ يقينًا بأن ربهم موصوف بالرحمة الكاملة والواصـلة لو أراد أن يرحمك مباشرة أعطاك لكنه سبحانه يريد لك ما يصلحك، وما يصلحك أنت نفسك قد لا تعلمه،
فتأتي رحمة لقلب ممتلئ بمعرفة صفة رحمة الرب فيرضى عن أقواله ويرى تربية الله ويستطيـع أن يستبشـر بلطف ربه.
يعني أنه عندما يتقلب فيما يضره يعلم أن الفرج قريب من تمام ثقته أن الله إلا و يفرج على عباده حتى أنه لا يقول: إن شاء الله بقوله تعالى: {إن مع العسـر يسرا إن مع العسـر يسرا}
إذا وثقت أن الله سيفرج عنك فإنه سيفرج همك من حيث لا تحتسب. بمعنى: أن العبد وهو يتقلب في الآلام يعلم أنها طريق لتحقيـــق الآمال.
تلخيــــــــص:-
نحن الآن نشرح اسم الرب و أول موطن له سـورة الفاتحة وأول صفة لازمة لاسـم الرب جاءت هي الرحمن الرحيم فالله يربينا برحمته قد يقول قائـل: هناك أقدار مؤلمة تنزل علينا، نقول: هذه الرحمة لرفع منزلتك ولإصلاحك وهذا لا يتأتى إليك مبـاشرة بل يأتيك لرفع منزلتك ولإصـلاحك وهذا لا يتأتى إليك مباشـرة بل تأتيــك بألطف ما يكـون.
فالله رفع يوسف و بقى ذكره مع شدة محنتـه، جاءته الرحمة في هذه المحنـة بلطف بحيث أنه في نهاية المحنـة قال: إن ربي لطيف لما يشـاء.
إذا أراد شيئا سبحانه هيأ له الأسبـاب وكانت هذه الأسباب مع أن صورتها ضِيـْق لكنها في الحقيقة رحمة وأيما رحمـة.
إذن: رب يلزم منه صفة الرحمن الرحيم إنه ذو الرحمة الواسـعة الواصلة كما تقدم معنا، ولكن لابد أن يعلم العبد أن رحمة الله فيها صفة اللطف يعني أنها تأتي بألطف ما يكون [إذن هذه علاقة اسم اللطيف باسم الرب].
كذلك فالرب يربي عباده باسمه (الخبيـر):
معنى الاسم: العلم وزيـادة فهو يعلم بواطن الأمـور ودقائقها.
الله عزوجل يربي عباده باسمه الخبيـر، فهو سبحانه وتعالى عندما يقرأ العبد أفعاله الواقعة يعلم أن ربه خبير بأحوال قلبه وأفعاله.
كل عبد مثلا يقول: لو جاءني مال سأفعل كذا وكذا – لو أنا في هذا الموقف لن أصبـر والخبيـر يقلبه يعلم أنه قادر على الصبـر و يعلم أن هذا لا يصلح له ليرتقي إلا البـلاء.
يعني هذا الشخص لو لم يأتيه بلاء يركن للدنـيا وتركه الله في الرخاء زمنًا.
والإنسان ينسى نفسه فعندما كان في زمن الرخاء استرخى تعلقه بالله.
ويقول: أنا لا أتحمل الشـدة وهو في الشـدة يتعلق بالله والله خبير بعباده يعلم أن هذا لا يصلح له إلا أن يقع عليه بلاء وشـدة وهما اللذان يصلحانه والله لا يكلف نفسـا إلا وسعها بمعنى: أنه مادُمت ابُتليت بهذا الابتـلاء تأكد أنك قادر على تحمله وما دمت ابتليت هذا البلاء إذن الاختـبار هو صبرك..
وما دام بليت هذا البلاء، فاعلم أن الله يريد أن يصلحك،
وإن لم يحسن التصرف في هذا البلاء سيربيه الله ببلاءات أخرى إلى أن يفعل ما يرضى الله ولا يفعل إلا ما يحب الله. الله يعطي العبد ما يصلحه ويمنع عنه ما يفسـده لأنه خبير سبحانه.
شخص يقول: أنا أنفع للرئاسـة لو أعطوني المنصب، سأصلح المدرسة.. وهناك أناس كثيرين واثقين من أنفسهم وهذه مشكلة، فالله تعالى يقول: {ولا تــزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} طالما أن هذا لم يأتك المنصب أو الوظيفة أو ما شابه، فاعلم أن هذا من رحمة الله ولطفه بك،
يقول العبد: أنا أعرف نفسي..نقول له: الله خبير يعلم حركات قلبك ومكنوناتك أكثر من علمك بنفسك، لذلك ننبه ونقول: ونحن سائرين في الحيــاة لا تميل أنفسنا إلى أنفسنا (لا تكلني إلى نفسي طرفة عين) لأنني أتصور لو كنت في الموقف كان فعلت كذا، ولما يأت الموقف تتغير ردة الفعل المتصـورة،
في الحقيقة بعد أن تـمر علينا أزمات و نلتفت للخلف نقول: سبحان الله كيف استطعنا أن نصبر على كذا وكذا..لا ينزل البلاء إلا و ينزل معه الصبـر،وهذا الصبـر من تربية الله عزوجل لعبـاده.
أنت الآن ابتليت هذا البلاء أو أعطيت هذا العطـاء فاعلم أن الله أعطاك ليصلحك و يرقيك.
أنت بذاتك يناسبك هذا البـلاء سواء كان عظيما أو شديـدا لا تتصور أنك لا تستطيع التعامل معه وتحمــله.
فقه أسماء الله الحسنى 53
شرح اسم الله - اسم الرب5
لما فقد يعقوب عليه السلام ابنه قال: {فصبـر جميــل والله المستعان}.
وقد اتفقنا في اللقــاء السابق: أن الصبـر الجميـل هو الصبر الذي لا شكـوى فيه لغيـر الله {إنما أشكـوا بثي وحزني إلى الله} فالشكوى إلى الله لا تخالف الصـبر الجميـل، كونك تسجد وتتكلم عن حالك و تستشعر فقرك لخالقك هذا لا يخالف الصبـر الجميـل والشـاهد هنا: {والله المسـتعان} يعني جاءت مصيبة لا أقول: ما احتملها، أقــول: افعل ما يرضيـه عني وهو وحده المستعان الذي يعينني على فعل ما يرضيـه عني.
فالصبــر الجميل ليس من حولي وقوتي بل المستعان عليه هو الله يأتيني به ويمدني به،
عندما يأتيني البلاء أري الله من نفسي خيــرا، فأتصبر لأن المربي عندما يريد إصلاحي، يبتليني ويسددني و يعطيني مع البلاء صبر و حكمة و رضا، ويعطني مفتاح الفرج ويلهمني كيفية الخروج كل هذا بلطفه سبحانه، فهو رحمن رحيم لا يقدر على العبد من الأقدار إلا ما يصلحه، وهو خبير بحاله وحركات قلبــه، فلا يتصور العبد أن ربه يقدر عليه ما لا يستطيعه.
إذن كلما صلح العبد كلما رقاه ربه في البلاء, كلما قوي قلب العبـد كلما زاد بلاؤه وارتقى، كما علمنا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم: ((إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه)).
والبلاء درجــات، فأشــدهم بلاء الأنبيـاء، لأن الله خبير بقلوبهم ولا يريد سبحانه إلا إصلاحهم.
إذا بما أن الله رب يربي عباده ليصلحهم وهو رحيم و لطيف، فيرزقهم رحمته بلطف وهو خبيـر بما في قلوبهم يعلم ما تحمله وما تستطيعه فيبتليهم على قدر إيمانهم)).
لكن الناس تجاه البلاء درجات.
الفتنة واقعة بالســراء والضـراء ((و ألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتهم فيـه)) حتى فتح البركات بعد الطاعات فتنـة. وهذا معنى جديد غير متـداول.
المعنى الأول: واضح في الأذهان وهو أن العبد إذا حلت عليه مصيبة واضح أنها اختبار و فتنة.
أما أن النعم فتنة و فتح باب الطاعات فتنة هذا غير واضح في الأذهان.
المطلوب من العبد أن يعلم أن كل هذا جاء من رب وصفه أنه رحمن رحيم لطيف خبيـر، يورث عباده معالي الأمـور بأقداره التي يقدرها عليهم –فلن تبلغ المجد حتى تلعق الصبر- يورثهم الجنات العلى بما يقدر لهم ولأنه خبير بهم لا يقدر لهم إلا ما يستطيعونه.
لكن المشكــلة في ردود أفعال الناس تجـاه أقدار الناس فهم يردون رحمة الله يردون لطف الله لا يعتنون بلطف الله ولا يعتنون بكونه سبحانه خبيــر يعلم ما في قلوبهم وبواطنهم. لكن نحن سنتكلم عن الخط المستقيم الصحيح الذي يجب أن يسير فيه العبـد.
شخص يعلم أن الله ربه يربيه، يعتني به، يصلحه من أجل أن يكون صالحا ليس للآن للآخـرة في جنات عدن، الإصلاح ليس لتصلح لك الحيـاة الآن إنما للآخـرة.
أخبر الله تعالى في سورة الفجــر: أن الناس ينقسمون حال استقبال النعمة لقسمين:
ربي أكرمن، نعمـة: ربي أكرمني.
وربي أهانني إذا قدر عليه رزقه.
بــلاء: ربي أهانني،
فبماذا يجيب الله عزوجل؟
يقول: كــلا، لا هـذا صحيح ولا هـذا صحيح.
أيضا في أخر السـورة ينقسم الناس إلى قسمين، قسم يقول: يا ليتني قدمت لحياتي ليست هنا إنما في الآخـرة، النظرة هذه ناقصـة.
عندما نقول: الله عزوجل يربي عبـاده، ويعتني بهم و يصلحهم ليس لهذه الحيـاة بل للحياة الحقيقة الأخروية، هذه الحياة التي نعيشها الآن اسمها دنيا سفلى دنيــة،
ما هي التي يعتني الرب بك من أجلها إنما يعتني بك حتى لا تقول في الآخرة : يا ليتني قدمت لحياتي. هذا الذي تحسـر جاءته فرص كثيــرة ولم يغتنمها ليقدم لحياته وهذا من أعظم معاني المربي وصفاته أن يعلم العبد أن ربه يرقيه ويصلحه و يعتني به فإن أعرض، أعرض الله عنه
وهذا هو المخيـف. و الإعراض يكون بعدم فــهم تربية الله. الآم العبـد التي يعيشها كلم نفسك وقل لها هذا أبذله الآن لأبني حياتي الحقيقية الآن بناء الدور في الدنيا شاق و يحتاج إلى مجهود كبير، يرتاح صاحبه بعده عندما يرى بناءه، وهذه نفس الصـورة مع الفارق الشاسع. أتعب في البلاء هذا التعب صورة بناء حتى لا يقول: يا ليتني قدمت لحياتي.
شرح اسم الله - اسم الرب6
أنواع ربوبية الله تعالي :
هناك نوعين من الربوبية ،
ربوبية عامة وربوبية خاصة،
1-اما الربوبية العامة يشترك فيها كل الخلق مؤمنهم وكافرهم ،يشتركون أن الله أوجدهم جميعاً وأعدهم ولازال يمدهم بأسباب الحياة وأسباب المعيشة، وكل ما يطلب ويراد فلا يطلب إلا منه سبحانه وتعالى في الحقيقة ولا يعطي مرادات الخلق إلا الله عز وجل في الحقيقة ،
لكن الخلق يغترون بالأسباب والوسائل وبسبب ذلك يكفرون ، يعرفون نعمة الله ثم ينكروها، والسبب أنها جائتهم عن طريق الأسباب ،الآن الخلق كلهم يشتركون ان الله ربهم أوجدهم وأعدهم وامدهم مابالهم لا يعترفون، السبب أن عطايا الله تأتيهم عن طريق الأسباب فأعينهم تكون على السبب ويتركون المعطي على الحقيقة.
لذلك في سورة النحل بعد أن عدد الله نعمه وعطاياه على خلقه قال:(يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها)، يشغلهم الإعطاء عن المسبب، وهذا دليل قصور العقل، لأنك إذا فكرت في حال الناس بعضهم على بعض تجدهم يرفضون هذا الحال، بمعنى لو أعطتك أختك هدية وأرسلت هذه الهدية مع شخص ما، فمن تشكرين على الحقيقة صاحب الهدية أو الذي أوصل لك الهدية؟ ؟
الشكر لصاحب الهدية ولا يمنع شكر من أحضرها،
فلما تتركي شكر من أهداك وتشكري الواسطة في النقل يعاب عليك يقال لك أين عقلك السليم تشكري السبب والوسيله، وتتركي المعطي
إذاً فطرنا تقبل هذا الشىء، وترى شكر غير المعطي عيب، فإذا تبين لك أن المعطي على الحقيقة هو الله كان يعيبك أن تترك شكره وتشكر غيره ، أو تترك شكره حتى لو لم تشكر غيره.
المقصود الآن أن الرب ربى جميع العالمين بنعمه، أوجد وأعد وأمد، وكان هذا سبب كافي لأن يحبوه ويتعلقوا به، لأن فطرهم مفطورة على حب المحسنين، لكنهم تشاغلوا بالأسباب عن المسبب وتشاغلوا بالعطيه عن المعطي.
ولذلك لما تقرأ ترى صفة ذميمة ذكرت في أول الوحي " ان رآه استغنى" ، بمعنى أن النعمة لما تصبح تحت يد العبد استغن عن الله ولذلك أتى الكفر وهذا سواء الكفر الأكبر أو كفر النعمة،
اذاً لما تعلم ان الله اوجد واعد وامد انت يقع في قلبك حبه لان الناس جميعا فطروا على حب المحسنين ، اذا قيل لك ان المحسن هو الله تحب الله، لكن المشكلة اننا انقطعت هذه الصلة واصبحنا لا نسند النعم الى الله ويحصل من وراء هذا ضعف حب الله
شرح اسم الله - اسم الرب7
2-التربية الخاصة
لكن هناك خاصة من الخلق اصطفاهم الله وصفت عقولهم واذهانهم وانتفعوا بعقولهم وانتفعوا بالرساله من رسوله فكانوا أهل الله وخاصته وهؤلاء رباهم الله تربية خاصة.
ما معالم التربية الخاصة؟ ما معناها؟
١/ يوفقهم الى الإيمان : إن أعظم عطايا التربية الخاصة هو ان يوفق الله هؤلاء العباد للإيمان، بمعنى ان هؤلاء العباد لما يسمعوا الأخبار عن الله وعن اليوم الأخر وعن لقاء الله وعن حقيقة الدنيا وعن المعاملات التي يحبها الله،
ماذا يحصل في قلوبهم؟
يحصل في قلوبهم اليقين بهذه الأخبار، يحصل في قلوبهم القبول لها يحصل في قلوبهم الإنقياد لها، يحصل في قلوبهم الصدق في استقبال هذه الأخبار.
لذلك الله في سورة يونس يقول لنا " قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون" ، والمقصد ان قيام البدن يعني نزول النعم من عند الله على الأبدان هذه يشترك فيها المسلم والكافر، ويشترك فيها الآدمي والحيوان ، فإنهم جميعهم يدبرهم الله لكن يتميز المؤمن بأن الله يتفضل عليه بأسباب الإيمان.
فإذا كنت حقاً مؤمن سيكون فرحك بسبب الإيمان لا يقدر، ولا يمكن ان تقارنه بفرحك بالأسباب الماديه ، لايمكن ان تقارنه بفرحك بالدنيا .
إذا هذه من اهم معالم التربية الخاصة اذا وجدت ان اسباب الايمان توفرت حولك ووجدت نفسك منشرح للايمان واذا وجدت نفسك تفهم النصوص وتستغفر من اجل ان تفهم كلمة من القران وتحمد الله على فهم شىء من دينه او من اسماءه وصفاته هذا معناه انك تقترب من التربية الخاصة بخطوات ، كلما انشرح الصدر للإيمان كلما دل ان الله يعامل عبده بالتربية الخاصة،
٢/ يحفظهم من الشرور التي تهلك ايمانهم تأتي رياح الفتن تجدهم صدوا عنها، يدخلوا الناس في فتنة مثل الأسهم يقول تعال ادخل معانا يرى نفسه يبغضه او يقول خليني افكر وينصرف قلبه عنه او لايتحمس بتعبير آخر انه لا يجد في نفسه اهتمام فتجد الشر ينصرف عنه والشر هنا المقصود به الذي يضعف الإيمان ، هذا هو الشر على الحقيقة، والخير هو مايزيد ايمانك اي ضائقه تمر بها يا أيها المؤمن وتجد نفسك ناديت وناجيت وسألت واستغثت وانكسرت فهذا خير لأن الخير مقياسه ان يزيد ايمانك
فالله عز وجل من اثار تربيتة الخاصة لعباده ان يسبب لهم اسباب زيادة الايمان الذي هو الخير
والخير هو كل ما يدفعك الى باب الله، ولو تأملت جيداً تجد هذه الصورة تجد نفسك طول الوقت محتاج وهذه الحاجة تدفعك الى باب الله، صحيت الصباح وتجد نفسك سمعت خبر غير جيد ان حصل في مكتبك كذا او حصل كذا، من افتتاحية اليوم تقول يارب ييسر وعلى الظهر والعصر تجد خبر ثاني، في العادة الناس يقولون هذا اليوم ملىء بالمصائب ومليئ بالشرور والصحيح انه يوم مليء بالعبادات ، تضطر فتعبد فتنجو في الدنيا واهم شئ ان تنجو في الاخرة لان عباداتك واستعاذتك واستغاثتك واستعانتك تنفعك في اخرتك قبل ان تنفع في دنياك
بهذا اتفقنا على أمرين من معالم التربية الخاصة :
انه سبحانه وتعالى يسبب لك أسباب زيادة الإيمان ، انه يحفظك من الشرور وهي اسباب ضعف الايمان ، ويرزقك الخير وهو اسباب زيادة الايمان ،
٣/ يوفقك الى العبودية وهذه تفهمها لما تفهم انك ليس لك حول ولا قوة الا بالله ، فالمؤذن يقول حي على الصلاه حلي على الفلاح يدعوك الى أمر الله، اذا شرح الله صدرك واعطاك القوة تجد نفسك تمتثل الى الامر مباشرة لو لم يعطيك القوة تجد نفسك تتباطىء وتتكاسل يأتي يقول ربنا لم يعطني القوه نقول ليس بهذه الصورة ، هو سبحانه يتعالى عن الظلم ويتنزه عنه وهو يشرح صدور المحبين للصلاة المعتنين فيكون الناتج انهم وقت سماعهم للنداء تفزع قلوبهم فيقومون والذي يعطيهم هذه القوة هو الله.
سبحان الله ، والنداء ينادي حي على الصلاة حي على الفلاح فنتشاغل عن ربنا ونتكاسل ! ولا نشعر اننا فعلنا شىء ابداً ! ولا نجد ان الأمر يحتمل استغفارا !
فهذا الأمر انما هو من ضعف الإيمان، مثل هذه المؤشرات من ضعف الإيمان ، فمن اعتنى وفق ،
إذا اعتنيت يوفقك الله فيعطيك الحول والقوة، لم تعتني ولا تهتم للصلاة ولا ترتب نفسك على الصلاة ولا ترتب يومك على الصلاة النتيجة انك لا تعطى قوة للقيام بالعمل، فتجد نفسك خاملا كسلان .
شرح اسم الله - اسم الرب8
من آثار التربية الخاصة
٤/ أن يصل الإنسان الى الرضا ،
الرب اسم عظيم من اسمائه لو علمت آثار تربيتة الخاصة سيكون مردود هذا عليك ان تصل الى الرضا عن الله .
نبدأ بأول جملة في الحديث ، يكون تركيزنا على الحديث نفهم منه كيف يكون حال من عرف اسم الله الرب وكيف سيذوق حلاوة الإيمان، في الحديث الذى رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: « ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا ».
نبدأ بمسألة ذوق طعم الإيمان ، ما معنى أن يذوق الإنسان طعم الإيمان، هل للإيمان طعم ؟
الجواب نعم،ولو ذوقته لأستغنيت عن طعم كل شىء،إن له في القلب إنشراح
إن لهذا الإيمان في القلب ضياء ونور اذا ذاقه الإنسان استغنى عن ذوق كل شىء.
أن من ذاق طعم حلاوة الإيمان ودخل في فؤادة ماذا يحصل؟
ينخفض طعم كل شىئ اخر،حلاوة الإيمان برد يجده الإنسان في قلبه هدوء يجده في الأزمات،
سعه يجدها في المضائق، إنشراح وقت الأضطراب، سكون وقت قلق الناس .
طعم الإيمان شىء فوق أن يوصف لكن له آثار من أعظم اثاره التي للأسف نفتقدها اليوم من أعظم اثاره الطمأنينة، إن القلق الذي يسري بين الناس اليوم على التافه من الأمور قبل ان يكون على كبيرها إنما يدل على ان القوم لم يذوقوا طعم الإيمان، القلق وان كان صفة نفسية في الأنسان لكن الإيمان يعالجها، لا نعتذر ان طباعنا قلقة، ولذلك نحن نمارس القلق.
الله في كتابه اخبر كما في سورة المعارج عن بعض طباع الإنسان الذي استثني منها المصلين فقد أخبرنا ( إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ)
فالناس مشتركين في الطباع جزوع وهلوع ومنوع يشتركون إلا المصلين لما ربوا أنفسهم على الإيمان كانت النتيجة أن خرجوا من هذه الصفات.
فالقلق يمكن أن يعبر عنه بالهلع، وإن كان هو درجات لكن كأن غايتها ونتيجتها الإنسان يقنط على امور تافهه الى كبيرها الى ان يصيبه الهلع، فمن ذاق طعم الإيمان حصلت له الطمأنينة وانطرد عنه القلق.
من أين يأتي بهذه النتيجة ؟
من المؤكد انها تأتي من جهة الرضا بالله ربا ، من الطمأنينة التي هي من اثار الإيمان والرضا بالله ربا، من ماذا يقلق الناس؟
يقلق الناس من الغد ، يقلق الناس ماذا سيحصل وحول هذا الأمر، دائماً القلق على ما سيكون، سواء هذا الإنسان قلق على أمور حقيقة او قلق على أمور وهميه مثلا امرأه عندها اربع اطفال لم يتجاوزوا عشر سنوات تجدها مهمومة تقول ما بكِ؟ تقول ليس فيه مستقبل ليس فيه وظائف ،
وتجده الطفل عنده عشر سنوات ونحن لا ندري ماذا نكسب غدا لنتكلم على المستقبل هذا من آثار ضعف الإيمان "وفي السماء رزقكم وما توعدون"، من غَير هذا الأمر العظيم في نفوس الخلق ، من قال البترول والتخطيط الأستراتيجي يأتي من ورائه الأرزاق، نحن قوم قبل قليل كنا لا نعرف هذا كله ورزقنا الله من حيث لا نحستب وسيظل يرزقنا من حيث لا نحتسب فهو ولينا وكيلنا والعلة في الإيمان.
المقصود ان الطمأنينة التي هي ضد القلق من اثار ذوق حلاوة الايمان ،من آثار ذوق طعم الإيمان، والقلق وإن كان وهمياً هذا مثل الحالة التي نتكلم عنها او زوجة تقلق على زوجها او قلق حقيقياً يعني فيه ازمة او مشكلة في كلا الحالتين نحن نحتاج ان نرضى بالله ربا .
كيف تعالج هذا المفهوم ؟
كيف يعالج ان ارضى بالله ربا كيف يعالج القلق؟
سنقول : ان معرفتك لله ربا، ما وصفه ؟
مالك كل شىء ، حكيم في كل فعله، يدبر شؤون خلقه على حكمته، رأيت منه كل خير، يعني لك سلف قد سبق وحصل معك ، ولذلك "وذكرهم بأيام الله" .
إذا كنت تعرف عن الله الرب انه هو المدبر انه هو المالك انه هو الحكيم انه هو العليم ، ان له سبحانه وتعالى اياماً معك ومع الخلق كلهم ، فلطف بهذا واعطى هذا ومّن على هذا، وارشد هذا، كل هذا أمام عينيك ، فكيف تجتمع هذه المعاني كلها لك ثم يقول لك اتخذني وكيلا، فوق هذه المعاني كلها الآن يقول لك اتخذني وكيلا ، لو وكلتني قضيت لك شأنك على أحسن حال ويقع في قلبك الطمأنينة، فأكيد أن الإيمان بهذا يوصل العبد إلى دفع القلق.
شرح اسم الله - اسم الرب9
من عرف الله وعرف تمام ملكه وعظيم سلطانه وحكمته سبحانه وتعالى وعلمه ورحمته وقربه من عباده وعلم مفهوم الخير والشر واتخذ ربه وكيلاً له يصبح قلبه راض عن الله، يرى الاقدار التي تأتيه أبواب للرفعه عند الله ويرى الناس الذين يقبلون عليه"وجعلنا بعضكم لبعض فتنه أتصبرون " فيرى الناس المحيطين به أبواب للفتنة للرفعه عند الله، ويرى الضيق باب للفرج بعد الإنكسار والذل،ويرى النقص بابا للكمال، بعد اللجوء والإنكسار،
فإن عينيك هي التي تتغير نظرتها للأمور اذا عرفته ربا كامل الصفات فاللهم اشرح صدورنا لمعرفتك وزدنا يقيناً وإيمانا.
ثم يأتي عامل مهم يزيدك رضا عن الله: هو تاريخك الذي يخصك "وذكرهم بأيام الله "، إن لله مع كل الخلق ألطافاً ورحمة وعطايا وإنجاء من هلاك، وتفريج بعد شدة، كل هذا في تاريخنا الشخصي وليس في تاريخ الأمم، تاريخ الامم مليء قبل أن تذهب إلى تاريخ الأمم فكر في تاريخك الذى يخصك، كيف تنسى انه قريباً فرج عليك،كيف تنسى انه قريباً عاملك بستره كيف تنسى انه قريباً اعطاك وامتن عليك وانك تتقلب في منته.
إن تاريخ العبد وأيام الله مع خلقه تعين العبد على الرضا عن الله لكن الجحود والإنكار الذى نسميه بتعبيرنا النسيان هذا يسبب للعبد أن تمر عليه المواقف متكرره نفس الموقف تعاد عليه المواقف ويجيب نفس الإجابة السابقة كأنه لا يعرف.
تصور مثلاً في اخر الشهر الماضي والناس مرتبطين في شهورهم بالتدبير، قبل ست أو سبع أيام انتهت أموالنا التي كنا نضعها لهذه الأيام انتهت لأي سبب، ثم رزقنا الله من حيث لا نحتسب ما نقضي به هذه الأيام ويزيد ،وانتهى الأمر على خير، أتينا لهذا الشهر وقعنا في نفس المشكلة
المفروض تكون مشاعرنا ثقة في الله يقينا بالله ، وأن من رزقنا أولا سيرزقنا ثانية ويمنع عنا الشر، لكن يصبح عندك اليأس ويصبح عندك شعور أن تقول الناس يتمتعون وأنا أريد شىء ثابت ولا أريد أن اقول كل شويه أنا احتاج ويارب ،
كيف تقول هذا الكلام هذه الحاجات كلها التي تحتاجها إنما وجدت لتدفعك إلى باب العباده ،
فكيف تنسى أيام الله، والأيام قريبة، ثم أن من العجب العجيب أنه سبحانه وتعالى يذكرك بكمال صفاته يريك آثار نعمائه، وتنسى،
مثلاً تخرج من البيت وتنسى المفتاح بمعنى لو تريد الدخول ستكسرالباب ويذكرك الله في اخر لحظة تقول الحمدلله لو اعتمدت على الله سيدبرك، هذا مؤشر أن كل شىء يجب أن تعتمد فيه على الله تطلب الله تسأل الله ،
فمن رحمة الله انه يعطيك ما ينبهك يقال لك هذا مفتاح البيت مثل أكبر شىء تخافه وتقلق عليه كما ذكرك في الوقت المناسب ودبرك في الوقت المناسب سيدبرك في كل شىء تهتم به، وهو سبحانه وتعالى قادرعلى أن يكفيك الهموم لكن يبتليك بالهموم لتخرج منك العبادات يستخرج منك العبادات،فتعبد فتكون الهموم كفارات، وهذا كله لأننا في دار المعبر لسنا في دار المستقر، إنها دار الآفات والله يدعوك إلى دار السلام.
فالمقصود أن معرفة الله لابد ان تسبب الرضا به، وهذا لا يكون إلا إذا بذل الإنسان جهده في أمرين
في العلم عن الله
والأمر الثاني في التفكر في الائه ونعمائه وآياته وأفعاله مع خلقه ،
الأحداث التي تجري على الخلق ليست صدفه وليس كما اتفق، النملة تدب على الأرض فتنظر لها تعتبر، ما خلق الله شىء في الأرض إلا للأنتفاع أو الإعتبار أو الإستمتاع ..إما تنتفع مباشرة أو تعتبر به أو تستمتع، هذه الثلاثة أمور تحيط بك لما تنظر لكل شىء تنظر بهذه الطريقة ،
اذا نظرنا للأعتبار نرى ان اشياء كثيرة حولك تعتبر بها وتعلم ان الله يعامل بها خلقه، ذاك العالم الذي يأس من كونه يتعلم، مر على الصخرة فرأى الماء يقطر عليها وقد أثر فيها الماء قال قلبي ليس مثل الصخرة و العلم الطف من الماء فأعتبر، وعاد إلى العلم.
فكوننا تمر علينا الأحداث وتمر علينا الأمور ولا نجد في قلوبنا يقظة للتأمل فيها هذه اشارة الى ضعف الإيمان.
شرح اسم الله - اسم الرب10
كيف نقوي معرفتنا بالرب بحيث تكون النتيجة أن أرضى عنه سبحانه وتعالى ومن رضى فله الرضى، عليك أن ترضى به ربا مدبرا، وأن تثق به متصرفا أن تطمئن لأفعاله، عليك أن تتخذه وكيلا،
كيف أصل إلى هذا؟
تصل إلى هذا:من جهة بالعلم ومن جهة بالتفكر ترى كيف عامل هؤلاء وهؤلاء، عندما تقرأ مثلاً في قصة نوح عليه سلام وتجد كيف يمرون عليه وهو يصنع الفلك ويسخرون منه هذه الاداة اين تمشي بها ، متصورين شىء لم يمر عليهم ، شىء يصنعه وليس عند من حوله دلاله لأي شىء يصنعه.وهذا الذى اشتغل به نفعه الله به في الوقت المناسب،
وهذا تأخذ منه عبره عظيمة أن الله يهيأ الخلق لأمور تحصل لهم ، إذا هيأك الله اشتغل بما هيأك ، اشتغل في الوظيفة الحالية، أنت الآن تريد أن تكون مثلاً طالب علم ووجدت نفسك مضطر أن تعمل اداري في مكان هذا الوضع الآن، قلبك مشتاق الى العلم لكن ليس فيه حل الا ان تبقى في هذا الأمر، ماذا يقال لك ؟
أرضى بالله ولا تبرد شوقك للعلم لكن حول شوقك إلى رجاء ترجو من الله أن تتعلم ثم ارضى بالأمر الذى أنت فيه ولا تدري لأي شىء هيأك، وضع أمامك نوح وهو يبني السفينه، وضع امامك الأنبياء وهم يرعون الغنم، الآن يهيأهم الله لرعاية الناس بأن يرعوا الغنم،
رضاك بالحال الذى أنت فيه من جهة الدنيا أقصد وشوقك إلى المطالب العليا من جهة الدين،
ثم تخرج للعلم وقد كسبت خبرة في الإدراة ثم يأتي اليوم الذى يحتاج اليك طالب علم خبير بالأداره
هيأك وأنت لا تدري لأي شىء هيأك الرضا هذا انما هو اشارة الى الثقة بالله عز وجل.
هذا الرضا الذى يولد الطمأنينة لابد أن يكون له من عدو وعدوه الشيطان كلما أتتك الهموم فوقع في قلبك الإنقباض فذكرت الله انشرح صدرك اغتاظ الشيطان ، فيقلب عليك الأمر تقليباً يعيد عليك الضيق
وأنت ماذا يجب عليك ان تفعل؟
لا تستلم فتعيد طمأنينة نفسك، فحدث نفسك تحديث من يأدبها قل لها : لي رب الملك كله بيده ، له ملك السماوات والأرض ،يحي ويميت وهو على كل شىء قدير لا أحد يسبقه هو الأول والأخر يعطي الأسباب، ثم أنه يعطيك بلا اسباب الأخر الذي شأن الخلق كلهم إليه والعطايا منه ، هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم، كلم نفسك كالمأدب لها عظها لا تتركها
لا تترك الشيطان يثير عليك المخاوف، خصوصاً أنك لما تقول يذكرك أنت عندما تقول اعرف كمال صفات الله يقول لك لكن فعل بفلان كذا وفلان عنده امراض وراثيه وأمها ماتت بكذا وخالتها ماتت بكذا وهي اتاها كذا ويخوفك بأمر في الغيب فأنت ماذا تقول ؟
انا وكيلي الله يحفظني يرعاني يدفع عني، فكلما أصابك بوسواسه يخيفك، رد عليه بسلاح المعرفة
وكرر على نفسك ما تعرفه من اسماء الله وصفاته ، ليصل القلب الى الرضا.
ان التخويف والقلق سلاح الشيطان ، وسواس الشيطان إما لشهوة يثيرها إما لخوف يسيطر عليك.وهو يتمتع بتخويفك ، وبتثقيل كل شأن عليك، يثقل عليك العباده ويثقل عليك الطاعة
يشعرك انك مريض يشعرك انك ستموت الى درجة ان يشعر الإنسان بشىء يدب في بدنه ،
فالمقصود اننا نتحسس لمواطن الضعف في نفوسنا التي منها يدخل الشيطان ونواجهها ولا نقبل منه ان يثيرنا .
وهناك كلمات كثيرة نتداولها تدل على عدم الرضا عن الله من أهم هذه الكلمات التي فيها تعبير عن الحسد، ومن الأخطاء التي تحصل في مفهوم الحسد ان الناس يحسدون ،ولا يفكرون ان الحسد يحصل منهم، الحسد احد التعبيرات القوية لعدم الرضا عن الله، لأن من ينظر الى عطايا الله الى غيره فيقلبها ويفتشها وينظر فيها انما هو عبد غير راض عن عطايا الله له ، ودائماً يشغل نفسه
يعني اثنين في وظيفه واحد تأتيه ترقية و الآخر لا تأتيه يشغل نفسه يقول لماذا لم تأتيني الترقية ماذا يقولوا الناس عني اكيد لعيوب في فيحمل هم الناس ولا يحمل هم ان هذا انعكاس عدم رضاه عن الله، لذلك تجد الحاسد مع الشيطان يتعاونان يذهبون الى صاحب النعمة يقول له لا تفرح سيفعلون بك كذا وكذا لا تفرح ستدفع ثمن كذا وكذا، وان الكراسي دواره تظهر انها نصائح الآن لكن هي تعبير عن الحسد وعن عدم الرضا عن الله.
ونحن نعبر عنها ان هذه مجرد غيره واننا نغير والغيرة طبيعيه او التنافس، كل هذه الأمور انما هي تزيين بالباطل، إن من رضى عن الله رضى بما قسم الله، من ذاق طعم الايمان علم ان له ربا حكيم رحيم ملك قدوس منزه عن كل نقص يقسم للخلق ما ينفعهم، اذا آمن الإنسان بهذا الكمال خرج من ذلك الرضا، فنظر الى كل عطية بعين الرضا فكان هذا النظر سبب لأن يرضى الله عنه ، ومن وقع منه السخط على عطايا الله زاد سخطه يعني التي تتزوج ويكون لزوجها صفات معينه وترى ازواج صديقتها على صفات تريدها هي والزوج ليس فيه هذه الصفات لو رضيت بما قسم الله عاشت حياة هنيه اذا لم ترضى يبقى معها الشقاء الى لحظة الرضى عن الله ، اذا عاشت 10 ا و20 سنه مع الزوج يبقى هذا الشقاء معها حتى تلك اللحظة من رضى عن الله وعن عطاياه كتب له الهناء والسعادة ، من رضى فله الرضى،
شرح اسم الله - اسم الرب11
من عرف الله بكمال اسمائه وصفاته ، من عرف الله بعلمه وحكمته ، من عرف الله بملكه وقدرته، من عرف الله بقربه من خلقه واستجابته لهم، من عرف الله حقاً سيرضى عنه. الذي يسخط على اقداره اصل مصابه في عدم معرفة الله
الله سبحانه وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام لتعلموا أيها الخلق ان امره على مهل
وانه حليم يضع الأمور في مواضعها ويدبرها احسن تدبير واخبرك انه استوي على العرش دليل على عظمته سبحانه وتعالى وملكه وسلطانه في كل شىء، فأي شىء يمكن ان تطلبه من الملك العظيم الرب الكريم ثم يكون خارج ملكه وسلطانه؟
كل شىء في ملك الله وسلطانه لا يخرج شىء عنه ابدا، ثم انه قريب يسمع عباده، مجيب سبحانه وتعالى لايردهم، كل هذا يجعلك في تمام الثقة انه يدبرك أحسن تدبير،
والنفس فطرت على الثقة فيمن هو كامل الصفات، فطرت على ذلك. اذا عَلمت ان الله كامل الصفات هربت إليه وصمدت إليه لماذا في مقابل هذا تجد الناس لا يرضون بتدبير الله؟
ويصابون بالقلق على كل شىء بل احيان كثيرة يقلقون قلقا وهمياً،
الشيطان ، العدو الذي همه ان تفقد عقيدتك التي تحملها في قلبك لربك من حسن الظن به، لأنه يعلم انه اذا اخترق حسن ظنك بالله فقد اخترق في قلبك الإيمان، ولا تستطيع بعد هذا الأختراق ان تذوق حلاوة الإيمان ولا تطمئن للرحمن ولا ان تذوق رحمة الله التي تتجلي في كل شىء حولك،
لذلك سهامه مباشرة على رضاك عن الله.
صفات الله تظهر في تدبيره لنا،لما تظهر النتائج لما تأتيك امور ليست على ما يوافق هواك قل لنفسك هذا اختيار العبد الضعيف الذى لا يدري ما المصلحة لكن الرب الكريم الذى من اثار حكمته ان يدبر الخلق على ما يوصلهم للكمال هذا اختياره ونحن بأختياره راضيين. وكلما زاد رضاك عن الله ارضاك الله ،
ما معنى ارضاك الله ؟
نقول من آثار إرضاء الله لك ان يشرح صدرك لإختياره وعطائه، وان يبصرك كم من حكمة في اختياره ،
يقول الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله في كتابه فقه الأسماء الحسنى:(هذا وان شهود العبد انفراد الرب تعالى بالخلق والحكم وانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وانه لا تتحرك ذرة إلا باذنه وان الخلق مقهورون تحت قبضته وأنه مامن قلب إلا وهو بين اصبعين من اصابعه ان شاء ان يقيمه اقامه وان شاء ان يزيغه ازاغه فيه تحقيق لمقام (اياك نعبد واياك نستعين)علما وحالا فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبيةثم يرقى منه صاعداً الى توحيد الإلولهيه ،فإنه ان تيقن ذلك لم يتخذ غيره إلها ومعبودا، فأول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية ثم يرتقي الى الإلوهيه، ........).
نقرر هذه المسألة، ماذا يقول في هذا المقطع الأخير ، اذا شاهدت ان كل شىء بيد الله ، ان الله الذي يدبر كل شىء ويقلب كل شىء من خروج هذه الشمس الى غروبها ومن خروج الليل وتبدله مع النهار الى قلبك الذي هو بين جنبيك وهو مقلبه عليك ، اذا شهدت هذا وعلمت ان كل شىء بيده وان لا ساكن يسكن إلا بأمره ولا متحرك يتحرك إلا بأمره.
ولذلك كان من آياته سبحانه وتعالى "منامكم بالليل والنهار"،انظر الى هذه الآية العجيبة "منامكم بالليل والنهار وابتغائكم من فضله "، انظر الى هذه الآية العجيبة ؟ ما أعجبها؟ انك بكامل قواك تتحرك ثم لا تجد نفسك الا مقهوراً، قد دب الى عينيك النعاس ثم لا تجد نفسك إلا قد فقدت قواك وفقدت احساسك بما حولك لا تسمع شىء يكلمك الخلق لا ترد عليهم، يكلموك لا ترد، يقلبوك ولا تتحرك اين ذهبت قوتك؟ من سكنك هذا التسكين؟ كيف سكنت ؟ سبحان الله ، كيف تذهب قواك مرة واحده وتنام قهرا؟، ثم سبحان الله تقوم قهرا.
كيف لما يقوم الإنسان نعبر عنه انه اكتفى نوما وأحيانا يكون لم يكتفي نوما ، ساعات يقوم في وقت غير مناسب يقوم في منتصف الليل يبحث عن النوم يبحث عنه يبحث عنه لا يأتيه ، فسبحان من جعل سكون هذا البدن آية من آياته ،ثم عودة النشاط وكيف يدب النشاط مرة اخرى الى بدنك وتتحرك وتبتغي من فضل الله وتتحرك والذي يراك في وسط النهار يرى شخص ذو فتوة وقوة لا يغلبه احد ، ثم هذا الطويل العريض الفتي يأتي عليه امر الله فيخمده ،وتراه بطوله وعرضه تأتي الذبابة لايستطيع ان يدفعها ولا يحس بها، "ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغائكم من فضله "، آية تدل على كمال ربوبيته ،
هذا قلبك بين جنبك تظن انك تحركه وهذا بدنك الذى تظن انك تملكه ها انت بكامل قواك تذهب قواك في لحظة. وها انت بكامل ذاكرتك تذكر انك وضعتك اموالك هنا وضعت اغراضك هنا وانك يجب عليك قبل ان تخرج ان تحملها معك ،بكل قواك هذه ثم ماذا يحصل ؟بكلمة واحده – نسيت- ، من يدبرك هذا التدبير سبحان الذي لا يسكن ساكن الا بأمره ولا يتحرك متحرك إلا بعد إذنه ،
اذا عرفت هذا فقواك كلها في الطلب والإنكسار والذل ومسألتك كلها في أن يعطيك ويغنيك لن تكون إلا له . فإن الخلق ان اجتمعوا ليعطوك دقيقة واحده من النوم وهو لم يأذن لك لن تكون ، وان كثير ممن يطببون بالطب من اجل ان ينامون يقولون لك بعد زمن تفقد أبدانهم التفاعل مع هذه الأدوية فلا تصبح مؤثرة فيهم ولا يستطيعون من جديد ان ينامون ،تعلم نحن مَن وما مقدار ضعفنا هؤلاء يشتكون من كثرة النوم وهؤلاء يشتكون من الأرق لا ينامون و هؤلاء يشتكون في وسط اعمالهم يفقدون قواهم واذا لم يناموا خمس دقائق لا يجدون قوة .
وهذه الآية الغائبة عن الخلق لا ينظرون لها الا على اساس الوقت وعلى أساس ان الحياة سائرة بهذه الطريقة طول الحياة ، ليل الناس ينامون ونهار الناس يستيقظون وانتهى الأمر ،
والله في سورة الروم يقول : ومن آياته .
هذه الآية ماذا تفعل بك و لأي شىء تدفعك؟
تدفعك الى ان لا تسأل وان لا ترجوا ولا تستغيث ولا تستعيذ ولا تحب ولا تعظم الا إياه، الذي يملك بدنك وفؤادك ويملك لك المصالح كلها بدون اسثناء ، هو الذى يستحق منك ان تسأله بل وتوحده في السؤال ، تسأل من غيره؟ تحب من غيره ؟ترجو من غيره ؟
وكلهم مثلك فقراء، اذا طلبت منهم تجدهم في وسط الليل انقطعوا عنك بنومهم.
فقه أسماء الله الحسنى 60
شرح اسم الله - اسم الرب12
فأنظر لا قريب ولا مجيب ولا أحد ينفعك ولا يدفع عنك الظلم إلا الله ، فهو أهلٌ لأن يحب
واهلٌ لأن يعظم واهلٌ ان تتعلق نفوسنا به واهلٌ لأن نرجوه، اهلٌ لكل حقائق الإلوهيه.
فكلما تعلقت نفسك بغيره وشعرت أنك تريد أن تستنجد بغيره والشيطان يرشدك إلى هذا آو هذا أن اطلب هذا وأسأل هذا قل لنفسك: لا يملك أحد النفع ولا دفع الضر إلا الله ،
واسمع هذا في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام لم يناهز الحلم :احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك، اذا سألت فأسأل الله ،إذا استعنت فأستعن الله ،و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك.
لذلك لا نفوسنا ولا نفوس أبنائنا نربيها على التعلق بالخلق بل من حق الله علينا بعدما ننظر في آياته وكمال ربوبيته وتدبيره لنا وتقليبه لنا في مصالحنا حقه علينا ألا نطلب إلا إياه ولا نستغيث إلا به ولانثق إلا به ، ونفوسنا تركن إليه وهي تثق به .
إن حسن تدبير الله يشهد عليه كل شىء خلق السماوات والأرض بالحق ، تشهد لك بالحق، ليس فيه شىء تراه في الأرض إلا وهو في غاية الحكمة ، فبقي أن تنقل هذه الصورة في الأرض إلى الأقدار التي تجري عليك وترى أن حكمة الله ورحمته التي ظهرت عليك في كل مقدور ظهرت عليك في كل قدر وقع عليك هذا يدفعك أن تجعل جميع حاجتك عند باب الله.
إن ايمانك بربوبية الله وتدبيره تدفعك إلى تأليهه الى محبته إلى تعظيمه وحده لا شريك له. إن كل ما في الكون تحت تدبيره وفي ملكه وسلطانه وتصرفه وأنت من هؤلاء وكل من تثق فيهم من الخلق هم تحته تدبيره فلم يبقى إلا إياه أهلا ًلأن تتعلق قلوبنا به، وتطرد غيره ، لابد أن تطرد غير الله من قلبك لابد أن تدفع كل أحد فكلهم تحت ملكه وسلطانه وهو الذى يدبرهم فإن أردت تدبيراً فتدبيره وعطائه ولا ترى في الكون الا آثار افعاله سبحانه وتعالى.
قال تعالى : (( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل افلا تذكرون )) الآية اولاً تقول:" قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون ما جوابهم ؟ سيقولون لله قل أفلا تذكرون ،ان كنتم تعلمون انه هو حده مالك الأض ومن فيها وربهم ومالكهم فهو وحده الههم ومعبودهم فكما لا رب لهم غيره فهكذا لا اله سواه وفي هذا احتجاج عليهم ان من فعل لهم هذا وحده ما هو إلا الإله وحده فإن كان معه رب فعل هذا فيبنغي أن تعبدوه و إن لم يكن معه رب فعل هذا فكيف تجعلون معه اله اخر
ونحن متيقنين أن لا رب فعل إلا إياه فلا إله يستحق الحب والتعظيم إلا إياه سبحانه وتعالى. قال: وهذا من أبين ما يكون دلالة على فساد الشرك، وما عليه أهله من الفساد والضلال تعالى الله عما يشركون يعني اظهر دليل على فساد أن تشرك بقلبك أحد مع الله تطلبه أو تسأله أو ترجوه هو أن تعرف أنه لا يفعل في الكون الا الله ولا مدبر الا اياه ولا يرزقك الا هو فكيف بعد أن تعلم أنه هو الذي أعطاك واواك وهداك يتوجه قلبك بالشكرر إلى غيره أو يتوجه قلبك بطلب سواه وسواه لم يفعل شيئا، بل سواه دارت عليه آثار عطايا الله ولو كان عابداً ولو كان كما يعبرون وليا فإن هذا الولي ما اهتدى للهداية ولم يكون في طريق الهداية إلا لما هداه الله فأسال أنت الله كما سأل هو الله ان يهديك وكلاكما في طريق الله تعبدون الله .
هذا الولي صلاحه على نفسه ولا تظن أن ولي صالح يعطيه الله أو يقلده شيئا من قلائد الأرض ،
لأن هذه دعواهم ما دعواهم؟
هذا رجل صالح عابد ولما اكثر في العبادة فالله عز وجل شكره، شكره بأي شىء؟
اعطاه تصريف هذه القريه، هل يمكن لهذا الكلام أن يقبل ؟
وكل القرآن فيه انه هو وحده الذى دبر وانه سبحانه وتعالى لا يرضى الشرك وانه سبحانه لا يرضى الشرك في في الربوبية ولا الإوهيه وكل الخلق يشعرون انه لا يمكن ان يكون هناك شرك في الربوبية وان واحد يدبر هذا الكون كله ولو كان اكثر من واحد ما كان هذا الأنتظام العجيب في تدبيره ، فالواحد الذى دبر هو الواحد الذى يستحق أن يحب ويعظم ويسأل ويرجى.
نسأله سبحانه ان نكون ممن احسن ظنه به وتييقن بكمال ربوبيته ونسأله سبحانه ان يكون اثر ذلك رضا في قلوبنا عنه وتعلقاً به سبحانه وتعالى. نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن ينفعنا بما علمنا، هذا ما تيسر والحمدلله رب العالمين
و جزاكم الله خيراً .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)