#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-١-
▪️يحكى أن بعض الصالحين خرج يوما يطوف بالطرق يبحثُ عن قلبه..
فدخل سكة من السكك فوجد صبياً يبكي قد ضربته أمه وأخرجته من الدار
وأغلقت الباب دونه..!
أخذ الصبي يتلفتُ يمنة ًويسرةً لا يعرف أين يذهب؟
وأيّ طريق يسلك؟
ومع من يتحدث؟
فألصق نفسه بباب الدار ووضع خده عليه وأخذ يبكي وينادي " أماه .. أماه .."
حتى غلبه النوم من شدة البكاء..
فقدت الأم صوت ابنها، ففتحت الباب تبحث عنه فإذا هو نائمٌ عند عتبة الباب!
حنت عليه، التزمته واحتضنته .. و ألصقته بصدرها وأخذت تمسح على وجهه وشعره..
"يا بنيّ لو أطعتني ولم تخالف أمري لما فعلتُ بك ذلك، يا بُنيّ أنت الذي جعلتني أطردك وأغلق الباب في وجهك، يابُنيّ .. يابُنيّ....."
عندها صاح الرجل وهو ينظر لهذا المشهد وأخذ يقول ...
الآن الآن وجدتُ قلبي...!!
▪️يا ترى أين وجده؟
وجده في الافتقار والإنكسار والإطراح بين يدي ربه..
يقول سهل بن عبدالله:
ليس بين العبد وبين ربه طريقٌ أقرب من [الافتقار].
▪️مهم أن لا ندخل لسورة فاطر إلا ونحن نستشعر معنى الافتقار الذي حدثتنا عنه آياتها .. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾
سلسلة | °° تدبر سورة فاطر°°
-٢-
(الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
▪️سورةٌ مكية اُفتتحت بالحمد..
والحمدُ هو الثناء على الممدوح محبةً وتعظيما.
▪️ موضوعها الرئيسي:
إثبات قدرة الله ووحدانيته من خلال التأمل في الكون..
فالسورة مليئة بالحديث عن آثار قدرة الله في الكون من سماوات وبحار وجبال وخلق وكائنات..
ومسألة الخلق من أعظم الدلائل على وحدانية الله وقدرته، فالله خلق كل شئ الصغير والكبير والإنسان والدابة والسموات والأرض، وكل خلق يختلف عن الآخر...
▪️ومن عرف عظمة هذه المخلوقات عرف عظمة الله..!
وإذا عظُم الله في قلوبنا زادت العبودية وزاد الإيمان وزاد التسليم والافتقار والفرار وزادت الخشية.. ووصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان الذي هو اليقين القلبي، المشاهدة القلبية [أن تعبد الله كأنك تراه] ..
فيعلم العبد أنه لا يعبد فراغاً أو سرابا، إنما يعبدُ رباً عظيماً قادرا مقتدرا سبحانه وبحمده..
▪️لذلك كانت عبودية التفكر عبودية عظيمة.. يقول الحسن رحمه الله: " تفكر ُساعة خيرٌ من قيام ليلة!"،
ولما سُئلت زوجة أبي الدرداء رضي الله عنه ما أفضل عبادته قالت: "التفكر والاعتبار".
▪️بدأت الآيات بذكر خلق السموات والأرض وخلقهما مُبهرٌ جدا ..
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بينهما مسيرة خمسمائة سنة، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة سنة، وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة، وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض، ثم فوق ذلك العرش، والله فوق العرش ليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شئ...
#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-٣-
﴿ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾
▪️بيّن الله صفة خلق الملائكة، وأن خلقهم يتفاوت، وصفاتهم تتفاوت..
° وهم عباد الله المكرمون، خلقهم الله من نور، و طهرهم وقدسهم ذاتا وصفاتا وأفعالا ..
° ليسوا بناتا ولا أولادا لله ولا شركاء له..
° عددهم لا يحصيه إلا الله فهم كثرة كاثرة، ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أطّت السماء وحُق لها أن تئِط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته لله ساجدا"..
°منهم من جاءت تسميته في القرآن والسنة، ومنهم من جاء ذكرُ عمله الذي وكل به، ونحن نؤمن بالملائكة .. ما جاء مفصلاً نؤمن به مفصلا، وما ورد مجملا نؤمن به إجمالا..
° نؤمن أن الملائكة أجسامٌ لطيفة ولطافتها من ناحيتين:
الأولى: الخِفّة، وقدرتها على الحركة السريعة .
والثانية: قدرتهم على التشكُل، فكان جبريل عليه السلام ينزل على رسول الله على هيئة دحية الكلبي.
° نؤمن أن لهم وظائف وأعمالا محددة، فمنهم من هو موكلٌ بالقِطر (المطر) وهو ميكائيل، ومعه أعوانٌ من الملائكة يأتمرون بأمره يصرّفون السحاب..
جاء في الأثر:
"ما من قطرة تنزل من السّماء إلا ومعها ملكٌ يقرر موضعها من الأرض"
° ومنهم من هو موكلٌ بالنفخ في الصور وهو إسرافيل، ومن هو موكلٌ بقبض الأرواح وهو ملك الموت، ومن هم موكلون بالحفظ وهم (الحَفَظة)، فما من مؤمن إلا وجعل الله الملائكة من حوله يحفظونه من الشرور والأذى..
° ومنهم من هو موكلٌ بالجبال، ومنهم خزنة الجنة وخزنة النار، ومنهم هاروت وماروت، ومنهم الكتبة يكتبون الحسنات والسيئات...
° على المؤمن أن يتولى الملائكة بالحب والتبجيل والإكرام، وأن يحرص على صحبتهم فهي صحبةٌ مباركة محفوفة بالرحمات..
▪️كيف تُستصحب الملائكة؟
° بكثرة قراءة القرآن، فلا ترضى بالقليل من القرآن فيقلّ حظك من هذه الصحبة..
° حضور مجالس الذكر والعلم، إن لله ملائكة سيّاحين يلتمسون مجالس الذكر..
° أن يكون على طهارة ويبيت طاهرا "من بات طاهراً بات في شعاره ملك، فلم يستيقظ حتى يقول اللهم اغفر لعبدك فلان فقد بات طاهرا" ..
وأنعم وأكرم بهذا الصاحب الذي يكون بجانبك وملاصقا لك وكلما تقلبت في فراشك استغفر لك..!
° الجلوس لانتظار الصلاة، لم تزل الملائكة تُصلي عليه اللهم اغفر له، اللهم ارحمه.
° أكلة السحور" إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين" ..
° صلاة الملائكة على من يعود مريضا "ما من مسلمٍ عاد أخاهُ إلا ابتُعث له سبعون ألف ملكٍ يصلّون عليه من أي ساعات النهار كان حتى يُمسي ومن أي ساعات الليل كان حتى يصبح" ..
° صلاة الملائكة على معلم الناس الخير..
° صلاتهم على أهل الصفوف الأولى في الصلاة، ومن هم في ميامن الصفوف..
#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-٤-
﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾
▪️آيةٌ تسكب السكينة في قلب قارئها، يجدُ فيها الفرج والفرح والرِّي والاسترواح..
إنها رحمة عامة تشمل كل رحمة، ورحمات الله لا تُحصى ..
الهداية رحمة التوبة رحمة الستر رحمة العلم والتوفيق والحكمة رحمة الأخلاق رحمة
الزوج الصالح والذرية الصالحة رحمة والله وحدهُ هو الذي يملك الرحمة وليس البشر..
فلو قدّر الله هذه الرحمة لأحد لا يستطيع مخلوق ولا كائنٍ من كان أن يُمسكها أو يحجبها عنه.. ومن رحمة الله أن تشعر بهذه الرحمة!
▪️ ومن أعظم الرحمة [ الفتح ]
فالإنسان قد تُغلق عليه أمور دنياه من رزق، ومال، وشفاء، وزوج، وذرية..
وقد تُغلق عليه أمور دينه من فتورٍ، وانتكاس، وتراجع، وضعف همةٍ، وقسوة قلبٍ، وجفاف دمعٍ، وعدم ثبات..
فالله إذا أغلقَ ولم يفتح، حلت المعاناةُ في حياتنا .. والمعاناةُ بيننا و وبين أنفسنا .. والمعاناةُ بيننا وبين الناس .. بل المعاناةُ في كل شيء !
وإن أصعب الإغلاق هو (قبضُ القلب)..! إغلاقُ القلب!
حين يشعر الإنسان أنه محبوسٌ محصورٌ داخل نفسه، وكأنه يتنفسُ من ثقب إبرة .. ما أصعبه وأشده من إغلاق...!
▪️كل هذه المغاليق لا يفتحها إلا الله، فالله برحمته يفتحُ كل مغلق..
وكما قال أحد السلف:
[إذا لم تستعن بالفتاح ستبقى الأبواب مغلقةً دونك..! ]
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾
▪️المصائب والبلاءات رحمة،، والمؤمن الموحد لا ينظر للبلاء من زاوية ضيقة، زاوية الألم فقط .. وإنما يوسّع نظرته ويتلمس رحمة الله فيما نزل به..!
كم كان هذا البلاء سببا في صلاحك، واستقامتك، ويقظتك، وكم أصلح هذا البلاء من ثغرات وثغرات في قلبك، وكم سدّ وأغلق هذا البلاء بابا من السيئات كان مفتوحا عليك تتقلب فيه صباح مساء وضاع عمرك وأنت منغمسٌ فيه..
كم كان سببا في صلاح أولادك وهدايتهم، وكم فتح لك أبوابا من العلم والخير لم يخطر على بالك يوما أنك ستكون من أهلها، فضلا أن تتولى قيادتها وتصبحُ رأساً فيها..!!
وصدق أهل العلم في قولهم:
" لو كُشِفَ لك من اللوح المحفوظ لم تختر من القدرِ إلا ماقُدّر لك ..! "
° مهما فقدت أو صُرِفَ عنك من أمور الدنيا فأحسن الظن بربك بأن هذا الصرف إنما هو "رحمةٌ" من الله بك ﴿ وَاللهُ يَعلَمُ وَأنتُمْ لا تَعلَمُون ﴾..
﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا﴾
▪️جاء أعرابي لعمر رضي الله عنه يشتكي قلة المطر، يا أمير المؤمنين: (أجدبت الأرض .. مات الزرع .. هلك الناس) فرد عليه عمر مباشرة: إذاً أُمطرتم...!
كلما تعسر الأمر واشتد واشتد وانغلق، فهذا إيذانٌ بأن الفرج قد اقترب، وأصبح قاب قوسين أو أدنى ..
فإياك أن ينظر الله لقلبك وأنت في عسرك فيجدك تتقلبُ في النقص..!
نقص الإيمان، وسوء الظن، واليأس والقنوط وكأن رحمة الله انتهت.. وأبواب الله اُغلقت..
وخزائن الله نفدت... بل الكمال كل الكمال أن تشتري مرضاة الله وأنت في هذا العُسر الشديد، بقلبك وبلسانك..
فينظر الله لقلبك فلا يجدُ فيه إلا الرضا، وحسن الظن، وترقّب الفرج..
وينظر للسانك فلا يسمع إلا الحمد والدعاء والثناء على حكمته وعلمه وتدبيره ولطفه..
فلا تخرج من هذا البلاء إلا وأنت مرحومٌ برحمة الله، اشتريت رحمة الله بقلبك ولسانك...
لو استطاع الإنسان أن يعيش هذه الرحمة ويستروحها لتبدلت حياته، ولغدت محنه وبلاءاته منحاً ورحمات...
#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-٥-
ذكرت سورة فاطر أعظم صارفين يصرفان الإنسان عن الحق ..
▪️ الصارف الأول: الدنيا
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾
والدنيا حلوةٌ خضِرة، خداعةٌ براقة..
إذا فتحت عليك أبوابها وضحكت لك سحرتك و فتنتك وخطفتك وسحبتك...!
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾
وكان يقولها الشيخ الشنقيطي لابنه:
يا بني .. الدنيا كالبحر كلما شربت منها ازداد عطشك..!
حب الدنيا بلاءٌ كبير، من اُبتلي به فقد الكثير من إيمانه، وطال أمله، ومرض قلبه، وفقدَ السعادة .. لأنه لن يشبع منها...!
[وكلُ ما تُعُلّقَ به فُقِدَ الصبرُ عليه] ،، ومن ركنَ للدنيا أحرقتهُ بنارها فصار رماداً تذروه الرياح.. فاحذر الدنيا....!!
نعم ..
تعامل معها ولكن لا تتعلق بها، واللهُ إذا أراد بعبده خيرا نزع حب الدنيا من قلبه..
▪️ الصارف الثاني: الشيطان ،،، ﴿إنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ عداوة حقيقية قائمة إلى يوم القيامة.. هذا العدو هو أصل كل شر وأصل كل شقاء..!
° خفيٌ باطنٌ مستتر، مترصدٌ متربص، لا تعرف من أي ثغر سيهاجمك ..
من سمعك أو بصرك أو لسانك أو تفكيرك وخواطرك، أو بطنك وفرجك...
هو ينتظر أيُّ فرصة ليهجم عليك، ويضلك، ويعرقلك، ويغويك ويصرفك..!
° هو ملحاحٌ لا ييأس، ما استطاع عليك من طريق أتاك من آخر كما قال صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه"..
° أخطر أسلحته التي يُشهرها عليك (سلاح الوسوسة) .. وحال الناس مع الوساوس كحال الغزال والكلب..!
من المعروف أن الغزال أسرع من الكلب، ولكنه كثير الالتفات، فإذا التفت ضعف جريه فتمكن منه الكلب..!
وكذلك الإنسان إذا التفت لهذه الوساوس وخاض فيها واسترسل معها، تسلط عليه الشيطان، وتقوّى عليه، وتمكن منه، وأخذ ينقله من وسواس لآخر حتى يُمرضه
ويخذله ويثبطه ويُقعده...
° فاحذره، وتعلّم حبائله وفخاخه وخطواته ومصايده واستعذ بالله منه..فلن يخلصك ويحميك ويصرفه عنك ويكفيك شره وأذاه إلا ربك..[اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين ونعوذ بك أن يحضرون]
▪️عرضت لنا السورة فتنة خطيرة كبيرة وهي فتنة [التزيين]..
وهي أن يُزيّن الباطل ويُقدم في صورة الحق!!
يفسد فهمه، ويفسد تصرفه، يبغض الحق، يحب الباطل، لا يدرك الأشياء على حقيقتها..
ومتى يقع الإنسان فيها؟
إذا فقدَ بصيرته، إذا انطفأ نور البصيرة في قلبه، إذا أُصيب قلبه بالعمى..
وهل يعمى القلب؟؟!
#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-٦-
▪️﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾
كما أن العين يصيبها العمى فتفقد البصر، كذلك القلب يصيبه العمى ويفقد بصيرته..
وشتان شتان بين من فقدَ بصر العين ومن فقدَ بصر القلب..!
° البصيرة: هي النور الذي يقذفه الله في القلب فيميز به الإنسان بين الحق والباطل،
ويُحسن عقله وتصرفاته واختياراته..
فلا يتبع الهوى، ولا يتحايل على الدين، ولا يخرم مروءةً، ولا يُحل حراما أو يحرم حلالا..
إنما هو سائرٌ إلى الله على بصيرة، على نور.. ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّور﴾
▪️كيف ينجو الإنسان من فتنة التزيين؟
سواء كانت تزييناً للمعاصي، الهوى والشهوات، أو تزييناً للعمل فيراه حسناً،
أو قلباً للأمور وتسميتها بغير مسمياتها ؟
° لا تعرض نفسك لأبواب الضلال وتتساهل في أمر الاستقامة، فكم من اُناسٍ ضلّوا من بعد الهداية، وانتكسوا من بعد الصلاح!
فلا تتكل على صلاحك وإن كنت صالحاً، ولا على استقامتك وإن كنت مستقيماً ..
° اجتهد في حراسة نفسك حتى تنتهي من الدنيا .
° أكثر من الحوقلة فهي كلمة فرارٍ تفرّ بها إلى الله ويؤمنك بها من الفتنة .
° الزم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
" يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
° عليك بالعلم، فبه تدفع عن قلبك الشبهة والفهم السقيم العليل الذي قد يرديك..
° ابحث عن أهل البصيرة والزمهم، فهم القوم الذين لا يشقى بهم جليس..
وإن من الناس من إذا اقتربت منهم وخالطتهم وعاشرتهم، أحسستَ بنَفَسَ الصدق فيهم، تكاد تشم رائحة الصدق وعبقه منهم..
لا زخرفة ولا تمثيل ولا كذب ولانفاق.. حكماء، حلماء، مباركين، ابحث عنهم وكن معهم، وإياك أن تفرط بهم..رزقني الله وإياكم بهم،،،
سلسلة | °° تدبر سورة فاطر°°
-٧-
▪️﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا...﴾
° إنها آية الاعتزاز، فالعزةُ كلها من الله وإليه..
ومن طلبها من غير الله أذله الله وأهانه ووكله إلى من طلبها منه...!
من طلب العزة من مخلوق وكله الله إليه وأتاهُ خذلانه من جهته، ومن استعز بالله لايستطيع أن يُذله أحد أو يُهينه أو يتقاوى عليه أحد.
▪️﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ...﴾
الصعود يدل على الرضا والقبول، فالعمل الذي يقبله الله ويرضاه هو الذي يصعد إليه، واللهُ طيبٌ لا يقبل إلا طيبا.. فهو سبحانه الموصوف بكل طيب، وكل ما يصدر عنه جل جلاله طيب.. والله لا يقرّب إلا الطيبين...!
وكلما ازدادت أعمالك طِيباً ازدادَ قبولها..
وتأمل أثر من آثار اسمه [الطيب] :
° إذا تصدق العبد بعدلِ تمرةٍ من كسبٍ طيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يُربيّها لصاحبها كما يُربي أحدكم فُلّوه حتى تكون مثل الجبل.
° يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده، والحمدلله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تبارك الله .. أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صعد بهنّ إلى السماء، فلا يمر بهن على جمعٍ من الملائكة، إلا استغفروا لقائلهن...".
▪️ وسأغتنم فرصة حديثنا عن هذا الاسم المبارك وفرصة عيشنا هذه الليالي المباركة بأن أعرض موضوعا هو عند السلف يشكل قضية كبرى ألا وهو (ما أرجى عمل عملته ..؟)
والمقصود من سؤالهم، هل إذا نثرثَ شريط أعمالك بين يديك فهل تجد فيه عملاً قاربتَ فيه أعلى درجات الإخلاص؟ وهو الأقربُ إلى نفسك وقد جمعت فيه قلبك؟ وتشعر وتظن أنه أقرب وأرجى عمل لك عند الله؟ تحتسبه وتخبئه كسريرة بينك وبين الله؟
° سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بلال رضي الله عنه "ما أرجى عمل عملته فإني سمعتُ دفّ نعليك في الجنة.." فقال: "لا أتطهر طهورا إلا أحدثتُ له صلاةً من ليلٍ أو نهار" .
كلما توضأ صلى ركعتين..
لم يختر صبره على تعذيب المشركين له في مكة، وسحبه في رمضاء مكة والصخر الذي وضعوه على صدره، إنما اختار هاتين الركعتين!!
° خالد بن الوليد رضي الله عنه حين سُئل، لم يختر جهاده وغزواته والطعنات الي ملأت جسده ولكنه قال: "مامن عملٍ أرجى عندي من لا إله إلا الله أتترسُ بها..."
اختار كلمة التوحيد كأرجى عمل يقابل الله به.
سلسلة | °° تدبر سورة فاطر°°
-٨-
▪️ما هو أرجى عملٍ عملته؟
معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لما حضرته الوفاة قال: "وإن أرجى عمل في نفسي أني سمعتُ أختي أم حبيبة تحدث عن رسول الله أنه قال: (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار)، وما تركتهن منذ سمعتهن إلي يومي هذا..."
°° ما الذي يمنع أن نجعل أرجى عمل لنا ركعتين في جوف الليل، نحافظ ونداوم عليها حتى نلقى الله..!
°°ما الذي يمنع أن نجعل إطعام الطعام أرجى عمل، فالإطعام له شأن عظيم..
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا"، وفي الحديث الآخر: "أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز، ما من عامل يعمل بها رجاء موعودها إلا أدخله الله الجنة"..
والآن لا يحتاج أن تمنحه عنزا ليحلبها، بل لو داومت على إخراج علبة حليب في كل أسبوع ترسلها لعائلة فقيرة وخبأت هذا العمل وادخرته لنفسك بين يدي ربك لكفاك..!
°° ما الذي يمنع أن تُعامل الله في الخفاء..
في يوم من الأيام وأنت لا تعلم كم في محفظتك فتخرجه كله وتعطيه لمسكينٍ مرّ بك وتدخره أرجى عمل تقابل به ربك لا يعلم عنه الخلق ..
#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-٩-
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ..﴾
° مجرد أنك مخلوق فأنت فقير، وفقرك ملازمٌ لك لا ينفك عنك..
إن أسرع باب يدخل منه العبد على ربه هو باب :
[ الافتقار ] فالقلبُ إذا خضع ولان وانكسر وافتقر، قرُبَ الله منه ..
° ورد في الأثر أن موسى عليه السلام قال: أي ربّ أين أبغيك؟ فقال الله: ابغني عند المنكسرة قلوبهم..!
هذا الافتقار إنما هو مفتاح يستمطر به العبد عطايا ربه، فالعطايا الكبار لا تأتي الا بعد افتقار ..
° تأمل الافتقار الكبير الذي ظهر في كلام موسى عليه السلام : ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾..
هو في حالة خوف وقلق وهروب وجوع ومصير مجهول لا يعرف إلى أين سيذهب!
من رحِم هذه المشاعر خرجت هذه الكلمات .. يارب أنا لكل خير سواء كان دقيقا أو جليلا، خاصا أو عاما، كبيرا أو صغيرا فأنا فقيرٌ إليه..
وبعد الافتقار فُتحت له العطايا ..!
جاء الأمن، وجاءت الوظيفة، وجاءت الزوجة، ثم جاء أكبر عطاء وأكبر نوال وهو النبوة...و مقام التكليم..
° تكفل الله لكل من افتقر إليه أن يسد فقره، ولكل من استغنى به أن يغنيه..
وإذا عرفت سر اقتران [الحميد بالغني] انفتحت لك بوابة من الرجاء...!
° وذلك بأنك إذا اتصلت بالله الغني، فإن الله الحميد سيحمدُ لك ذلك فيُغنيك بما لا يخطر لك على بال، وسيجعلك تحمدُ عاقبة تعلقك به..
° وإذا علمتَ أن ربك هو الغني الحميد زاد افتقارك وانطراحك وركونك إليه..
قام عبدالملك بن مروان وخطب في الناس خطبة بليغة، فإذا هو يقطع الخطبة وأخذ يبكي بكاء شديدا ... ثم قال:
"ياربي إن ذنوبي عظيمة وإن القليل من عفوك أعظم .. فاللهم اُمحُ بقليل عفوك عظيم ذنوبي"..
كلمات افتقار خرجت من بين خفقان القلب ونبض الإيمان،،،
#سلسلة_تدبر_سورة_فاطر
-١٠-
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾
▪️جعل الله الناس في هذه الأمة على ثلاث مراتب:
° ظالم لنفسه
° ومقتصد
° وسابق بالخيرات
وهم يتفاوتون على حسب إيمانهم وأعمالهم واستكمالهم لشعب الإيمان ..
° الظالم لنفسه:
هو من ظلم نفسه بالمعاصي، وفرط ببعض الواجبات وحمّل نفسه ما لا تطيق من الذنوب والإسراف فيها والإصرار عليها..
فهو على خطرٍ عظيم ومشارف هلكة،
لأن الإيمان يضعف ويتناقص شيئا فشيئاً مع كل معصية يرتكبها الإنسان، وقد لا يبقى معه من إيمانه إلا مقدار حبة من خردل أو كوزن حبة الشعير...!
فإذا بلغ الإيمان في قلبه بهذا الوزن فإن الله لا يبالي به في أي أودية الدنيا هلك..!!
سلسلة | °° تدبر سورة فاطر°°
-١١-
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾
▪️المقتصد: هذا القسم الثاني، وأهل هذه المرتبة اقتصروا على ما طُلب منهم من الفرائض والواجبات وانتهوا عن الكبائر والمحرمات،،
ليست لديهم قضية المسابقة والمسارعة في النوافل والمستحبات..
حالهم مع المعاصي على أمرين:
إما أن تنازعهم أنفسهم للمعاصي ولكن مقام الخوف يغلب عليهم، فإذا دخلوا معصية وبدأوا فيها وذاقوا بداية لذتها تركوها ونزعوا أنفسهم منها خوفا من الله...!
ومن كان هذا حاله فليعلم أن له منزلةً عند ربه، ولعل ذلك الخوف الذي جعله يترك المعصية يبدل الله به معصيته إلى حسنة فالله كريم..
وإما أن تتمرد عليهم أنفسهم وتغلبهم ويكملوا معصيتهم، فيندمون أشد الندم ويلحقون الندم باستغفار وتوبة وأوبة، ومن تاب تاب الله عليه..
فهم يدورون بين مقام الخوف والتوبة،،،
برجاء استكمال تفسير المتبقي من سورة فاطر
ردحذففي إنتظار الأجزاء المتبقيه من تفسير سورة فاطر وجزاكم الله خيرا
حذف