القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله على خاتم رُسله محمد
ﷺ و قد أنزله بلسان العرب فكان ذكراً و تشريفًا
لهم، يقول الله تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ
وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾.
و جعله معجزًا في البيان ليدوم إعجازه فلا ينقطع على مر
الأزمان.
و قد تكفل الله سبحانه و تعالى بحفظ القرآن الكريم:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
فلا يستطيع أحد أن يبدله أو أن يزيد فيه أو ينقص منه، و
قد جاء في حديث صحيح مسلم عن طريق قتادة، عن ابن عبد الله عن عياذ بن حمار عن رسول
الله ﷺ،قال ذات يوم في خطبته:
«َألا إِنَّ رَبِّي
أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ، كُلُّ
مَالٍ نَحَلْتُ عَبْدِي حَلالٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ،
وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ
عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ
بِهِ سُلْطَانًا ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ
،عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَالَ : يَا
مُحَمَّدُ ، إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ ، وَأَنْزَلْتُ
عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ».
يقول النووي في شرحه أما قوله "لا يغسله الماء" فمعناه أنه محفوظ
في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الأزمان.
ما معنى" تقرأه نائمًا و يقظان" ؟؟؟
يقول العلماء أنه محفوظًا لك في حالة النوم و اليقظة و قيل بعضهم أنه تقرأه
بيسر و سهولة ليس فيه صعوبة في تلاوته.
و لذا اعتنى به صحب رسول الله ﷺو تابعهم على ذلك السلف الصالح من هذه الأمة تلاوتًا و حفظًا و تدبرًا و
فهمًا و عملًا .
و مع ضعف الأمة في عصورها المتأخرة تراجع
اهتمام المسلمين بالقرآن الكريم حتى صار
الأمر عند غالب المسلمين فقط حفظ القرآن و تجويده و تلاوته بلا تدبر و بلا
فهم مع تقصير بالعمل به و قد أنزل الله تعالى القرآن و أمرنا بتدبره و تكفل لنا
بحفظه، فانشغلنا بحفظه و تركنا التدبر، قال الحسن:«نزل القرآن ليُتَدبر و يُعْمَل
به فاتخذوا تلاوته عملًا» ، فليس شيء عن فعل العبد في معاشه و معاده و أقرب إلى
نجاته من تدبر القرآن الكريم و إطالة التأمل و جمع الفكر على معاني آيته.
ما معنى تدبر القرآن؟؟؟
تفكر و تأمل في كلام الله عز و جل من أجل أن
نفهمه و إدراك معانيه و حكمه و المراد منه و نربط الآية بالآية التي قبلها و هذه
السورة بالسورة التي قبلها و التي بعدها و هكذا نُلِمُ إلمامًا كاملًا.
﴿تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم
تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله﴾
يقول ابن كثير: «هذه صفة الأبرار ، عند سماع كلام الجبار ، المهيمن العزيز الغفار ، لما يفهمون
منه من الوعد والوعيد . والتخويف والتهديد ، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف ،( ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ) لما يرجون
ويؤملون من رحمته ولطفه ، فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه كثيرة.ثم يقول ابن
كثير أيضا:«إنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا و بكيًا بأدب و خشية و رجاء و
محبة و فهم و علم»
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾
و قول الله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ لَمْ يَخِرُّوا
عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل
مصغين إليها ، فاهمين بصيرين بمعانيها،فلهذا إنما يعملون بها و يسجدون عندها عن
بصيرة لا عن جهل و متابعة لغيرهم.
و يقول التابعي الجليل حسن البصري رحمه الله
»إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ قَدْ قَرَأَهُ عَبِيدٌ وَصِبْيَانٌ لا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ ، وَلَمْ
يَتَأَوَّلُوا الأمْرَ مِنْ قِبَلِ أَوَّلِهِ ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ سورة ص آية
29 ، وَمَا تَدَبَّرُوا آيَاتِهِ اتِّبَاعَهُ ، وَاللَّهُ بِعِلْمِهِ ، أَمَا وَاللَّهِ
مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ , لَيَقُولُ
: لَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فَمَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ حَرْفًا ، وَقَدْ وَاللَّهِ
أَسْقَطَهُ كُلَّهُ ، مَا يُرَى لَهُ الْقُرْآنُ فِي حَلْقٍ ، وَلا عَمَلٍ ، حَتَّى
إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ : إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ ، وَاللَّهِ
مَا هَؤُلاءِ بِالْقُرَّاءِ ، وَلا الْعُلَمَاءِ ، وَلا الْحُكَمَاءِ ، وَلا الْوَرَعَةِ
، مَتَى كَانَتِ الْقُرَّاءُ مِثْلَ هَذَا ؟ ! لا كَثَّرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ مِثْلَ
هَؤُلاءِ».
و من علامات الساعة أنه يكثر القراء و يقل
العلماء.
فيه أمور ستة إذا اجتمعت لديك أو حصلت على
بعضها هذا يدل على أنك أنت مدبرة لكتاب الله عز و جل و أنت تقرئينه مأجورة منتفعة
به.
1- استماع القلب و الفكر عند قراءته
2- فيض العين من خشية الله عز و جل
3- زيادة الخشوع
4- السجود تعظيما لله عز و جل
5- زيادة الإيمان مع الفرح و الاستبشار
6- وجل القلب خوفًا من الله
فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر فقد وصل
إلى حالة التدبر و التفكر بحسب حاله.
أما من لم يحصل له شيء من هذه الصفات فنسأل
الله تعالى أن لا يحرمه من لذة تدبر القرآن الكريم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق