الأحد، 18 أكتوبر 2015

حديث القرآن عن التدبر





القرآن الكريم كلام الله الذي أنزله على خاتم رُسله محمد و قد أنزله بلسان العرب فكان ذكراً و تشريفًا لهم، يقول الله تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾.
و جعله معجزًا في البيان ليدوم إعجازه فلا ينقطع على مر الأزمان.
و قد تكفل الله سبحانه و تعالى بحفظ القرآن الكريم:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
فلا يستطيع أحد أن يبدله أو أن يزيد فيه أو ينقص منه، و قد جاء في حديث صحيح مسلم عن طريق قتادة، عن ابن عبد الله عن عياذ بن حمار عن رسول الله،قال ذات يوم في خطبته:
«َألا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا ، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُ عَبْدِي حَلالٌ ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ ، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ ،عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ ، إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ ، وَأَبْتَلِيَ بِكَ ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ».

 يقول النووي في شرحه أما قوله "لا يغسله الماء" فمعناه أنه محفوظ في الصدور لا يتطرق إليه الذهاب بل يبقى على مر الأزمان.
ما معنى" تقرأه نائمًا و يقظان" ؟؟؟
 يقول العلماء أنه محفوظًا لك في حالة النوم و اليقظة و قيل بعضهم أنه تقرأه بيسر و سهولة ليس فيه صعوبة في تلاوته.
و لذا اعتنى به صحب رسول الله و تابعهم على ذلك السلف الصالح من هذه الأمة تلاوتًا و حفظًا و تدبرًا و فهمًا و عملًا .

و مع ضعف الأمة في عصورها المتأخرة تراجع اهتمام المسلمين بالقرآن الكريم حتى صار  الأمر عند غالب المسلمين فقط حفظ القرآن و تجويده و تلاوته بلا تدبر و بلا فهم مع تقصير بالعمل به و قد أنزل الله تعالى القرآن و أمرنا بتدبره و تكفل لنا بحفظه، فانشغلنا بحفظه و تركنا التدبر، قال الحسن:«نزل القرآن ليُتَدبر و يُعْمَل به فاتخذوا تلاوته عملًا» ، فليس شيء عن فعل العبد في معاشه و معاده و أقرب إلى نجاته من تدبر القرآن الكريم و إطالة التأمل و جمع الفكر على معاني آيته.
ما معنى تدبر القرآن؟؟؟
تفكر و تأمل في كلام الله عز و جل من أجل أن نفهمه و إدراك معانيه و حكمه و المراد منه و نربط الآية بالآية التي قبلها و هذه السورة بالسورة التي قبلها و التي بعدها و هكذا نُلِمُ إلمامًا كاملًا.

﴿تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم  ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله
 يقول ابن كثير: «هذه صفة الأبرار ، عند سماع كلام الجبار ، المهيمن العزيز الغفار ، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد . والتخويف والتهديد ، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف ،( ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله )  لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه ، فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه كثيرة.ثم يقول ابن كثير أيضا:«إنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا و بكيًا بأدب و خشية و رجاء و محبة و فهم و علم»

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾
و قول الله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبّهمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها ، فاهمين بصيرين بمعانيها،فلهذا إنما يعملون بها و يسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل و متابعة لغيرهم.

و يقول التابعي الجليل حسن البصري رحمه الله
»إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ قَدْ قَرَأَهُ عَبِيدٌ وَصِبْيَانٌ لا عِلْمَ لَهُمْ بِتَأْوِيلِهِ ، وَلَمْ يَتَأَوَّلُوا الأمْرَ مِنْ قِبَلِ أَوَّلِهِ ، وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ سورة ص آية 29 ، وَمَا تَدَبَّرُوا آيَاتِهِ اتِّبَاعَهُ ، وَاللَّهُ بِعِلْمِهِ ، أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِحِفْظِ حُرُوفِهِ وَإِضَاعَةِ حُدُودِهِ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ , لَيَقُولُ : لَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فَمَا أَسْقَطْتُ مِنْهُ حَرْفًا ، وَقَدْ وَاللَّهِ أَسْقَطَهُ كُلَّهُ ، مَا يُرَى لَهُ الْقُرْآنُ فِي حَلْقٍ ، وَلا عَمَلٍ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَقُولُ : إِنِّي لأَقْرَأُ السُّورَةَ فِي نَفَسٍ ، وَاللَّهِ مَا هَؤُلاءِ بِالْقُرَّاءِ ، وَلا الْعُلَمَاءِ ، وَلا الْحُكَمَاءِ ، وَلا الْوَرَعَةِ ، مَتَى كَانَتِ الْقُرَّاءُ مِثْلَ هَذَا ؟ ! لا كَثَّرَ اللَّهُ فِي النَّاسِ مِثْلَ هَؤُلاءِ».
و من علامات الساعة أنه يكثر القراء و يقل العلماء.

فيه أمور ستة إذا اجتمعت لديك أو حصلت على بعضها هذا يدل على أنك أنت مدبرة لكتاب الله عز و جل و أنت تقرئينه مأجورة منتفعة به.
1- استماع القلب و الفكر عند قراءته
2- فيض العين من خشية الله عز و جل
3- زيادة الخشوع
4- السجود تعظيما لله عز و جل
5- زيادة الإيمان مع الفرح و الاستبشار
6- وجل القلب خوفًا من الله
فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر و التفكر بحسب حاله.

أما من لم يحصل له شيء من هذه الصفات فنسأل الله تعالى أن لا يحرمه من لذة تدبر القرآن الكريم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق