كثير من طلبة العلم اليوم أو من المثقفين
من الشباب لا يعون حقيقة مصطلح الفكر ، ولا يعون أبعاده، ولا يعون ما ينبغي أن يؤخذ
به وما ينبغي بل يجب أن يحذر منه من الفكر، فكان لا بدَّ من طرق هذا الموضوع حتَّى
تتضح الصورة..
ولذلك انتخبت لك محاضرة قيمة ألقاها الشيخ
صالح آل الشيخ بعنوان (الفكر والعلم)
وإليك مقتطفات منها:
1) الفكر الإسلامي أو المفكر الإسلامي اصطلاح جديد
في تاريخ هذه الأمة، ومعلوم عند أهل الشرع والمحبين للعلم وللديانة إنْ الأمور إنما
توزن بالعلم؛ لأن العلم نزل من عند الله جلَّ وعلا ليكون حاكمًا على الناس غير محكوم،
فإذا ظهرت اصطلاحات أو استجدت أحوال فإن المرجع في فهمها إنما هو إلى العلم.
2)نشأة الفكر لم تكن نشأة على علم وإنما كانت نشأة
عاطفية اندفاعية ليست مؤصلة ولا منظمة وإنما كانت بحسب الحال دفاعٌ عن التاريخ دفاع
عن العقيدة والإسلام فظهرت كثير من الكتابات التي تراها اليوم ممن يسمون بمفكرين إسلاميين،
وفي الحقيقة إنما هم مفكرون ليسوا بإسلاميين؛ لأنهم إنما يفكرون تارة بالنظرة الاشتراكية،
وتارة بالنظرة الاعتزالية، وتارة بنظرات مختلفة، فنشأ ما يسمى بالتنوير والاجتهاد والتطور
والتقدم حتَّى أتى من المفكرين من يزعم أنه لا بد من إقامة صرح جديد لطريقة العقل والتفكير
والتعامل مع النصوص؛ لأن تلك إنما تناسب زمنًا مضى وهذا الزمن لا بدَّ له من شيء جديد،
إنه ولا شك انحراف خطير عن أصل هذا الدين وعن العلم الصحيح .
3) لم يضبط تعريف لمصطلح الفكر ولهذا تجد كل مفكر يورد
ما عنده بحسب طريقته، فيختلفون في البداية، ويختلفون في النهاية، ويختلفون أيضًا في
وسائل ذلك كل بحسب مدرسته ، فهل يصح أن يقال على هذا إن العلم من الفكر؟
لا شك أن (العلم) لا يجوز أن يقال عنه إنه
فكر إسلامي.
وقد سُئل الشيخ العلامة محمد بن عثيمين
عن هذه الكلمة كلمة (فكر إسلامي) هل يجوز أن تقال ؟ فقال الشيخ: كلمة فكر إسلامي من
الألفاظ التي يحذر منها، إذ مقتضاها أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ
والرد، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر.
4) قول عمر رضي الله عنه:[إنّ أصحاب الرأي
أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أنْ يحفظوها، والسنن أنْ يتفهموها فعارضوا السنن برأيهم
فإياك وإياهم] وفي طريق أخرى قال رضي الله عنه: [فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا].
وهذا الذي قاله عمر منطبق تماما على بعض
أنواع الفكر، الذي لا دليل عليه أو الفكر الذي يهدم أصولاً فيكون استدلال أصحابه بالمشتبهات
لا بالأصول العلمية، فنتج عن ذلك: أنهم قالوا بالفكر، قالوا بالرأي فضلوا فعلا وأضلوا،
وهذا ظاهر في مدارس كثيرة تراها اليوم في كثير من بلاد المسلمين.
5)مصادر الفكر: هي الثقافة العامة،
أو نظرة الكاتب إلى الواقع وكيفية علاج
ذلك الواقع وهذه تتنوع بحسب مدارسهم، ثم أصبحت هذه المدارس الفكرية مصادراً لمن خلفهم؛
ولا شك أن ذلك يورث انحرافاً؛ لأن الفكر الأول إذا لم يكن منضبطا بالشرع وجاء الثاني
ليوسعه حصل الخلل في النتائج، وانحرف عن أصل الإسلام.
6)الفكر أبتر؛ لأنّ ذلك المفكر ينظر من واقعه، ينظر
فيما عاناه فيريد أنْ يخرج بنتائج هي في الواقع لا تحل شيئا وإنما هي تقنع وتحل المشكلة
التي عنده، لكن لا تحل مشكلة المسلمين إلاّ إذا تصور أولئك أنّ كل مسلم عنده نفس المشكلة
التي عند ذلك الكاتب وهذا لا شك أنه لا يقوله أحد.
7)لابدّ أنْ يكون هناك من يقوم بهذه الكتابات الفكرية
لكن على الضابط الشرعي وأعظمه أن يكون العلم حكما عليها، وأن يكون أهل العلم مراجعين
لكلامه وكتاباته...
8) الكتابات الفكرية حوت مضاراً عظيمة وأخطاراً متنوعة
فمن ذلك وهو أعظمه : أنها أحدثت أجيالاً تفكر دون اعتماد على العلم والعلماء ، والمتقرر
أن الأمة مرتبطة بعلمائها، فإحداث مصطلح الفكر الإسلامي، ووجود المفكرين الإسلاميين
أحدث أجيالاً من الناس قناعتهم فكرية لا يعون العلم ولا يرضخون له يكتبون بتفكيرات
فكرية لا تقوم على علم مقعد.
حتى قيل عن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام
قيل إنه[عبقري] فكتب كاتب[عبقرية محمد].
وهل النبي عليه الصلاة والسلام كان مفكرا!
كان من عند نفسه حتى يقال إنه عبقري؟!
إنما هو وحي يوحى كما قال جلّ وعلا:(إِنْ
هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى)، فظهر استقلال في الفكر وأجيال تتعامل مع الألفاظ والنصوص
بمجرد رأيها لا ترجع إلى شيء!
9)كلما ازداد المفكرون ازداد التفرق، وكلما ازدادت
الأطروحات الفكرية كثرت الآراء الجديدة .
10)من مضار الفكر أن المفكرين أصدروا أحكامًا على العقيدة
الصحيحة، وعلى الفقه الصحيح، وعلى أصول الحديث، وعلى السنة، فأهَّلوا أنفسهم للخوض
في كل مسألة حتى في الموازنة بين العقائد بطرح فكري!
11)الواقع أنّ الكثرة الكاثرة من المفكرين إنما يستدلون
بالمتشابهات، صحيح عندهم أدلة وشواهد وأقوال وحكايات ولكنها إذا نظرت إلى ما جاءوا
به من القرآن والسنة فقليل منه ما هو صحيح الاستدلال، ومنه وهو الأكثر ما هو من المتشابه وهذا يضل الأمة ويجعلها
في انحرافات فكرية، وسلوكية، وعقدية.
12)العلم الأصل فيه المدح والأصل في أهله المدح، وأما
الفكر فهو الرأي، والرأي الأصل فيه الذم، وهذا فرقٌ عظيمٌ بين الأمرين.
13) نصيحة موجهة إلى شباب الأمة وإلى المفكرين وإلى
أهل العلم أنْ يقوموا بواجب العلم وأنْ يقيموا الأمة عليه لأنّ الأمة أشد ما تكون حاجة
إلى العلم، وقد قرّر ذلك جمع من العقلاء والمفكرين بعد أهل العلم فالجميع متفق على
أنّ القاعدة التي تنطلق منها الأمة هي العلم ولكن من الذي يأخذ بذلك ؟
الناس بحاجة إلى العلم، أما الكتابات الفكرية
لابدّ من تقيمها لا تعتمد عليها، لا تكن قراءتك في الكتب الفكرية هي الغالبة عليك في
يومك وليلتك، إنما ليكن الغالب العلم، لأنّ العلم هو الذي ينور الصدور، أما الفكر فإنما
هو رأي، وإذا جعلت العلم هو الأصل كان الفكر في مكانه الصحيح وكنت سائرا بتثقيف وبفكر
يمكن أنْ تخوض به فيما يخاض به في المجتمع من الأفكار والأقوال لكن إنْ كان علمك قليلاً
فإنك تكون ريشة في مهب رياح الأفكار وهذا لا شك يقود إلى خللٍ في الفكر وخلل في التفكير.
14) كتابات المفكرين الذين يكتبون الكتابات المختلفة
من الموجودين المعاصرين أو ممن توفاهم الله جلّ وعلا يجب أنْ تضعهم في مكانهم الصحيح،
وأن لا تكون تلك الكتابات حَكما ولا مدرسة ولا قيادة، وإنما هي شواهد وأفكار يقبل منها
ويرد.
وفي المحاضرة من النفائس الشيء الكثير
وهي موجودة في اليوتيوب بعنوان (الفكر والعلم)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق