الثلاثاء، 15 ديسمبر 2015

تلخيص لكتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(3)


فهذا تلخيص لكتاب فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للعلامة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى

شرح فيه كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى


أنقله وهو على طريقة السؤال والجواب في أهم مسائله وفوائده, لعل الله أن ينفعني به يوم لا ينفع مال ولا بنون, إلا من أتى الله بقلب سليم

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(120)
س253: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"فإنما تنال ولاية الله بذلك"؟
ج: أي: توليه لعبده, و وَلاية بفتح الواو لا غير: أي الأخوة والمحبة والنصرة, وبالكسر الإمارة, والمراد هنا الأول.
س254:من الذي روى قول ابن عباس في قوله تعالى "وتقطعت بهم الأسباب" قال: المودة ؟ وما معناه؟
ج: هذا الأثر رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه.
قوله: "قال: المودة", أي: التي كانت بينهم في الدنيا؛ خانتهم أحوج ما كانوا إليها وتبرأ بعضهم من بعض كما قال تعالى: "وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين".
س255: ما أقسام الخوف?
ج: ثلاثة أقسام :
أحدها: خوف السر؛ وهو أن يخاف من غير الله من وثن أو طاغوت أن يصيبه بما يكره؛ كما قال تعالى عن قوم هود عليه السلام إنهم قالوا له: "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ", وقال تعالى:"ويخوفونك بالذين من دونه" وهذا هو الواقع من عباد القبور ونحوها من الأوثان؛ يخافونها ويخوفون بها أهل التوحيد إذا أنكروا عبادتها وأمروا بإخلاص العبادة لله؛ وهذا ينافي التوحيد.
الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه خوفا من بعض الناس؛ فهذا محرم؛ وهو نوع من الشرك بالله المنافي لكمال التوحيد, وهذا هو سبب نزول هذه الآية كما قال تعالى: "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه" الآية, وفي الحديث: "إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذ رأيت المنكر أن لا تغيره ؟ فيقول : رب خشية الناس فيقول : إياي كنت أحق أن تخشى".
الثالث : الخوف الطبيعي؛ وهو الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك, فهذا لا يذم كما قال تعالى في قصة موسى عليه السلام:"فخرج منها خائفا يترقب" الآية.



فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(121)
س256:ما معنى قوله تعالى:"إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "؟ 
ج: أي: يخوفكم أولياءَه.
س257: ما صحة حديث أبي سعيد مرفوعا:"إن من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله وأن تذمهم على ما لم يؤتك الله إن رزق الله لا يجره حرص حريص ولا يرده كراهية كاره"؟
ج:هذا الحديث رواه أبو نعيم في الحلية, والبيهقي وأعله بمحمد بن مروان السدي؛ وقال: "ضعيف", وفيه أيضا عطية العوفي: ذكره الذهبي في الضعفاء والمتروكين, ومعنى الحديث صحيح وتمامه:"وإن الله بحكمته جعل الروح والفرح في الرضى واليقين وجعل الهم والحزن في الشك والسخط".
فائدة:
قال شيخ الإسلام: وكتبت عائشة إلى معاوية وروي أنها رفعته:"من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئا" هذا لفظ المرفوع, ولفظ الموقوف:"من أرضى الله بسخط الناس رضى الله عنه وأرضى عنه الناس ومن أرضى الناس بسخط الله عاد حامده من الناس له ذاماً", وهذا من أعظم الفقه في الدين, فإن من أرضى الله بسخطهم كان قد اتقاه وكان عبده الصالح والله يتولى الصالحين والله كاف عبده, 
" ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب", والله يكفيه مؤنة الناس بلا ريب, وأما كون الناس كلهم يرضون عنه قد لا يحصل ذلك, لكن يرضون عنه إذا سلموا من الأغراض وإذا تبين لهم العاقبة."ومن أرضى الناس بسخط الله لم يغنوا عنه من الله شيئاً" كالظالم الذي يعض على يديه, وأما كون حامده ينقلب ذاماً فهذا يقع كثيرا ويحصل في العاقبة, فإن العاقبة للتقوى لا تحصل ابتداءً عند أهوائهم ا هـ
فائدة: 
وقد أحسن من قال :
( إذا صح منك الود يا غاية المنى ... فكل الذي فوق التراب تراب )

قال ابن رجب رحمه الله : فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب فهو تراب فكيف يقدم طاعة من هو تراب على طاعة رب الأرباب ؟ أم كيف يرضى التراب بسخط الملك الوهاب ؟ إن هذا لشئ عجاب..!
 

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(122)
باب قول الله تعالى:"وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين"
س258: ما معنى التوكل؟ 
ج: قال أبو السعادات: يقال: توكل بالأمر إذا ضمن القيام به, ووكلت أمري إلى فلان إذا اعتمدت عليه, ووكل فلانٌ فلاناً إذا استكفاه أمره ثقةً بكفايته أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه ا هـ
س259: ماذا أراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بالآية؟
ج: بيان أن التوكل فريضة يجب إخلاصه لله تعالى, فإن تقديم المعمول يفيد الحصر؛ أي: وعلى الله فتوكلوا لا على غيره, فهو من أجمع أنواع العبادة وأعظمها؛ لما ينشأ عنه من الأعمال الصالحة, فإنه إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية دون كل من سواه صح إخلاصه ومعاملته مع الله تعالى, فهو من أعظم منازل " إياك نعبد وإياك نستعين".
س260: ما أقسام التوكل؟
ج: قال الشارح رحمه الله تعالى: قلت: لكن التوكل على الله قسمان:
أحدهما: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله؛ كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم من نصر أو حفظ أو رزق أو شفاعة فهذا شرك أكبر .

الثاني : التوكل في الأسباب الظاهرة؛ كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله تعالى عليه من رزق أو دفع أذى ونحو ذلك, فهو نوع شرك أصغر, والوكالة الجائزة هي توكيل الإنسان الإنسان في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه؛ لكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وُكل فيه, بل يتوكل على الله في تيسير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه, وذلك من جملة الأسباب التي يجوز فعلها ولا يعتمد عليها؛ بل يعتمد على المسبب الذي أوجد السبب والمسبب.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(123)
س261: ما معنى قوله تعالى: "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين"؟

ج: قال ابن القيم رحمه الله : أي الله وحده كافيك وكافي أتباعك : فلا تحتاجون معه إلى أحد وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وقيل: المعنى حسبك الله وحسبك المؤمنون, قال ابن القيم رحمه الله : وهذا خطأ محض لا يجوز حمل الآية عليه؛ فإن الحسب والكفاية لله وحده كالتوكل والتقوى والعبادة قال الله تعالى:"وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين"؛ ففرق بين الحسب والتأييد, فجعل الحسب له وحده, وجعل التأييد له بنصره وبعباده, وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب فقال تعالى:"الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل"؛ ولم يقولوا: حسبنا الله ورسوله, ونظير هذا قوله سبحانه: "وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون", فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول وجعل الحسب له وحده فلم يقل: وقالوا حسبنا الله ورسوله, بل جعله خالص حقه كما قال "إنا إلى الله راغبون", فجعل الرغبة إليه وحده كما قال تعالى: "وإلى ربك فارغب" فالرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلق لا يكون إلا له سبحانه وتعالى. انتهى.
باب قول الله تعالى: " أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون"
س262: ما قصد المصنف رحمه الله من هذه الترجمة؟

ج: التنبيه على أن الأمن من مكر الله من أعظم الذنوب وأنه ينافي كمال التوحيد كما أن القنوط من رحمه الله كذلك وذلك يرشد إلى أن المؤمن يسير إلى الله بين الخوف والرجاء كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأرشد إليه سلف الأمة والأئمة.
 
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(124)
س263: ما معنى قوله تعالى:"أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون"؟
ج: معنى الآية : أن الله تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من مكر الله وعدم الخوف منه, كما قال تعالى:"أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون" أي: الهالكون, وذلك أنهم أمنوا مكر الله لما استدرجهم بالسراء والنعم فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرا .
قال الحسن رحمه الله: من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له.
وقال قتادة: بغت القوم أمر الله, وما أخذ الله قوماً قط إلى عند سلوتهم ونعمتهم وغرتهم, فلا تغتروا بالله.
س264: ما تفسير مكر الله عند السلف؟
ج:تفسير المكر في قول بعض السلف: يستدرجهم الله بالنعم إذا عصوه, ويملي لهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر, وهذا هو معنى المكر والخديعة ونحو ذلك. ذكره ابن جرير بمعناه.
س265: ما معنى: القنوط في قوله تعالى:"ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون"؟ 
ج: القنوط: استبعاد الفرج واليأس منه, وهو يقابل الأمن من مكر الله, وكلاهما ذنب عظيم, وتقدم ما فيه لمنافاته لكمال التوحيد.
س266:ما صحة خديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن الكبائر فقال:"الشرك بالله واليأس من روح الله والأمن من مكر الله"؟

ج: هذا الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس, ورجاله ثقات إلا شبيب بن بشر؛ فقال فيه ابن معين:"ثقة", ولينه أبو حاتم, وقال ابن كثير: "في إسناده نظر والأشبه أن يكون موقوفا".
 

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(125)
س267: ما معنى قوله :"واليأس من روح الله"؟
ج: أي قطع الرجاء الأول والأمل من الله فيما يخافه ويرجوه, وذلك إساءة ظن بالله وجهل به وبسعة رحمته وجوده ومغفرته.
س268: ما ضابط الكبيرة؟
ج: ضابطها ما قاله المحققون من العلماء : كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب, زاد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أو نفي الإيمان.
باب من الإيمان بالله الصبر على أقدار الله
س269: عرف الصبر؟
ج: الصبر حبس النفس عن الجزع, وحبس اللسان عن التشكي والتسخط, والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما. ذكره ابن القيم رحمه الله.
س270: ما أقسام الصبر؟
ج: صبر على ما أمر الله به, وصبر عما نهى عنه, وصبر على ما قدره من المصائب.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(126)
س271: ما معنى قوله تعالى: "ومن يؤمن بالله يهد قلبه"؟
ج: أي من أصابته مصيبة فعلم أنها بقدر الله؛ فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله؛ هدى الله قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدىً في قلبه ويقيناً صادقاً, وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه.
س272:"قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم". من روى الأثر؟ ومن هو علقمة؟
ج:هذا الأثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وعلقمة: هو قيس بن عبد الله النخعي الكوفي, ولد في حياة النبي صلى الله عليه و سلم, وسمع من أبي بكر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم, وهو من كبار التابعين وأجلائهم وعلمائهم وثقاتهم مات بعد الستين.
س273: ما معنى قول علقمة: "ومن يؤمن بالله يهد قلبه"؟
ج: قال سعيد بن جبير : "ومن يؤمن بالله يهد قلبه" يعني يسترجع يقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
س274:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر"؟
ج: أي هما بالناس كفر حيث كانتا من أعمال الجاهلية, وهما قائمتان بالناس ولا يسلم منهما إلا من سلمه الله تعالى ورزقه علماً وإيماناً يستضيء به, لكن ليس من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافراً كالكفر المطلق, كما أنه ليس من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمناً الإيمان المطلق, وفرق بين الكفر المعرف باللام كما في قوله: "ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة" وبين كفر منكر في الإثبات.
س275:ما معنى الطعن في النسب؟
ج: أي عيبه, يدخل فيه أن يُقال : هذا ليس ابن فلان, مع ثبوت نسبه.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(127)
س276: ما معنى النياحة على الميت؟
ج: أي رفع الصوت بالندب وتعداد فضائل الميت.
فائدة:
قوله: ولهما عن ابن مسعود مرفوعا:"ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية"؛ هذا من نصوص الوعيد, وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية تأويلها ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر, وهو يدل على أن ذلك ينافي كمال الإيمان الواجب.
س277: لِمَ خص الخد في قوله صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من ضرب الخدود"؟
ج: قال الحافظ : خص الخد لكونه الغالب وإلا فضرب بقية الوجه مثله.
س278:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وشق الجيوب"؟
ج:وشق الجيوب: هو الذي يدخل فيه الرأس من الثوب, وذلك من عادة أهل الجاهلية حزنا على الميت.
س279: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ودعا بدعوى الجاهلية"؟
ج/ قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "هو ندب الميت", وقال غيره:"هو الدعاء بالويل والثبور", وقال ابن القيم رحمه الله:"الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء إلى القبائل والعصبية ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ وتفضيل بعضهم على بعض؛ يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي فكل هذا من دعوى الجاهلية".
س280: هل في الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء؟
ج: ليس في هذه الأحاديث ما يدل على النهي عن البكاء لما في الصحيح أن رسول الله صلى لله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم قال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون", وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم انطلق إلى إحدى بناته ولها صبي في الموت فرفع إليه ونفسه تقعقع كأنها شن؛ ففاضت عيناه فقال سعد : ما هذا يا رسول الله ؟ قال:"هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(128)
س281: من أخرج حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة"؟
ج:هذا الحديث رواه الترمذي والحاكم وحسنه الترمذي وأخرجه الطبراني والحاكم عن عبد الله بن مغفل ابن عدي عن أبي هريرة, والطبراني عن عمار بن ياسر. 
فائدة:
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: المصائب نعمة؛ لأنها مكفرات للذنوب, وتدعو إلى الصبر فيثاب عليها, وتقتضي الإنابة إلى الله والذل له والإعراض عن الخلق إلى غير ذلك من المصالح العظيمة, فنفس البلاء يكفر الله به الذنوب والخطايا, وهذا من أعظم النعم, فالمصائب رحمة ونعمة في حق عموم الخلق, إلا أن يدخل صاحبها بسببها في معاصي أعظم مما كان قبل ذلك فيكون شراً عليه من جهة ما أصابه في دينه,
فإن من الناس من إذا ابتلي بفقر أو مرض أو وجع حصل له من النفاق والجزع ومرض القلب والكفر الظاهر وترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له الضرر في دينه, فهذا كانت العافية خيراً له من جهة ما أورثته المصيبة لا من جهة نفس المصيبة,
كما أن من أوجبت له المصيبة صبراً وطاعة كانت في حقه نعمة دينية, فهي بعينها فعل الرب عز و جل, ورحمةً للخلق, والله تعالى محمود عليها, فمن ابتلي فرُزق الصبر كان الصبر عليه نعمة في دينه وحصل له بعد ما كفر من خطاياه رحمة, وحصل له بثنائه على ربه صلاة ربه عليه قال تعالى: "أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة"؛ وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات, فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك. انتهى ملخصا 
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(129)
س282: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط"؟
ج: أي من كان ابتلاؤه أعظم كمية وكيفية. 
وقد يحتج بهذا الحديث من يقول: إن المصائب يثاب عليها مع تكفير الخطايا, ورجح ابن القيم أن ثوابها تكفير الخطايا فقط إلا إذا كانت سبباً لعملٍ صالح كالصبر والرضا والتوبة والإستغفار؛ فإنه حينئذٍ يثاب على ما تولد منها, وعلى هذا يقال في معنى الحديث: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء إذا صبر واحتسب.
فائدة:
قوله: "وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم"؛ ولهذا ورد في حديث سعد: "سئل النبي صلى الله عليه و سلم: أي الناس أشد بلاء ؟ قال الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة"؛ رواه الدرامى وابن ماجه والترمذي وصححه. 
وهذا الحديث ونحوه من أدلة التوحيد, فإذا عرف العبد أن الأنبياء والأولياء يصيبهم البلاء في أنفسهم الذي هو في الحقيقة رحمة ولا يدفعه عنهم إلا الله عرف أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا دفعاً, فلأن لا يملكوه لغيرهم أولى وأحرى, فيحرم قصدهم والرغبة إليهم في قضاء حاجة أو تفريج كربة, وفي وقوع الإبتلاء بالأنبياء والصالحين من الأسرار والحكم والمصالح وحسن العاقبة ما لا يحصى.
س283: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن سخِط..."؟
ج:قال أبو السعادات: السخط الكراهية للشيء وعدم الرضا به؛ أي: من سخط على الله فيما دبره فله السخط؛ أ: من الله, وكفى بذلك عقوبة, وقد يستدل به على وجوب الرضا؛ وهو اختيار ابن عقيل, واختار القاضي عدم الوجوب ورجحه شيخ الإسلام وابن القيم. 
قال شيخ الإسلام: ولم يجيء الأمر به كما جاء الأمر بالصبر, وإنما جاء الثناء على أصحابه, قال : وأما ما يروى: "من لم يصبر على بلائي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي" فهذا إسرائيلي لم يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم. 
قال شيخ الإسلام: وأعلى من ذلك ـ أي من الرضا ـ أن يشكر الله على المصيبة لما يرى من إنعام الله عليه بها. ا هـ والله أعلم
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(130)
باب ما جاء في الرياء
س284: ما معنى الرياء؟ وما الفرق بينه وبين السمعة؟
ج:قال الحافظ: هو مشتق من الرؤية؛ والمراد بها: إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها, والفرق بينه وبين السمعة: أن الرياء لما يُرى من العمل كالصلاة, والسمعة لما يُسمع كالقراءة والوعظ والذكر؛ ويدخل في ذلك التحدث بما عمله.
س285: ما معنى قوله تعالى: "لقاء ربه"؟
ج: قال شيخ الإسلام رحمه الله: أما اللقاء فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة؛ وقالوا: لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة, وذكر الأدلة على ذلك.
س286: ما أقسام العمل لغير الله؟
ج: قال ابن رجب رحمه الله: واعلم أن العمل لغير الله أقسام؛ فتارة يكون رياءً محضاً كحال المنافقين كما قال تعالى: "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً"؛ وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة أو التي يتعدى نفعها, فإن الإخلاص فيها عزيز وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة, وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء, فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه ـ وذكر أحاديث تدل على ذلك منها : هذا الحديث وحديث شداد بن أوس مرفوعاً "من صلى يرائي فقد أشرك ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك وإن الله عز و جل يقول : أنا خير قسم لمن أشرك بي فمن أشرك بي شيئاً فإن جدة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به أنا عنه غني" رواه أحمد, وذكر أحاديث في المعنى ثم قال : فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء مثل أخذ أجرة الخدمة أو أخذ من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية. 
قال ابن رجب : وقال الإمام أحمد رحمه الله : التاجر والمستأجر والمكري أجرهم على قدر ما يخلص من نياتهم في غزواتهم, ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره. 
وقال أيضاً فيمن يأخذ جعل الجهاد: إذا لم يخرج لأجل الدراهم فلا بأس, كأنه خرج لدينه, إن أعطى شيئاً أخذه, وروى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: "إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقاً فلا بأس بذلك وأما إن أحدكم أعطي دراهم غزا وإن لم يعط لم يغز فلا خير في ذلك", وروي عن مجاهد رحمه الله أنه قال في حج الجمّال وحج الأجير وحج التاجر : هو تام لا ينقص من أجرهم شيء؛ أي لأن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب, قال: وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأ عليه نية الرياء؛ فإن كان خاطراً ثم دفعه فلا يضره بغير خلاف, وإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا فيجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى؛ وهو مروي عن الحسن وغيره, وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه سُئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن", رواه مسلم. انتهى ملخصا
 

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(131)
س287: هل الرياء هو الشرك الأصغر؟
ج: عن شداد بن أوس قال : كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم الشرك الأصغر. رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص وابن جرير في التهذيب والطبراني والحاكم وصححه.
قال ابن القيم: وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله وقول الرجل للرجل ماشاء الله وشئت وهذا من الله ومنك وأنا بالله وبك وما لي إلا الله وأنت وأنا متوكل على الله وعليك ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا, وقد يكون هذا شرك أكبر بحسب حال قائله ومقصده. انتهى.
باب من الشرك إرداة الإنسان بعمله الدنيا
س288: ما الفرق بين هذه الترجمة والتي قبلها؟
ج: بينهما عموم وخصوص مطلق؛ يجتمعان في مادة وهو ما إذا أراد الإنسان بعمله التزين عند الناس والتصنع لهم والثناء فهذا رياء كما تقدم بيانه؛ كحال المنافقين, وهو أيضا إرادة الدنيا بالتصنع عند الناس وطلب المدحة منهم والإكرام, ويفارق الرياء بكونه عمل عملاً صالحاً أراد به عرضاً من الدنيا كمن يجاهد ليأخذ مالاً كما في الحديث "تعس عبد الدينار"؛ أو يجاهد للمغنم أو غير ذلك من الأمور التي ذكرها شيخنا عن ابن عباس رضي الله عنه وغيره من المفسرين في معنى قوله تعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها".
وأراد المصنف رحمه الله بهذه الترجمة وما بعدها أن العمل لأجل الدنيا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب, ويحبط الأعمال, وهو أعظم من الرياء لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك على كثير من عمله, وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل ولا يسترسل معه, والمؤمن يكون حذراً من هذا وهذا.
س289: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"تعس...."؟ 
ج:تعٍس هو بكسر العين, ويجوز الفتح, أي: سقط, والمراد هنا: هلك, قاله الحافظ, وقال في موضع آخر: وهو ضد سعد؛ أي: شقي, قال أبو السعادات : يقال تعس يتعس إذا عثر وانكب لوجهه, وهو دعاء عليه بالهلاك.
س290: ما معنى : "الخميصة" و "الخميلة"؟
ج:قال أبو السعادات : هي ثوب خز أو صوف معلم, وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة, وتُجمع على خمائص, والخميلة بفتح الخاء المعجمة, قال أبو السعادات : ذات الخمل؛ ثياب لها خمل من أي شيء كان..

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(132)
س291: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "تعس وانتكس"؟
ج: قال الحافظ : هو بالمهملة أي عاوده المرض, وقال أبو السعادات : أي انقلب على رأسه؛ وهو دعاء عليه بالخيبة, قال الطيبي: فيه الترقي بالدعاء عليه؛ لأنه إذا تعس انكب على وجهه وإذا انتكس انقلب على رأسه بعد أن سقط.
س292: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا شيك فلا انتقش"؟
ج/ أي أصابته شوكة فلا انتقش؛ أي: فلا يقدر على إخراجها بالمنقاش. قاله أبو السعادات. 
والمراد أن من كانت هذه حاله فإنه يستحق أن يدعى عليه بما يسوءه في العواقب, ومن كانت هذه حاله فلا بد أن يجد أثر هذه الدعوات في الوقوع فيما يضره في عاجل دنياه وآجل أخراه.
س293: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "طوبى لعبد..."؟
ج: قال أبو السعادات : طوبى اسم الجنة, وقيل : هي شجرة فيها؛ ويؤيد هذا ما روى ابن وهب بسنده عن أبي سعيد قال : قال رجل : يا رسول الله وما طوبى ؟ قال: "شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها", ورواه الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى سمعت عبد الله بن لهيعة حدثنا دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أن رجلا قال : يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك, قال:"طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني", قال له رجل:وما طوبى ؟ قال: شجرة في الجنة مسيرة مائة عام, ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها", وله شواهد في الصحيحين وغيرهما.
س294: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إن كان في الحراسة كان في الحراسة"؟
ج: أي غير مقصر فيها ولا غافل, وهذا اللفظ يستعمل في حق من قام بالأمر على وجه الكمال.
 
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(133)
فائدة:
قوله:"وإن كان في الساقة كان في الساقة"؛ أي: في مؤخرة الجيش, يقلب نفسه في مصالح الجهاد, فكل مقام يقوم فيه إن كان ليلاً أو نهاراً رغبةً في ثواب الله وطلباً لمرضاته ومحبةً لطاعته.
قال ابن الجوزي رحمه الله: "وهو خامل الذكر لا يقصد السمو", وقال الخلخالي: "المعنى ائتماره بما أمر وإقامته حيث أقيم لا يفقد من مقامه وإنما ذكر الحراسة والساقة لأنهما أشد مشقة" انتهى.
س295:ما المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: "إن استأذن لم يؤذن له"؟
ج: أي: إن استأذن على الأمراء ونحوهم لم يؤذن له لأنه لا جاه له عندهم ولا منزلة, لأنه ليس من طلابها وإنما يطلب ما عند الله لا يقصد بعمله سواه.
فائدة: 
روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن المبارك: قال عبد الله بن محمد قاضي نصيبين: حدثني محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة أنه أملى عليه عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس وواعده الخروج, وأنشدها معه إلى الفضيل بن عياض في سنة سبع وسبعين ومائة قال :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخصب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب
لا يستوي غبار خيل الله في أنف امرىء ودخان نار تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب
قال: فلقيت الفضيل بكتابه في المسجد الحرام؛ فلما قرأه ذرفت عيناه فقال: صدق أبو عبد الرحمن, ونصحني ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث ؟ قلت: نعم قال لي: اكتب هذا الحديث وأملى علي الفضيل بن عياض: حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله فقال: "هل تستطيع أن تصلي فلا تفتر وتصوم فلا تفطر ؟ فقال: يا رسول الله أنا أضعف من أن أستطيع ذلك ثم قال النبي صلى الله عليه و سلم : فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهدين في سبيل الله, أما علمت أن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له بذلك حسنات ؟".
يتبع بإذن الله

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(134)
باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله
س296: ما معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما:"يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر "؟
ج: يوشك: بضم أوله وكسر الشين المعجمة, أي: يقرب ويسرع, وهذا القول من ابن عباس رضي الله عنهما جواب لمن قال: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما لا يريان التمتع بالعمرة إلى الحج ويريان أن إفراد الحج أفضل أو ما هو معنى هذا, 
وكان ابن عباس يرى أن التمتع بالعمرة إلى الحج واجب, ويقول : إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط فقد حل من عمرته شاء أم أبى لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم النبي صلى الله عليه و سلم أن يجعلوها عمرة ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة فقال سراقة : يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال: "بل للأبد", والحديث في الصحيحين, وحينئذٍ فلا عذر لمن استوفى أن ينظر في مذاهب العلماء وما استدل به كل إمام ويأخذ من أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك 
كما قال تعالى : "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا"؛ وللبخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ولولا أن معي الهدي لأحللت"؛ هذا لفظ البخاري في حديث عائشة رضي الله عنها, ولفظه في حديث جابر:"افعلوا ما أمرتكم به فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم" في عدة أحاديث تؤيد قول ابن عباس.
وبالجملة: فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء..." الحديث 
وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى: "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه و سلم". وكلام الأئمة في هذا المعنى كثير.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(135)
فائدة من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقرأهذه الآية : "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم" الآية, فقلت : "إنا لسنا نعبدهم قال : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه ؟ فقلت : بلى قال : فتلك عبادتهم" رواه أحمد والترمذي وحسنه:
في الحديث دليل على أن طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادة لهم من دون الله, ومن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله لقوله تعالى في آخر الآية:"وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون" ونظير ذلك في قوله تعالى:"ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون",
 وهذا قد وقع فيه كثير من الناس مع من قلدوهم لعدم إعتبارهم الدليل إذا خالف المقلد؛ وهو من هذا الشرك, ومنهم من يغلو في ذلك ويعتقد أن الأخذ بالدليل والحالة هذه يكره أو يحرم؛ فعظمت الفتنة, ويقول : هم أعلم منا بالأدلة ولا يأخذ بالدليل إلا المجتهد!! وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل, ولا ريب أن هذا من غربة الإسلام كما قال شيخنا رحمه الله في المسائل : "فتغيرت الأحوال وآلت إلى هذه الغاية فصارت عند الأكثر عبادة الرهبان هي أفضل الأعمال ويسمونها ولاية وعبادة الأحبار هي العلم والفقه ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من ليس من الصالحين وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين".
وأما طاعة الأمراء ومتابعتهم فيما يخالف ما شرعه الله ورسوله فقد عمت بها البلوى قديماً وحديثاً في أكثر الولاة بعد الخلفاء الراشدين وهلم جرا, وقد قال تعالى : "فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين", وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمر رضي الله عنه : "هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا قال : يهدمه زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلين". رواه الدارمي.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(136)
باب قول الله تعالى: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك" الآيات
س297: ما معنى قوله تعالى: "وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون"؟
ج: قال أبو العالية في الآية: يعني لا تعصوه في الأرض, لأن من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصية الله فقد أفسد في الأرض, لأن صلاح الأرض والسماء إنما هو بطاعة الله ورسوله.
س298: ما مناسبة قوله تعالى:"وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون" للترجمة؟
ج: أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعمال المنافقين وهو الفساد في الأرض.
س299:ما مناسبة قوله تعالى:"ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" للترجمة؟
ج:أن التحاكم إلى غير الله ورسوله من أعظم ما يفسد الأرض من المعاصي, فلا صلاح لها إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم.
س300: ما صحة حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"؟
ج: رواه الشيخ أبو الفتح نضر بن إبراهيم المقدسي الشافعي في كتاب: الحجة على تارك الحجة بإسناد صحيح كما قاله المصنف رحمه الله عن النووي, ورواه الطبراني وأبو بكر بن عاصم والحافظ أبو نعيم في الأربعين التي شرط لها أن تكون في صحيح الأخبار.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(137)
س301: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم"؟ 
ج: أي لا يكون من أهل كمال الإيمان الواجب الذي وعد الله أهله عليه بدخول الجنة والنجاة من النار, وقد يكون في درجة أهل الإساءة والمعاصي من أهل الإسلام.
س302: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يكون هواه تبعا لما جئت به"؟
ج/ الهوى بالقصر؛ أي: ما يهواه وتحبه نفسه وتميل إليه, فإن كان الذي تحبه وتميل إليه نفسه ويعمل به تابعاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يخرج عنه إلى ما يخالفه فهذه صفة أهل الإيمان المطلق, وإن كان بخلاف ذلك أو في بعض أحواله أو أكثرها انتفى عنه من الإيمان كماله الواجب؛ كما في حديث أبي هريرة: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن", يعني أنه بالمعصية ينتفي عنه كمال الإيمان الواجب وينزل عنه في درجة الإسلام وينقص إيمانه, فلا يطلق عليه الإيمان إلا بقيد المعصية أو الفسوق فيقال : مؤمن عاص, أو يقال: مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته, فيكون معه مطلق الإيمان الذي لا يصح إسلامه إلا به كما قال تعالى: "فتحرير رقبة مؤمنة".
س303: اذكر بعض الأدلة الدالة على أن الإيمان قول وعمل ونية يزيد وينقص؟

ج/ من ذلك قوله تعالى:"وما كان الله ليضيع إيمانكم" أي: صلاتكم إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة, وقول النبي صلى الله عليه و سلم لوفد عبد القيس:"آمركم بالإيمان بالله وحده أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ شهادة أن لا إله إلا الله" الحديث, وهو في الصحيحين والسنن, والدليل على أن الإيمان يزيد قوله تعالى:"ويزداد الذين آمنوا إيماناً" الآية, وقوله:"فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا" الآية, خلافاً لمن قال: إن الإيمان هو القول وهم المرجئة, ومن قال:إن الإيمان هو التصديق كالأشاعرة, ومن المعلوم عقلاً وشرعاً أن نية الحق تصديق, والعمل به تصديق, وقول الحق تصديق, وليس مع أهل البدع ما ينافي قول أهل السنة والجماعة ولله الحمد والمنة, قال الله تعالى:"ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر" ـ إلى قوله ـ "أولئك الذين صدقوا" أي فيما عملوا به في هذه الآية من الأعمال الظاهرة والباطنة.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(138)
س304: من هو الشعبي؟
ج: هو عامر بن شراحيل الكوفي, عالم أهل زمانه, وكان حافظاً علامةً ذا فنون, كان يقول:"ما كتبت سوداء في بيضاء", وأدرك خلقاً كثيراً من الصحابة, وعاش بضعاً وثمانين سنة. قاله الذهبي.
باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات
س305: ما سبب نزول قوله تعالى:"وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب"؟
ج: هو أن مشركي قريش جحدوا اسم الرحمن عناداً.
س306:ما معنى: "الرحمن"؟
ج: الرحمن اسمه وصفته, دل هذا الإسم على أن الرحمة وصفه سبحانه, وهي من صفات الكمال, فإذا كان المشركون جحدوا إسما من أسمائه تعالى وهو من الأسماء التي دلت على كماله سبحانه وبحمده فجحود معنى هذا الإسم ونحوه من الأسماء يكون كذلك, فإن جهم بن صفوان ومن تبعه يزعمون أنها لا تدل على صفة قائمة بالله تعالى, وتبعهم على ذلك طوائف من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم, فلهذا كفرهم كثيرون من أهل السنة, 
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: 
ولقد تقلد كفرهم خمسون في ... عشر من العلماء في البلدان 
واللالكائي الإمام حكاه عنـ ... هم بل حكاه قبله الطبراني 
فإن هؤلاء الجهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله, وبنوا هذا التعطيل على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم؛ فقالوا: هذه الصفات هي صفات الأجسام, فيلزم من إثباتها أن يكون الله جسماً!! 
هذا منشأ ضلال عقولهم, لم يفهموا من صفات الله إلا ما فهموه من خصائص صفات المخلوقين, فشبهوا الله في إبتداء آرائهم الفاسدة بخلقه, ثم عطلوه من صفات كماله وشبهوه بالناقصات والجمادات والمعدومات, فشبهوا أولاً وعطلوا ثانياً وشبهوه ثالثاً بكل ناقص ومعدوم, فتركوا ما دل عليه الكتاب والسنة من إثبات ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله على ما يليق بجلاله وعظمته, وهذا هو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها, 
فإنهم أثبتوا لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه و سلم إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل, فإن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات, يحتذى حذوه, فكما أن هؤلاء المعطلة يثبتون لله ذاتاً لا تشبه الذوات, فأهل السنة يقولون ذلك, ويثبتون ما وصف الله به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت جلاله, لا تشبه صفاته صفات خلقه, فإنهم آمنوا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم ولم يتناقضوا, وأولئك المعطلة كفروا بما في الكتاب والسنة من ذلك وتناقضوا, فبطل قول المعطلين بالعقل والنقل ولله الحمد والمنة, وإجماع أهل السنن من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة المسلمين.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(139)
س307: ما سبب قول علي رضي الله عنه:"حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله"؟
ج: سبب هذا القول ـ والله أعلم ـ ما حدث في خلافته من كثرة إقبال الناس على الحديث وكثرة القصاص وأهل الوعظ, فيأتون في قصصهم بأحاديث لا تعرف من هذا القبيل, فربما استنكرها بعض الناس وردها, وقد يكون لبعضها أصل أو معنى صحيح, فيقع بعض المفاسد, لذلك أرشدهم أمير المؤمنين رضي الله عنه إلى أنهم لا يحدثون عامة الناس إلا بما هو معروف ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه, من بيان الحلال من الحرام الذي كلفوا به علماً وعملاً دون ما يشغل عن ذلك مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله, فيفضي بهم إلى التكذيب ولا سيما مع اختلاف الناس في وقته وكثرة خوضهم وجدلهم .
وقد كان شيخنا المصنف رحمه الله لا يحب أن يقرأ على الناس إلا ما ينفعهم في أصل دينهم وعباداتهم ومعاملاتهم الذي لا غنى لهم عن معرفته, وينهاهم عن القراءة في مثل كتب ابن الجوزي : كالمنعش والمرعش والتبصرة لما في ذلك من الإعراض عما هو أوجب وأنفع, وفيها ما الله به أعلم مما لا ينبغي اعتقاده والمعصوم من عصمه الله.
وقد كان أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان ينهى القصاص عن القصص لما في قصصهم من الغرائب والتساهل في النقل وغير ذلك, ويقول : لا يقص إلا أمير أو مأمور, وكل هذا محافظةً على لزوم الثبات على الصراط المستقيم علماً وعملاً ونيةً وقصداً, وترك كل ما كان وسيلة إلى الخروج عنه من البدع ووسائلها, والله الموفق للصواب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
س308: ما معنى قول ابن عباس:"ما فرق هؤلاء........."؟
ج: يستفهم من أصحابه, يشير إلى أناس ممن يحضر مجلسه من عامة الناس, فإذا سمعوا شيئاً من محكم القرآن ومعناه حصل معهم فرق أي: خوف, فإذا سمعوا شيئاً من أحاديث الصفات انتفضوا كالمنكرين له, فلم يحصل منهم الإيمان الواجب الذي أوجبه الله تعالى على عباده المؤمنين, قال الذهبي : حدّث وكيع عن إسرائيل بحديث:"إذا جلس الرب على الكرسي....." فاقشعر رجل عند وكيع فغضب وكيع وقال:"أدركنا الأعمش وسفيان يحدثون بهذه الأحاديث ولا ينكرونها" أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب الرد على الجهمية, وربما حصل معهم من عدم تلقيه بالقبول ترك ما وجب من الإيمان به, فأشبه حالهم حال من قال الله فيهم:"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" فلا يسلم من الكفر إلا من عمل بما وجب عليه في ذلك؛ من الإيمان بكتاب الله كله واليقين, كما قال تعالى:"هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب", فهؤلاء الذين ذكرهم ابن عباس رضي الله عنهما تركوا ما وجب عليهم من الإيمان بما لم يعرفوا معناه من القرآن وهو حق لا يرتاب فيه مؤمن, وبعضهم يفهم منه غير المراد من المعنى الذي أراد الله فيحمله على غير معناه؛ كما جرى لأهل البدع كالخوارج والرافضة والقدرية ونحوهم ممن يتأول بعض آيات القرآن على بدعته, وقد وقع منهم الابتداع والخروج عن الصراط المستقيم, فإن الواقع من أهل البدع وتحريفهم لمعنى الآيات يبين معنى قول ابن عباس.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(140)
باب قول الله تعالى:"يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون"
س309: ما معنى النعمة في قوله تعالى: "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها"؟
ج:قال ابن جرير: فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنى بالنعمة, فذكر عن سفيان عن السدى : "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" قال : محمد صلى الله عليه و سلم, وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما عدد الله تعالى ذكره في هذه السورة من النعم من عند الله, وأن الله هو المنعم عليهم بذلك, ولكنهم ينكرون ذلك فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم. 
وأخرج عن مجاهد : "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" قال : هي المساكن والأنعام وما يرزقون منها والسرابيل من الحديد والثياب, تعرف هذا كفار قريش ثم تنكره بأن تقول: هذا كان لآبائنا فورثونا إياه, وقال آخرون: معنى ذلك أن الكفار إذا قيل لهم: من رزقكم ؟ أقروا بأن الله هو الذي يرزقهم, ثم ينكرونه بقولهم: رزقنا ذلك شفاعة آلهتنا..! 
وذكر المصنف مثل هذا عن ابن قتيبة؛ وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري, قاضي مصر النحوي اللغوي صاحب المصنفات البديعة المفيدة المحتوية على علوم جمة, اشتغل ببغداد وسمع الحديث على إسحاق بن راهوية وطبقته, توفي سنة ست وسبعين ومائتين, وقال آخرون: ما ذكره المصنف عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي أبو عبد الله الكوفي الزاهد عن أبيه وعائشة وابن عباس, وعنه قتادة وأبو الزبير والزهري, وثقة أحمد وابن معين, قال البخاري: مات بعد العشرين ومائة "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" قال: إنكارهم إياها أن يقول الرجل : "لولا فلان ما كان كذا وكذا ولولا فلان ما أصبت كذا وكذا", وإختار ابن جرير القول الأول, واختار غيره أن الآية تعم ما ذكره العلماء في معناها, وهو الصواب والله أعلم.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(141)
باب قول الله تعالى : "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون"
س310:ما معنى جعل الند لله؟
ج: هو صرف أنواع العبادة أو شيء منها لغير الله, كحال عبدة الأوثان الذين يعتقدون فيمن دعوه ورجوه أنه ينفعهم ويدفع عنهم ويشفع لهم.
س311: لِمَ قال صلى الله عليه وسلم في حديث عمر: "فقد كفر أو أشرك"؟
ج: يحتمل لي أن يكون شكاً من الراوي ويحتمل أن تكون (أو) بمعنى الواو؛ فيكون: (قد كفر وأشرك), ويكون الكفر الذي هو دون الكفر الأكبر, كما هو من الشرك الأصغر, وورد مثل هذا عن ابن مسعود بهذا اللفظ.
س312: ما معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا"؟
ج: من المعلوم أن الحلف بالله كاذباً كبيرةٌ من الكبائر, لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر, كما تقدم بيان ذلك, فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود في النار ؟ كدعوة غير الله والاستغاثة به والرغبة إليه وإنزال حوائجه به.
س313: ما معنى حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان"؟
ج: لأن المعطوف بالواو يكون مساوياً للمعطوف عليه, لكونها إنما وضعت لمطلق الجمع, فلا تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(142)
فائدة:
والعلم لا يؤخذ قسرا وإنما يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم في قوله : 
( أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأنبيك عن تفصيلها ببيان ) 
( ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة ... وإرشاد أستاذ وطول زمان ) 
وأعظم من هذه الستة من رزقه الله تعالى الفهم والحفظ وأتعب نفسه في تحصيله فهو الموفق لمن شاء من عباده كما قال تعالى : "وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما". 
ولقد أحسن العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى من حيث قال : 
والجهل داء قاتل وشفاؤه ... أمران في التركيب متفقان 
نص من القرآن أو من سنة ... وطبيب ذاك العالم الرباني 
والعلم أقسام ثلاث ما لها ... من رابع والحق ذو تبيان 
علم بأوصاف الإله وفعله ... وكذلك الأسماء للرحمن 
والأمر والنهي الذي هو دينه ... وجزاؤه يوم المعاد الثاني 
والكل في القرآن والسنن التي ... جاءت عن المبعوث بالقرآن 
والله ما قال امرؤ متحذلق ... بسواهما إلا من الهذيان
باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله
س314:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف له بالله فليرض ومن لم يرض فليس من الله"؟
ج: إذا لم يكن له بحكم الشريعة على خصمه إلا اليمين فأحلفه فلا ريب أنه يجب عليه الرضا, وأما إذا كان فيما يجري بين الناس مما قد يقع في الاعتذارات من بعضهم لبعض ونحو ذلك فهذا من حق المسلم على المسلم أن يقبل منه إذا حلف له معتذراً أو متبرئاً من تهمة, ومن حقه عليه : أن يحسن به الظن إذا لم يتبين خلافه؛ كما في الأثر عن عمر رضي الله عنه: "ولا تظنن بكلمةٍ خرجت من مسلمٍ شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً"
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(143)
فائدة:
فتأمل أيها الناصح لنفسه ما يصلحك مع الله تعالى من القيام بحقوقه وحقوق عباده وإدخال السرور على المسلمين وترك الإنقباض عنهم والترفع عليهم؛ فإن فيه من الضرر ما لا يخطر بالبال ولا يدور بالخيال, وبسط هذه الأمور وذكر ما ورد فيها مذكور في كتب الأدب وغيرها, فمن رُزق ذلك والعمل بما ينبغي العمل به من وترك ما يجب تركه من ذلك دل على وفور دينه وكمال عقله, والله الموفق لعبده الضعيف المسكين, والله أعلم.
باب قول ما شاء الله وشئت 
س315: من هي قتيلة؟ 
ج: قتيلة بمثناة مصغرة: بنت صيفي الأنصارية, صحابيةٌ مهاجرة, لها حديث في سنن النسائي؛ وهو المذكور في الباب, ورواه عنها عبد الله بن يسار الجعفي.
س316: هات فوائد من حديث قتيلة؟
ج: فيه : قبول الحق مما جاء به كائناً من كان, وفيه: بيان النهي عن الحلف بالكعبة؛ مع أنها بيت الله التي حجها وقصدها بالحج والعمرة فريضة, وهذا يبين أن النهي عن الشرك بالله عام, لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب ولا نبي مرسل ولا للكعبة التي هي بيت الله في أرضه, وأنت ترى ما وقع من الناس اليوم من الحلف بالكعبة وسؤالها ما لا يقدر عليه إلا الله, ومن المعلوم أن الكعبة لا تضر ولا تنفع, وإنما شرع الله لعباده الطواف بها والعبادة عندها وجعلها للأمة قبلة, فالطواف بها مشروع والحلف بها ودعاؤها ممنوع, فميز أيها المكلف بين ما يشرع وما يمنع, وإن خالفك من خالفك من جهة الناس الذين هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(144)
فائدة: 
قوله: "إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت": والعبد وإن كانت له مشيئة فمشيئته تابعة لمشيئة الله, ولا قدرة له على أن يشاء شيئاً إلا إذا كان الله قد شاءه كما قال تعالى : "من شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين", وقوله:"إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا * وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما"
وفي هذه الآيات والأحاديث : الرد على القدرية والمعتزلة نفاة القدر؛ الذين يثبتون للعبد مشيئة تخالف ما أراده الله تعالى من العبد وشاءه, وسيأتي ما يبطل قولهم في : باب ما جاء في منكري القدر إن شاء الله تعالى؛ وأنهم مجوس هذه الأمة. 
وأما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتاب والسنة في هذا الباب وغيره, واعتقدوا أن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله تعالى في كل شيء مما يوافق ما شرعه الله وما يخالفه من أفعال العباد وأقوالهم, فالكل بمشيئة الله وإرادته, فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه, وما خالفه كرهه من العبد؛ كما قال تعالى:"إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر" الآية.
وفيه: بيان أن الحلف بالكعبة شرك فإن النبي صلى الله عليه و سلم أقر اليهودي على قوله : إنكم تشركون.
س317: ما الذي كان يمنع النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها"؟
ج: ورد في بعض الطرق : أنه كان يمنعه الحياء منهم, وبعد هذا الحديث الذي حدث به الطفيل عن رؤياه خطبهم صلى الله عليه و سلم فنهى عن ذلك نهياً بليغاً, فما زال صلى الله عليه و سلم يبلغهم حتى أكمل الله له الدين, وأتم له به النعمة, وبلغ البلاغ المبين صلوات الله وسلامهم عليه وعلى آله وصبحه أجمعين.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(145)
باب من سب الدهر فقد آذى الله 
س318: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى : يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار"؟
ج: قال -أي: في شرح السنة- : ومعناه أن العرب كان من شأنها ذم الدهر؛ أي: سبه عند النوازل, لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره, فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر, وأبادهم الدهر, فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها فكان مرجع سبها إلى الله عز وجل, إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصنعونها, فنهوا عن سب الدهر ا هـ باختصار.
س319: هل الدهر من أسماء الله تعالى؟
ج:قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله:"ألا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر": كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة قالوا: يا خيبة الدهر, فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر, ويسبونه, وإنما فاعلها هو الله تعالى؛ فكأنما إنما سبوا الله سبحانه لأنه فاعل ذلك في الحقيقة, فلهذا نهي عن سب الدهر بهذا الإعتبار, لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال, هذا أحسن ما قيل في تفسيره ـ وهو المراد ـ والله أعلم. 
وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرية في عدهم الدهر من الأسماء الحسنى أخذاً من هذا الحديث ا هـ.
باب التسمى بقاضي القضاة ونحوه
س320: لماذا ذكر المصنف رحمه الله هذه الترجمة؟
ج: إشارة إلى النهي عن التسمي بقاضي القضاة, قياساً على ما في حديث الباب, لكونه شبهة في المعنى فينهى عنه.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(146)
س321: ما معنى قول سفيان بن عيينة: "مثل شاهان شاه"؟
ج: عند العجم عبارة عن ملك الأملاك, ولهذا مثل به سفيان؛ لأنه عبارة عنه بلغة العجم.
س322: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "أغيظ رجل على الله"؟
ج: أغيظ: من الغيظ؛ وهو مثل الغضب والبغض, فيكون بغيضاً إلى الله مغضوباً عليه, والله أعلم.
س323: ما معنى قوله : "وأخبثه"؟
ج: يدل أيضاً على أن هذا خبيث عند الله, فاجتمعت في حقه هذه الأمور, لتعاظمه في نفسه وتعظيم الناس له بهذه الكلمة التي هي من أعظم التعظيم, فتعظمه في نفسه وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل وضعه عند الله يوم القيامة, فصار أخبث الخلق وأبغضهم إلى الله وأحقرهم, لأن الخبيث البغيض عند الله يكون يوم القيامة أحقر الخلق وأخبثهم, لتعاظمه في نفسه على خلق الله بنعم الله.
فائدة من أحاديث الباب:
فيه التحذير من كل ما فيه تعاظم, كما أخرج أبو داود عن أبي مجلز قال : خرج معاوية رضي الله عنه على ابن الزبير وابن عامر, فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير, فقال معاوية لابن عامر : اجلس فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار"؛ وأخرجه الترمذي أيضاً وقال: حسن, وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم متكئاً على عصا فقمنا إليه فقال : لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضا" رواه أبو داود .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(147)
باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك
س324: من هو أبو شريح؟
ج: قال في خلاصة التهذيب: هو أبو شريح الخزاعي؛ اسمه خويلد بن عمرو, أسلم يوم الفتح, له عشرون حديثاً, اتفقا على حديثين وانفرد البخاري بحديث, وروى عنه أبو سعيد المقبري ونافع بن جيير وطائفة, قال ابن سعد: مات بالمدينة سنة ثمان وستين, وقال الشارح: اسمه هانيء بن يزيد الكندي, قاله الحافظ, وقيل: الحارث الضبابي, قاله المزي.
س325: ما معنى قوله: "يكنى"؟
ج: الكنية: ما صدر بأب أو أم ونحو ذلك, واللقب: ما ليس كذلك كزين العابدين ونحوه.
س326: ما معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم : "إن الله هو الحكم وإليه الحكم"؟
ج:هو سبحانه الحكم في الدنيا والآخرة, يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزل على أنبيائه ورسله, وما من قضية إلا ولله فيها حكم بما أنزل على نبيه من الكتاب والحكمة, وقد يسر الله معرفة ذلك لأكثر العلماء من هذه الأمة, فإنها لا تجتمع على ضلالة, فإن العلماء وإن اختلفوا في بعض الأحكام فلا بد أن يكون المصيب فيهم واحداً, فمن رزقه الله تعالى قوة الفهم وأعطاه ملكة يقتدر بها على فهم الصواب من أقوال العلماء يسر له ذلك بفضله ومنه عليه وإحسانه إليه, فما أجلها من عطية فنسأل الله من فضله.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(148)
فائدة:
قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : "فما لك من الولد ؟ قال شريح ومسلم وعبد الله قال : فمن أكبرهم ؟ قلت : شريح قال : فأنت أبو شريح" فيه: تقديم الأكبر في الكنية وغيرها غالباً, وجاء هذا المعنى في غير ما حديث, والله أعلم.
باب من هزل بشئ فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول
س327: ما سبب نزول قوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون"؟
ج:قال العماد ابن كثير رحمه الله في تفسيره: قال أبو معشر المدني عن محمد بن كعب القرظي وغيره: قالوا: قال رجل من المنافقين: ما أرى مثل قرائنا هؤلاء ؟ أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنا وأجبننا عند اللقاء, فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ارتحل وركب ناقته فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق فقال:"أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين" وإن رجليه ليسفعان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو متعلق بنسعة ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(149)
فائدة:
قال شيخ الإسلام: وقد أمره الله تعالى أن يقول لهم: "قد كفرتم بعد إيمانكم" وقول من يقول: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم لا يصح؛ لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر, فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم, فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر, وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم, وهم مع خواصهم ما زالوا كذلك, ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين. 
وقال رحمه الله في موضع آخر: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم : إنما تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له, بل إنما كنا نخوض ونلعب, وبين أن الاستهزاء بآيات الله كفر ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدراً بهذا الكلام, ولو كان الإيمان في قلبه لمنعه أن يتكلم بهذا الكلام, والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه كقوله تعالى: "ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك" ـ إلى قوله ـ "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون" فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الرسول, وأخبر أن المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا, فبين أن هذا من لوازم الإيمان. انتهى
فائدة:
وفيه: بيان أن الإنسان قد يكفر بكلمة يتكلم بها أو عمل يعمل به, وأشدها خطراً إرادات القلوب, فهي كالبحر الذي لا ساحل له, ويفيد الخوف من النفاق الأكبر, فإن الله تعالى أثبت لهؤلاء إيماناً قبل أن يقولوا ما قالوه, كما قال ابن أبي مليكة: "أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم كلهم يخاف النفاق على نفسه", نسأل الله السلامة والعفو والعافية في الدنيا والآخرة.
باب قول الله "ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته" الآية
328: ما هي الناقة العشراء؟
ج: هي الحامل.
س329:ما معنى قوله:"لا أجهدك"؟
ج: معناه: لا أشق عليك في رد شيء تأخذ, أو تطلب من مالي, ذكره النووي.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(150)
س330: ما أصل الشكر؟
ج: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: أصل الشكر هو الاعتراف بإنعام المنعم على وجه الخضوع له والذل والمحبة, فمن لم يعرف النعمة بل كان جاهلاً بها لم يشكرها, ومن عرفها ولم يعرف المنعم بها لم يشكرها أيضاً ومن عرف النعمة والمنعم لكن جحدها كما يجحد المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها, ومن عرف النعمة والمنعم بها وأقر بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ولم يحبه ويرض به وعنه لم يشكره أيضاً, ومن عرفها وعرف المنعم بها وأقر بها وخضع للمنعم بها وأحبه ورضي به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها, فلا بد في الشكر من علم القلب, وعمل يتبع العلم, وهو الميل إلى المنعم ومحبته والخضوع له .
باب قول الله "فلما آتاهما صالحا" الآية
س331: ما معنى قوله تعالى:"فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون"؟
ج: قال الإمام أحمد رحمه الله في معنى هذه الآية : حدثنا عبد الصمد حدثنا عمر بن إبراهيم حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "لما ولدت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال: سميه عبد الحارث فإنه يعيش فسمته عبد الحارث فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره", وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار بندار عن عبد الصمد بن عبد الوارث به, ورواه الترمذي في تفسير هذه الآية عن محمد بن المثنى عن عبد الصمد به وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم, ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه, ورواه الحاكم في مستدركه من حديث عبد الصمد مرفوعاً وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, ورواه الإمام أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلال بن فياض عن عمر بن إبراهيم به مرفوعاً.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن وكيع حدثنا سهيل بن يوسف عن عمرو عن الحسن: "جعلا له شركاء فيما آتاهما" قال: كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن آدم, وحدثنا بشر بن معاذ قال: حدثني يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهودوا ونصروا, وهذا إسناد صحيح عن الحسن رحمه الله
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(152)
س332: ما سبب استثناء ابن حزم لحكم التسمي بعبد المطلب من الإجماع؟
ج: ذلك أن تسميته بهذا الإسم لا محذور فيها؛ لأن أصله من عبودية الرق, وذلك أن المطلب أخو هاشم قدم المدينة وكان ابن أخيه (شيبة) هذا قد نشأ في أخواله بني النجار من الخزرج؛ لأن هاشماً تزوج فيهم امرأة فجاءت منه بهذا الابن, فلما شب في أخواله وبلغ سن التمييز سافر به عمه المطلب إلى مكة بلد أبيه وعشيرته, فقدم به مكة وهو رديفه فرآه أهل مكة وقد تغير لونه بالسفر, فحسبوه عبداً للمطلب فقالوا : هذا عبد المطلب, فعلق به هذا الإسم وركبه فصار لا يذكر ولا يدعى إلا به؛ فلم يبق للأصل معنى مقصود, وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم: "أنا ابن عبد المطلب"

وقد صار معظماً في قريش والعرب, فهو سيد قريش وأشرفهم في جاهليته, وهو الذي حفر زمزم وصارت له السقاية وفي ذريته من بعده, وعبد الله والد رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد بني عبد المطلب, وتوفي في حياة أبيه, قال الحافظ صلاح الدين العلائي في كتاب الدرة السنية في مولد خير البرية: "كان سن أبيه عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه و سلم نحو ثمانية عشر عاماً ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمراً لأهله, فمات بها عند أخواله بني عدي بن النجار, والنبي صلى الله عليه وسلم حمل على الصحيح. انتهى 
قلت : وصار النبي صلى الله عليه و سلم لما وضعته أمه في كفالة جده عبد المطلب, قال الحافظ الذهبي : وتوفي أبوه عبد الله وللنبي ثمانية وعشرون شهراً, وقيل أقل من ذلك وقيل : وهو حمل توفي بالمدينة وكان قد قدمها ليمتار تمراً وقيل : بل مر بها راجعاً من الشام, وعاش خمسة وعشرين سنة, قال الواقدي : وذلك أثبت الأقاويل في سنة وفاته, وتوفيت أمه آمنة بالأبواء وهي راجعة به صلى الله عليه و سلم إلى مكة من زيارة أخوال أبيه بني عدي بن النجار, وهو يومئذٍ ابن ست سنين ومائة يوم, وقيل : ابن أربع سنين, فلما ماتت أمه حملته أم أيمن مولاته إلى جده فكان في كفالته إلى أن توفي جده وللنبي صلى الله عليه و سلم ثمان سنين, فأوصى به إلى عمه أبي طالب ا هـ
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(153)
س333: ما معنى قول قتادة: "شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته"؟
ج: قال شيخنا رحمه الله: إن هذا الشرك في مجرد تسمية, لم يقصدا حقيقته التي يريدها إبليس, وهو محمل حسن يبين أن ما وقع من الأبوين من تسميتهما ابنهما عبد الحارث إنما هو مجرد تسمية لم يقصدا تعبيده لغير الله, وهذا معنى قول قتادة : شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته.
باب قول الله تعالى : "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه" الآية 
س334: ما صحة الحديث الذي فيه تعداد الأسماء التسعة والتسعين لله تعالى؟
ج:قال الترمذي: هذا حديث غريب, وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ولا نعلم في كثير من الروايات ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث.
والذي عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه, وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك؛ أي: أنهم جمعوها من القرآن, كما روي عن جعفر بن محمد وسفيان وأبي زيد اللغوي والله أعلم.
س335: هل أسماء الله تعالى منحصرة في تسعة وتسعين اسماً؟
ج: قال -أي ابن كثير-: ليعلم أن الأسماء الحسنى ليست منحصرة في تسعة وتسعين؛ بدليل ما رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيت بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً فقيل : يا رسول الله : ألا نتعلهما ؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها" وقد أخرجه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(154)
س336: ما معنى قوله تعالى: " يلحدون في أسمائه"؟
ج: قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: "وذروا الذين يلحدون في أسمائه" قال:(إلحاد الملحدين: أن دعوا اللات في أسماء الله), وقال ابن جريج عن مجاهد: "وذروا الذين يلحدون في أسمائه" قال: (اشتقوا اللات من الله واشتقوا العزى من العزيز). 
وقال قتادة:(يلحدون : يشركون), وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس:(الإلحاد التكذيب), وأصل الإلحاد في كلام العرب: العدول عن القصد والميل والجور والإنحراف, ومنه اللحد في القبر؛ لانحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر, قال ابن القيم رحمه الله تعالى: 
وحقيقة الإلحاد فيها الميل بالإشـ ... راك والتعطيل والنكران .
س337: ما أقسام ما يجري صفة أو خبراً على الرب تبارك وتعالى؟
ج: قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
ما يجري صفة أو خبرا على الرب تبارك وتعالى أقسام: 
أحدها: ما يرجع إلى نفس الذات كقولك : ذات وموجود. 
الثاني: ما يرجع صفاته ونعوته كالعليم والقدير والسميع والبصير. 
الثالث: ما يرجع إلى أفعاله كالخالق والرازق. 
الرابع: التنزيه المحض؛ ولا بد من تضمنه ثبوتا إذ لا كمال في العدم المحض كالقدوس والسلام. 
الخامس: -ولم يذكره أكثر الناس ـ وهو الاسم الدال على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة بل دال على معان؛ نحو: المجيد العظيم الصمد, فإن المجيد من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال؛ ولفظه يدل على هذا فإنه موضوع للسعة والزيادة والكثرة فمنه: (استمجد المرخ والعفار) وأمجد الناقة علفها, ومنه رب العرش المجيد؛ صفة العرش لسعته وعظمته وشرفه, وتأمل كيف جاء هذا الاسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه و سلم, لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه, فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم فهو راجع إلى التوسل إليه بأسمائه وصفاته وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه, ومنه الحديث الذي في الترمذي:"ألظوا بياذا الجلال والإكرام", ومنه: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام", فهذا سؤال له وتوسل إليه بحمده وأنه لا إله إلا هو المنان, فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته, وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعا عند المسؤول, وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد. 
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الإسمين والوصفين بالآخر, وذلك قدر زائد على مفرديهما, نح: الغني الحميد الغفور القدير الحميد المجيد, وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن, فإن الغني صفة كمال, و الحمد كذلك, واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر, فله ثناء من غناه, وثناء من حمده, وثناء من اجتماعهما, وكذلك الغفور القدير, والحميد المجيد, والعزيز الحكيم, فتأمله فإنه أشرف المعارف.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(155)
باب لا يقال: السلام على الله
س338: ما معنى:"إن الله هو السلام"؟
ج:معنى قوله: "إن الله هو السلام": إن الله سالم من كل نقص ومن كل تمثيل, فهو الموصوف بكل كمال, المنزه عن كل عيب ونقص. 
قال العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد: السلام اسم مصدر وهو من ألفاظ الدعاء, يتضمن الإنشاء والإخبار, فجهة الخبر فيه لا تناقض الجهة الإنشائية, وهو معنى السلام المطلوب عند التحية, 
وفيه قولان مشهوران: 
الأول: أن السلام هنا هو الله عز و جل, ومعنى الكلام: نزلت بركته عليكم ونحو ذلك, فاختير في هذا المعنى من أسمائه عز و جل اسم السلام دون غيره من الأسماء. 
الثاني: أن السلام مصدر بمعنى السلامة, وهو المطلوب المدعو به عند التحية, ومن حجة أصحاب القول: أنه يأتي منكراً فيقول المسلم: سلام عليكم, ولو كان اسماً من أسماء الله لم يستعمل كذلك, ومن حجتهم: أنه ليس المقصود من السلام هذا المعنى؛ وإنما المقصود منه الإيذان بالسلامة خبراً ودعاءً. 
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وفصل الخطاب أن يقال : الحق في مجموع القولين, فكل منهما بعض الحق, والصواب في مجموعهما.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(156)
فائدة:
قوله: في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"لا يقل أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم المسألة فإن الله لا مكره له"؛ بخلاف العبد فإنه قد يعطي السائل مسألته لحاجته إليه أو لخوفه أو رجائه, فيعطيه مسألته وهو كاره, فاللائق بالسائل للمخلوق أن يعلق حصول حاجته على مشيئة المسؤول مخافة أن يعطيه وهو كاره, بخلاف رب العالمين؛ فإنه تعالى لا يليق به ذلك لكمال غناه عن جميع خلقه, وكمال جوده وكرمه, وكلهم فقير إليه محتاج, لا يستغني عن ربه طرفة عين, وعطاؤه كلام,
 وفي الحديث: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سخاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض ؟ فإنه لم يغض ما في يمينه وفي يده الأخرى القسط يخفضه ويرفعه", يعطي تعالى لحكمة, ويمنع لحكمة, وهو الحكيم الخبير, فاللائق بمن سأل الله أن يعزم المسألة, فإنه لا يعطي عبده شيئاً عن كراهة ولا عن عظم مسألة,
 وقد قال بعض الشعراء فيمن يمدحه : 
ويعظم في عين الصغير صغارها ... ويصغر في عين العظيم العظائم
باب لا يقول : عبدي وأمتي
س339: لماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قول: "عبدي وأمتي"؟
ج: نهى عنها تحقيقاً للتوحيد وسداً لذرائع الشرك؛ لما فيها من التشريك في اللفظ, لأن الله تعالى هو رب العباد جميعهم, فإذا أطلق على غيره شاركه في الإسم فينهى عنه لذلك؛ وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى,
 وإنما المعنى أن هذا مالك له, فيطلق عليه هذا اللفظ بهذا الإعتبار؛ فالنهي عنه حسماً لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق وتحقيقاً للتوحيد وبعداً عن الشرك حتى في اللفظ, وهذا أحسن من مقاصد الشريعة لما فيه من تعظيم الرب تعالى وبعده عن مشابهة المخلوقين.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(157)
س340: ما حكم رد من سأل بالله؟
ج: ظاهر الحديث النهي عن رد السائل إذا سأل بالله؛ لكن هذا العموم يحتاج إلى تفصيل بحسب ما ورد في الكتاب والسنة, فيجب إذا سأل السائل ما له فيه حق كبيت المال أن يجاب؛ فيعطى منه على قدر حاجته وما يستحقه وجوباً, وكذلك إذا سأل المحتاج من في ماله فضل فيجب أن يعطيه على حسب حاله ومسألته, خصوصاً إذا سأل من لا فضل عنده, فيستحب أن يعطيه على قدر حال المسؤول ما لا يضر به ولا يضر عائلته, وإن كان مضطراً وجب أن يعطيه ما يدفع ضرورته.
فائدة:
وعند أبي داود في رواية أبي نهيك عن ابن عباس: "من سألكم بوجه الله فأعطوه", وفي رواية عبيد الله القواريري لهذا الحديث:"ومن سألكم بالله...." كما في حديث ابن عمر.
باب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة
س341: جاء في حديث جابر في هذا الباب مرفوعاً: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة". فكيف نجيب عن السؤال بوجه الله في هذه الأحاديث: "أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحل على غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبي حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بالله", والحديث المروي في الأذكار: "اللهم أنت أحق من ذكر وأحق من عبد ـ وفي آخره ـ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له السموات والأرض" وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة بالأسانيد الصحيحة أو الحسان؟
ج: ما ورد من ذلك فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة أو ما يمنعه من الأعمال التي تمنعه من الجنة, فيكون قد سأل بوجه الله وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة؛ كما في الحديث الصحيح : "اللهم إن أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل"؛ بخلاف ما يختص بالدنيا كسؤال المال والرزق والسعة في المعيشة رغبةً في الدنيا؛ مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة, فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه الله, وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث كما لا يخفى, والله أعلم.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(158)
باب ما جاء في اللو
س342: ما معنى الترجمة؟
ج: أي من الوعيد والنهي عنه عند الأمور المكروهة؛ كالمصائب إذا جرى بها القدر, لما فيه من الإشعار بعدم الصبر والأسى على ما فات مما لا يمكن استدراكه, فالواجب التسليم للقدر والقيام بالعبودية الواجبة, وهو الصبر على ما أصاب العبد مما يكره.
فائدة:
قال شيخ الإسلام رحمه الله لما ذكر ما وقع من عبد الله بن أبي في غزوة أحد قال : فلما انخذل يوم أحد وقال : يدع رأيي ورأيه ويأخذ برأي الصبيان ؟ أو كما قال, انخذل معه خلق كثير كان كثير منهم لم ينافق قبل ذلك, فأولئك كانوا مسلمين, وكان معهم إيمان هو الضوء الذي ضرب الله به المثل, فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على الإسلام, ولم يكونوا من المؤمنين حقاً الذين امتحنوا فثبتوا على المحنة, ولا من المنافقين حقاً الذين ارتدوا عن الإيمان بالمحنة, وهذا حال كثير من المسلمين في زماننا أو أكثرهم؛ إذا ابتلوا بالمحنة التي يتضعضع فيها أهل الإيمان ينقص إيمانهم كثيراً وينافق كثير منهم, ومنهم من يظهر الردة إذا كان العدو غالباً,
 وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة, وإذا كانت العافية أو كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين, وهم مؤمنون بالرسل باطناً وظاهراً لكنه إيمان لا يثبت على المحنة, ولهذا يكثر في هؤلاء ترك الفرائض وانتهاك المحارم, وهؤلاء من الذين قالوا : "آمنا" فقيل لهم : "لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم"؛ أي الإيمان المطلق الذي أهله هم المؤمنون حقاً, فإن هذا هو الإيمان إذا أطلق في كتاب الله تعالى كما دل عليه الكتاب والسنة, فلم يحصل لهم ريب عند المحن التي تقلقل الإيمان في القلوب. 
انتهى 
قوله: وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا ما فيه عبرة .
قلت: ونحن كذلك رأينا من ذلك ما فيه عبرة عند غلبة العدو من إعانتهم العدو على المسلمين والطعن في الدين وإظهار العداوة والشماتة وبذل الجهد في إطفاء نور الإسلام وذهاب أهله وغير ذلك مما يطول ذكره, والله المستعان.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(159)
باب النهي عن سب الريح
س343: لماذا نهي عن سب الريح؟
ج: لأنها ـ أي الريح ـ إنما تهب عن إيجاد الله تعالى وخلقه لها وأمره, لأنه هو الذي أوجدها وأمرها, فمسبتها مسبة للفاعل وهو الله سبحانه كما تقدم في النهي عن سب الدهر وهذا يشبهه.
فائدة:
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى في الكلام على ما تضمنته وقعة أحد : وقد فسر هذا الظن الذي لا يليق بالله سبحانه بأنه لا ينصر رسوله وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه للقتل, وفسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضاء الله وقدره ولا حكمة له فيه, ففسر بإنكار الحكمة وإنكار القدر وإنكار أن يتم أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأن يظهره على الدين كله, وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح.
باب ما جاء في منكري القدر
فائدة:
قوله: "وفي المسند وسنن أبي داود عن ابن الديلمي وهو أبو بسر...." ـ بالسين المهملة وبالباء المضمومة, ويقال أبو بشر بالشين المعجمة وكسر الباء ـ, وبعضهم صحح الأول, وإسمه عبد الله بن فيروز.
باب ما جاء في المصورين
س344: ما علة تحريم التصوير؟
ج: هي المضاهاة بخلق الله, لأن الله تعالى له الخلق والأمر, فهو رب كل شيء ومليكه, وهو خالق كل شيء, وهو الذي صور جميع الخلوقات, وجعل فيها الأرواح التي تحصل بها الحياة, كما قال تعالى: "الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين * ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين * ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون", فالمصور لما صور الصورة على شكل ما خلقه الله تعالى من إنسان وبهيمة صار مضاهئاً لخلق الله؛ فصار ما صوره عذاباً له يوم القيامة, وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ, فكان أشد الناس عذاباً لأن ذنبه من أكبر الذنوب .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(160)
س345: ما علاقة تحريم التصوير بالتوحيد؟
ج: إن كان هذا فيمن صور صورة على مثال ما خلقه الله تعالى من الحيوان؛ فكيف بحال من سوى المخلوق برب العالمين وشبهه بخلقه وصرف له شيئاً من العبادة التي ما خلق الله الخلق إلا ليعبدوه وحده بما لا يستحقه غيره من كل عمل يحبه الله من العبد ويرضاه!!.
س346:ما سبب النهي في هذا الحديث: "ولا قبرا مشرفا إلا سويته"؟
ج: لما في تعليتها من الفتنة بأربابها وتعظيمها وهو من ذرائع الشرك ووسائله.
س347: لماذا نهي عن اتخاذ السرج على القبور؟
ج: قال أبو محمد المقدسي: لأن فيه تضييعاً للمال في غير فائدة؛ وإفراطاً في تعظيم القبور, أشبه تعظيم الأصنام.
باب ما جاء في كثرة الحلف
س348: ما معنى قوله تعالى: "واحفظوا أيمانكم"؟
ج:قال ابن جرير:(لا تتركوها بغير تكفير), وذكر غيره من المفسرين عن ابن عباس:(يريد لا تحلفوا), وقال آخرون:(احفظوا أيمانكم عن الحنث فلا تحنثوا), والمصنف أراد من الآية المعنى الذي ذكره ابن عباس؛ فإن القولين متلازمان, فيلزم من كثرة الحلف كثرة الحنث, مع ما يدل عليه من الإستخفاف وعدم التعظيم لله وغير ذلك مما ينافى كمال التوحيد الواجب أو عدمه.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(161)
س349: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب"؟
ج: المعنى: أنه إذا حلف على سلعته أنه أعطى فيها كذا وكذا أو أنه اشتراها بكذا وكذا قد يظنه المشتري صادقاً فيما حلف عليه فيأخذها بزيادة على قيمتها والبائع كذاب وحلف طمعاً في الزيادة, فيكون قد عصى الله تعالى فيعاقب بمحق البركة, فإذا ذهبت بركة كسبه دخل عليه من النقص أعظم من تلك الزيادة التي دخلت عليه بسبب حلفه, وربما ذهب ثمن تلك السلعة رأساً, وما عند الله لا ينال إلا بطاعته, وإن تزخرفت الدنيا للعاصي فعاقبتها اضمحلال وذهاب وعقاب.
س350: ما معنى قوله : "أشيمط زان"؟
ج: صغره تحقيراً له, وذلك لأن داعي المعصية ضعف في حقه فدل على أن الحامل له على الزنا محبة المعصية والفجور وعدم خوفه من الله, وضعف الداعي إلى المعصية مع فعلها يوجب تغليظ العقوبة عليه, بخلاف الشاب؛ فإن قوة داعي الشهوة منه قد تغلبه مع خوفه من الله وقد يرجع على نفسه بالندم ولومها على المعصية فينتهي ويراجع .
س351: ما معنى قوله: "عائل مستكبر"؟
ج:ليس له ما يدعوه إلى الكبر لأن الداعي إلى الكبر في الغالب كثرة المال والنعم والرياسة والعائل الفقير لا داعي له إلى أن يستكبر فاستكباره مع عدم الداعي إليه يدل على أن الكبر طبيع له كامن في قلبه فعظمت عقوبته لعدم الداعي إلى هذا الخلق الذميم الذي هو من أكبر المعاصي
س352: ما معنى قوله: "ورجل جعل الله بضاعته...."؟
ج: أي الحلف به جعله بضاعته لملازمته له وغلبته عليه وهذه أعمال تدل على أن صاحبها إن كان موحدا فتوحيده ضعيف وأعماله ضعيفة بحسب ما قام بقلبه وظهر على لسانه وعمله من تلك المعاصي العظيمة على قلة الداعي إليها نسأل الله السلامة والعافية نعوذ بالله من كل عمل لا يحبه ربنا ولا يرضاه.
س353: لماذا قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا؟
ج: هذا شك من راوي الحديث عمران بن حصين رضي الله عنه والمشهور في الروايات : أن القرون المفضلة ثلاثة الثالث دون الأولين في الفضل لكثرة البدع فيه لكن العلماء متوافرون والإسلام فيه ظاهر والجهاد فيه قائم.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(162)
س354: ما معنى قوله: "ثم إن بعدكم قوما يشهدون ولا يستشهدون"؟
ج:لاستخفافهم بأمر الشهادة وعدم تحريهم الصدق, وذلك لقلة دينهم وضعف إسلامهم .
باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه
س355: هل هناك معارضة بين قوله تعالى: "ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها" وبين قوله : "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" وقوله تعالى: " ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم"؟
ج: لا تعارض بين هذا كله وبين الآية المذكورة هنا وهي : "ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها"؛ لأن هذه الأيمان المراد بها: الداخلة في العهود والمواثيق لا الأيمان الواردة على حث أو منع, ولهذا قال مجاهد في هذه الآية: يعني الحلف؛ أي حلف الجاهلية, ويؤيده ما رواه الإمام أحمد عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "لا حلف في الإسلام وإنما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة"؛ وكذا رواه مسلم, ومعناه أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه.
س356: ما معنى السرية هنا: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية......"؟
ج:قال الحربي : السرية : الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها والجيش ما كان أكثر من ذلك .
س357: لماذا نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل الرهبان والنسوان؟
ج: لأنه لا يكون منهم قتال غالباً, وإن كان منهم قتال أو تدبير قتلوا.
س358:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا"؟
ج:الغلول: الأخذ من الغنيمة من غير قسمتها, والغدر: نقض العهد, والتمثيل هنا: التشويه بالقتيل؛ كقطع أنفه وأذنه والعبث به, ولا خلاف في تحريم الغلو والغدر وفي كراهية المثلة.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(163)
فائدة: 
قوله: "ثم ادعهم إلى الإسلام"؛ كذا وقعت الرواية في جميع نسخ كتاب مسلم؛ "ثم ادعهم" بزيادة (ثم), والصواب إسقاطها كما روي في غير كتاب مسلم؛ كمصنف أبي داود, وكتاب الأموال لأبي عبيد, لأن ذلك هو إبتداء تفسير الثلاث خصال.
س359: هل تؤخذ الجزية من كل كافر أم لا؟
ج/ قوله: "فإن هم أبوا فاسألهم الجزية"؛ فيه حجة لمالك وأصحابه والأوزاعي في أخذ الجزية من كل كافر عربياً كان أو غيره؛ كتابياً كان أو غيره, وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنها تؤخذ من الجميع إلا من مشركي العرب ومجوسهم, وقال الشافعي: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عرباً كانوا أو عجماً, وهو قول الإمام أحمد في ظاهر مذهبه, وتؤخذ من المجوس. 
قلت: لأن النبي صلى الله عليه و سلم أخذها منهم وقال: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب".
فائدة:
قوله: (وقول نافع وقد سئل عن الدعوة قبل القتال)؛ ذكر فيه أن مذهب مالك يجمع بين الأحاديث في الدعوة قبل القتال, قال: وهو أن مالكاً قال: "لا يقاتل الكفار قبل أن يدعوا ولا تلتمس غرتهم إلا أن يكونوا قد بلغتهم الدعوة فيجوز أن تلتمس غرتهم", وهذا الذي صار إليه مالك هو الصحيح؛ لأن فائدة الدعوة أن يعرف العدو أن المسلمين لا يقاتلون للدنيا ولا للعصبية, وإنما يقاتلون للدين, فإذا علموا بذلك أمكن أن يكون ذلك سبباً مميلاً لهم إلى الإنقياد إلى الحق؛ بخلاف ما إذا جهلوا مقصود المسلمين فقد يظنون أنهم يقاتلون للملك وللدنيا فيزدادون عتواً وبغضاً والله أعلم.
باب ما جاء في الإقسام على الله
س360: ما معنى: "من ذا الذي يتألى علي..."؟
ج: يتألى: أي يحلف, والألية بالتشديد: الحلف.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(164)
باب ما جاء في الإقسام على الله
س360: ما معنى: "من ذا الذي يتألى علي..."؟
ج: يتألى: أي يحلف, والألية بالتشديد: الحلف.
باب لا يستشفع بالله على خلقه
س361: ماذا نستفيد من قوله: "-وقال بأصابعه مثل القبة عليه ـ وإنه ليئط به أطيط الرجل بالراكب؟
ج: تفسير الاستواء بالعلو؛ كما فسره الصحابة والتابعون والأئمة, خلافاً للمعطلة والجهمية والمعتزلة ومن أخذ عنهم كالأشاعرة ونحوهم ممن ألحد في أسماء الله وصفاته وصرفها عن المعنى الذي وضعت له ودلت عليه من إثبات صفات الله تعالى التي دلت على كماله جل وعلا كما عليه السلف الصالح والأئمة ومن تبعهم ممن تمسك بالسنة, فإنهم أثبتوا ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله من صفات كماله على ما يليق بجلاله وعظمته إثباتاً بلا تمثيل وتنزيهاً بلا تعطيل.
س362: ما معنى الاستشفاع بالرسول صلى الله عليه و سلم في حياته؟
ج: استجلاب دعائه. وليس خاصاً به صلى الله عليه و سلم؛ بل كل حي يرجى أن يستجاب له فلا بأس أن يطلب منه أن يدعو للسائل بالمطالب الخاصة والعامة؛ كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لعمر لما أراد أن يعتمر من المدينة: "لا تنسنا يا أخي من صالح دعائك", وأما الميت فإنما يشرع في حقه الدعاء له على جنازته على قبره وفي غير ذلك, وهذ هو الذي يشرع في حق الميت, وأما دعاؤه فلم يشرع؛ بل قد دل الكتاب والسنة على النهي والوعيد عليه.
 

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(165)
باب ما جاء في حماية النبي صلى الله عليه و سلم حمى التوحيد وسده طرق الشرك
س363: لماذا نهى صلى الله عليه وسلم أن يقال: " أنت سيدنا" و "يا خيرنا وابن خيرنا"؟ 
ج: كره صلى الله عليه و سلم أن يواجهوه بالمدح فيفضي بهم إلى الغلو, وأخبر صلى الله عليه و سلم أن مواجهة المادح للمدوح بمدحه ـ ولو بما هو فيه ـ من عمل الشيطان لما تفضي محبة المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه؛ وذلك ينافي كمال التوحيد, فإن العبادة لا تقوم إلا بقطب رحاها الذي لا تدور إلا عليه, وذلك غاية الذل في غاية المحبة, وكمال الذل يقتضي الخضوع والخشية والاستكانة لله تعالى, وأن لا يرى نفسه إلا في مقام الذم لها والمعاتبة لها في حق ربه, وكذلك الحب لا تحصل غايته إلا إذا كان يحب ما يحبه الله ويكره ما يكرهه الله من الأقوال والأعمال والإرادات, ومحبة المدح من العبد لنفسه تخالف ما يحبه الله منه, والمادح يغره من نفسه, فيكون آثماً, فمقام العبودية يقتضي كراهة المدح رأساً والنهي عنه صيانة لهذا المقام, فمتى أخلص العبد الذل لله والمحبة له خلصت أعماله وصحت, ومتى أدخل عليها ما يشوبها من هذه الشوائب دخل على مقام العبودية بالنقص أو الفساد, وإذا أداه المدح إلى التعاظم في نفسه والإعجاب بها وقع في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة؛ كما في الحديث : "الكبرياء درائي والعظمة إزاري فمن نازعني شيئا منهما عذبته", وفي الحديث : "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(166)
س364: ما حكم تسمية العبد بالسيد؟
ج: قال العلامة ابن القيم في بدائع الفوائد: اختلف الناس في جواز إطلاق السيد على البشر, فمنعه قوم ونُقل عن مالك, واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم لما قيل له: يا سيدنا قال: "السيد الله تبارك وتعالى", وجوزه قوم واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه و سلم للأنصار: "قوموا إلى سيدكم"؛ وهذا أصح من الحديث الأول, قال هؤلاء: السيد أحد ما يضاف إليه, فلا يقال للتميمي سيد كندة, ولا يقال: الملك سيد البشر, قال: وعلى هذا فلا يجوز أن يطلق على الله هذا الاسم, وفي هذا نظر, فإن السيد إذا أطلق عليه تعالى فهو في منزلة المالك والمولى والرب, لا بمعنى الذي يطلق على المخلوق. انتهى 
قلت: فقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في معنى قول الله تعالى: "قل أغير الله أبغي ربا" أي إلهاً وسيداً, وقال في قول الله تعالى: "الله الصمد"؛ أنه السيد الذي كمل في جميع أنواع السؤدد, وقال أبو وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده, وأما استدلالهم بقول النبي صلى الله عليه و سلم للأنصار: "قوموا إلى سيدكم"؛ فالظاهر أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يواجه سعداً به فيكون في هذا المقام تفضيل والله أعلم.
باب ما جاء في قول الله تعالى: "وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون"
فائدة:
قال محمد بن كعب: "لو قدروه حق قدره ما كذبوه", وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم, فمن آمن أن الله على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر الله حق قدره".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(167)
س365:اذكر بعض ألفاظ السلف في نفي معرفة الكيفية لصفات الله تعالى؟
ج:من ذلك ما رواه الحافظ الذهبي في كتاب العلو وغيره بالأسانيد الصحيحة عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم أنها قالت في قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى" قالت: "الإستواء غير مجهول, والكيف غير معقول, والإقرار به إيمان, والجحود به كفر", رواه ابن المنذر واللالكائي وغيرهما بأسانيد صحاح,
 قال : وثبت عن سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى أنه قال : لما سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن : كيف الاستواء قال: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ وعلينا التصديق", وقال ابن وهب : كنا عند مالك فدخل رجل فقال: يا أبا عبد الله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى؟ فأطرق مالك رحمه الله وأخذته الرحضاء وقال: "الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ولا يقال كيف؟ و كيف عنه مرفوع وأنت صاحب بدعة, أخرجوه", رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب, ورواه عن يحيى بن يحيى أيضاً ولفظه قال: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة".
س366: ما معاني الإستواء؟
ج: قال البخاري في صحيحه: قال مجاهد: "استوى علا على العرش", وقال إسحاق بن راهويه: سمعت غير واحد من المفسرين يقول : "الرحمن على العرش استوى"؛ أي: ارتفع, وقال محمد بن جرير الطبري في قوله تعالى: "الرحمن على العرش استوى"؛ أي: علا وارتفع.
س367: ما أول وقت سمعت فيه مقالة إنكار أن الله فوق عرشه؟
ج/ قال الحافظ الذهبي: وأول وقت سمعت مقالة من أنكر أن الله فوق عرشه هو الجعد بن درهم, وكذلك أنكر جميع الصفات, وقتله خالد بن عبد الله القسري وقصته مشهورة, فأخذ هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية فأظهرها واحتج لها بالشبهات, وكان ذلك في آخر عصر التابعين,
 فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الأوزاعي وأبي حنيفة ومالك والليث بن سعد والثوري وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك ومن بعدهم من أئمة الهدى, فقال الأوزاعي إمام أهل الشام على رأس الخمسين ومائة عند ظهور هذه المقالة ما أخبرنا عبد الواسع الأبهري بسنده إلى أبي بكر البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني محمد بن علي الجوهري ـ ببغداد ـ حدثنا إبراهيم بن الهيثم حدثنا محمد بن كثير المصيصي سمعت الأوزاعي يقول: "كنا ـ والتابعون متوافرون ـ نقول: إن الله فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته" أخرجه البيهقي في الصفات ورواته أئمة ثقات, 
وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها, ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه كفر, وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل ونثبت هذه الصفات وننفي عنه التشبيه كما نفى عن نفسه فقال: "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ا هـ من فتح الباري.


فتح المجيد شرح كتاب التوحيد(168)
س368: ما صحة حديث الأوعال الذي ساقه المصنف؟
ج: ساقه المصنف رحمه الله مختصراً والذي في سنن أبي داود : عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه و سلم,
 فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال: "ما تسمون هذه ؟" قالوا: السحاب قال: "والمزن", قالوا: والمزن قال: "والعنان" قالوا: والعنان ـ قال أبو داود: لم أتقن العنان جيداً ـ قال: "هل تدرون ما بعد ما بين السماوات والأرض ؟" قالوا: لا ندري قال: "إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سماوات ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماءٍ إلى سماءٍ ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماءٍ إلى سماءٍ ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه كما بين سماءٍ إلى سماءٍ ثم الله تعالى فوق ذلك", وأخرجه الترمذي وابن ماجه, وقال الترمذي : حسن غريب. 
وقال الحافظ الذهبي : رواه أبو داود بإسناد حسن, وروى الترمذي نحوه من حديث أبي هريرة وفيه : "ما بين سماء إلى سماء خمسمائة عام"؛ ولا منافاة بينهما لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلاً ونيف وسبعون سنة على سير البريد؛ لأنه يصح أن يقال : بيننا وبين مصر عشرون يوماً باعتبار سير العادة, وثلاثة أيام باعتبار سير البريد, وروى شريك بعض هذا الحديث

عن سماك فوقفه. هذا آخر كلامه
الحمد لله الذي يسر إتمام هذا التلخيص,
كما أسأله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى
أن ينفع به, والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا 
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق