الأحد، 24 يناير 2016

سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر "



 حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآثاره العلمية
لفضيلة الشيخ: إسماعيل محمد الأنصاري
بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والافتاء والدعوة والأرشاد
 بالمملكة العربية السعودية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:

سلسلة  "  مجدد القرن الثاني عشر  "
الدرس الأول 
فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"1 رواه أبو داود في الملاحم من سننه، والحاكم في الفتن من مستدركه وصححه، ورواه البيهقي في معرفة السنن له، كلهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 والمراد بتجديد الدين إحياء ما اندرس من العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإماتة ما ظهر من البدع.

 وقد اخترنا أن يكون موضوع بحثنا هذا أحد أولئك المجددين الذين أشار إليهم هذا الحديث الشريف، وهو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب2 الذي بزغ به في القرن الثاني عشر قمر التجديد، وانتصرت به راية التوحيد، فنقول وبالله التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.

 مجدد القرن الثاني عشر
هو محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن التميمي، نسبة إلى تميم الذي قال الصحابي الجليل أبو هريرةرضي الله عنه في بنيه "ما زلت أحب بني تميم منذ ثلاث سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيهم: "هم أشد أمتي على الدجال"البخاري: العتق (2543) , ومسلم: فضائل الصحابة (2525) , وأحمد (2/390)

 قال: وجاءت صدقاتهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه صدقات قومنا" 3. وكانت سبية منهم عند عائشة فقال: "اعتقيها فإنها من ولد إسماعيل". البخاري: العتق (2543) , ومسلم: فضائل الصحابة (2525) , وأحمد (2/390) .مها زيد, [26.01.16 10:30]



سلسلة  "  مجدد القرن الثاني عشر  "
الدرس الثاني 
الى الحجاز:
ثم ارتحل إلى الحجاز لأداء فريضة الحج ولمتابعة علومه وبحوثه، فدرس على أعلام مكة آنذاك، ثم انتقل إلى المدينة فقرأ على فقهائها وخاصة الشيخ "عبد الله بن إبراهيم النجدي" والشيخ "محمد السندي"، ثم قصد إلى البصرة واجتمع إلى عدد من علمائها المعروفين، وهناك اتضحت له معالم الدعوة التي يجب أن يبشر بها، وتبينت له ضخامة المهمة العظيمة التي ألقيت على عاتقه، وارتسمت أمام ناظريه أبعاد المعركة التي سيخوضها مع الطوائف المضّللة من الناس.

في العصر الذي نشأ فيه إمامنا الجليل كانت عوامل الضعف بدأت تدب في أوصال الدولة الإسلامية، وأخذت الخلافة العثمانية تفقد سيطرتها وتصدرها للأمور، وبرزت الصليبية من جديد تكيد للعالم الإسلامي وتتآمر عليه وتدس له الدسائس.

وساعد على هذا الضعف انتشار البدع، وتغلب الخرافة، وظهور أنواع من الشرك، فقدسّت القباب والأشجار والأحجار، وانتشر مبتدعو الولاية يزيفون على الناس دينهم، ويبتزون منهم أموالهم، وغلب على الناس الإقبال على الدنيا وقل الناصرون لدين لله، وظهر من بعض السلطات رغبة في تأكيد هذه الاتجاهات.

وكانت كل هذه المظاهر تفعل فعلها في نفس ذلك الشاب، النقي السريرة، المخلص الطوية، المتوقد حماساً للدفاع عن عقيدة الإسلام ودولته وأمته.

عناصر دعوته :
وقد أحس الشيخ ببصيرته النافذة، أن تصحيح العقيدة أول الخطوات في دربه الطويل في العمل على إعادة معاني الإسلام، فالإنسان الحق تصنعه العقيدة الحقة، والمجتمع السليم تقيمه المبادئ السليمة.. وهكذا تحددت عناصر دعوته.

وكانت دعوة الشيخ بسيطة واضحة :
 تصحيح توحيد الله، إخلاص العبودية له، إنكار الشرك والبدع والخرافات والتوسل غير المشروع، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الاعتقاد بأن الإيمان قول وعمل، الإيمان الحق بالبعث والنشور والجنة والنار، إزالة كل ما يعوق الطريق إلى التوحيد والعبادة الخالصة، تحطيم ما علق بالإسلام من أوهام، ارتشاف الإسلام من معينه الصافي، وأخيراً إقامة الدولة الإسلامية.


سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر " 
الدرس الثالث 
الشيخ / محمد بن عبد الوهاب. 
 ما هو المنهج الذي كان يدعوا الشيخ الناس إليه ؟
ابن عبد الوهاب ما كان إلا مجدداً لما كان عليه السلف الصالح من فهم صحيح للإسلام وسلوك سليم يستقيم مع هذا الفهم، لذلك نجد هذه الدعوة تهز عواطف الشعوب الإسلامية ومشاعرهم هزاً عنيفاً، وبلغ تأثيرها من القوة حداً لم يبلغه تأثير دعوة أخرى منذ عهد بعيد.

لقد تأثر بها رجال الإصلاح الإسلامي في الهند ومصر والعراق والشام وغيرها، واقتبس كثيراً من مبادئها رجال كان لهم مكانتهم في هذه البلاد، كـ"جمال الدين الأفغاني"، و"محمد عبده"، و"جمال الدين القاسمي"، و"خير الدين التونسي" و"صديق حسن خان"، و"أمير علي".

أين أنتقل بعد الحجاز ؟
في الدرعية :
لم يتراجع إمامنا عن دعوته مع كل ما صادفه من صعوبات وما تحمله في سبيلها من أهوال، فقد كان يصدر عن إيمان عميق بما يدعو إليه واطمئنان كامل إلى نصر الله، حتى قيض الله له أمير الدرعية "محمد بن سعود"، فآزره ونصره وقاتل معه، وكانت هذه سنة أولاده وأحفاده من بعده في نصرة عقيدة التوحيد وحمل راية الإسلام.

إلا أن خصوم الإسلام من المستعمرين والمستشرقين لم يرق لهم أن تظهر هذه الدعوة الإسلامية الخالصة، فحاولوا أن يحيطوها من أطرافها حتى تحصر في نطاق الجزيرة العربية وتعزل عن باقي أنحاء العالم الإسلامي، وقد نجحت حركة التطويق هذه في بدايتها إلى حد بعيد.


سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر " 
الدرس الرابع
الشيخ محمد بن عبد الوهاب " رحمه الله 
 فقد أطلقوا على الدعوة اسم "الوهابية" لتبدو بمظهر المنتسب إلى شخص، وما هي كذلك؛ لأنها دعوة إسلامية عامة، وادعوا أنها ابتدعت مذهباً جديداً، وآراء لم تكن معروفة في الإسلام، مع أن كل ما دعا إليه محمد بن عبد الوهاب من أصل إسلامي، قال به فقهاء المسلمين، وكل ما نادى به من محاربة البدع والضلالات فله مماثل في المذاهب الإسلامية، أما في الفروع فقد كان الشيخ على مذهب الإمام "أحمد بن حنبل".

 وبلغ من قدرة الاستعمار على تمويه الأشياء، أنه حتى يقضي على بعض الحركات الإسلامية التحريرية في الهند، ادعى أنها "وهابية" وكان مهد لذلك بنشر صورة غير صحيحة عن دعوة "محمد بن عبد الوهاب"، وذلك ليستحل المسلمون قتال هذه الحركات!
لكن ذلك لم يجد أعداء الحق شيئاً، فقد زالت الحدود، وتحطمت الأسوار، وتفككت أطواق العزلة، وبدت دعوة الشيخ في كل بلد إسلامي على صفائها ونقائها: دعوة إسلامية خالصة للإسلام.

 ما هي الوهابية؟
الوهابية: لفظة يطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على دعوته إلى تجريد التوحيد من الشركيات ، ونبذ جميع الطرق إلا طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ومرادهم من ذلك: تنفير الناس من دعوته وصدهم عما دعا إليه، ولكن لم يضرها ذلك، بل زادها انتشارا في الآفاق، وشوقا إليها ممن وفقهم الله إلى زيادة البحث عن ماهية الدعوة ، وما ترمي إليه، وما تستند عليه من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة، فاشتد تمسكهم بها
، وعضوا عليها، وأخذوا يدعون الناس إليها، ولله الحمد.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم" انتهى 
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/469) .
سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر " 
الدرس الخامس:
 ما هي أهم مؤلفات الشيخ رحمه الله 
مؤلفات الشيخ فهي كثيرة جداً نذكر بعضاً منها ..
قام الشيخ رحمه الله تعالى بتأليف عدد من الكتب والرسائل المهمة ، و قد امتازت مؤلفات الشيخ رحمه الله بالأسلوب القرآني المحض و أدلته كلها مأخوذة من القرآن والسنة  إلا أن اللغة ليست عالية جداً كما نشاهدها عند ابن تيمية (ت 728 هـ ) وابن القيم (ت 756 هـ
و قد عرفنا من مؤلفات الشيخ الكتب التالية :
1- كتاب التوحيد : و هذه الرسالة هي من أشهر مؤلفاته 
2- كتاب كشف الشبهات 
3- كتاب الأصول الثلاثة 
5- كتاب القواعد الأربع 
6- كتاب أصول الإيمان 
7- كتاب فضل الإسلام : و قد وضح فيه مفاسد البدع و الشرك ، كما وضح شروط الإسلام .
8- كتاب الكبائر : ذكر فيه جميع أقسام الكبائر ، واحدة و احدة ، .
10- كتاب ستة مواضع من السيرة : و هي رسالة مختصرة توضح ستة أحداث من السيرة النبوية 
12- كتاب مسائل الجاهلية 
13- كتاب تفسير الشهادة : و هو تفسير لكلمة لا إله إلا الله ، 
14- كتاب تفسير لبعض سور القرآن :.
15- كتاب السيرة : و هو ملخص من كتاب السيرة لابن هشام .
16- الهدي النبوي : و هو ملخص لكتاب زاد المعاد للإمام ابن القيم رحمه الله .

سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر " 
الدرس السادس:
لماذا خرج الشيخ من مدينة العيينة ؟ 
ففي حالة إخراجه من العيينة طريداً منها كان سبب إخراجه رحمه الله من العيينة هو أن ابن معمر خاف من حاكم الإحساء من أن يقطع عنه المعونة ، فأخرج الشيخ رحمه الله من العيينة وتوجه إلى الدرعية ، 

فكان ابن معمر ممن آثر الدنيا على الدين وباع العاجل بالآجل لما تعارض في صدره أمر صاحب الإحساء وأمر الله تعالى - ،
 قد افتقد كل حظ من حظوظه الدنيوية المباحة ؛ افتقد ثقة الأمير وثقة الناس من حوله به و بما يدعو إليه من عقيد السلف الصالح ، وافتقد المسكن و المكانة و جميع الحظوظ النفسية والغايات الدنيوية 
ومشى وحيداً أعزل من أي سلاح ليس بيده إلا مروحة من خوص النخيل ، لكن كان على ثقة من ربه ، والله قد قوي إيمانه حتى صغر في ميزانه أمر صاحب الأحساء .
وما بقي لديه سوى الإيمان القوي بصحة عقيدة السلف الصالح ، و حسن الظن بالله .. 

كيف كان يمشي رحمه الله في سيبل التوحيد ؟
لقد سار من العيينة إلى الدرعية يمشي راجلاً ليس معه أحد في غاية الحر في فصل الصيف لا يلتفت عن طريقه ويلهج بقوله تعالى { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } و يلهج بالتسبيح .. فلما وصل الدرعية قصد بيت ابن سويلم العريني ، 
فلما دخل عليه ؛ ضاقت عليه داره وخاف على نفسه من محمد بن سعود ، فوعظه الشيخ وأسكن جأشه وقال : سيجعل الله لنا ولك فرجاً و مخرجاً . كتاب /عنوان المجد لابن بشر (1/11 ) .
http://www.al-tawhed.net/shekh/showCat.aspx?id=12


سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر " 
الدرس السابع:
 كيف كان حرصه على تطبيق السنة ؟
كان حريص على تطبيق السنة والدعوة إليها بالقول والفعل: 
• إن الشيخ/محمداً يعتبر آية في تطبيق السنة في حياته كلها، في مأكله، ومشـربه، وزواجه، ودعوته، وصلاته، وصومه، …، وسائر عبادته.
• ففي مسجده -مسجد السنة- الأذان على السنة؛ لا تمطيط، ولا بدع فيه، والصلاة على السنة، 

 وهكذا في المحاضرات يحث على السنة، كما سمعناه في محاضرةٍ له، يقول:
(السُّنَّة أن يكون المهر (500) درهم، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم،
 وأهل السنة يكونون إن شاء الله في المقدمة، وأنا والحمد لله قد طبَّقت هذا في بناتي (5000) ريال؛ 
أقول له: هذا هو المهر…
نطبق السنة، ونحرص على أن نكون سنيين بالقول وبالعمل، وهذا يعتبر دعوة، التطبيق العملي دعوة إلى الخير وبركة واللهِ)[شريط: «أحكام الزواج»].

 وقال: 
فنحن عباد الله، مطالبون أن نعمل بالإسلام، وأن نطبقه إذا أردنا أن نسعد، وأن نفلح، وأن نفوز في الدنيا والآخرة، قولاً، وعملاً، وتطبيقاً)
 وقال الشيخ/ مقبل رحمه الله تعالى واصفاً الشيخ/ محمداً: 
- شدة محبته للسنة.
- إذا ظهر له الحق عض عليه بالنواجذ، ولا يبالي بمن خالفه.
- محبته الشديدة لأهل السنة، وكراهيته للمبتدعة.
- اهتمامه بالعقيدة.
- الفهم الصحيح في استنباط الفوائد.
- البغض الشديد للحزبية المقيتة التي فرقت شمل المسلمين.
- التواضع، والرفق، والحلم، والأناة، فقد وفق حفظه الله لذلك؛ حتى أحبه طلبة العلم والعامة)[مقدمة «القول المفيد»].
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=350433


سلسلة " مجدد القرن الثاني عشر " 
الدرس الثامنة:
 وفاتهُ- رحمهُ اللهُ-، وثناءُ العلماءِ عليهِ:
وفي عام (1206ه-) تُوفي الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله- .

قال ابن غنام: "كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كانت وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر"وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم، ولقد كان للشيخ من العمر نحو اثنتين وتسعين سنة، على اعتبار أن ولادته كانت في سنة (1115هـ)، وتُوفي ولم يُخلِّف ديناراً ولا درهماً، فلم يُوزِّعْ بين ورثته مال ولم يقسم. وقد رثاه الشعراء، وأثنى عليه العلماء.

قال ابن قاسم عن يوم جنازته: "وكان يوماً مشهوداً، وتزاحم الناس على سريره، وصلُّوا عليه في بلدة الدرعية، وخرج الناس مع جنازته؛ الكبير والصغير".

وقد رثاه الشعراء، وأثنى عليه العلماء، وتداول الرسائل فيه المسلمون؛ وممن رثاه من أهل العلم:
الشيخ المؤرخ (حسين بن غنام )، والشيخ الإمام الشوكاني- رحمه الله- عالم اليمن.
فَرَحِمَ اللهُ الشيخَ محمد بن عبد الوهاب، وجزاهُ خيراً عن الإسلام والمسلمين، وإنَّهُ لحقيقٌ أَنْ يُقالَ عنه: إِنَّهُ شيخ الإسلام وإمام المسلمين الَّذي جَدَّدَ اللهُ بهِ الملَّةَ، ورفعَ بهِ لواءَ التَّوحيدِ والسُّنَّةِ.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/32807/#ixzz3z7g8Byqg




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق