يقول ابن القيم في وصف قلب الإنسان الصالح
و قلب الإنسان البعيد عن الله عز و جل
اعلم أن الله تعالى خلق في صدرك بيتًا و
هو القلب و جعل فيه معرفة الله عز و جل و محبته و توحيده و هذه المسألة مستوية على
سرير القلب و على سرير بساط من الرضا و وضع عن يمينه و شماله مرافق شرائعه و فتح له
باب من جنة رحمته،فتح له باب الأنس بالله عز و جل
و جعله يتشوق إلى لقائه و أمطره من وابل كلامه.
ما أنبت في هذا البيت أصناف الرياحين و
الأشجار المثمرة،من أنواع الطاعات ، التهليل، التكبير، التسبيح، التحميد،التقديس، الاستغفار،
و جعل في وسط البستان شجرة المعرفة، شجرة العلم فهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من
المحبة و الإنابة و الخشية و الفرح به سبحانه و تعالى و الابتهاج بقربه.
هذا كله موجود في صدر المؤمن
و أجرى إلى تلك الشجرة ما يسقيها من تدبر
بكلام الله عز و جل و فهمه و العمل بالوصايا بكتابه سبحانه و تعالى و علق في ذلك البيت
قنديل أسرجه بمعرفة الله عز و جل و الإيمان به و التوحيد، فهو يستمد هذا القنديل من
شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية، يكاد زيتها يضيء لو لم تمسسه نار.
ثم أحاط عليه حائطًا يمنعه من دخول الآفات
و المفسدين و من يؤذي البستان فلا يلحقه آذاهم.
أقام الله عز و جل عليه حرسًا من الملائكة
يحفظونه في يقظته و في منامه، ثم أعلم صاحب البيت و البستان بالساكن فيه فهو دائما
همه إصلاح السكن ولم شعثه ليرضاه الساكن منزلا وإذا أحس بأدنى شعث في السكن بادر إلى
إصلاحه ولمه فنعم الساكن ونعم المسكن .
و يقول و هو يصف لنا قلب الإنسان المعرض
عن دين الله، الإنسان العاصي
فسبحان الله رب العالمين كم بين هذا البيت
وبيت قد استولى عليه الخراب وصار مأوى للحشرات والهوام ومحلا لإلقاء الأنتان والقاذورات
فيه فمن أراد التخلي وقضاء الحاجة وجد خربة لا ساكن فيها ولا حافظ لها وهي معدة لقضاء
الحاجة مظلمة الأرجاء منتنة الرائحة قد عمها الخراب وملأتها القاذورات فلا يأنس بها
ولا ينزل فيها إلا من يناسبه سكناها من الحشرات والديدان والهوام الشيطان جالس على
سريرها وعلى السرير بساط من الجهل وتخفق فيه الأهواء وعم يمينه وشماله مرافق الشهوات
وقد فتح إليه باب من حقل الخذلان والوحشة والركون إلى الدنيا والطمأنينة بها والزهد
في الآخرة
وأمطر من وابل الجهل والهوى والشرك والبدع وما أنبت فيه أصناف الشوك والحنظل
والأشجار المثمرة بأنواع المعاصي والمخالفات وجعل في وسط الحقل شجرة الجهل به والإعراض
عنه فهي تؤتي أكلها كل حين من الفسوق والمعاصي واللهو واللعب والمجون والذهاب مع كل
ريح و إتباع كل شهوة ومن ثمرها الهموم والأحزان والآلام فإذا أفاقت من سكرها أحضرت
كل هم وغم وحزن وقلق ومعيشة ضنك ثم ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه بحيث لا يمنع
منه مفسد ولا حيوان ولا مؤذ ولا قذر فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت فمن عرف بيته
وقدر الساكن فيه وقدر ما فيه من الكنوز والذخائر والآلات انتفع بحياته ونفسه ومن جهل
ذلك جهل نفسه وأضاع سعادته وبالله التوفيق سبحانه و تعالى.
إذن نتخيل دائما هذان البيتين و الفرق بينهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق