الصحة النفسية منهج 1
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
نحمد الله -عز
وجل- حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا، ونسأله بمنّه وكرمه أن يجعلنا مِن أهل القلوب السليمة
الذين يُقبضون على سلامة قلوبهم فيلقون ربهم وتُفتح صحائفهم وقد كانوا من السالمين
في دنياهم وأخراهم اللهم آمين.
سبب مناقشة موضوع
(الصحة النفسية) وحاجتنا لها وأنها مطلب شرعي:
في الأصل أن العبد
في هذه الدنيا يتعبّد ربّه بإصلاح نفسه، فالعبادة كلها الناتج المنتظر منها أن تكون
عبدًا صالحًا -صالح النفس- وبعدها تكون صالحًا لمجاورة الله، فالعبد الذي لا يصلُح
أبدًا لمجاورة الله لأن نفسه خبيثة وهو من شر البرية فهذا سيكون إلى النار -والعياذ
بالله-. والعبد الذي يصلُح للمجاورة لكن قلبه فيه من الأخطاء ومن الآثام ما فيه، يُطَهَّر
ويدخل جنات النعيم ليصلُح لمجاورة الله وأما العبد الذي بذل غاية جهده في إصلاح نفسه
وسلامتها فهذا يصلح للمجاورة ابتداءً فلا يدخل النار.
نحن نقول هذا
(عبد صالح) أي صالح لمجاورة ربه في جنات النعيم. ما الذي صلُح فيه وصلح لأي شيء؟ معه
قلبه سليم وأمام القلب السليم قلب مريض قلب أو ميت.
إذًا الكلام عن
(الصحة النفسية) هذا موضوع أهل الإسلام، فلما يتكلم فيه غير أهل الإسلام ويناقشوه فإنهم
يناقشونه من مبادئ أرضية سفلية، فمعنى ذلك إذا سمعت إرشادات لصلاح نفسك ولصحته من ناس
أصلًا مرضى ستكون هذه الإرشادات ذاهبة بك إلى أي شيء؟! هم ناس مرضى يرشدوك لصحة نفسك،
النتيجة من المؤكد أنهم سيفسدوها.
لماذا نتناقش هذا
الموضوع؟
نحن أهله وليس أهل الكفر وأهل الباطل وأهل فصل الدين عن الحياة لأنك أنت تسير
في هذا الطريق كله تود أن تلقى ربك بقلب سليم، قلبك هو نفسك، وما يدور في خاطرك وما
تتأثر به ويؤثر عليك، فهذه نفسك لابد أن تكون أكثر الناس رعاية وحفظًا ولا تدخل عليه
من السموم شيء من أجل أن لا يحصل لها بلاء وتفسد.
في الصحة النفسية
نحن نسير على منهجين:
منهج وقائي يحصن
النفس من ان تقع في الامراض فتبقى ذات صحة
منهج علاجي يحصن
النفس ان كانت مريضة
الصحة النفسية منهج 2
ما علامات الصحة النفسية وكيف يحافظ على صحته النفسية؟
لازم تراقب نفسك، تراها كيف تتقلب وتتحرك حتى تقول عن نفسك صحيح أو مريض، لو ظهر لك أنك صحيح مطلوب منك أن تحافظ على هذه الصحة، لن نتكلم عن الأمراض بتفاصيلها لكن سنتكلم عن مجموعة مفاهيم إذا كانت موجودة في نفسك هذه إشارة إلى أنك صحيح نفسيًا.
فموضوعنا هذا الصحة النفسية لن نتناوله من جهة طبية، إنما من جهة أنك مخلوق لتبقى صحيح نفسيًا ومخلوق لتبقى وقد صححت ما في قلبك من مشاكل وتصلح لمجاورة الله.
هذه الصحة ممكن نتكلم فيها وقائيًا وممكن نتكلم فيها علاجًيا لقاءنا اليوم (وقائي)
نشخص نفسنا هل نحن أصحاء؟
إذا كنا أصحاء كيف نحافظ على صحتنا؟
وعلينا بالقاعدة التي تقول:
ارقب نفسك وليس عينك وتحاليلك وقدراتك لا تبذلها لمواقف الناس، (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)وتهتم بما يعنيك، فتعنيك نفسك التي بين جنبيك فهي التي تريد أن تنجيها.
فهناك مفاهيم إن وجدت دلت على الصحة النفسية:
هذه المفاهيم كأنها مجموعة (مقاييس) موجودة أعيشها أفهمها أقيس بها المواقف
الصحة النفسية منهج 3
أول مفهوم من المفاهيم التي لابد أن تكون موجودة:
القاعدة الأولى: أن الحياة جُبلت أن تكون مشقة وكبد.
كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[1] على أحد تفسيرات معنى كلمة (كبد) أنها المشقة، وهذا المفهوم لو فهمه الإنسان جيدًا سيعرف أن الحياة كلها مكابدة من أن يخرج للحياة من لحظة الولادة من بطن أمه سيكون كبد، ثم لما يتعلم الرضاعة يكون كبد،لما تخرج أسنانه كبد، وهكذا كل حياته عبارة عن كبد،
الحياة خُلقت كبدًا؛ اختبارًا وامتحانًا.
من الخطأ أن يصف لك أحد الدنيا أنك تعيش وتصل لما تريد ويأتي وقت يكون كل ماتريده! وتصل لأحلامك وأمانيك وبأيسر ما يكون، هذا كذب!
ولذلك لما يأتي أحد يستشعر واقع الشباب ويراهم أنهم أول ما يكابدون ويتعبون ينفرون ويغضبون، هؤلاء يفقدون أساس الصحة النفسية؛
لأنه لما انصدم بالواقع وأرى أنه لايأتي شيء بسهولة إنما من وراء كبد، فيحصل اصتطدام بين الواقع وبين الحقيقة فيرتد على النفس أنها تحزن وربما تنكف عن المعاملات وربما يتضخم ويفكر في الانتحار وغيره!
الناس من زمانهم يعلمون أن الدنيا كبد، والآباء يورثون لأبنائهم أن الدنيا لا تأتي بسهولة لما دخل علينا الترف ودخلت الأجهزة التي تسهل الأشياء بدأت من هنا نقطة انكسار نفسي صار الناس يرون كل شيء سهل
فلما يواجهون صعوبات تتأثر نفسياتهم يكتئبون ويحزنون وينتظرون أن هذه الأشياء تتغير إلى السهولة،
زادت المصيبة مصيبة لما جاءت دورات تطوير الذات وقالت:
تعال اخرج الطاقة الكامنة التي فيك!
ماذا تريد؟
فقط أغمض عينيك وقل:
أنا أقدر!
أنا أستطيع!
تريد أن تنسى همومك اكتبها ومزقها فقط انتهى الموضوع!
فزادت المصيبة مصيبة علينا،
فهو يخرج لأرض الواقع يكتب ويمزق ويكتب ويمزق لكن لم يخرج بنتيجة!
يزيد الأمر بلاء، كان يظن أن الحل هنا ، قالوا له في ثلاثة أيام تصبح مبدعًا!
في أربعة أيام يخرج العملاق في داخلك!
إلى آخر الكذب الذي يكذبونه، فلما يقابل الواقع يكون الأمر مختلف تمامًا ثم ينصدم بالواقع وتأتيه الحالات النفسية، يأتيه الاكتئاب ويأتيه الحزن والعزلة عن المجتمع ويأتيه كل ما أنتم ترونه.
الصحة النفسية منهج 4
فالتسهيل الحاصل كان ردّه أن أصبحت النفس صعبة في القدرة على تقبل أو تحمل شيء لدرجة ما نتحمل أحد يقول لنا الطريق هنا! مانقبل توجيه الناس لنا، فنرى أن ما يوجهنا به الناس خطأ ويقولون الناس لا يعرفون أن يتعاملوا مع الناس، وكل واحد يقول أنا شديد الحساسية، وكل ذلك أننا لم نفهم قاعدة الصحة النفسية من الذي غرك وقال لك أن الراحة هنا؟! الحياة خُلقت في كبد، الله خلقها على هذه الطبيعة ولو اجتمع الخلق على تغيير هذه الطبيعة ما يستطيعون أبدًا.
مثال من الحياة، الصغار الذين يرفضون الاستحمام بعد عودتهم من المدرسة نقول لهم لو تعرفون الناس في الماضي كيف كانوا يعانون حتى يأتوا بالماء من البئر كيف كانوا يتمنون هذا الماء يأتي على أبدانهم! ما كان رفضوا الاستحمام لأنهم يشعرون أن لاستحمام صعب! لو كانوا يأتون بالماء من البئر ولا يجدون مكان يستحمون فيه والماء يجري كأسهل ما يمكن، ونحن الآن نغتسل في بيوتنا سنكون أعز حتى من كل الملوك الذين مضوا؛ لأن الملوك الذين مضوا أعلى شيء عندهم خادم في الأعلى يعمل لهم ممر للماء ويصب عليهم من الأعلى! فنحن في بيوتنا ملوك لكن لما كثُرت الأشياء ظنوا أن هذه السهولة لابد أن يكون وراءه كل شيء سهل ومع ذلك لم يروه سهلًا فهم تركوا الاستحمام لأنهم ظنوا أنه صعب!
الصحة النفسية منهج 5
أين الصعوبة! لا يدرون أن الدنيا خلقت في كبد!
فهذا يؤثر جدًا على الصحة النفسية، يجعل الفتاة التي تتزوج في بداية زواجها تتصور أن كل شيء سيأتيها كما تريد، وبعد أسبوع تغضب منه أنه لم يفعل لها ما تريد! لا تتصور أن كل شيء لابد أن يكون في كبد، تتصوّر ما رُسم لها في الإعلام!
فتخرج تقول خدعتموني كذبتم علي! هذا مخادع أنا أبحث عن شخصية غير هذا، أنا أريد أن أتزوج واحد من هؤلاء الذين يخرجون في الإعلام، يكلموك على الجنسيات وعلى الأوضاع وعلى البلدان فيقولون أنتم رجالكم غير رقيقين وإلى آخر مايقولون، وكل هذا لأنهم لا يعرفون أن الدنيا خلقت في كبد.
أو فتاة تقول لك أنا متعقدة جدًا من مسألة الزواج وهي شابة مثلها ينجب ويأتي بالأبناء! أو أنا متعقدة جدًا من مسألة التعامل مع الناس لا أريد أن أكلمهم ومعتزلتهم، وهذا وهذا.. وكل يدور حول نفس المشكلة أن الناس يعتقدون أن الأشياء سهلة ويسيرة يجب أن تكون سهلة ويسيرة وهذا مخالف الحقيقة.
من أعجب ما يثبت لنا هذا، أنّ الله في سورة النحل أخبرنا بمننه على خلقه ومن ضمن المنن صارت علينا منة الماء الذي ينزل من السماء والخمر قبل تحريمه (السَّكر) أتى الإخبار أننا نُخرج من النبات السكر وهو العصير، وكيف يخرج اللبن من الناقة، وكيف يخرج العسل من النحل، بهذا الترتيب،
ثم في سورة محمد الله أخبر عن نعيم أهل الجنة أخبرنا بهذا الترتيب، ماء يجري غير آسن، وأنهار من لبن، وأنهار من خمر، وأنهار من عسل مصفى، الشاهد أن الأمور في الدنيا مثلًا اللبن يخرج من بين فرث ودم ولازم الحلب وبطريقة معينة وفي وقت معين ولما ينتهي الاختبار في الآخرة يكون نهر يجري! العسل من أين؟ من المناحل وبعدها وبعدها والطريقة المعروفة، كل هذه حتى يأتي العسل، وفي الآخرة نهر يجري! كل هذا المشوار في الدنيا، في الآخرة أنهار من عسل مصفى! معنى هذا أن الدنيا خُلقت على كبد.
الصحة النفسية منهج 6
القاعدة الثانية:
الله خلق للإنسان الحاجات حتى تصدر منه العبادات.
↩️هذا المفهوم يدور حول وظيفة الإنسان في الدنيا، وظيفتنا في الدنيا عبادة الله،
لكن هذه الوظيفة المختصرة تحتاج إلى تفصيل حتى تأتي الصحة النفسية.
العبادة معناها الذلّ والانكسار لله، وهذا الذلّ والانكسار ما يحصل إلا لما تحصل الحاجة،الدنيا خلقت في كبد، وهذا الكبد لماذا يأتي؟ لأنك تحتاج وتتحرك من أجل أن تسدّ حاجتك، تحتاج أن تأكل، تحاج أن تشرب، تحتاج المال، البيت، الزوجة،
الأبناء.. وتتحرك لسدّ حاجاتك.
لماذا الحاجات كثيرة وطرقها عسيرة؟
لأن في هذه النظرة أنت تحقق معنى العبادة لله، خلق الله للإنسان الحاجات حتى تصدر منه العبادات.
وهذا واضح جدًا في الحديث القدسي (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ[2].
خلقت الدنيا على طبيعة توصلنا للوظيفة، فالذي يريد أن يبقى مرتاحًا وساكنًا وما عنده أي مشاكل ويريد أن يأتي بكل الأمور جاهزة حتى يرتاح فيظهر له شيء ناقص؛
حتى يقول يارب أعنّي، ساعدني، سهّل لي، وفّقني لأصل لهذا الأمر.. فالمشكلة أننا نركز في الشيء الناقص وما نركز أنه ما نقص أصلًا إلا لتطيع!
كل ما نشأت الحاجة نشأت الطاعة،
حتى الحاجة الفكرية! (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ).
الصحة النفسية منهج 7
لما تأتيك شبهة في القلب -نسأل الله أن يحفظ قلوبنا وذرارينا- من أجل أن تطلب الهداية من الله،ولم تأتيك من أجل أن تدور به يمين ويسار قبل ذلك وقبل أن تكبر المسألة وتكتئب أول أمر استهدي الله واطلب منه الهداية، هذا غالبًا يأتي بعدم الصحة النفسية وهذه النقطة مهمة لأن كثير من الأمراض النفسية تأتي من هذا. الذي يصاب بشبهة في قلبه بمسألة تتصل بدينه أحيانا كثيرة يرى أن الخلاص أن ينتحر ويموت!
وهو لو كان صحيحًا نفسيًا لقال لنفسه:
كل هذه الاضطرابات والأشياء التي تنقص كي أصدر أمامها عبادة وطاعة.
نضرب مثال على ابن تيمية
ذُكر عنه أنه -رحمه الله- لما يشتبه عليه المعتزلة والأشاعرة المخالفين ويستصعب عليه المسألة ويشبه عليه وهو يريد أن يبيّن الحق للمسلمين ويريد أن يجيب على شبهتهم، ذُكر عنه أنه يخرج خارج المدينة ويعفّر وجهه في التراب ساجدًا لله، ويستغيث ويطلب من الله ليفتح عليه، وها هو ميراثه اليوم يستقي منه الناس[3].
ما أتتك الحاجة لتكون حزينًا ولا لتكون مكتئابًا ولا لتكون متوترًا ولا لتقول أنا إنسان قلقل، تأتيك الحاجة لتري الله من نفسك توكلًا واستهداءً واعتماد وثقة وحسن ظن،
لا أن تري الله منك عدم الثقة به وعدم اليقين أنه سينجيك!
مع أنه أمس نجاك، وقبله نجاك، كل شهر تعيش نفس المشكلة يضيق عليك ثم يأتيك الرزق من حيث لا تحتسب!
وأنت تقرأ:{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[4] تحسب وتحسب فتكتئب! يرزقك من حيث لا تحتسب ويطمئنك، ثم يأتي الشهر الثاني وتكتئب مرة ثانية! عيب عليك!
من رزقك أول الشهر يرزقك هذا الشهر، عيب أن يأتي أحد ويقول أنا في آخر حياتي وسن التقاعد وخائف من أولادي يهملوني ويرموني لازم أُؤَمٍّن حياتي الباقية!
مَن حفظك وأنت في بطن أمك وأخرجك من بطن أمك سيحفظك إلى آخر حياتك!
أحسن الظن بالله.
يقول انظر مثال هنا وهنا!
نقول: من يحسن الظن بالله لا يخذله الله أبدًا!
ليس لنا بالأمس لنا بما يحمله القلب، فيكون صغير ويحمل هم مستقبله ويخوفه الناس ولا توجد وظائف وما في أموال!
بهذه الطريقة وكأن المال مخزونة عند الخلق! (الملك) الله خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار،
لكن لماذا يضيق عليك؟
ليستخرج منك الطاعة، لم الأمور ضيقة؟ لم تجوع؟
لتطلب منه الطعام، فلما تشبع تقول الحمد لله
(إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا)[5] فنجوع ونعطش ونعرى حتى تكون عندنا هذه الأشياء حاجات لتكون عندنا صحة نفسية لا أن تكون حاجة تسبب لنا الاكتئاب.
هذه الدنيا كل حاجة تنشأ فيها ليس من أجل أن تتعذب إنما من أجل أن تسأل الله
·يصيبك الصداع ليس من أجل أن تتعذب بل من أجل أن تسأل الله أن يشفيك وتعيش تحت اسمه (الشافي)
·تجوع فتستطعمه.
·تحتاج مال فتطلب من (الرزاق)
·تحتاج الأولاد فتطلب منه أن يهبك فتعيش تحت اسمه (الوهاب)
·ينكسر قلبك من المؤذين فيجبره فتعيش تحت اسمه (الجبار)
·تقع في خطأ فتطلب منه أن يسترك فتعيش تحت اسمه (الستير)
وهكذا الحياة هي للقيام بالوظيفة و الوظيفة هي العبادة، وهي في حقيقتها حاجة وتقابلها طاعة فكلما احتجت أطعت فتعيش تحت الحاجة. ويظهر لك في الطاعة من هو الله، كلما احتجت وأطعت عرفت من هو الله، عرفت أنه قريب ويسمعك، عرفت أنه ملك، أنه الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، فكلهم إن اتفقوا على أن لا يعطوك فالله هو الظاهر الذي جاءك من حيث لا تحتسب ولا يحتسبون.
الصحة النفسية منهج 9
القاعدة الثالثة:
الطمأنينة بمناجاة الله واستهدائه عند المخاوف.
من الأشياء المزعجة في الحياة: الملجأ، الخوف، التيه، من الأشياء التي تخيفنا الخوف من الضياع، يخيفنا كثيرا ويسبب لنا أزمات نفسية كيف نختار لما تأتينا اختيارات؟ كيف نصل لأحسن الأوضاع؟ فالتيه شيء مخوف، الاختيار شيء مخوف، هذا الشأن الناس كلهم يشتركون فيه وهو يعتبر جزء من أهم حاجات الحياة.
مثلًا شابة صغيرة تقول أتزوج هذا أو لا أتزوجه؟ أدخل هذه الكلية أو هذه؟ أصاحب هؤلاء أم لا أصاحبهم؟ تكبر ويكبر التيه، أشتري هذا أم لا أشتري؟ فتبقى في كل مرة في حيرة أمام الاختيارات، يكبرون يزيد الخوف ولا ينقص! وكلما كبرنا كان الخيار أكبر، نختار عن أنفسنا وعن غيرنا، قرارنا لصغارنا ومن نربي، فتزيد مشاعر الخوف في نفوسنا.
أحد أهم أسباب الاكتئاب، إحساس الإنسان بأنه بحاجة إلى ركن شديد، يخاف الإنسان فيحتاج إلى ركن شديد، هذا الكلام من الكلام الذي مضى لكنه خاص، وهو حاجة عند الناس كلهم.
فالصحيح نفسيًا في كل الطريق يستهدي، ليس تائهًا، يعتقد أن له ركن شديد يلجأ إليه في كل حالة خوف، إذًا معناه هذا كيف سيفكر في الحياة؟
الناس يفكرون أنه لو حصلت اضطرابات سياسة سأودع أموالي في دول كذا وكذا، والثاني يقول أبني بيوت في كذا وكذا، والثالث يقول أنا أُؤمن نفسي وأشتري بضاعة،
فكل الناس يفترضون حلولًا من عندهم وأحيانًا كثيرة ما تصيب هذه الحلول ولا تسد الثغرات ويأتي مايعوقها،
لماذا يفعل الناس ذلك؟
لأن أحد الأشياء التي تخيفهم غدًا من سيكون معي؟ غدًا من سيشد من أزري؟ غدًا من سيعطيني؟ فيمرض هؤلاء وينسون ركنهم الشديد! وينسون أنهم ما يتوهون مادام أنهم مع الله.
الصحة النفسية منهج 10
يأتي مثلًا في اتخاذ قرار يقول غدًا الناس يلومونني ويبقى في هاجس طويل يخاف أن يتخذ فيه قرار وينسى أن ربه مالك الملك العليم الذي وصفه أنه بكل شيء عليم فلو استخاره واستهداه سكنت نفسه، فللعبد عند كل مخاوف ركن شديد يؤمنه، الإنسان المؤمن نفسه ما تخاف أن يخذلها الله، فإذا خافت مباشرة يكون مأمنها هو الله بمعنى لا نقول على المؤمن أنه ما يخاف، هو يخاف من الأحوال لكن لا يخاف أن يخذله الله.
مثل موسى عليه السلام، أول ما خاف توكل على الله، اعتمد على الله، ولذلك لما قال فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ }[5]، قال موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[6]. فالخوف طبيعة بشرية لا يمكن أن تندفع بنفسها لكنه مباشرة لما يحصل الخوف يعوذ يلجأ يطلب من الله يدعو يستعيذ بالله، فإذا كان أمر قد مضى يدعو، وإذا كان أمر مستقبلي يستعيذ بالله.
مثلا يقال لشخص أنتم عندكم مرض وراثي مادام في سلسلة عائلتكم كذا فهذا المرض وراثي، هذا الكلام ماذا يفعل له؟ يخاف، هذا الخوف طبيعي، لكنه عندما خاف وسوس له الشيطان وأصبح لا ينام الليل وكل شهر يعمل فحص لدرجة أنه يميت نفسه قبل أن يأتيه حتى المرض! الصحيح نفسيًّا يستعيذ بالله من شر هذا المرض، فلا نقول عنه أنه لا يخاف، يخاف لكنه إذا خاف يلجأ إلى الله.
وبهذا يذهب أهم أسباب الاكتئاب وهو الخوف، يفكر في مستقبل أو يخاف من شيء فيصبح رهين هذا الخوف.
مثلًا يُقال لشابة ما أظنك ستتزوجين! فتأخذها كأنها قاعدة وكأن القائل قد اطلع على قدر الله! كأنه يقال لها أنت أسباب زواجك ضعيفة، وتكتئب لنفترض أنه وقع في القلب الخوف من هذا الشيء فهذا لا يأتي بالاكتئاب، بل يأتي بالدعاء واللجوء وسؤاله ويأتي الثقة بالله والاستعاذة بالله من ضد ذلك.
فإذًا من علامات الصحة النفسية مقابل الخوف (الثقة أن هناك ركن شديد).
فالصحيح يتصور أن الدنيا ليست يسيرة وأن كل الحاجات وجدت من أجل أن تحصل الطاعات وهذا العسر الذي في الدنيا يجعل الإنسان يعيش دائمًا فزعًا إلى الله وكلما تعرض لمخاوف وقربت منه المهالك كان مطمئنًا أن عنده من يرشده وعنده من يطمئنه فهو في صحة نفسية لأنه واثق بالله.
الصحة النفسية منهج 11
القاعدة الرابعة: من علامات الصحة النفسية الاستفادة من التجارب السابقة وتصور أن الله يرقي العبد في الابتلاءات ليزداد قوة نفسية.
وهذا الأمر كثيرًا ما يُفهم خطأ يأتي أحد يقول أنا لي عشرين سنة وأنا صابر! ماذا بقي له من بعد العشرين سنة؟! كأنه يقول: لماذا أنا فقط التي أُبتلىفاكتأب لما رأى تاريخه كله بلاءات! يُقال له الله عز وجل من سنته في معاملة الخلق أنه إذا أراد رفعة أحد كيف يُعامله؟ يُبتلى بلاءً فيقوي قلبه ثم يُبتلى بلاء أعلى منه ثم يُبتلى فيكون قلبه قد أصبح أقوى:
· أقوى في اللجوء إلى الله.
· أقوى في الصبر والاحتمال.
· أقوى في معالجة المسألة وتقليبها.
لا تجعل الشيطان بعد أن مشيت شوطًا طويلًا في الصبر ومعرفة الحق واللجوء إلى الله يجعلك تقول أنا تعبت وضعفت، بالعكس نفسك تزداد صحة لما تزداد بلاءً؛ لأن الله من لطفه بالخلق أن يعليهم مراتب في هذه المسائل.
انظر لحياة النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج من بلده التي يحبها مع صاحبه، يدخل الغار ويأتي المشركين ويسمع طرق نعالهم وقلبه وقلب الصديق -رضي الله عنه- يشعران بهم تمامًا، فيقول لصاحبه: }لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}[7] هذه مرحلة، ثم تكبر المسائل وتعظم البلاءات ويصبحوا صفين ويقاتل صلى الله عليه وسلم المشركين وتعظم البلاءات ويقع المنافقون في عرضه ويصبر صلى الله عليه وسلم، وترى المنازل في البلاءات تتعلى، وهو يزداد تجملًا!
من رحمة الله أن لا تقع المصائب مرة واحدة، إنما يلطف به لينزله منزلة تصلُح بها نفسه، فالمفروض لما يكثُر علينا نوع البلاء لا يلعب بنا الشيطان ويحصل الملل بل يكون موقفي في المرة الثانية لما يأتي البلاء أو مايشبهه أقوى من موقفي في المرة الأولى، لا تأتي المسألة بالعكس ونقول خارت قوانا!
القوى تعظم كلما زاد الإنسان إيمانًا كلما وقعت عليه البلاءات وعامل الله بما يصح معاملته
الصحة النفسية منهج 12
القاعدة الخامسة: أن البلاء الذي ينزل على الإنسان يناسب قوته تمامًا فلا يضعفه الشيطان.
أنت من تكون فالبلاء يأتي يناسبك تمامًا فلا تجعل الشيطان يقول لك تقول أنا ما أتحمل هذا أبدًا ! لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها يعني ما أعطاك إياه سيكلفك ما أتاك إياه بالضبط فكأن الإنسان يقول لنفسه: الله لم يبتليني إلا وهو يعلم قواي فأقلب قلبي لأستخرج هذه القوة منها، ألسنا نرى الناس تنزل عليهم البلاءات ولا يتصرفون كما ينبغي؟ هل هذا يعني أنه نزل عليهم بلاء لا يناسبهم؟ الجواب لا، بل سبق الشيطان إلى قلوبهم فضعفهم ومنعهم من استخراج القوى التي وُهبت.
بمعنى حتى يكون الإنسان صحيح نفسيًا عليه أن يعرف أن البلاء الذي ينزل عليه يناسب قواه، فلو وقع عليه مايضره حتى لو فكريًا مثلًا يأتي أحد يُدخل عليه شبهة وأصحابه معه مادخلت عليهم شبهة فلماذا دخلت عليه الشبهة؟ لأنه عنده قوة يستطيع أن يستخرجها من نفسه في سؤال الله أن يهديه ويعلمه في سؤال الله أن يدله في أن يعلمه فيتعلم.
فأنت جاءتك هذه البلوى من أجل أنك تستطيع أن تستخرج قواك التي رزقك مايدفع عنك هذا البلاء ويجعلك صحيحًا نفسيًا، فلا أحد يأتي ويقول لماذا أنا أُبتلى وهؤلاء لا يبتلون.
الصحة النفسية منهج 13
ويتطور الأمر النفسي أن يقول أنا مستعد لأي نوع من البلاء إلا هذا البلاء الذي وقع عليه! هذا كله يسبب أن يدخل الإنسان في اكتئابات شديدة لأنها لا ترى الناس يأتيهم هذا النوع من البلاءفهو يرى أنه لا يستطيع تحمل هذا النوع من البلاء فلا يبتليك إلا بما تستطيعه من البلاء فقط بقي أن:
· تستخرج من نفسك هذه القوة
· وتطلب من الله أن يرزقك الصبر
· وتسأله أن يدفع عنك الباطل وتستعيذ به
عندك ركن شديد تسأله أن يعطيك. فالمقصود أن من أسباب الصحة النفسية أن تعرف أن البلاء يلائمك لا تفكر أبدًا في بلاء غيرك ولا تقول لماذا يأتيني أنا هذا البلاء ولا يأتي لغيري.
مثلًا تجد أحد أسنانه تؤلمه، وأنت رئتك تؤلمك، تقول أنا مستعد أتحمل ألم الأسنان فقط يذهب ألم الرئة! ولما يأتيك ألم الأسنان ستقول نفس الكلام! فأنت لا تتخير المصائب بل تحمل ما أتاك، لا تقول أنا أتحمل كذا وأتحمل كذا! يسوء الأمر أكثر أن يقول: ربنا لو أخذ كل شيء لا بأس إلا هذا لا يأخذه! كل هذا يجعل الشيطان يُكبر دائرة الحزن في القلب والاكتئاب بدل أن يقلصه في القلب أن هذا المفقود وراءه العوض. ولذا تأتي القاعدة التي بعدها.
الصحة النفسية منهج 14
القاعدة السادسة: الثقة المطلقة أن كل مفقود وراءه عوض أحسن منه
من أسباب الصحة النفسية أن تثق ثقة مطلقة أن كل مفقود وراءه عوض أحسن منه! لا يمكن الكريم الذي خزائنه ملأى ويده سحاء أن يختبرك فيأخذ منك ولايعوضك ويجبر قلبك، هذا في الدنيا قبل الآخرة لكن لابد أن نلحظ أن من أهم العطايا التي هي أعظم من المفقودات أن يصبّ الله على القلب إيمانًا! وهي مما يغفل عنه الناس فقد يأتي أحد فيقول أنا ما عوضني عن المفقود بمثله! نقول عُوضت خيرًا منه:
· لما أعانك على الصبر فصبرت
· ولما احتسبت وقت ماتلقاه
· ولما ازددت يقينًا وإيمانًا فعوضك
فأبسط الأشياء أمامها أعظم التعويض، حتى الشوكة لو شاكتك أنت أمامها مأجور! ويوم القيامة تود في تلك الحسنة أن تزحزحك عن النار، ففكر جيدًا وافهم أن كل مفقود وناقص أمامه العوض، والعوض في الدنيا قبل الآخرة، ومن أعظم العوض الذي يجب أن تشعر به وأنت صحيح نفسيًا أن يزيد إيمانك ويجعل قلبك مشروحًا، الناس ينظرون إليك على أنك مصاب وأنك مريض وأنك مكتئب، وأنت مشروح قابل راض، ومنتج لا تتوقف ولا تنشل. فهذا كله من عطايا الله ومن الجبر الذي يجبره الله وما أطيب جبر الله!
فالمقصود أن العبد لما يفكر جيدًا أن كل شيء يعوض و لا يوجد خسارات أبدًا، ويدخل في الدنيا تجارة مع الله، يبقى يرى أنه رابح فلا يكتئب، ويفكر دائما في الأرباح. من الذي يكتئب؟ من يرى نفسه خسران لكن صاحب الحالة النفسية الذي يعلم أن العوض موجود يفهم أنه رابح فلا يكتئب ويفكر دائمًا في الأرباح وسيجدها دائمًا هنا قبل هناك، ستجد طيبا في نفسك قبل أن تجد الأجور يوم القيامة.
الصحة النفسية منهج 15
فنقيس أنفسنا و نفكر هل نحن كلما ضاقت علينا الدنيا ونقص علينا شيء نفكر في العوض عند الله أم لا نفكر فيه ولا نتأمل ولا نرى ماذا سيعطينا ربنا أمام ما فقدنا؟ إذا كنا نفكر ونقول أننا نرابح مع الله ونتاج فمعنى ذلك أن نفسنا ستكون في صحة جيدة.
القاعدة السابعة: الصحيح نفسيًا يرى في ماضيه أن الله قد أحسن إليه ويرى وينظر لمستقبله أنه كما أحسن إليه في أول الأمر سيحسن إليه فيما بقي إلى أن يموت.
من القواعد التي تقيس نفسك بها في الصحة النفسية كيف تنظر لماضيك وكيف تنظر لمستقبلك:
· فإن كنت تنظر لماضيك أن الله قد أنعم عليك وأنك لم تشكره حق الشكر فيلهج لسانك بشكره، وتنظر لمستقبلك على أن الله مطمئنك وأن الله لن يخذلك وأنه سيزيدك ويعطيك وأنه سبحانه يستحق أن تشكره قبل أن تصل لهذا المستقبل، فإن كانت هذه نظرتك للماضي والمستقبل فالحمدلله أنت صحيح نفسيًا.
· أما إن كنت تحمل عن الماضي أنك حُرمت وترى وأن الله لا يعطيك وأن ربنا أعطى غيرك أحسن مما أعطاك دائمًا أنت لست محظوظًا هذا وهذا أكثر حظًا منك، إذا كنت كذلك فكيف سترى مستقبلك؟ ستراه أسوأ منه! فهذا يدلّ على أنه ليس هناك صحة نفسية.
الصحيح نفسيًا حالته أنه يرى في ماضيه أن الله قد أحسن إليه ويرى وينظر لمستقبله أنه كما أحسن إليه في أول الأمر سيحسن إليه فيما بقي إلى أن يموت، ليس في قلبه مرض الحسد ولا حقد.
الصحة النفسية منهج 16
المريض نفسيًّا ينظر لهذا أخذ وهذا أخذ وتبقى في ذاكرته، حتى لو جاء يتكلم عن الماضي تراه يقول هذا أريد أن أقتص منه لأنه اعتدى علي! هذا لما كنا في المرحلة الإبتدائية كان يمسك عني كذا! وهذا لما كنا في المرحلة المتوسطة كان يفعل لي كذا! الآن أصبح رجلًا كبيرًا ويقول لما كنا في الإبتدائي ولما كنا في المتوسط! هذا معناه أن القلب مليء حقد وغل ولا يوجد رضى عن الله وعما قسمه، عندما كنت صغيرًا لا تُلام على غضبك من كذا وكذا، لكن لما تكبر وتنضح فالمنتظر أن هذا الماضي بالنسبة لك لم يحصل فيه شيء!كل مامضى بسيط، قد جبرنا الله وسترنا والحمد لله وأنعم علينا ومدنا بالصحة والعافية.
فالعبد يقدر نعم الله فيرى كيف نعم الله على نفسه ويرى كيف أعطاه وكيف وهبه، لايتذكر من ماضيه إلا مواطن العطاء من رب العالمين، وليس أن يبقى في نفسه النقص.
هذه ثغرات كبيرة يأتي منها الشيطان وتبقى هذه السلسلة ما تنتهي تنسج لنفسك أحزانًا وكل مرة تقول الماضي فعل كذا وكذا والمستقبل سيكون كذا وكذا وسيفعلون كذا وكذا، طالما تفكر في الماضي بهذه الطريقة فسيكون تفكيرك للمستقبل أسوا منه! لما يصبح مريضًا من إشارات المرض الخطير أن ينظر للماضي على أنه كمية من الأحزان وعلى هذا سينظر للمستقبل على أن هذا لن يكلمه وهذا سيهجره وهذا سيأخذ ماله وهذا يضحك عليه ومن ثم لا تطيب نفسه أبدًا بشيء.
لذا لابد أن نستخرج من قلوبنا الرضا عن الله، وهذه أهم كلمة سنقولها في الصحة النفسية كل هذه التفاصيل ستخرجنا بجملة واحدة:
الصحيح تفسيًا هو الذي تجده راض عن الله في كل وضع.
والرضا عن الله يقابله أن الله يرضى عن العبد، والنفس المطمئنة التي نبحث عنها أنها راضية مرضية فالخلاصة أن يعيش الإنسان راض عن الله تراه لا يفتش عن ماضيه في الأحزان ولا في واقعه عن الآلام ولا ينسج لمستقبله مصائب إنما يرضى بما قسم الله.
أسأل الله أن يجعلنا جميعًا من الراضين الصحيحين نفسيًا نصل إلى ربنا بقلب سليم وهو سبحانه الذي يُسلم قلوب العباد، فما لنا إلا أن نسأله أن يسلم قلوبنا وقلوب المسلمين وذرارينا اللهم آمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
القاعدة الثانية:
الله خلق للإنسان الحاجات حتى تصدر منه العبادات.
↩️هذا المفهوم يدور حول وظيفة الإنسان في الدنيا، وظيفتنا في الدنيا عبادة الله،
لكن هذه الوظيفة المختصرة تحتاج إلى تفصيل حتى تأتي الصحة النفسية.
العبادة معناها الذلّ والانكسار لله، وهذا الذلّ والانكسار ما يحصل إلا لما تحصل الحاجة،الدنيا خلقت في كبد، وهذا الكبد لماذا يأتي؟ لأنك تحتاج وتتحرك من أجل أن تسدّ حاجتك، تحتاج أن تأكل، تحاج أن تشرب، تحتاج المال، البيت، الزوجة،
الأبناء.. وتتحرك لسدّ حاجاتك.
لماذا الحاجات كثيرة وطرقها عسيرة؟
لأن في هذه النظرة أنت تحقق معنى العبادة لله، خلق الله للإنسان الحاجات حتى تصدر منه العبادات.
وهذا واضح جدًا في الحديث القدسي (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ[2].
خلقت الدنيا على طبيعة توصلنا للوظيفة، فالذي يريد أن يبقى مرتاحًا وساكنًا وما عنده أي مشاكل ويريد أن يأتي بكل الأمور جاهزة حتى يرتاح فيظهر له شيء ناقص؛
حتى يقول يارب أعنّي، ساعدني، سهّل لي، وفّقني لأصل لهذا الأمر.. فالمشكلة أننا نركز في الشيء الناقص وما نركز أنه ما نقص أصلًا إلا لتطيع!
كل ما نشأت الحاجة نشأت الطاعة،
حتى الحاجة الفكرية! (يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ).
لما تأتيك شبهة في القلب -نسأل الله أن يحفظ قلوبنا وذرارينا- من أجل أن تطلب الهداية من الله،ولم تأتيك من أجل أن تدور به يمين ويسار قبل ذلك وقبل أن تكبر المسألة وتكتئب أول أمر استهدي الله واطلب منه الهداية، هذا غالبًا يأتي بعدم الصحة النفسية وهذه النقطة مهمة لأن كثير من الأمراض النفسية تأتي من هذا. الذي يصاب بشبهة في قلبه بمسألة تتصل بدينه أحيانا كثيرة يرى أن الخلاص أن ينتحر ويموت!
وهو لو كان صحيحًا نفسيًا لقال لنفسه:
كل هذه الاضطرابات والأشياء التي تنقص كي أصدر أمامها عبادة وطاعة.
نضرب مثال على ابن تيمية
ذُكر عنه أنه -رحمه الله- لما يشتبه عليه المعتزلة والأشاعرة المخالفين ويستصعب عليه المسألة ويشبه عليه وهو يريد أن يبيّن الحق للمسلمين ويريد أن يجيب على شبهتهم، ذُكر عنه أنه يخرج خارج المدينة ويعفّر وجهه في التراب ساجدًا لله، ويستغيث ويطلب من الله ليفتح عليه، وها هو ميراثه اليوم يستقي منه الناس[3].
ما أتتك الحاجة لتكون حزينًا ولا لتكون مكتئابًا ولا لتكون متوترًا ولا لتقول أنا إنسان قلقل، تأتيك الحاجة لتري الله من نفسك توكلًا واستهداءً واعتماد وثقة وحسن ظن،
لا أن تري الله منك عدم الثقة به وعدم اليقين أنه سينجيك!
مع أنه أمس نجاك، وقبله نجاك، كل شهر تعيش نفس المشكلة يضيق عليك ثم يأتيك الرزق من حيث لا تحتسب!
وأنت تقرأ:{وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[4] تحسب وتحسب فتكتئب! يرزقك من حيث لا تحتسب ويطمئنك، ثم يأتي الشهر الثاني وتكتئب مرة ثانية! عيب عليك!
من رزقك أول الشهر يرزقك هذا الشهر، عيب أن يأتي أحد ويقول أنا في آخر حياتي وسن التقاعد وخائف من أولادي يهملوني ويرموني لازم أُؤَمٍّن حياتي الباقية!
مَن حفظك وأنت في بطن أمك وأخرجك من بطن أمك سيحفظك إلى آخر حياتك!
أحسن الظن بالله.
يقول انظر مثال هنا وهنا!
نقول: من يحسن الظن بالله لا يخذله الله أبدًا!
ليس لنا بالأمس لنا بما يحمله القلب، فيكون صغير ويحمل هم مستقبله ويخوفه الناس ولا توجد وظائف وما في أموال!
بهذه الطريقة وكأن المال مخزونة عند الخلق! (الملك) الله خزائنه ملأى، يده سحاء الليل والنهار،
لكن لماذا يضيق عليك؟
ليستخرج منك الطاعة، لم الأمور ضيقة؟ لم تجوع؟
لتطلب منه الطعام، فلما تشبع تقول الحمد لله
(إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدَهُ عَلَيْهَا)[5] فنجوع ونعطش ونعرى حتى تكون عندنا هذه الأشياء حاجات لتكون عندنا صحة نفسية لا أن تكون حاجة تسبب لنا الاكتئاب.
الصحة النفسية منهج 8
تأتيك الحاجات لتصمد إلى الصمد الواحد، وهذه من الراحة أن تصمد إلى واحد سيّد قد كمُل في سؤدده، فالواحد الذي تلجأ إليه سيّد فوق هؤلاء، ملك فوق الملوك، سيد عالم فوق العالمين، سيد قريب فوق القريبين، فلما أقرأ كل يوم سورة الصمد تكون عندك صحة نفسية تقول لك لا تقلق، لما يكون عندي غدًا مشوار أريد أن أقوم به أو لقاء ألقى به الناس أضع كل مخاوفي عند بابه وأقول ثقة بك لا أقلق! ينتظرون الوظيفة ويعتقدون أن الحصول عليها بدون كبد حتى لو حصلت على الوظيفة ففيها كبد وترقيتك فيها كبد ليس كل الناس يصلحون لدخول جنات النعيمهذه الدنيا كل حاجة تنشأ فيها ليس من أجل أن تتعذب إنما من أجل أن تسأل الله
·يصيبك الصداع ليس من أجل أن تتعذب بل من أجل أن تسأل الله أن يشفيك وتعيش تحت اسمه (الشافي)
·تجوع فتستطعمه.
·تحتاج مال فتطلب من (الرزاق)
·تحتاج الأولاد فتطلب منه أن يهبك فتعيش تحت اسمه (الوهاب)
·ينكسر قلبك من المؤذين فيجبره فتعيش تحت اسمه (الجبار)
·تقع في خطأ فتطلب منه أن يسترك فتعيش تحت اسمه (الستير)
وهكذا الحياة هي للقيام بالوظيفة و الوظيفة هي العبادة، وهي في حقيقتها حاجة وتقابلها طاعة فكلما احتجت أطعت فتعيش تحت الحاجة. ويظهر لك في الطاعة من هو الله، كلما احتجت وأطعت عرفت من هو الله، عرفت أنه قريب ويسمعك، عرفت أنه ملك، أنه الأول الذي ليس قبله شيء، الآخر الذي ليس بعده شيء، الظاهر الذي ليس فوقه شيء، الباطن الذي ليس دونه شيء، فكلهم إن اتفقوا على أن لا يعطوك فالله هو الظاهر الذي جاءك من حيث لا تحتسب ولا يحتسبون.
القاعدة الثالثة:
الطمأنينة بمناجاة الله واستهدائه عند المخاوف.
من الأشياء المزعجة في الحياة: الملجأ، الخوف، التيه، من الأشياء التي تخيفنا الخوف من الضياع، يخيفنا كثيرا ويسبب لنا أزمات نفسية كيف نختار لما تأتينا اختيارات؟ كيف نصل لأحسن الأوضاع؟ فالتيه شيء مخوف، الاختيار شيء مخوف، هذا الشأن الناس كلهم يشتركون فيه وهو يعتبر جزء من أهم حاجات الحياة.
مثلًا شابة صغيرة تقول أتزوج هذا أو لا أتزوجه؟ أدخل هذه الكلية أو هذه؟ أصاحب هؤلاء أم لا أصاحبهم؟ تكبر ويكبر التيه، أشتري هذا أم لا أشتري؟ فتبقى في كل مرة في حيرة أمام الاختيارات، يكبرون يزيد الخوف ولا ينقص! وكلما كبرنا كان الخيار أكبر، نختار عن أنفسنا وعن غيرنا، قرارنا لصغارنا ومن نربي، فتزيد مشاعر الخوف في نفوسنا.
أحد أهم أسباب الاكتئاب، إحساس الإنسان بأنه بحاجة إلى ركن شديد، يخاف الإنسان فيحتاج إلى ركن شديد، هذا الكلام من الكلام الذي مضى لكنه خاص، وهو حاجة عند الناس كلهم.
فالصحيح نفسيًا في كل الطريق يستهدي، ليس تائهًا، يعتقد أن له ركن شديد يلجأ إليه في كل حالة خوف، إذًا معناه هذا كيف سيفكر في الحياة؟
الناس يفكرون أنه لو حصلت اضطرابات سياسة سأودع أموالي في دول كذا وكذا، والثاني يقول أبني بيوت في كذا وكذا، والثالث يقول أنا أُؤمن نفسي وأشتري بضاعة،
فكل الناس يفترضون حلولًا من عندهم وأحيانًا كثيرة ما تصيب هذه الحلول ولا تسد الثغرات ويأتي مايعوقها،
لماذا يفعل الناس ذلك؟
لأن أحد الأشياء التي تخيفهم غدًا من سيكون معي؟ غدًا من سيشد من أزري؟ غدًا من سيعطيني؟ فيمرض هؤلاء وينسون ركنهم الشديد! وينسون أنهم ما يتوهون مادام أنهم مع الله.
الصحة النفسية منهج 10
يأتي مثلًا في اتخاذ قرار يقول غدًا الناس يلومونني ويبقى في هاجس طويل يخاف أن يتخذ فيه قرار وينسى أن ربه مالك الملك العليم الذي وصفه أنه بكل شيء عليم فلو استخاره واستهداه سكنت نفسه، فللعبد عند كل مخاوف ركن شديد يؤمنه، الإنسان المؤمن نفسه ما تخاف أن يخذلها الله، فإذا خافت مباشرة يكون مأمنها هو الله بمعنى لا نقول على المؤمن أنه ما يخاف، هو يخاف من الأحوال لكن لا يخاف أن يخذله الله.
مثل موسى عليه السلام، أول ما خاف توكل على الله، اعتمد على الله، ولذلك لما قال فرعون: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ }[5]، قال موسى عليه السلام: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[6]. فالخوف طبيعة بشرية لا يمكن أن تندفع بنفسها لكنه مباشرة لما يحصل الخوف يعوذ يلجأ يطلب من الله يدعو يستعيذ بالله، فإذا كان أمر قد مضى يدعو، وإذا كان أمر مستقبلي يستعيذ بالله.
مثلا يقال لشخص أنتم عندكم مرض وراثي مادام في سلسلة عائلتكم كذا فهذا المرض وراثي، هذا الكلام ماذا يفعل له؟ يخاف، هذا الخوف طبيعي، لكنه عندما خاف وسوس له الشيطان وأصبح لا ينام الليل وكل شهر يعمل فحص لدرجة أنه يميت نفسه قبل أن يأتيه حتى المرض! الصحيح نفسيًّا يستعيذ بالله من شر هذا المرض، فلا نقول عنه أنه لا يخاف، يخاف لكنه إذا خاف يلجأ إلى الله.
وبهذا يذهب أهم أسباب الاكتئاب وهو الخوف، يفكر في مستقبل أو يخاف من شيء فيصبح رهين هذا الخوف.
مثلًا يُقال لشابة ما أظنك ستتزوجين! فتأخذها كأنها قاعدة وكأن القائل قد اطلع على قدر الله! كأنه يقال لها أنت أسباب زواجك ضعيفة، وتكتئب لنفترض أنه وقع في القلب الخوف من هذا الشيء فهذا لا يأتي بالاكتئاب، بل يأتي بالدعاء واللجوء وسؤاله ويأتي الثقة بالله والاستعاذة بالله من ضد ذلك.
فإذًا من علامات الصحة النفسية مقابل الخوف (الثقة أن هناك ركن شديد).
فالصحيح يتصور أن الدنيا ليست يسيرة وأن كل الحاجات وجدت من أجل أن تحصل الطاعات وهذا العسر الذي في الدنيا يجعل الإنسان يعيش دائمًا فزعًا إلى الله وكلما تعرض لمخاوف وقربت منه المهالك كان مطمئنًا أن عنده من يرشده وعنده من يطمئنه فهو في صحة نفسية لأنه واثق بالله.
الصحة النفسية منهج 11
القاعدة الرابعة: من علامات الصحة النفسية الاستفادة من التجارب السابقة وتصور أن الله يرقي العبد في الابتلاءات ليزداد قوة نفسية.
وهذا الأمر كثيرًا ما يُفهم خطأ يأتي أحد يقول أنا لي عشرين سنة وأنا صابر! ماذا بقي له من بعد العشرين سنة؟! كأنه يقول: لماذا أنا فقط التي أُبتلىفاكتأب لما رأى تاريخه كله بلاءات! يُقال له الله عز وجل من سنته في معاملة الخلق أنه إذا أراد رفعة أحد كيف يُعامله؟ يُبتلى بلاءً فيقوي قلبه ثم يُبتلى بلاء أعلى منه ثم يُبتلى فيكون قلبه قد أصبح أقوى:
· أقوى في اللجوء إلى الله.
· أقوى في الصبر والاحتمال.
· أقوى في معالجة المسألة وتقليبها.
لا تجعل الشيطان بعد أن مشيت شوطًا طويلًا في الصبر ومعرفة الحق واللجوء إلى الله يجعلك تقول أنا تعبت وضعفت، بالعكس نفسك تزداد صحة لما تزداد بلاءً؛ لأن الله من لطفه بالخلق أن يعليهم مراتب في هذه المسائل.
انظر لحياة النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج من بلده التي يحبها مع صاحبه، يدخل الغار ويأتي المشركين ويسمع طرق نعالهم وقلبه وقلب الصديق -رضي الله عنه- يشعران بهم تمامًا، فيقول لصاحبه: }لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}[7] هذه مرحلة، ثم تكبر المسائل وتعظم البلاءات ويصبحوا صفين ويقاتل صلى الله عليه وسلم المشركين وتعظم البلاءات ويقع المنافقون في عرضه ويصبر صلى الله عليه وسلم، وترى المنازل في البلاءات تتعلى، وهو يزداد تجملًا!
من رحمة الله أن لا تقع المصائب مرة واحدة، إنما يلطف به لينزله منزلة تصلُح بها نفسه، فالمفروض لما يكثُر علينا نوع البلاء لا يلعب بنا الشيطان ويحصل الملل بل يكون موقفي في المرة الثانية لما يأتي البلاء أو مايشبهه أقوى من موقفي في المرة الأولى، لا تأتي المسألة بالعكس ونقول خارت قوانا!
القوى تعظم كلما زاد الإنسان إيمانًا كلما وقعت عليه البلاءات وعامل الله بما يصح معاملته
القاعدة الخامسة: أن البلاء الذي ينزل على الإنسان يناسب قوته تمامًا فلا يضعفه الشيطان.
أنت من تكون فالبلاء يأتي يناسبك تمامًا فلا تجعل الشيطان يقول لك تقول أنا ما أتحمل هذا أبدًا ! لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها يعني ما أعطاك إياه سيكلفك ما أتاك إياه بالضبط فكأن الإنسان يقول لنفسه: الله لم يبتليني إلا وهو يعلم قواي فأقلب قلبي لأستخرج هذه القوة منها، ألسنا نرى الناس تنزل عليهم البلاءات ولا يتصرفون كما ينبغي؟ هل هذا يعني أنه نزل عليهم بلاء لا يناسبهم؟ الجواب لا، بل سبق الشيطان إلى قلوبهم فضعفهم ومنعهم من استخراج القوى التي وُهبت.
بمعنى حتى يكون الإنسان صحيح نفسيًا عليه أن يعرف أن البلاء الذي ينزل عليه يناسب قواه، فلو وقع عليه مايضره حتى لو فكريًا مثلًا يأتي أحد يُدخل عليه شبهة وأصحابه معه مادخلت عليهم شبهة فلماذا دخلت عليه الشبهة؟ لأنه عنده قوة يستطيع أن يستخرجها من نفسه في سؤال الله أن يهديه ويعلمه في سؤال الله أن يدله في أن يعلمه فيتعلم.
فأنت جاءتك هذه البلوى من أجل أنك تستطيع أن تستخرج قواك التي رزقك مايدفع عنك هذا البلاء ويجعلك صحيحًا نفسيًا، فلا أحد يأتي ويقول لماذا أنا أُبتلى وهؤلاء لا يبتلون.
ويتطور الأمر النفسي أن يقول أنا مستعد لأي نوع من البلاء إلا هذا البلاء الذي وقع عليه! هذا كله يسبب أن يدخل الإنسان في اكتئابات شديدة لأنها لا ترى الناس يأتيهم هذا النوع من البلاءفهو يرى أنه لا يستطيع تحمل هذا النوع من البلاء فلا يبتليك إلا بما تستطيعه من البلاء فقط بقي أن:
· تستخرج من نفسك هذه القوة
· وتطلب من الله أن يرزقك الصبر
· وتسأله أن يدفع عنك الباطل وتستعيذ به
عندك ركن شديد تسأله أن يعطيك. فالمقصود أن من أسباب الصحة النفسية أن تعرف أن البلاء يلائمك لا تفكر أبدًا في بلاء غيرك ولا تقول لماذا يأتيني أنا هذا البلاء ولا يأتي لغيري.
مثلًا تجد أحد أسنانه تؤلمه، وأنت رئتك تؤلمك، تقول أنا مستعد أتحمل ألم الأسنان فقط يذهب ألم الرئة! ولما يأتيك ألم الأسنان ستقول نفس الكلام! فأنت لا تتخير المصائب بل تحمل ما أتاك، لا تقول أنا أتحمل كذا وأتحمل كذا! يسوء الأمر أكثر أن يقول: ربنا لو أخذ كل شيء لا بأس إلا هذا لا يأخذه! كل هذا يجعل الشيطان يُكبر دائرة الحزن في القلب والاكتئاب بدل أن يقلصه في القلب أن هذا المفقود وراءه العوض. ولذا تأتي القاعدة التي بعدها.
القاعدة السادسة: الثقة المطلقة أن كل مفقود وراءه عوض أحسن منه
من أسباب الصحة النفسية أن تثق ثقة مطلقة أن كل مفقود وراءه عوض أحسن منه! لا يمكن الكريم الذي خزائنه ملأى ويده سحاء أن يختبرك فيأخذ منك ولايعوضك ويجبر قلبك، هذا في الدنيا قبل الآخرة لكن لابد أن نلحظ أن من أهم العطايا التي هي أعظم من المفقودات أن يصبّ الله على القلب إيمانًا! وهي مما يغفل عنه الناس فقد يأتي أحد فيقول أنا ما عوضني عن المفقود بمثله! نقول عُوضت خيرًا منه:
· لما أعانك على الصبر فصبرت
· ولما احتسبت وقت ماتلقاه
· ولما ازددت يقينًا وإيمانًا فعوضك
فأبسط الأشياء أمامها أعظم التعويض، حتى الشوكة لو شاكتك أنت أمامها مأجور! ويوم القيامة تود في تلك الحسنة أن تزحزحك عن النار، ففكر جيدًا وافهم أن كل مفقود وناقص أمامه العوض، والعوض في الدنيا قبل الآخرة، ومن أعظم العوض الذي يجب أن تشعر به وأنت صحيح نفسيًا أن يزيد إيمانك ويجعل قلبك مشروحًا، الناس ينظرون إليك على أنك مصاب وأنك مريض وأنك مكتئب، وأنت مشروح قابل راض، ومنتج لا تتوقف ولا تنشل. فهذا كله من عطايا الله ومن الجبر الذي يجبره الله وما أطيب جبر الله!
فالمقصود أن العبد لما يفكر جيدًا أن كل شيء يعوض و لا يوجد خسارات أبدًا، ويدخل في الدنيا تجارة مع الله، يبقى يرى أنه رابح فلا يكتئب، ويفكر دائما في الأرباح. من الذي يكتئب؟ من يرى نفسه خسران لكن صاحب الحالة النفسية الذي يعلم أن العوض موجود يفهم أنه رابح فلا يكتئب ويفكر دائمًا في الأرباح وسيجدها دائمًا هنا قبل هناك، ستجد طيبا في نفسك قبل أن تجد الأجور يوم القيامة.
الصحة النفسية منهج 15
فنقيس أنفسنا و نفكر هل نحن كلما ضاقت علينا الدنيا ونقص علينا شيء نفكر في العوض عند الله أم لا نفكر فيه ولا نتأمل ولا نرى ماذا سيعطينا ربنا أمام ما فقدنا؟ إذا كنا نفكر ونقول أننا نرابح مع الله ونتاج فمعنى ذلك أن نفسنا ستكون في صحة جيدة.
القاعدة السابعة: الصحيح نفسيًا يرى في ماضيه أن الله قد أحسن إليه ويرى وينظر لمستقبله أنه كما أحسن إليه في أول الأمر سيحسن إليه فيما بقي إلى أن يموت.
من القواعد التي تقيس نفسك بها في الصحة النفسية كيف تنظر لماضيك وكيف تنظر لمستقبلك:
· فإن كنت تنظر لماضيك أن الله قد أنعم عليك وأنك لم تشكره حق الشكر فيلهج لسانك بشكره، وتنظر لمستقبلك على أن الله مطمئنك وأن الله لن يخذلك وأنه سيزيدك ويعطيك وأنه سبحانه يستحق أن تشكره قبل أن تصل لهذا المستقبل، فإن كانت هذه نظرتك للماضي والمستقبل فالحمدلله أنت صحيح نفسيًا.
· أما إن كنت تحمل عن الماضي أنك حُرمت وترى وأن الله لا يعطيك وأن ربنا أعطى غيرك أحسن مما أعطاك دائمًا أنت لست محظوظًا هذا وهذا أكثر حظًا منك، إذا كنت كذلك فكيف سترى مستقبلك؟ ستراه أسوأ منه! فهذا يدلّ على أنه ليس هناك صحة نفسية.
الصحيح نفسيًا حالته أنه يرى في ماضيه أن الله قد أحسن إليه ويرى وينظر لمستقبله أنه كما أحسن إليه في أول الأمر سيحسن إليه فيما بقي إلى أن يموت، ليس في قلبه مرض الحسد ولا حقد.
الصحة النفسية منهج 16
المريض نفسيًّا ينظر لهذا أخذ وهذا أخذ وتبقى في ذاكرته، حتى لو جاء يتكلم عن الماضي تراه يقول هذا أريد أن أقتص منه لأنه اعتدى علي! هذا لما كنا في المرحلة الإبتدائية كان يمسك عني كذا! وهذا لما كنا في المرحلة المتوسطة كان يفعل لي كذا! الآن أصبح رجلًا كبيرًا ويقول لما كنا في الإبتدائي ولما كنا في المتوسط! هذا معناه أن القلب مليء حقد وغل ولا يوجد رضى عن الله وعما قسمه، عندما كنت صغيرًا لا تُلام على غضبك من كذا وكذا، لكن لما تكبر وتنضح فالمنتظر أن هذا الماضي بالنسبة لك لم يحصل فيه شيء!كل مامضى بسيط، قد جبرنا الله وسترنا والحمد لله وأنعم علينا ومدنا بالصحة والعافية.
فالعبد يقدر نعم الله فيرى كيف نعم الله على نفسه ويرى كيف أعطاه وكيف وهبه، لايتذكر من ماضيه إلا مواطن العطاء من رب العالمين، وليس أن يبقى في نفسه النقص.
هذه ثغرات كبيرة يأتي منها الشيطان وتبقى هذه السلسلة ما تنتهي تنسج لنفسك أحزانًا وكل مرة تقول الماضي فعل كذا وكذا والمستقبل سيكون كذا وكذا وسيفعلون كذا وكذا، طالما تفكر في الماضي بهذه الطريقة فسيكون تفكيرك للمستقبل أسوا منه! لما يصبح مريضًا من إشارات المرض الخطير أن ينظر للماضي على أنه كمية من الأحزان وعلى هذا سينظر للمستقبل على أن هذا لن يكلمه وهذا سيهجره وهذا سيأخذ ماله وهذا يضحك عليه ومن ثم لا تطيب نفسه أبدًا بشيء.
لذا لابد أن نستخرج من قلوبنا الرضا عن الله، وهذه أهم كلمة سنقولها في الصحة النفسية كل هذه التفاصيل ستخرجنا بجملة واحدة:
الصحيح تفسيًا هو الذي تجده راض عن الله في كل وضع.
والرضا عن الله يقابله أن الله يرضى عن العبد، والنفس المطمئنة التي نبحث عنها أنها راضية مرضية فالخلاصة أن يعيش الإنسان راض عن الله تراه لا يفتش عن ماضيه في الأحزان ولا في واقعه عن الآلام ولا ينسج لمستقبله مصائب إنما يرضى بما قسم الله.
أسأل الله أن يجعلنا جميعًا من الراضين الصحيحين نفسيًا نصل إلى ربنا بقلب سليم وهو سبحانه الذي يُسلم قلوب العباد، فما لنا إلا أن نسأله أن يسلم قلوبنا وقلوب المسلمين وذرارينا اللهم آمين.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق