الخميس، 4 يناير 2018

شرح ثلاثة الأصول


شرح ثلاثة الأصول « ١ » 

بِسْـمِ اللهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيـمِ
اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أَرْبَع مَسَائِلَ:
المسألة الأُولَى: الْعِلْمُ: وَهُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ، وَمَعْرِفَةُ نَبِيِّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَمَعْرِفَةُ دِينِ الإِسْلامِ بالأَدِلَّةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: الْعَمَلُ بِهِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: الدَّعْوَةُ إِلَيْهِ.
المسألة الرَّابِعَةُ: الصَّبْرُ عَلَى الأَذَى فِيهِ.



إبتدأ المؤلف رحمه الله بالبسملة « بسم الله الرحمن الرحيم » إقتداءً بكتاب الله فإن القرآن يبدأ بـِ « بسم الله الرحمن الرحيم » و إقتداءً برسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه كان يبدأ بها إذا أرسل كتبه إلى الملوك يدعوهم للإسلام .

إعلم رحمك الله
إعلم من العِلم و هو المعرفة الجازمة بالشيء ، رحمك الله هو دعاء من الشيخ لطالب العلم و القارئ بأن يرحمه الله ، وقد كان المشائخ و العلماء أول ما يدرسون طلبة العلم ، يقولون روى فلان عن فلان إلى قولهم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " الراحمون يرحمهم الرحمن إرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " .

يجب علينا تعلم أربع مسائل
أي يجب علينا معرفة هذه المسائل الأربعة
الأولى العلم
المسألة الأولى التي يجب أن تعرفها هي العلم ، و هي معرفة الله و معرفة رسول الله صلى الله عليه و سلم و معرفة دين الله الإسلام بالأدلة الشرعية ، فهذه لا بد أن تعرفها و تقدمها على كل شيء و تجعلها من أولوياتك ، فالإنسان إذا دُفِن سُئِلَ عن هذه الثلاث في قبره ، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم .

الثانية العمل به
فبعد أن تعلمت هذا العلم يجب أن تعمل بما تعلمت ، مثلاً إذا تعلمت أن الصلاة في جماعة فرض وَجِب عليك أن تصلي كل الصلوات في جماعة ، فكما قال شيخنا محمد بن محمد المختار الشنقيطي " مقصود العلم العمل " ، فالمقصد من هذا العلم ان تعمل به .

الثالثة الدعوة إليه
فإذا تعلمت العلم و من ثم عملت به وَجِبَ عليك أن تُعَلِمَهُ ، قال الله {  واذ اخذ الله ميثاق الذين اوتوا الكتابلتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون } ، و كما قال الشيخ إبن عثيمين : يقولون زكاة العلم تعليمه و هذا صحيح .

الرابعة الصبر على الأذى فيه
و إعلم أنك إذا نشرت العلم بين الناس ، فالناس قسمين : أهل حق و أهل باطل ، فأهل الباطل سيحاولون منعك من الدعوة لهذا الحق بكل الوسائل التي يقدرون عليها ، الواجب عليك ان تصبر و تحتسب خطواتك لله ، و لا بد أن تعرف أنك لست بأفضل من رسول الله صلى الله عليه و سلم و أن الذين سيقفون بوجهك ليسوا بأشد من أبو جهل و من عذب المسلمين ، و مع هذا صبر عليه الصلاة و السلام هو و صحبه الكرام حتى نالوا رفيع الدرجات ، فإصبر مثلهم ، و في صحيح البخاري قال صلى الله عليه و سلم "  سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً ، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ "


شرح ثلاثة الأصول « ٢ »

 والدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ . 
 قالَ الشَّافِعيُّ رَحِمَهُ الله : لَوْ مَا أَنْزَلَ اللهُ حُجَّةً عَلَى خَلْقِهِ إِلا هَذِهِ السُّورَةَ لَكَفَتْهُمْ. 
 وقَالَ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ الله : بَابُ العِلْمُ قَبْلَ القَوْلِ وَالْعَمَلِ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَٰه إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾ ، فَبَدَأَ بِالْعِلْمِ (قَبْلَ القَوْلِ وَالعَمَلِ) .

 ثم إستدل المؤلف رحمه الله بهذه المسائل الأربعة بقول الله { وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ  إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } .

 فالذين آمنوا ، الإيمان يعني العلم بالله
 عملوا الصالحات ، دليل على العمل
 وتواصوا بالحق دليل على الدعوة
 وتواصوا بالصبر دليل على الصبر .

قال الشافعي رحمه الله : لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم :
الشرح: قال الشيخ عبد الرزاق البدر عن حمّاد الأنصاري قال : "فتّشنا على هذه الكلمة بهذا اللّفظ فلم نجدها وقد وجدتّها في مناقب الشافعي للبيهقي بأسانيد رائعة بلفظ: لو فكر الناس في هذه السورة لكفتهم" ، و هذه هي العبارة الأصح .

قال البخاري رحمه الله : باب العلم قبل القول و العمل ، و الدليل قوله تعالى { فاعلم انه لا اله الا الله و استغفر لذنبك } فبدأ بالعلم قبل القول و العمل :
الشرح: أي أن الإمام البخاري بوب باباً في كتابه بعنوان « العلم قبل القول و العمل » و الدليل ان الله تعالى قال { فاعلم انه لا اله الا الله و استغفر لذنبك } فبدأ بقوله " فاعلم "  اي العلم ثم قال " و استغفر " ، الإستغفار هو عمل ، فالعلم قبل العمل .



شرح ثلاثة الأصول « ٣ »

 اعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّه يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، تَعَلُّمُ هَذِهِ الثَّلاثِ مَسَائِل، والْعَمَلُ بِهِنَّ : 

 الأُولَى: أَنَّ اللهَ خَلَقَنَا، وَرَزَقَنَا، وَلَمْ يَتْرُكْنَا هَمَلا، بَلْ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولاً، فَمَنْ أَطَاعَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَاهُ دَخَلَ النَّارَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وبيلا }
 الثَّانِيَةُ: أَنَّ الله لا يَرْضَى أَنْ يُشْرَكَ مَعَهُ أَحَدُ فِي عِبَادَتِهِ، لا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }.

 " إعلم رحمك الله " أي إجزم دون شك رحمك الله و هو دعاء من الإمام لطالب العلم و للقارئ بالرحمة و المغفرة و هو دليل على حرص الشيخ على هداية الناس و إرشادهم لطريق الحق ، أنه يجب معرفة ثلاث مسائل و العمل بمقتضى هذه المسائل .

 " الأولى أن الله خلقنا .. " أي أول هذه المسائل أن الله جل جلاله خلقنا لحكمة يريدها كما قال الله { و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون } ، و رزقنا و لم يتركنا سدىً دون علمٍ به ، لذلك بعث إلينا رسل ليرشدونا إلى الله ، فمن أطاع الرسل و آمن بالله دخل الجنة برحمة من الله و من لم يؤمن بهم و لم يؤمن بالله دخل النار عدلاً من الله ، لإن الله أرشده إلى الطريق الصحيح و الصراط المستقيم ، و الدليل قوله تعالى { إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وبيلا }

 " الثانية أن الله لا يرضى أن يشرك معه .. " أي المسألة الثانية ان الله تبارك و تعالى لا يقبل من البشر أن يشركوا به في عبادته ، فالصلاة مثلا عبادة فمن صلى لغير الله فقد أشرك في عبادة الله ، و كذلك الدعاء عبادة فمن دعا غير الله من الأموات أو الأولياء أو الصالحين أو الأنبياء حتى لو كان محمدٍ صلى الله عليه و سلم فقد أشرك في عبادة الله ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديث الصحيح « الدعاء هو العبادة » و كذلك الذبح و النذر و الطواف لغير الله ، كل هذه عبادات لا تكون إلا لله ، قال الله { و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا }.


شرح ثلاثة الأصول « ٤ »

الثَّالِثَةُ : أَنَّ مَنْ أَطَاعَ الرَّسُولَ، وَوَحَّدَ اللهَ لا يَجُوزُ لَهُ مُوَالاةُ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ قَرِيبٍ؛ وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى﴿ لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.

اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ، أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ، وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ وَمَعْنَى ﴿يَعْبُدُونِ﴾: يُوَحِّدُونِ، وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحيِدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ. وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْه الشِّركُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئ﴾ .


" الثالثة أن من أطاع الرسول .." أي إذا أطعت الرسول صلى الله عليه و سلم و آمنت بالله و وحدته فلا يجوز لك أن توالي أعداء الله و رسوله أو أهل البدع ، لا يجوز لك أن تكون معهم و تتفق معهم على ما هم عليه من ضلال أو كفر حتى لو كان أقرب قريب لك ، و الدليل قوله تعالى { لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ } .

" إعلم أرشدك الله لطاعته .. " و هذا دعاء من الإمام رحمه الله للطالب و للقارئ بأن يرشده الله لطريق الحق ، و الحنيفية هي الملة المائلة عن الشرك يعني ملة التوحيد ، و هي ملة إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام و هي عبادة الله وحده مخلصاً له الدين اي مخلص العبادة لله وحده فلا يصلي إلا لله و لا يدعو إلا الله و كذا سائر العبادات لا تكون إلا لله ، و بهذا أمر الله كل الناس ، بل خلقهم لهذه المهمة و هي عبادة الله وحده ، كما قال تعالى { و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون } ، و معنى يعبدون اي يوحدون الله في عبادته ، و أعظم ما أمر الله به هو التوحيد و هو إفراد الله بالعبادة ، فتكون العبادة فقط لله ، و أعظم ما نهى عنه الله هو الشرك ، أي أعظم الذنوب التي أمر الله الإبتعاد عنها هي ذنب الشرك الذي هو عبادة غير الله مع الله ، كمن يدعو الله و يدعو الحسين بأن يشفيه أو يدعو البدوي أو الرفاعي و هم أموات ليتوسطوا له عند الله ، هذا كله دعاء غير الله و هو شركٌ به تبارك و تعالى ، قال الله { و أعبدوا الله و لا تشركوا به شيئ } .


شرح ثلاثة الأصول « ٥ »

فإذا قيل لك ما الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها ؟

فقل معرفة العبد ربه و دينه و نبيه صلى الله عليه و سلم .

أي إذا سألك أحد عن الأصول التي يجب على الإنسان معرفتها ، فقل هي أن يعرف الإنسان ربه الذي خلقه و رزقه و دبر أمره و معرفة دينه دين الحق الذي يرضاه الله و معرفة النبي صلى الله عليه و سلم الذي أرسله الله لتبليغ هذا الدين .


شرح ثلاثةالأصول « ٦ »

فإذا قيل لك من ربك : يعني من ربك الذي خلقك .

فقل ربي الله الذي رباني و ربى جميع العالمين بنعمه : و رباني من التربية اي الرعاية ، فالله هو المربي الذي ربى كل العالمين بنعمه و رزقه :

  فمن يرزق البشر المسلمين و الكفار ؟ الله عز و جل .
  و من يرزق الحيوانات من طيور و أسماك و وحوش ؟ الله عز و جل .
  و من يرزق النباتات و الأشجار و غيرها من ماءِ المطر و حرارة الشمس ؟ الله عز و جل .
  فالله هو مربي كل الخلق .

و قوله بنعمه : أي بما أنعم الله عليهم بكل شيء :
  فقد أنعم الله على المسلمين بالهداية و الرزق و إرسال الرسل و وفقهم للهداية  و أنعم عليهم بكامل أمور حياتهم التي لا غِنى لهم عنها .   

  و أنعم على الكافرين بالرزق و الخلق و كامل أمور حياتهم التي لا غِنى لهم عنها .

وَ نِعَم الله لا تُعد و لا تُحصى ، قال الله { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } .

و هو معبودي ليس لي معبود سواه : أي أعبده و أتذلل له خضوعاً و تعظيماً له ، و أفعل أمره و أترك ما نهاني عنه ، قال الله : {  وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } .

و الدليل قوله تعالى { الحمد لله رب العالمين } و كل من سوى الله عالم و انا واحد من ذلك العالم : رب العالمين أي مربيهم بالنعم و خالقهم و مالكهم و مدبر أمورهم .

و كل من سوى الله عالم و انا واحد من ذلك العالم : العالم : هو كل شيء سوى الله سبحانه و تعالى ، و أنا الذي أجيب بهذا واحد من هذا العالم .

شرح ثلاثةالأصول « ٧ »

فَإِذَا قِيلَ لَكَ: بِمَ عَرَفْتَ رَبَّكَ؟ 
فَقُلْ: بِآيَاتِهِ وَمَخْلُوقَاتِهِ، وَمِنْ آيَاتِهِ: اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَمِنْ مَخْلُوقَاتِهِ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرَضُونَ السَّبْعُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَمَا بَيْنَهُمَا .
أي إذا سألك أحد بماذا عرفت ربك ، كيف عرفته ، فقل له : عرفته بآياته فكل آية في الأرض و السماء تدلك على وجود الله ، وقد تقرر في العقول أن الموجود لا بد له من سبب لوجوده ، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء ، لما سُئِل أعرابي عن وجود الرب قال  : « إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألا تدل على العليم الخبير » يعني عندما تذهب للشاطئ فترى آثار أقدام ، ماذا يعني هذا ؟ يعني أن أحدا مر من هنا ، و كذلك الذي يخرج من البعير يدل على وجود بعير ( جمل ) ، فما بالك بهذه الآيات و المخلوقات : الليل و النهار و الشمس و القمر و السماوات و الأرض ، هذه المخلوقات  كلها تدل على وجود خالق لها و هو الله .

ثم إستدل شيخ الإسلام رحمه الله على الآيات و المخلوقات بقوله تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ .


شرح ثلاثةالأصول « ٨ »

و الرب هو المعبود :

أي أن رب هذا الكون و خالقه هو الذي يُعبَد ، و هو الذي يتعلق الناس بعبادته وحده لا عبادة احد سواه ، و قد روى النسائي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : " صلَّيتُ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ فاستفتحَ بسورةِ البقرةِ فقرأَ بمائةِ آيةٍ لم يرْكع فمضى قلتُ يختِمُها في الرَّكعتينِ فمضى قلتُ يختمُها ثمَّ يرْكعُ فمضى حتَّى قرأَ سورةَ النِّساءِ ثمَّ قرأَ سورةَ آلِ عمرانَ ثمَّ رَكعَ نحوًا من قيامِهِ يقولُ في رُكوعِهِ سبحانَ #ربِّيَ العظيمِ سبحانَ ربِّيَ العظيمِ سبحانَ ربِّيَ العظيمِ ثمَّ رفعَ رأسَهُ فقالَ سمعَ اللَّهُ لمن حمدَهُ ربَّنا لَكَ الحمدُ وأطالَ القيامَ ثمَّ سجدَ فأطالَ السُّجودَ يقولُ في سجودِهِ سبحانَ #ربِّيَ الأعلى سبحانَ ربِّيَ الأعلى سبحانَ ربِّيَ الأعلى لا يمرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للَّهِ عزَّ وجلَّ إلَّا ذَكرَهُ " .

فالرب هو المعبود الذي يستحق التعظيم و التقديس و العبادة و التنزيه ، و إستدل المؤلف رحمه الله بقوله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآء بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } ، فلما قال { أعبدوا ربكم } ذكر بعدها مباشرة قوله { الذي خلقكم و الذين من قبلكم } أي الرب الذي يستحق العبادة هو الذي خلقكم و خلق من كان قبلكم ، و ليس غيره ، و لذلك قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ : الخَالِقُ لِهَذِهِ الأَشْيَاءَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ .

شرح ثلاثةالأصول « ٩ »

وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا مِثْلُ: الإِسْلامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ، وَمِنْهُ: الدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالإِنَابَةُ، وَالاسْتِعَانَةُ، وَالاسْتِعَاذَةُ، وَالاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا. كُلُّهَا للهِ تَعَالَى

الإسلام هو الإستسلام لله بالتوحيد و الإنقياد له بالطاعة و هو على خمسة أركان :
شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول اللهإقامة الصلاة . إيتاء الزكاةصوم رمضان .
حج البيت لمن إستطاع إليه سبيلا .

الإيمان هو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم من دين الإسلام ، و له ستة أركان :
الإيمان باللهو ملائكتهو كتبهو رسلهو اليوم الآخرو القدر خيره و شره .

الإحسان و له ركن واحد و هو :
أن تعبد الله كأنك تراه ، و إن لم تكن تراه فإنه يراك .
قال المؤلف رحمه الله « و منه الدعاء ... إلى قوله كلها لله تعالى » :
سيأتي شرحها فيما بعد إن شاء الله .

و إستدل المؤلف رحمه الله بقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ﴾ . فَمَنْ صَرَفَ مِنْهَا شَيْئًا لِغَيْرِ اللهِ؛ فَهُوَ مُشْرِكٌ كَافِرٌ؛ وَالدَّلِيلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلٰهاً آخَرَ لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ .


شرح ثلاثة الأصول « ١٠ »
وَأَنْوَاعُ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا مِثْلُ: الإِسْلامِ، وَالإِيمَانِ، وَالإِحْسَانِ، وَمِنْهُ: الدُّعَاءُ، وَالْخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ، وَالتَّوَكُّلُ، وَالرَّغْبَةُ، وَالرَّهْبَةُ، وَالْخُشُوعُ، وَالْخَشْيَةُ، وَالإِنَابَةُ، وَالاسْتِعَانَةُ، وَالاسْتِعَاذَةُ، وَالاسْتِغَاثَةُ، وَالذَّبْحُ، وَالنَّذْرُ، وَغَيْرُ ذَلَكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الَّتِي أَمَرَ اللهُ بِهَا. كُلُّهَا للهِ تَعَالَى .

فسمى سبحانه دعاءهم شركا. فالواجب على جميع المكلفين إخلاص العبادة لله وحده, رجاء وخوفا واستعانة واستغاثة وذبحا ونذرا وخشية لله وصلاة وصوما إلى غير ذلك, كله لله وحده فمن تقرب لغير الله من ولي أو نبي أو صنم أو شجر أو حجر بالدعاء أو بالذبح أو بالنذر أو بالصلاة أو بالصوم ونحو ذلك, فهو مشرك كافر أشرك بالله وعبد معه سواه, كفعل المشركين الأولين: من عباد القبور وعباد الأشجار والأحجار والأصنام, ولهذا قال عز وجل: {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون}. وقال تعالى: {إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار}. و قال سبحانه وتعالى: {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}.
فكل هذه العبادات يجب إخلاصها لله. ومن صرف منها شيئا لغير الله من صنم أو شجر أو حجر أو قبر فهو مشرك بالله ، لقوله تعالى: {ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون}. ولغيرها من الآيات السابقات. وهذا دليل على ما تقدم.
٢. وفي الحديث: "الدعاء مخ العبادة " , وفي لفظ آخر "الدعاء هو العبادة , وقال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} , فسمى الدعاء عبادة في قوله: {أستجب لكم إن الذين يستكبرون} يعني عن دعائي. فالدعاء هو أن يضرع إلى الله يدعوه, ويسأله النجاة, ويسأله الرزق, كل هذا عبادة, فإذا صرفها للصنم أو للشجر أو للحجر أو لميت, صار مشركا بالله عز وجل فيجب الحذر من الشرك كله, دقيقه وجليله, وأن تكون العبادة لله وحده, لكن دعاء الحي الحاضر القادر, والاستعانة به في الشيء المقدور عليه, لا بأس به ولا يعتبر داخلا في الشرك فلو قلت لأخيك الحاضر يا عبد الله أعني على قطع هذه الشجرة أو على حفر هذه البئر فلا بأس بذلك كما قال سبحانه في قصة موسى: {فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه}  الآية.

استغاثة الإسرائيلي على القطبي؛ لأن موسى قادر على إغاثته. يتكلم ويسمع. أما إذا اعتمد على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله حاضرا أو غائبا أو ميتا, واعتقد أنه ينفع من دعاه أو يضر لا بالأسباب الحسية من الشرك بالله. كما قال تعالى عنهم أنهم قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله} . فيظنون أنهم يستطيعون بعبادتهم إياهم أن يشفعوا لهم عند الله في حصول مطالبهم أو أنهم يقربونهم إلى الله زلفى.

كما قال الله سبحانه عنهم في الآية الأخرى: {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} .
وهذا من جهلهم وضلالهم بالشافع والمشفوع إليه. والله سبحانه له الشفاعة جمعيا, وهو الذي يتصرف في عباده كيف يشاء, فلا يأذن بالشفاعة إلا فيمن يرضى الله عمله. ولا يشفع أحد عنده إلا بعد إذنه. كما قال تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} , وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} , فالشفاعة لا تكون إلا بإذنه للشافع, ورضاه عن المشفوع فيه. وهو سبحانه لا يرضى بالشفاعة إلا لأهل التوحيد, كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لما سأله أبو هريرة قائلا: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ . قال: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه " أخرجه البخاري في صحيحه. ولا تكون الشفاعة إلا لمن رضي قوله وعمله من أهل التوحيد والإيمان.

شرح ثلاثة الأصول « ١١ »

قال المؤلف رحمه الله : و منه الخوف .
 قال الشيخ عبدالعزيز إبن باز رحمه الله :
  ومن ذلك الخوف وهو أقسام ثلاثة :

 الأول : خوف السر وهذا خاص بالله لأنه القادر على كل شيء وهو الذي يخاف ويخشي.
كما قال تعالى: {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} . وقال تعالى: {ولم يخش إلا الله} .
وقال تعالى: {فلا تخشوا الناس واخشوني} .
فالواجب خشية الله وخوفه؛ لأنه مصرف القلوب ومقلبها والقادر على كل شيء, وهو الذي ينفع ويضر, ويعطي ويمنع, فالواجب تخصيصه بالخوف وألا يخاف هذا الخوف إلا الله في كل الأمور. ولكن خوف السر يختص به سبحانه وهو كون الإنسان يخاف من أجل قدرة خاصة سرية ليست حسب الحس. ولذلك يعتقد عباد القبور أن بعض الناس له القدرة على التصرف في الكون مع الله جل وعلا. ويعتقدون ذلك أيضا في الأصنام والجن وغيرها, وهذا هو الشرك الأكبر. ويعتقد فيهم أيضا أن لهم القدرة على العطاء والمنع, وزيغ القلوب, وموت النفوس دون أسباب حسية.

 الثاني : خوف الأسباب الحسية كما قال تعالى في قصة أحد لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن المشركين قد جمعوا لكم وسيرجعون إليكم فأنزل الله في ذلك: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين}  , فالشيطان يخوف الناس من أوليائه, ويعظمهم في صدور الناس حتى يخافوهم, والله يقول: {فلا تخافوهم} , بل اعتمدوا علي, وأعدوا العدة ولا تبالوا بهم, كما قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} . وهذا الخوف الحسي لا بأس به لكن الخوف القلبي خوف السر هذا هو المنهي عنه أما الخوف الحسي, مثل أن يخاف من اللص أو السارق أو العدو, فيعد العدة من السلاح اللازم كل هذا لابد منه ولهذا قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم} وقال سبحانه في قصة موسى لما خرج من مصر خائفا من فرعون وقومه: {فخرج منها خائفا يترقب}  فإن هذا الخوف خوف حسي لا بأس به لكن لا يجوز  خوف العدو خوفا يمنع من جهاده، ونصر الحق، وإنما يحمله هذا الخوف على الإعداد للعدو وأخذ الحذر.

 الثالث : الخوف الطبيعي الذي جبل عليه الإنسان وهذا لا حرج فيه مثل خوف الإنسان الحية والعقرب والسبع، فيتباعد عنها ويقتلها ويتباعد عن مظنة السباع حتى لا يتأذى بها. هذا أمر لابد منه والله جبل الناس على الخوف مما يؤذي حتى يتحرز منه يخاف البرد فيلبس الثياب الغليظة، ويخاف من الجوع فيأكل، ويخاف العطش فيشرب. هذه أمور طبيعية لا بأس بها .

شرح ثلاثة الأصول « ١٢ »
قال المؤلف رحمه الله : و منه الرجاء .
 قال الشيخ عبدالعزيز إبن باز رحمه الله :
 وهكذا الرجاء عبادة لله فيرجو الله ويحسن به الظن كما قال تعالى : { فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا }  . فالرغبة إليه ، ورجاء ما عنده عبادة له سبحانه وتعالى ، قال تعالى : {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} . فالرغب : الرجاء ، و الرهب : الخوف. وكلاهما عبادة ، وعلى العبد أن يحسن ظنه بربه ، ويعمل بالأسباب الشرعية وإن الظن الحسن مع الأخذ بالأسباب يعود على العبد بالخير وبالرحمة و بدخول الجنة وبمغفرة الذنوب .

شرح ثلاثة الأصول « ١٣ »

قال المؤلف رحمه الله : و منه التوكل و الرغبة والرهبة والخشوع و الخشية .
 قال الشيخ عبدالعزيز إبن باز رحمه الله :

 وهكذا التوكل عبادة . وهو التفويض إلى الله, والاعتماد عليه في كل الأمور مع الأخذ بالأسباب. فتعتمد على الله في السلامة من الشر, والعافية من الفتن, وحصول الرزق, وفي دخول الجنة, والنجاة من النار, مع الأخذ بالأسباب المشروعة قال تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} , وقال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} , يعني كافيه.
وهكذا الرغبة والرهبة والخشية من الله كل هذه عبادات. قال تعالى: عن الأنبياء والصالحين: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} يعني خائفين يخشون الله, ويخشعون لعظمته أي يذلون.


شرح ثلاثة الأصول « ١٤ »

قال المؤلف رحمه الله : و منه الإنابة و الإستعانة و الإستعاذة  .
 شرح الشيخ عبدالعزيز إبن باز رحمه الله :

 وهكذا الإنابة عبادة : قال تعالى : {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له}  والإنابة معناها: الرجوع إلى الله, والتوبة إليه, والاستقامة على طاعته, فهذه عبادة لله. يجب على الإنسان أن ينيبوا إلى الله, ويرجعوا إليه, ويتوبوا إليه, ويستقيموا على طاعته.
 وهكذا الاستعانة عبادة كما قال تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} وفي الحديث "إذا استعنت فاستعن بالله" . فيستعين العبد بالله فتقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك. اللهم أعني على طاعتك. اللهم أعني على كل خير, إلى غير هذا تستعين بالله في كل المهمات.
وهكذا الاستعاذة عبادة : أن تستعيذ بالله من الشرور, وتلجأ إليه, كما قال تعالى: {قل أعوذ برب الفلق}  وقوله: {قل أعوذ برب الناس} , فالاستعاذة بالله من الشيطان, ومن كل مؤذ, ومن كل عدو, أمر مأمور به, كما قال تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} .


شرح ثلاثة الأصول « ١٥ »
قال المؤلف رحمه الله : و منه الإستغاثة و الذبح و النذر .
 شرح الشيخ عبدالعزيز إبن باز رحمه الله :
 وهكذا الاستغاثة عبادة أن تستغيث بالله في الشدائد من عدد, أو تطلبه إنزال الغيث المبارك, أو بكشف الضر, كما قال تعالى : {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم}  .
وهكذا الذبح عبادة: قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي} أي ذبحي {ومحياي ومماتي لله رب العالمين} .

وهكذا النذر عبادة قال تعالى: {يوفون بالنذر}  وقال تعالى : {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه} , الآية وقال صلى الله عليه وسلم "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" . فالنذر عبادة وطاعة لله. فإذا فعل الإنسان لزمه الوفاء, والنذر مكروه؛ لأن فيه التزاما؛ وفيه مشقة, ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: "إن النذر لا يأتي بخير" , ولكن إذا نذر طاعة لزمه الوفاء . لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "من نذر أن يطيع الله فليطعه". فإذا نذر عبادة من صلاة أو صوم أو غيرهما لزمه الوفاء لما تقدم .


شرح ثلاثة الأصول « ١٧ »

 قال المؤلف رحمه الله : فَأَرْكَانُ الإِسْلامِ خَمْسَة : شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ, وَإِقَامُ الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان وَحَجُّ بَيْتِ اللهِ الْحَرَامِ" .

 شرح الإمام إبن باز :
 وأركانه خَمْسَةٌ: شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ, وأن محمداً رسول الله وَإِقَامُ الصَّلاةِ, وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ, وَصَوْمُ رَمَضَانَ, وَحَجُّ البيت لمن استطاع إليه سبيلا. كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قولة: "بني السلام على خمس: شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وصوم رمضان وحج البيت .


شرح ثلاثة الأصول « ١٨ »

 قال المؤلف رحمه الله : فَدَلِيلُ الشَّهَادَةِ : قَوْلُهُ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

 شرح الإمام إبن باز :
 فأول أركان الإسلام: شهادة أن لا اله إلا الله. وبها يدخل العبد في الإسلام فيشهد أن لا اله إلا الله: أي لا معبود حق إلا الله. وهي نفي واثبات, فلا إله نفي, وإلا الله إثبات قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وقال: {مَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} الآية. وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} ، أما قولها بدون العمل بها, فلا تنفع كأن يقول لا اله إلا الله, ولا يخص الله بالعبادة فإن شهادته لا تنفع, كالمنافقين فإنهم يقولونها ولا يعتقدونها فهم في الدرك الأسفل من النار. فالذي يقول لا اله إلا الله ويعبد القبور والأصنام لا تنفعه بل هي باطلة. 


شرح ثلاثة الأصول « ١٩ - ٢٠ - ٢١ - ٢٢ »

شرح الإمام إبن باز
  وَدَلِيلُ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} . وقال تعالى : {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} , وقال تعالى : {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} .

  َودَلِيلُ الصِّيَامِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} . إلى قوله تعالى سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ} , أي أن الصيام واجب عليكم كل عام في شهر رمضان.

  و دليل الحج قوله تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} وهو مرة في العمر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" . وقَوْلُهُ تَعَالَى : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} .

  وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} .

  وَمَعْنَى شَهَادَة أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ, وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ, واجْتِنَابُ مَا نهى عنه وزجر, وأن لا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ.

  وَدَلِيلُ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} .

  َودَلِيلُ الصِّيَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .

  َودَلِيلُ الْحَجِّ قَوْلُهُ تَعَالَى : {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} .

شرح ثلاثة الأصول « ٢٣ »

شرح الإمام إبن باز :
 الإيمان : هو ما يتعلق بالقلوب, من التصديق بالله, وأنه رب العالمين, وأنه هو المستحق للعبادة, والتصديق بالملائكة وبالكتب وبالرسل وبالبعث بعد الموت والجنة والنار وبالقدر خيره وشره. كل هذا يتعلق بالقلوب. فهو أصل من الأصول التي لا بد منها. فلا إسلام إلا بإيمان ولا إيمان إلا بإسلام. فلا بد من هذا وهذا. لا بد من إسلام الجوارح, ولابد من إسلام القلوب وإيمانها. ولهذا جمع الله بين الأمرين في كتابه العظيم. وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم. ذكرهما جميعاً. فالإسلام هو الانقياد الظاهر بطاعة الله وترك معصيته. والإيمان يشمل الأعمال الباطنة مما يتعلق بالقلوب وتصديقها, ويطلق الإسلام على الإيمان ويطلق الإيمان على الإسلام. فإذا قيل الإيمان عم جميع وإذا قيل الإسلام عم الجميع قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ}  فيعم ما يتعلق بالباطن والظاهر. وهكذا الإيمان إذا أطلق عم الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأضلها قَوْلُ لا اله إِلا اللهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأذى عن الطريق"  , فالإيمان هنا يعم الجميع فيعم أركان الإسلام, ويعم جميع الأعمال الظاهرة, كما يعم الباطنة. كما أنه يشمل الإحسان.


شرح ثلاثة الأصول « ٢٤ - ٢٥ »

شرح الإمام إبن باز :
 أما الإحسان فهو إكمال العبادة ظاهراً وباطناً وهو أن تعبد الله كأنك تراه, فإن لم تكن تراه فإنه يراك, فمن عبد الله على هذا الاستحضار فقد أدرك مرتبة الإحسان, واجتمع له الخير كله, كما قال الله سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} .
وقال عز وجل: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .


 شرح ثلاثة الأصول « ٢٦ »

شرح الإمام إبن باز :
  هذا هو الأصل الثالث وهو معرفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فعلى الإنسان أن يعرف نبيه الذي أرسله الله إليه، وبلغه الرسالة, وبين له الشرائع التي أمره الله بها، وأوضح له العبادة التي خلقنا الله لها.

  هذا النبي هو محمد عليه الصلاة والسلام، خاتم الأنبياء، ورسول الله لهذه الأمة من الجن والإنس. أرسله الله للناس جميعا قال تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} . فاسمه محمد، واسمه أحمد، واسمه الحاشر, والماحي , والمقفي ؛ لأنه خاتم الأنبياء, وهو نبي التوبة, ونبي الرحمة, ونبي الملحمة. هذه كلها أسماؤه عليه الصلاة والسلام لكن أشهرها وأفضلها وأعظمها محمد الذي سماه به أهله وجاء به القرآن قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} . وهكذا أحمد كما بشر به عيسى: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}  فهو محمد وأبوه عبد الله وجده اسمه عبد المطلب. وعبد المطلب لقب , وإلا فاسمه شيبة وأبو جده اسمه هاشم وهو سيد من سادات قريش كما أن عبد المطلب كذلك. وهاشم من قريش قبيلة عظمية وهي أفضل العرب. والنبي صلى الله عليه وسلم من خاصتهم من بني هاشم وهم أفضل قريش. واسمه فهر بن مالك, وقيل قريش هو النضر بن كنانة جد فهر بن مالك, وقريش من العرب المستعربة التي استعرب لسانها فصار لها لسان عربي واضح , فهي أكثر عروبة من قحطان. ولهذا يقال لهم العرب العاربة والعرب المستعربة, وهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل.

شرح ثلاثة الأصول « ٢٧ »

شرح الإمام إبن باز :
   وهذا النبي العظيم وهو محمد صلى الله عليه وسلم نبيء باقرأ فأول ما نزل عليه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}  وصار بها نبياً .

  وقال أتاه جبريل وهو في الغار. غار حراء فأقرأه هذه السورة. ثم بعد مدة يسيرة جاءه بالمدثر فصار رسولاً بقوله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} . "والمدثر" الملتحف.
 لأنه بعد ما جاءه الوحي, اشتد عليه الأمر وقال: زملوني زملوني ... دثروني دثروني من شدة ما أصابه من الخوف لما ضغط عليه جبرائيل عليه الصلاة السلام مرات. ثم قال: اقرأ تمهيداً لأعباء الرسالة وعظمتها ثم قال الله: {قُمْ فَأَنْذِرْ} , أي: قم فأنذر الناس. فصار رسولاً بأمره بالنذرة: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}  أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}  أي طهر أعمالك من الشرك؛ لأن تطهير الملابس غير مراده في هذه الآية، لأن الصلاة لم تفرض في ذلك الوقت, فالمراد هنا الأعمال كما قال تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} . فالعمل يسمى لباساً: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}  فالرجز: الأصنام. وهجرها تركها, والبراءة منها وأهلها.


شرح ثلاثة الأصول « ٢٨ »

شرح الإمام إبن باز :
 أخذ على هذا الأمر عشر سنين. يدعو إلى التوحيد ويحذر من الشرك, ويأمر بخلع عبادة ما سوى الله سبحانه, وترك عبادة الأصنام والأوثان , ويأمرهم أن يخصوا الله بالعبادة في دعائهم ونذرهم وذبائحهم وغير ذلك . ثم بعد العشر عرج  به صلى الله عليه وسلم إلى السماء مع جبرائيل وفتحت له السموات إلى موضع رفيع فوق السماء السابعة . حتى سمع فيه صريف الأقلام . ثم ناداه الله جل وعلا وكلمه وفرض عليه الصلوات الخمس. فرضها خمسين صلاة ثم لم يزل يطلبه التخفيف حتى جعلها الله خمساً. فقال الله سبحانه: هي خمس في العدد وهي خمسون في أم الكتاب. فمن حافظ على الصلوات الخمس وأداها, كتب الله له أجر خمسين . فالحسنة بعشر أمثالها . فنزل بذلك عليه الصلاة والسلام فاستقرت الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر. صلاهما في مكة ثلاث سنين قبل أن يهاجر .


شرح ثلاثة الأصول « ٢٩ - ٣٠ »

شرح الإمام إبن باز :
  ثم هاجر إلى المدينة بعد ما اشتد عليه أذى قريش له ولأصحابه, فأذن الله له بالهجرة من مكة؛ لأجل أذى وظلم قريش, إلى المدينة إلى الأنصار وقد بايعوه في موسم الحج على أن ينتقل إليهم وينصروه رضي الله عنهم وأرضاهم. فلما تمت البيعة وأذن لله له بالهجرة هاجر إليهم. وكان بعض أصحابه قد هاجر قبل ذلك إلى الحبشة ومكثوا عند النجاشي مدة. ثم هاجر بقيتهم إلى المدينة فلما استقر بالمدينة جاء الذين في الحبشة إلى المدينة واستقر الجميع في المدينة والحمد لله.


شرح ثلاثة الأصول « ٣١ »

شرح الإما إبن باز :
   فلما استقر في المدينة بعد الهجرة أمره الله ببقية شرائع الإسلام من الزكاة وصيام رمضان وحج البيت والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن المدينة صارت دار إسلام وهي العاصمة الأولى للمسلمين، فلهذا أمروا بهذه الأمور؛ لأنهم يتمكنون حينئذ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا من رحمه الله عز وجل أن أجل هذه الواجبات إلى أن هاجر إلى المدينة وكان أصل الزكاة مشروعاً في مكة كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} , ولكن أنصباؤها ومصارفها وتفاصيل أحكامها, كل هذا صار في المدينة وهكذا صيام رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة, وهكذا الحج شرع في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة وأنزل الله فيه: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} , في سورة آل عمران وهي مدنية. وهكذا الجهاد أمر به في المدينة, وكان في أول الأمر يجاهد من جاهده, ويكف عمن كف عنه, ثم أمر بأن يبدأهم بالقتال, وأن يجاهد الكفار وإن لم يبدأوا, فيدعوهم إلى الله يرشدهم إليه, فإن أجابوا وإلا قاتلهم؛ حتى يستجيبوا للحق إلا أهل الكتاب فإنه يقبل منهم الجزية. وسن الله في المجوس سنة أهل الكتاب. إما إسلام وأما جزية. وأما بقية الكفرة إما الإسلام وإما السيف مع القدرة.


شرح ثلاثة الأصول « ٣٢ - ٣٣ - ٣٤ - ٣٥ »

شرح الإمام إبن باز :
  وبعدما أكمل الله به الدين توفاه الله إليه بعد عشر سنين من الهجرة قال الله تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} و قال جل وعلا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} .
والناس إذا ماتوا يبعثون كما قال تَعَالَى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} .     
وقال سبحانه: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} .
وقال سبحانه: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} فهم محاسبون ومجزيون يوم القيامة, ويعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم فالسعيد يعطى كتابه بيمينه, والشقي يعطى كتابه بشماله. السعيد يرجح ميزانه والكافر يخف ميزانه, وأصحاب المعاصي على خطر فقد يرجح ميزانهم بالتوبة, أو بعفو الله, أو بالحسنات, وقد يخف ميزانهم فيكونوا من أهل النار, فيعذبون فيها ما شاء الله, ثم يخرجهم الله من النار بسبب موتهم على الإسلام. فالواجب على كل مكلف أن يحذر سيئات العمل, وأن يلزم التوبة والاستقامة؛ لأنه لا يدري متى يهجم عليه الأجل. فالحزم كل الحزم أن يأخذ المسلم بالعزيمة؛ ويجاهد نفسه حتى يستقيم على الحق, والتوبة النصوح من جميع الذنوب, حتى إذا هجم عليه الأجل إذا هو على خير عمل وعلى استقامة فيفوز بالسعادة والنجاة يوم القيامة.


شرح ثلاثة الأصول « ٣٦ »

شرح الإمام إبن باز :
  والرسول صلى الله عليه وسلم مرسل إلى جميع الناس إلى الجن والإنس, كما قال تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}  وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً} فهو خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ، وهكذا الرسل جميعاً أرسلوا إلى أممهم مبشرين ومنذرين, من أولهم إلى آخرهم ، فأولهم نوح بعثه لما وقع الشرك في قومه.

وقبله آدم فإنه نبي رسول مكلف. أرسله الله إلى ذريته؛ يعبدوا الله بالشريعة التي جاء بها أبوهم آدم عليه الصلاة والسلام, واستمروا على الإسلام والاستقامة, حتى وقع الشرك في قوم نوح, فلما وقع الشرك في قوم نوح, أرسل الله إليهم نوحاً عليه الصلاة والسلام, وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك. وكل أمة بعث الله إليهم رسولاً. فعاد أرسل الله إليهم هودا, ثم أرسل الله صالحاً إلى قومه ثمود, ثم أرسل إبراهيم ولوطاً وشعيباً في زمان متقارب, ثم جاءت الرسل بعد ذلك تترى, ففيهم موسى وهارون وعيسى وأيوب وداود وسليمان, ثم ختموا بمحمد عليه الصلاة والسلام ثم ختموا بمحمد عليه الصلاة والسلام, وهو خاتمهم وآخرهم وأفضلهم عليه الصلاة والسلام, قال الله جل وعلا: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} , فقوله مبشرين يعني: يبشرون من أطاعهم بالجنة. ومنذرين: يعني ينذرون الناس من الشرك بالله, ومن النار والعذاب الأليم, إذا خالفوا أمر الله. وهكذا محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله بشيراً ونذيراً, كما قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِه وَسِرَاجاً مُنِيراً} وقال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} فالواجب على جميع الأمم اتباع رسلهم. فكل أمة يجب عليها أن تتبع رسولها, وتنقاد لما جاء به من الهدى, وقد وعدها الله على ذلك السعادة في الدنيا والآخرة, وأكثر الخلق قد عصوا رسلهم وخالفوا ما جاءت به الرسل قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} , وقال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .


شرح ثلاثة الأصول « ٣٧ - ٣٨ - ٣٩ - ٤٠ »

شرح الإمام إبن باز :
   وكل رسول يدعو أمته إلى توحيد الله, وطاعته, وترك الشرك به ومعصيته. قال تَعَالَى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} , اعبدوا الله يعني: أطيعوه ووحدوه واستقيموا على دينه, واجتنبوا الطاغوت. والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله وهو راض. وكل من حكم بغير ما أنزل الله أو دعا ذلك. والطاغوت هو الذي يتجاوز الحد إما بشركه وكفره, وإما بدعوته إلى ذلك, وشرهم ورأسهم إبليس لعنه الله. وهكذا كل من دعا إلى عبادة نفسه, أو رضي أن يعبد من دون الله, كفرعون والنمرود, أو ادعي شيئاً من علم الغيب, كالكهنة والعرافين والسحرة في الجاهلية وفي الإسلام. وكذلك من حكم بغير ما أنزل الله متعمداً, فهؤلاء رؤوس الطواغيت, وكل من جاوز الحد, وخرج عن طاعته الله, يسمى طاغوت. 
قال تَعَالَى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} فالرشد: الإسلام وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والغي: الكفر بالله والضلال.

 قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . فيكفر بالطاغوت, يعني: يتبرأ منه, ويعتقد بطلانه, فيتبرأ من الشرك: {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} يعني: يصدق أن الله معبوده , وإلهه الحق , ويؤمن بالشريعة وبمحمد عليه الصلاة والسلام وينقاد لذلك. هذا هو المؤمن. ثم قال: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ} .
 يعني:استعصم: {بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وهي لا إله إلا الله كلمة التوحيد. يعني: فقد استمسك بالعروة التي لا انقطاع لها. بل من استمسك بها صادقاً, واستقام عليها, وصل إلى الجنة والكرامة، لأن لها حقوقاً, وهي توحيد الله, وطاعته واتباع شريعته.
 ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين, وهو رسول الله إلى جميع أهل الأرض. من الجن والإنس. فيجب على جميع المكلفين, طاعته واتباع شريعته.
 ولا يجوز لأحد الخروج عنها, وجميع الشرائع الماضية كلها نسخت بشريعته عليه الصلاة والسلام كما قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}  الآية وقال قبلها سبحانه: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}  وقال سبحانه: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} ,
 وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار "  أخرجه مسلم في صحيحه. والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة, وقد أجمع أهل العلم رحمهم الله على أنه لا يسمع أحداً من هذه الأمة الخروج على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وأن من اعتقد ذلك فهو كافر كفراً أكبر مخرجاً من الملة.

  وَ فِي الْحَدِيثِ: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامِ, وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ, وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" .
  فعلى جميع المكلفين أن يوحدوا الله, ويعبدوه دون كل ما سواه, وأن يكفروا بالطاغوت, وينكروا عبادته, ويلتزموا بالتوحيد, واتباع شريعته سبحانه وتعالى, وتعظيم أمره ونهيه.

  و رأس الأمر يعني : رأس الدين هو الإسلام. يعني : شَهَادَةُ أَن لا اله إِلا اللهُ وَأَنَّ محمداً رسول الله . فمن التزم بها دخل الإسلام, وعموده الصلاة وهي الركن الثاني وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين, ثم يلي ذلك الزكاة والصيام والحج وبقية أوامر الله. وذروة سنامه, الجهاد في سبيل الله، لأن به صيانة الدين وحمايته, وبه دعوة الناس إلى دين الله وإلزامهم بالحق . فهو ذروة سنامه، من جهة ما تضمنه من حماية الدين، والدعوة إلى الحق. والله أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق