الاثنين، 22 يناير 2018

كيف ترزق الحكمة



كيف ترزق الحكمة 
1

الحكمة هبةٌ ومنةٌ من الله يعطيها لمن يشاء من عباده، ويكفي في فضلها قول ربنا جل وعلا { وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } ..

من أجمع تعريفاتها:
أنها فعلُ ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي .

أي أنها رجاحة العقل، والرشد والسداد وحسن التصرف ..


الرشد في المواقف من أكبر صور الحكمة، فقد تكون الحكمة بالتغافل ..

وقد تكون بالصمت وتأجيل الكلام ..

قد تكون بالتنازل من أجل تحقيق مصالح أكبر..!

قد تكون بالتغابي في الوقت المناسب ..!

قد تكون بجعل مسافات بينك وبين أناس أنت تعرف أن قربك منهم سيحمّلك أشواكاً تظل طيلة عمرك وأنت تنزعها من قلبك..!

وقد تكون بأن تتوارى قليلا وتنسحب حتى لا تتحكم فيك مشاعرَ طفولية تنسى فيها كل المعروف فتهدم كل شئ، وتخسر كل شئ ..
وهناك أشخاص إن خسرتهم فمن الصعب تعويضهم ...!

وقد تكون الحكمة بأن تُبقي الباب مردودا لا تقفله وتسده، فتترك لمن أمامك خط رجعة يستطيع به أن يعود وأن يعتذر
وأن يُصلح ما انكسر..

كيف ترزق الحكمة 
-٢-

من أراد الحكمة فليبذل أسبابها، ومن أسبابها:

١- اطلبها من الله ،،،
فالله الذي يؤتيها، والله الذي يمنحها .. فبالدعاء يسخر الله لعباده كل شئ ..
يقول ابن القيم رحمه الله: "كل خير فأصله توفيق الله للعبد ومفتاحه الدعاء".

٢- العلم ،،،
وأول العلم الذي يُكسبك الحكمة هو العلم بالكتاب والسنة ..

فكلما ازدت معرفة بالله وأسمائه وصفاته وسننه في خلقه، ازدت نوراً في التعامل مع الناس وأصبحت ردود أفعالك في المواقف تختلف عن غيرك ..

فحين تُبتلى مثلاً بإنسان سيء الخلق فأنت على يقين أن الله قد قسم الأخلاق بين عباده كما قسم بينهم أرزاقهم، فتسأل الله أن يعافيك مما ابتلي به وأن يكمل لك أخلاقك..!

كما أن اطلاع الإنسان على التاريخ وخبرات الناس وتجاربهم والجمع بين الأشباه والنظائر في المواقف والإتعاظ بها كل هذا مما يزيد الحكمة


كيف ترزق الحكمة 
-٣-

من أراد الحكمة فليبذل أسبابها، ومن أسبابها:

٣- صفاء السريرة ،،،
فالقلوب إذا صفت رأت ..!

صفاء الباطن، طهارته، خلوّه من النفاق ومن الكذب والتمثيل، خلوّه من السواد والملوثات ..

كل هذا يؤثر على عقل الإنسان وبصيرته وتصرفاته، فالباطن يؤثر على الظاهر.


• سُئل أحد الحكماء ما الفراسة؟
فقال: "هي نظر الصالح بنور الصلاح والصدق والتقوى الذي في قلبه فينطق بالحكمة".


• فالقلبُ إذا غمره النور أبصر...

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "والله إني لأحسب أن بين عينيّ عمر ملَك يسدده ويرشده" .

 الله أكبر ...!
أي رجل كنت يا عمر؟
وما الذي أنار بصيرتك؟

لقد كان عمر من أهل الورع والتقوى والمحاسبة ..

كان كثير الصدق ..
فإذا قال صدق،
وإذا قال  فعل!
استوى ظاهره مع باطنه ..

كان كثير الخوف، قدر الله في قلبه كبيراً، عظم الله في السر فهداه في العلانية وتلألأت بصيرته


كيف ترزق الحكمة 
-٤-

من أراد الحكمة فليبذل أسبابها، ومن أسبابها:

٤- الصمت وترك ما لا يعنيك،،،

رأس الحكمة الصمت، وبابها اللسان .. 
يقول عمر رضي الله عنه: "من ترك فضول الكلام مُنح الحكمة".

• فالحكيم ليس بالمذياع ولا المهذار ولا الثرثار، ورسولنا صلى الله عليه وسلم قال: "أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون" .


• ومن هنا تعلم أن أكثر من يفتقد الحكمة هم الثرثارون الذي اُبتلوا بشهوة الكلام ..
من يطُلق لسانه ولا يأبه له..
من يتكلم ليتكلم..

فلا يمكن بحال من الأحوال أن يكون هؤلاء من الحكماء..!

وهاهو لقمان الحكيم يوصي ابنه "يابني إن اللسان مفتاح الخير فاختم على فيك  كما تختم على ذهبك وفضتك"..


• إن كل صمتٍ تصمته يُضيف لكلامك الذي لم تتكلمه بعد وهجاً ورونقاً ..
فأكثر من الصمت الحكيم لتنطق بالقول الحكيم ،،



كيف ترزق الحكمة 
-٥-

من أراد الحكمة فليبذل أسبابها، ومن أسبابها:

٥- التأني، التؤدة، الحلم ،كظم الغيظ،،،

• إنها الأركان الأساسية التي تصقل شخصية الحكيم.

○ فلا يمكن لإنسان يكون غضبه سريعاً، يسترسل مع غضبه و يتابع غضبه .. 
○ ردود أفعاله سريعة..
○ قراراته ارتجالية ليست مدروسة ولا موزنة ..
○ قليل الإستشارة ..
○ سريع الإستفزاز والإستثارة بأدنى كلمة أو تصرف ..
○ مبالغاً  مضخماً للأحداث ..
أن يكون حكيماً...!

• فالعجلة والغضب والثرثرة آفات تقضي على الحكمة، ولا يزال الإنسان يجني من ثمرة العجلة الندامة..!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "التأني من الله والعجلة من الشيطان".


كيف ترزق الحكمة 
-٦-
من أراد الحكمة فليبذل أسبابها، ومن أسبابها:
٦- تهذيب النفس وكبح جماحها ،
فصاحب المزاج المتقلب والمزاج الملول، والعسِر، الوعِر، كثير اللجج والخصومة، كثير السؤال والتدقيق .. هو أبعد مايكون عن الحكمة!
فالذي لا يستطيع أن يداري نفسه فأنّى له أن يُداري الناس ..

والحكمة إنما هي :
نضج عقل،
وقوةُ صبرٍ،
وبسطُ تغافلٍ،
ومداراة ..

وتأمل في كلام الأعرابية وهي تمدح زوجها بغض طرفه وتغافله كما جاء في حديث أم زرع : "زوجي إن دخل فهَد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد..."

وكما قيل : 
[التغافل هو تسعة أعشار العقل بل هو العقل كله] ..

كيف ترزق الحكمة 
-٧-
من أراد الحكمة فليبذل أسبابها، ومن أسبابها:
٧- العزلة وكثرة التأمل والتفكر،،،

• والمقصود أن يأخذ الإنسان من يومه وليلته وقتاً مستقطعاً يخلو فيه،
يبتعد عن الناس وضجيجهم ..
يبتعد عن الصوارف والشواغل والملهيات ..

يُقبل فيه على ربه ويأنس به، ويُديم النظر والتفكر والتأمل ..

قيل أن مولى لقمان سأله: إنك تديم الجلوس لوحدك فلو جلست مع الناس كان آنسُ لك!
فرد عليه لقمان: "إن طول الجلسة أفهم للفكر، وطول الفكر دليل على طريق الجنة..!"

• أدخلني الله وإياكم ووالدينا وذرارينا الجنة ..

اللهم ارزقنا الحكمة والتؤدة والهدي الصالح والسمت الحسن، واجعلنا من الراشدين ..

انتهت سلسلتنا أسأل الله أن يتقبلها وينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها ومن بلغته ... آمين





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق