السبت، 1 سبتمبر 2018

الصدق مع الله




 
الصدق مع الله 
-١-
لظروف عمله أمضى حياته في بلد أوربي ..
كانت علاقته مع القرآن ضعيفة، قدر الله له أن يأتي للعمرة في العشر الأواخر من رمضان ..

بدأ يشاهد المعتكفين وحفظة القرآن ، ويرى كثرة تردادهم وختمهم للقرآن وانشغالهم به في ليلهم ونهارهم، وكيف أنهم يعيشون مع القرآن ..

عندها شعر ما معنى الفرح بالقرآن، وما معنى أن تعطي القرآن عمرك كله..!

يقول:
فتحسرت على نفسي وعلى عمري الذي ذهب، وبكيت بين يدي الله وأنا في بيته وسألت الله بصدق "يارب ارزقني القرإن كما رزقتهم".

عاد لبلده، وبدأت رحلته مع القرآن يتعلمه ويدرسه ويجوده
حتى أتم حفظه، ورزقه الله القرآن بل وأخذ إجازةً في قراءتين ..

ومارُزق القرآن إلا في لحظة صدقٍ صدقها مع الله..!


[اصدق الله يصدقك]
من صدق مع الله صدقه الله ..

الله يحفظ للصادق صدقه ويعامله بهذا الصدق، وتأتيه المعونة من الله على قدر صدقه ..

ومن قصد الله سهل الله له الوصول إليه ،،،


 الصدق مع الله 
-٢-
• *عن أي صدق نتكلم؟*

إننا نتكلم عن الصدق بمعناه الإيماني ..

○ الصدق الذي هو منزلة من منازل الإيمان العالية الرفيعة، منزلة من منازل إياك نعبد وإياك نستعين ..

○ نتكلم عن مرتبة الصديقية التي هي أعلى مرتبة يمكن أن يصل لها البشر، تأتي بعد مرتبة النبوة مباشرة  :
{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ *وَالصِّدِّيقِينَ* وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا }

○ نتكلم عن الصدق الذي معناه وتعريفه :
[أن يرى الله من قلبك أنك تريده].

تريد الله ولاشئ غير الله،
تريد الله وحده ..!

أن يرى الله من قلبك أنك تحبه،
أن يرى الله من قلبك أنك تعامله،
عندها سيصنع الله لك فوق ما يصنع لغيرك ،،،


 الصدق مع الله 
-٣-

قال صلى الله عليه وسلم : 
"ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا".

● *كيف يعامل العبد ربه بالصدق ويصل لمرتبة الصديقية؟*

١/ *أن يكون صادقاً في قلبه ونيته وإرادته ،،*
وقد أخبرنا القرآن عن الصحابة الذين أرادوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وهم فقراء ليس معهم رواحل تبلغهم ..

اعتذر منهم رسول الله {قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ..}
ولا تأتي هذه الدموع الحارة الغزيرة إلا من قلبٍ قد احترق..!

انتهت الغزوة،
رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه إلى المدينة، وهم في طريق عودتهم قال : 
"إنَّ بالمدينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا إلا كانوا معكم" . قالوا : "يا رسولَ اللهِ، وهم بالمدينة"ِ ؟ قال : "وهم بالمدينةِ، حبسهُمُ العذرُ" .

هؤلاء خرجوا بأبدانهم، 
وهؤلاء خرجوا بقلوبهم ونياتهم ..

والمؤمن يدرك بنيته ما لا يدركه بعمله..!

هذه النيات لا يراها الناس
لا تقع عليها أبصارهم
لا يحاكموك عليها ..
لا يراها ولا يعلمها إلا الله وحده،
وكفى بالله شهيداً.

*ومن هنا يبدأ الصدق من قلب العامل ونيته ،،،

 الصدق مع الله 
-٤-
● كيف يعامل العبد ربه بالصدق ويصل لمرتبة الصديقية؟

٢/ صادقٌ في عزيمته ،،

العزيمة التي بدأها مع الله يتمها مع الله.
إذا قال صدق
وإذا قال فعل
وإذا قال أتم..

٣/ صادقٌ في عبادته ،،

لا يقيم عبادته على الغش والكذب والرياء، ولا على الضجر والملل وكثرة الأعذار والتردد والكسل ..

إنما يحركه قلبه وحبه ومايتنعم به من لذة العبادة وطعوم الإيمان..

٤/ صادق في كلامه ووعوده وتعاملاته مع الناس،،

لا يحدث بكل ما سمع، فكفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ماسمع ..
لا يبالغ ويكبّر ويضخّم إن نقل لك خبراً ..
لا يستسهل الكذب أيا ماكانت درجته وأيا ماكان سببه ..

وإن دخل معك شريكاً في صُحبة أو تجارة أو خطبة أو في جيرة أو زواج لاترى منه إلا الصدق 
وشعاره "إن صدقا وبيّنا بورك لهما" ،،،



 الصدق مع الله 
-٥-

● كيف يعامل العبد ربه بالصدق ويصل لمرتبة الصديقية؟


٥/ صادقٌ في سره وعلانيته، مع نفسه ومع الناس، مع الصغير ومع الكبير ،،

لا تجد عنده تناقضاً ولا انفصاماً ولا ازدواجيةً، لا يعاملك بوجهين وليس له حالين ..
هو صادقٌ في كل أحواله لا يتلون..!

فالصادق أهم مايهمه أن لايظهر أمام ربه كاذبا ولا خائناً ولا مخادعاً ولا ماكراً ..

لأن الله أحب شئٍ إليه..
لأن قدر الله كبير في قلبه..
لأن الصدق هو السريرة التي يدخرها بينه وبين الله لينجو بها إذا وقف بين يديه ..

فلن ينجو عبدٌ يوم القيامة إلا بما انطوت به سريرته {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} ..

[ ولأن الصدق حقيقته واحدة: 
أن تظل أنتَ أنتَ لا تتغير ..

 الصدق مع الله 
-٦-

نحن للأسف الشديد أصبحنا نعيش في زمن مليئ بالكذب، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن من علامات الساعة أن يفشو الكذب، يكثر الكذب..

وأحيانا قد يمارس الإنسان الكذب حتى على نفسه!!
{ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}


لذلك .. فمن أعظم التجارة مع الله في مثل هذا الزمان :
• أن تكون صادقاً
• وتحب الصدق
• وتجاهد نفسك لتكون مع الصادقين ، فتتمثل قول الله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ }

فإن بقيت معهم وجالستهم وخالطتهم وتعلمت منهم وتربيت على مائدتهم، فستكون منهم ولاريب ..!

فهم القوم الذين لايشقى بهم جليس ..

ثم يقال لك مثلهم :
{قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ..}


الصدق مع الله 
-٧-

● هل من كواشف للصدق وعلامات للصادقين؟

نعم .. وهذه بعضها :


• الصادق يتتبع مراضي الله، يبحث عن محاب الله ..
فتجده يعتني اعتناء شديداً بالفرائض ثم النوافل، لأن الله عز وجل في الحديث القدسي يقول : "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه.." .


• الصادق لا ينتظر  نفسه، لا ينتظر أن يأتيه وقت لتنشط فيه نفسه للعبادة ..
فالنفس مثل البحر إن تركها على هواها وما تريده فلن ترسو له على ساحل ...

فهو يمرنها،
وهو يعودها، 
وهو يحببها ويعلمها الطاعة ..

فيأتيها من هنا ومن هنا، وكلما أغلقت عليه نفسه باب فتح لها باباً آخر ..
حتى تتمرن، حتى تتعلم، حتى تحب نفسه الطاعة وتألفها وتصبح سجية لها ..

فإن سأل سائلٌ وكيف يمرن الإنسان نفسه على الطاعة؟؟؟
الصدق مع الله 
-٨-
● كيف يمرن الصادق نفسه على العبادة؟

هي خطوات تلو خطوات ..
خطوات في التعامل مع القرآن، ومع القيام، ومع الذكر ..


• فلو أخذ يعلم نفسه بأن يفتح المصحف، ويقرأ جزء أو جزئين بدون انقطاع وبدون صوارف ولا شواغل ..
وصبر واستمر على ذلك ستألف نفسه القرآن وتحبه وسيصبح ممن يكررون ختم القرآن في كل شهر أو في كل عشر أو في كل أسبوع ..

حب القرآن
والتعلق بالقرآن
والنظر في القرآن 
أمر كبير، ورزق كبير ..!

[ انظر لمقدار محبة الله لك،
بمقدار محبتك أنت لكتابه..]

قال صلى الله عليه وسلم : "من سرّه أن يحب الله ورسوله فلينظر في المصحف".


• لو أخذ يعلم نفسه القيام بأربع ركعات في كل ليلة، ويروضها على ذلك بدون انقطاع ..
وأخذ ينظر لهذا القيام أنه :
اصطفاء
واجتباء
واختيار

وأن الله إذا أحب عبده أيقظه من فراشه وأقامه ليقف بين يديه بالصلاة ..

وأن هذا الوقوف فيه سرٌ بين العبد وربه، فالله يحب أن يراه على هذه الطاعة ..

فلو استحضر هذا لأحب القيام وتعودت نفسه عليه ،،،


الصدق مع الله 
-٩-
● *من كواشف الصدق:*

• *كثرة المجاهدة ،،*

الصادقون يجاهدون أنفسهم على تنقية قلوبهم من كل فساد ومن كل شر ..

يطهرونها من الغدرات والفجرات والإثم والحرام ..

يخافون أن يرى الله من قلوبهم ما يبغضه .. فيعلم أنها قلوب لا تستحق أن تناجيه، ولا تستحق أن تقف بين يديه، وأن تبكي بين يديه ...

فيحرمها من هداه، ومن عطاياه، ومن منحه ووهائبه..!


أيها المعرض عنا 
             إن إعراضك منّا

لو أردناك جعلنا
            كل ما فيك يردنا

فيجاهدون أنفسهم مجاهدة ويغالبونها مغالبة، حتى إذا نظر الله لقلوبهم وجدها قد تعففت  وتنزهت وتطهرت ،،،

الصدق مع الله 
-١0-

● من كواشف الصدق:

• الصادق لا يُصرّ ولا يتعمد ولا يجاهر ولايفتن نفسه،،

فلا يُتصور أن من يبحث عن مرتبة الصديقية ويجاهد نفسه للوصول إليها، ثم تجده يكسر كل الحواجز التي بينه وبين المعصية
ويخوض فيها ويصرّ عليها ..

الصادق لا يتهاون في أمر هدايته أبداً..!

هو يعلم أن الله يغار على محارمه، وأن الله لايصطفي لهذه المراتب العالية والمقامات الرفيعة إلا من كان أهلاً لها ..

فكما أن أهل الليل يخافون على ليلهم، وأهل العلم يخافون على علمهم .. وأهل القرآن يخافون على قرآنهم، فأهل الصدق يخافون على صدقهم ..

هم على يقين ..
أن الصدق لايُشترى..!

الصدق مع الله 
-11-

● من كواشف الصدق:

• الصادق لا يُظهر نفسه ولايبحث عن الشهرة،،

هو يعلم :
أن الشهرة بلاء 
وأن الشهرة مرض
وأنها مزلة أقدام ..

هو يعلم أن الله لايقبل إلا من الصادقين، وأن هذا الدين لا يقوم إلا على الصدق ..

وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حسم الأمر بقوله : "إن كان في الساقة فهو في الساقة، وإن كان في المقدمة فهو في المقدمة" .

فالقبول الذي يضعه الله في الأرض لفلان ولكلامه ولعلمه ويصبح له فضلٌ وصيتٌ وذكر .. إنما هو أمرٌ دُبّر في السماء..!

أمرٌ إلهي ..

فقد ورد في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام : "مامن عبد إلا وله صيتٌ في السماء، فإن كان صيته في السماء حسناً وضع له القبول في الأرض".

فالأمر قد قُضي ولم يعد إلا إصلاح السريرة ، وحب الخفاء ..







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق