زاد السائرين في تدبر سورة الكافرون (١)
بسم الله الرحمن الرحيم
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٣) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (٤) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦) .
١- في قوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) تشريف المخاطبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحينما يقول الله عز وجل لنبيه الكريم عليه الصلاة والسلام (قل) فإن ذلك يرشدنا إلى أن البلاغ النبوي الذي جاءنا من خلال القرآن الكريم إنما هو بلاغ أمر وبلاغ بالمأمور به .
٢- (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) خطاب شمل كل كافر على وجه الأرض، وإن كان المواجهون بهذا الخطاب هم كفارُ قريش، ولكنه يشمل كل كافر على وجه الأرض، فالخطاب لعموم الكفار متقدمهم ومتأخرهم، من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان في هذا الزمن، ومن يأتي بعد هذا الزمن يهودياً كان أو نصرانياً أو مجوسياً أو ملحداً ..
زاد السائرين في تدبر سورة الكافرون (٢)
٣- (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) لم يقل: يا أيها الأشخاص، أو يا أيها الآخرون، بل قال: (يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) خاطبهم بما هم متصفون به من الكفر، ناداهم بحقيقتهم ووصَفَهم بصفتهم لأن الحكم متعلق بالوصف ، وعلى هذا يتبين بطلان قول من قال إن إطلاق لقب (كافر) على غير المسلمين يولد الإرهاب المذموم شرعاً، لما فيه من تكذيب الله تعالى الذي كفَّرهم وسماهم (كافرين).
٤- الإعلان بكفرهم وتسميتهم بلقب (الكافرون) الذي سماهم الله به، ولا يجوز تسميتهم بغيره أو التوقف عن إطلاق الكفر عليهم، ولا يجوز مجاملة الكفار ومداهنتهم وتسميتهم بغير ما سماهم الله تعالى به.
زاد السائرين في تدبر سورة الكافرون (٣)
٥- في قوله تعالى :(لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)إعلان البراءة من العمل الذي يعمله المشركون براءة تامة، فقد دعا المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المهادنة، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، فنزلت السورة تقطع أطماع الكافرين، وتفصل النزاع بين الفريقين ..
وهكذا يوحي مطلع السورة وافتتاح الخطاب بحقيقة الانفصال الذي لا يرجى معه اتصال، والمفاصلة التامة بين الإيمان وبين الكفر وأنهما ضدان لا يلتقيان ولا يجتمعان أبداً مهما طال الزمن وتغيرت الوسائل .
زاد السائرين في تدبر سورة الكافرون (٤)
٦- (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) أي : ولستم أنتم مادمتم على شرككم وكفركم عابدين الله الذي أعبده، فعبادتكم له المقترنة بالشرك لا تسمى عبادة .
٧- (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ) لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل، فقوله: (وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ) براءة من كل ما عبدوه في الأزمنة الماضية والمستقبلة، ثم أكَّد ذلك بقوله (وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) مرة ثانية على سبيل القطع والتأكيد، ليرفع ما قد يتوهمونه من إمكان أن يكونوا على شيء من دينه وعبادته .
زاد السائرين في تدبر سورة الكافرون (٥)
٨- (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين) أي : لكم ملتكم وعقيدتكم بل وسلوكيات حياتكم وعاداتكم وأنماط عيشكم، ونحن لنا ملتنا وعقيدتنا وسلوكيات حياتنا وعاداتنا وأنماط عيشنا،
لا نوافقكم على ما أنتم عليه من الدين فإنه باطل مختص بكم، لا نشرككم ولا أنتم تشركوننا في ديننا الحق. وهذا غاية البراءة والتنصل من موافقتهم في دينهم .
٩- هذه الآية :(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) جاءت على سبيل التهديد، وليس معنى قوله (لكم دينكم) أن هذا إقرار لهم على دينهم أو أن دينهم صحيح، لكن هذا لأجل البعد والمفاصلة
زاد السائرين في تدبر سورة الكافرون (٦)
١٠- في قوله تعالى :( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ) بطلان دعوة وحدة الأديان أو التقريب بينها بحجة أنها جميعها أديان سماوية .. قال تعالى (إًنَّ الدًّينَ عًندَ اللّهً الإًسْلاَمُ) آل عمران ١٩، وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغً غَيْرَ الإًسْلاَمً دًيناً فَلَن يُقْبَلَ مًنْهُ وَهُوَ فًي الآخًرَةً مًنَ الْخَاسًرًين) آل عمران ٨٥.
١١- موالاة الله ورسوله والمؤمنين، والبراءة من الكفر والكافرين، وتجنب المساومة أو المداهنة على أي شيء من حقائق الإسلام العقدية أو الشرعية أو الأخلاقية .
عائشة بنت عبدالرحمن القرني
مكة حرسها الله ١١ / ٧ / ١٤٤١
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق