الأحد، 26 يوليو 2015

شرح كتاب الفتن من صحيح البخاري

سوف نبدأ بفضل الله ومنته , بشرح كتاب الفتن من صحيح البخاري .
الحديث الأول:
شرح كتاب الفتن: ما جاء في قول الله تعالى: ( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً)
المقدمة :
1- الإمام البخاري أبدع في هذه الأبواب، والناس في غفلة عنها، ويعتني الناس بالأحاديث والأحكام العملية،  وفي مثل هذه الظروف من أنسب ما يقرأ مثل هذا الباب من هذا الكتاب، وهو كتاب الفتن من كتاب صحيح الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-والفتن في الأصل: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار،والأمة الآن تفتتن وتمتحن وتختبر لينظر مدى تمسكها بدينها فالفاتن من الخلق وهو  آثم إن لم يتب، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ}.
والمفتون: المفتون الطرف الآخر، وهو الأمة الإسلامية في مثل هذه الظروف، الفتنة لها سبب وهو إدبارها عن دينها، هذا هو السبب، فتنا وابتلينا بأعدائنا، والنتيجة إن استفدنا من هذه الفتن، ورجعنا إلى ديننا صارت الفتنة خيراً لنا، وإن استمر بنا الغي والضلال صارت سوءاً على سوء، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ}.بتلينا سنين بل عقود في هذه البلاد وغيرها بالجوع والخوف والقتل والنهب، وثبت أكثر المسلمين على دينهم، فلم يتنازلوا لا عن دين ولا عرض، ثم ابتلوا بعد ذلك بالسراء ففتحت عليهم الدنيا التي خشيها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته، (والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم) وهذا هو الحاصل، فتحت علينا الدنيا فحصل الخلل الكبير بعد أن فتحت علينا الدنيا، وهذا أمرٌ تشاهدونه، النعم كفرت على كافة المستويات إلا من رحمه الله، لو نظرنا إلى واقع عموم المسلمين -عامة الناس- وجدناهم لما فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله
*ومن الفتنة أن يفتن الناس بالأخبار الموضوعة والواهية والإشاعات وترتب عليها أحكام هذه الفتنة، أن يتعلق الناس بالأخبار الضعيفة والموضوعة والرؤى والمنامات والتحليلات التي لا تبنى على أساس شرعي ثم ترتب عليها مصاير كما هو الواقع الآن، فعلينا أن نراجع أنفسنا في مثل هذه الظروف تطلب النجاة، والنجاة بالاعتصام بالكتاب والسنة، والإقبال على الله-عز وجل- بالعبادات الخاصة والعامة، اللازمة والمتعدية، على الإنسان لا سيما من ينتسب إلى العلم وطلبه أن يصدق اللجأ إلى الله -عز وجل-، فيكثر من النوافل، ويكثر من قراءة القرآن، من تدبره، من تفهم معانيه، من قراءة الكتب الموثوقة في التفسير ليستفيد من قراءته، ويقبل أيضاً على العبادات اللازمة مثل الإكثار من التطوعات من الصلوات والصيام وبر الوالدين وصل الأرحام، يحرص على صلاح نفسه وصلاح من تحت يده في بيته في مسجده في حيه في مدرسته، بهذا تنجو هذه الأمة من هذا المأزق والمنحنى والمنعطف الخطير الذي تمر به، فكما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام-: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم) تداعت الأمم الآن، لكن
ما المخرج؟
*المخرج فيما أثر عنه -عليه الصلاة والسلام- من ملازمة كتاب الله -عز وجل-، ومما أشرنا إليه من قراءة ما يعين على فهم كتاب الله -عز وجل-، والله المستعانما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه
الحديث الأول :
قالت أسماء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال(أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمتي، فيقول: لا تدري مشوا على القهقرى)قال ابن أبي مليكة"اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا، أو أن نفتن". وفي رواية عبد الله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربِ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك). *وفي رواية أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- لسمعته يزيد فيه قال: (إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي).

كتاب الفتن الدرس(3).
ما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [(25) سورة الأنفال] وما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحذر من الفتنيقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "كتاب الفتنتقدم تعريف الفتن، وأنه الابتلاء والاختبار والامتحان، وأنه يكون بالخير وبالشر، ومن الفتن الفتن الكبرى المضلة التي يستعاذ منها، ومنها: الفتن التي لا ينفك عنها أحد التي تصرف الإنسان عن مقصده، فهو مأمورٌ بمجاهدتها {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌيعني يشغلونكم عما يرضي الله -عز وجل-، و الإنبجانية والكساء المخطط كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام- في صلاته، يعني تشغله عنها، فكل ما يشغل عما يرضي الله -عز وجل- فتنة، لكنها متفاوتة، والحياة صراع وجهاد، إزاء هذه الفتن على المسلم أن يقاوم بقدر الإمكان، هناك فتن ظاهرة، وهناك فتن باطنة، وهناك فتن كبرى مضلة، وهناك فتن يسيرة لا ينفك منها أحد،وكل هذا ليظهر مدى امتثال المكلف ومدى ارتباطه وتعلقه بربه -عز وجل-، وهذا الصراع رتب عليه الثواب العظيم،من استسلم ولم يقاوم وضل وفتن هذا مآله معروف، لكن من قاوم تعرض للفتن وقاوم واستفاد منها فيما يرضي الله -عز وجل-، وخرج منها ظافراً متغلباً على هوى نفسه والشيطان،متغلباً على عدوه من شياطين الإنس والجن إن هذا لا شك أنه ممن أراد الله به خيراً ولو تعرض للفتن، وهذه الفتن إذا وقعت تقاوم، ولا ينبغي للإنسان أن يتمنى وقوع هذه الفتن ليقاوم لا،يعني من باب تمني لقاء العدو، وما يدريك لعلك تخفق، لعلك تفتن، ولا تستطيع أن تقاوم هذه الفتن لكن إذا حصلت فعليك بالمجاهدة والمصابرة حتى تخرج منها ظافراً بما يرضي الله -عز وجلما جاء في قول الله تعالى: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً} [(25) سورة الأنفال]
الشرح:
اتقوا: يعني اجعلوا بينكم وبين ما ذكر وقاية، اتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تعم الصالح والطالح، المباشر للمعصية، المرتكب لها،والراضي بها، والتارك لإنكارها وتغييرها مع قدرته على ذلك،فالفتنة إذا نزلت عمت، في مثل هذه الظروف التي تتحدث عنها الآية، اتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة، بل تعم من ارتكب الذنب، ومن علم به ورضي بفعله،أوعلم به ولم ينكرعليه مع القدرة على الإنكار نعمه، وهذه نتيجة المداهنة وإقرار المنكر، وافتراق الكلمة بحيث تعم الشرور والمعاصي والمنكرات، ويتقاعس الناس، ويتواكلون في إنكارها، تجد الإنسان يمر بشخصٍ يرتكب منكر أو يترك واجب ويتركه، اعتماداً على أنه كلف بهذا الأمر من كلف من قبل ولي الأمر ولسنا بمسئولين، أنت مسئول، مكلف من قبل الله -عز وجل-(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع)خشي من الضرر إذا نطق بالإنكارينكر بقلبه، ولا يسع أحداً يمر بمنكر مهما كان فاعله ولا ينكر عليه، وما وصل الأمر إلى ما وصل إليه مما نعيشه من ظروف وتعيشه الأمة في سائر الأقطار من انتشار المنكرات مع ضعف في الإنكار إن وجد إلا ضريبة تواكل سنين، تجد الأخيار ينكرون بلا شك والإنكار موجود لكنه ليس على المستوى المطلوب لمقاومة هذه السيول الجارفة من المنكرات التي قصد بها من قبل الأعداء إفساد هذه الأمة؛ لأنها إذا فسدت وفشت فيها المنكرات سهل الاستيلاء عليها،بعد أن ذلت لذل المعاصي المنكرات جاء الوعيد الشديد في ترك الإنكار، وإذا ترك صاحب المنكر فإن المصيبة والكارثة تعم صاحبها ومن سكت ومن أقره، وسبب لعن بني إسرائيل أنهم إيش؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة]قد يصل الأمر إلى حد اليأس في زوال المنكر، فيقول الإنسان:ما الفائدة في كوني أنكر مع أن صاحب المنكر لا يرتدع ولا يرعوي؟ نقول: عليك أن تبذل السبب، وتمتثل الأمر، وتفعل ما أمرت به، والنتائج بيد الله -عز وجل-،
{وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} [(164) سورة الأعرافمعذرة يا أخي، أقل الأحوال براءة ذمتك، أنت قمت بما أوجب الله عليك، وقد يدفع الله -سبحانه وتعالى- بهذا الإنكار -ولو كان ضعيفاً- ما يدفع من ضرائب التواطؤ على السكوت ولو كان ضعيفاً، وليس الأمر خاصاً برجال الحسبة، نعم عليهم المسئولية الأولى والكبرى؛ لأنهم تضاعف عليهم الأمر لتكليفهم من قبل الله -عز وجل-، وبتكليفهم من قبل ولي الأمر، وبأخذهم الأجرة على ذلك، ولكن هذا لا يعفي غيرهم من الإنكار، فالكل مكلفٌ بالأمر والنهي.روى الإمام أحمد في مسنده بسندٍ لا بأس به من حديث عدي بن عميرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(إن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة) ما دام الإنكار موجوداً فالأمان -بإذن الله- موجود، ولا ننكر أن هناك فئة مكلفة من قبل ولي الأمر بالأمر والنهي وتقوم بما أوجب الله عليها، لكنها أقل من المستوى المطلوب في مقاومة ما يزج به العدو من منكرات غزت البيوت والمحافل والمجتمعاتفالمسألة تحتاج إلى تظافر جهود في إنكار المنكر باليد، وهذا لولي الأمر أو من خوله ولي الأمر، وباللسان بالحكمة والكلمة الطيبة بالرفق واللين، وبهذا يرفع الله -سبحانه وتعالى- عنا ما كتب على غيرنا من الأمم، سنة إلهية، سنن إلهية {وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [(62) سورة الأحزابإذا عمت المعاصي وكثرت، واستمرأها الخاص والعام، وعاشوا عليها، وتواطئوا عن السكوت عن إنكارها عمهم الله بعذاب، بالعقوبة

 كتاب الفتن الدرس(5)
"بابٌ: ما جاء في قول الله تعالى وَاتَّقُوا فِتْنَةًوما كان النبي -عليه الصلاة والسلام يحذر من الفتن"
الحديث الثاني من الباب الأول:
قال عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا فرطكم على الحوض، فليرفعنَّ إليَّ رجال منكم، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي ربِّ أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك
الشرح:
قال عبد الله -وهو ابن مسعود- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أنا فرطكم على الحوض) يعني: متقدمٌ بين أيديكم، أمامكم، فالفرط: هو المتقدم الذي يسبق القوم، ولذا جاء في دعاء الجنازة للطفل:(اللهم اجعله فرطاً وذخراً)
أي: متقدماً، يعني: أجراً متقدماً بين يدي والديه،(أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم) يعني من هذه الأمة، من أمة الإجابة، (حتى إذا أهويت لأناولهم -يعني لأسقيهم من حوضي- اختلجوا -جذبوا واقتطعوا- دوني، فأقول: أي ربِ أصحابي) لأنه يعرفهم إما بأعيانهم أو بأوصافهم،ولا يمنع أن يكون من هؤلاء من هو مسلم يختلج ويقتطع لما أحدث في الدين ويدخل النار ثم بعد ذلك إذا هذب ونقي بقدر ما اقترفه من جرائم يدخل الجنة، (فأقول: أي رب أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك) من ردة أو بدعة أو منكرات وجرائم كلها محدثات.
الحديث الثالث من الباب الأول: قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليردنَّ عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم . قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدِّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدَّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدَّل بعدي
الشرح:
عن سهل بن سعد -الساعدي- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً) لم يظمأ بعد أن يشرب من الحوض فإنه لا يظمأ أبداً،
يتجاوز هذه الأهوال من غير مشقة ولا ظمأ (ليرد) في رواية أبي ذر: (ليردن)، (علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم)، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم" يتأكد،
هكذا سمعت سهلاً؟" أبو حازم سلمة بن دينار لما حدث بهذا الحديث سُئل للتثبت وللموافقة: "هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، فقال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: (إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً) أي: بعداً بعداً، أي: أبعدهم الله.
يقول ابن حجر: "حاصل ما حمل عليه حال المذكورين -يعني هؤلاء الذين يذادون عن الحوض الذين رجعوا القهقرى- حاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم كانوا ممن ارتد عن الإسلام"، وحينئذٍ فلا إشكال في تبرئ النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم،
وإن كانوا ممن لم يرتد لكنه أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعةً من اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم إتباعا لأمر الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته -عليه الصلاة والسلام- لأهل الكبائر من أمته، فيخرجون من النار بعد ذلك، كما يخرج سائر العصاة، فالحديث محتمل، هؤلاء الذين يذادون إن كانوا ممن ارتد فلا إشكال هؤلاء أحدثوا ويستحقون أن يذادوا عن الحوض، ويقال لهم: سحقاً سحقاً وإن كانوا ممن لم يرتد الردة الكاملة وإنما كان رجوعهم للقهقرى ونكسوهم على أعقابهم إنما هو فيما دون ما يخرج عن الملة بإحداث بدعة يعمل بها من بعدهم، أو باقتراف جريمة فمثل هؤلاء يعاقبون، هم مستحقون للعقاب، ومن العقاب ذودهم من الحوض، وقد يدخلون النار فيعذبون وينقون بقدر ذنوبهم، ثم يخرجون منها كما يخرج سائر العصاة، نعم.

 كتاب الفتن الدرس(6) 
الباب الثاني من كتاب الفتن:
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سترون بعدي أموراً تنكرونها).
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(اصبروا حتى تلقوني على الحوض).
شرح ترجمة الباب ( العنوانيقول الإمام -رحمه الله تعالى: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم يعني للأنصار: (سترون بعدي أموراً تنكرونها) النبي عليه الصلاة والسلام قال للأنصار:(سترون بعدي أموراً تنكرونها)سترون أثرةً بعدي؛ لأن أمر الولاية ليس لهم، بل الأئمة من قريش، والغالب أن من ليست بيده الولاية تقع عليه الأثرة، يؤثر عليه غيره، ولذا قال لهم عليه الصلاة والسلام: (سترون بعدي أموراً تنكرونها) ، وقال عبد الله بن زيد بن عاصم قال النبي عليه الصلاة والسلام- للأنصار: (اصبروا) على ما تلقون يعني على ما تلقون بعدي من الأثرة (حتى تلقوني على الحوض).
الحديث الأول:
 قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها) قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال:(أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم).
شرح الحديث:
قال سمعت عبد الله يعني ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنكم سترون بعدي أُثرة) أو أَثرة، ابن مسعود يقول:قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود من المهاجرين والخطاب الأول موجه للأنصار كما جاءت بذلك الروايات، وكونه يخص الأنصار بالذكر لأنه ليس لهم من الأمر شيء، ليس لهم من الولاية شيء فهو مظنة لأن يجدوا أثرة، وابن مسعود ومن في حكمه وإن كان من غير الأنصار إلا أنه لبعده عن التطلع عن هذه الأمور لا بد أن يقع عليه شيء من الأثرة؛ لأنه لا يستشرف لمثل هذه الأمور، ولا يتصور أنه يلي أمر من أمور المسلمين لانصرافه عن الدنيا، وعن زهرتها، وعن حظوظها إلى الآخرة.
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنكم سترون بعدي أثرة) سترون ممن يلي الأمر، من ولاة وأمراء بعدي أثرةً، يعني استئثار واختصاص بالحظوظ الدنيوية، فيؤثرون بها غيركم من أقاربهم ومعارفهم، فعلى الإنسان الذي يحس ويشعر بأن غيره أوثر عليه أن يوثر نفسه بما  يرضي الله عز وجل، فإذا انصرف الناس وتعلقوا واستشرفوا إلى أمور الدنيا فعلى طالب العلم على وجه الخصوص أن يكون نظره إلى الآخرة، ومع ذلكم كما قال الله جل وعلا:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(٧٧) سورة القصص](إنكم سترون بعدي أثرة) الضبط الآخر: أُثرة وأَثرة،
(وأموراً تنكرونها) يعني من أمور الدين، سوف تجدون تغير، ولا يزال التغير يزداد، وكل زمانٍ يزداد السوء بالنسبة لما قبله،(لا يأتي على الناس زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه).
"قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ " يعني أن نفعل،
 ماذا نفعل إذا وجدنا مثل هذا؟
إذا وجدنا مثل هذا التغير من ولاة الأمر من أمراء وأعوان ماذا نفعل؟
 يعني هل نقاومهم؟
هل نرضى بالأثرة؟ قال عليه الصلاة والسلام:(أدوا إليهم حقهم) يعني مما يجب لهم من السمع والطاعة، وأدوا إليهم الزكاة، وجاهدوا معهم، وصلوا وراءهم (أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) يعني ما يحصل فيه التقصير سلوا الله -عز وجل-، فلا يجوز للإنسان أن تكون همته الدنيا، إن أعطي منها رضي، وإن لم يعطَ منها لم يرضَ، إن أعطي من أمور الدنيا وفى، وإن لم يعطَ من أمور الدنيا لم يفِ، ليكن همه الآخرة، وما يأتيه من أمور الدنيا مما يعينه عليها من غير استشراف يأخذه، كما جاء في حديث أبي ذر عند مسلم، الذي يأتي المسلم من غير استشراف، ولا يغلب على ظنه أنه يراد له مقابل يأخذه، إن تورع عنه فالورع له باب، لكن إن أخذه لا بأس، إن جاءه من غير طلبٍ ولا استشراف، يقول أبو ذر"فإن كان ثمناً لدينك فلا"،النبي عليه الصلاة والسلام لما قالوا، لما أخبرهم أنه سيكون هناك أُثرة وأَثرة، وتقديم وتأخير، وزيادة ونقص، وإبعاد وتقريب، هذا موجود على مدى العصور، من بعد الخلفاء الراشدين ظهر هذا الأمر، وكل سنة يزداد الأمر، طيب ماذا نفعل يا رسول الله إذا حصل هذا؟
يعني مقتضاه أن هذا منكر، والمنكر يجب تغييره، فهل نغير؟ قال: لا (أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) ولا يمنع هذا من النصح، فالنصيحة هي الدين، كما جاء في حديث تميم:(الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال:(لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) فلا يعني أن الإنسان يقف وهو ممن آتاه الله القدرة على النصح، والقدرة على التأثير والبيان أن ينصح ولاة الأمر بالرفق واللين، بالأسلوب المجدي النافع الذي يحقق المصلحة دون ترتب أي مفسدة،(أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم).

 كتاب الفتن الدرس(7) 
الباب الثاني من كتاب الفتن:
باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:(سترون بعدي أموراً تنكرونها)
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم:(اصبروا حتى تلقوني على الحوض).
الحديث الثاني:
سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية).
شرح الحديث:
 عن ابن عباس - رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(من كره من أميره شيئاً) يعني سواءً كان من أمر الدين أو من أمر الدنيا،(من كره من أميره شيئاً فليصبر) يصبر؛ لأن بعض الناس -والباعث له الغيرة- قد لا يصبر، لكن النتيجة؟ النتيجة أن يترتب على فعله وعدم صبره ومخالفته للتوجيه النبوي(فليصبر) المسألة تحتاج إلى علاج مناسب، لا يعالج المنكر بما هو أنكر منه، بمفسدة أعظم منها، تحتاج إلى دراسة للأمر، ودراية بالأساليب النافعة الناجعة التي تقضي على المنكر أو تخفف منه بقدر الإمكان، ولا يترتب عليها مفسدة،
قال:(فليصبر، فإنه من خرج من السلطان -يعني عن طاعته- شبراً -يعني ولو بشيء يسير- مات ميتة جاهلية) كانت هيئة ميتته كهيئة ميتة من عاش في الجاهلية؛ لأن عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، عمله هذا يؤدي إلى الفوضى، والفوضى من سمات الجاهلية، القوي يأكل الضعيف،
وإنكار المنكر وإن كان مطلوباً إلا أنه ينكر بطرق مناسبة، والبيان والنصح والتوجيه لا بد أن يكون بأسلوب مناسب مؤثر، لا يترتب عليه مفاسد، إذا كان المنكر الذي يزال يترتب عليه منكر أعظم منه ما استفدنا، المنكر ما زال، المقصود أن على من رأى ما ينكر،وما أثر ما ينكر في العصور المتأخرة، هذه سنة إلهية، فساد الأزمان، وفساد أهل الزمان في آخر الزمان معروف مستفيض بالنصوص، والواقع يشهد لذلك، لكن من رأى ما ينكر فليصبر، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:(فإنه من خرج من السلطان -يعني من طاعته- شبراً مات ميتةً جاهلية) فكيف بمن خرج ما هو أكبر من الشبر وأعظم منه؟! ويأتي الضابط لما يوجب الخروج، يأتي الضابط وهو الكفر البواح الذي فيه من الله برهان.
الحديث الثالث:
سمعت ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، إلا مات ميتة جاهلية .
شرح الحديث:
 عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه) يكرهه يعني من أمور الدنيا أو من أمور الدين ما لم يصل إلى حد الكفر البواح (فليصبر)، (فإنه –واسم إن ضمير الشأن- فإنه من فارق الجماعة -جماعة المسلمين- شبراً فمات إلا مات ميتة جاهلية) يعني: فيه خصلة من خصال الجاهلية قد مات عليها، ولا يعني أن يكون بذلك قد خرج عن دائرة الإسلام وصار جاهلياً، لا، إنما فيه خصلة من خصال الجاهلية، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لأبي ذر:(إنك امرؤٌ فيك جاهلية)وفرقٌ بين أن يكون الرجل جاهلياً وبين أن تكون فيه جاهلية، وبين أن يكون منافقاً وفيه نفاق، وبين أن يكون مشركاً وفيه شرك، كما قرر ذلك أهل العلم
تابع كتاب الفتن الدرس(8) 
الباب الثاني من كتاب الفتن:
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(سترون بعدي أموراً تنكرونها)
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(اصبروا حتى تلقوني على الحوض).
الحديث الرابع:
 قال: دخلنا على عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وهو مريض قلنا: أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: دعانا النبي -صلى الله عليه وسلم- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.
شرح الحديث:
دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا: أصلحك الله مريض صحابي جليل، "قلنا: أصلحك الله بعض الشراح يقول: أصلح أمور دنياك، وإلا هو في دينه صالح، هو صالح ولا يشك أحدٌ في صلاحه، ومع ذلكم بحاجة إلى مزيد الصلاح، والرسول -عليه الصلاة والسلام- مهتدي،والمؤمنون على هدى، ومع ذلكم يقولون:{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}[(٦) سورة الفاتحة]لا يعني أن الشخص إذا كان صالحاً لا يدعى له بالصلاح، ولذا يغضب كثير من الناس إذا قلت: الله يصلحك، أو أصلحك الله، وإيش أنت ملاحظ؟كأن الناس تعارفوا على أن هذه اللفظة إنما تقال لصغار السن، فبعضهم يستنكر إذا قيل: أصلحك الله،. .كل شخص بحاجة لأن يكون صالحاً، والله المستعان.
قلنا: أصلحك الله، حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة- فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا" يعني بما اشترط علينا "أن بايعنا على السمع والطاعة" له، السمع والطاعة له،
يعني وفي حكمه من يلي أمر المسلمين بعده إلى قيام الساعة من المسلمين،
في منشطنا -يعني في وقت نشاطنا- ومكرهنا" يعني فيما ننشط للاستجابة إليه، "وفي مكرهنا" فيما نكره الإجابة إليه مما يطلبه ولي الأمر، يعني في نشاطنا وعجزنا، فيما نريده وما لا نريده إذا لم يكن معصية لله عز وجل،"وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا" لو حصلت الأثرة بايعناه على أن نفي لمن ولاه الله أمرنا، "وأن لا ننازع الأمر أهله" الملك لا ينازع من تولاه، ويستوي في ذلك من تولى باختيارٍ من أهل الحل والعقد ممن تتوافر فيه الشروط، أو تولى بقوته وسلطانه وسيفه، ولو تخلفت فيه بعض الشروط، ففي حال الاختيار لا يجوز أن يولى على المسلمين إلا من اجتمعت فيه الشروط، في حال الإجبار والإكراه إذا تولى بقوته على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ولو كان عبداً حبشياً، وإن كان في الأصل لا يجوز تولية العبد الحبشي ابتداءً واختياراً، لكن إذا تولى بقوته فإنه حينئذٍ يجب له السمع والطاعة."وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً" بواحاً ظاهراً بادياً لا يختلف فيه، قد يوجد من بعض الأمراء مما يرتكبه من المخالفات ما يختلف فيه هل هو مكفر أو غير مكفر؟ هل يخرج من الملة أو لا يخرج؟
مثل هذا لا يجوز الخروج عليه لماذا؟ لأنه ليس بكفرٍ بواح، لأنه ليس بكفرٍ بواح، إنما الموجب للخروج ونزع اليد من الطاعة إنما هو الكفر البواح الظاهر البادي، "عندكم فيه من الله برهان" يعني نصٌ من القرآن أو السنة لا يحتمل التأويل، فإذا كان عندنا برهان، نص من كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- على كفر مرتكب هذا العمل مما لا يحتمل التأويل فإنه حينئذٍ لا سمع ولا طاعة.

تابع كتاب الفتن الدرس(9)
الباب الثاني من كتاب الفتن:
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(سترون بعدي أموراً تنكرونها)
وقال عبد الله بن زيد: قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اصبروا حتى تلقوني على الحوض).
الحديث السادس:
عن أنس بن مالك (عن أسيد بن حضير أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال استعملت فلانا ولم تستعملني قال : إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني )
شرح الحديث:
ثم بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "حدثنا محمد بن عرعرة -القرشي- قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن أسيد بن حضير -الأنصاري- أن رجلاً -أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله: استعملت فلاناً -عمرو بن العاص- ولم تستعملني؟ " يعني وليته على أمر من أمور المسلمين ولم تولني،استعملت: يعني وليت،والوالي في عرف المتقدمين عامل،
عامل استعمل فهو عامل،وكان عاملاً لعمر وكان عاملاً لفلان، عامل،لما كانت الولايات ينظر فيها نفع المسلمين، والقيام بخدمتهم، والسهر على مصالحهم يسمى عامل، "استعملتَ فلاناً ولم تستعملني، قال:(إنكم سترون بعدي أثرة)"يعني أعظم من ذلك؛لأن ما فعلته إنما نظرت فيه للمصلحة العامة،وعمرو بن العاص ممن يصلح لهذه الولايات، ليس معنى هذا أن الشخص الذي يولى ينظر فيه مصلحة خاصة، والذي لا يولى ينظر فيه إلى أنه قريبٌ أو بعيد لا، إنما النظر فيمن يحقق المصلحة، ولو كان غيره أفضل منه في ذاته، وكل عملٍ ينتقى له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه، كل عمل يختار له من يناسبه ممن يقوم به على أحسن وجه، والخلل بهذا من علامات الساعة،(إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)قد لا يكون الشخص أفضل الناس، بل ولا من أفضل الناس بل هو رجلٌ تقوم به الحاجة، ويسد هذا المكان أفضل من غيره، والقوة مع الأمانة مطلبٌ في مثل هذه الولايات، فإذا كان قويٌ في نفسه أمينٌ في تصرفاته فإنه يستحق حينئذٍ أن يولى على مثل هذه الأمور العامة، وعمرو بن العاص بهذه الصفة.
"استعملتَ فلاناً ولم تستعملني قال:(إنكم سترون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني)يعني أمور:
هذه الدنيا ينبغي للمسلم أن لا تكون همه، يكفي منها البلغة، فالأثرة في أمور الدنيا أمرها يسير إذا سلم رأس المال وهو الدين،وكثيرٌ من الناس عاش في هذه الحياة عقود بل ممن عمر، حياته كلها على نقيض ما أراده الله -جل وعلا- من عباده،الأصل أن يعيش الإنسان لدينه هذا الأصل، لكن لحاجته إلى الدنيا قيل له:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}[(٧٧) سورة القصص] كثيرٌ من المسلمين مع الأسف الشديد يعيش للدنيا، يعيش عيشته كلها وهمه الدنيا، ومع ذلكم قد ينسى نصيبه من الآخرة وقد لا ينساه،وليس معنى هذا أن الإنسان يصرف عشرين ساعة في العبادة، يصوم النهار، ويقوم الليل، ويتصدق، ويجاهد عمره كله ولا يفتر، قد تكون حياة المسلم كلها عبادة وهو في أريح بال، وأنعم عيش، ينوي في تصرفاته العادية التقرب بها إلى الله -عز وجل-، فتكون حياته كلها عبادات(حتى ما يضعه في فيِّ امرأته)حتى ما يأكله ليستعين به على طاعة الله، حتى في نومه ليستعين به على العبادة، هذه عبادات كلها، فتكون حياته لله -عز وجل-،{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ}[(١٦٢) سورة الأنعام] كلها لله، والله المستعان.والسر في جوابه عن طلب الولاية بقوله[سترون بعدي أثرة ] إرادة نفي ظنه أنه آثر الذي ولاه عليه ، فبين له أن ذلك لا يقع في زمانه وأنه لم يخص بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين وأن الاستئثار للحظ الدنيوي إنما يقع بعده وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر)(فتح الباري) 


تابع كتاب الفتن الدرس(10) 
فوائد من البابين السابقة:
تم دراسة بابين من كتاب الفتن من كتاب صحيح البخاري ولله الحمد ،
خلاصة الباب الأول:
أن الله تعالى حذرنا من الفتن ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) وأن الله لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتي يروا المنكر بين ظهرانيهم ولا ينكرونه مع قدرتهم على الإنكار فعند ذلك يعم العذاب الواقع في المنكر والراضي به والساكت عليه مع القدرة والإنكار يكون باليد لمن له سلطة فإن لم يستطع فيكون باللسان فإن لم يستطع فيكون بالقلب وذلك بكره المنكر وأهله
كذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حذرنا من الفتن وحعل الوقوع في الفتنة من تبديل أو إحداث وارتداد سببا لمنعهم من الشرب من الحوض يوم القيامة وهم في أي أشد ما يكونون حاجة إلى الشرب منه ثم يكون الجزاء كما ورد في الأحاديث (اخُتلجوا / يحال بيني وينهم / فيؤخذ بناس من دوني،)فيحرمون من الشرب من الحوض عقوبة لهم
الباب الثاني:
يصف الرسول صلى الله عليه وسلم واقع الناس والأمة ثم يصف طريق النجاة ثم يصف نتيجة المخالفة لهذا الطريق وصف الواقع من خلال الأحاديث:( سترون بعدي أثرة وأمور تنكرونها) (من كره من أميره شيئا )( من رأى من أميره شيئا يكرهه ) من خلال الأحاديث يتبين ان هناك منكرات في الدين و أثرة في الدنيا أي أن ولي الأمر قد لا يعطي الرعية حقوقهم طريق التحاة الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم :أدوا لهم حقهم سلوا الله حقكم لأن الله هو مالك الملك وهو الذي ييسر وصول الحقوق إلى أصحابها الصبر حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض والصبر على ولي الأمر عبادة وقربه إلى الله ومن وراء الصبر يأتي الأجر ومعية الله تعالىوهذه الخطلة العملية في التعامل مع ولي الأمر على جميع المستويات مع ولي الأمر في البيت وفي العمل وفي الدولة يعني أن المظاهرات والاعتصامات والاضرابات ليست من دين الإسلام وأنها تخالف ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم .
متى يجوز الخروج على ولي الأمر ؟
من حديث عبادة بن الصامت(ولا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا..)
 إذا تحققت شروط خمسة هي(أن تروا) تروا رؤية بصرية بأنفسكم وليس سماعا(كفرا) وليس فسقا لا بد أن يكون كفر فلو كان من كبائر الذنوب فلا يدخل في ذلك (بواحا) واضحا يعني يذيع ويظهر هذا الكفر ويعلنه فلو كان كفرا يخفية فلا علاقة لنا بذلكعليه دليل واضح صريح لا يقبل التأويل مثل أن يسجد لصنم أو يسب الله سبحانه وتعالىالقدرة على الخروج بدون سفك الدماءوبدون تشريد وبدون ضياع الآمن عند ذلك يجوز الخروج  وإذا لم تتوفر الشروط السابقة فلا يجوز الخروج نتيجة مخالفة وصية الرسول صلى عليه وسلم(من خرج من السلطان شبرا مات ميتة الجاهلية)(من فارق الجماعة شبرا إلا مات ميتة الجاهلية) والخروج بشيء يسير ولو بشق كلمة فإنه يموت موتة الجاهلية وهذا من كبائر الذنوب وأهل الجاهلية من صفاتهم أنهم لا يقبلون أن يكون لهم ولي أمر يقودهم .
هل يعني ذلك عدم الاعتراض على ولي الأمر ؟
من حديث أسيد بن حضير يتبين أن من طبيعة النفس أن تعترض وتعتب على ولي الأمر وهذا لا يمنع منه الإنسان إذا كان في حدود الأدب والاحترام لولي الأمر فالله يبتلي الناس بولي أمرهم وينظر في قلوبهم كيف يعاملونه هذا والله أعلم

تابع كتاب الفتن الدرس(11) 
٣/ باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:(هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء).
الحديث:
قال: أخبرني جدي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة -رضي الله عنه- في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول:(هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش)فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا:عسى هؤلاء أن يكونوا منهم قلنا: أنت أعلم.
شرح الحديث:
أغيلمة: تصغير تحقير إما تصغيراً لأسنانهم فهم صبيان، أو تصغير لعقولهم وأحلامهم فهم سفهاء وإن كانوا كبار السن، فمثل هؤلاء سواءٌ كانوا صغاراً في أسنانهم أو في عقولهم وأحلامهم لا شك أن مثل هؤلاء يهلكون الحرث والنسل،مثل هؤلاء يتصرفون التصرفات المهلكة الضارة.
 قال: كنتُ جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة، ومعنا مروان" يعني ابن الحكم الذي تولى فيما بعد"قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق" الصادق في نفسه،المصدوق عند الله -عز وجل،"يقول:(هلكة أمتي على يدي غلمة)"في رواية أحمد والنسائي:(سفهاء من قريش)،"فقال مروان: لعنة الله عليهم"هؤلاء الذين يكونون هلاك الأمة على أيديهم ممن ولي أمر المسلمين لعنهم مروان،أبو هريرة لم يلعنهمولم ينقل لعنهم عن النبي عليه الصلاة والسلام،وقد اختلف أهل العلم في لعن من هذا وصفه ممن أشير إليه في هذا الحديث كيزيد بن معاوية والحجاج وأمثالهم،أهل العلم يختلفون في مثل هؤلاء،والإمام أحمد لما سأله ابنه عبد الله عن يزيد وذكر له أنه ممن يستحق اللعن،فقال له: لما لا تلعنه؟ فقال -رحمة الله عليه-: هل عرفت أباك لعاناً،الشخص قد يستحق وصف،
لكن هل الناس ملزمون بأن يصفوه بهذا الوصف؟
ليسوا بملزمين، السلامة لا يعدلها شيء، اكفف لسانك،المسألة خلافية، وليس المسلم باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش البذيء، فعلى الإنسان أن يحفظ لسانه ولا يقع في فلان ولا علان، لا سيما مع عدم وجود مصلحة ترجى من هذا،النبي عليه الصلاة والسلام لعن بأوصاف،(لعن الله السارق يسرق البيضة)ولعن أشخاص: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" فأنزل عليه:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}[(١٢٨) سورة آل عمران]فينبغي للإنسان ألا يسارع في هذه الأمور ويرسل لسانه،
نعم إذا خشي من إنسان بعينه أن يتعدى شره وضرره على من لا يعرف حاله وأن يحذر منه؛ لئلا يتعدى شره وضرره لمن يغتر به."فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة"،"فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان لفعلت" وكأن أبا هريرة -رضي الله عنه- يعرف أسماءهم، فأبو هريرة حفظ من النبي -عليه الصلاة والسلام- وعاءين، أما أحد الوعاءين فبثه في الناس، وهو ما يحتاجون إليه من أمور الدين،وأما الوعاء الثاني الذي لا يحتاجون إليه فكتمه؛ لأنه لو بثه في الناس لقطع منه هذا البلعوم يعني لقتل؛لأن فيه ذكر أشخاص من مثل هؤلاء الأغيلمة الذين يكون على أيديهم هلاك الأمة ودمارها، ولا مصلحة من التصريح بأسمائهم،وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يتعوذ بالله -عز وجل- من الستين وإمارة الصبيان، يقول:"اللهم إني أعوذ بك من رأس الستين، وإمارة الصبيان"،رأس الستين توفي معاوية -رضي الله عنه-، تولى بعده ابنه يزيد، فأجاب الله -عز وجل- دعوة أبي هريرة فقبضه قبل ذلك بسنة، توفي سنة (٥٩) أو (٥٨) على خلاف في ذلك،المقصود أن الله أجاب دعاءه فقبضه قبل أن يعاشر 
ويعامل مثل هؤلاء."قال أبو هريرة: "لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان لفعلت، فكنت -عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد- يقول: "فكنت أخرج مع جدي سعيد بن عمرو إلى بني مروان حين ملكوا بالشام" ولوا الخلافة بالشام، وفي رواية: "ملكوا"، "فإذا رآهم غلماناً أحداثا ً –شبان- أحداثاً، قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ " يقوله لحفيده: عسى هؤلاء أن يكونوا ممن ذكر أبو هريرة في الحديث، "قلنا: أنت أعلم" أنت أعرف، أنت الذي سمعت أبا هريرة، وأنت الذي عاصرت هؤلاء وعرفتهم من قبل أن يتولوا وبعد ما تولوا، أنت أعرف وأدرى.

تابع كتاب الفتن الدرس(12) 
 فوائد من الباب الثالث :
عنوان الباب جزء من حديث صحيح لكن البخاري رحمه الله لم يخرجه في صحيحة لكنه جعله عنوانا للباب الثالث فقال : قول النبي صلى الله عليه وسلم:(هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء). نص الحديث الذي الذي أورده في الباب(هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش)
من خلا الحديثين يتبين ما يلي :
١/ أن الأمة ستتعرض للهلاك .
٢/ أن الأمة المقصود بها
- قرن الرسول صلى الله عليه وسلم
- ويقصد بها أمة الإجابة .
٣/ معنى (أغيلمة - غلمة)تصغير غلام وهو الصغير في سنهأو السفيه في عقله
٤/ أن هلاك قرن الرسول صلى الله عليه وسلم حدث كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم على يد غلمة من قريش وذلك عندما تولى يزيد بن معاوية وكان أبو هريرة يتعوذ من رأس الستين وأمارة الصبيان ومعلوم الفتنة التي حدثت بعد مقتل عثمان رضى الله عنه و الصحابة الذين قتلوا على يد الحجاج في عهد بني أمية .
٥/ أيضا الأمة سيحصل لها هلاك على يد أغيلمة سفهاء كما ورد في الحديث الذي عنون به للباب وسيكون هلاكها على يد أغيلمة سفاء يعني شباب يتميزون بالحماس لكنه حماس غير منضبط بضوابط الشرع لذلك تهلك الأمة ويكثر فيها القتل وهذا ما يفسر ما يحدث الآن من الانقلابات والاعتصامات فالذين قاموا بها كانوا من الشباب ولو قارنا واقع العراق وسوريا والبلدان العربية قبل الانقلاب وبعده وكيف أن حالهم قبل الانقلابات خير من حالهم اليوم بالرغم من الظلم الذي كان واقعا عليهم لكنهم اليوم يكثر فيهم سفك الدماء ونعدام الأمن وهدم المنازل والتشريد الفوضى وهذا بسبب مخالفة هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الفتن ومخالفة وصيته بالصبر والصومال مثال آخر على عدم استقرار الحالالشباب هم عدة المجتمع فيهم القوة والاندفاع والحماس لكن ينقصهم الخبرة والتجربة والحنكة ولا يمكن لأي أمة أن تستغني عن شبابها و لكي ينفعون دينهم وبلادهم وأنفسهم لا بد أن يحتكوا بالكبار ولا ينفردوا بالقرار
تطيب الأمة إذا كان القواد شيوخا والمنفذون هم الشباب .والنجاة النجاة في التمسك بالكتاب والسنة فالخير كله في التمسك بهما اللهم جنبا الفتن ما ظهر منها وما بطن .

تابع كتاب الفتن الدرس(13) 
٤/ باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(ويل للعرب من شر قد اقترب)
الحديث الأول:
عن زينب بنت جحش -رضي الله عنها- أنها قالت: استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجهه يقول:(لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه)وعقد سفيان تسعين أو مائة، قيل: "أنهلك وفينا الصالحون؟ قال:(نعم إذا كثر الخبث).
شرح الحديث:
تقول: "استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من نومه محمراً وجهه" وفي رواية دخل عليها
 دخل عليها بعد أن استيقظ من نومه فزعاً، وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع، فاستيقظ فزعاً، ثم دخل عليها فزعاً، ولا يمنع أن يجتمع هذا كله، "استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- من النوم محمراً وجههيقول:(لا إله إلا الله .. )"يقول:(لا إله إلا الله)كلمة التوحيد، ينبغي أن تقال في كل حال، وعلى كل حال، في كل ظرف وفي كل مناسبة لا إله إلا الله،(وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)،(ويل للعرب)كلمة تقال عند حصول هلكة أو توقعها،وهي في الأصل كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم كما يقول بعض أهل العلم،(ويلٌ للعرب من شر قد اقترب)وتخصيص العربلأنهم في ذلك الوقت ما دخل غيرهم في الدين أحد،وفي حكمهم ويلٌ له من يوافقهم على الدين،(ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج)كيف يقول: اقترب وقد مضى الآن أكثر من أربعة عشر قرناً ولم يحصل؟
 إذا لاحظنا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:(بعثت أنا والساعة كهاتين)فزمنه -عليه الصلاة والسلام- قريب من الساعة، باعتبار أنه لم يكن بينه وبين الساعة أحدٌ من الأنبياء، فهو أقرب الأنبياء إلى قيام الساعة، ولذا قال:(ويلٌ للعرب من شرٍ قد اقترب،فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج -سد يأجوج ومأجوج الذي بناه ذو القرنين- مثل هذه)وعقد سفيان تسعين"، التسعين يأتي إلى السبابة اليمنى،ويجعل طرفها في أصلها،طرف السبابة اليمنى في أصلها في أصل السبابة، ويضمها ضماً محكماً بحيث انطوت عقدتاها حتى صارت كالحية المطوية هذه تسعين،
العرب أمةٌ أمية لا يقرأون ولا يحسبون، إنما يتعاملون بالإشارات، ولهم طريقة في الحساب يبدأون بأصابع اليد اليمنى في العشرات، والمئات باليد اليسرى، بأصابع اليد اليسرى.
"عقد تسعين أو مائة" المائة كالتسعين إلا أنها بالخنصر اليسرى، وعلى هذا فالتسعون والمائة متقاربتان، يطوي طرف أو يجعل طرف الخنصر اليسرى في أصلها، ويطويها طياً محكماً حتى تكون شبه الحية، ولذا شك الراوي هل قال: تسعين أو قال: مائة لتقاربهما في الصورة، قال: عقد سفيان أو مائة،قيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: "أنهلك وفينا الصالحون؟ " قال:(نعم، إذا كثر الخبث)إذا كثر الخبث صار له وجود من الفجور، الخبث بجميع أنواعه العملي والفكري، الخبث المتعلق بالشهوات،والخبث المتعلق بالشبهات،إذا كثر هذا ووجد وعجز الناس عن إنكاره ومقاومته هلكوا وفيهم الصالحون، وهذا الذي يخشى منه، هذا المخيف وإلا فالأمة تعيش صحوة ورجعة أفضل من سنين كثيرة مضت، يوجد -ولله الحمد- من العلماء من جمع الله لهم بين العلم والعمل،يوجد من طلاب العلم ممن رجعوا إلى تحصيل العلم على الطريق المعروفة المتبعة عند أهل العلم بعد تخبطٍ طويل،يوجد دعاة، يوجد قضاة، يوجد عباد، يوجد زهاد،الأمة فيها خير، في هذه البلاد ظاهر وفي غيرها أيضاً موجود،"أنهلك وفينا الصالحون؟ " الصالحون كثير، لكن أهل الهلاك مرتبطون بكثرة الخبث، وظهور الخبث لا يحتاج إلى برهان.

تابع كتاب الفتن الدرس(14) 
٤/ تابع باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم:(ويل للعرب من شر قد اقترب)
 الحديث الثاني:
 عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أطم من آطام المدينة، فقال:(هل ترون ما أرى؟) قالوا: لا، قال:(فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كوقع القطر).
شرح الحديث:
 عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: أشرف النبي -عليه الصلاة والسلام-" اطلع من علو -عليه الصلاة والسلام-"على أطم" وهو الحصن"من آطام" من حصون "المدينة"، وفيها حصون كثيرة المدينة "فقال:(هل ترون ما أرى؟ )أشرف من علو -عليه الصلاة والسلام- وهو في هذا الأطم، وفي هذا الحصن "فقال:(هل ترون ما أرى؟ )قالوا: لا"،الرسول -عليه الصلاة والسلام- يكشف له، رأى النار وهو يصلي صلاة الكسوف، كشف ولم يروا شيئاً، إنما رأوه تكعكع تأخر، وهنا كشف له عن مواطن الفتن، "فقال:(هل ترون ما أرى؟ )، قالوا: لا، قال:(فإني لأرى الفتن) "يراها ببصره -عليه الصلاة والسلام- حيث كشف له عن ذلك،(تقع خلال بيوتكم)يعني بين بيوتكم (كوقع القطر) المراد به: المطر،تنزل على بيوت الناس، وتنزل بينها، وفي خلالها هذه الفتن، كما ينزل المطر، فيعم،وحصلت هذه الفتن بدءً بمقتل الخليفة الراشد عمر، وهو الباب الذي كسر، ثم ما حصل من قتل عثمان -رضي الله عنه-، ثم ما حصل بعد ذلك من جرائه الخلاف الحاصل بين الصحابة، ثم تتابعت الفتن وتواردت على الأمة، وهي في ازدياد، والله المستعان.
فائدة(الرسول رأى الفتن وآثارها كوقع القطر شبه الرسول الفتن بالمطر إذا نزل عم آثره وكذلك الفتن إذا أتت تعم آثارهالا أحد يستطيع أن يتقي المطر إلا إذا استظل بمظلة كذلك الفتن لا يستطيع أحد أن يتقيها إلا إذا استظل بمظلة الكتاب والسنة).


كتاب الفتن الدرس (15) 
٥/ باب ظهور الفتن
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينيقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ظهور الفتن" والمراد بظهورها
كثرتها، وإلا وجودها فمتقدم منذ أن قتل الخليفة الراشد، بل كسر الباب بقتل عمر -رضي الله عنه،يعني أصل الوجود متقدم وجود الفتن، لكن المراد بظهورها يعني كثرتها، يعني كثرة الفتن نسأل الله السلامة والعافية من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
الحديث الأول:
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشُّحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج . قالوا: يا رسول الله، أيُّما هو؟ قال: القتل القتل .
شرح الحديث:قال:(يتقارب الزمان)" "يتقارب الزمان" أختلف أهل العلم في المراد بتقارب الزمان
و أولى ما يفسر به ما ورد في حديث أنس مرفوعا ، يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة -يعني الأسبوع- كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، والساعة كاحتراق سعفة، أو إضرام النار إيقادها،والمراد بذلك محق البركة من الأوقات، محق البركات من الأوقات، وإلا فالسنة: اثنا عشر شهراً ما زالت، ولن تزال كذلك، والشهر: تسعة وعشرون يوماً، وقد يكون بعضها إلى الثلاثين، والجمعة التي هي عبارة عن أسبوع سبعة أيام، والأيام معروفة لا تتغير، لكن تقارب الزمان معنوي وليس بحقيقي،فتكون الفائدة التي يجنيها المسلم خلال سنة تعادل ما يجنيه المسلم قبل هذا الوقت -الذي هو آخر الزمان- في شهر، وما يكتسبه المسلم خلال شهر يعادل ما يعمله المسلم قبل ذلك الوقت في أسبوع وهكذا، وهذا أقرب ما يفسر به الحديث،
وهذا هو الواقع، يعني لو نظرنا بعين البصيرة إلى تلاحق الأيام وجدنا أن اليوم يمر بدون فائدة بالنسبة لكثيرٍ من الناس، لكثيرٍ من الناس والحكم للغالب، تجد الساعة لمحة بصر، تجد اليوم ينتهي بمشوار، تجد الليلة تنتهي بجلسة قيل وقال ثم خلاص تنظر الساعة تعجب كيف مشت الليلة؟ وهكذا، لكن هذا بالنسبة للغالب،أما من منَّ الله عليه وهم الأقلون الزمان هو الزمان، الذي يُقرأ من القرآن في عهد الصحابة في الوقت يقرأه بعض الناس اليوم بنفس الوقت، الذي يُقرأ .. ، وما يذكر عن بعض أهل العلم من قراءةٍ في كتب العلم في الصدر الأول يقرأ الآن عند بعض الناس ممن بورك له في الوقت، لكن غالب الناس تضيع أيامه سدى، اليوم نبدأ، لا غداً، ما يمدينا اليوم، غداً من رأس الشهر، من رأس الأسبوع، وتنتهي الأيام وهو ما هو بادي بشيء، هذا حال كثير من الناس لا سيما من ابتلي بالسهر مثلاً،ثم في وقت البكور ينام لا يستفيد من أول النهار، ثم يداوم إلى قرب العصر، ثم يحتاج إلى راحة بعد العصر، والمغرب يالله يمديه، هذه سالفة وهذا تلفون ينتهي، والعشاء مواعد الشلة والربع يبي يطلع يمين ويسار ويسهر، وهكذا تنقضي الأعمار دون جدوى عند كثيرٍ من المسلمين،هذا صورة، بل من أوضح الصور لمحق الأعمار، وهذا في المسلم الذي يمضي أوقاته في المباح، فكيف بمن يمضي أوقاته في المحرمات؟ نسأل الله السلامة والعافية.
شباب الأمة تجدهم أكثر أوقاتهم في السيارات، وفي الاستراحات، والقيل والقال، ما تجد هناك إنتاج وعمل ينفع الشخص وينفع أمته إلا القليل النادر،يعني الخير موجود في أمة محمد، لكن أكثر الأمة على هذا -مع الأسف الشديد- فضلاً عن عوام الناس، فضلاً عن الفساق الذين يقضون أوقاتهم فيما يضرهم ويضر غيرهم، والله المستعان.يعني البركة في العمرنزعها من تقارب الزمان،ووجودها من زيادة العمر،يعني كما قيل في قوله -عليه الصلاة والسلام-:(من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه) ينسأ له في أجله، تجد زيد من الناس واصل بار واصل ويموت عن ثلاثين خمسة وثلاثين بحادث، قد يقول قائل: أين مصداق الحديث؟ ما بسط، ما نسئ له في أجله عجل عليه وهو بار، نقول: نعم، عمل في هذه الثلاثين السنة ما يعمله غيره في ستين سبعين سنة، وفق لأعمالٍ تضاعف له الحسنات بحيث يساوي من عمر مائة سنة، على الخلاف بين أهل العلم هل هذه الزيادة حقيقية؟
يعني يزاد في سنيه أو هي معنوية بأن يبارك له فيما يعيشه من عمر، فينتج من الأعمال الصالحة، ويدخر من الحسنات ما يجنيه بعض الناس في أضعاف ما عاشه؟
النووي -رحمه الله- مات عن خمسة وأربعين عاماً، خمسة وأربعين سنة عمره، يعني في مساجد الدنيا كلها يقال: قال -رحمه الله-، ألف كتب البركة ظاهرة من عمره، البركة ظاهرة، ألف(رياض الصالحين) ألف (الأذكار) كل مسلم بحاجة إلى هذين الكتابين،ألف(شرح مسلم) ألف (شرح المهذب) الذي لا نظير له في كتب الفقه قد يقول قائل: هذه أمور ليست بأيدينا، البركة من الله -عز وجل-، لكن يا أخي ابذل السبب وتجد البركة، اجلس واقرأ وشوف، تتصورون أنه يعيشبيننا الآن من يقرأ في اليوم خمسة عشر ساعة، تصورون أنه يوجد من يختم كل ثلاث، ويداوم الدوام الرسمي، ويصل رحمه، ويزور المقابر، ويزور المرضى، يزاول الأعمال طبيعي جداً، ويختم كل ثلاث، والإنسان إذا قيل له: يا أخي ما تقرأ قرآن، ما تعمل كذا، يقول: والله مشغولين، يا أخي مشاغل الحياة، إيش مشاغل الحياة؟. . ، الحياة ممر وليست مقر، الحياة مزرعة ازرع يا أخي، والله المستعان.

 كتاب الفتن الدرس(16) 
 تابع الباب الخامس باب ظهور الفتن
١/عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشُّحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج .قالوا: يا رسول الله، أيُّما هو؟ قال: القتل القتل .
٢/ عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج . والهرج القتل.
 ٣/ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن بين يدي الساعة لأياماً، يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر الهرج . والهرج القتل.
٤/ فقال أبو موسى: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، مثله، والهرج بلسان الحبشة القتل.
٥/ قال عبد الله، وأحسبه رفعه، قال: بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول فيها العلم ويظهر فيها الجهل . قال أبو موسى: والهرج: القتل بلسان الحبشة.
 وقال ابن مسعود: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ظهور الفتن.عنوان الباب تقرير والمقصود الفتن التي يبتلى بها العبد ويعلم من خلالها هل يسير إلى خير أو شر وظهور الفتن يدل على ضعف العلم الصحيح والدعوة الغير صحيحة
من خلال الاحاديث السابقة تظهر علامات الفتن:
١/ (يتقارب الزمان)و ذلك بنزع البركة بحيث يكون عمله في يوم يساوي عمل من قبله في ساعة وتنزع بركة الأعمال والأعمار ولا يشغل الناس العمل للدين وإنما يشغلهم العمل للدنيا.
٢/ ( وينقص العمل) وفي رواية ينقص العلم وينقص العمل إذا لم يستفيد من العلم في زيادة الإيمان وبذلك ينقص العمل والعمل لا ينفع إذا لم يكن مبني على الإيمان لأن الإيمان يسبب مضاعفة الأجور ينقص العمل الخالص والعمل الذي فيه خشوع والعمل الذي يخلو من البدعة
 الأعمال لا بد أن تكون مبنية على الشرطين الإخلاص والمتابعة .
٣/( ويلقى الشح) والشح أشد من البخل، وهو البخل مع الحرص،(ويلقى الشح) على كافة المستويات تجد التاجر يبخل بما في يده، فإذا جيء وطلب منه الإنفاق اعتذر،
أيضاً الشح عند بعض أهل العلم، فتجده يبخل لا يعلم الناس، ولا يعظ الناس ولا يرشدهم، فلا يستفيد منه متعلم، ولا يستفيد منه عاميتجد الصانع يبخل بصناعته يحتكر، يأخذ ما يسمونه براعة الاختراع، ولا يطلع الناس على كيفية هذه الصناعة، يبخل بها ويشح بها على الناس.
٤/ ظهور الفتن والمقصود بها الفتنة العامة والمنازعات على السلطة على كل المستويات .
٥/ يكثر الهرج نتيجة المنازعة على السلطة لا بد من التصفية الدموية هناك من ينازع من أجل السلطة ويكون صريح و هناك من يتخفى وراء الدين وهناك اليوم من يكتب من الخارج.
لما قلوا يا رسول الله أي ما هو ؟ قال القتل القتل الهرج في لغة العرب الاختلاط مع الاختلاف ثم استعمله الرسول صلى الله عليه وسلم بالمعنى في لسان الحبشة القتل لان الاختلاط مع الاختلاف يؤدي إلى القتل فيختلط الأمر فلا يدري القاتل فيما يقتل والمقتول لماذا قتل.
٦/ (يرفع العلم وينزل الجهل)وجاء بيان ذلك في الحديث الصحيح:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) يكثر الجهل، ويرفع العلم، يرفع بقبض أهله، ليس معناه أنه ينتزع من صدور الرجال، لا، إنما يرفع بقبض أهله،ويرفع العلم -يعني بموت العلماء
والمقصود بالعلم العلم الشرعي أما علم الدنيا فهو في زيادة ومن أسباب انتشار الجهل إعراض المميزين عن تعلم العلم الشرعي وإقبال ضعفاء الفهم على العلم الشرعي إذا أردت أن تقيس زمانك فانظر لهذه العلامات والمقصود استحكامها يعني تكثر وتكثر حتى تستحكم يعني تظهر الفتن وتظهر وتزيد حتى تستحكم حتى يكونوا شرار الناس فتقوم عليهم الساعة
التدرج في انقراض الخير سنة إلهية.
ماذا يترتب على معرفة هذه العلامات؟
 لا يعني ذلك اليأس وإنما لا بد أن نقاوم هذه الفتن ولا نستسلم:ويكون بنشر قيمة البركة
وننشر قيمة الإخلاص والمتابعة وننشر قيمة الكرم والعطاء والإحسان وننشر قيمة التقوى ونتجنب ونهرب من الفتن العامة توجيه المميزين لدراسة العلم الشرعي .

كتاب الفتن الدرس(17)   
طيب إذا كثر الهرج ماذا نصنع؟ هذا خبر لا بد من وقوعه، لكنه لا يقال: لا بد من إيقاعه،
يعني المسألة كونية لا بد من أن يقع، لكن شرعاً؟ لا، هل للمسلم أن يسعى لإيقاع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان؟ لا يجوز له ذلك، لكنه لا بد من وقوعه كوناً، فما الذي على المسلم إذا وجد مثل هذه العلامة من علامات قرب الساعة؟ يلزم العبادة،
كما جاء في الحديث الصحيح: (العبادة في الهرج كهجرة إليّ) يترك القيل والقال؛ لأنه قد يكون له يد في مثل هذه الموبقة العظيمة التي هي القتل، يترك القيل والقال، ويقبل على العبادات الخاصة والنفع المتعدي بقدر المستطاع.
الباب السادس
 بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه:
الحديث الأول:
عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال:(اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم) سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.
الشرح :
يقول -رحمه الله-: "بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه"، لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه، (وخير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) فالخيرية على سبيل الترقي،
والشرية على سبيل التدلي،فكل زمانٍ الذي قبله خيرٍ منه، وكل زمانٍ الذي بعده شرٌ منه في الجملة، ، يعني إذا استثنينا جيل الصحابة فالأزمنة والقرون التي بعدهم قد يوجد في المتأخر وإن كان الأقل خيرٌ من بعض من تقدم فالتفضيل إجمالي،يعني بمعنى أنه يوجد في القرن الخامس عشر أفضل ممن وجد من بعض من وجد في القرن العاشر، لكن الجيل كامل بالنظر إليه إجمالاً لا يمكن أن يكون القرن هذا أفضل من الذي قبله.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:"عن الزبير بن عدي -الهمداني- قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج"في القرن الأول الصحابة متوافرون، وشكوا من الحجاج،ولقوا منه الظلم والذل، حتى الصحابة ما سلموا من ظلمه -رضوان الله عليهم-، ولا شك أن في هذا تسلية لمن يعيش في مثل هذه الأيام، الصحابة ما سلموا من ظلم الحجاج وذله وإذلاله للصحابة،
شكوا الظلم وما يلقونه من ظلم الحجاج، "فقال أنس -رضي الله عنه-: "اصبروا" يعني: اصبروا عليه وعلى ظلمه، "فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه" ولا شك أن في مثل هذا تسلية، لماذا؟ لأنك تنظر في مثل هذه الأمور؛ لأن هذا الأمر لا شك أنه من أمور الدنيا، وأمور الدنيا أنت مأمورٌ بأن تنظر إلى من هو دونك، فإذا نظرت إلى أنه ضيق عليك في أمور الدنيا مثلاً، تقول: الحمد لله إحنا أفضل من البلد الفلاني، وحنا بعد أفضل من اللي بيجون بعدنا،
 (لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه) أما بالنسبة لأمور الدين لا شك أنه يوجد فيها بعض التضييق في بعض العصور، وفي بعض الأمصار، لكن من نعم الله على خلقه أن أبواب الدين متنوعة، فأنت منعت وضيق عليك من هذا الباب من أبواب الدين، وفتح لك آفاق وأبواب تلج من أوسعها ولله الحمد، هو الإشكال في أمور الدنيا التي يحصل فيها الضيق، وما في يعني بديل، إذا حصل مثل هذا في أمور الدنيا فأنت تقول: الحمد لله شوف البلدان الثانية يمين ويسار كلها أضيق منا، وأنت مأمور في مثل هذه الحالة أنت تنظر إلى من هو دونك، لكن في أمور الدين لا، لا بد أن تنظر إلى من هو أعلى منك لكي تعمل، أما في أمور الدنيا تنظر إلى من هو دونك لكي لا تزدري نعمة الله عليك،هذا فيه تسلية لك،في أمور الدين لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن لمثل بهذه الطريقة تنسلخ من الدين وأنت لا تشعر، تنظر إلى من هو فوقك.
(لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم) يعني: حتى تموتوا ثم تبعثون، "سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-" وهذا مثل ما قلنا: إجمالي،
قد يقول قائل: كيف هذا حديث مرفوع وصحيح، وقاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، مخرج في أصح الكتب؟ والآن في عصر الصحابة شكوا من الحجاج، اختفوا عن الحجاج وهم صحابة، أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم بعد كم سنة؟ ثلاثة عقود جاء عمر بن عبد العزيز هل نقول: إن العصر * * *الذي عاش فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟
*انتشر العدل، وعم الأمن، وفاض الخير، هل نقول: إنه أفضل؟
أن العصر الذي فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ إن قلنا: هذا .. ، لا بد أن نقول: إن عصر الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز وإلا خالفنا الحديث؛ لأن عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، كيف نقول: إن عصر عمر بن عبد العزيز الذي عم فيه العدل والأمن والرخاء، وفي عهد الحجاج عم الظلم، حتى الصحابة أصابهم ما أصابهم من الظلم والذل من -- * *الحجاج، وأعوان الحجاج، ماذا نقول؟
لا شك أن هذا استشكله بعضهم، وأيضاً وجد في العصور المتأخرة في بعض الأقطار من هو أفضل ممن هو قبله في القطر نفسه.
ونعود ونقول: إن هذا إجمالاً، إذا نظر إلى الأمة بكاملها، إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم، في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أنه الظلم ظاهر، لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون، عصرٌ يعيش فيه كثيرٌ من الصحابة لا شك أنه خيرٌ بكثير من العصر الذي يليه،

فالحديث صحيحٌ لا إشكال فيه، وأفعل التفضيل هنا على سبيل الإجمال، والله المستعان.

كتاب الفتن الدرس(18) 
 تابع الباب السادس
 بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه:
عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فزعاً يقول:(سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة).
شرح الحديث:
 " أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني: من نومه "ليلة فزعاً" حال كونه فزعاً، خائفاً وجلاً، "يقول:(سبحان الله! ماذا أَنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟!)"يقول:(سبحان الله! ماذا أَنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟!)" أنزل خزائن، وأنزل فتن، أنزل خير، وأنزل شر، يعني مثل هذا الكلام ينبغي أن يستغل، يستغل الخير فيعمل به، والشر يستعاذ منه ويتقى هذه الخزائن والأيام والليالي خزائن، ينبغي أن يودع فيها ما يسر في القيامة، هذه خزائن،(ماذا أنزل من الخزائن؟!)والخزائن: ما يحفظ فيه الشيء، الخزانة: هي التي يحفظ فيها المتاع، والليالي والأيام خزائن للأعمال،وهي عمر الإنسان، هي نفس الإنسان، هي الإنسان، فإذا ضاعت سدى فمعناه أن الإنسان ضيع نفسه، إذا لم يستغل هذه الخزائن، إذا لم يملأ هذه الخزائن بما يسره يوم القيامة فهو مغبون،(نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)إيش معنى مغبون؟ يعني باعها برخص، يعني لو شخص يطلع بسيارته للمعارض بدلاً من أن تسوى مائة ألف يبيعها بألف وألفين هذا مغبون وإلا لا؟ مغبون،ما في أحد ما يضحك عليه، لكن أين هذا من الغبن الحقيقي؟ حتى أنكر بعض أهل العلم أن يوجد في الدنيا غبن، ما في شيء اسمه غبن في الدنيا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول:{ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}[(9) سورة التغابن] ما هو باليوم،إذا جاء زيد من الناس بأعمال أمثال الجبال وجئت مفلساً{ذلك يوم التغابن}[(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، لكن لو أن إنسان باع سلعته بربع القيمة أو عشر القيمة قامت الدنيا عليه وكلٌ يلومه من كل وجه، بل يحجر عليه،ويلوكه الناس بألسنتهم، لكن شخص تضيع أيامه سدى، وتذهب الخزائن فارغة أو شبه فارغة هذا الغبن الحقيقيكم من الساعات والايام تذهب سدى الله المستعان ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟!) أنزل فتن، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أطل على المدينة من الأطم كما في الدرس السابق، رأى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر،ماذا يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الكلام؟ يريد أن نستغل هذه الخزائن، ويريد أن نتقي هذه الفتن، نتقي هذه الفتن.(من يوقظ صواحب الحجرات؟) من يوقظ صواحب الحجرات؟ والمراد بذلك أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، يوقظن لأي شيء؟ للصلاة والوقوف بين يدي الله -عز وجل- في مثل هذا الوقت الذي استيقظ فيه النبي -عليه الصلاة والسلامهكذا وكأنه في وقت النزول الإلهي، يوقظ صواحب الحجرات أقرب مذكور، يعني هؤلاء النسوة بجوارنا ليودعن شيئاً في هذه الخزائن
ويعملن عملاً يحفظهن من هذه الفتن؛ لأن الأعمال الصالحة تقي الفتن،(من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه- لكي يصلين) فيستفدن من هذه، أو يضعن شيئاً في هذه الخزائن ويتقين الفتن بالعمل الصالح، ويستعذن بالله منها، ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام:(رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)كم من امرأة تنفق الأموال الطائلة في شراء الثياب الغالية لتكتسي بها، وهي في حقيقة الأمر عارية، وإن زعمت أنها مكتسية، وإن زعم الناس أنها مكتسية،فالشفاف وإن سماه الناس لباس هو عارٍ، الضيق الذي يبين التفاصيل عاري، وإن سماه الناس كساء، ولا نحتاج إلى أن نذكر أمثلة من ألبسة النساء الموجودة الآن التي تظهر فيها..في أسواق المسلمين ومجامعهم فضلاً عن كونها بين النساء أو كونها في بيتها هذا أمر قد يكون أخف، لكن لو نظرت في لباس نساء المسلمين في المجامع العامة، في أقدس البقاع ماذا تجد؟ تجد العباءات الشفافة الضيقة التي يرى ما تحتها، تجد الثياب القصيرة، تجد..، هذا العُري،(رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة) تزعم أنها مكتسية وهي في الحقيقة عارية، وأهل العلم قالوا كلام كثير حول تفسير أو شرح هذا الكلام؛لأنهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه من لباس النساء في هذه الأزمان، وإلا واضح واضح جداً تفسير الحديث.هذه الألبسة التي يزعم الناس أنهم يلبسونها هي عُري، منهم من يقول: كاسية بالثياب عارية عن الثواب، رب كاسية بالثياب عارية عن الثواب، ومنهم من قال: كاسية من النعم عارية عن الشكر، لكن العُري وإن وجد اللباس المزعوم إلا أن العُري موجود، نسأل الله السلامة والعافية، تلبس العباءة الشفافة وتربطها بحبل يبين مفاصلها، هذا اكتساء؟! هذا شكرٌ للنعم؟! ليقول قائل: ما الفرق بين هذه العباءة وبين الثوب الضيق؟ ما يوجد فرق، تلبس العباءة التي طرزت وزينت وقد نهيت عن إبداء زينتها، هذا تصرف من يرجو الله والدار الآخرة؟هذا تصرف من يترك أعماله يتجشم الكيلوات بل مئات الكيلوات ويرجو ما عند الله في أقدس البقاع في أشرف الأزمان؟ هؤلاء فاتنات مفتونات، نسأل الله السلامة والعافية
هؤلاء معرضات لعقوبة الله -عز وجل-، ومن ورائهن أولياء الأمور، لا شك أنهن مباشرات لكن يشترك معهن من تسبب في ذلك في الإثم والعقوبة، ألا يخشى مثل هذا..، ألا تخشى مثل هذه أن تسلب بعض النعم التي تتقلب فيها، أو تبتلى بمرض تتمنى معه أن تعيش حياة أفقر الناس لكن بدون هذا المرض.الله -سبحانه وتعالى- يغار من ارتكاب المحارم، الله -سبحانه وتعالى- يملي للظالم ثم إذا أخذه لم يفلته، فلا بد من رجعة نتقي بها هذه الفتن، ونحن في زمنٍ أحوج ما نكون فيه إلى الرجوع إلى الله -عز وجل-؛ لنتقي شر هذه الفتن، لنتقي شر هذه المحن التي ظهرت علاماتها وأماراتها، لكي يدفع الله عنا هذه الأمم التي تكالبت علينا من كل حدب، ومن كل صوب، ومن كل جهة.
سؤال من طالب:
أليس المراد بالخزائن ما فتح على المسلمين من الدنيا؟ ففتنوا بها، ووقعوا في الفتنة والقتل والتقاطع؟
هذا قاله الشراح، والمراد بذلك خزائن فارس والروم وغيرها، أنزلت الخزائن، على كل حال الخزائن: ما يحفظ فيها المتاع هذا الأصل، فأنزلت هذه الخزائن لتحفظ فيها متاعك الذي ينفعك في الآخرة،ولا يمنع أن يكون الله -سبحانه وتعالى- أنزل وقدر وقسم وأنزل في تلك الليلة البشارة بفتح خزائن، أو بالحصول والاستيلاء على خزائن كسرى والروم وغيرها من الخزائن،
لكن هذه الخزائن إذا استعملت فيما يرضي الله -عز وجل- فهي نعم، وإن استعملت فيما يصد عن الله وعن ذكره وعن شكره فهي محن.

كتاب الفتن الدرس(19) 
الباب السابع
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(من حمل علينا السلاح فليس منا).
الحديث الأول:
 عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(من حمل علينا السلاح فليس منا).
شرح عنوان الباب:
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(من حمل علينا السلاح فليس منا) " إن كان حمله للسلاح مستحلاً قتل المسلمين فلا شك أن قوله:(ليس منا)على حقيقته، يعني يكفر بذلك؛لأنه استحل أمراً محرماً معلوماً تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، إذا استحل ذلك فهو يكفر بذلك، وأما من حمل السلاح يريد قتل المسلم مع علمه بتحريمه واعتقاده بذلك فالأمر خطيرٌ جداً،(فزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دمِ مسلم)،(ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماًوفي ذلكم الوعيد الشديد:{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(٩٣) سورة النساء] حتى قال ابن عباس: إنه لا توبة له، فالأمر خطير، جدُّ خطير،(من حمل علينا السلاح فليس منا) وكلام أهل العلم في مثل هذا بحمله على الخروج عن الإسلام والحكم عليه بالكفر المخرج عن الملة إن استحل ذلك، إن استحل قتل المسلم المعصوم معصوم الدم؛ لأن من استحل المحرم المعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام كفر، كما أن من حرم ما أحله الله المعلوم حله بالضرورة من دين الإسلام كفر، نسأل الله العافية، وحينئذٍ يكون قوله: (فليس منا) على حقيقته ليس من أهل ديننا.
أما إذا لم يستحل قتل المسلم بل أقدم على قتله معتقداً تحريم القتل فإنه لا يكفر بذلك، وإن تعمد قتله في قول جمهور العلماء، لكنه على خطرٍ عظيم، فابن عباس يرى أنه لا توبة له،{وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[(٩٣) سورة النساء] نسأل الله العافية، والحديث من نصوص الوعيد التي تمرُّ كما جاءت؛ لأنه أبلغ في الزجر عند جمعٍ من أهل العلم.
شرح الحديث:
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:"عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(من حمل علينا السلاح فليس منا)" وحمل السلاح على المسلم كبيرة من كبائر الذنوب إجماعاً، بالإجماع كبيرة من كبائر الذنوب، وعلى التفصيل الذي مضى،
فلا يخلو: إما أن يكون مستحلاً لذلك أو يقتل المسلم مع اعتقاده التحريم فالأمر جدُّ خطير، "ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً" يعني يضيق عليه الأمر أشد الضيق، ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة، بشطر كلمة، فالأمر ليس بالسهل، ليس بالهين، فعلى المسلم أن يتقي هذا الباب لا سيما في مثل هذه الظروف التي تكالبت فيها الأعداء على الأمة، نحن بحاجة ماسة إلى اتحاد، نحن بحاجة إلى ائتلاف قلوب لنقف صفاً واحداً ضد العدو المشترك الذي يريد النيل من ديننا قبل أموالنا ودمائنا،نعم يوجد مخالفات، يوجد منكرات، يوجد معاصي هذه تعالج، تعالج، لا يعالج المنكر بمنكرٍ أعظم منه، لا يجوز إنكار المنكر بما يترتب عليه مفسدة أعظم منه باتفاق أهل العلم، لكن إنكار المنكر واجب على كل مستطيع (من رأى منكم منكر فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)الدين -ولله الحمد- جعل لكل شخصٍ ما يناسبه وما يستطيعه، أنت في بيتك بإمكانك أن تغير بيدك، بالنسبة لمن تحت يدك تستطيع أن تغير، وفي غالب الأحوال تغير بلسانك، إذا لم تستطع فأنت معذور تغير بقلبك، تنكر المنكر، لكن لا ترضى بإقرار المنكر ووجوده.
ولا يجوز لأحدٍ كائناً من كان أن يعتدي على مسلم بأي حجة كانت، فإذا كان في حديث اللعان في حديث عويمر العجلاني، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الرجل يجد رجلاً عند امرأة، أو على امرأته، أيقتله فتقتلونه؟ قال:(نعم) لو وجده على امرأته لا يجوز له أن يقتله ولو كان محصناً مستحقاً للقتل؛ لأن مثل هذا يفتح باب شرٍ عظيم، وهو في الأصل مستحق للقتل،
حسماً للشر، وقطعاً لدابر الفوضى، الإنسان ينضبط بضوابط الشرع، نعم يوجد غيرة يوجد.، نعم الناس يغارون على محارمهم،(أتعجبون من غيرة سعد؟ )النبي -عليه الصلاة والسلام- أغير من سعد، لكن لا بد أن تكون الغيرة مضبوطة بضوابط شرعية وإلا صارت المسألة فوضى، لا بد أن تضبط هذه الغيرة بضوابط شرعية، تأخرة في بعض الأقطار من هو أفضل ممن هو قبله في القطر نفسهونعود ونقول: إن هذا إجمالاً، إذا نظر إلى الأمة بكاملها، إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم، في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أنه الظلم ظاهر، لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون، عصرٌ يعيش فيه كثيرٌ من الصحابة لا شك أنه خيرٌ بكثير من العصر الذي يليه، فالحديث صحيحٌ لا إشكال فيه، وأفعل التفضيل هنا على سبيل الإجمال، والله المستعان.



 كتاب الفتن الدرس(20)  
تابع الباب السابع
باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(من حمل علينا السلاح فليس منا).
- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(من حمل علينا السلاح -معاشر المسلمين- فليس منا) فليس منا،لا شك أن في حمل السلاح إخافة للمسلمين، وإدخال للرعب في قلوبهم،ولا شك أن الأمن أهم من الطعام والشراب،{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ} إيش؟ {مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(١٥٥) سورة البقرة] الطعام والشراب بعد الخوف، البلوى بالخوف أعظم من البلوى بالجوع، وذكر بعض المفسرين أنه أراد أن يطبق ما جاء في هذه الآية، فجاء بشاةٍ صحيحة سليمة ووضع عندها الطعام، وربط أمامها ذئب وقفل عليها، مربوط الذئب لا يستطيع الوصول إليها، وهذه بجوارها العلف، الطعام، وجاء بأخرى مريضة كسيرة وجعل عندها الطعام وقفل عليها الباب، هاه؟
 لما أصبح فتح الباب وجد الشاة التي عند الذئب ما تحرك طعامها ما نقص، والأخرى قد أكلت الطعام كله، وهي مريضةٌ كسيرة.
أحاديث الباب :
سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار).
عن جابر أن رجلاً مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها فأُمر أن يأخذ بنصولها، لا يخدش مسلماًعن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها) أو قال:(فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء).
شرح الأحاديث:
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح) (لا يشير) "لا"نافية وعلى كل حال سواءً كانت نافية أو ناهية النهي الصريح بـ"لا" الناهية، والنفي يراد به النهي، وحينئذٍ يكون أبلغ من النهي الصريح(لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع)، وفي رواية:(ينزغ) {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ}[(٢٠٠) سورة الأعراف] (ينزع في يده)يعني يتصرف الشيطان فيحرك اليد، أو يدفع اليد، (فيقع في حفرة من النار) يعني إذا قتل أخاه، ولو لم يقصد قتله، لكنه فعل ما نهي عنه من الإشارة والشيطان أيضاً تدخل، إما باليد أو في قلبه، وألقى في روعه، أو شغله بما يذهله، فتصرف مثل هذا التصرف وقتل أخاه، وحينئذٍ يقع في حفرة من النار، وهو في الأصل لم يقصد القتل، فكيف لو قصد؟!
سمعتَ جابر -بن عبد الله- يقول: مَرَّ رجلٌ بسهام" في المسجد" يعني المسجد النبوي، "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(أمسك بنصالها؟ ) "أمسك بنصالها: جمع نصل، وهو الحديدة، حديدة السهم المحددة التي تجرح من باشرها،فمثل هذا إذا كان في مجامع الناس لا بد أن يمسك بنصالها لئلا يؤذي أحد، يجرح أحد، أو يقتل أحد، ولو لم يقصد " (أمسك بنصالها؟) إستفهام قال: نعم".عن جابر أن رجلاً مر بالمسجد -يعني النبوي- بأسهم قد أبدى نصولها" نصولها: أطرافها المحددة هذه ظاهرة وبادية للناس، من مرت به صار بجوارها أثرت عليه "قد أبدى نصولها، فأُمر أن يأخذ –يقبض- على نصولها –بكفه- لئلا يخدش مسلماً"هذا أُمر فلو خالف هذا الأمر أثم،
وإذا كان يأثم بالخدش فالقتل أعظم وكلُّ هذا من الاحتياط لحقوق الناس، وإذا شدد الإسلام في حقوق الناس المالية، وشدد في أعراض المسلمين التي هي كما قال ابن دقيق العيد: "حفرةٌ من حفر النار" فما بالكم بدماء المسلمين؟!
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:(إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا) و(أو) هذه ليست للشك، وإنما هي للتنويع،والمقصود إذا مر من معه شيءٌ يمكن أن يؤثر أو يؤذي أحداً في مجامع الناس سواءً كان في المسجد، في السوق، في المدرسة، في الشارع المزدحم، في أي مكان يمكن أن يتضرر بمرورها أحد فهو مأمور بأن يمسك،(ومعه نبل فليمسك على نصالها) أو قال: (فليقبض) "، يعني هذا شك، هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:(فليمسك) أو قال:(فليقبض)؟ والمعنى واحد؟
 (بكفه كراهية أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء) فالمسلم محترم معصوم الدم والمال، عرضه مصان،فإذا كان المماطل (ليُّ الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته) يبيح عرضه وعقوبته،
هل معنى هذا أنه يتفكه بعرضه؟
 كل مجلس خلاص أباح الشرع عرضه في كل مجلس يتحدث عنه، (ليُّ الواجد ظلم) هذا المماطِل ظالم، ظالم لهذا المماطَل،{لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ}[(١٤٨) سورة النساء] خاص، ليس لأحد من المسلمين أن يتعدى على عرض هذا المماطل{إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(١٤٨) سورة النساء] الذي هو المماطَل،وهذا المظلوم المماطَل ماذا يقول عن ذلك الشخص المماطِل، ماذا أبيح له من عرض هذا المماطِل؟
لا يجوز له أن يقول أكثر من قوله: فلان مطلني، يعني هذا منصوص على أن عرضه مباح،

 لكن ليس معنى هذا أن يتخذ فاكهة، يتفكه بعرضه، وينكت عليه، هذا من أبيح عرضه، فكيف بمن صان الشرع عرضه، وجعل أكل لحمه -الكلام فيه- مثل أكل الميتة؟! مثل أكل لحمه إذا مات، تصور أكل لحم آدمي وميت، الكلام فيه مثل هذا، والله المستعان.


كتاب الفتن الدرس (21)
الباب الثامن :
شرح:باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب 
بعضكم رقاب بعض):يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:"باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)" لا ترجعوا: يعني لا ترتدوا، بعدي: أي بعد وفاتي، أو بعد كلامي هذا، كفاراً: إما أن يكون الكفر مخرجاً عن الملة، وذلك بالاستحلال،فإذا استحل الإنسان دم أخيه المسلم فإنه يكون بذلك مرتداً؛لأنه استحل أمراً منكراً مجمعاً عليه معلومٌ تحريمه بالضرورة من دين الإسلام،أو يكون الكفر دون الكفر الأكبر، ولا يخرج حينئذٍ من الملة، لكنه من عظائم الأمور.
 (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) يعني: يقتل بعضكم بعض، ففيه التحذير الشديد، والوعيد على من ارتكب هذا الأمر الشنيع، وسبق الحديث عن حرمة القتل، وما ورد فيه من نصوص،(ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً).
 (لا ترجعوا بعدي كفاراً) إما أن يكونوا كفاراً بالمعنى المعروف من الكفر إذا أطلق، وهو الخروج من الملة،أو يكون المراد بذلك التشبيه، يعني كالكفار الذين من شأنهم أن يضرب بعضهم رقاب بعض.
الحديث الأول
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر).
شرح الحديث:
(سباب المسلم فسوق)
السب: هو الشتم، السب والسباب كلاهما مصدر سب يسب سباً وسباباً، ومنهم من يقول: السباب أشد من السب؛ لأن السباب يكون بما في الإنسان وما ليس فيه، بخلاف السب.
 (سباب المسلم فسوق) الفسوق والفسق الخروج، وهو في الاصطلاح: الخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله -عليه الصلاة والسلام- والفسوق أشدُّ من مجرد العصيان؛ لأنه وقع معطوفاً على الكفر، ثم عطف عليه العصيان على سبيل التدلي 
من الأعلى إلى الأدنى،{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}[(٧) سورة الحجرات].
(سباب المسلم فسوق)أي شتمه بما فيه مواجهةً أو في غيبته، وما ليس فيه من باب أولى فسوق، الفاسق له حكمه في الشرع مستحقٌ للتعزير، إذا لم يكن فيما ارتكبه حد فهو مستحقٌ للتعزير، لو سبه بما يوجب الحد أقيم على الحد، لكن إذا سبه بما لا يوجب حداً فإنه يجب تعزيره، وأخذ حق أخيه منه، إلا إذا عفا أخوه.
 (وقتاله كفر) قتاله: قتله ومقاتلته كفر، ويقال فيه مثل ما قيل سابقاً من أنه كفر مخرج عن الملة إن استحل ذلك، أو هو كفرٌ دون كفر إن لم يستحل ذلك، لما عرف عند أهل السنة قاطبة أن القتل كبيرة من كبائر الذنوب لكنه لا يخرج من الملة كغيره من الموبقات التي هي دون الشرك، نعم إن استحل خرج من الملة، فالذي يستحل حراماً مجمعاً عليه معلوم تحريمه بالدين، بالضرورة من دين الإسلام هذا يكفر، وعكسه إذا حرم أمراً مباحاً حلالاً عرف حله بالضرورة من دين الإسلام فإنه يكفر.
فالقتال أشد من السباب، القتال أشد من السباب؛ لأن حكم السباب الفسوق، وحكم القتال كفر، والكفر وإن كان دون الكفر الأعظم إلا أنه أعظم من مجرد الفسوق، وجاء في الصحيحين وغيرهما:(لعن المؤمن كقتله) في حديث الباب فرق النبي -عليه الصلاة والسلام- بين مجرد السباب، وبين القتل في الحكم، فجعل السباب أنزل من القتل والقتال،وفي الحديث الآخر قال -عليه الصلاة والسلام-: (لعن المؤمن كقتله) هنا مشبه وهو اللعن، ومشبه به وهو القتل، ووجه الشبه الجامع بينهما التحريم، كلٌ منهما محرم،(لعن المؤمن كقتله) في التحريم،ولا يلزم أن يكون المشبه كالمشبه به من كل وجه، بل قد يكون التشبيه من وجهٍ دون وجه، فالسب والشتم كالقتل في الاشتراك بالتحريم، وترتيب العقوبة.
تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، والوحي محمود، والجرس مذموم، هل يعني هذا أن الوحي مشبه للجرس من كل وجه؟ لا، فالجرس له أكثر من وجه، يمكن أن 
يشبه ببعضها دون بعض،فلا إشكال في الحديث؛ لأن اللعن أشبه القتل من وجهٍ دون وجه، من وجه الاشتراك في التحريم، كما أن الوحي أشبه صلصلة الجرس من وجهٍ دون وجه، فالجرس فيه قوة وتدارك في الصوت، وفيه أيضاً يعني جهة طنين، وجهة إطراب، فهو مشبهٌ بالجرس من جهة القوة والتدارك في الصوت، بينما جهة الإطراب التي وقع الذم من أجلها يفترقان.
ولذا آلات التنبيه التي ليس فيها إطراب لا تدخل في الجرس المنهي عنه، وإن سماه الناس جرس، يعني لو يضع الإنسان على بابه زر كهربائي ينبه من في الداخل إلى أنه يوجد عند الباب طارق، إن أطرب هذا المنبه دخل في الجرس المذموم،و إن كان مجرد صوت لا يطرب السامع فإنه لا يدخل في المذموم،وقل مثل هذا في الآلات كلها، والناس مع الأسف الشديد يعانون مما يسمعون من الأجراس المطربة في مواطن العبادة، بل في أثناء العبادة بسبب الجوالات، فعلى المسلم أن يتقي الله -عز وجل-،والملائكة لا تصحب رفقةً فيها جرس، هذا جرس يا أخي، جرس مطرب وموسيقى، وجاء الوعيد الشديد فيمن يتخذ المعازف، وهذا نوعٌ منها، نسأل الله العافية، ويتضاعف التحريم بفضلِ المكان والزمان، مع الأسف نجد هذه الأجراس المطربة ترن في المساجد، بل في أشرف البقاع في المطاف، والله المستعان.
فتشبيه اللعن بالقتل لا يعني أنه مشبهٌ له من كل وجه، وهناك أمثلة كثيرة لهذا الضرب

كتاب الفتن الدرس(22) 
الباب الثامن :
شرح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض):
بعد هذا يقول الإمام -رحمة الله عليه-: عن عبد الله بن عمر أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول -في حجة الوداع عند جمرة العقبة-:(لا ترجعوا بعدي كفاراً)، إما مرتدين أو كالكفار (يضرب بعضكم رقاب بعض) على ما تقدم تقريره.
ثم قال -رحمة الله عليه-:"عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة -عن أبيه أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي- عن رجلٍ آخر"، هو حميد بن عبد الرحمن الحميري، "عن رجلٍ آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة"، صرح بعبد الرحمن بن أبي بكرة؛ لأن المروي من طريقه مما وقع لأبيه، والإنسان يحرص على حفظ ما يتعلق به أو بأبيه أو بأسرته، وإلا من أبهم .. ، وحميد بن عبد الرحمن حميري أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ لأن ابن أبي بكرة دخل في الولايات، وأما حميد بن عبد الرحمن فقد زهد في الدنيا كلها فضلاً عن ولاياتها، ولا شك أن من مالت به الدنيا ومال بها معرض للخطر، بخلاف من عزف عنها، ولا يعني هذا أن أمور المسلمين تعطل، وكل الناس يزهد فيها، بل قد يتعين العمل فيها على بعض الناس، وإذا ألزم الإنسان من غير مسألة بهذه الولايات ونصح وبذل جهده واستفرغ وسعه في نصح الناس، والنصح لهم، لا شك أنه مثاب، بل ثوابه عظيم؛ لأن هذه أمور هي في الأصل خدمة للأمة، والله المستعان، لكنه في الغالب يعني امتحان قل أن ينجو منها،(نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة) قلَّ من ينجو منها، ابن عباس قيل فيه هذا الكلام، جاء رجلٌ يسأل ابن عمر، فقال له: سل ابن عباس، فذكر له أن ابن عباس صار عنده شيء من التوسع في أمور الدنيا، يعني في المباحات، بينما ابن عمر زهد في هذه الأمور، فالناس لا شك أنهم يحسنون الظن، بمن لا نظر له في الدنيا، وإن كان أقل في العلم، والله المستعان.
"وعن رجلٍ آخر هو أفضل في نفسي من عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبي بكرة"الصحابي الجليل نفيع بن الحارث،"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطب الناس -يوم النحر بمنى- فقال:(ألا تدرون أي يوم هذا؟)" هذا للفت النظر من أجل الانتباه لما يلقى،(ألا تدرون أي يوم هذا؟ ) قالوا: الله ورسوله أعلم"،
لما سأل دهشوا هم يعرفون أن اليوم يوم النحر، لكنهم دهشوا لما سئل عن شيء معلوم بالبداهة، نعم لو سئلت عن شيء لا يخفى عليك حتى عند السائل يعرف أنه لا يخفى عليك ما تدري وإيش ... ؟ ماذا تجيب؟ لأن هذا معلومٌ عند الطرفين السائل والمسئول، إذاً لا بد أن يكون السائل أراد شيئاً آخر غير المسئول عنه، أو أن المسئول ما فهم السؤال على وجهه وحقيقته من الدهشة، "قالوا: الله ورسوله أعلم"، الصحابة -رضوان الله عليهم- سئلوا عن يوم النحر، فقالوا: الله ورسوله أعلم، وصغار طلاب العلم يسألون عن عضل المسائل فيجيبون بغير تردد الآن، والصحابة يتدافعون الفتيا، ولم يجيبوا عن اليوم الذي هم فيه، ولا يعني هذا أن الإنسان إذا عرف شيئاً من العلم واحتاج الناس إليه أنه يكتم ما عنده من العلم, لا، لكن المسألة التوسط في الأمر، من عنده شيء لا يجوز له أن يكتمه إذا تعين عليه، والذي ليس عنده من العلم ما يكفيه للإجابة على مسألة بعينها أو مسائل يقول: الله أعلم، ولا يضيره ولا ينقص من قدره، بل هذا فيه الرفعة في الدنيا والآخرة ولم يضر الإمام مالك -رحمه الله- لما سئل عن أربعين مسألة فأجاب عن أكثر من ثلاثين، اثنتين وثلاثين أو ست وثلاثين بـ (لا أدري)، وهذا متوارث عند أئمة الهدى في المتقدمين والمتأخرين، والله المستعان، إلى أن وصل الحد بنا إلى أن صغار المتعلمين أو بعض من لا يمت إلى العلم الشرعي بصلة أن يتصدى ويتصدر لإفتاء الناس وتوجيههم، والله المستعان.

 كتاب الفتن الدرس (23)
تابع الباب الثامن:
شرح: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض):
"قالوا:الله ورسوله أعلم، قال: حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال:(أليس بيوم النحر؟) قلنا: بلى يا رسول الله، قال:(أي بلد هذا؟ ) " وجاء في بعض الروايات: "قلنا: الله ورسوله أعلم"، قال:(أليست بالبلدة؟){إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ}[(٩١) سورة النمل]
البلدة: اسمٌ من أسماء مكة،كما أن الدار اسمٌ من أسماء المدينة،{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ}[(٩) سورة الحشر]"قلنا: بلى يا رسول الله، قال:(فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم)" جمع عرض، وهو موضع المدح والذم، (وأبشاركم) جلودكم،يعني الاعتداء على الإنسان بما يزهق روحه، ويريق دمه،وما يخدش جلده، يعني سواءً كان الاعتداء كبير أو صغير، ذليل أو حقير، ولذا قال: (وأبشاركم) يعني مجرد خدش البشرة، يعني لو تمر من عند واحد أو شيء بظفرك تخدش بشرته أو بأي شيء، بآلةٍ هذا حرام، وتقدم أن من يأتي بالسهام لا بد أن يأخذ برؤوسها إذا مر بمجامع الناس؛ لئلا تصيب أحداً بأذى.(إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) هذه من الضروريات التي جاء الدين بحفظها، فالدماء شأنها عظيم،والأموال أيضاً لا يجوز الاعتداء عليها من قبل غير مالكها،ولا من مالكها في غير وجوهها،فقد جاء النهي عن إضاعة المال.
 (وأعراضكم) العرض الذي هو موضع المدح والذم لا يجوز النيل منه (وأبشاركم عليكم حرام) وكل هذا إذا كان بغير حق،أما إذا كان بحق فالشرع جاء لإقرار الحق، فالقاتل يقتل، ما يقتل الإنسان ويقول:(إن دمائكم وأموالكمالغاصب يعاقب ويؤخذ منه ما اغتصب، وقد يعزر بأخذ شيء من ماله،مانع الزكاة قد يعزر بأخذ قدرٍ زائد،(فإنا آخذوها، وشطر ماله)المقصود أن حفظ هذه الأمور من الدماء والأموال والأعراض إذا كان ذلك بغير حق،الأعراض قد يكون النيل منها بحق إذا كان الهدف منه النصح في الاستشارة مثلاً، في الجرح والتعديل بالنسبة للرواة، وهذا وإن كان على خلاف الأصل إلا أنه محددٌ بقدر الحاجة، لا يجوز النيل من عرض مسلم إلا لحاجة، وأن يكون بقدر الحاجة، إذا كانت الحاجة تتأدى بكلمة لا يجوز الزيادة عليها.
جاءك شخصٌ يستشريك؛ لأنه تقدم لخطبة ابنته شخص، فإذا كان لا يشهد صلاة الفجر لا تزد على ذلك، قل: يا أخي لا يشهد صلاة الفجر، لا يجوز لك أن تقول: الخبيث المخبث الذي فيه ما فيه، الفاعل التارك، ما يشهد صلاة الفجر أكيد أنه بعد بيسوي كذا وكذا، ما عليك، أنت لا يجوز لك أن تقدح إلا بما تعلم، وهذا بقدر 
الحاجة، وإذا دعت إليه الحاجة، ومثله جرح الرواة، ومع الأسف أن نجد بعض من ينتسب إلى طلب العلم همه وديدنه الجرح والتعديل، الذي لا تدعو إليه الحاجة،ولا يترتب عليه أدنى مصلحة،وتجد القيل والقال كله في أعراض الأخيار أيضاً، مع سلامة الأشرار، الشيخ فلان قال كذا، الشيخ علان أفتى بكذا، تسامح بكذا، داهن في كذا،ما عليك منه، إن كان عندك له نصيحة اذهب إليه بعد أن تقدم ما يفتح قلبه لك، أما تأتي على سبيل المتعالي، أو على جهة التعالي لتنصح شخص أكبر من أبيك، نعم عليه أن يقبل، وعليك أن تقدم الأسلوب المقبول، أما أن تكون في المجالس فلان فعل وفلان ...نعم من ظهر أمره واشتهر، وأعلن مخالفته، وخشي من ضرره على الناس لا مانع من التحذير منه؛ لأن ضرره إذا خشي منه أن يتعدى يحذر منه، فإن كان يكفي التلميح تعين، وإن لم يكفِ التلميح بل لا بد من التصريح صرح به، لكن أيضاً بقدر الحاجة.(كحرمة يومكم هذا -يوم النحر- في شهركم هذا -في شهر ذي الحجة- في بلدكم هذا -في مكة- ألا هل بلغت؟)ألا هل بلغت؟ يعني ما أمرت بتبليغه، "قلنا: نعم" بلغت يا رسول الله،ونحن نشهد أنه بلغ الرسالة،وأدى الأمانة على أكمل وجه، ونصح الأمة -عليه الصلاة والسلام-،"قال:(اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب -يعني من حضر يبلغ من غاب- فإنه رب مبلغٍ -هذا تقليل- رب مبلغٍ يبلغه من هو أوعى منه) وأحفظ، يعني رب مبلَّغ أو رب مبلِّغ من الحاضرين يبلغه لشخصٍ هو أوعى منه له، وأحفظ له، وأفهم،ورب هذه للتقليل؛ لئلا يقول قائل: إنه يوجد في هذه العصور من هو أفهم من الصحابة، نقول: لا ما هو بصحيح، قد يوجد من الصحابة -لأن هذا تقليل- واحد أو أفراد من الصحابة مع ما نالوه من شرف الصحبة، ورسوخ القدم في الديانة يكون فهمهم ..؛ لأنهم ليسوا بمعصومين، هؤلاء النفر اليسير قد يوجد فيمن جاء بعدهم من هو أحفظ وأوعى، وهكذا إلى قيام الساعة، يوجد في الزمان المتأخر من هو أحفظ وأوعى ممن هو ممن تقدم عليه في الزمن، وهذا قليلٌ نادر؛ لأن ربَّ تقتضي التقليل، وسبق الحديث:(فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌ منه)
 وهذا إجمالي .فكان كذلك" كان الأمر كذلك، بلّغ الصحابي التابعي، وقد يكون في التابعين وهذا مثل ما ذكرنا نادراً الواحد أو الاثنين من هو أحفظ من الواحد أو الاثنين من الصحابة، "فكان كذلك،قال:(لا ترجعوا بعدي كفاراً، يضرب بعضكم رقاب بعض)" قال ابن أبي بكرة: "فلما كان يوم حُرِّق ابن الحضرمي" عبد الله بن عمرو "حين حرَّقه جارية بن قدامة"بن مالك بن زهير السعدي،السبب أن ابن الحضرمي وجهه معاوية -رضي الله عنه- يستنفر أهل البصرة إلى قتال علي -رضي الله عنه-، فوجه عليٌ -رضوان الله عليه- جارية ابن قدامة إلى ابن الحضرمي، فتحصن ابن الحضرمي ، في دار فحرَّق جاريةُ الدار بمن فيها،وهذه آثار الفتن،الفتن إذا قامت لا بد أن يوجد مثل هذه التصرفات، الفتن نسأل الله -جل وعلا- أن يقي المسلمين من شرها إذا قامت لا بد أن توجد مثل هذه التصرفات،يحصل أمور لا تخطر على البال،حتى على بال من فعلها،
تطيش العقول في أوقات الفتن،يعني أمير المؤمنين عثمان -رضي الله عنه- يقتل في المدينة بين الصحابة، وقد قدم ما قدم للإسلام والمسلمين، وشهد له النبي -
عليه الصلاة والسلام- بالجنة،كل هذا سببه الفتن،قد يقول قائل: أليس في المسلمين قوة ومنعة أن يمنعوا خلفيتهم من أن يقتل؟ فيهم قوة ومنعة، لكن إذا حصلت هذه الأمور فتلافيها صعبٌ جداً،فعلى كل إنسان أن يساهم بقدرِ ما أُوتي في دفع الفتن وضرها وشرها؛ لأنها إذا بدأت ما انتهت، تأتي على الأخضر على الرطب واليابس،شخص يحرق بدار ومعه ما يقرب من سبعين، شخص من أبناء الصحابة،بل قال بعضهم ممن له صحبة يودع في جوف حمار ويحرق في جوف الحمار! هذا سببه إيش؟سببه الفتن، كيف يتصرف الناس؟إذا هاجت الفتن طاشت العقول،وصعبت الحلول،فإذا كان هذا وقع في عصر الصحابة فما شأنكم فيما يقع فيما بعدهم حينما يرفع العلم، ويكثر الجهل، ويقل العمل؟ هذا والصحابة متوافرون تحصل مثل هذه الأمور، إذاً لا بد من أن يقضى على الفتن في مهدها، والله المستعان؛ لئلا تستشري.يقول:"فلما كان يوم حرق ابن الحضرمي حين حرقه جارية بن قدامة قال جارية لجيشه: أشرفوا على أبي بكرة" أشرفوا على أبي بكرة، انظروا ماذا سيصنع أبو بكرة صحابي جليل يخشى إيش؟أن يتدخل أبو بكرة فيحصل له شيءٌ من القتل فيبوء بإثمه من يقتله يقتل صحابي، ماذا صنع أبو بكرة؟خشي جارية أن يتدخل أبو بكرة لسوء ما صُنع هؤلاء النفر،"فقالوا: هذا أبو بكرة يراك" أمامك، يراك أبو بكرة، لكن ماذا يصنع أبو بكرة؟ "قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: فحدثتني أمي -هالة بنت غليظ العجلية- عن أبي بكرة- يعني عن أبيه- أنه قال: لو دخلوا علي ما بهشت بقصبةيعني ما دافعت عن نفسي، لو دخلوا عليَّ، بيتي، ما دافعت عن نفسي بقصبة، ما يدافع عن نفسه؛ لأنه حفظ من أحاديث الوعيد الشديد في القتل والقتال، قتال المسلمين ومقاتلتهم؛لئلا يساهم في ما جاء فيه الوعيد الشديد،قال:"لو دخلوا عليَّ ما بهشت بقصبة".

 كتاب الفتن الدرس (24)
 الباب التاسع :
شرح: بابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه، فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً فليعذ به).يقول -رحمه الله-:"باب: تكون فتنة" يعني عظيمة، التنوين هنا للتعظيم، "القاعد فيها خير من القائم"، هذا نص الحديث، فترجم على الحديث بجزء منهعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(ستكون فتن)" عند أبي ذر:(فتنة)،(ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي)يعني أن من شارك في الفتن فيهم تفاوت بحسب توغلهم فيها،ليس المراد من القعود الجلوس والمشي على الأرجل، وإن كان هذا هو الأصل، إلا أن بعضهم يكون أشد توغلا في هذه الفتنة، وبعضهم أخف،
 فمن اعتزل هذه الفتن لا شك أنه سالم،ولذا قال:(فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا فليعذ به) فليعتزل،إن كان وضعه العلمي أو الاجتماعي يستدعي دخوله فيها، بعض الناس لا سيما إذا كان من أهل العلم لا يسوغ له أن يعتزل إذا كان يستطيع التأثير في التخفيف من هذه الفتن، يعني إذا اعتزل أهل العلم والحلم والرأي فلمن تترك هذه الفتن؟!
الفتن كالنار تأتي على كل شيء، وأهل العلم وأهل الحلم والخبرة والدراية والعقل بهم أو بسببهم يقضى على الفتن -بإذن الله-، على كل حال من اضطر أو من احتيج إليه لمشاركته في هذه الفتن عليه أن يسعى لإخماد هذه الفتن من مهدها إن تمكن،لكن لا يجوز له أن يساهم في إذكائها ولو بكلمة،ومن يساهم في إذكائها وتأجيجها هؤلاء متفاوتون بحسب أعمالهم فيها، منهم المحرض، ومنهم المستوشي، ومنهم .. ، المقصود أنهم متفاوتون، وعبر في الحديث عن هذا التفاوت بالقيام والقعود والمشي، فمن كان أثره في هذه الفتن أقل كان خيرا ممن ..،كان أثره أعظم.
 درجات الناس في الفتنة:
١/ القاعد يكون مع النظارة ولا يشارك في القتال
٢/ القائم المباشر لها
٣/ الماشي الذي يقوم بأسباب الفتنة
٤/ الساعي الذي يسعى فيها بحيث يكون سببا لإثارتها.
 الترتيب تصاعدي فكيون (الأول أقل شرا من الثاني والثاني أقل شرا من الثالث ....) فتح الباري بتصرف.

كتاب الفتن الدرس (٢٥)
 الباب التاسع:
 تابع شرح: بابٌ: تكون فتنة القاعد فيها خيرٌ من القائم:
 (إنها ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف -أي تطلع لها واستشرف- تستشرفه) تهلكه بأن تجعله يشرف على الهلاك، لا سيما الفتن التي لا يظهر فيها وجه الصواب، ولا يظهر فيها رجحان إحدى الكفتين،
 (من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأ أو معاذا -أو ملاذا- فليعذ به)
وليلذ وليعتزل،وفي الصحيح:(يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن)وهذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-،فالعزلة والسلامة لا يعدلها شيء؛ لأن الإنسان قد يدخل في مثل هذه الأمور ظنا منه أنه يصلح، لكنه قد يكون الأمر في غير مقدوره وطاقته فلينج بنفسهثم قال -رحمه الله-:" أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه)"، يعني التحذير، هذا فيه التحذير من المشاركة في الفتن، وهذا معروف أنه مما لا يتبين فيه وجه الصواب،أما إذا تبين وجه الصواب بأن اعتدي على أحد تدخل يا أخي،(انصر أخاك ظالما أو مظلومابغى على ولي الأمر بغاة، يساعد ولي الأمر بقمعهم،
المقصود أنه إذا بان وجه الصواب ما تكون فتنة، وإلا لو بغى على ولي الأمر بغاة ثم تركوا يتصارعون،وكل قال: هذه فتنة القاعد فيها إلى آخره ..،ولنعتزل، من وجد معاذا أو ملاذا، تكون الأمور أعظم، ولا بد من الأخذ على يد مثل هؤلاء، ولا شك أنهم إن كان لهم تأويل سائغ يقبل منهم تأويلهم، ويحاجون، ويناقشون، ويقنعون،والبغاة عند أهل العلم ليسوا بكفار،لكنهم لا شك أنهم معرضون للعقاب في الدنيا والآخرة، بقدر ما يترتب على فعلهم من أثر، فلو كان كل شخص يقول: أنا أعتزل مثل هذه الأمور صارت الدنيا ضياع، ما استقامت أمور الناس، حتى يقمع من أراد أن يشق عصا المسلمين، ويفرق جمعهم، ويثير المشاكل بينهم.يقول:(فمن وجد ملجأ أو معاذا فليعذ به) ففي هذا كله التحذير من المشاركة في الفتن، وهذا الخطاب يتجه إلى من لا أثر له في هذه الفتن،بل يخشى عليه أن يتأثر،يتأثر بها،ويتضرر في دينه،أو يكون له يد،أو تسبب في قتل مسلم أو هتك عرض أو ما أشبه ذلك،فمثل هذا عليه أن يعتزل،أما أهل الحل والعقد من أهل الرأي والعلم والحلم فمثل هؤلاء ينبغي أن يتدخلوا لتلافي الأضرار والأخطار واستشراء هذه الفتن واستمرارها، والله المستعان.

كتاب الفتن الدرس (26)
 الباب العاشر:
شرح: باب: إذا التقى المسلمان بسيفيهما:
عن الحسن، قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة فقال: أين تريد؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار) قيل: فهذا القاتل فما بال المقتول؟ قال:(إنه أراد قتل صاحبه)،قال حماد بن زيد: فذكرت هذا الحديث لأيوب ويونس بن عبيد، وأنا أريد أن يحدثاني به، فقالا: إنما روى هذا الحديث الحسن عن الأحنف بن قيس عن أبي بكرة.
يقول -رحمه الله تعالى-:"باب:(إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار)إذا التقى المسلمان فهما مسلمان مع اتصافهما بالقتل، فالقتل كبيرة وجريمة من كبائر الذنوب، لكنه لا يخرج من الملة؛لأن كلا من القاتل والمقتول من المسلمين، ولذا قال:(إذا التقى المسلمان)
{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}[(٩) سورة الحجراتفالقتل لا يخرج من الملة ما لم يستحله مرتكبه،(إذا التقى المسلمان بسيفهما)
الجواب:(فالقاتل المقتول في النار)،وسيأتي."عن الحسن -البصري- قال: خرجت بسلاحي ليالي الفتنة، فاستقبلني أبو بكرة"من القائل خرجت بسلاحي؟  بين البخاري في آخر الحديث القائل
(عن الحسن عن الأحنف عن أبي بكرة) فالذي خرج بسلاحه الأحنف وليس الحسن، يقول الأحنف: "خرجت بسلاحي ليالي الفتنة الواقعة بين علي وعائشة التي سميت موقعة الجمل، موقعة الجمل، هذه فتنة  أو  ليست فتنة؟ فتنة وأي فتنة! علي -رضي الله عنه- مشهود له بالجنة، فضائله ومناقبه أكثر من أن تحصر -رضي الله عنه وأرضاه-، وعائشة أم المؤمنين، تخرج عائشة لقتال علي، ولما أقبلت قال علي:"والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم"الفتن، الفتن - إذا جاءت، هؤلاء خيار الأمة، فكيف بمن يعيش بمثل زماننا حينما أثرت الشهوات والشبهات على النفوس؟! وأدبر الناس عن دين الله،هناك في وقت إقبال على الدين، تأتي عائشة لحرب علي ومقاتلته،وعلي -رضي الله عنه-علي ما يحتاجورابعهم خير البرية بعدهم ... علي حليف الخير بالخير يمدح ويقول في حقها، ماذا قال؟ هل اتهمها؟ هل رماها؟ هل .. ؟ ما فعل شيء، قال الحق: "والله إنها لزوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم".
يقول الأحنف:"خرجت بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة -نفيع بن الحارث- وقال: أين تريد -يا أحنف-؟ قلت: أريد نصرة ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)"، يريد أن يثني الأحنف؛لأنه من سيواجه بسيفه؟ يواجه المسلمين، ويقاتل تحت راية من؟ تحت راية مسلمين،
 فالمتواجهان كلاهما من المسلمين،(إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)
 يعني يستحقان النار هذا الأصل،وقد يعفى عنهما،فالقتل والقاتل تحت المشيئة كسائر الكبائر، {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[(٤٨) سورة النساء] لكن في الأصل رتبت النار على جريمة القتل، العقوبة النار، والكبائر متوعد عليها بالنار، والمعاصي كذلك،
 لكن هي تحت المشيئة."قيل:فهذا القاتل" يعني: يستحق النار القاتل،"فما بال المقتول؟"
 يعني ما ذنبه؟ يعني إذا كان القاتل يستحق النار؛ لأنه قتل فما بال المقتول؟ يعني ما ذنبه؟ "قال: (إنه أراد قتل صاحبه)" أراد قتل صاحبه، أي كان حريصا على قتله، عازما على قتله، وبهذا يحتج من يقول بالمؤاخذة بمجرد العزم، ولو لم يفعل؛ لأن العزم آخر مراتب القصد، يليها الفعل، مراتب القصد خمس.المقصود أن هذا عازم فهو مؤاخذ بعزمه، وهو أيضا فاعل، فعل الأسباب، فعل الأسباب حرص وحاول وأخذ السيف وخرج وبارز، لكنه قتل ما استطاع أن يقتل، هذا فعل،
 فعل المقدمات، لكن عقوبته دون عقوبة القاتل؛ لأن جريمته أقل من جريمة القاتل،نعم هو فعل هذه الأفعال لكنها ليست قتل محاولة قتل، عزم على قتل.
"قيل: فهذا القاتل، فما بال المقتول؟قال:(إنه أراد قتل صاحبه)

كتاب الفتن الدرس (27)
 الباب الحادي عشر:
شرح باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة:
باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟.
حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال:(نعم) قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن) قلت: وما دخنه؟ قال:(قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر) قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:(نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها) قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال:(هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا) قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال:(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) قلت:فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:(فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).
باب: كيف الأمر" يعني كيف يكون الحال والشأن إذا لم توجد جماعة؟ إذا لم تكن جماعة مجتمعون على إمام كلمتهم واحدة؟ ماذا نصنع؟ الجواب في الحديث حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنت أسأله عن الشر الخير إذا أقبل وصل، واستفيد منه، لكن الشر إذا أقبل كيف يتقى؟ كيف يتقى؟
"كنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني" المراد بالشر هنا الفتن، حذيفة -رضي الله عنه- روى أحاديث الفتن كالمتخصص فيها، كان يسأل  الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذه الفتن ليتقيها، ويحذر الناس من شرها، "مخافة أن يدركني"، يعني وقتها أو شرها،فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر من كفر وقتل ونهب وارتكاب فواحش وغير ذلك، فجاءنا الله بهذا الخير، بهذا الدين الذي اجتمع فيه خير الدنيا والآخرة،"فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال:(نعم)"،والباب الذي يحول دون هذا الشر وهذه الفتن هو عمر -رضي الله عنه-، وقد كسر هذا الباب، ثم تلاه مقتل عثمان -رضي الله عن الجميع-،"قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ 
قال:(نعميأتي خير، ومن أظهر وجوهه ما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-،"قال: (نعم، وفيه دخن)" الدخن والدخان المراد به الكدر، يعني إذا وجد في الجو شيء من الدخن والدخان تكدر الجو، فكذلك ما اشتمل عليه هذا الخير الذي هو في الأصل خير محض، لكنه يدخل فيه شيء يكدره، "

 كتاب الفتن الدرس (28)
 تابع الباب الحادي عشر:
شرح باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة؟
قلت: وما دخنه؟ قال:(قوم يهدون بغير هديي -يستنون بغير سنتي- تعرف منهم وتنكر) هم أهل خير، وأهل فضل وصلاح، لكن دخنلهم إما من حرصهم زيادة الحرص على الخير أو من غفلتهم،
دخل عليهم الدخن، فشابوا العبادة المشروعة بما أدخلوه عليها من البدع،فيهتدون بغير سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، تعرف منهم بعض الأعمال، وتنكر أيضا البعض الآخر،"قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:(نعم، دعاة على أبواب جهنم) نسأل الله السلامة والعافية،(دعاة على أبواب جهنم) وجدوا في المائة الثالثة دعوا الناس إلى البدع، وأشربوها قلوب بعض الولاة، فامتحنوا الناس فيها وآذوهم، آذوا الأئمة بسببها، دعاة على أبواب جهنم، نسأل الله السلامة والعافية، يدعون إلى هذه البدع، ويلزمون الناس بها.وما زال الأمر كذلك البدع تزيد كل عصر بدع جديدة في كل عصر، وفي كل مصر إلى أن وجد ممن ينتسب إلى هذا الدين من لا يعرف من الدين شيء، ما يعرف من الدين إلا الاسم، ولو قرأت في تراجم المتصوفة أو غيرهم من طوائف البدع المغلظة لعرفت حقيقة هذا الكلام (دعاة على أبواب جهنم) وكتبهم الآن وقبل الآن من سنين تكتب بماء الذهب وتطبع على أفخر الورق وأجود أنواع الطباعة، ويتداولها المسلمون، وكأنها ورد يقرؤون فيها ليل نهار، ويتبركون بها، وإذا حصل لهم الملمات اكتفوا بإخراجها، دعاة على أبواب جهنم، وصل الأمر بهذه الأمة إلى هذا الحد، وافترقت الأمة على الفرق التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكلها في النار إلا واحدة.
"قال:(نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)" وكانت الوسيلة لترويج هذه البدع الدروس والمؤلفات وتناقل الطلاب الآن على أوسع نطاق، دعاة الشهوات، ودعاة الشبهات، وكلهم كل واحد منهم على باب من أبواب جهنم يدعو الناس إلى شهوة أو إلى شبهة على أوسع نطاق، وتدخل هذه الدعوات إلى البيوت، ويطلع عليها الصغار والكبار، الرجال والنساء والأطفال، والله المستعان، نسأل الله -جل وعلا- أن يقي المسلمين شر هذه الفتن.
 (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا -من أنفسنا من عشيرتنا من بيئتنا- ويتكلمون بألسنتنا) بلغتنا يعني: ما جاؤوا من بعيد ليسوا بوافدين،"قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال:(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:(فاعتزل تلك الفرق كلها) إن لم يكن هناك إمام تعتزل هذه الفرق(ولو أن تعض بأصل شجرة) هذا كناية على أنك تخرج إلى مواطن الشجر من البراري والقفار أو المزارع المنزوية البعيدة عن الأنظار، وتعظ على أصل شجرة، يعني لا تتكلم، الزم نفسك، عليك بخويصة نفسك،(حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) لأنك إذا لم تستطع النفع في مثل هذه الظروف فلا أقل من أن تسلم بنفسك وتنجو بجلدك، لا يؤثروا عليك، لا تتأثر بأفعالهم ولا بأقوالهم، ولا تشارك في رؤية ومشاهدة هذه المنكرات، وتكثير السواد لأرباب المنكرات، انج بنفسك، ولو أن تعظ بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
  
تابع كتاب الفتن الدرس(٣٠)
 الباب الثاني عشر:
شرح: باب: من كره أن يكثر سواد الفتن والظلم:
"فيأتي السهم"، تكثير السواد له أثره في الحروب، كيف؟
لأن الخصم إذا رأى العدد كبير داخله ما داخله من رعب وخوف، لكن لما يكون العدد قليل تولدت فيهم الجرأة والشجاعة وطمعوا فيهم، لكن إذا كثر سوادهم دب إليهم الضعف،"فيأتي السهم فيرمى -به- فيصيب أحدهم"، يصيب أحد المسلمين الذين خرجوا مع المشركين،"فيصيب أحدهم فيقتله أو يضربه فيقتله"، يرمى بالسهم فيصيب أحد هؤلاء فيقتله، أو يضرب بالسيف مثلا فيقتل، وهو معطوف على:"فيأتي" لا على "فيصيب"، لأن الإصابة هنا بالسهم، والضرب يكون بالسيف، "فيقتله، فأنزل الله تعالى:{إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم}
[النساء: ٩٧]"يعني بخروجهم مع الكفارهذا ظلم للنفس؛ لأنه ارتكاب لمحرم،فتكثير سواد المشركين أو الخوارج أو البغاة لا شك أن مثل هذا يفت في عضد المسلمين، وفي عضد الطائفة راجحة الكفة، المبغي عليها، و المطلوب نصرها، والقتال معها،فمثل هذا خلاف ما أراد الله -عز وجل-، فهنا ظلم للنفس بلا شكالحديث من كلام ابن عباس، يرويه عنه عكرمة، يريد أن يكفه عن تكثير السواد فضلا عن القتال،هذا الحديث وإن كان من كلام ابن عباس إلا أن له حكم الرفع.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك،

تابع كتاب الفتن الدرس (31)
 الباب الثالث عشر:
شرح باب: إذا بقي في حثالة من الناس:
 حدثنا حذيفة قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدثنا:(أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنة) وحدثنا عن رفعها قال:(ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلما رده علي الإسلام، وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا.يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:"باب: إذا بقي في حثالة من الناس" يعني أناس لا خير فيهم، أناس لا خير فيهم، وهم من رفعت الأمانة من قلوبهم، فيما دل عليه الخبر.
- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين" حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثين،إما أن يكون المراد حديثين في مجلسه،وإلا فقد حدثهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ألوف الأحاديث، "حدثنا حديثين" إما أن يكون المراد به في نفس المجلس، أو في موضوع ذكر الأمانة ورفعها،"رأيت أحدهما" يعني أدركت، حصل، أحدهما حصل، والثاني ينتظر،"وأنا أنتظر الآخر، قال: حدثنا أن الأمانة"يعني المذكورة في قوله -جل وعلا-:{إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها}[(٧٢) سورة الأحزاب] يعني لأن أمرها عظيم "نزلت -هذه الأمانة- في جذر قلوب الرجال"في أصلها،في عمق القلوب نزلت هذه الأمانة،المراد بها إما الفطرة،أو العهد الذي أخذ عليهم وهم في أصلاب آبائهم، أو التزام التكاليف،المقصود أن هذه الأمانة نزلت في عمق القلوب،"ثم علموا من القرآن" زيادة على هذه الأمانة التي نزلت في جذر القلوب وعمقها فتأكدت "ثم عملوا من السنة" إضافة إلى ذلك، فترسخت الأمانة في قلوبهم،هذا حال الصحابة -رضوان الله عليهم-، وحال من اقتفى أثرهم ممن لم يغير ولم يبدل، ولد على الفطرة،وتعلم العلم الشرعي من أبوابه،معتمدا في ذلك على الكتاب والسنة، مثل هذا في الغالب الله -سبحانه وتعالى-يعينه ويثبته ويسدده،ولا تميل به الأهواء غالبا،
"ثم علموا من السنة" إشارة إلى أن الاهتمام ينبغي أن يكون لكتاب الله -عز وجل- عند كل مسلم، وعلى وجه الخصوص عند طلاب العلم، "ثم علموا من القرآن، ثم علموا من السنةففي هذا تقديم الأهم فالأهم في تحصيل العلم الشرعي.
المقصود أن يعتنى بكتاب الله -عز وجل-، وبسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، ويحرص طالب العلم كل الحرص على العلم من منابعه الأصلية من الكتاب والسنة، ويترك القيل والقال، والمصادر المختلف في حكمها من العلوم الأخرى، التي أقل أحوالها الإباحة، هذا إذا كان حريص على أن يتعلم العلم الشرعي.
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

دروس من صحيح البخاري
تابع كتاب الفتن الدرس(32)
 تابع الباب الثالث عشر:
شرح: باب: إذا بقي في حثالة من الناس:
وحدثنا عن رفعها" رفع الأمانة وذهابها،"قال:(ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)" زرعت في جذر قلبه الأمانة،"(ثم ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه)" تقبض هكذا من غير أسباب؟ من غير أسباب منه، هو سببها، هو المتسبب في قبضها، لأن كل شيء له سبب، الران الذي يرون على .، يغطي القلوب، الران كسب العبد،{كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}[(١٤) سورة المطففين] نعم هذا سببه العبد، وليس بظلم من الله -عز وجل-، ينام العشرة مثلا متساوي الأعمال من خير وشر، ثم تقبض من بعضهم دون بعض، كل إنسان مؤاخذ بما اكتسب.
جاء في الخبر الآخر:(يصبح الرجل مؤمن ويمسي كافر) والعكس، وهذا بسبب ما قدم، وبسبب تعرضه لهذه الفتن،(فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت)يعني باق فيها أثر يسير مثل الوكت، مثل السواد في اللون الأبيض أو العكس،(ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه) يزداد من الذنوب والمعاصي والشهوات والشبهات،(ثم تقبض الأمانة من قلبه فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل)أثر المجل، المجل: غلظ الجلد من أثر العمل.
كجمر دحرجته على رجلك) يعني لو أتيت بجمرة أو وقعت جمرة على رجلك إما من المبخرة مثلا وإلا شيء ماذا تصنع هذه الجمرة؟(كجمر دحرجته على رجلك فنفط -انتفخ- فتراه منتبرا -يعني منتفخا يعني مرتفع- وليس فيه شيء -ما في جوفه شيء-
ويصبح الناس يتبايعون -يعني السلع- فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة) لأنها سلبت في الغالب، سلبت من غالب الناس،(فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة) وهذا مع الأسف الشديد واقع كثير من المسلمين.
فيقال: إن في بني فلان رجلا أمينا) لندرته، الأمين نادر، ومن انتكاس الفطر، وتغير المفاهيم، ويش يسمون صاحب القلب السليم هذا الذي .. ؟
 يرمونه بالتغفيل، هذا المحتاط لذمته ودينه في عرف الناس مغفل، نسأل الله العافية
(ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! ) يمدح على ألسنة الناس لماذا؟ عفريت، هو عاقل ذكي حازم ليش؟ لأنه يضحك على الناس، هذا هو العاقل؟ العاقل الذي يهتم للفاني ويترك الباقي؟ يا أخي ما نسبة بقائك في هذه الدنيا بالنسبة إلى الآخرة لو أدركت حقيقة الأمر؟
 (ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) نعم الناس يعجبون بهذا الشخص المخادع الذي لا يخدع يعجبون به، ما أعقله! ما أحزمه! ما أذهنه! ما أذكاه! إيش من كلام هذا؟ بينما الشخص سليم الصدر، سليم القلب، يقولون: هذا مغفل، وما يدرون ما له عند الله -عز وجل-؟
وزيادة الحرص والاهتمام، بل والذكاء في الغالب نقص في الدنيا غالبا، وفي الدين أحيانا، يعني إذا جلست مجلس يضم عشرة عشرين تجد هذا الشخص الذي يقال: ما أعقله! ما أذكاه! كم خرج من خطيئة؟ لأنه ضحك على هذا، وهمز هذا، ولمز هذا، وذاك سليم القلب، سليم الصدر، يمكن خرج سالم ما عليه شيء، فينبغي أن يكون اهتمامنا منصب لما ينفعنا في الآخرة؛ لأن الدنيا مهما طالت فانية، والله المستعان.
"ولقد أتى علي زمان -يقول حذيفة -رضي الله عنه- ولقد أتى علي زمان ولا أبالي أيكم بايعت؟ " أو أيكم بايعت؟ ما يهم، أروح لفلان أو علان، الآن إذا طلع الولد يبي يشتري حاجة تقول: روح للمحل الفلاني، ترى المحل الفلاني يمكن يغشك، يمكن يغرك، يمكن يضحك عليك، حذيفة يقول: "ولا أبالي أيكم بايعت؟ لئن كان مسلما رده علي إسلامه" المسلم الذي اعتنق الإسلام يعمل بما دعاه إليه إسلامه، يطبق الإسلام، فلا يغش، ولا يمكر ولا يخدع، "ولئن كان نصرانيا" يعني أو يهوديا أو أي شخص مأذون ببقائه "ولئن كان نصرانيا رده علي ساعيه" الوالي، يخاف من الوالي لعدله، ساعيه الذي أقيم عليه يتولى أموره مع غيره ممن ولاهم الله أمره، يقول: "وأما اليوم -يعني بعد فقد الأمانة- فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا" أفراد من الناس، يعني هم الذين لا يغشون، ...والله المستعان، ...نتبع بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك،

دروس من صحيح البخاري
تابع كتاب الفتن الدرس (33)
  الباب الرابع  عشر:
شرح: باب: التعرب في الفتنة
١/ عن سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو.
٢/ وعن يزيد بن أبي عبيد قال: لما قتل عثمان بن عفان خرج سلمة بن الأكوع إلى الربذة وتزوج هناك امرأة وولدت له أولادا فلم يزل بها حتى قبل أن يموت بليال فنزل المدينة.
٣/  عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن).
يقول: "باب: التعرب في الفتنة" التعرب: الإقامة في البادية مع الأعراب،
عن سلمة بن الأكوع،"أنه دخل على الحجاج" المقصود به ابن يوسف الثقفي لما ولي إمرة الحجاز بعد قتل ابن الزبير، سنة أربع وسبعين،"فقال -له-: يا ابن الأكوع ارتددت على عقبك" ارتددت على عقبيك:
 أي سكنت البادية تعربت؟
 سكنت البادية بعد أن هاجرت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخلصا لوجهه 
تعالى، ولا شك أن التعرب بعد الهجرة مذموم، بل لا يجوز، من هاجر إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وترك وطنه أن يرجع إليه،ولذا لا يجوز الإقامة للمهاجرين بمكة بعد أن يؤدوا منسكهم أكثر من ثلاث، الحجاج يقول: "ارتددت على عقبيك تعربت؟ قال سلمة: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو"، يعني في الإقامة معهم، أذن لي في الإقامة مع البادية،
ولا شك أن هذا من جفاء الحجاج، يخاطب صحابي جليل بهذا الأسلوب، ارتددت يا ابن الأكوع "ارتددت على عقبيك تعربت؟ " سلمة بن الأكوع أذن له النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مخصوص من النصوص...نتبع بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

دروس من صحيح البخاري
 كتاب الفتن الدرس (35)
الباب الخامس عشر
تابع شرح: باب: التعوذ من الفتن: 
فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-:(ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط)" ما رأى في الخير فيما رآه في الجنة، حينما صورت له دون الحائط، وما رأى في الشر قط كاليوم فيما رآه في النار، حينما صورت له دون الحائط.
فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-:(إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما)" والقدرة الإلهية لكشف الحجب، وإن كثفت، وإن بعدت صالحة،{إن الله على كل شيء قدير}[(٢٠) سورة البقرة]
(حتى رأيتهما دون الحائط) يعني بيني وبين الحائط، وحصل له أن رأى النار، وهو في صلاة الكسوف وتكعكع -عليه الصلاة والسلام- تأخر وتقدم، المقصود أن مثل هذه الأمور مما يجب تصديقها والتسليم بها؛ لأن هذه الأمور لو ترك المجال لعقل ابن آدم الضعيف ما استوعبها، لكن على المسلم أن يرضى ويسلم، فيما صح عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
عن قتادة:"يذكر هذا الحديث عند هذه الآية"،هذا الحديث يقرن بهذه الآية،{يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[(١٠١) سورة المائدة] يعني جاء الجواب من أبي؟ قال: أبوك حذافة، فجيد أن جاء الجواب مطابق لما يريده السائل، لكن لو تصور أنه قال: أبوك فلان، غير أبوه الذي ينتسب إليه، كيف يكون وقعه عليه؟ فمثل هذه الأمور التي مشت، ودرج الناس عليها، واستفاض بين الناس أن فلان هو ابن فلان، لا ينبغي التنقيب عنها، ولا التشكيك فيها،{يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[(١٠١) سورة المائدة] فيذكر الحديث مع هذه الآية كالسبب لنزولها، وكالتفسير لها.
وقال:(كل رجل لافا رأسه في ثوبه يبكي)" يعني يخشى العقوبة، الذي يغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- يغضب الله، وإذا غضب الله عاقب، وقد تعجل العقوبة، وإن أجلت فالأمر أشد، يعني أجلت ليوم القيامة، وادخرت لصاحبها فالأمر أعظم،"قال كل رجل منهم: عائذا بالله من سوء الفتن، أو قال: أعوذ بالله من سوء الفتن" وفي بعض الروايات:"من شر الفتن"،
وقال -صلى الله عليه وسلم-:(عائذا بالله من شر الفتن)" لما قالوا كل قال: عائذا بالله من شر الفتن، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:(عائذا بالله من شر الفتن) ولما قال عمر -رضي الله عنه-:"نعوذ بالله من شر الفتن" قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: مثل ذلك، وهذا الشاهد: التعوذ من الفتن، وليس المراد بالفتن فتنة الإنسان في ماله وولده، هذه أمرها سهل تكفرها الصلوات، لكن الفتن التي هي تحطب الدين من الشرك فما دونه،{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة}[(٦٣) سورة النور] زيغ في أديانهم، هذا خطر عظيم، فالفتن اليسيرة فتنة الإنسان في ماله، فتنة الإنسان في ولده، فتنة الإنسان ....، أمرها يسير تكفرها الصلوات، لكن الكلام في الفتن التي تقدح في الدين، هذه هي التي ينبغي أن يستعيذ منها الإنسان، ويحرص أشد الحرص أن لا يعرض نفسه لها.
فائدة :
السؤال المنهي عنه والذي غضب منه الرسول صلى الله عليه وسلم والذي يعرض صاحبه للفتنة هو سؤال الإستهزاء أو سؤال التشكيك أو التعجيز إو التكذيب و هذه الأسئلة تنافي الرضا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمدا رسولا صلى الله عليه وسلم لأن المقصود من هذه الأسئلة عدم الاستسلام وعدم الإمتثال ودين الإسلام مبناه على الإستسلام لذلك عمر رضى الله عنه قال رضينا بالله ربا...نتبع بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

دروس من صحيح البخاري
 كتاب الفتن الدرس (36)
الباب السادس عشر
باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الفتنة من قبل المشرق)
١/ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال:(الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان) أو قال: (قرن الشمس).
٢/ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل المشرق يقول:(ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان).
٣/ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-:(اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: وفي نجدنا؟ قال:(اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة:(هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان).
٤/ عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنا، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}[(١٩٣) سورة البقرة] فقال: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالكم على الملك.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(الفتنة من قبل المشرق)
 وهذا من أعلام نبوته -عليه الصلاة والسلام-، جميع الفتن على ممر التاريخ مصدرها من المشرق.
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-:
"عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قام إلى جنب المنبر فقال:(الفتنة هاهنا، الفتنة هاهنا)" وأومأ بيده إلى المشرق(من حيث يطلع قرن الشيطان) أو قال:(قرن الشمس) في رواية:(قرنا الشيطان) بالتثنية، فقيل: إن له قرنين حقيقة، وقيل: ناحيتا رأسه "أو قال:(قرن الشمس)" حاجبها، حينما يطلع حاجبها قرنها، حينما يطلع جانبها الأول، فالشيطان مقارن للشمس في مطلعها وفي مغربها،فالشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، لماذا؟
ليكون سجود عبدة الشمس له؛ لأن هناك من يعبدها، ولذا جاء النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها،في حديث عقبة بن عامر يقول:"ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي، وأن نقبر فيهن موتانا، حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغربهذه الأوقات الثلاثة المضيقة النهي فيها شديد، فعلى المسلم أن لا يصلي في هذه الأوقات الثلاثة، ولا ذوات الأسباب، بقي من أوقات النهي الوقتان الموسعان
الوقت المضيق
١/من طلوع الشمس حتى ترتفع قيد رمح،
٢/ وحين يقوم قائم الظهيرة، حينما تكون الشمس في كبد السماء،
٣/ وحين تميل الشمس إلى الغروب، تتضيف للغروب حتى تغرب،
الوقت الموسع
٤/ ومن بعد صلاة الفجر حتى ترتفع الشمس
٥/ من بعد صلاة العصر حتى تغيب الشمس
 ولاختلاف النهي شدة وخفة جعل أهل العلم هذين الوقتين وإلا بإمكان القائل أن يقول: لماذا لا نقول: وقت واحد من طلوع الصبح إلى أن ترتفع في وقت واحد؟ لماذا هذا؟ لأن النهي أشد، فهما وقتان،وقت موسع، والنهي فيه خفيف، ووقت مضيق، والنهي 
فيه شديد،ولذا يرى جمع من أهل العلم كابن عبد البر مثلا وابن رجب أن النهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين لا لذات الوقتين، وإنما هو من باب الاحتياط إلى الوقتين المضيقين؛ لئلا يسترسل الإنسان، يصلي بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس، فيقع في الحرج في الوقت المضيق، ولئلا يسترسل في الصلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، فيقع في الوقت المضيق، لذلك نهي عن الصلاة بعد الصبح، ونهي عن الصلاة بعد العصر من باب الاحتياط لهذين الوقتين المضيقين؛ لأن الشمس تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، نهي عن الصلاة قبل ذلك احتياطا،"عن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مستقبل" حال كونه مستقبل "المشرق" جهة المشرق؛ لأن أهله في ذلك الوقت أهل كفر،"يقول: (ألا إن الفتنة هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان) " وهذا في معنى ما سبقه.
نتبع بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك،
  
دروس من صحيح البخاري
 كتاب الفتن الدرس (37)
تابع الباب السادس عشر
باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(الفتنة من قبل المشرق):
عن ابن عمر قال: ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم-:(اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمنناقالوا: وفي نجدنا؟)" ما أجاب النبي -عليه الصلاة والسلام-"قال:(اللهم بارك لنا في شأمنا،اللهم بارك لنا في يمننا)
قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟
فأظنه قال في الثالثة:(هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان)"
يقول الخطابي:"نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة،وأصل نجد: ما ارتفع من الأرض"
 يقول الخطابي: "نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، مثل هذا الحديث يستغله من يريد الطعن في هذه البلاد، وفي أهلها، وفي الدعوة المباركة، دعوة التجديد التي قامت على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بمناصرة الإمام محمد بن سعود، ولذا تجد كثير من المناوئين لهذه الدعوة يرددون مثل هذا الحديث، وأن المقصود به نجد، وأهل نجد الموجودة هذه، التي هي بهذا الاسم.
أولا: النجد كل ما ارتفع من الأرض نجد، هذا الأصل في التسمية،ونجد التي أشار إليها النبي -عليه الصلاة والسلام- في كلام الشراح قاطبة قالوا:"بادية العراق ونواحيها" وتجد بعض المناوئين يسمي أهل هذه البلاد بالقرنيين، نسبة إلى قرن الشيطان، ولا شك أن هذا تلبيس، يعني الاشتراك في الاسم هل يعني هذا اشتراك في الحقيقة؟
لا يلزم، لا يلزم من الاشتراك في الاسم الاشتراك في الحقيقة والحد الخطابي هل هو من أهل هذه البلاد حينما يقول هذا الكلام؟
من بست في أقصى المشرق، يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن شيء، يعني هل أهل العراق يمكن ينفون مثل هذا الكلام؟
 هذا هو الواقع، الخطابي من أقصى المشرق من بست، ويقول:"نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق"فنجد المذكورة في هذا الحديث، وما جاء في معناه ليس المراد بها المسماة بهذا الاسم، وإن اشتهرت بهذا الاسم، وعرفت به، لكن الأصل في النجد أنه كل ما ارتفع نجد.
في الدعوة التي دعاها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالبركة لأهل الشام ولأهل اليمن، لا شك أن الشام بلاد مباركة، وفي مطلع سورة الإسراء{الذي باركنا حوله}[(١) سورة 
الإسراءكل ما حول المسجد الأقصى مبارك، وجاءت النصوص الكثيرة في اليمن، ومدح أهل اليمن، و(الإيمان يمان، والحكمة يمانية) فمثل هؤلاء يستحقون الدعاء، وليس معنى هذا أنه إذا لم يدع لأحد أنها بلاد شر، لا يعني أنها بلاد شر،نعم تكون لهذه البلاد التي دعي لها مزية بالبركة، مكة والمدينة،مكة حرمها الله،والمدينة حرمها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهما أفضل البقاع، والمدينة فيها لأواء، وفيها شدة، ولا يصبر على لأوائها إلا من يسكنها ومن يصبر على لأوائها يستحق الشفاعة، ومكة. . أقدس البقاع في واد غير ذي زرع.
هل ينقص من قدرها أنها ليست بذات زرع؟
والزرع كله في الشمال والجنوب وغيره، بل هذه الدنيا الجمال اللي يسمونه جمال الطبيعة، الكفار بها أحق، لماذا؟ لأن هذه الدنيا هي جنة الكافر،والمسلم سجنه الدنيا،يدخر له 
نصيبه كامل،ولذا تجدون مثل هذه الأمور من جمال الطبيعة، وجمال الجو، وطيب الهواء تجدون أكثر من يتمتع به،ويرتع فيه غير المسلمين،ولا يضير المسلمين هذا أبدا  لا يضيرهم؛لأن أجورهم تدخر لهم يوم القيامة،يدخر لهم ذلك في جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
يعني كون بعض الناس إذا سافر يمين وشمال إلى بلاد الكفر، يأتي معجب ومفتون، يعني هل هذا مبرر أن الله -سبحانه وتعالى- لا يريد الخير للمسلمين؟
 لا، الدنيا الله سبحانه وتعالى- يعطيها من يحب ومن لا يحب، لكن الدين لا يعطيه إلا 
من أحب،فقوله: (اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا) لا شك أن هذه البركة، وهذه الدعوة ظهر أثرها فيما بعد في تلك الجهات،"قالوا: وفي نجدنا؟ " وعرفنا المراد بنجد في قول الخطابي وغيره، قال:(اللهم بارك لنا في شأمنا، اللهم بارك لنا في يمننا) قالوا: يا رسول الله وفي نجدنا؟ فأظنه قال في الثالثة:(هنالك -أو هناك- الزلازل والفتن يعني غالبا، وإلا قد توجد الزلازل في غيرها،ومن ناحيتها يخرج يأجوج ومأجوج من جهة المشرق،والدجال، وغير ذلك من العلامات الكبار للساعة،(وبها يطلع قرن الشيطان) لا شك أن الشمس تطلع من المشرق، وقرن الشيطان، أو قرنا الشيطان مصاحبان لطلوع الشمس...نتبع بإذن الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك.

دروس من صحيح البخاري
 كتاب الفتن الدرس (38)
تابع الباب السادس عشر
باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:(الفتنة من قبل المشرق):
عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر، فرجونا أن يحدِّثنا حديثاً حسناً، قال: فبادرنا إليه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة . فقال: هل تدري ما الفتنة، ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد صلى الله عليه وسلم يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة، وليس كقتالهم على الملك
-عن سعيد بن جبير قال: خرج علينا عبد الله بن عمر فرجونا أن يحدثنا حديثا حسنايعني فيه ما يدخل السرور من بشارة، تسرنا، حسنة،"قال: فبادرنا إليه رجل""فقال: يا أبا عبد الرحمن -هذه كنية ابن عمر-حدثنا عن القتال في الفتنة، والله يقول:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}[(١٩٣) سورة البقرة]"هذا الرجل ساق هذه الآية ليحتج بها على مشروعية القتال في الفتنة، ردا على من ترك ذلك، واعتزل في الفتن كابن عمر وسعد بن أبي وقاص، وجمع من الصحابة اعتزل، فأراد أن يحتج هذا الرجل على ابن عمر لماذا تعتزل، والله -سبحانه وتعالى- يقول:{وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}[(١٩٣) سورة البقرة]؟
 فقال ابن عمر: هل تدري ما الفتنة ثكلتك أمك؟
 ثكلتك أمك: يعني عدمتك أمك، وهذه كلمة يدعى بها على الشخص،ولا يقصد بها الدعاء،إنما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركي وهنا القتال الدائر في 
الفتنة بين مسلمين،"وكان الدخول في دينهم فتنة" يفتنون ويعذبون ليرتدوا عن دينهم هذه هي الفتنة، الفتنة الشرك،{والفتنة أشد من القتل}[(١٩١) سورة البقرة]
الفتنة التي هي الردة أشد من القتل، يقول:"وكان الدخول في دينهم فتنة" نتيجة التعذيب يرتدوا عن دينهم، هذه هي الفتنة، وحينئذ: قاتلوا المشركين حتى لا تكون فتنة بحيث يعذبون المسلمين فيردوهم إلى دينهم يقول ابن عمر:"وليس كقتالكم على الملك" يعني ابن عمر ترجح عنده أن يعتزل؛ لأنه قتال بين مسلمين،وعلى ملك،على الدنيا،هذا فيما ظهر لابن عمر،وظهر لسعد بن أبي وقاص، وفي العزلة مندوحة،لكن إذا ظهر رجحان الكفة، وترجح الحق مع طائفة، و الطائفة الأخرى ماذا يسمون في عرف الشرع؟ الباغية الطائفة المرجوحة،(عمار تقتله الفئة الباغية)
 إذا ترجح عندك بحيث لا يحصل عندك أدنى شك أن الحق مع فلان،هل يسوغ للناس كلهم أن يعتزلوا، ويترك الناس يتطاحنون ويتقاتلون؟
لا،{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما}[(٩) سورة الحجرات]
لا بد من السعي إلى الصلح، لا بد أن يكون السعي إلى الصلح أولا، إن لم يفد الصلح، وما رضي أحد من الأطراف في التنازل{فقاتلوا التي تبغي}[(٩) سورة 
الحجرات] لا بد من قتال البغاة،ولو ترك البغاة وشأنهم، وقيل: هذه فتنة نعتزل، نعم إذا اشتبه عليك الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء،إذا ترجح عندك بالأدلة الشرعية أن الحق مع هذه الفئة، وأن الفئة الثانية باغية، عليك نصر الفئة الأقرب إلى الحق،يعني نفترض المسألة في علي ومعاوية -رضي الله عن الجميع- أيهما أقرب إلى الحق عند أهل السنة والجماعة؟
علي -رضي الله عنه-، والأدلة التي تدل على ذلك كثيرة جدا، والخوارج يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق، أو أولى الطائفتين بالحق،و(عمار تقتله الفئة الباغية) إذا الرجحان رجحان الكفة مع علي، لا بد من نصر من رجحت كفته،وإلا لو ترك الأمر بين الناس يقتتلون، وكل واحد قال: أنا أعتزل الفتنة، تزداد الفتن، ولا ينقطع دابر الشر،من لم يتبين له الأمر،ولم يترجح لديه هذا ولا هذا، فسعد بن أبي وقاص اعتزل، عبد الله بن عمر اعتزل،يعني خيار الصحابة، مع أن الأمة مأمورة بأن تقف مع صاحب الحق بالآية،{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما} [(٩) سورة الحجرات] نعم القتل والقتال ليس بهدف شرعي،لا بد من الصلح،لا بد من المساعي السلمية، لوقف هذا القتل والاقتتال،لكن إذا لم تنجح المسائل السلمية {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء}[(٩) سورة الحجرات] حتى 
ترجع إلى أمر الله،ولذا يقول:"ما الفتنة ثكلتك أمك؟ إنما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنة" يعني هذه الآية نزلت فيمن تعرض لأن يفتن في دينه فيكفر، هذه فتنة،{والفتنة أشد من القتل} [(١٩١) سورة البقرةكون الإنسان يعرض نفسه لمثل هذا خوفا على دينه أن يفتن، وأن يقتل، الفتنة أشد من القتل، لكن في ديننا سعة، ولله الحمد.
إذا أكره الإنسان على الكفر وإلا يقتل؟ جاء في حقه{إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}[(١٠٦) سورة النحليجيب إلى ما يطلبون، وقلبه مطمئن بالإيمان، فالإكراه وما ينطق به مما لو كان في حال السعة يكفر به، هو في مثل هذه الحالة في حال الإكراه هو معذور.
  
دروس من صحيح البخاري
 كتاب الفتن الدرس (39)
 الباب السابع عشر
 "باب الفتنة التي تموج كموج البحر"
يقول المؤلف رحمه الله "باب الفتنة التي تموج كموج البحر" يعني تضطرب كاضطراب البحر عند هيجانه، وقال ابن عيينة: كانوا -يعني السلف- يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن" يعني عند نزولها وحدوثها، "قال امرؤ القيس" :
"الحرب أول ما تكون فتية"شابة قوية،"تسعى بزبنتها لكل جهول" في رواية سيبويه: "ببزتها" أي لباسها الجيد،الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزبنتها لكل جهول
الجهول: هو الغمر الذي يمكن أن يخدع، ويؤثر عليه،فهذه الحرب وهذه الفتن تستشرف أمثال هؤلاء، ثم إذا كثر هؤلاء، وتأثر بعضهم ببعض دخل فيها من غير اختيار كل من حولها.
"حتى إذا اشتعلت" هاجت"وشب ضرامها" ارتفع اشتعالها، تشبيها لها بالنار، وبين الحرب والفتن والنار ارتباط وثيق،فالحروب توقد لها النيران، حتى إذا اشتعلت هذه الفتنة والحرب، وأشعلت النيران من أجلها، وشب ضرامها، ارتفع اشتعالها في الجو "ولت" إذا اشتعلت واشتبك الناس "ولت عجوزا غير ذات حليل"مقبلة شابة فتية، ثم إذا اشتبك الناس وتورطوا "ولت عجوزا غير ذات حليل" لا يرغب أحد في الزواج بها، ليست بذات حليل؛ لأن من يوقد النيران، ويشعل فتيل الحرب، ويؤجج الفتن بين المسلمين هذا لا يرغب فيه أحد؛ لأنه يكون سببا للمصائب والحوادث والكوارث، مثل هذا شبهه الشاعر بالعجوز التي ليست بذات حليل، وذات زوج؛ لأنه لا يرغب فيها، لكن لما كانت مقبلة شابة استهوت الجهال، فاقتحموا غمراتها، فلما التحم الجهال وكثروا دخل فيهم من غير اختيار، أقحم فيها واقتحم من ليسوا من الجهال، فعمت الجميع، فلما تورطت الناس واشتبكوا ولت وأدبرت عنهم، لا أحد يرغب فيها؛ لأنها عجوز شمطاء.
والشمط: اختلاف أو اختلاط الشعر الأبيض بالأسود، اختلاط الشعر الأبيض بالأسود، "شمطاء ينكر لونها وتغيرت" أي تبدل حسنها قبحا، "مكروهة ولذا لا يرغب فيها أحد؛ لأنها عجوز شمطاء، قبيحة المنظر، قبيحة الرائحة، مكروهة
من يريدها مثل هذه؟
وهذا مطابق لهذه الفتن،وهذه الحروب لا شك أنها تقبل فتية نشيطة، يستشرف لها الجهال والأغمار، ثم يدخل فيها غيرهم، ثم إذا اشتبكت والتحمت ولت شمطاء،وقد يكون وجه التشبيه من وجه آخر أن الناس فيهم قوة وشباب وحماس ونشاط في أول الحرب، ثم إذا طال أمد هذه الحرب تركتهم الحرب، وقد صاروا في وضع يشبه هذه الشمطاء، تبعثرت أحوالهم، وتفرق اجتماعهم، فلا يرغب أحد في السكنى معهم؛ لأن هذه الحروب أخذت مأخذها منهم.
هذه الأبيات الثلاثة الفائدة منها، ومن التمثل بها في أوقات الفتن، الفائدة من ذلك الحذر من الدخول في هذه الفتن، والاغترار فيها، والمشاركة فيها؛ ليكون الإنسان على ذكر من نهايتها، هي في بدايتها تستهوي الأغرار والجهال، ومن لديه حب الاستطلاع، ومعرفة ما سيؤول إليه الأمر، هؤلاء تستهويهم، فيذكر الإنسان بالعواقب قبل الدخول في أوائلها؛ لأنه إذا دخل في أولها، وتورط فيها فالنتيجة حتمية، ومعلوم أن مثل هذا يكون في الفتن التي بين المسلمين مما لا يترجح فيه إحدى الكفتين.

نتبع بإذن الله...
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك،

معلمتي أم محمد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق