فإن الله سبحانه أوجب على عباده الصبر عند
المصائب فقال-سبحانه-: وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(الأنفال46), وقال-جل
وعلا-: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ(النحل: من الآية127), وقال- سبحانه-:
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ
وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ(البقرة155-157),
والصبر واجب وهو كف اللسان عن النياحة,
وكف اليد عن خدش الوجه, أو شق الثوب أو نحو ذلك, كون الإنسان يكف يده عما لا ينبغي,
ويكف لسانه عما لا ينبغي وقلبه لا يجزع هكذا, ولهذا قال- عليه الصلاة والسلام-:(أنا
برئ من الصالقة, والحالقة, والشاقة), الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة, والحالقة
التي تحلق شعرها عند المصيبة, والشاقة التي تشق ثوبها عند المصيبة, وقال - صلى الله
عليه وسلم -:(ليس منا من ضرب الخدود, أو شق الجيوب, أو دعا بدعوى الجاهلية) فالصابر
هو الذي يكف جوارحه عما لا ينبغي, ويكف لسانه عما لا ينبغي, ويعمر قلبه بالطمأنينة
والاحتساب وعدم الجزع, والإيمان بأن الله- سبحانه- هو الحكيم العليم, وأنه- جل وعلا-
يقدر المصائب بحكمةٍ, بالغة يقدر على هذا مرض, على هذا حادث سيارة, على هذا موت, على
هذا إيذاء من فلان أو فلان إلى غير ذلك له الحكمة البالغة, ولهذا في الحديث الصحيح
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك
لأحد إلا للمؤمن إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً
له) هذا شأن المؤمن, والصبر واجب متعين حيث يكف يده ولسانه وجوارحه كلها عما لا ينبغي,
فلا ينوح, ولا يشق ثوباً, ولا يلطم خداً, بل يحتسب ويصبر ويعلم أن ذلك من عند الله
فيحتسب ذلك, ويكف جوارحه عما لا ينبغي, وإن رضي بهذا واطمأن إليه, ورضي بما قدر الله
له كان أعظم وأفضل لقوله - صلى الله عليه وسلم -:(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء, وإن
الله إذا أحب قومٍ ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط),فالصبر واجب, والرضا سنة مؤكدة والجزع محرم,
الجزع, والنياحة, وشق الثوب, ولطم الخد كل هذا محرم, فالجزع محرم والصبر واجب والرضا
هو الكمال, وهناك مرتبة أخرى عليا وهي اعتبار المصيبة نعمة يشكر الله عليها, فيكون
شاكراً, صابراً, راضياً شاكراً يرى أن المصيبة نعمة هذا المرض الذي أصابه, أو فقر,
أو خسر في سلعة, أو نكبة في البدن, أو ما أشبه ذلك يرى هذه نعمة يشكر الله عليها لما
يترتب عليها من تكفير السيئات وحط الخطايا وعظم الأجور, فهو يعتبرها نعمة يصبر ويرضى
ويحتسب ويعتبرها نعمة يشكر الله عليها هذه مرتبة عليا والله المستعان.
http://www.binbaz.org.sa/mat/20382
الصـبـر هو الأساس الأكبر لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ، والتنزه
من كلِّ خُلُقٍ رذيلٍ
الصـبـر
هو الأساس الأكبر لكلِّ خُلُقٍ جميلٍ، والتنزه
من كلِّ خُلُقٍ رذيلٍ، وهو حبس النفس على ما تكره، وعلى خلاف مرادها طلباً لرضى الله
وثوابه،ويدخل فيه الصبر على طاعة الله، وعن معصيته،
وعلى أقدار الله المؤلمة. فلا تتم هذه الأمور الثلاثة التي تجمع الدين كلَّه إلا بالصبر.
فالطاعات خصوصاً الطاعات الشاقة، كالجهاد
في سبيل الله، والعبادات المستمرة كطلب العلم والمداومة على الأقوال النافعة، والأفعال
النافعة [لا تتم] إلا بالصبر عليها، وتمرين النفس على الاستمرار عليها وملازمتها ومرابطتها،
وإذا ضعف الصبر ضعفت هذه الأفعال، وربما انقطعت.
وكذلك كفّ النفس عن المعاصي وخصوصاً المعاصي
التي في النفس داعٍ قويٌّ إليها، لا يتم الترك إلا بالصبر والمصابرة على مخالفة الهوى
وتحمُّل مرارته.
وكذلك المصائب حين تنزل بالعبد ويريد أن
يقابلها بالرضى والشكر والحمدِ لله على ذلك لا يتم ذلك إلا بالصبر واحتساب الأجر،
ومتى مرَّن العبد نفسه على الصبر ووطّنها
على تحمُّل المشاق والمصاعب وجدّ واجتهد في تكميل ذلك، صار عاقبته الفلاح والنجاح،
وقلّ من جدّ في أمر تطلبه واستصحب الصبر إلاّ فاز بالظفر.
وقد أمر الله بالصبر وأثنى على الصابرين،
وأخبر أنَّ لهم المنازل العالية والكرامات الغالية في آيات كثيرة من القرآن، وأخبر
أنَّهم يوفون أجرهم بغير حساب. وحَسْبُك من خلقٍ يسهِّل على العبد مشقة الطاعات، ويهوِّن
عليه ترك ما تهواه النفوس من المخالفات، ويسليه عن المصيبات، ويُمِدُّ الأخلاق الجميلة
كلَّها، ويكون لها كالأساس للبنيان.
ومَتَى علم العبد ما في الطاعات من الخيرات
العاجلة والآجلة، وما في المعاصي من الأضرار العاجلة والآجلة، وما في الصبر على المصائب
من الثواب الجزيل، والأجر الجميل، سهل الصبر على النفس، وربما أتت به منقادة مستحلية
لثمراته.
وإذا كان أهل الدنيا يهون عليهم الصبر على
المشقات العظيمة لتحصيل حطامها، فكيف لا يهون على المؤمن الموفق الصبر على ما يحبه
الله لحصول ثمراته، ومتى صبر العبد لله مخلصاً في صبره كان الله معه، فإنَّ الله مع
الصابرين بالعون والتوفيق والتأييد والتسديد.
فضل الصبر
للصبر فضائل كثيرة منها: أن الله يضاعف
أجر الصابرين على غيرهم، ويوفيهم أجرهم بغير حساب، فكل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر،
قال تعالى: إنَمَا يُوَفَى الصَابِرُونَ أجّرَهُم بِغَيرٍ حِسابٍ [الزمر:10]. وأن الصابرين
في معية الله، فهو معهم بهدايته ونصره وفتحه، قال تعالى: إنّ الله مَعَ الصّابِرينَ[البقرة:153]. قال أبو على الدقاق:( فاز الصابرون بعز الدارين لأنهم نالوا من الله
معية).
وأخبر سبحانه عن محبته لأهله فقال: وَاللّهُ
يُحِبُ الصّابِرِينَ [آل عمران:146] وفي هذا أعظم ترغيب للراغبين. وأخبر أن الصبر خير
لأهله مؤكداً ذلك باليمين فقال سبحانه: وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصَابِريِنَ
[النحل:126]. وجمع الله للصابرين أموراً ثلاثة لم يجمعها لغيرهم وهي:الصلاة منه عليهم،
ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: وَبَشّرِ الصّابِرينَ (155) الّذِينَ إذَآ أصَا
بَتتهُم مُصِيَبَةٌ قَالُوا إنّا للهِ وَإنّآ إلَيهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيهِم
صَلَواتٌُ مِن رّبِهِم وَرَحمَةٌ وَأولئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ [البقرة:155-157].
وقال بعض السلف وقد عُزِي على مصيبة وقعت
به:(مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا
وما عليها).
ومنها أيضاً أن الله علق الفلاح في الدنيا
والآخرة بالصبر، فقال: يآأيُهَا الّذِينَ ءَامَنُوا اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا
وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلَكُم تُفلِحُونَ [آل عمران:200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور.
واستقصاء جميع فضائل الصبر يطول، وسيأتي
مزيد عند الحديث عن الصبر في القرآن والسنة.
أنواع الصبر
أنواع الصبر ثلاثة كما قال أهل العلم وهي:
- صبر على طاعة الله
- وصبر عن معصية الله
- وصبر على أقدار الله
ومرجع هذا أن العبد في
هذه الدنيا بين ثلاثة أحوال: بين أمر يجب عليه امتثاله، وبين نهي يجب عليه اجتنابه
وتركه، وبين قضاء وقدر يجب عليه الصبر فيهما، وهو لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفاً،
وهو محتاج إلى الصبر في كل واحد منها. وهذه الثلاثة هي التي أوصى بها لقمان ابنه في
قوله: يَابُنَي أقِمِ الصَلآةَ وَأمُر بِالمَعرُوفِ وَانهَ عَنِ المُنكَرِ وَاصبِر
عَلَى مَآأصَابَكَ [لقمان:17]. بالإضافة إلى أن الصبر في اللغة هو الحبس والمنع، فيكون
معناه حبس النفس على طاعة الله، وحبس النفس ومنعها عن معصية الله، وحبس النفس إذا أصيبت
بمصيبة عن التسخط وعن الجزع ومظاهره من شق الجيوب ولطم الخدود والدعاء بدعوى الجاهلية.
أما الصبر على الطاعات: فهو صبر على الشدائد؛
لأن النفس بطبعها تنفر عن كثير من العبادات، فهي تكره الصلاة بسبب الكسل وإيثار الراحة،
وتكره الزكاة بسبب الشح والبخل، وتكره الحج والجهاد للأمرين معاً، وتكره الصوم بسبب
محبة الفطر وعدم الجوع، وعلى هذا فقس. فالصبر على الطاعات صبر على الشدائد. والعبد يحتاج إلى الصبر على طاعته في ثلاث
أحوال:
الأولى: قبل الشروع في الطاعة بتصحيح النية
والإخلاص وعقد العزم على الوفاء بالمأمور به نحوها، وتجنب دواعي الرياء والسمعة، ولهذا
قدم الله تعالى الصبر على العمل فقال: إلا الّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصا لِحاتِ
[هود:11].
الثانيه: الصبر حال العمل كي لا يغفل عن
الله في أثناء عمله، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه وأركانه، فيلازم الصبر عند دواعي
التقصير فيه والتفريط، وعلى استصحاب ذكر النية وحضور القلب بين يدي المعبود.
الثالثة: الصبر بعد الفراغ من العمل، إذ
يحتاج إلى الصبر عن إفشائه والتظاهر به للرياء والسمعة، والصبر عن النظر إلى العمل
يعين العجب، والصبر عن الإتيان بما يبطل عمله ويحيط أثره كما قال تعالى: لاَ تُبطِلُوا
صَدَقَاتِكُم بِالمَنِ وَالأذَى [البقرة:264] فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى
فقد أبطل عمله.
فالطاعة إذن تحتاج إلى مجاهدة وصبر، ولهذا
قال النبي:{ حفت الجنة بالمكاره..} [رواه مسلم] أي بالأمور التي تشق على النفوس.
وأما الصبر عن المعاصي: فأمره ظاهر، ويكون
بحبس النفس عن متابعة الشهوات، وعن الوقوع فيما حرم الله. وأعظم ما يعين عليه ترك المألوف،
ومفارقة كل ما يساعد على المعاصي، وقطع العادات، فإن العادة طبيعة خاصة، فإذا إنضمت
العادة إلى الشهوة تظاهر جندان من جند الشيطان على جند الله، فلا يقوى باعث الدين على
قهرهما. ولهذا قال النبي صلى الله عليه، وسلم: {.. وحفت النار بالشهوات } وذلك لأن
النفوس تشتهيها وتريد أن تقتحم فيها، فإذا حبس الإنسان نفسه عنها وصبر على ذلك كان
ذلك خيراً له.
وأما الصبر على البلاء: فقد قال الله تعالى:
وَلَنَبلُوَنّكُم بِشَىءٍ مِنَ الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ مِنَ الأموَالِ وَالأَنفُسِ
وَالثّمَراتِ وَبَشِرِ الصّابِرينَ [البقرة:155]. ويكون هذا الصبر بحبس اللسان عن الشكوى
إلى غير الله تعالى، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوها.
فالصبر من العبد عند وقوع البلاء به هو
اعتراف منه لله بما أصاب منه واحتسابه عنده ورجاء ثوابه، فعن أم سلمة قالت: قال رسول
الله :{ إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم عندك أحتسب
مصيبتي فأجرني فيها، وأبدل لي بها خيراً منها }[رواه أبو داود].
فلما احتضر أبو سلمة قال:( اللهم اخلفني
في أهلي خيراً مني ). فلما قبض قالت أم سلمة:(إنا لله وإنا إليه راجعون، عند الله
أحتسب مصيبتي ). فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع ومتابعة الرسول والرضا عن الله إلى ما
آلت إليه. ونالت أم سلمه نكاح أكرم الخلق على الله محمد .
مراتب الصبر
وهي ثلاثة كما ذكر ابن القيم رحمه الله:
الأولى: الصبر بالله، ومعناها الاستعانة
به، ورؤيته أنه هو المُصيّر، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: وَاصبِر
وَمَا صَبرُكَ إلا بِاللّهِ [النحل:127] يعني: إن لم يُصبرك الله لم تصبر.
الثانية: الصبر لله، وهو أن يكون الباعث
له على الصبر محبة الله تعالى، وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لإظهار قوة نفسه أو طلب
الحمد من الخلق، أو غير ذلك من الأغراض.
الثالثة: الصبر مع الله، وهو دوران العبد
مع مراد الله منه ومع أحكامه، صابراً نفسه معها، سائراً بسيرها، مقيماً بإقامتها، يتوجه
معها أينما توجهت، وينزل معها أينما نزلت، جعل نفسه وقفاً على أوامر الله ومحابه، وهذا
أشد أنواع الصبر وأصعبها، وهو صبر الصديقين.
قال الجنيد:(المسير من الدنيا إلى الآخرة
سهل هين على المؤمن، وهجران الخلق في جنب الله شديد، والمسير من النفس إلى الله صعب
شديد، والصبر مع الله أشد).
الصبر في القرآن
ذكر ابن القيم رحمه الله كثيراً من المواضع
التي ورد بها الصبر في القرآن الكريم، ونقل عن الإمام أحمد رحمه الله قوله:(ذكر الله
سبحانه الصبر في القرآن الكريم في نحو تسعين موضعاً) ونحن نذكر بعض الأنواع التي سيق
فيها الصبر في القرآن الكريم ومنها:
1 - الأمر به كقوله تعالى: وَاصبِر وَمَا صَبُركَ إلا
بِاللّهِ [النحل:127]، وقوله: وَاصبِر لِحُكِمِ رَبِكَ [الطور:48].
2 - النهي عن ضده وهو الاستعجال كقوله تعالى: فَاصبِر
كَمَا صَبَرَ أُولُوا العَزمِ مِنَ الرُسُلِ وَلاَتَستَعجِل لَهُم [الأحقاف:35]. وقوله:
وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحُوُتِ [القلم:48].
3 - الثناء على أهله، كقوله تعالى: وَالصّابِرِينَ فِي
البأسآء وَالضّرآء وَحِينَ البأسِ أُولَئِكَ الّّذَينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ المُتَقُونَ
[البقرة:177].
4 - تعليق النصر والمدد عليه وعلى التقوى، كقوله تعالى:
بَلَى إن تَصبِرُوا وَتَتَقُوا وَيَأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يُمدِدكُم بِخَمسَةٍ
ءَالَفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُسَوِمِينَ [آل عمران:125]، ولهذا قال النبي:
{ واعلم
أن النصر مع الصبر }.
5 - الإخبار بأن الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من
المكروه المرهوب، ودخول الجنة وسلام الملائكة عليهم، إنما نالوه بالصبر، كما قال: وَالملائكةُ
يَدخُلُونَ عَلَيِهِم مِن كُلِ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ
عُقبَى الدّارِ[الرعد:24،23].
6 - الإخبار أنه إنما ينتفع بآيات الله ويتعظ بها أهل
الصبر، كقوله تعالى: وَلَقَد أرسَلنَا مُوسَى بِئآياتِنآ أن أخرِج قَومَكَ مِنَ الظُلُماتِ
إلى النورِ وَذَكِرهُم بِأيامِ اللّهِ إنَ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِ صَبّارٍ شَكُورٍ
[إبراهيم:5].
7 - الإخبار أن خصال الخير والحظوظ العظيمة لا يلقاها
إلا أهل الصبر كقوله تعالى: وَيلَكُم ثوآبُ اللّهِ خَيرٌ لِمَن ءَامَنَ وَعَمِلَ صَلِحاً
وَلاَ يُلَقاهآ إلا الصَابِرُونَ [القصص:80]، وقوله: وَمَا يُلَقاهآ إلا الذّينَ صَبَرُوا
وَمَا يُلَقَهآ إلا ذُو حّظٍ عَظِيمٍ [فصلت:35].
8 - تعليق الإمامة في الدين بالصبر واليقين، كقوله تعالى:
وَجَعَلنا مِنهُم أئِمّةً يَهدُون بِأمرِنا لَمَا صَبَرُوا وَكَانُوا بِئَاياتِنا يُوقِنُون
[السجدة:24]. فبالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
9 - أن الله أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره
فقال: إنّا وَجَدنَاهُ صَابِراً نِعمَ العَبدُ إنَهُ أوابٌ [ص:44] فأطلق عليه نعم العبد
بكونه وجده صابراً وهذا يدل على أن من لم يصبر إذا ابتلي فإنه بئس العبد.
10 - أنه سبحانه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان
فقرنه بالصلاة في قوله: وَاستَعِينُوا بِالصّبرِ وَالصّلاةِ [البقرة:45]،
وبالتقوى
في قوله: إنّهُ مَن يَتَقِ وَيَصبِر [يوسف:90]
وبالشكر في قوله: إن فِي ذَلِكَ لأياتٍ
لِكُلِ صَبَارٍ شَكُور [لقمان:31]
وبالرحمة في قوله: وَتَوَاصَوا بِالصّبرِ وَتَوَاصَوا
بِالمرحَمَةِ [البلد:17]
وبالصدق في قوله: وَالصّادِقينَ وَالصَادِقَات وَالصَابِرين
وَالصّابِراتِ [الأحزاب:35].
وجعل الله الصبر في آيات أخرى سبب محبته
ومعيته ونصره وعونه وحسن جزائه، ويكفي بعض ذلك شرفاً وفضلاً.
الصبر في السنه
لقد ورد في السنة النبوية أحاديث كثيرة
عن رسول الله في بيان فضل الصبر والحث عليه، وما أعد الله للصابرين من الثواب والأجر
في الدنيا والآخرة، ولقد بوّب العلماء للصبر أبواباً عدة في كتبهم، وذكروا تحتها من
الأحاديث ما لا يحصى، ونحن نذكر هنا بعضها:
1 - في الصحيحين عن أنس قال: مر النبي بامرأة تبكي عند
قبر فقال:{اتقي الله واصبري} فقالت: إليك عني فإنك لم تُصب بمصيبتي ـ ولم تعرفه
ـ فقيل لها: إنه النبي، فأخذها مثل الموت، فأتت باب النبي فلم تجد على بابه بوابين،
فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك. فقال:{إنما الصبر عند الصدمة الأولى} فإن مفاجأة
المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب وتزعجه بصدمها، فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها
وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر.
2 - وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال:{.. ومن
يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر}[رواه البخاري ومسلم].
3 - وعن أنس قال: سمعت رسول الله يقول:{ إن الله عز
وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ـ أي عينيه ـ فصبر عوضته عنهما الجنة}[رواه البخاري].
4 - وفي الصحيحين أن رسول الله قسم مالاً فقال بعض الناس:
هذه قسمة ما أُريد بها وجه الله، فأُخبر بذلك رسول الله فقال:{ رحم الله موسى قد أوذى
بأكثر من هذا فصبر}.
والأحاديث في فضل الصبر والحث عليه أكثر
من أن تحصى، وما ذُكر يكفي.
من كلا م السلف في الصبر
1 - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:( وجدنا خير عيشنا
بالصبر) وقال أيضاً:(أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريماً).
2 - وقال علي رضي الله عنه:(ألا إن الصبر من الإيمان
بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بار الجسد). ثم رفع صوته فقال:(ألا إنه لا
إيمان لمن لا صبر له) وقال أيضاً:(والصبر مطية لا تكبو).
3 - وقال الحسن:(الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه
الله إلا لعبد كريم عنده).
4 - وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله:( ما أنعم الله
على عبد نعمة فانتزعها منه فعوضه مكانها الصبر إلا كان ما عوضه خيراً مما انتزعه).
5 - وقال سليمان بن القاسم رحمه الله:( كل عمل يعرف
ثوابه إلا الصبر).
6 - وقال ميمون بن مهران رحمه الله:( الصبر صبران:
فالصبر على المصيبة حسن، وأفضل منه الصبر عن المعصية) وقال أيضاً:( ما نال أحد شيئاً
من جسم الخير فما دونه إلا بالصبر).
أمور تقدح في الصبر وتنافيه
لما كان الصبر حبس اللسان عن الشكوى إلى
غير الله، والقلب عن التسخط والجزع، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب وخمش الوجوه،
ونحو ذلك، كان ما يقع من العبد عكس ما ذكرته قادحاً في الصبر، منافياً له، ومن هذه
الأمور:
1 - الشكوى إلى المخلوق، فإذا شكا العبد ربه إلى مخلوق
مثله فقد شكا من يرحمه ويلطف به ويعافيه وبيده ضره ونفعه إلى من لا يرحمه وليس بيده
نفعه ولا ضره. وهذا من عدم المعرفة وضعف الإيمان. وقد رأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى
آخر فاقة وضرورة فقال:(يا هذا، تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك؟). ثم أنشد:
وإذا عرتك بلية فاصبر لها *** صبر الكريم
فإنه بك أعلمُ
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما *** تشكو الرحيم
إلى الذي لا يرحمُ
ولا ينافي الصبر الشكوى إلى الله، فقد شكا
يعقوب عليه السلام إلى ربه مع أنه وعد بالصبر فقال: إِنَّما أشكُوا بَثِي وَحُزنِي
إلى اللّهِ [يوسف:86].
ولا ينافي الصبر أيضاً إخبار المخلوق بحاله؛
كإخبار المريض الطبيب بحاله، وإخبار المظلوم لمن ينتصر به، إذا كان ذلك للإستعانة بإرشاده
أو معاونته على زوال الضر.
2 - ومما ينافي الصبر ما يفعله أكثر الناس في زماننا
عند نزول المصيبة من شق الثياب، ولطم الخدود، وخمش الوجوه، ونتف الشعر، والضرب بإحدى
اليدين على الأخرى، والدعاء بالويل، ورفع الصوت عند المصيبة، ولهذا برىء النبي صلى
الله علية وسلم ممن فعل ذلك.
ولا ينافي الصبر البكاء والحزن من غير صوت
ولا كلام محرم، قال تعالى عن يعقوب: وَابيَّضَت عَينَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظِيم[يوسف:84]. قال قتادة:( كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً ).
3 - ومما يقدح في الصبر إظهار المصيبة والتحدث بها.
وقد قيل:( من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة ). وقيل أيضاً:( كتمان المصائب
رأس الصبر).
4 - ومما ينافي الصبر الهلع، وهو الجزع عند ورود المصيبة
والمنع عند ورود النعمة، قال تعالى: إِنْ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إذا مَسَهُ
الشَرُ جَزُوْعاً (20) وَإذا مَسَهُ الخَيَرُ مَنُوْعاً [المعارج:19-21].
قال عبيد بن عمير:( ليس الجزع أن تدمع
العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيىء والظن السيىء). وقال بعضهم: مات ابن لي
نفيس، فقلت لأمه: اتقي الله واحتسبيه عند الله، واصبري. فقالت: مصيبتي به أعظم من أن
أفسدها بالجزع.
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يرزقنا الصبر،
وأن يجعلنا من الصابرين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
معلمتي أم محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق