الخميس، 16 أبريل 2015

بدع التعازي



     الحمد لله الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا، و الصلاة و السلام على من بعثه الله رحمة للعالمين و لم يتركنا هملا، و على أله وصحبه و من سار  على سبيلهم و لم تختلف به السبل...أما بعد:
 فإن الموت غاية كل حيّ، فما من مخلوق على هذه الأرض إلا و قد كتب الله عليه الفناء،ليحقق قول المولى عز و جل:"كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ"سورة الرحمان.26-27
 ولما كان فقد الأحبة يهيج الأحزان، و قد يقضي إلى الجزع و التسخط على أقدار الله المؤلمة، رتب الله تعالى الأجر العظيم على الصبر، فقال عز و جل:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ."سورة البقرة.155-157
 فأرشدنا سبحانه إلى ما نقوله عند الصدمة الأولى من العبارة الدالة على الرضا و التسليم و الإيمان بأن المرجع و المآل إليه سبحانه مهما طالت بنا الحياة أو قصرت.
 وجاء في الصحيح مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:«ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله:إنا لله و إنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي و اخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها» صحيح مسلم.918
لذا ينبغي للعبد أن يصبر و يحمد الله و يسترجع حتى ينال هذا الأجر المذكور في الآية و الحديث، و ليعلم أن الدنيا دار ابتلاء فيمسك نفسه عن الجزع و السخط، و يحبس لسانه عن قول السوء،و يضبط جوارحه عن المعاصي، فلا يشق ثوبا، و لا يلطم خدا، و لا يحلق شعرا، و لا يقول إلا ما يرضي الرب فتتحول مصيبته و محنته إلى نعمة و منحة.
يقول ابن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله (برد الأكباد عند فقد الأولاد لابن ناصر الدين الدمشقي ص33)
يجري القضاء و فيه الخيرُ نافلةٌ     لمؤمن واثق بالله لا لاهي
إن جــاءه فــرحٌ أو نــابـهُ تــرحٌ     في الحالتين يقولُ الحمدُ لله
 وهذا مصدق لحديث الرسول صلى الله عليه و سلم الذي يرويه صهيب رضي الله عنه حيث قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:«عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير و ليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، و إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» صحيح مسلم/ 2999


 ولعظم المصيبة التي تنزل بأهل الميت، فقد شرع الله عز و جل التخفيف عليهم بالقول و العمل، ورتب الأجر العظيم على ذلك.
فعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يحدث عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:«ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة» إسناده حسن(صحيح سنن ابن ماجة/1301،و إرواء الغليل/764
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:«من عزى أخاه المؤمن في مصيبته كساه الله حلة خضراء يحبر بها قيل: ما يحبر بها؟ قال يُغبط بها»إسناده صحيح (أرواء الغليل/764)
فتعزية أهل الميت سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه و سلم، ولكم لما توسع الناس فيها في زماننا هذا، و أدخلوا المحدثات و البدع حتى أصبحت عادات يعادون من لم يسايرهم فيها إن كان بعيدا، و يتهمونه بقطيعة الأرحام إن كان قريبا لذا آثرت أن يكون موضوع هذه المحاضرة هو«بدع التعازي» نتناول فيها محورين مهمين و هما:
1- البدعة و خطورتها
2- التعزية و أحكامها، و التحذير مما دخل عليها من بدع و مخالفات شائعة.
المحول الأول: البدعة و خطورتها:
من المعلوم لدينا أن الأعمال التعبدية لا يقبلها الله عز و جل إلا إذا توفر فيها شرطان:
أ- إخلاص النية لله عز و جل
ب- متابعة النبي صلى الله عليه و سلم
و لذا نجد النبي صلى الله عليه و سلم كثيرا ما يحذر من البدع في خطبه، و يأمر بالتمسك بالكتاب و السنة، من ذلك قوله في حديث العرباض المشهور:«فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة» صحيح أبي داود/3851
لماذا هذا التحذير؟
لأن المبتدع في حقيقة أمره مكذب لله تعالى، مخون لرسوله صلى الله عليه و سلم.لذا قال الإمام
مالك رحمه الله :(من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها،فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خان الرسالة)، لأن الله يقول:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ" الاعتصام/للشاطبي18/2
وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول:«اتبعوا و لا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق»سنن الدارمي/211
وقد قسَّم ابن القيم العوائق التي تعوق القلب عن سيره إلى الله تعالى إلى ثلاثة أقسام، و ذكر منها البدعة، حيث قال في كتابه
الفوائد:«العوائق هي أنواع المخالفات ظاهرها و باطنها فإنها تعوق القلب عن سيره إلى الله عز و جل، و تقطع عليه طريقه و هي ثلاث: شرك و بدعة و معصية،
فيزول عائق الشرك بتجريد التوحيد و عائق البدعة بتحقيق السنة، و عائق المعصية بتحقيق التوبة) أنظر«الفوائد»ص201-202
لذا، فأمر البدعة خطير جدا، و حسبك دليلا على خطورتها ما يلي:
1- أن صاحب البدعة عمله مردود. قال تعالى:« قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»سورة الكهف/103-104
ولقوله صلى الله عليه و سلم:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» صحيح مسلم/1718
2- أن التوبة محجوبة عنه ما برح مقيما على بدعته، لقوله صلى الله عليه و سلم:«إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة» السلسلة الصحيحة/1620
3- أن صاحب البدعة لا يرد الحوض، و لا يحظى بشفاعة الرسول صلى الله عليه و سلم كما قال صلى الله عليه و سلم:«أنا فرطكم على الحوض، و ليرفعن رجال منكم ثم ليختلجن دوني ، فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقال:إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»صحيح البخاري/6205
و في رواية لمسلم:«إنك لا تدري ما عملوا بعدك  .فأقول:سحقا سحقا لمن بدل بعدي» صحيح مسلم/2291
4- أن صاحب البدعة يحمل إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة، كما قال سبحانه:« لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۙ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ» سورة النحل/آية25
 ولقوله صلى الله عليه و سلم:«و من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها و ورز من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء»صحيح مسلم/1017


5- أن صاحب كل بدعة ملعون، لقوله صلى الله عليه و سلم:«من أحدث فيما حدثاَ أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً و لا عدلاً» صحيح مسلم/ 1370
6-أن صاحب كل بدعة لا يزداد من الله إلا بعداً، و يشهد لهذا ما أشار إليه حديث الخوارج:«يحقر أحدكم صلاته مع صلاته، و صيامه مع صيامه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمِّية» صحيح البخاري/6534
ثم ليعلم أن البدع ليست خطورتها في نسبة واحدة،بل هي درجات، فبعضها شرك و كفر صريح كالاستغاثة بغير الله و بعضها دون ذلك، و لكن يجب أن يعلم أن أصغر بدعة يأتي بها العبد في الدين هي محرمة لقوله صلى الله عليه و سلم:«و كل بدعة ضلالة»
لذا، فقد كان السلف يحذرون من البدع عموما ، و إن كانت صغيرة لأنها تؤول إلى الكبيرة، و إن حسن قصد فاعلها،فإن حسن القصد لا يبرر البدعة كما قال ابن مسعود:«كم من مريد للخير لن يصيبه» سنن الدارمي/210
وممن حذر من البدع كبيرها و صغيرها الإمام البربهاري  رحمه الله حيث قال :«و احذر من صغار المحدثات، فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، و كذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطيع المخرج منها، فعظمت و صارت دينا يدان بها» شرح السنةص/23
و أختم هذا المحور بمسألة مهمة قد تتبادر إلى الذهن و هي: أن التعزية و ما يحصل فيها من قبيل العادات و ليست العبادات، فكيف تتطرق إليها البدع؟ و قد أجاب على هذه المسألة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال:«إن التعزية سنة، فالتعزية من العبادة، فإذا صيغت على هذه الوجه الذي لم يكن معروفاً في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم صارت بدعة،و لهذا جاء الثواب في فضل من عزى المصاب، و الثواب لا يكون إلا على العبادات.» أ.ﻫ مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين346/17


المحور الثاني: التعزية و أحكامها، و التحذير مما دخل عليها من بدع و مخالفات شائعة.
 معنى التعزية: هي الحمل على الصبر بوعد الأجر و الدعاء للميت و المصاب (شرح الخرشي على المختصر خليل 129/2)

و المقصود بتعزية أهل الميت: تسليتهم و تهوين المصيبة عليهم، و حضهم على التزام الصبر و احتساب الأجر، و الرضا
بالقدر، و التسليم لأمر الله، و الدعاء للميت و الترحم عليه، و الاستغفار له.
 و حكم التعزية: مستحب
 و قال الإمام النووي في التعزية:«هي سنة، و يكره الجلوس لها، و يستحب أن يعزي جميع أهل الميت الكبير و الصغير، و الرجل و المرأة، لكن لا يعزي الشابة إلا محارمها» أ- روضة الطالبين و عمدة المفتين 144/2
 و أما المشروع من ألفاظ التعزية: فإن لفظ التعزية لا حجر فيه، فبأي لفظ عزاه حصلت، فتقول للمعزِّي:«جبر الله مصيبتك، و أخلف عليك، و غفر لميتك» أو«أعظم الله أجرك، و أحسن عزاءك، و غفر لميتك» و نحو ذلك.
و من أحسنها ما قاله رسول الله صلى الله عليه و سلم لابنته حينما كان ولدها في الغرغرة:«إن الله ما أخذ و له ما أعطى ، و كل شيء عنده بأجل مسمى فلتصبر و لتحتسب» صحيح مسلم/923
 و يستحب أن يرد المعزِّي بقوله:«استجاب الله دعاءك و رحمنا و إياك» فقد رد به الإمام أحمد رحمه الله (شرح منتهي الإرادات للبهوتي 359/1)
 وقت التعزية:
من حين ما يموت الميت أو تحصل المصيبة إلى أن تنسى المصيبة و تزول عن نفس المصاب، و يجوز قبل الدفن و بعده، و إلى ذلك ذهب جمهور العلماء ( التعزية/مساعد الفالح ص12)
 و لا تحد التعزية بثلاثة أيام كما اصطلح عليه الناس، و قد اعتمد الناس في ذلك على حديث لا أصل له و هو :«لا عزاء بعد ثلاث» و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه عزى بعد ثلاث، كما في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما و فيه:«ثم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم» أخرجه أحمد بإسناد صحيح/1750
 و قد عد العلماء تحديد المدة بثلاث من البدع، كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة حيث قالت:«و أما تخصيص وقت معين لقبول العزاء، و جعله ثلاثة أيام و بعدها لا يعزي، فهذا من البدع، و قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» (بدع و أخطاء/ أحمد السلمي ص285. نقلا عن فتاوى اللجنة الدائمة جمع صفوت الشوادفي ص39)
 و أما مكان التعزية:
فيعزي المصاب في أي مكان و جد فيه سواء كان ذلك في البيت ، أو في المسجد أو في السوق أو في المقبرة.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:« السنة التعزية لأهل المصاب من غير كيفية و لا اجتماع معين، و إنما شرع لكل مسلم بأن يعزي أخاه بعد خروج الروح في البيت، أو في الطريق، أو في المسجد، أو في المقبرة، سواء كانت التعزية قبل الصلاة أو بعدها، و إذا قابله شُرع له مصافحته، و الدعاء له بالدعاء المناسب....و إذا كان الميت مسلماً دعا له بالمغفرة  و الرحمة، و هكذا النساء فيما بينهن يعزي بعضهن بعضا، و يعزي الرجل المرأة، و المرأة الرجل، لكن دون خلوة و لا مصافحة إذا كانت المرأة ليست محرما له» مجموع فتاوى ابن باز 382/13
و أما قصد الذهاب إلى بيت أهل الميت للتعزية فهذا ليس له أصل في السنة، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم القصد إلى التعزية و الذهاب إلى أهل الميت في بيتهم؟
فأجاب رحمه الله بقوله:«هذا ليس له أصل في السنة، و لكن إذا كان الإنسان قريبا لأهل الميت، و يخشى أن يكون من القطيعة أن لا يذهب إليهم فلا حرج أن يذهب» مجموع فتاوى ابن عثيمين 342/17
 و أجاب بمثل هذا الجواب عندما سئل عن السفر إلى مكان التعزية حيث قال:«لا أرى السفر للتعزية ، اللهم إلا إذا كان الإنسان قريبا جدا للشخص، و كان عدم سفره للتعزية يعتبر قطيعة رحم، ففي هذه الحالة، ربما نقول: إنه يسافر للتعزية لئلا يفضي ترك سفره إلى قطيعة رحم» (مجموع فتاوى ابن عثيمين 345/17)
 و سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ، ما حكم قصد الذهاب إلى بيت أهل الميت للعزاء؟
 فأجاب بقوله:«لا بأس إذا لم يكن فيه منكر، و تركه أحسن» (سؤال عن طريق وحدة التربية الإسلامية في الطائف لعام 1426.
 و نختم هذا المحور ببيان بدع التعزية المنتشرة في زماننا، و من أكثرها ظهورا:
أولا: اجتماع أهل الميت و الجلوس للعزاء، بإقامة المأتم و التجمعات التي تأخذ مظاهر احتفالية، و إضاءة الأنوار، و صف الكراسي في الطرقات و الدور و إغلاق الشوارع، و وضع الفرش ثلاث ليال متواصلة مما يُعدُّ  تعدِّياً على حقوق المسلمين و تعطيلاً لمصالحهم، و فتح الأبواب على مصاريعها ، و إعداد القهوة و الشاي، و ربما استئجار قصور الأفراح، و ترك الأعمال وتعطيل الأشغال و المصالح، و اعتبار ذلك عذرا شرعياً مسوغاً لترك الوظائف.
بل أصبح الناس يتباهون و يتنافسون في ضخامة العزاء، و كثرة المعزِّين و حسن الاستعداد إلى غيره، و هذه كلها مظاهر فرح و سرور.
و قد عدَّ العلماء قديماً و حديثاً هذه المظاهر من النياحة المحرمة، و لو لم يكن بها إلا صنع الطعام لكفى ذلك حرمة لكونه من النياحة.

قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه :«كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت و صنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة» إسناده صحيح(أخرجه الإمام أحمد/6905) 
 و عندما وفد جرير رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأله:«هل يناح على ميتكم؟ قال: لا ، قال: و هل يجتمعون عند أهل الميت و يجعلون الطعام؟ قال: نعم ، قال: ذلك النوح» المغني لإبن قدامة 2/550
 يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله معلقاً على أثر جريج رضي الله عنه(الأول): «و إذا كان الصحابة رضي الله عنهم يعدون ذلك من النياحة ، و هم أعلم بمقاصد الشريعة، و أقومهم عملا بها، و أسدهم رأياً ، و أطهرهم قلوباً، فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:« الميت يعذب في قبره بما نيح عليه» فهل يرضى أحدً أن يعذِّب أبوه أو أمه أو ابنه أو ابنته، أو أحد من أقاربه بشيء من صنعه؟ و هل يرضى أحد أن يسئ إلى هؤلاء، و هو الذي أصيب بهم؟ إذا كان صادقا في محبتهم و مصيبتهم فليتجنب ما يكون سببا في تعذيبهم» مجموع فتاوى ابن عثيمين 363/17


و قد نص كثير من أئمة الفقهاء على كراهية الجلوس للعزاء و بدعيته من ذلك:

ما جاء في "شرح منتهى الإرادات" و هو عمدة المتأخرين من الحنابلة في المذهب عند قول صاحب "المنتهى":«و كره جلوس لها، قال: أي للتعزية بأن يجلس المصاب بمكان ليعزى، أو يجلس المعزِّي عند المصاب بعدها-بعد التعزية- لأنه استدامة للحزن» شرح منتهى الإردات 359/1
 و قال في "المقنع" :«و يكره الجلوس لها يعني التعزية قال: "في الشرح الكبير" و ذكره أبو الخطاب، لأنه مُحدَث» انظر المقنع و الشرح الكبير و الإنصاف272/6
 و قال النووي في " المجموع شرح المهذب":«و أما الجلوس للتعزية فنص الشافعي و المصنف و سائر الأصحاب على كراهته....و قالوا: يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية، قالوا: بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم، و لا فرق بين الرجال و النساء في كراهة الجلوس لها» انظر 306/5
 و قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله في فتاويه :إن ما يقع بعد الدفن من عمل المآتم ليلة أو ثلاثا مثلا لا نزاع في أنه بدعة، و لم يثبت عن الشارع، و لا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن يذهب الناس إلى تعزيتهم، و كانت سنته صلى الله عليه و سلم أن يدفن الرجل من أصحابه و ينصرف كل إلى مصالحه، و هذا كانت سنته صلى الله عليه و سلم، و هذه كانت طريقته، و الله تعالى يقول:« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ» سورة الأحزاب آية21
فلنتأس به فيما ترك كما نتأس به فيما فعل، و الجمهور على كراهة ذلك، لأنه يجدد الحزن للمعرِّي.
قال الإمام الاذرعي:الحق أن الجلوس للتعزية على الوجه المتعارف في زماننا مكروه أو حرام و قال صاحب الإبداع ص220
و صفوة القول أن المآتم لا تخلو من المنكرات، و مخالفة سنة النبي صلى الله عليه و سلم، و ناهيك ما يكون من القراء في تلاوة القرآن،و ما يفعله المستمعون في المآتم من الخروج عن حد الأدب حال تلاوته، من رفع أصوات الاستحسان أو الاشتغال عن استماعه، أوشرب الدخان و غير ذلك مما يحول بين المجلس و بين نزول الرحمة نسأل الله السلامة و الهداية» أ.ﻫ (فتاوى و رسائل الشيخ محمد بن إبراهيم 234/3)
 و قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :«لا ينبغي الجلوس للعزاء في مكان مخصص و الإعلان عن ذلك، و إنما يعزِّي المصاب إذا التقى به في أي مكان» الملتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 197/1


و سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : نلاحظ كثيراً من الناس أنهم يخصصون ثلاثة أيام للعزاء، يبقى أهل الميت في البيت فيقصدهم الناس، و قد يتكلف أهل الميت في العزاء بأعراف الضيافة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا أصل له، فالعزاء يمتد مادامت  المصيبة لم تزل عن المصاب لكنه لا يكرر، بمعنى أن الإنسان إذا عزى مرة انتهى. أما تقييده بثلاث فلا أصل له.
و أما الاجتماع للتعزية في البيت فهذا أيضاً لا أصل له، و قد صرح كثيرً من أهل العلم بكراهته، و بعضهم صرح بأنه بدعة. و الإنسان لا يفتح الباب للمعزين، يغلق الباب
، و من صادفه في السوق و عزاه فهذا هو السنه، ما كان الرسول صلى الله عليه و سلم و لا أصحابه رضي الله عنهم يجلسون للعزاء أبداً، و هذا أيضاً ربما يفتح على الناس أبواباً من البدع كما يحدث في بعض  البلاد الإسلامية
» مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 358/17
 و قال في موضع آخر:«و قد يكفي الهاتف في ذلك في من لا يرى من حقه أن تأتي إليه بنفسك كالأقارب القريبين» المرجع السابق 387/17
و هنا قد يرد سؤال عند كثير من الناس و هو: إذا كان الإجماع للعزاء في بيت واحد من البدع و من النياحة فكيف نعزي؟
و قد أورد الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هذا السؤال في إحدى فتاوى و أجاب عنه بقوله:
أولا: العزاء ليس بواجب، و غاية ما فيه أنه سنة.
ثانيا: العزاء إنما يكون للمصاب الذي نعرف أنه تأثر بالمصيبة فنعزيه، و ندلي عليه بالمواعظ حتى يطمئن.
ثالثا: أن العزاء المشروع ليس بالإجماع في البيت، بل في أي مكان نلاقيه نعزيه, سواء كان ذلك في المسجد أو في السوق، أو في غير ذلك (المرجع السابق 373/17)
و قال :يجب على طلبة العلم أن يبينوا للعامة أن هذا غير مشروع، و أنهم إلى الإثم أقرب منهم إلى السلامة، و أن الواجب على خلف الأمة أن يتبعوا سلفها، فهل جلس النبي صلى الله عليه و سلم للعزاء في أبنائه؟ أو في زوجته خديجة أو زينب بنت خزيمة رضي الله عنهم هل جلس أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ هل جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟ هل جلس عثمان بن عفان رضي الله عنه؟ هل جلس علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟هل جلس أحد من الصحابة رضي الله عنهم ينتظر من يعزيه؟ أبدا كل ذلك لم يحصل، و لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم، و أما ما تلقي من الآباء، و جرت به العادة فهذا يعرض على كتاب الله تعالى و سنة رسوله صلى الله عليه و سلم و هدي السلف الصالح رضي الله عنهم فإن وافقه فهو مقبول، لا لأنه عادة، بل لأنه وافق السنة، و ما خالف فيجب أن يرفض.و لا ينبغي لطلبة العلم أن يخضعوا للعادات، و أن يقولوا كيف ننكر على آبائنا و أمهاتنا و إخواننا شيئا معتادا، لأننا لو أخذنا بهذه الطريقة، و هي عدم الإنكار ما صلح شيء، و لبقيت الأمور على ما هي عليه بدون إصلاح(مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين 372/17)
 و قد أدى اجتماع الناس في بيت أهل الميت إلى إحداث بدعة جديدة لم تكن في من سبق،ألا و هي:إحضار الداعيات من أجل إلقاء كلمة في الحاضرات
- و قد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : ما حكم خروج الداعيات للعزاء من أجل إلقاء كلمة دعوية من أجل تذكير الحاضرات و جمعهم على الخير؟
- فأجاب بقوله:«لا أصل لهذا العمل» من أسئلة وحدة التربية الإسلامية بالطائف لعام 1426  


ثانيا: صنع الطعام من أهل الميت للمعزِّين:
يسن صنع الطعام لأهل الميت لانشغالهم بمصابهم عن الاهتمام بأنفسهم، و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما استشهد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقال:«اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم» صحيح سنن أبي داود/2686
 و قد سئل الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله عن حكم تصليح الطعام لأهل الميت، و ما دليل الحكم؟
فقال: يسن أن يصلح لأهل الميت طعام يبعث إليهم لما ورد عن عبد الله بن جعفر قال:(لما جاء نعي أبي حين قتل، قال النبي صلى الله عليه و سلم: اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم)رواه الخمسة إلا النسائي. قال الزبير: فعمدت سلمى مولاة النبي صلى الله عليه و سلم إلى شعير فطحنته، و أدمته بزيت جعل عليه،و بعث به إليهم.
و يروى عن عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال(فما زالت السنة فينا حتى تركها من تركها) و سواء كان الميت حاضر أو غائبا و أتاهم نعيه.
و ينوي فعل ذلك لأهل الميت، لا لمن يجتمع عندهم فيكره، لأنه معونة على مكروه، و هو اجتماع الناس عند أهل الميت. نقل المروذي عن أحمد: هو من أفعال الجاهلية، و أنكره إنكارا شديدا. و لأحمد و غيره عن جرير و إسناده ثقات قال:«كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت و صنعة الطعام يعد دفنه من النياحة»أ.ﻫ انظر الأسئلة و الأجوبة الفقهية للسلمان 283/1
و أما ما اعتاده الناس الآن من أن أهل الميت هم الذين يصنعون الطعام و يطعمون الناس فقد أفتت اللجنة الدائمة بأنه بدعة شنيعة (فتاوى اللجنة الدائمة9/ 143-151)
لما في ذلك من المحاذير، و التي منها:
1- أنه خلاف السنة، حيث إن السنة صناعة الطعام لأهل الميت، و ما خالف السنة فهو بدعة.
2- أن فيه مشابهة لأهل الجاهلية، حيث إنهم كانوا يصنعون الطعام و يولمون لميتهم إذا مات بعد دفنه. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه و سلم :«لا عقر في الإسلام» قال عبد الرزاق: كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة في الجاهلية.


و لما سئل الإمام أحمد رحمه الله عن صنع الطعام و الذبح؟
قال:«من فعل الجاهلية» و أنكره شديدا
3- أنه من أكل أموال الناس بالباطل ، حيث إن أهل الميت غالبا يصنعون من مال المتوفى، و معلوم أنه يصبح لورثته، فلا يجوز الإنفاق منه إلا بإذنهم، و قد يكون فيهم من لم يبلغ، أو غير الراضي، و إذا كان من مال غير المتوفى فهي في إنفاق محرم، فهي داخلة في باب السرف.
4- إن أهل الميت في شغل عن إعداد الطعام، و دعوة الناس إليه بالانشغال عنه بمصيبتهم، ففيه تثقيل على أهل الميت و شغلهم مع ما هم فيه من انشغال الخاطر بموت الميت.
5- يساعد على تجمع الناس، و إحياء المآتم، و هي محرمة (انظر المحاذير في كتاب"بدع و أخطاء" للسلمي ص 269-270
و قد نص أهل العلم على بدعية هذا العمل:
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :«و أما صنعة أهل الميت طعاما يدعون الناس إليه، فهذا غير مشروع، و إنما هو بدعة»مجموع فتاوى ابن تيمية316/24
و قال ابن الحاج في " المدخل":«فما بالك بما اعتاده بعضهم في هذا الزمان من أن أهل الميت يعملون الطعام ثلاث ليال، و يجمعون الناس عليه عكس ما حكي عن السلف رضي الله عنهم، فليحذر من فعل ذلك، فإنه بدعة مكروهة» انظر 3/ 276
 و قد استثنى الإمام ابن قدامة رحمه الله «ما إذا دعت الحاجة لإصلاح أهل الميت للطعام جاز ، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى ، و الأماكن البعيدة، و يبيت عندهم، فلا يمكنهم إلا أن يضيفوه» المغني497/3
ثالثا: قرءة القرآن و الأدعية في المآتم:
و قد تنوعت هذه البدعة على صور عدة منها:
1- ما يحصل في مجالس العزاء من مصائب بتوزيع (الربعات) و هي تتكون من ثلاثين جزءاً
من أجزاء القرآن الكريم كل جزء على حده فتوزع في مجالس العزاء على المعزين في جو صاخب و دخان، و هرج و لغو، مما يعرض كلام الله تعالى للامتهان، و الابتذال و الاحتقار ، ثم يهدون ثواب القراءة للميت، و لم يكن ذلك من هدي السلف رضي الله عنهم أنهم يقسمون القرآن بينهم، كل منهم يقرأ جزءاً ليكون مجموع قراءتهم ختمة يهدون ثوابها لروح فلان المتوفى.
و من المصيبة كون قسم من الآية في جزء، و قسم الآخر في جزء، و بيد شخص آخر ، و لا يجوز لمسلم أن يفعل ذلك(فتاوى إسلامية 1/ 310اللجنة الدائمة)
2- قراءة القرآن في المآتم بمكبر الصوت، و إحياء ثلاث ليال بقراءة القرآن إلى طلوع الفجر
3- قولهم :(الفاتحة على روح فلان) و ذلك إذا ما انتهوا من العشاء أو الغذاء.
و من المعلوم أن قراءة القرآن عموما، أو الفاتحة خصوصا على الموتى كل هذا من البدع التي لم يشرعها الله. و الأصل في العبادات الحظر و المنع حتى يأتي الدليل بالأمر بها، و قد أنكر الله تعالى على من شرع في دين الله ما لم يأذن به الله تعالى، فقال سبحانه:« أَم لَهُم شُرَكٰؤُا۟ شَرَعوا لَهُم مِنَ الدّينِ ما لَم يَأذَن بِهِ اللَّهُ» سورة الشورى / 21 كما ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فكل عمل لم يشرعه الله و لم يأمر به النبي صلى الله عليه و سلم فهو باطل مردود ينزه الله تعالى عن أن يتقرب به إليه.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :الاجتماع في بيت الميت للأكل و الشرب و قراءة القرآن بدعة... و إنما يؤتى أهل الميت للتعزية و الدعاء، و الترحم ميتهم، أما أن يجتمعوا لإقامة مآتم بقراءة خاصة، أو أدعية خاصة أو غير ذلك فذلك بدعة، و لو كان هذا خيرا لسبقنا إليه سلفنا الصالح( مجموع فتاوى ابن باز 383-384/  13 ) 
4- توزيع السبح و المصاحف و الأدعية في أيام العزاء
و قد سئل فضيلة الشيخ صالح الفوزان حفظه الله : ما حكم توزيع السبح و المصاحف و الأدعية في أيام العزاء من مال الميت أو من غيره؟
- فأجاب بقوله:«هذا لا يجوز لأنه لا دليل عليه، فيعتبر بدعة» من أسئلة وحدة التربية الإسلامية بالطائف لعام 1426


رابعا: إقامة الحفلات للميت في الأيام الأول، و الأربعينية، و الحولية، و غيرها مما لا يتفق مع عقل و لا نقل:
قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :لم يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم و لا عن صحابته رضي الله عنهم و لا عن السلف الصالح إقامة حفل للميت مطلقا، لا عند وفاته، و لا بعد أسبوع، أو أربعين يوما، أو سنة من وفاته، بل ذلك بدعة و عادة قبيحة كانت عند قدماء المصرين و غيرهم من الكافرين، فيجب النصح للمسلمين الذين يقيمون هذه الحفلات و إنكارها عليهم، عسى أن يتوبوا إلى الله عز و جل، و يتجنبوها لما فيها من الابتداع في الدين و مشابهة المشركين (فتاوى إسلامية 56/2)
خامسا: تخصيص لباس معين للتعزية:
فالبعض يخصص السواد، و هو شعار لأهل المصاب، و هو شعار باطل من البدع، فلم يرد عن السلف فعل شيء من ذلك . قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله( مجموع دروس و فتاوى الحرم المكي 364/3)
سادسا: عدم التعزية في أهل المعاصي:
ممن مات منتحراً، أو في سكر، أو زنا و نحو ذلك من المعاصي و العياذ بالله و الصحيح أنه لا مانع في تعزية أهله فيه، و لا مانع من الدعاء له، و لأمثاله من العصاة بالمغفرة و الرحمة يغسل و يكفن و يصل عليه ، و لكن لا يصلي عليه أعيان المسلمين مثل السلطان و القاضي و نحو ذلك، من باب الزجر عن عمله السيئ، و يصلي بعض الناس عليه. قاله الشيخ ابن باز رحمه الله ( انظر مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 227/4)
سابعا: التعزية بكلمات ليست صحيحة، بل مخالفة للشرع:
مثل البقاء في عمرك، أو البقية في حياتك، أو البقية في رأسك أو قولهم: ما نقص في عمره زاد في عمرك، أو شد حيلك.
فهذه و أمثالها ألفاظ لا تجوز لأمرين:
الأمر الأول: أن الباقي هو الله عز و جل وحده.
الأمر الثاني: أن هذا من ادعاء الغيب و لا يعلم الغيب إلا الله.(أنظر بدع و أخطاء ص286)
و كذا إطلاق لفظ:المرحوم و المغفور له،أو ساكن الجنان أو إلى الرفيق الأعلى على بعض الأموات...فهذا من الجزم لهذا الميت بأنه من أهل الجنة، و هذا علمه عند الله.
قال الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية":«ليس من الهدي النبوي أن يقول المسلم في حق المسلم: قدم ، أو رحل، أو ذهب إلى الرفيق الأعلى و قاعدة الإسلام في عدم الشهادة لأحد بجنة أو نار إلا من شهد له النبي صلى الله عليه و سلم تمنع هذا الإطلاق في حق غير من شهد له صلى الله عليه و سلم بالجنة» انظر ص 140-141
و قال في موضع آخر:«قولهم في حق المتوفى: في ذمة الله، فطرداً لقاعدة التوقيف فلا يطلق هذا اللفظ، و لا يستعمل. و الله أعلم» المرجع السابق ص 432


ثامنا: التعزية في الجرائد:
فقد سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن إعلانات التعازي في الصحف، و الشكر على التعزية، و الإعلان عن وفاة شخص...ما رأي الشريعة في ذلك؟
فأجاب:الإعلان في الصحف عن وفاة شخص إذا كان لغرض صحيح و هو أن يعلم الناس بوفاته فيحضرون للصلاة عليه و تشييعه، و الدعاء له، و ليعلم من كان له على الميت دين أو حق يطالب به أو يسامحه، فالإعلان لأجل هذه الأغراض لا بأس به، و لكن لا يبالغ في كيفية نشر الإعلان من احتجاز صفحة كاملة من الصحيفة، لأن ذلك يستنفد مالاً كثيراً لا داعي إليه، و لا تجوز كتابة هذه
الآية التي اعتاد كثير من الناس كتابتها في الإعلان عن الوفاة و هي قوله تعالى:« يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة* فَادْخُلِي فِي عِبَادِي* وَادْخُلِي جَنَّتِي» سورة الفجر آية 27-30 لأن هذا فيه تزكية للميت، و حكم بأنه من أهل الجنة، و هذا لا يجوز لأنه تقوُّل على الله سبحانه و تعالى، و شبه ادعاء لعلم الغيب، إذا لا يحكم لأحد معين بالجنة إلا بدليل من الكتاب و السنة، و إنما يرجى للمؤمن الخير و لا يجزم له بذلك و الله الموفق» مجلة الدعوة / 2002 ص 4
فهذه بعض البدع و الأخطاء التي انتشرت في مجتمعنا في التعزية أحببنا التنبيه عليها ، عملا بقوله صلى الله عليه و سلم«الدين النصيحة»أخرجه مسلم/55
و بسبب كثرة البدع في زمننا و لاسيما فيما يتعلق بالجنائز و القبور و التعازي أصبح من الواجب أن يوصي المسلم بأن يجهز و يدفن على السنة و أن يحذِّر و يحذَر من الوقوع في مخالفة سنة المصطفى صلى الله عليه و سلم، عملا بقوله تعالى:" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ" سورة التحريم/6
و تأسياً بصحابة النبي صلى الله عليه و سلم في الوصية بذلك ، كما أخرج مسلم في"صحيحه"عن أبي بردة بن أبي موسى قال:(وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه، و رأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله،.....فلم يستطع أن يرد عليها شيء ، فلما أفاق قال: أنا برئ مما برئ منه رسول الله صلى الله عليه و سلم فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم برئ من الصالقة و الحالقة و الشاقة) صحيح مسلم/104
كيف نقضي على هذه البدع و المخالفات؟
لكي نقضي على هذه البدع و المخالفات ينبغي ما يلي:
1- تعريف الناس بهدي الرسول صلى الله عليه و سلم في تجهيز الجنائز و الدفن و العزاء و ما يتعلق به.
2- بيان الأعمال المخالفة لهديه صلى الله عليه و سلم و التي وقع فيها كثير من الناس.
3- بيان خطورة هذه المخالفات و عقوبتها ، و ما يترتب على ذلك.
4- القضاء على أسبابها.
و يتم ذلك كله عن طريق خطباء المساجد في الجمع، و عن طريق الدعاة و المحاضرات و الندوات، و توزيع النشرات و المطويات، و الكتيبات و الأشرطة التي توضح ذلك.انظر «بدع و أخطاء»ص384.
و أخيراً.. أسأل الله العظيم أن يطهرنا من الشرك و البدع و المعاصي و أن يرينا الحق حقا و يرزقنا إتباعه، و أن يرينا الباطل باطلا و يرزقنا اجتنابه.
و صلِّ اللهم على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليماً كثيرا.

و كتبته
حنان بنت علي اليماني
في اليوم السابع من شهر رجب لعام ستة و عشرين
و أربع مائة و ألف من الهجرة النبوية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق