الاثنين، 12 أكتوبر 2015

فاستقــــــــم كمــــــــــــا أمــــــــــــرت


الحمد لله الملك العلام أمر بالطاعة على الدوام و عمر بها الليالي و الأيام
و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك القدوس السلام، جعلنا
بالعمل الصالح خير الأنام
و أشهد أن نبينا محمداً عبده و رسوله خير من صلى و صام و أزكى من تهجد
و قام صلى الله و سلم عليه كلما دام العمل الصالح و زال العمل الطالح
و على آله و صحبه و من سار على طريقه إلى يوم القيامة 

أما بعد:
 فإن حياة المؤمن حياة ربانية على الدوام،يتربى على خمس خصال:
الأولى: حفظ الفطرة لتثمر أربع ثمرات:
ليكون من أهل الدين القيم يقول تعالى:« فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»[سورة الروم:30]
2- ليكون من أهل الصراط المستقيم حتى الموت يقول تعالى:« وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»[الأنعام:153]
3- ليكون من أهل الحنفية السمحة التي هي أحب الأديان إلى الله تعالى يقول صلى الله عليه و سلم:« أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة»[حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 160]
و يقول فيما يروي عن ربه عز و جل :« خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ»[مسلم2658]
4- ليكون من أهل الإسلام الذين استسلموا لله بالتوحيد و انقادوا له بالطاعة و خلصوا من الشرك وتبرءوا من المشركين و سلم المسلمون من ألسنتهم و أيديهم يقول صلى الله عليه و سلم:«مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [البخاري1385،مسلم2658] 


الثانية:يتربى المؤمن على حفظ العقل ليثمر ثلاث ثمرات:
1- ليكون من العقلاء الذين عقلوا الأمر فأثمروا به و عقلوا النهي فانتهوا عنه و عقلوا الخير فصدقوه و عقلوا الحكم فطبقوه.
2- ليكون من الذين عقلوا الحق فاتبعوه و انعقلوا عن الباطل فاجتنبوه و عن المعصية فحذروها و عن قرناء السوء فابتعدوا عنهم.
3- ليكون من أولي الألباب « الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّار»[آل عمران 191]ِ

الثالثة: يربى المؤمن على العمل بالقرآن ليثمر هذا العمل ثمرات كثيرة أذكر بست ثمرات:
1- ليحفظ من الضلالة في الدنيا
2- يحفظ من الشقاء في الآخرة يقول تعالى:« فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى»[طه123]
3- يرتفع بالقرآن في الدنيا
4- يرتفع به في الآخرة يقول صلى الله عليه و سلم:«إن الله يرفع بهذا القرآن أقوامًا و يضع به آخرين»[مسلم817]، و يقول صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى يقول لقارئ القرآن:«إقرأ و ارق ورتل كما كنت ترتل في حياتك الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها»[أبو داود1464،الترمذي 2914 قال الألباني حسن صحيح]
5- ليكون من الأخيار يقول صلى الله عليه و سلم:«خيركم من تعلم القرآن و علمه» [البخاري5027]
6- ليكون من أهل الله و خاصته يقول صلى الله عليه و سلم:«أهل القرآن هم أهل الله و خاصته»[ابن ماجة 215 و صححه الألباني]

الرابعة: يتربى على العمل بالسنة ليثمر هذا العمل ثمرات كبيرة أذكر منها بثلاث ثمرات:
1- ليكون مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقاً يقول تعالى:
« وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً»[النساء69]
2- ليأمن من الأهواء و الشهوات و الشبهات يقول صلى الله عليه و سلم:«و من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيرًا فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين»[أبو داود 4607،الترمذي2676،ابن ماجة43و صححه الألباني]
3- ليكون من أهل الجنة يقول صلى الله عليه و سلم:«كل أمتي يدخلون الجنة ألا من أبى» قالوا : ومن يأبى دخول الجنة يا رسول الله قال:«من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى»[البخاري7280]

الخامسة: يتربى المؤمن على الاستقامة على أربع:
أولها: الاستقامة على الإخلاص لله رب العالمين لتكون الصلاة و النسك و المحيا و الممات لله رب العالمين و ليكون العمل مقبولا و ليأمن المؤمن من النفاق و يأمن من الشيطان و يأمن من النار ويأمن من الفتن و يدخل الجنة قال تعالى:« فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدً»[الكهف110]
ثانيها: الاستقامة على التوحيد لأنه حق الله على العبد و رسالة الرسل إلى أممهم و هو مفتاح الإسلام لا يدخل العبد الإسلام إلا به هو مفتاح الدنيا إذ يشرع الأذان في أذن المولود عند الولادة و يشرع تلقينه التوحيد عند النطق و هو مفتاح الآخرة لأن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة و هو مفتاح الجنة يقول صلى الله عليه و سلم:«من شهد لا إله إلا الله دخل الجنة»[ صححه الألباني في صحيح الجامع برقم6318]،و هو الحفظ من الشيطان فمن قال في يومه لا إله إلا الله لا شريك له ، له الملك، و له الحمد، يحي و يميت و هو على كل شيء قدير، مائة مرة كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يسمي، و هو الحفظ من النار فقد سمع صلى الله مؤذنًا يقول:أشهد أن لا إله إلا الله قال:
«خرجت بها من النار»[الترمذي1618] و هو الحفظ للدماء و الأموال يقول صلى الله عليه و سلم:«أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا من دماءهم و أموالهم إلا بحق الإسلام و حسابهم على الله تعالى» [البخاري25،مسلم22]
ثالثها: الاستقامة على الأمر و النهي فإن الله أمرنا بالأمر لنأتمر و نقول سمعنا و أطعنا و لا يأمرنا تعالى إلا بخير و نداوم على الإثمار حتى الموت و ما نهانا إلا لننتهي عن النهي و نقول سمعنا و انتهينا و لا ينهانا تعالى إلا عن الشر و نداوم على الانتهاء حتى الموت و قد ملئ القرآن بالأوامر و النواهي لنستقيم عليها و ملئت السنة بذلك لنداوم عليها قال عمر رضي الله عنه:«الاستقامة هي الاستقامة على الأمر و النهي و عدم الروغان روغان الثعلب»


رابعها: الاستقامة على العمل الصالح حتى الموت لثلاثين سبباً:
الأول: لأن الله حي لا يموت قال تعالى:« وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ»[الفرقان58]
الثاني: لأن الله لا تأخذه سنة و لا نوم قال تعالى:« اللَّهُ لاَ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ»[البقرة255]
الثالث:لأن معدن المؤمن معدن نفيس كمعدن الذهب ظاهره و باطنه سواء لا يتغير بتغير الزمان و لا يتغير بتغير المكان و لا يتغير بتغير الأحوال.
يقول صلى الله عليه و سلم:«مثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرت و إن وزنت لم تنقص»[حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 5846]
الرابع: لأن المؤمن كالنخلة و هي شجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، دائمة الخضرة و لا يسقط ورقها و لا تتأثر بفصول العام و همتها عالية في السماء و متنوعة النفع يستفاد من جذعها و من أغصانها و من ورقها و من ليفها و من بلحها و من رطبها و من ثمرها و من نواها وهي حسنة التعامل ، يرميها الإنسان بالحجر و ترميه بالرطب و التمر يقول تعالى:« ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»[ابراهيم24-25]،و يقول الرسول صلى الله عليه و سلم:«إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها مثلها مثل المؤمن فحدثوني ما هي؟،قالوا:ما هي يا رسول الله  قال: إنها النخلة»[البخاري61، مسلم2811]
الخامس: لأن المؤمن كالنحلة لا تأكل إلا طيباً لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً و لأنها لا تقع إلا على طيب و لا تخرج إلا طيباً و لا تكسر المكان الذي تقع عليه يقول الله تعالى:« وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»[النحل:68-69] و يقول صلى الله عليه و سلم: «مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيباً و لا تضع إلا طيباً»[أحمد199/2 و حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم5846]


السادس:لأن الله تعالى أمر رسوله بالاستقامة قال تعالى:« فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ»[هود112]يقول صلى الله عليه و سلم:«شيبتني هود و أخواتها»[ الترمذي3297 صححه الألباني] و الذي شيبه من هود هذه الآية و أُمر رسول الله أن يداوم العمل الصالح حتى الموت يقول تعالى:«وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»[الحجر99]
السابع: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم استقام حتى الموت مع شدة الأذى فقد آذاه الكفار بأقوالهم و قالوا ساحر و كاهن و كذاب و مجنون و شاعر و آذوه بأفعالهم، خنقوه حتى كاد أن يموت و شجوا وجهه و كسروا رباعيته ووضعوا الأسلية على طريقه و بصقوا في وجهه و حاولوا قتله ثلاث عشرة مرة و ساوموه على دينه و قالوا له نعطيك من المال ما تشاء  و من النساء ما تشاء ومن الملك ما تشاء و من الطيب ما تشاء مقابل أن تترك دينك فآبى وردهم و استقام على أمر الله و داوم على ذلك حتى الموت.
الثامن: لأن الله أمر المؤمنين بالاستقامة حتى الموت يقول تعالى:« يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ»[آل عمران102]
التاسع: لأن الله أمر المكلفين بالاستقامة يقول تعالى:«فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ و«اسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ[فصلت6]
العاشر: لأن النبي صلى الله عليه و سلم أمر أصحابه بالاستقامة يقول سفيان بن عبد الله الثقفي: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك قال:«قل آمنت ثم استقم»[ابن ماجة3972 و صححه الألباني]

الحادي عشر: لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر أمته بالاستقامة يقول صلى الله عليه و سلم:«استقيموا و لن تحصوا و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»[ابن ماجة 277 و صححه الألباني]
الثاني عشر: لأن هدي الرسول صلى الله عليه و سلم هو الاستقامة تقول عائشة رضي الله عنها :«كان إذا عمل عملاً أثبته»[مسلم746] و تقول:«و كان إذا نام من الليل أو مرض صلى من النهار اثنتي عشر ركعة»[مسلم746] و قضى راتبة الظهر بعد العصر.
الثالث عشر: لأن أحب العمل إلى الله هو الاستقامة يقول صلى الله عليه و سلم:«أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه و إن قل»[مسلم782]
الرابع عشر: لأن أحب العمل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم العمل الدائم سئلت عائشة رضي الله عنها عن أحب العمل إلى رسول الله قالت:«العمل الدائم»
الخامس عشر: لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدعوا في سجوده بالاستقامة و يقول:
« يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك»[الترمذي 2140 و صححه الألباني]


السادس عشر: لأن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء تقول عائشة: يا رسول الله أراك تكثر في سجودك من قولك :يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك أتخاف علينا و قد آمنا بك و صدقناك قال:«إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» [الترميذي2140أحمد3/112 و صححه الألباني]
السابع عشر: لأن أعظم سورة في القرآن و هي سورة الفاتحة لم تتضمن إلا طلب الاستقامة و هو قوله تعالى:« اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ».
الثامن عشر:لأن الذنوب كثيرة و لا تحصى و لأنها خطيرة و لأنها دائمة بالليل و النهار ولأنها متنوعة و ليس لها علاج إلا الاستقامة و ليس منها وقاية إلا بالاستقامة. 
التاسع عشر: لكثرة الفتن التي يصبح بها الإنسان مؤمناً و يمسي كافراً و يمسي مؤمناً و يصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا و ليس منها أمن إلا بالاستقامة يقول صلى الله عليه و سلم:«بادروا بأعمالكم فتناً كقطع الليل المظلم يمسي الرجل مؤمناً و يصبح كافراً و يصبح مؤمناً و يمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل»[مسلم118]
العشرون: لأن الاستقامة صفة الملائكة عليهم السلام قال الله عنهم:« فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ»[فصلت38] و قال صلى الله عليه و سلم:«ما من موضع شبر في السماء إلا و عليه ملك ساجد أو قائم»[صححه الألباني في صحيح الجامع برقم95]


الحادي و العشرون: لأنه صفة أهل الجنة قال الله عنهم:« كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»[الذريات17-18]
الثاني و العشرون:لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يجعل للعمل الصالح انقطاعا قبل الموت.
الثالث و العشرون: لأن الله تعال ما شرع العمل الصالح إلا ليدوم و ما شرعه لينقطع يقول تعالى عن دوام الذكر:« فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ»[الروم:17-18] و يقول عن دوام الصلاة:
« وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ»[ المؤمنون9]، و يقول عن دوام الصدقة:« الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»[آل عمران134] ،و يقول عن دوام قيام الليل:« تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ»[السجدة16]،و يقول صلى الله عليه و سلم عن دوام قراءة القرآن:«لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقرأه آناء الله و آناء النهار»[البخاري73،مسلم816]، و يقول عن دوام صلاة الجماعة:« مَا مِنْ ثَلاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلا بَدْوٍ لا يُقَامُ فِيهِمُ الصَّلاةُ إِلا قد اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّمَا يَأْخذ الذِّئْبُ من الغنم الْقَاصِية»[أبو داود547 و النسائي847 و حسنه الألباني] و يقول:«من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر»[ابن ماجة793 و صححه الألباني] و يقول عن دوام الصيام:«إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها و باطنها من ظاهرها أعدها الله لمن أطاب الكلام و أطعم الطعام و داوم الصيام و صلى بالليل و الناس نيام»[الترمذي 1984و حسنه الألباني] و يقول عن دوام الحج و العمرة:«تابعوا بين الحج و العمرة»[الترمذي810قال الألباني حسن صحيح]
الرابع و العشرون:لأنه حفظ للفطرة ليبقى على الدين القيم
الخامس و العشرون: لأنه حفظ للعقل ليكون من أولي الألباب


السادس و العشرون: لأنه العمل بالقرآن قال تعالى:« كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ »[ص29].
السابع و العشرون:لأنه العمل بالسنة قال صلى الله عليه و سلم :«فعليكم بسنتي»[أبو داود4607 ، الترمذي2676، ابن ماجة43 و صححه الألباني]
الثامن و العشرون:لأنه حفظ للأعمال الصالحة حتى لا يندم الإنسان عليها عند الموت و عند الحساب و عند العذاب.
التاسع و العشرون: لأنه حفظ للأعمال حتى لا يتحسر الإنسان على ضياع عمره و يقول لبثت ساعة من نهار و لا عشية أو ضحاها أو يوماً أو بعض يوم بل يفرح بلقاء الله تعالى.


الثلاثون: لأنه رضوان الله في الدنيا و الآخرة و من رضي الله عنه لم يسخط عليه أبدا و أدخله الجنة و نجاه من النار.
و إذا أردنا الاستقامة على العمل الصالح فإن لها عوامل أذكر منها بعشرين عاملاً:
الأول: الصبر على الطاعة و عن المعصية و على أقدار الله.
الثاني: الإيمان القوي الصادق الذي يصلح الظاهر و الباطن و يفتح أبواب الطاعة و يغلق أبواب المعصية.
الثالث: العبودية لله التي تشمل كل ما يحبه الله و يرضاه من الأقوال و الأفعال الظاهرة و الباطنة.
الرابع: مجاهدة النفس الأمارة بالسوء لتكون نفساً مطمئنة تنال المطلوب و تنجو من المرهوب.
الخامس:تقوى الله التي تجعل بين العبد و بين عذاب الله وقاية بفعل الأوامر و ترك النواهي.
السادس: الإخلاص لله تعالى فإن من أشرك مع الله غيره تركه و شركه و من أخلص لله قبل عمله و ثبته على الطاعات.
السابع:مراقبة الرب و الخوف منه في كل زمان و في كل مكان و على كل حال.
الثامن: التوبة النصوح التي تحفظ الفطرة و العقل و تصلح الماضي و الحاضر و المستقبل و تقلب السيئة حسنة.
التاسع: محاربة الشيطان بالقرآن و بالذكر و بسلامة القلب من مفسداته و بالصبر و باليقين.
العاشر: فتح أبواب الطاعة لأن الإيمان يزيدها و الثبات على الطاعات يزيدها.


الحادي عشر: الإكثار من الطاعة لأنها نور في القلب و بياض في الوجه و قوة في البدن و سعة في الرزق.
الثاني عشر: المداومة على الطاعة لأن الله تعالى يقول:« وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ»[الحجر 99] .
الثالث عشر:غلق أبواب المعصية لأن المعصية ضياع للعمل و ضياع للعمر و ظلام في القلب و سواد في الوجه و خطورة على النفس و الأهل و المجتمع.
الرابع عشر: الذكر لأن الله يقول:« فَاذْكُرُونِي أَذْكُـرْكُمْ»[ البقرة152] فمن ذكر الله ذكره.
الخامس عشر: كثرة قراءة القرآن لأن الله يقول:« وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا.»[الفرقان32].
السادس عشر: تعلم العلم النافع لأنه ميراث الأنبياء و أقرب طريق إلى الجنة و باب قبول العمل.
السابع عشر: صحبة الصالحين لأن الصاحب ساحب و المرء يحشر يوم القيامة مع من أحب.
الثامن عشر:الدعاء في كل سجود«يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك»[الترمذي2140 و صححه الألباني]
فإن الله يقول:« ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»
التاسع و العشرون:الإقتداء بالأنبياء لأنهم خير قدوة و هم أساتذة الثبات.
العشرون: قراءة القصص فإن فيها عبر.

و اعلموا أن ثمرات الاستقامة خمس و عشرون ثمرة هي:
1- الحفظ في الآخرة من الخوف     2- الحفظ في الدنيا من الحزن
3- التأييد بالملائكة.                 4- البشارة بالجنة
5- التشبه بالملائكة                 6- الاقتداء الأنبياء
7- امتثال أمر الله تعالى             8- امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم
9- اغتنام الحياة قبل الموت و الشباب قبل الهرم و الصحة قبل السقم و الغنى قبل الفقر و الفراغ قبل الشغل.
10- البركة في العمل                11- البركة في العمر
12- الحشر مع الصالحين            13- حفظ الأوقات
14- حفظ الأعمال                    15- حفظ الأعمار.
16- سعادة الدنيا و الآخرة           17- الانتصار على الشيطان.
18- الانتصار على النفس الأمارة بالسوء
19- الانتصار على الهوى.
20- الزهد في الدنيا                 21- الرغبة في الآخرة
22- تمني لقاء الله                   23- صحبة الصالحين.
24- حب الطاعة                     25- كراهية المعصية.

فعلى المسلم أن يحرص على الاستقامة ليكون من أهلها و أن يحرص على الثبات على الطاعات حتى الممات ليلقى الله بالعمل الصالح و يكون من الصالحين أهل الاستقامة الذين قال الله فيهم:« إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ»[فصلت30-31].
قاله و كتبه د/ سعد بن سعيد الحجري



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق