ماذا قال أهل التفسير عن هذه السورة ؟
هذه السورة كما سماها أهل العلم (مِن أعاجيب
السور)،
والسبب في كونها من أعاجيب السور:
ما تضمّنه من معاني مجموعة في كل باب من
أبواب العقيدة وكل باب من أبواب العبادة.
ومن أعاجيبها أنها تخاطب الناس على وجه
العموم ثم ينقسموا الناس انقسامات إلى أن ينتهي التقسيم في هذه السورة العظيمة بالكلام
حول المؤمنين التي تأتي سورة المؤمنون بعدها تفصيلًا لها،
فتكررت مناداة الناس في السورة
أربع مرات:﴿يَا أَيُّهَا النَّاس﴾ ثم في نهاية السورة نودي المؤمنين
فقال الله عز
وجل في آخر السورة كما سيتبيَّن لنا مناديًا المؤمنين: ﴿يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا﴾،
ثم يأتي تفصيل خطاب أهل الإيمان في السورة التي بعدها مباشرة وهي سورة المؤمنون، فأصبحت
سورة الحج مدخل لسورة المؤمنون.
من أعاجيب هذه السورة أيضًا الكلام حول
نفس اسم السورة فهي السورة الوحيدة التي فيها اسم لركن من أركان الإسلام، ليس هناك
سورة اسمها الصلاة وليس هناك سورة اسمها الصيام ولا سور تذكر بقية الأركان إلا هذه
السورة فيها الحج.
تدبر سورة الحج 2
مسألة الحج تجمع بين أمرين أساسيين:
الأول: ما الحج في اللغة؟
الحج في اللغة بمعنى القصد إلى معظّم، فمعنى
هذا أن الحج فيه ركنين:
الركن الأول: عمل قلبي وهو القصْد، يعني
تقصد تريد تتجه، وهنا القصد إلى معظَّم، أصلًا قصد بالقلب.
يأتي الأمر الثاني: أن هذا القصد لمن يراه
الإنسان معظّمًا، وهذا العمل القلبي الثاني، يعني تقصد بقلبك من تعتقد أنه معظَّم،
فالقصْد إلى معظَّم هذا اسمه حج.
الأمر الثاني : أن الجوارح ستقوم بكل أركان
الإسلام تحت ظل الحج.
كيف؟! ها هي ستصلي الصلوات المعلومة، وها
هي ستنفق مالًا من أجل أن تحج وهذا يشبه في أصله الزكاة، فهذان ركنان:
هل ستمتنع عن أمور في الحج ؟
نعم , ستمتنع عن الرفث والفسوق والجدال في الحج،
وهذا الامتناع يشبه الصيام.
فليس هناك حاج حقيقي حجّه مبرور إلا وقد
تحقّق فيه القيام بأفعال أركان الإسلام،
فانظر للأركان الخمسة من الإسلام تجدها
كلها متمثلة في الحج، إذن معنى ذلك أن سورة الحج تتميّز عن بقية السور باسمها لأنها
سميت سورة الحج.
كيف نربط الحج بالشهادتين ؟
لأن الذي يشهد أن لا إله إلا الله شهادته
تظهر بوضوح لما يقول: "لبيك اللهم لبيك".
هو يقول في "أشهد أن لا إله إلا الله"
ليس لي إله أحبه وأعظمه إلا الله، فإذا كان يحبه ويعظمه من آثار حب الله وتعظيمه أن
يقول لبيك، أن يستجيب للنداء، فالذي يلبّي هذا عبد وقع في قلبه محبة الله، تعظيم الله،
فكان أثر محبة الله وتعظيم الله تلبية النداء،
والعرب تقول:" أخذ بتلابيبه"،
كيف أخذ بتلابيبه؟ يعني أخذ به منقاد، فالذي يقول لبيك يقول أنا منقاد، فكأنّ لا إله
إلا الله تظهر بوضوح في كلام الحاج لأنه يبتدئ بأن يلبي ربه كما تعلمون في أول المناسك
إلى أن يصل إلى يوم العيد ويكون في قلبه من الفرح بهذا العمل الذي يرجو أن يقبله الله
كما أخبر الله: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا
هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ .
تدبر سورة الحج : 3
هناك خاصية لسورة الحج من ناحية أسمها
, ما هي ؟
هي السورة الوحيدة التي سميت باسم ركن من
أركان الإسلام ولم يسمى سورة غيرها،
والسبب في عظمة الاسم يأتي من جهتين:
يأتي من جهة معرفتك أصلًا لمعنى الاسم،
يجب أن نحفظ معنى الحج في اللغة القصد إلى معظَّم،
ماذا يعني ذلك ؟
معناه الحج سيجمع بين أمرين:
1. بين عمل القلب
2. وعمل الجوارح
تقصد بقلبك، و جوارحك ستكون تابعة لك.
ما هو قصد الحاج الأعظم ؟
لابد أن يكون معظمًا لله، إذا كان معظمًا
لله فمعناه هو في نفسه ذليل، وهذا الذل واضح جدًا في سورة الحج بدليل أنها السورة الوحيدة
التي فيها سجدتين، وهي التي فيها كلمة: "المخبتين"،
وهي التي ورد فيها أكثر
من مرة الكلام عن السجود والأمر به، فهذا كله إشارة إلى أن السورة تدور حول الخضوع
الذل الانكسار، حول العبودية.
ما هي الأعمال البدنية في سورة الحج ؟
الأعمال البدنية في الحج نفسه كلها -أعمال
الإسلام-
من قول: "لا إله إلا الله" إلى
أن نصل إلى الصلاة إلى الصيام إلى إيتاء الزكاة كلها مجموعة
في الحج، من أي جهة؟
إذا كانت كلمة لا إله إلا الله فإن تحقيقها
بالتلبية وبيانها بالتكبير، لأن الذي يقول الله أكبر يبيِّن أنه ليس في قلبه إله يحبه
ويعظمه أكثر من الله، الله أكبر من كل أحد،
والله أكبر من كل شيء، من كل المشتهيات
ومن كل الرغبات ومن كل الاتجاهات ومن كل التعلّقات، كأنه يبيِّن ويوضح ما معنى كلمة
لا إله إلا الله في قلبه.
بالنسبة للركن الثاني وهو الصلاة
:
وإذا أتيت إلى الصلاة فإن الحاج يصلي صلواته
وأيضًا يضيف على ذلك أنه يطوف، والطواف صورة من صور الصلاة ,
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ،
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ
مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ
فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ»:
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ، عَنْ ابْنِ
طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا، وَلَا نَعْرِفُهُ
مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ
أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ: يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ فِي الطَّوَافِ
إِلَّا لِحَاجَةٍ، أَوْ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنَ العِلْمِ
[حكم الالبانى] : صحيح، الإرواء (121)
تدبر سورة الحج 4
حتى نتدبر يشكل صحيح , ننظر للسورة التي
قبل سورة الحج و للسورة التي بعد سورة الحج .
بماذا بدأت سورة الحج ؟
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ أتى الخبر عن الساعة، جاء خبر عن زلزلة الساعة وأن زلزلة الساعة
شيء عظيم ثم أتى أخبار عن تفاصيلها.
بماذا ابتدأت سورة الأنبياء ؟
{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
مُّعْرِضُونَ (١) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٢) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
هَلْ هَـٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ}
﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ
حِسَابُهُمْ﴾ ما حالهم؟ ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ فهذه الغفلة سببت لهم الإعراض ﴿وَهُمْ
فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ﴾ لا تأتيهم النذر لا تأتيهم الآيات؟
تأتيهم ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن
رَّبِّهِم﴾ ما صفته؟
﴿مُّحْدَثٍ﴾ الذكر
محدث يعني جديد، مجدد، يجدد لهم التذكير،
ما ردهم؟
﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ما قلوبهم؟ أمام لهو قلوبهم ولعب أبدانهم والذكر الذي يأتيهم واقتراب
الحساب,
﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾فماذا نفعل مادام أقترب للناس الحساب؟!
﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ جاءت كلمة الناس وجاء في أول الحج ﴿يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ يعني مادام اقترب الحساب لا تكونوا من أهل الغفلة، لا
تكونوا من أهل اللعب، لا تكونوا من أهل اللهو، لا تلهو قلوبكم وتلعب أبدانكم، وكلما
جاءكم ذكر يذكركم بلقاء ربكم كان موقفكم أن تعاملوه باللعب وتعرضون عنه.
كيف نتأمل يومنا ؟
إذا نظرنا للشمس التي تولد كل يوم صباحًا
وتموت كل يوم في نهاية اليوم، وإذا نظرنا للقمر يولد في بدايته ويموت في نهايته ثم
إذا نظرنا للأكثر والأقرب حسًا وهم الموتى الذين يموتون حولنا، كل هذا ذكر محدث، كل
يوم يقال لنا: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ إلى درجة أننا بنفسنا نعيش مواقف
نكون آمنين في سيارتنا – اسأل الله أن يؤمّن الجميع ويؤمّن المسلمين.
تدبر سورة الحج 5
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ
فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ}
ما حال الناس عند أمرهم بالتقوى ؟
1- الصنف الأول لما تقول له تذكر ما سيكون
بعد هذا، لما تكون في هذا الموقف ليس هناك رجعة، اتقي الله من أجل أن ينجيك الله.
فيجادل نعلم أن هذا لم يجادل من نفسه إنما
هذا يجادل وهو يتبع أحد .
في أي شيء يكون الجدال ؟
﴿وَمِنَ النَّاسِ
مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ﴾ يعني يجادل في لقاء الله، يجادل في عقوبة الله، يجادل
في أوامر الله، يجادل في أمر الله بالتقوى،
وهو يجادل هل يفهم ما يقول؟!
الجواب لا، لأن الله عز وجل يقول: ﴿بغير
علم﴾ يعني يأتي لأي معصية من المعاصي التي يحبها ويهواها ويقول الأغاني ليست حرام،
لماذا؟! يقول أنا أرى أن الأغاني ليست حرام، أنا أرى هذا، هكذا من عندك؟!
يضع أحكام من عنده ! إذن يجادل بغير علم
.
من أين يأتي بالأحكام ؟
من هواه ولذلك يجعله الموضوع الرئيس في
الحياة
ومعنى الإسلام هو الاستسلام الذي هو أصل
الدين ،
مادام الاستسلام الذي هو أصل الدين ليس
موجود ماذا يحصل؟ يجادل.
مناسب جدًا هذه الصورة في الحج، تأتي الحاجية
تقول مثلًا سنستيقظ غدًا قبل الفجر بساعة لتجمعوا أغراضكم ونذهب إلى عرفة، لماذا ساعة؟!
نقوم قبل الفجر بنصف ساعة! فنبدأ الآن في الدنيا يخاصمونا ويجادلونا، وهكذا
وكلما تكلمنا في شيء يجادل، تنظر هل هذه
تجادل من نفسها؟!
سنجد صفتين، هذه صورة في الحج وصورة في الحياة:
الصفة الأولى أنه بغير علم
.
ما الصفة الثانية ؟
الصفة الثانية أنه يتبع كل شيطان مريد،
كأنه هو بنفسه ليس من أجل الجدال ويأتي أحد يدربه على أن يجادل في كل شيء، هذا لما
يعترض لا يريد أن يعترض إنما فقط يقلد، فهو يتبع كل شيطان مريد.
هذا الشيطان المريد لا يقصد به هنا شياطين
الجن إنما أصلًا يقصد به شياطين الإنس الذين يخرجون مثلًا في الإعلام وفي وسائل التواصل
فيعترضون على دين الله.
تدبر سورة الحج 6
المجادل والشيطان المريد، ماذا يفقدون ؟!
يفقدون تعظيم الله الذي يأتي من ورائه عدم
الاستسلام،
ما صورة عدم الاستسلام؟!
الجدال أي حكم يأتيه يجادل فيه
.
ولذلك بني إسرائيل في سورة البقرة ماذا
فعلوا لما أمروا أن يذبحوا البقرة؟!
ما استسلموا فكانوا نموذج إلى قيام الساعة أن هذا
الذي يجادل حاله الحقيقية أنه لم يستسلم لله عز وجل.
تصوّر أي شخص مع دين الله
,
والحاج مع الحج: إذا لم يستسلم في تشريع
الله ولم يستسلم ماذا يحصل؟!
سيجادل ثم لابد أن يضيع ، لابد أن يفقد
قلبه، لابد أن لا يصل إلى حج القلب .
ولذلك من الممنوعات في الحج الرفث والفسوق
والجدال، ولماذا يصبح ممنوع في الحج؟!
ليصبح سمتك الطاعة لله، ليكون الاستسلام
طريقك ، وأنت أصلًا الدين الذي تدين به اسمه الإسلام،
فما المطلوب منك؟!
الاستسلام، هذا الاستسلام فقده الناس مع
جهلهم، يعني جاهل وغير مستسلم، ماذا تتصور من جاهل غير مستسلم؟!
مثال من الواقع :
مثل الطفل الصغير الذي لا يفهم أي شيء في
الحياة ويأتي يقول لك المفروض تفعل كذا المفروض لم تفعل كذا!
فماذا يكون موقفك من طفل
صغير لا يفهم الحياة ويأتي يقول لك المفروض تفعلين كذا وتتركين كذا؟!
أكيد أنك تعتبرينه
سفيهًا لأنه جمع بين أمرين: جمع بين الجهل والكلام في شيء لا يفهمه.
إذن الناس في الحياة وفي الحج سواء هناك
صنف كبير وقاعدة عريضة لا تستسلم إنما تجادل، معها علم وهي تجادل؟! ليس معها علم!!
وتجادل في الله،
ما معنى أنها تجادل في الله؟!
يعني تجادل في شرع الله، تجادل في لقاء
الله، تجادل في استحقاق الله في الانكسار والذل والخضوع، تجادل في ذلك، إلى أن بلغنا
للأسف الشديد أنهم يجادلون في وجود الله!
تدبر سورة الحج 7
هل هناك صنف آخر ذكرته السورة في الجدال
؟
صنف يعي أنه عنده علم وهو ليس كذلك
.
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ
عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (٨) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ
اللَّـهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ
(٩) ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}
ما هي صفاته ؟
نرى صفاته:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ
فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} إلى هنا يشبه الأول، لكن هذا:{بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا
هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}
ما الفارق؟
الفارق أنه ادّعي أن عنده علم، ادّعى أنه
ممن يعرف الحقائق، ثم تجد أنه بغير علم ولا مهتدي بهدي ولا هناك كتاب منير يدله إنما
فلسفة وآراء الناس وأفكارهم وآراؤه ولا هو يرى ولا يرى مثله من الخلق، وفي لحظة يقارن
بين كلام قاله الله أو كلام قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبين كلام قاله فلان وعلان
ويرجح بينهم وممكن يأتي في الأخير يقول وكلام الله أصوب!
كل ذلك ما سببه ؟
عدم تعظيم الله في القلوب وعدم قصد المعظَّم
سبحانه وتعالى سبّب أنّ الإنسان يلوّث فكره بأي أمور، بأي كلام يسمعه،
مثال:
عندما يقارن العبد بين الله الشافي وبين
الحلقة التي ممكن أن يلبسها أو الخيط الذي يمكن أن يلبسه! هذه كلها أفعال حقيقية تدل
ّعلى عدم تعظيم الله عزّ وجلّ.
هل هناك صفة خطيرة في هذا الصنف ؟
له صفة نفسية خطيرة، ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾
ما معنى ثاني عطفه؟!
يعني يلوي عنقه تكبّرًا،
صفته أنه لا تناقشني أنا أفهم، لا تكلمني أنتم مساكين لا تفهمون! وأكثر صفة واضحة فيه
أنه يرى نفسه أفهم من الخليقة، ثم يخرج لك من التراث ويخرج لك من كلام العلماء السابقين
ويقول لك البخاري قال كذا ويُرد عليه، والطبري قال كذا ويُرد عليه! يعني هو الفهيم
وأن هؤلاء كلهم هذه ثغراتهم وهذه عيوبهم وهذه أخطائهم، ونحن لانقول أن لا أحد يخطأ
إنما كل الخلق يخطؤون، لكن من عدّ خطؤه كان دليل فضله.
تدبر سورة الحج 7
كيف يرى نفسه ذلك الصنف الثاني ؟
يرى نفسه أن كلمته يجب أن تسمع عند الناس
وأن الذي لا يطيعه ضال، وبذلك يكوّن في نفوس الناس حزبية له، فيستنصرهم لنفسه، ويكوّن
له شعبية بحيث الناس ينتصرون لرأيه ويدفعون كلام العلماء.
فهذا يجمع بين صفات:
أولًا أنه يجادل بغير علم ولا هدى ولا كتاب
منير
والأمر الثاني أنه مع هذا العدم استسلام
في حال من الكبر ويصوّب نفسه ويخطّئ أي أحد آخر.
هل هذه الصفة موجودة في المجتمع ؟
موجودة عند ناس كثيرين أنه الصواب وأي أحد
يخالفه خطأ، يعني ليس هناك أمر ثاني ولا الأمر واسع ولا نناقش الموضوع ولا أي شيء،
يطالبك بالحوار يطالبك أن تسمعه ويمتنع هو أن يسمعك، وأي أحد يخالف رأيه يصبح عدوه!
وهكذا وهكذا إلى أن تجد المجتمع قد انقسم
وتحارب فيما بينه .
هل له عقاب على عمله ذلك ؟
الله عز وجل ذكر هنا وعيد لهذا الذي يجادل
بغير علم ومتكبّر، أخبر أنه {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَذَابَ الْحَرِيقِ}.
والسبب أن فيه صفة تشبه صفة إبليس وهي الكبر،
يعني إذا وجد الكبر أي موعظة لا تأتي بنتيجة.
من الكبائر التي توجه بعض الناس في حياتهم
الكبر :
يظهر هنا في سورة الحج بسبب السجود وبسبب
وصف المخبتين، واحد من الاختبارات الكبيرة الخطيرة في الحج وفي الحياة (الكبر)
بما وصف النبي عليه الصلاة والسلام صفة
الكبر ؟
النبي صلى الله عليه وسلم وصف الكبر وأخبر
أنه:(لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً،
قَالَ:(إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ
النَّاسِ) رواه مسلم ذرة من كبر كافية لعدم
الاستسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم وصف الكبر ما هو؟
(بَطَرُ الْحَقِّ) أي رد الحق، متكبر في هذه الجهة
بالذات، وبعد ذلك يأتي (وَغَمْطُ النَّاسِ) يعني لا يعطي الناس حقوقهم،
نكمل غدا بإذن الله
.
تدبر سورة الحج 8
نرى الصنف الثالث والخطير جدًا:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ
عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ
انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ
الْمُبِينُ (١١) يَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ
ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٢) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ
لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}
لماذا هو خطير؟
أخطر قسم من أقسام الناس لكونه في ظاهره
أنه مستسلم؛ لأن الله عز وجل يقول في حق هذا: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ
عَلَىٰ حَرْفٍ﴾ يعبد الله كلمة خطيرة جدًا، فإذا كان وصفه أنه يعبد الله ماذا بقي؟!
لكن تأتي الصفة بعدها يعبده (على حرف)،
ولأن الحرف معنوي وليس حسي لا يشعر به الإنسان، ممكن أن يقف على حرف وهو لا يشعر فتأتي
الفتنة، الفتنة هذه خطورتها أنها تقلبه على وجهه، فإذا لم يكن يرد نفسه ويناقشها ويراجعها
دائمًا لما تأتي الفتنة لا يستطيع أن يقف؛ لأنه يقف على حرف،
كيف حرف الجبل؟!
هو متصور أن قدمه ثابتة على الدين.
﴿وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ﴾ صفته أنه يعبد ربه
يصلي ويصوم ويتصدق "يعبد الله" لكن دافع هذه العبادة تظهر لما تسمع أنه يعبد
الله على حرف،
ما هو هذا الحرف الذي سيقلبه؟! مصالحه،
هواه.
المعنى ﴿فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ
بِهِ﴾ اطمئن به يعني لم يطمئن بالله إنما اطمئن بالخير، لما وجد نفسه أقبل على الدين
واستقام، استقامت أموره ونجح، يقول معناه الاستقامة خير،
فمعناه لا يطمئن لدين الله إلا إذا أعطاه
الله ما يريد، وهو في صورته كأنه واضع قدمه في مكان سليم والحقيقة تصوريه على حافة
من جبل تأتي الفتنة كأنها العاصفة التي تدفعه فينقلب على وجهه، خسر الدنيا والآخرة.
وهذا الحقيقة من أخطر الأصناف، لأن في مسألة
الجدال ممكن الطباع لا تسمح بالجدال، ممكن الإنسان يحبس نفسه يسكتها لكن لما تكون المقاصد
غير صحيحة يكون الإنسان هذا أصلًا عابد لله لكنه غير مكتشف لنفسه أنه يعبد الله على
حرف، فلما تأتي المواقف وتأتي الأمور، يرتدّ ينقلب على وجهه!
تدبر سورة الحج 9
الصنف الرابع لكن ستختلف الآيات في أسلوبها
عن الآيات التي مضت:
{إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ
مَا يُرِيدُ}
لما بدأت السورة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾
قابلها:﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ يعني ومن الناس
الذين خوطبوا بالأمر بالتقوى
وأيضًا:﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ
فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾ جاءنا الصنف الثاني
ثم جاءنا الصنف الثالث:﴿وَمِنَ النَّاسِ
مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَىٰ حَرْفٍ﴾
أصبحت ثلاثة أصناف كلهم بدأت الآية بنفس
الأسلوب:﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾
كيف بدأت الآيات التي تتحدث عن الصنف الرابع
؟
لكن لما أتى الكلام عن المؤمنين أتت الآيات
مباشرة عن الجزاء:﴿إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ .
إذن هذا الصنف الرابع أمام الأمر بالتقوى،
كيف يكون حال الناس في الحج ؟
الناس في الحج يشبهون هذه الأصناف الأربعة،
سواء كان الناس في الحج أو الناس في الحياة واحد من أربعة أصناف:
1. إما مجادلين تبعًا.
2. وإما مجادلين رأسًا.
3. وإما يعبدوا الله على حرف.
4. وإما آمنوا وعملوا الصالحات.
نصف الذين آمنوا وعملوا الصالحات وعلاقتهم
بالتقوى.
﴿إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾،
هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات ما علاقتهم بالتقوى؟
المؤمن لما يؤمر بالتقوى لابد أن يكون متيقّن
بعظمة الله من أجل أن ينفعل مع تقوى الله، بمعنى أنه لو ما كان يعلم عن الله وعن عظمته
وجلاله وسلطانه، لا يحصل في قلبه خوف من الله، ولو لم يعلم عن الله إحسانه وعطاؤه وجماله
سبحانه وتعالى، لا يحصل في قلبه محبة لله، فإذا وقع الإيمان في القلب بعظمة الله وجلاله
وجماله وإحسانه، اتقى العبد سخط الرب.
وهذا أمر واضح جدًا حتى في العلاقات الإنسانية،
قبل أن نتكلم عن علاقتنا بالله والتقوى نتكلم عن العلاقات الإنسانية..
مثال من الواقع :
لو أحد أحب أحد ووجد في نفسه شدة احترام
له، فيتقي مع هذه العلاقة أن يظهر منه ما يسيء، يتقي مع العلاقة ما يكدرها، يتقي مع
العلاقة أن يحصل موقف يكون بسببه تنقطع العلاقة أو يحصل بين الطرفين ما يشين، إذن هكذا
من أحب وعظّم لابد أن يخرج منه التقوى، لابد أن يكون هناك تقوى.
إذن الإيمان لابد أن يأتي بالتقوى، ما العلاقة
؟
الذي يؤمن بكمال الله وجلاله وجماله وإحسانه
سبحانه وتعالى لخلقه، لابد أن يتّقي أن يسخط ربه، يتّقي المواطن التي يعلم أن الله
ينظر إليه فيها ولا يرضى عنه، استحياءً من الله، خوفًا من أن يطرده الله من رحمته وهكذا،
فمعنى ذلك أن العبد المؤمن ما صفته؟
لابد أن يكون متقيًا، ما السبب الذي يجعله يتقي؟
تعظيمه لربه، معرفته لربه.
إذن هناك علاقة واضحة بين الإيمان والتقوى:
إذا قوي الإيمان قويت التقوى.
وإذا ضعف الإيمان ضعفت التقوى.
تدبر سورة الحج 10
هل الحياة كلها اختبارات ؟
الحياة اختبار لتقوى الله، ولذلك:﴿يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾
يعني اتقوه من أجل أنكم ستلقونه،ولما تلقونه سترون نتائج تقواكم أو عدم تقواكم، فالعبد
المؤمن يعرف أن الأمر كله بيد الله والله عز وجل يختبر الخلق بما يحصل لهم في الدنيا
من أحداث وأقدار
ما أكثر موضعين يكون العبد فيها قد أسخط
ربه ؟
مساخطه تكون واحد من أمرين:
1- إما لا يصبروا في مواطن الصبر.
2- إما لا يشكروا في مواطن الشكر.
ماذا قال عليه الصلاة والسلام عن الدنيا
؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:(عَجَبًا
لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا
لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ
ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ).
هل هناك أمثلة من الواقع ؟
مثلًا زميلك تقدّم عليك بخطوة واحدة في
الخروج، يساوي أنك حُبست وهو لم يُحبس! لأن هذا رزقك أن تصبر وهو رزقه أن يشكر، وكل
هذا عند الله.
هكذا كل الحياة.. أخوات هذه تُرزق استقرار
أسري وأبناء ومطلوب منها أن تشكر، وهذه لا ترزق استقرار أسري أو ليس عندها أولاد أو
أولادها عاصون لها, ومطلوب منها أن تصبر وهكذا.
ما فائدة الإيمان ؟
إذن إيمانه بالله لابد أن يورثه عملًا صالحًا
ولذلك يقول الله عز وجل:﴿إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾
يعني لا يكفي أن تؤمن أن الله عظيم، أن الله كريم، أن الله كامل الصفات، أننا سنلقى
الله، لا يكفيك إنما لابد بعد هذا أن يخرج العمل الصالح الذي تحت أحد عنوانين(إما
صبر وإما شكر)
تدبر سورة الحج 11
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ
أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ
وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا
وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ
لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم
مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}
﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ يعني هيّأنا ومكّنا لإبراهيم
مكان البيت من أجل بنائه.
ما أهم شيء في البيت الحرام ؟
﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾
الله عز وجل هيّأ لإبراهيم عليه السلام
مكان البيت، وأمره أن يكون هذا البيت طاهر من الشرك: ﴿أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾ لهؤلاء.
بعد البناء , ماذا طلب من إبراهيم عليه
الصلاة والسلام ؟
﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ﴾ إذن الحج دعوة إلى التوحيد؛ لأن الله هيّأ لإبراهيم عليه السلام البيت
وأمره أن لا يشرك في البيت شيء وأن يطهّر من أي صورة من صور الشرك، يعني يبقى على التوحيد،
فالطائفين والقائمين والركع السجود هؤلاء لابد أن تكون أفعالهم كلها لله عز وجل.
ما أهمية التوحيد ؟
التوحيد رسالة الرسل كلهم، بل من أجل هذا
التوحيد خلق الله الخلق وأرسل الرسل وأنزل الكتب وكان سوق الجنة والنار، كل الاختبار
حقيقته على توحيد الله.
وما هي حقيقة التوحيد ؟
والتوحيد في حقيقته هو معرفة يقينية -يعني
علم اليقين– معرفة يقينية بالله يتبعها عمل القلب، يتبعها عمل الجوارح.
يعني عبد يعرف من هو الله فكلّ قلبه يتحرك
لله، فقد حقّق التوحيد،
ما الدليل ؟
السبعون ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب
ما صفتهم؟
صفتهم في الحديث أنهم(هُمُ الَّذِينَ
لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)
هؤلاء حققوا التوحيد , ما معنى حقق التوحيد؟
عرفوا الله معرفة يقينية أوصلته أن لا يكون
فعل من أفعال قلبه ولا التفاتة من التفاتاته إلا لله، فحركات قلبه وأفعال قلبه لله.
تدبر سورة الحج 12
كيف يربي قلبه على الإحسان ؟
يُقبل على أي شيء ويقول الله ينظر إلى قلبي
الآن ماذا أفعل، أصبر هنا، أشكر هنا، ألجأ هنا، أفزع هنا، بحيث أن العبد يبقى في يومه
وليلته مراقبًا لحركة قلبه وعلاقته بربه، فهو تفكيره كله لواحد ولذا هو توحيد، يعني
يصبح العبد واحد في الأرض لواحد في السماء، لا يفكر إلا في رضاه.
هل هذه المسألة تأتي مباشرة ودفعة واحدة
؟
هذه المسألة لا تأتي قفزًا أبدًا، يعني
لا يستطيع الإنسان قفزًا مرة واحدة أن تصبح حياته أو أغلب حياته بهذه الصورة، لكن هذه
المسألة تحتاج من العبد تدريب،
نحتاج ثلاثة أمور مهمة ؟
تحتاج ثلاثة أشياء:
أولًا:
زيادة معايشة لمعرفة الله، يعني عرفت
الله وعرفت أسماؤه وصفاته لابد أن تعايشها معايشة، يعني تعيش أنك في رحمته، تعيش أنك
تطمع في رضاه، تعيش أنه سيجبرك، تعيش أنه سيرزقك، تعيش ولا يصلح أنك تقول كلامًا إنما
لابد أن تعيش، إذن معايشة أسماء الله عز وجل وصفاته وأفعاله.
ثم الأمر الثاني:
المراقبة، مراقبة قلبك،
المراقبة الدائمة للقلب إلى أي جهة يتّجه القلب؛ لأن الغفلة هي أحد أهم أسباب ترك الإنسان
للتوحيد، نكون سائرين لا نريد إلا وجه الله، نبتدئ العمل لا نريد إلا وجه الله، نبتدئ
ونحن نقول لأنفسنا أننا نريد وجه الله وعند أول موقف يلتفت قلبنا لغير الله، عند أول
موقف نجد أنفسنا نفشل في حركة قلوبنا ومراعاتها لغير الله.
ما حدود معاملتنا للناس ؟
تقرّبوا إلى الله بعلاقتكم بالناس، تقرّبوا
إلى الله بإكرام الجيران، تقرّبوا إلى الله بإكرام الضيوف، تقرّبوا إلى الله ببر الوالدين،
يعني الخلق علاقتك بهم قربة إلى الله، لا تتصور أن علاقتك بهم ممنوعة، هي تدخل في التوحيد
ولا تمنعك،
لكن أين الأزمة في الإخلاص ؟
الأزمة هل تتعامل معهم وأنت تراقب قلبك
أنه لله أم لغير الله؟ فطوال حياتك
تعتمد على ربك لا على جوال ولا أبناء ولا
أهل ولا مال ولا أي شيء آخر ، مستعين بالله، تسير ليس لأنك نمت جيدًا أو أنك آكل جيدًا
أو لأنك شاب وأن لك حول وقوة، وإنما تسير على أن الحول والقوة من عند الله.
لا تتحرك على أساس أنك تعرف الطريق إنما
تتحرك على أن الله يهديك، تتحرك على أن الله يحميك، تتحرك على أن الله يحفظك.
وهكذا معايشة الإيمان، معايشة أسماء الله
وصفاته
تدبر سورة الحج 13
كيف تعيش حياتك وأنت مستحضر أسماء الله
وصفاته ؟
معايشة الإيمان، معايشة أسماء الله وصفاته،
الحياة كلها أنك تعيش الأسماء، فهناك لحظات تذوق طعم معاملة الله، يعني الحج أيام قصيرة
لكن معاملات متتالية من الله لخلقه، هنا يحفظهم، وهنا يقويهم، وهنا يسترهم، وهنا يمدهم
بعطية لم تكن على بالهم، هنا يوصلهم، هنا يدبّرهم، فأربعة أيام فيها أحداث متتالية
وأنت أصلًا تتحرك تخرج من هنا وتدخل إلى هنا كلها تجد فيها معاملة الله لابد أن تكون
بصير بهذه المعاملة.
هل لابد أن أعيش بعين البصيرة ؟
عرفت الله وحفظت الأسماء وقرأت القرآن وممكن
تشرح لأحد ما معنى الصمد وما معنى القريب وما معنى المجيب، بعدما عرفت هذا كله تحتاج
تعايشه،
المعايشة، والمعايشة تحتاج عين بصيرة، هنا
ترى هنا آثار حفظه، هنا آثار ستره، هنا أثر أنه قوي متين، هنا أثر أنه جبار، هنا أثر
أنه سبحانه وتعالى قريب مجيب.. وهكذا يعايش الإنسان آثار أسماء الله عز وجل وصفاته
في الحياة بعين البصيرة وليست بعين حافظة، عين حافظة هذه بداية القصة أنك تعرف أسماء
الله لكن هذا لا يكفينا إنما لابد أن نعايشه.
ماذا نحتاج بعد المعايشة ؟
إذا عايشنا نحتاج بعد المعايشة المراقبة،
سنعايش أسماء الله عز وجل وصفاته ونراقب قلوبنا والتفاتاتها، لابد من المراقبة، يعني
كثير من الأحيان نعيش عملية خداع لأنفسنا، نكذب على نفسنا.
مثلًا نذهب نسأل أحد دخل وقت الضحى أو لم
يدخل؟! أنت تعرفين أنه لم يدخل أو تعرفين أنه دخل لماذا تسألين؟! تريدين أن تقولي له
أنا سأصلي الضحى! يعني نلف وندور، هذه الصورة مثل واضح،
وقد أسأل أسئلة أو أتكلم بهذه الطريقة أو
ألمح أو أي شيء من أجل أن يلتفت نظر الناس ، نحن ليس عندنا مشكلة حقيقية إلا الناس!
ماذا يزاحم التوحيد؟!
يزاحمه نفسي والناس، نفسي أريدها أن تصبح
شيء عند الناس، والحقيقة التوحيد أنك تريد أن يكون لك مكان عند الله، هذا الذي يشغلك،
مكانك عند الله، الذي يبحث عن مكانه عند الله ليس مثل الذي يبحث عن مكانه عند الخلق،
الذي يبحث عن مكانه عند الخلق هذا بعيد عن التوحيد، فنحن ماذا يطلب منا؟ المراقبة الدائمة
لقلوبنا.
تدبر سورة الحج 14
كيف يقوى التوحيد بإذن الله ؟
1- كثرة ذكر الله تعالى .
2- يعيش بفكره وقلبه أسماء الله وصفاته
.
3- يراقب التفاتات قلبه لله أو لغير الله
.
أين وصلنا في هذه النقاط الثلاثة ؟
وصلنا عند كثرة ذكر الله، هنا يحتاج الأمر
إلى ذكر بالقلب وذكر باللسان، والحج أحسن مكان لكثرة ذكر الله.
لو سألنا هذا الموحد، من أعطاك؟! ربنا رزقنا
على يد فلان
عند أي طبيبٍ استشفيت؟! الله هو الطبيب
وسخر لي فلان.
وهكذا إلى أن لا تعرف تتكلم بأي قصة إلا
يلازمك في القصة الله أعطانا، الله رزقنا، الله حفظنا، الله جبرنا، الله سترنا، إلى
أن يحفظ من يكلمك من هو الله من كلامك.
سخر لنا الله، لم يتركنا الله، والله لا
يمكن أن يقدر على العبد أقدارًا ولا يدله كيف يسير فيها، فأنت تمجد الله، عبد يمجد
الله، عبد يرى عظمة الله، ليس فقط يرى عظمة الله في نفسه بل من كثرة ما عايش عظمة الله
يصبح لسانه غصب عنه يتكلم عن الله، فالذاكر لله هذا الذكر الحقيقي إنما هو حقًا لله.
إذا أحببت شخصا تكثر من ذكره , أليس كذلك
؟
بلى، فلما العبد يعرف ما معنى أن يحب الله
يبقى لاهجًا بذكره، متكلمًا عنه، يعني مسبح مكبر مهلل، وأكثر من ذلك تجده يمجّد الله
للخلق، تجده لا يجلس مجلسًا إلا يكون مباركًا فيه كما وصف عيسى عليه السلام:﴿وَجَعَلَنِي
مُبَارَكًا﴾ من معانيها أن بركته كانت في دعوته الدائمة للتوحيد فإنه كان يُخبر عن
الله بما يرقق قلوب الخلق لتوحيده.
ما أهم صفة للعبد المبارك ؟
أنه كلما جلس مجلس ربنا سخر لنا، لو راجعنا
تاريخنا نرى كم من ستر الله علينا، كم من عطية لله لنا، وكم ويبقى الإنسان يراجع الحياة
على أنها من آثار رحمة الله، يراجع الحياة على أنها من آثار عطايا الله، يراجع الحياة
على أنها من آثار حفظ الله، فتاريخه الذي مضى، والواقع الذي يعيشه، والمستقبل الذي
ينتظره، كله يظهر فيه آثار صفات الله، إذا كان في المستقبل فهو يرجو من الله، وإن كان
في الماضي فهو يحمد الله، وإن كان في الواقع فهو يرى آثار رحمة الله في كل شيء.
تدبر سورة الحج15
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ
ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن
يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ۖ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا
لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ۚ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73)
ماذا نستفيد ؟
يقول تعالى منبها
على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها:( يا أيها الناس ضرب مثل) أي: لما يعبده
الجاهلون بالله المشركون به،(فاستمعوا له)أي: أنصتوا وتفهموا،(إن الذين تدعون
من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) أي: لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام
والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك. كما قال الإمام أحمد.
هل هناك أدلة من
السنة ؟
عن أبي هريرة رفع
الحديث قال:"ومن أظلم ممن خلق [ خلقا ]كخلقي؟ فليخلقوا مثل خلقي ذرة، أو ذبابة، أو حبة".
وأخرجه صاحبا الصحيح، من طريق عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل:" ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، فليخلقوا
شعيرة ".
ثم قال تعالى أيضا:( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ) أي: هم عاجزون عن خلق ذباب واحد ، بل
أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه، لو سلبها شيئا من الذي عليها من الطيب
، ثم أرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك. هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها
ولهذا [ قال:( ضعف الطالب والمطلوب ) ].
قال ابن عباس: الطالب: الصنم ، والمطلوب: الذباب. تفسير ابن كثير ( 3 , 377 )
لماذا خص الذباب
بالذكر في المثل ؟
وخص الذباب لأربعة
أمور تخصه: لمهانته، وضعفه، ولاستقذاره، وكثرته؛ فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان
وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله- عز وجل - على خلق مثله ودفع أذيته فكيف يجوز
أن يكونوا آلهة معبودين وأربابا مطاعين. وهذا من أقوى حجة وأوضح برهان.
ماذا نستنبط من
الآية السابقة ؟
أهمية ضرب الأمثلة
لتقريب المعنى, وهذا من أعظم وأهم الأساليب في الدعوة إلى الله تعالى.
هذا آخر لقاء في
تدبر سورة الحج. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق