الأحد، 20 سبتمبر 2015

فقه الدعاء



 فقه الدعاء ١
فقه قوة الدعاء
 1- وقال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)} [الأنبياء: 87، 88].
2 - وقال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)} [الأنبياء: 89، 90].
3 - وقال الله تعالى:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء: 83، 84].
4 - وقال الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)} [القمر: 9 - 14].
5 - وقال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } [غافر: 60].
6- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي» متفق عليه

الدعاء: هو العبادة.
والله عزَّ وجلَّ هو الحي القيوم، الملك الذي يملك كل شيء، الغني وما سواه فقير، يعطي ويمنع، ويكرم ويهين، ويحيي ويميت، ويعز ويذل.
وأعظم ما يسأل العبد ربه الهداية إلى الصراط المستقيم.

ولما كان سؤال الله الهداية إلى الصراط المستقيم أجل المطالب، ونيله أشرف المواهب،
علّم الله عزَّ وجلَّ عباده كيفية سؤاله، وأمرهم أن يقدموا بين يديه حمده والثناء عليه، وتمجيده، ثم الإقرار بعبوديتهم وتوحيدهم له
كما قال سبحانه: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)} [الفاتحة: 2 - 6].

فهاتان وسيلتان لحصول مطلوبهم لا يكاد يرد معهما الدعاء:
توسل إلى الرب بأسمائه وصفاته ..
وتوسل إليه بعبوديته.

ثم جاء سؤال أهم المطالب وهو الهداية، فالداعي بذلك حقيق بالإجابة
كما قال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [البقرة: 186].

 والله تبارك وتعالى هو الملك العظيم الحي القيوم، الذي لا ينام ولا ينبغي أن ينام:
يجيب السائلين ..
ويسمع الذاكرين ..
ويغفر للمستغفرين ..
ويتوب على التائبين ..
وسع سمعه جميع المسموعات، ووسع بصره جميع المخلوقات
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَنَامُ وَلا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ، لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ» أخرجه مسلم .

 فقه الدعاء 2
 فقه أنفع الدعاء 
أنفع الدعاء طلب العون على مرضاة الله 
كما قال سبحانه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} [الفاتحة: 5].
عنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ: «يَا مُعَاذُ وَاللهِ إِنِّي لأَُحِبُّكَ وَاللهِ إِنِّي لأَُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ وَأَوْصَى بِذَلِكَ مُعَاذٌ الصُّنَابِحِيَّ وَأَوْصَى بِهِ الصُّنَابِحِيُّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ» أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .

الله سبحانه يسأله من في السموات ومن في الأرض، يسأله أولياؤه وأعداؤه، ويمد هؤلاء وهؤلاء، وأبغض خلقه عدوه إبليس، ومع هذا سأله حاجة وهي الإنظار إلى يوم القيامة فأعطاه إياها ومتعه بها، ولكن لما لم تكن عوناً على مرضاة الله وطاعته كانت زيادة له في شقوته وبعده عن الله.

وهكذا كل من سأل ربه أمراً ولم يكن عوناً على طاعته كان مبعداً له عن مرضاته قاطعاً له عنه ولا بدَّ.
والعطاء والمنع ابتلاء من الله لعباده فلا يدل على الإكرام ولا الإهانة.
وإذا أعطى الله عبده عطاءً بلا سؤال فليسأله أن يجعله عوناً له على طاعته ومرضاته، ولا يجعله قاطعاً عنه، ولا مبعداً عن مرضاته.

والله تبارك وتعالى خالق كل شيء، ومالك كل شيء، وبيده كل شيء.
وسع الخلق كلهم بخلقه وعلمه ورزقه، وفضله ورحمته وإحسانه
كما قال سبحانه: «يَا عِبَادِي! إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا.
يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أهْدِكُمْ.
يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أطْعِمْكُمْ.
يا عِبَادِي! كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أكْسُكُمْ.
يَا عِبَادِي! إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأنَا أغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أغْفِرْ لَكُمْ.
يا عِبَادِي! إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي.
يا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا، عَلَى أتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا.
يا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، كَانُوا عَلَى أفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا.
يا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ  فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبَحْرَ.
يا عِبَادِي! إِنَّمَا هِيَ أعْمَالُكُمْ أحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلا نَفْسَهُ» أخرجه مسلم.
موسوعة فقه القلوب 


 فقه الدعاء 3
 فقه تحريم الاعتداء في الدعاء 
قد أمر الله عباده أن يسألوه كل شيء من خيري الدنيا والآخرة، فهو الغني الذي خزائنه مملوءة بكل شيء، ولا ينقص عطاؤه مما في خزائنه مثقال ذرة: 
{سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [يونس: 68].

والاعتداء في الدعاء محرم لا يجوز كما قال سبحانه:
 {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } [الأعراف: 55].

والاعتداء في الدعاء له صور:
كأن يسأل العبد ما لا يجوز له سؤاله من المعونة على المحرمات.
أو يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء والمرسلين.

أو يسأل ما أخبر الله أنه لا يفعله لمنافاته الحكمة كأن يسأل ربه تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يطلعه على الغيب، أو يهب له ولداً من غير نكاح، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء لا يحبه الله، ولا يحب سائله.

ومن الاعتداء رفع الصوت بالدعاء، وأن يعبد الله بما لم يشرعه، أو يثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه، أو يدعوه غير متضرع إليه.

ومن الاعتداء أن يدعو مع الله غيره، فهذا أعظم المعتدين عدواناً، فإن أعظم العدوان ◀️الظلم والشرك، وهو وضع العبادة في غير موضعها.

ومن دعا الله أجابه،وليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضياً عنه، ولا محباً له، ولا راضياً بفعله.
فالله سبحانه يجيب البر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمطيع والعاصي.

وكثير من الناس يدعو دعاء يعتدي فيه، أو يشترط في دعائه، أو يكون مما لا يجوز أن يسأل، فيحصل له ذلك أو بعضه فيظن أن عمله صالح مرضي لله، ويكون بمنزلة من أملي له، وأمد بالمال والبنين، وهو يظن أن الله يسارع له في الخيرات كما قال سبحانه:
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56)} [المؤمنون: 55، 56].

فلا يغتر العبد بما يعطى من الأموال والبنين وهو معرض عن ربه، منهمك في معاصيه،
 فذلك استدراج، به هلاكه وخسارته: 
{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44)} [الأنعام: 44].
 موسوعة فقه القلوب


 فقه الدعاء 4
فقه مكائد الشيطان وموانع الدعاء
الدعاء له حالتان:
1 إما أن يكون عبادة يثاب عليه الداعي كسؤال الله الإعانة والمغفرة ونحوهما، 
2 أو يكون مسألة تقضى به حاجته، ويكون مضرة عليه، إما أن يعاقب بما يحصل له، أو تنقص به درجته، فيقضي حاجته، ويعاقبه على ما جرأ عليه من إضاعة حقوقه سبحانه، وتجاوز حدوده.

والشيطان له تلطف في الدعوة، فيدعو الناس إلى الدعاء
 عند قبور الصالحين، فيدعو العبد ربه عند القبر بحرقة وانكسار وذلة،فيجيب الله دعوته لما قام بقلبه، لا لأجل القبر.

فإنه لو دعا الله في الخمارة والحمام والسوق أجابه، فيظن الجاهل أن للقبر تأثيراً في إجابة تلك الدعوة، والله سبحانه يجيب دعوة المضطر ولو كان كافراً.

فالشيطان بلطف كيده يحسن الدعاء عند القبر، وأنه أرجح منه في بيته ومسجده وأوقات الأسحار،
 ثم ينقل الإنسان من الدعاء عنده إلى الدعاء به، والإقسام على الله به، وأن هذا أبلغ في تعظيمه واحترامه، وأنجح في قضاء حاجته.

ثم ينقله إلى أعلى من ذلك، وهو دعاء الميت نفسه من دون الله، ثم ينقله إلى درجة أعلى فيتخذه وثناً يعكف عليه، 

ويتخذ عليه السرج، ويوقد عليه القناديل، ويبنى عليه المسجد، ويعلق عليه الستور، ويعبده بالسجود له، والطواف به، وتقبيله أو استلامه، والحج إليه، والذبح عنده.

ثم ينقله إلى درجة أخرى أشد، وهي دعاء الناس إلى عبادة هذا الوثن من دون الله، واتخاذه عيداً ومنسكاً، وأن ذلك أنفع لهم في دنياهم وأخراهم، ثم ينقله إلى درجة أخرى، وهي محاربة ومعاداة من أنكر ذلك الشرك والكفر، وإثارة الناس والطغاة عليه.

ولشدة خطر الشيطان، وعظمة كيده ومكره، فقد حذر الله المؤمنين منه بقوله سبحانه: 
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يزَكِّي مَنْ يَشَاءُ 
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
 [النور: 21].

وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن،فليحذر العبد هذا العدو المبين الماكر.

ويمنع إجابة الدعاء أمور منها:
▪️أكل الحرام ..
▫️الاعتداء في الدعاء ..
▪️ غفلة القلب .. 
▫️وضعف اليقين .. 
▪️واللبس الحرام .. 
▫️وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. 
▪️والظلم.

فإذا دعونا دعاء الأنبياء، وكانت حياتنا حياة أعداء الأنبياء، أو جهدنا جهد أعداء الأنبياء، فأنى يُستجاب لنا أو يُقبل دعاؤنا؟.

وأفضل الدعاء وأعظمه وأحسنه طلب الهداية من الله، ولذلك شرع الله لنا تكرار طلبه في كل صلاة عدة مرات كما قال سبحانه: 
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6].

وأفضل الدعاء دعاء الأنبياء والرسل، وكله ليس فيه طلب لعرض من أعراض هذه الأرض، إنه دعاء يتجه إلى آفاق أعلى، تحركه مشاعر أصفى، لطلب العلم النافع، والعمل الصالح، والفوز بالجنة والرضوان.

إنه دعاء القلب الذي عرف الله وعرف ما عنده فأصبح يحتقر ما عداه كما قال إبراهيم - صلى الله عليه وسلم -: 
{رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} [الشعراء: 83 - 89].

وفي مقام آخر: 
{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)} [البقرة: 127، 128].




 فقه الدعاء 5
فقه الافتقار ومراتب السؤال 
الله تبارك وتعالى خلق الناس فقراء كما قال سبحانه: 
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر: 15].
فالخلق كلهم فقراء إلى الله من جميع الوجوه:
فقراء إلى الله في خلقهم، فلولا خلقه لهم لم يوجدوا.
فقراء إلى الله في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح.
فقراء إلى الله في إمدادهم بالأقوات والأرزاق، والنعم الظاهرة والباطنة.
فقراء إلى الله في جلب المنافع لهم، وصرف النقم والمكاره عنهم.
فقراء إلى الله في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم.
فقراء إلى الله في تألههم لله، وحبهم له، وعبادتهم إياه.
وقد أمرنا الله عزَّ وجلَّ بسؤاله تارة .. وبسؤال أهل الذكر تارة.
فنسأل الله الهداية،
 وكل ما نحتاجه من خيري الدنيا والآخرة كما قال سبحانه:
 {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60].

ونسأل العلماء وأهل الذكر عما اختصهم الله به،
 وأئتمنهم عليه من أحكام الدين ومسائله في شعب الحياة كلها كما قال سبحانه:
 {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

وقد علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف نسأل الله، وبين كيفية السؤال.
فتارة يكون بصيغة الطلب كما قال - صلى الله عليه وسلم -:
 «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» أخرجه الترمذي وابن ماجه .
وتارة يسأل بصيغة الخبر:
إما بوصف حاله كما قال موسى - صلى الله عليه وسلم -: 
{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [القصص: 16].
وإما بوصف حال المسؤول سبحانه، كما قال موسى - صلى الله عليه وسلم -: 
{أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَاوَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ } [الأعراف: 155].

وتارة بوصف حال الداعي والمدعو سبحانه، كدعوة ذي النون: 
{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء: 87].
موسوعة فقه القلوب 



 فقه الدعاء 6
فقه أحوال الناس في الدعاء وأسباب اﻹجابة
الله سبحانه محمود على كل حال
 فكل عطاء منه فضل، 
وكل عقوبة منه عدل،
 ومن تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة، 
والله أرحم بالعباد من الوالدة بولدها.

فإذا دعاه العبد ولم يستجب له 
فذلك لتفريط العبد وعدوانه، 
بأن لا يكون العمل الذي عمله صالحاً،
 أو يكون له من السيئات ما يؤخر الإجابة.

والعبد ظالم جاهل عجول، يعتقد أنه قد أتى بما يستوجب كمال التقريب، ◀️ولعل الذي أتى به إنما يستوجب اللعنة والغضب والحرمان، 
فهو بمنزلة من معه نقد مغشوش فجاء ليشتري متاعاً فلم يبيعوه، 

فظن أنهم ظلموه وهو الظالم، والله يقول:
{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } [المائدة: 27].

والناس في تحصيل مرادهم بالأسباب والدعاء أربعة أقسام:
الأول: 
من فعل الأسباب التي نصبها الله مفضية إلى المطلوب، وسأل سؤال من لم يدل بسبب أصلاً، بل سؤال بائس ليس له حيلة ولا وسيلة، فهذا أعلم الخلق وأحزمهم وأفضلهم.
الثاني: 
من لم يفعل السبب، ولم يسأل ربه،
فهذا أعجز الخلق وأمهنهم.
الثالث: 
من فعل الأسباب، وصرف همته إليها، وقصر نظره عليها، 
فهذا وإن كان له حظ مما رتبه الله عليها، لكنه منقوص، ولا يحصل له ما يريد إلا بجهد، فإذا حصل فهو سريع الزوال.
الرابع:
 من نبذ الأسباب وراء ظهره ، وأقبل على الطلب والدعاء، 
فهذا يحمد في موضع، 
ويذم في موضع، 
ويشينه الأمر في موضع.
▪️فيحمد إذا كانت الأسباب غير مأمور بها .. 
▪️ويذم إذا كانت الأسباب مأموراً بها .. كمن جهده العطش وعنده الماء فيتركه ويقبل على الدعاء، ويسأل الله أن يرويه .. 
▪️ويشينه الأمر في الأسباب التي لا يتبين له عواقبها.

والدعاء بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه لا بحده فقط، 
▪️فمتى كان السلاح تاماً لا آفة به، 
▪️والساعد قوياً، 
▪️والمانع مفقوداً، 
حصلت به النكاية في العدو،
 ومتى تخلف واحد من الثلاثة تخلف الأثر.

وأسباب إجابة الدعاء كثيرة أهمها:
الإخلاص لله عزَّ وجلَّ .. وأن يبدأ بحمد الله تعالى ..ثم الصلاة على النبي ﷺ أول الدعاء وآخره .. وحضور القلب أثناء الدعاء ..وخفض الصوت بالدعاء ..والاعتراف بالذنب ..والاستغفار منه .. والاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها ..والإلحاح في الدعاء .. وتكريره ثلاثاً .. وعدم استبطاء الإجابة .. والجزم في الدعاء مع اليقين بالإجابة .. وعدم الاعتداء في الدعاء، وأن لا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم.

ومنها: أن يكون مطعمه ومشربه وملبسه حلال .. ولزوم التضرع والخشوع .. والطهارة من الحدث والخبث ..ورفع اليدين إلى المنكبين وبطونهما نحو السماء، وإن شاء قنع بهما وجهه وظهورهما نحو القبلة ..واستقبال القبلة أثناء الدعاء ..والدعاء في الرخاء والشدة .. والدعاء بالأدعية التي هي مظنة الإجابة كما ثبت.

فهذه ثلاثون سبباً 
لا بدَّ من العلم بها،والعمل بمقتضاها؛ ليتم حصول المطلوب للعبد عند سؤاله لربه، وقد جعل الله لكل شيء سبباً.

 فقه الدعاء 7
فقه قوة الدعاء وثمراته
الدعاء من أقوى الأسباب في حصول المطلوب، ودفع المكروه، ولكن قد يتخلف عنه أثره لأسباب:
إما لضعفه في نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان.
وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله تعالى وقت الدعاء.
وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام، والاستعجال، وتراكم الذنوب على القلب، والغفلة ونحو ذلك.
والدعاء من أنفع الأدوية،وهو عدو البلاء يمنع نزوله، ويرفعه إذا نزل أو يخففه.

وللدعاء مع البلاء ثلاث حالات:
♦️الأولى:
 أن يكون الدعاء أقوى من البلاء◀️ فيدفعه ويدمغه.
♦️الثانية:
 أن يكون الدعاء أضعف من البلاء،◀️ فيقوى عليه البلاء.
♦️الثالثة: 
أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه.

والله سبحانه هو الغني لذاته، الكريم لذاته، له الجود كله، يحب أن يسأل ويطلب منه ويرغب إليه، فخلق من يسأله، وألهمه سؤاله، وخلق له ما يسأله إياه.

فهو سبحانه خالق السائل وسؤاله ومسئوله،
 وذلك كله لمحبته سؤال عباده له، ورغبتهم إليه، وطلبهم منه.

فأحب خلقه إليه وأفضلهم عنده أكثرهم سؤالاً له، وهو سبحانه يحب الملحين في الدعاء، 
وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه، وأعطاه من خيري الدنيا والآخرة.

فكم سائل لله في العالم العلوي والسفلي؟ .. 
وكم من سؤال سئل؟ .. 
وكم من دعوة أجابها؟ .. 
وكم عثرة أقالها؟ .. 
وكم من رحمة أنزلها؟ .. 
وكم من كربة كشفها؟ .. 
وكم من جبار قصمه؟ .. 
وكم من ذليل أعزه؟ .. 
وكم من مريض شفاه؟ .. 
وكم من جاهل علمه؟ .. 
وكم من فقير أغناه؟ .. 
وكم من سائل أعطاه؟ .. 
وكم من ضال هداه؟.

فسبحانه ما أعظمه، وسبحانه ما أكرمه: 
{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29].

وسبحانه ما أوسع رزقه: 
«يَا عِبَادِي! لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَألُونِي، فَأعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْألَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أدْخِلَ الْبَحْرَ» أخرجه مسلم 

فما أعظم جناية وعقوبة من كفر بالله، وأعرض عن دينه وشرعه، وحارب رسله وأولياءه، وما أشد ظلمهم، فماذا ينتظر هؤلاء من عذاب الله؟ وماذا أعد الله لهم من العذاب الأليم؟.
{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)} [الكهف: 29].
وقال سبحانه:
 {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)} [النساء: 56].

فهل ذلك خير أم جنة الخلد التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر:
 {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)} [الفرقان: 15، 16].

لهم فيها ما يشاؤون من المطاعم المتنوعة .. والمشارب اللذيذة .. والملابس الفاخرة ..
 والنساء الجميلة .. والقصور العالية ..والحلي الجميلة .. والمساكن الواسعة ..واللحوم اللذيذة .. والفواكه التي تسر ناظريها وآكليها .. وسرر مرفوعة .. وأكواب موضوعة .. ونمارق مصفوفة .. وزرابي مبثوثة:
 {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)} [البقرة: 25].

والأنهار تجري أمامهم في رياض الجنة، أنهار من ماء غير آسن .. 
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه .. 
وأنهار من خمر لذة للشاربين .. 
وأنهار من عسل مصفى ..
 وروائح طيبة .. ومساكن مزخرفة .. 
وأصوات شجية تأخذ القلوب والألباب .. وأمن ونعيم وخلد.

وفوق ذلك كله التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم، وسماع كلامه، والحظوة بقربه،
 والسعادة برضاه.

 موسوعة فقه القلوب 
 نسأل الله من فضله 
بارك الله لكم في رمضان وجعلكم من الصوام القوام  
وممن وفقه الله لقيام ليلة القدر فغفر له ما تقدم من الذنب





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق