الخميس، 10 سبتمبر 2015

صفة الحج (1)



صفة الحج ١
شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم
للعلامة ابن عثيمين رحمه الله

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله تعالى حق جهاده، فصلى الله عليه وسلام، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد:
فإن من شروط العبادة
 الإخلاص لله
 والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم
وهما الركنان الأساسيان في كل عبادة

فلا تقبل عبادة بشرك
ولا تقبل عبادة ببدعة

فالشرك ينافي الإخلاص
والبدعة تنافي الإتباع
ولا تتحقق المتابعة
إلا بمعرفة الصفة والكيفية التي أدى النبي صلى الله عليه وسلم العبادة عليها
ومن ثم احتاج العلماء رحمهم الله إلى بيان صفات العبادات فبينوا صفة الوضوء وصفة الصلاة وصفة الزكاة وصفة الصيام وصفة الحج وغير ذلك
حتى يعبد الناس الله عز وجل على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

   فحديث جابر رضي الله عنه الطويل المشهور في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله بعض العلماء عمدة صفة الحج وجعله منسكا (1) كاملا لأن جابرا رضي الله عنه ضبط حج الرسول صلى الله عليه وسلم من أوله إلى آخره.
فذكر رضي الله عنه :

  قال جابر رضي الله عنه: « إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم ويعمل مثل عمله فخرجنا معه ».
 وقوله: « حتى أتينا ذا الحليفة فولدت أسماء »
وذو الحليفة ميقات أهل المدينة وتعرف الآن بأبيار
وسمي بذي الحليفة لكثرة هذا الشجر فيه وهي شجرة الحَلْفَاءِ وهي معروفة.
وقوله:« فولدت أسماء بنت عميس » وهي زوجة أبي بكر رضي الله عنه ولدت محمد بن أبي بكر
 فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف تصنع فقال لها: « اغتسلي واستثفري بثوب وأحرمي » فأمرها بالاغتسال للإحرام وليس لرفع الحدث لأن الحدث لازال باقيا وأمرها أن تستثفر بثوب يعني تتعصب به وتشد عليها ثوبا حتى لا يخرج شيء من هذا الدم.
 وقوله: « وأحرمي » وأطلق لها الإحرام

  وقد أحرم الناس من ذي الحليفة على وجوه ثلاثة
 منهم من أحرم بالحج
ومنهم من أحرم بالعمرة
 ومنهم من أحرم بالحج والعمرة.
 وقوله: « وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد » يعني مسجد ذي الحليفة.
 وقوله: « ثم ركب القصواء » هو لقب ناقته
وقوله: « حتى إذا استوت به على البيداء »
يعني علت به على البيداء. والبيداء جبل صغير طرف ذي الحليفة.
 وقوله: « نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش وعن يمينه مثل ذلك وعن يساره مثل ذلك ومن خلفه مثل ذلك »
 أي أنهم كثير وقد قدروا بنحو مائة ألف الذين حجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعني لم يبق من الصحابة رضي الله عنهم إلا أربعة وعشرون ألفا وإلا فكلهم حجوا معه لأنه أعلن عليه الصلاة والسلام للناس أنه سيحج فقدم الناس كلهم
من أجل أن ينظروا إلى حج النبي صلى الله عليه وسلم ويقتدوا به.

 وقوله:« ثم أهل بالتوحيد »
 أي رفع صوته بالتوحيد قائلا:
« لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك »
 رفع صوته بهذه الكلمات العظيمة التي سـماها جابررضي الله عنه توحيداً لأنـها تضمنت التوحيد والإخلاص.
ولبيك كلمة إجابة وتحمل معنى الإقامة الإجابة لله والإقامة على طاعته
ولهذا فسرها بعضهم بقوله: لبيك أي أنا مجيب لك مقيم على طاعتك

 فإذا قال قائل: أين النداء من الله حتى يلبيه المحرم ؟
 قلنا: هو قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً((9) أي أعلم الناس بالحج أو ناد فيهم بالحج و ) يَأْتُوكَ رِجَالاً..... 
والتثنية في التلبية المقصود بها إجابة بعد إجابة وإقامة بعد إقامة

وقوله: « اللهم » معناها: يا الله لكن حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وجعلت الميم أخيرا ولم تكن في مكان الياء تبركا بذكر اسم الله ابتداءً وعوض عنها الميم لأن الميم أدل على الجمع.
فكأن الداعي جمع قلبه على ربه عز وجل لأنه يقول يا الله.
 قوله: « لبيك » الثانية من باب التوكيد اللفظي فيكرر ويؤكد أنه مجيب لربه مقيم على طاعته: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ، لأنك تجيب الله عز وجل
وكلما أجبته ازددت إيماناً به وشوقاً إليه فكان التكرير مقتضى الحكمة
 ولهذا ينبغي لك أن تستشعر - وأنت تقول: لبيك - نداء الله عز وجل لك وإجابتك إياه لا مجرد كلمات تقال.
 وقوله « لا شريك لك » أي: لا شريك لك في كل شيء وليس في التلبية فقط لأنه أعم ،
أي: لا شريك لك في ملكك
ولا شريك لك في ألوهيتك
ولا شريك لك في أسمائك وصفاتك ولا شريك لك في كل ما يختص بك.
ومنها إجابتي هذه الإجابة فأنا مخلص لك فيها،



 صفة الحج ١
ما حججت رياءً ولا سمعة ولا للمال ولا لغير ذلك إنما حججت لك ولبَّيت لك فقط.
وقوله « إن الحمد والنعمة لك » يقال: بكسر همزة إن وبفتحها والكسر أولى من الفتح لأنها تكون تلبية مطلقة بكل حال ، ولو قلت أن الحمد لك بالفتح لكان جائزاً.
 و الحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيماً ، ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله عز وجل.
 وأل في الحمد للاستغراق ، أي: جميع أنواع المحامد لله وحده ، المحامد على جلب النفع وعلى دفع الضرر ، وعلى حصول الخير الخاص والعام ، كلها لله على الكمال كله.
 وقوله: « النعمة » أي الإنعام ، فالنعمة لله.
وقوله: « النعمة لك » كيف تتعدى باللام ؟ مع أن الظاهر أن يقال: النعمة منك ؟
الجواب: النعمة لك يعني التفضل لك فأنت صاحب الفضل.
 وقوله: « والملك لا شريك لك » الملك شامل لملك الأعيان وتدبيرها وهذا تأكيد بأن الحمد والنعمة لله لا شريك له
فإذا تأملت هذه الكلمات وما تشتمل عليه من المعاني الجليلة وجدتها أنها تشتمل على جميع أنواع التوحيد وأن الأمر كما قال جابر رضي الله عنه « أهلَّ بالتوحيد ». والصحابة رضي الله عنهم أعلم الناس بالتوحيد. 
  فقد تضمنت توحيد الألوهيه و توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات.
 ومن أين نعرف أنه بلا تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل؟
الجواب: من قوله « لا شريك لك » لأن التمثيل شرك والتعطيل شرك .
 ومع الأسف أنك تسمع بعض الناس في الحج أو العمرة يقولها وكأنها أنشودة ، لا يأتون بالمعنى المناسب تقول: ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ).
لكنهم يقفون على ( إن الحمد والنعمة لك ) ثم يقولون: ( والملك لا شريك لك ). 
مسألة: فهل لنا أن نزيد على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من التلبية التي رواها جابر رضي الله عنه ؟
نقول: نعم فقد روى الإمام أحمد في المسند: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: « لبيك إله الحق » (13) و « إله الحق »
 أي: لبيك أنت الإله الحق.
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يزيد:« لبيك وسعديك، والخير في يديك، والرغباء إليك والعمل »(14).
 فلو زاد الإنسان مثل هذه الكلمات فلا بأس ، اقتداء بعبدالله بن عمر رضي الله عنهما ،
لكن الأولى ملازمة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
  وهل لهم أن يكبروا بدل التلبية إذا كان في وقت التكبير كعشر ذي الحجة ؟
الجواب: نعم، لقول أنس رضي الله عنه « حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم منا المكبر ومنا المهل » (15) وهذا يدل على أنهم ليسوا يلبون التلبية الجماعية ولو كانوا يلبون التلبية الجماعية لكانوا كلهم مهلين أو مكبرين لكن بعضهم يكبر ، وبعضهم يهل ، وكل يذكر ربه على حسب حاله.
مسألة: قال العلماء رحمهم الله: وينبغي أن يذكر نسكه في التلبية ، فإذا كان في العمرة يقول: لبيك اللهم عمرة ، وفي الحج: لبيك اللهم حجاً ، وفي القران: لبيك اللهم عمرة وحجاً.

 صفة الحج ٢
شرح حديث جابر رضى الله عنه للشيخ ابن عثيمين :
ثم قال جابر رضي الله عنه :
« حتى إذا أتينا البيت » يعني الكعبة.
وقوله: « استلم الركن » أي الحجر الأسود. وأطلق عليه اسم الركن لأنه في الركن، والاستلام 
قال العلماء رحمهم الله أن يمسحه بيده وليس أن يضع يده عليه لأن الوضع ليس فيه استلام بل لابد من المسح، والمسح يكون باليد اليمنى لأن اليد اليمنى تقدم للإكرام والتعظيم.
وهل يقبله ؟ 
نقول: نعم لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبله(16)
لكن يقبله محبةً لله عز وجل وتعظيماً له لا محبةً للحجر لكونه حجراً ولا يتبرك به أيضاً كما يصنعه بعض الجهال فيمسح يده بالحجر الأسود ثم يمسح بها بدنه أو يمسح صبيانه الصغار تبركاً به فإن هذا من البدع.
ولهذا لما قبّل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحجر الأسود قال: « إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك »(17)
 فأفاد رضي الله عنه بهذا أنه مجرد تعبد واتباع للرسول صلى الله عليه وسلم.
 إذاً فتقبيلنا للحجر الأسود هو محبةٌ لله عز وجل وتعظيمٌ له ومحبة للقرب منه سبحانه وتعالى.
فإن شق الاستلام والتقبيل فإنه يستلمه بيده ويقبل يده(18).
وهذا بعد استلامه ومسحه لا أنه يقبل يده بدون مسح وبدون استلام فإن شق اللمس أشار إليه(19). وإذا أشار إلـيه فإنه لا يقبل يده.
كل هذه الصفات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي مرتبة حسب الأسهل.
فأعلاها
استلام اليد وتقبيل الحجر
ثم استلام باليد مع تقبيلها،
ثم استلام بعصاً ونحوه مع تقبيله إن لم يكن فيه أذية،
والسنة إنما وردت في هذا للراكب فيما نعلم ثم إشارة.
فالمراتب صارت أربعاً تفعل أولاً فأول بلا أذية ولا مشقة.

مسألة: كيفية الإشارة ؟
هل الإشارة كما يفعل العامة أن تشير إليه كأنما تشير في الصلاة أي: ترفع اليدين قائلاً الله أكبر ؟ الجواب: لا بل الإشارة باليد اليمنى. كما أن المسح يكون باليد اليمنى.
ولكن هل تشير وأنت ماشٍ والحجر على يسارك، أم تستقبله ؟
الجواب: روي عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له
« إنك رجل قوي فلا تزاحم فتؤذي الضعيف إن وجدت فرجة فاستلم وإلا فاستقبله وهلل وكبر»(20)
قال: « وإلا فاستقبله » فالظاهر: أنه عند الإشارة يستقبله ولأن هذه الإشارة تقوم مقام الاستلام والتقبيل والاستلام والتقبيل يكون الإنسان مستقبلاً له بالضرورة لكن إن شق أيضاً مع كثرة الزحام فلا حرج أن يشير وهو ماشٍ.
ويقول عند محاذاته ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه عند ابتداء الطواف « بسم الله والله أكبر »(21) « اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم »(22) كما كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول ذلك.
أما في الأشواط الأخرى فإنه يكبر كلما حاذى الحجر اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم (23).
 وأما الركن اليماني فيستلمه بلا تقبيل ولا تكبير ولا إشارة إليه عند التعذر. لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلموعلى هذا فلا يسن التكبير عند استلامه.
مسألة: وهل يستلمهما في آخر شوط ؟
الجواب: يستلم الركن اليماني ولا يستلم الحجر الأسود لأنه إذا مر بالركن اليماني مر وهو في طوافه. وإذا انتهى إلى الحجر الأسود انتهى طوافه

مسألة: ماذا يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود ؟
الجواب: يقول « ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ».
قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: ( والمناسبة في ذلك أن هذا الجانب من الكعبة هو آخر الشوط وكان النبي صلى الله عليه وسلم يختم دعاءه غالبا بهذا الدعاء ).
وأما الزيادة « وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عزيز يا غفار » فهذه لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي للإنسان أن يتخذها تعبداً لله لكن لو دعا بها لم ينكر عليه لأن هذا محل دعاء.
ولكن كونه يجعله مربوطا بهذه الجملة ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ) غير صحي
وقوله: « فرمل ثلاثاً ومشى أربعاً » قال العلماء رحمهم الله: الرمل هو سرعة المشي مع مقاربة الخطا.
 وليس الرمل هو هز الكتفين كما يفعله الجهال.
« ثلاثاً » أي: ثلاثة أشواط « ومشى أربعاً » يعني أربعة أشواط مشى على عادته بدون إسراع.
ويسن له الإضطباع في الطواف وهو : أن يجعل وسط ردائه تحت عاتقه الأيمن، وطرفيه على عاتقه الأيسر والحكمة من ذلك: الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم(25) وإظهار القوة والنشاط إذ هو أنشط للإنسان مما لو التحف والتف بردائه.
مسألة: وهل الإضطباع مثل الرمل يكون في الأشواط الثلاثة أو يكون في جميع الأشواط ؟
الجواب: نقول يكون في جميع الأشواط.
وقوله « ثم نفذ إلى مقام إبراهيم }.
ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام يرقى عليه لما ارتفع جدار الكعبة.

وقوله:  فقرأ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى }


صفة الحج ٢
قرأ ذلك في حال نفوذه إشارة إلى أنه إنما فعل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى في قوله{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى ((26)
 وهذا أمر مطلوب منا عندما نفعل العبادات أن نستشعر بأننا نقوم بها امتثالا لأمر الله تعالى لأن شعور الإنسان عندما يفعل العبادة بأنه يفعلها امتثالا لأمر الله تعالى فإن هذا مما يزيد في إيمانه ويجد لها لذة وهذه هي نية المعمول له. بخلاف الذي يفعل العبادة وهو غافل عن هذا المعنى فإن العبادة تكون كالعادة،.
وقوله « فجعل المقام بينه وبين البيت » المقام أي مقام إبراهيم جعله بينه وبين الكعبة.
ومقام إبراهيم جعل الله فيه آية وهي أثر قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام
وقوله: « فصلى » يعني ركعتين. واعلم أن المشروع في هاتين الركعتين التخفيف وأن يقرأ فيهما بـ ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ( و ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (وأنه ليس قبلهما دعاء وليس بعدهما دعاء.
والحكمة من تخفيفهما أن تفسح المجال لمن هو أحق منك فالناس ينتهون من الطواف أرسالاً فإذا انتهى الطائفون وأنت حاجز هذا المكان تطيل الصلاة فمعناه أنك حجزت مكاناً لمن هو أحق منك فلا تطل الصلاة واختار أن يقرأ بعد الفاتحة بسورتي الكافرون و الإخلاص ) قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ( و ) قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ
 والحكمة في قراءة هاتين السورتين أن فيهما التوحيد كله بنوعيه التوحيد الخبري والتوحيد الطلبي العملي فالتوحيد الخبري في قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } والعملي الطلبي في {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}
وهل للمقام دعاء ؟
الجواب: ليس للمقام دعاء ولا دعاء قبل الركعتين ولا بعدهما ولكن المشكلة أن مثل هذه البدع صارت كأنها قضايا مسلمة مشروعة حتى إن الحاج ليرى أن حجه ناقص إذا لم يفعل هذا وكل هذا بسبب تقصير العلماء أو قصورهم وإلا فمن الممكن أن يعطى هؤلاء الحجاج مناسك من بلادهم توجههم للطريق الصحيح.
وقوله: « ثم رجع إلى الركن فاستلمه » يعني استلم الحجر الأسود ولم يقبله ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه وعلى هذا فيكون هنا استلام بلا تقبيل ولا إشارة إليه عند التعذر.


صفة الحج ٣
شرح حديث جابر رضي الله عنه 
وقوله: « ثم خرج من الباب إلى الصفا » يعني بعد أن صلى الركعتين خلف المقام رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من الباب أي من باب المسجد إلى الصفا.
وقوله: « فلما دنا من الصفا » يعني قرب منه.
  ٍِ{قرأ} إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ( أبدأ بما بدأ الله به ».
وفائدة هذه القراءة إشعار نفسه بأنه إنما اتجه إلى السعي امتثالاً لما أرشد الله إليه في قوله:إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ((30" وليعلم الناس أنهم إنما يسعون بين الصفا والمروة من أجل أنهما من شعائر الله ،
 وليعلم الناس أيضا أنه ينبغي للإنسان إذا فعل عبادة أن يشعر نفسه أنه يفعلها طاعة لله عز وجل فإذا استشعر الإنسان عند فعل العبادة أنه يفعلها امتثالا لأمر الله فإنه يجد لها لذةً وأثراً طيباً.
وقوله "مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ " الشعائر جمع شعيرة وهي النسك أو العبادة المتميزة عن غيرها بتعظيم الله عز وجل.
وقوله: « أبدأ بما بدأ الله به » لأن الله بدأ بالصفا فقال:" إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ " وفيه إشارة إلى أن الله إذا بدأ بشيء كان دليلاً على أنه مقدم إلا بدليل.
وقوله: « فرقي الصفا » أي: عليه وهذا الرقي ليس بواجب وإنما هو سنة
 وحد الواجب الآن هو حد هذه الأسياخ التي جعلوها للعربات وعلى هذا فلا يجب أن يصعد ويتقدم ولا سيما في أيام الزحام.

وقوله: « حتى رأى البيت » أي: الكعبة « فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ».
وقوله: « وحد الله » أي: نطق بتوحيده ولعله قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير الله أكبر. ).
وقوله: « وكبره وقال لا إله إلا الله » 👈وردت السنة بأنه يكبر ثلاث تكبيرات ولكنه ليس كتكبير الجنازة كما يتوهم بعض العامة حيث يقول الله أكبر بيديه يشير بها كما يشير بها في الصلاة هذا خطأ.
 لكن يرفع يديه ويكبر ثلاثاً ويقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
 لا إله إلا الله وحده أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده.
وقوله: « وحده لا شريك له »
 والله سبحانه وتعالى مالك لكل ما في السموات والأرض
مالك للتصرف فيهما لا شريك له في ملكه ولا في تدبيره.
وقوله: « وله الحمد » يعني أنه يحمد على كمال صفاته وعلى كمال إنعامه و إحسانه وكذلك على كمال تصرفه وأفعاله..
وقوله: « وهو على كل شيء قدير » كل شيء فالله تعالى قادر عليه إن كان موجوداً فهو قادر على إعدامه وتغييره وإن كان معدوماً فهو قادر على إيجاده.
وقوله: « لا إله إلا الله وحده » كرر ذلك لأن باب التوحيد أمر مهم ينبغي تكراره ليثبت ذلك في قلبه وهو مع ذلك يؤجر عليه.

وقوله: « أنجز وعده » يعني: بنصر المؤمنين فأنجز للرسول صلى الله عليه وسلم ما وعده قال الله تعالى " لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ((34).
وقوله: « ونصر عبده » هذا اسم جنس يشمل كل عبد من عباد الله قائم بأمر الله فإنه منصور قال الله تعالى " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ((35).
وقوله: « وهزم الأحزاب وحده » الأحزاب جمع حزب وهم الطوائف الذين تحزبوا على الباطل وتجمعوا عليه " يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ((36.
فهزمهم الله وحده ومثال على ذلك قصة الأحزاب الذين تجمعوا لحرب النبي صلى الله عليه وسلم وحاصروه في المدينة وهم نحو عشرة آلاف نفر ومع ذلك هزمهم الله وحده
وقوله: « ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات »
يعني قال هذا الذكر ثم يدعو
ثم يقوله مرة أخرى ثم يدعو
ثم يقوله مرة ثالثة ثم ينزل لأنه قال: « ثم دعا بين ذلك » والبينية تقتضي أن يكون محاطاً بالذكر من الجانبين فيكون الدعاء مرتين والذكر ثلاث مرات.
وقوله: « ثم نزل إلى المروة » أي مشى إلى المروة متجهاً إليها.
والمروة هي الجبل المعروف

وقوله: « حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى » بطن الوادي هو مجرى السيل ومكانه ما بين العلمين الأخضرين الآن وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مسيل المياه النازلة من الجبال.
وقوله: « سعى » أي: ركض ركضاً شديداً حتى إن إزاره لتدور به من شدة السعي.
وقوله: « حتى إذا صعدتا » يعني ارتفع عن بطن الوادي « مشى حتى أتى المروة » وإنما فعل ذلك اقتداءً بأم إسماعيل رضي الله عنها
وقوله: « ففعل على المروة كما فعل على الصفا » لم يذكر جابر رضي الله عنه ماذا يقوله الرسول صلى الله عليه وسلم في بقية سعيه ولكن قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن السعي لذكر الله فقال: « إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله »(39).
فأي ذكر تذكر ا
لله به فهو خير سواء بالقرآن أو بالتسبيح أو بالتهليل أو بالتكبير أو بالتحميد أو بالدعاء فأي شيء تذكر الله به فإنك قد حصلت على المطلوب.
و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الذكر لأنه تذكير للخلق بما شرع الله لهم.
وقوله: « ففعل على المروة كما فعل على الصفا » يعني من الصعود والدعاء والمقام، فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك سبع مرات فلما كان آخر طواف على المروة نادى وهو على المروة وأمر 
الناس من لم يسق الهدي منهم أن يجعلوا نسكهم عمرة فأحلوا رضي الله عنهم.
أما النبي صلى الله عليه وسلم ومن ساق الهدي فلم يحلوا  ثم نزلوا بالأبطح (40) في ظاهر مكة



 صفة الحج 4
 شرح حديث جابر رضي الله عنه الشيخ ابن عثيمين

فلما كان يوم التروية خرجوا إلى منى فمن كان منهم باقياً على إحرامه فهو مستمر في إحرامه ومن كان قد أحل أحرم بالحج من جديد.
وقوله: « فلما كان يوم التروية » « يوم » المعنى: لما جاء يوم التروية توجهوا إلى منى.
ويوم التروية هو اليوم الثامن من ذي الحجة وسمي بذلك لأن الناس يتروون فيه الماء لما بعده يعني يستسقون فيه الماء ليوم عرفة وأيام منى.
 ومن هذا اليوم إلى آخر أيام التشريق لكل يوم من هذه الأيام الخمسة اسم خاص 
فالثامن يوم التروية
والتاسع يوم عرفة
والعاشر يوم النحر
والحادي عشر يوم القر
والثاني عشر يوم النفر الأول والثالث عشر يوم النفر الثاني 
وقوله: « توجهوا إلى منى » الضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه توجهوا من الأبطح لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل هناك في الأبطح ولم يذكر جابر رضي الله عنه أن أحداً من الصحابة رضي الله عنهم جاء إلى البيت وأحرم منه ولو أن أحداً فعل ذلك لبينه.

وقوله: « إلى منى » منى: اسم مكان معروف وسميت بهذا الاسم لكثرة ما يمنى فيها من الدماء.
أي: يراق من الدماء
وحدُّها شرقاً وغرباً من وادي محسر إلى جمرة العقبة.
ومن الشمال والجنوب قال العلماء رحمهم الله: كل سفوح الجبال الكبيرة ووجوهها التي تتجه إلى منى من منى. وبناء على هذا تكون منى واسعة جداً وتسع الحجاج لو أنها نظمت تنظيماً تاماً مبنياً على العدل. لكن بعض الناس يتخذ مكاناً واسعاً يسع أكثر من حاجته
وقوله:« وركب النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء و
الفجر » صلى بمنى خمس صلوات كل صلاة في وقتها بدون جمع لأنه لو كان يجمع لبينه جابر رضي الله عنه فإن الجمع خلاف الأصل ولما لم ينبه عليه علم أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الصلوات الخمس صلاة مفرودة كل صلاة في وقتها، الظهر والعصر والعشاء قصراً 
لحديث أنس الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم {خرج عام حجة الوداع ولم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة (42 
وأنس رضي الله عنه له خبرة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خادمه.
ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية.
بعد أن صلى بعرفه الفجر مكث قليلا حتى طلعت الشمس ثم سار إلى عرفة
قريش لحميتها الجاهلية وتعصبها لا تقف يوم عرفة إلا في مزدلفة تقول نحن أهل الحرم فلا نخرج إلى الحل وأما بقية الناس فيقفون في عرفة لكن النبي صلى الله عليه وسلم جدد الحج على مشاعر إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

وقوله: « فأجاز حتى أتى عرفة » أجاز بمعنى تعدى يعني جاوز مزدلفة إلى عرفة.
وقوله: « فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها » أجاز النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة وكان قد أمر أن تضرب له قبة بنمرة (43)وهي قرية قرب عرفة فضربت له القبة بنمرة فنزل بها حتى زالت الشمس وهذا النزول فيه استراحة بعد التعب من المشي من منى إلى عرفة لأن هذه هي أطول مسافة في الحج - من منى إلى عرفة - فبقي النبي صلى الله عليه وسلم هناك واستراح.
ونمرة ليست من عرفة .

  صفة الحج ٥:
 شرح حديث جابر في صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم للعلامة ابن عثيمين
يوم عرفة :
(سار الرسول صلى الله عليه وسلم من منى إلى عرفة بعد طلوع الشمس في اليوم التاسع من ذي الحجة )
 وقوله: « فوجد القبة » القبة خيمة من صوف أو غيره ضربت للرسول صلى الله عليه وسلم فنزل بها واستراح.
وقوله: « حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له »
زاغت: بمعنى مالت إلى الغرب والقصواء اسم ناقته التي حج عليها صلوات الله وسلامه عليه.
وقوله: « فرحلت له » أي جعل رحلها عليها وفيه دليل على أنه قد نزل الرحل عنها لأنه استراح من أول النهار إلى زوال الشمس وهذه مدة طويلة.
وقوله: « فأتى بطن الوادي » يعني وادي عرنة نزل فيه عليه الصلاة والسلام لأنه أسهل من الأرض الجرداء إذ إن مجرى الوادي سهل لين. ففي هذا دليل على طلب السهل في النزول ولكن لا يبيت الإنسان في مجاري السيول لأن السيول قد تأتي بدون شعور فيكون في ذلك ضرر
وقوله: « فخطب الناس » خطبهم خطبة عظيمة بليغة قرر فيها قواعد الإسلام
وقوله: « ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر »
 أذن يعني أمر بالأذان وكذلك في الإقامة لأن مؤذنه إذ ذاك بلال رضي الله عنه
أمره أن يؤذن بعد الخطبة ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر وكان ذلك يوم جمعة
ولكن لم يصل الجمعة لأنه ليس من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم الجمعة في السفر ومن أقام الجمعة في السفر فهو مبتدع وصلاته باطلة
 فهذا النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم جمع اجتمع به في أمته في حجة الوداع أتت عليه الجمعة وهو في أفضل يوم وهو يوم عرفة ومع ذلك ما أقام الجمعة
 ولهذا بدأ بالخطبة قبل الأذان وصلاة الجمعة يبدأ بالأذان قبل الخطبة
وأيضا يقول: « فصلى الظهر » وهذا صريح ثم « أقام وصلى العصر » وكان ذلك يوم الجمعة
وهذا بخلاف المسافر المقيم في بلد تقام فيه الجمعة فإن ظاهر النصوص وجوبها عليه لعموم الأدلة  لكن إن تضرر بالتأخر للجمعة أو خاف فوت رفقته فهو معذور في تركها.
وقوله: « ولم يصل بينهما شيئا » لأنه ليس من المشروع أن يتطوع الإنسان براتبة الظهر في السفر ولهذا ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم راتبة الظهر التي بعدها كما لم يصل التي قبلها.
وقوله: « ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته إلى الصخرات وجعل حبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس »
قوله: « ركب » أي من مكانه الذي صلى فيه ركب ناقته « حتى أتى الموقف »
 أي الموقف الذي اختار أن يقف فيه وإلا فإن عرفة كلها موقف كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف » (56) لكن أتى الموقف الذي اختار أن يقف فيه وهو شرقي عرفة عند الصخرات.
والحكمة من ذهاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الموقف لأنه والله أعلم كان عليه الصلاة والسلام من عادته أن يكون في أخريات القوم يتفقد من احتاج إلى معونة أو مساعدة أو ما شابه ذلك
وليس هذا من أجل اختصاص هذا المكان المعين بخصيصة بل كل عرفة موقف ولهذا قال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف.
وقوله: « فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات » يعني يلي الصخرات. وهي معروفة إلى الآن لا تزال موجودة.
وقوله: « وجعل حبل المشاة بين يديه » حبل المشاة قال العلماء رحمهم الله: إنه طريقهم الذي يمشون معه وسمي حبلا لأنه كان رملا والأقدام تؤثر فيه فالطريق الذي أثرت فيه الأقدام كأنه حبل.
وقوله: « واستقبل القبلة »
 يدعو الله عز وجل رافعاً يديه  مبتهلاً إلى الله عز وجل  بالذكر والدعاء والإنابة والخشوع
حتى إنه سقط زمام راحلته فأمسكه بإحدى يديه وهو رافع الأخرى. وهذا يدل على تأكد رفع اليدين هنا.
وقوله: « فلم يزل واقفا »
المراد بالوقوف هنا المكث ، لا الوقوف على القدمين ،
فالقاعد يعتبر واقفاً والوقوف قد يراد به السكون لا القيام ومعلوم أن الراكب على البعير جالس عليها ليس واقفاً عليها.
وقوله: « فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس »
لم يزل واقفاً منذ أن وصل إلى موقفه بعد الصلاة وبعد المسير من عرنة إلى الموقف حتى غربت الشمس ولم يمل ولم يتعب من طول القيام ولكن الله عز وجل أعانه على طاعته عوناً لم يحصل لأحد مثله عليه الصلاة والسلام.
ثم إنه في هذا الموقف سئل عن رجل وقصته ناقته وهو واقف بعرفة ومات فقال صلى الله عليه وسلم « اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً »
وقوله: « وذهبت الصفرة قليلاً » يعني لم تذهب نهائيا بل ذهبت قليلا لأنه إذا غابت الشمس واستحكم غروبها قلت الصفرة.
وقوله: « حتى غاب القرص » هذا تأكيد لقوله: « حتى غربت الشمس » لأنه قد يتوهم واهم أن المراد بغروب الشمس غروب بعضها فأكد ذلك بقوله: « حتى غاب القرص » ويفهم منه كون

 الجو صحواً ليس فيه سحاب يحول بين الناس ورؤية الشمس عند غروبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق