فهذا تلخيص لكتاب فتح
المجيد شرح كتاب التوحيد للعلامة عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى
شرح فيه كتاب التوحيد
لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (66)
س124: ما الفرق بين الإستغاثة والدعاء؟
ج: قال شيخ الإسلام رحمه الله : الفرق بين
الإستغاثة والدعاء أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب ، والدعاء أعم من الاستغاثة
، لأنه يكون من المكروب وغيره , فعطف الدعاء على الاستغاثة من عطف العام على الخاص
, فبينهما عموم وخصوص مطلق ، يجتمعان في مادة وينفرد الدعاء عنها في مادة ، فكل استغاثة
دعاء ، وليس كل دعاء استغاثة .
س125:ما أنواع الدعاء؟
ج:نوعان : دعاء عبادة ، ودعاء مسألة ،
ويراد به في القرآن هذا تارة ، وهذا تارة ، ويراد به مجموعهما فدعاء المسألة هو طلب
ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضر ، ولهذا أنكر الله على من يدعو أحداً من دونه
ممن لا يملك ضراً ولا نفعاً ،كقوله تعالى : " قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك
لكم ضراً ولا نفعاً والله هو السميع العليم " وقوله :" قل أندعو من دون
الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين
في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم
لرب العالمين" وقال: " ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت
فإنك إذاً من الظالمين ", قال شيخ الإسلام رحمه الله : فكل دعاء عبادة مستلزم
لدعاء المسألة ، وكل دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة .
س126: متى تجوز الإستغاثة؟
ج:تجوز في الأسباب الظاهرة العادية من
الأمور الحسية في قتال، أو إدراك عدو أو سبع أو نحوه ، كقولهم: يا لزيد ، يا للمسلمين، بحسب الأفعال الظاهرة .
وأما الإستغاثة بالقوة والتأثير أو في الأمور
المعنوية من الشدائد ، كالمرض وخوف الغرق والضيق والفقر وطلب الرزق ونحوه فمن خصائص
الله لا يطلب فيها غيره.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (67)
س127: من هو المنافق المقصود في قوله:(أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين)؟
ج: هو عبد الله بن أبي كما صرح به ابن أبي
حاتم في روايته .
س128: ما الفائدة من قوله:(إنه لا يستغاث
بي ، وإنما يستغاث بالله)؟
ج: فيه النص على أنه لا يستغاث بالنبي صلى
الله عليه وسلم ولا بمن دونه , كره صلى الله عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه
، وإن كان مما يقدر عليه في حياته ، حماية لجناب التوحيد ، وسداً لذرائع الشرك وأدباً
وتواضعاً لربه ، وتحذيراً للأمة من وسائل الشرك في الأقوال والأفعال , فإذا كان فيما
يقدر عليه صلى الله عليه وسلم في حياته ، فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته ويطلب منه
أموراً لا يقدر عليها إلا الله عز وجل ؟ كما جرى على ألسنة كثير من الشعراء كالبوصيري
والبرعي وغيرهم، من الاستغاثة بمن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة
ولا نشوراً ، ويعرضون عن الاستغاثة بالرب العظيم القادر على كل شيء الذي له الخلق والأمر
وحده ، وله الملك وحده، لا إله غيره ولا رب سواه
فتح المجيد شرح
كتاب التوحيد (68)
باب " أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم
يخلقون "
س129: ما معنى قوله تعالى: " أيشركون
ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون * ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون "؟
ج:قوله تعالى: " أيشركون " أي
في العبادة , قال المفسرون: في هذه الآية توبيخ وتعنيف للمشركين في عبادتهم مع الله
تعالى ما لا يخلق شيئاً وهو مخلوق،والمخلوق لا يكون شريكاً للخالق في العبادة التي
خلقهم لها ، وبين أنهم لا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون ، فكيف يشركون به من
لا يستطيع نصر عابديه ولا نصر نفسه ؟ وهذا برهان ظاهر على بطلان ما كانوا يعبدونه من
دون الله، وهذا وصف كل مخلوق،حتى الملائكة والأنبياء والصالحين , وأشرف الخلق محمد
صلى الله عليه وسلم قد كان يستنصر ربه على المشركين ويقول " اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أحول وبك أصول ، وبك أقاتل " وهذا كقوله: " واتخذوا من دونه آلهة لا
يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة
ولا نشورا"وقوله :" قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو
كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" وقوله: " قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا * قل إني لن يجيرني من الله
أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إلا بلاغا من الله ورسالاته " .
فكفى بهذه الآيات برهاناً على بطلان دعوة
غير الله كائناً من كان .
س130: ما تخريج حديث أنس رضي الله عنه قال
" شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته"؟
ج: علقه البخاري. قال: "وقال حميد
وثابت عن أنس" , ووصله أحمد والترمذي والنسائي عن حميد عن أنس , ووصله مسلم عن
ثابت عن أنس , وقال ابن إسحاق في المغازي : حدثنا حميد الطويل عن أنس قال كسرت رباعية
النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وشج وجهه ، فجعل الدم يسيل على وجهه ، وجعل يمسح
الدم وهو يقول : كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل الله الآية
.
فتح المجيد شرح
كتاب التوحيد (69)
س131: ما معنى قوله : شج النبي صلى الله
عليه وسلم؟ ومن الذي شجه؟
ج:قال أبو السعادات : الشج في الرأس خاصة
في الأصل ، وهو أن يضربه بشئ فيجرحه فيه ويشقه ، ثم استعمل في غيره من الأعضاء ، وذكر
ابن هشام من حديث أبي سعيد الخدري أن عتبة بن أبي وقاص هو الذي كسر رباعية النبي صلى
الله عليه وسلم السفلى وجرح شفته العليا وأن عبد الله بن شهاب الزهري هو الذي شجه في
وجهه ، وأن عبد الله بن قمئة جرحه في وجنته ، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته
وأن مالك ابن سنان مص الدم من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وازدرده. فقال له: لن تمسك النار .
س132: ما هي الرباعية؟
ج:قال القرطبي : والرباعية بفتح الراء
وتخفيف الياء ـ وهي كل سن بعد ثنية .
قال النووي رحمه الله:وللإنسان أربع رباعيات
.
قال الحافظ : والمراد أنها كسرت، فذهب
منها فلقة ولم تقلع من أصلها .
س133: ما معنى قوله تعالى: " ليس لك
من الأمر شيء "؟
ج:قال ابن عطية: كأن النبي صلى الله عليه
وسلم لحقه في تلك الحال يأس من فلاح كفار قريش، فقيل له بسبب ذلك " ليس لك من
الأمر شيء " أي عواقب الأمور بيد الله ، فامض أنت لشأنك، ودم على الدعاء لربك
.
وقال ابن إسحاق: " ليس لك من الأمر
شيء " في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (70)
س134:ما معنى قوله : "اشتروا أنفسكم"؟
ج: أي بتوحيد الله وإخلاص العبادة له وحده
لا شريك له وطاعته فيما أمر به والإنتهاء عما نهى عنه . فإن ذلك هو الذي ينجي من عذاب
الله لا الاعتماد على الأنساب والأحساب ، فإن ذلك غير نافع عند رب الأرباب
.
باب قول الله " حتى إذا فزع عن قلوبهم
"
س135: ما معنى قوله تعالى : " حتى
إذا فزع عن قلوبهم "؟ ومن هم؟
ج:أي زال الفزع عنها . قاله ابن عباس وابن
عمر وأبو عبد الرحمن السلمى والشعبي والحسن وغيرهم .
وقال ابن جرير: قال بعضهم : الذين فزع
عن قلوبهم: الملائكة قالوا : وإنما فزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماعهم كلام
الله بالوحي, وقال ابن عطية: في الكلام حذف ما يدل عليه الظاهر, كأنه قال: ولا هم
شفعاء كما تزعمون أنتم ، بل هم عبدة مسلمون لله أبداً ، يعني منقادون، حتى إذا فزع
عن قلوبهم , والمراد الملائكة على ما اختاره ابن جرير وغيره, قال ابن كثير: وهو الحق
الذي لا مرية فيه ، لصحة الأحاديث فيه والآثار.
وقال أبو حيان: تظاهرت الأحاديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن قوله: " حتى إذا فزع عن قلوبهم " إنما هي الملائكة
إذا سمعت الوحي إلى جبريل يأمره الله به سمعت كجر سلسلة الحديد على الصفوان ، فتفزع
عند ذلك تعظيماً وهيبة .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (71)
س136: ما معنى قوله:"إذا قضى الله
الأمر في السماء"؟
ج:أي إذا تكلم الله بالأمر الذي يوحيه
إلى جبريل بما أراد ، كما صرح به في الحديث الآتي، وكما روى سعيد بن منصور وأبو داود
وابن جرير عن ابن مسعود"إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصة كجر السلسلة
على الصفوان".
فائدة:
قوله: ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً
لقوله أي لقول الله تعالى , قال الحافظ : خضعاناً بفتحتين من الخضوع , وفي رواية بضم
أوله وسكون ثانيه , وهو مصدر بمعنى خاضعين .
س137: ما معنى: "صفوان"؟
ج:وهو الحجر الأملس
.
س138: ما معنى قوله:"ينفذهم ذلك"؟
ج/: هو بفتح التحتية وسكون النون وضم الفاء
والذال المعجمة , ذلك أي: القول ، والضمير في ينفذهم للملائكة، أي ينفذ ذلك القول الملائكة
, أي يخلص ذلك القول ويمضي فيهم حتى يفزعوا منه .
س139: ما معنى قوله : "فيسمعها مسترق
السمع"؟
ج: أي: يسمع الكلمة التي قضاها الله ، وهم
الشياطين يركب بعضهم بعضاً , وفي صحيح البخاري عن عائشة مرفوعاً:" إن الملائكة
تنزل في العنان ـ وهو السحاب ـ فتذكر الأمر قضى في السماء ، فتسترق الشياطين السمع
، فتوجه إلى الكهان".
س140: ما معنى قوله:"ومسترق السمع
هكذا وصفه سفيان بكفه"؟ ومن هو سفيان؟
ج: أي وصف ركوب بعضهم فوق بعض
.
وسفيان هو ابن عيينة أبو محمد الهلالي الكوفي
ثم المكي، ثقة حافظ ، فقيه، إمام حجة، مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون
سنة .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (72)
س141:ما معنى قوله: "فربما أدركه
الشهاب قبل أن يلقيها"؟
ج: الشهاب هو النجم الذي يرمي به، أي ربما
أدرك الشهاب المسترق، وهذا يدل على أن الرمي بالشهب قبل المبعث، لما روى أحمد وغيره
ـ والسياق له في المسند من طريق معمر: أنبأنا الزهري عن علي بن الحسين عن ابن عباس
قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في نفر من أصحابه ـ قال عبد الرزاق: من الأنصار ـ قال: فرمى بنجم عظيم ، فاستنار، قال: ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا
في الجاهلية ؟ قال: كنا نقول: لعله يولد عظيم أو يموت، قلت للزهري: أكان يرمى بها
في الجاهلية ؟ قال نعم، ولكن غلظت حين بعث النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإنها لا
يرمى بها لموت أحد ولا لحياته، ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمراً سبح حملة العرش، ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم،حتى يبلغ التسبيح هذه السماء الدنيا
ثم يستخبر أهل السماء الذين يلون حملة العرش، فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة
العرش: ماذا قال ربكم ؟ فيخبرونهم ، ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء، وتخطف الجن السمع فيرمون،فما جاءوا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون
. قال عبد الله: قال أبي: قال عبد الرزاق ويخطف الجن ويرمون وفي رواية له لكنهم يزيدون
فيه ويقرفون وينقصون.
فائدة:
النواس بن سمعان، بكسر السين، بن خالد
الكلابي، ويقال:الأنصاري صحابي.ويقال:إن أباه صحابي أيضاً.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (73)
س142: ما معنى قوله: "صعقوا وخروا لله سجداً"؟
ج: الصعوق هو الغشي ، ومعه السجود .
س143: ما معنى "جبريل"؟
ج: معنى جبريل: عبد الله ، كما روى ابن جرير وغيره عن علي ابن الحسين قال: كان اسم جبريل: عبد الله ، واسم ميكائيل عبيد الله، وإسرافيل عبد الرحمن. وكل شئ رجع إلى ايل فهو معبد لله عز وجل.
فائدة:
والآيات المذكورة في هذا الباب والأحاديث تقرر التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، فإن الملك العظيم الذي تصعق الأملاك من كلامه خوفاً منه ومهابة وترجف منه المخلوقات، الكامل في ذاته وصفاته، وعلمه وقدرته وملكه وعزه، وغناه عن جميع خلقه ، وافتقارهم جميعاً إليه، ونفوذ تصرفه وقدره فيهم لعلمه وحكمته، لا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن يجعل له شريك من خلقه في عبادته التي هي حقه عليهم، فكيف يجعل المربوب رباً، والعبد معبوداً؟ أين ذهبت عقول المشركين؟ سبحان الله عما يشركون .
س142: ما معنى قوله: "صعقوا وخروا لله سجداً"؟
ج: الصعوق هو الغشي ، ومعه السجود .
س143: ما معنى "جبريل"؟
ج: معنى جبريل: عبد الله ، كما روى ابن جرير وغيره عن علي ابن الحسين قال: كان اسم جبريل: عبد الله ، واسم ميكائيل عبيد الله، وإسرافيل عبد الرحمن. وكل شئ رجع إلى ايل فهو معبد لله عز وجل.
فائدة:
والآيات المذكورة في هذا الباب والأحاديث تقرر التوحيد الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، فإن الملك العظيم الذي تصعق الأملاك من كلامه خوفاً منه ومهابة وترجف منه المخلوقات، الكامل في ذاته وصفاته، وعلمه وقدرته وملكه وعزه، وغناه عن جميع خلقه ، وافتقارهم جميعاً إليه، ونفوذ تصرفه وقدره فيهم لعلمه وحكمته، لا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن يجعل له شريك من خلقه في عبادته التي هي حقه عليهم، فكيف يجعل المربوب رباً، والعبد معبوداً؟ أين ذهبت عقول المشركين؟ سبحان الله عما يشركون .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (74)
باب الشفاعة
س144: ما معنى قوله:( باب الشفاعة )؟
ج:أي بيان ما أثبته القرآن منها وما نفاه
. وحقيقة ما دل القرآن على إثباته .
س145: ما معنى قوله: تعالى" وأنذر
به الذين يخافون أن يحشروا "؟
ج:قوله: به قال ابن عباس: بالقرآن," الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم" وهم المؤمنون , وعن الفضيل بن عياض: ليس كل خلقه عاتب، إنما عاتب الذين يعقلون، فقال:" وأنذر به الذين يخافون
أن يحشروا إلى ربهم " وهم المؤمنون أصحاب العقول الواعية
.
س146: ما معنى الآيات التالية: " قل
لله الشفاعة جميعاً"," أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أو لو كانوا لا
يملكون شيئا ولا يعقلون "،" ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم
ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض
سبحانه وتعالى عما يشركون "؟
ج: بين تعالى في هذه الآيات وأمثالها أن
وقوع الشفاعة على هذا الوجه منتف وممتنع ، وأن اتخاذهم شفعاء شرك، يتنزه الرب تعالى
عنه. وقد قال تعالى:" فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة بل
ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون" فبين تعالى أن دعواهم أنهم يشفعون لهم
بتأليههم أن ذلك منهم إفك وافتراء.
وقوله تعالى:" قل لله الشفاعة جميعاً" أي هو مالكها ، فليس لمن تطلب منه شئ منها، وإنما تطلب ممن يملكها دون كل من
سواه، لأن ذلك عبادة وتأليه لا يصلح إلى لله.
قال البيضاوي: لعله رد لما عسى أن يجيبوا
به، وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (75)
فائدة:
قال: وقوله:" من ذا الذي يشفع عنده
إلا بإذنه " قد تبين مما تقدم من الآيات أن الشفاعة التي نفاها القرآن هي التي
تطلب من غير الله, وفي هذه الآية بيان أن الشفاعة إنما تقع في الدار الآخرة بإذنه، كما قال تعالى :" يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا
" فبين أنه لا تقع لأحد إلا بشرطين: إذن الرب تعالى للشافع أن يشفع، ورضاه عن
المأذون بالشفاعة فيه ، وهو تعالى لا يرضى من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة إلا
ما أريد به وجهه ولقى العبد به ربه مخلصاً غير شاك في ذلك ، كما دل على ذلك الحديث
الصحيح .
س147: ما أنواع الشفاعة؟
ج:الشفاعة ستة أنواع
:
الأول: الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها
أولو العزم عليهم الصلاة والسلام حتى تنتهي إليه صلى الله عليه و سلم فيقول: أنا لها
وذلك حين يرغب الخلائق إلى الأنبياء ليشفعوا لهم إلى ربهم حتى يريحهم من مقامهم في
الموقف وهذه شفاعة يختص بها لا يشركه فيها أحد
الثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخولها وقد
ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق عليه
الثالث: شفاعته لقوم من العصاة من أمته
قد استوجبوا النار بذنوبهم فيشفع لهم أن لا يدخلوها
الرابع: شفاعته في العصاة من أهل التوحيد
الذي يدخلون النار بذنوبهم والأحاديث بها متواترة عن النبي صلى الله عليه و سلم وقد
أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة وبدعوا من أنكرها وصاحوا به من كل جانب ونادوا
عليه بالضلال
الخامس: شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة
ثوابهم ورفعة درجاتهم وهذه مما لم ينازع فيها أحد وكلها مختصة بأهل الإخلاص الذين لم
يتخذوا من دون الله وليا ولا شفيعا كما قال تعالى: {وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا
إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع }
السادس: شفاعته في بعض أهل الكفار من أهل
النار حتى يخفف عذابه وهذه خاصة بأبي طالب وحده.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (76)
باب إنك لا تهدي من أحببت
س148: ما سبب نزول قوله تعالى:{ إنك لا
تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين }؟
ج: سبب نزول هذه الآية موت أبي طالب على
ملة عبد المطلب .
س149: ما نوع الهداية المنفية في قوله تعالى:{
ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء }؟
ج: المنفى هنا هداية التوفيق والقبول فإن
أمر ذلك إلى الله وهو القادر عليه وأما الهداية المذكورة في قول الله تعالى :{ وإنك
لتهدي إلى صراط مستقيم } فإنها هداية الدلالة والبيان فهو المبين عن الله والدال على
دينه وشرعه.
س150: ترجم لسعيد بن المسيب؟
ج:هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب
بن عمر بن عائذ بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي أحد العلماء والفقهاء الكبار السبعة
من التابعين اتفق أهل الحديث على أن مراسيله أصح المراسيل وقال ابن المديني : لا أعلم
في التابعين أوسع علما منه مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (77)
س151: اذكر فائدة من قوله صلى الله عليه
وسلم: (كلمة أحاج لك بها عند الله)؟
ج: فيه دليل على أن الأعمال بالخواتيم لأنه
لو قالها في تلك الحال معتقدا ما دلت عليه مطابقة من النفي والإثبات لنفعته
س152: مالحكمة من عدم هداية أبي طالب؟
ج: ليبين لعباده أن ذلك إليه وهو القادر
عليه دون من سواه فلو كان عند النبي صلى الله عليه و سلم ـ الذي هو أفضل خلقه ـ من
هداية القلوب وتفريج الكروب ومغفرة الذنوب والنجاة من العذاب ونحو ذلك شئ لكان أحق
الناس بذلك وأولاهم به عمه الذي كان يحوطه ويحميه وينصره ويؤويه فسبحان من بهرت حكمته
العقول وأرشد العباد إلى ما يدلهم على معرفته وتوحيده وإخلاص العمل له وتجريده
فائدة:
قوله : (هو على ملة عبد المطلب) الظاهر
أن أبا طالب قال: (أنا) فغيره الراوى استقباحا للفظ المذكور, وهو من التصرفات الحسنة,
قاله الحافظ .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (78)
س153: ما سبب نزول قوله تعالى:{ ما كان
للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى }؟
ج: يظهر أن المراد أن الآية المتعلقة بالإستغفار
نزلت بعد أبي طالب بمدة وهي عامة في حقه وحق غيره, ويوضح ذلك ما يأتي في التفسير فأنزل
الله بعد ذلك:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين } الآية ونزل في
أبي طالب:{ إنك لا تهدي من أحببت} كله ظاهر في أنه مات على غير الإسلام, ويضعف ما
ذكره السهيلي أنه روى في بعض كتب 'المسعودي ' أنه أسلم لأن مثل ذلك لا يعارض ما في
الصحيح, انتهى.
باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينم
هو الغلو في الصالحين
س154:ما معنى الإطراء في قوله صلى الله
عليه وسلم:(لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)؟
ج:الإطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب
عليه, قاله أبو السعادات, وقال غيره : أي لا تمدحوني بالباطل ولا تجاوزوا الحد في مدحي.
س155: من روى قوله صلى الله عليه و سلم
(إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)؟
ج: رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه
من حديث ابن عباس
وهذا لفظ رواية أحمد : عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم غداة جمع:(هلم القط لي فلقطت
له حصيات هن حصى الحذف فما وضعهن في يده قال: نعم بأمثال هؤلاء فارموا وإياكم والغلو
في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ).
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (79)
س156: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:(هلك المتنطعون)؟
ج:قال الخطابي : المتنطع المتعمق في الشيء.
فائدة:
قوله:(غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا), روي
بفتح الخاء وضمها, فعلى الفتح يكون هو الذي خشي ذلك صلى الله عليه و سلم وأمرهم أن
يدفنوه في المكان الذي قبض فيه, وعلى رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا
أن يقع ذلك من بعض الأمة فلم يبرزوا قبره خشية أن يقع ذلك من بعض الأمة غلوا وتعظيما
بما أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه ولعن فاعله .
س157: ما معنى قولهصلى الله عليه وسلم:(إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل)؟
ج:أي أمتنع عما لا يجوز لي أن أفعله, والخلة
فوق المحبة, والخليل هو المحبوب غاية الحب, مشتق من الخلة ـ بفتح الخاء ـ وهي تخلل
المودة في القلب كما قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني ... وبذا سمي الخليل
خليلا
هذا هو الصحيح في معناها كما ذكره شيخ الإسلام
وابن القيم وابن كثير وغيرهم رحمهم الله تعالى
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (80)
ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها
أوثانا تعبد من دون الله
س158: خرج حديث:(اللهم لا تجعل قبري وثناً
يعبد.....)؟
ج: هذا الحديث رواه مالك مرسلا عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:(اللهم......) الحديث,
ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم به ولم يذكر عطاء, ورواه
البزار عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعا, وله شاهد عند الإمام أحمد بسنده
عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه:(اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله
قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) .
فائدة:
وفي مغازي ابن إسحاق من زيادات يونس بن
بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار حدثنا أبو العالية قال : لما فتحنا تستر وجدنا في بيت
مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت عند رأسه مصحف فأخذنا المصحف فحملناه إلى عمر فدعا
له كعبا فنسخه بالعربية فأنا أول رجل قرأه من العرب قرأته مثل ما أقرأ القرآن فقلت
لأبي العالية: ما كان فيه؟ قال: سيرتكم وأموركم ولحون كلامكم وما هو كائن بعد قلت: فماذا صنعتم بالرجل؟ قال: حفرنا له بالنهار ثلاثة عشرة قبرا متفرقة فلما كان الليل
دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه عن الناس لا ينبشونه قلت: وما يرجون منه؟ قال:
كانت السماء إذا حبست عنهم برزوا بسريره فيمطرون فقلت: من كنتم تظنون الرجل؟ قال: رجل يقال له دانيال فقلت: منذ كم وجدتموه مات ؟ قال: منذ ثلاثمائة سنة
قلت : ما كان تغير منه شئ ؟ قال: لا إلا
شعيرات من قفاه إن لحوم الأنبياء لا تبليها الأرض.
قال ابن القيم رحمه الله: ففي هذه القصة
ما فعله المهاجرون والأنصار رضي الله عنهم من تعمية قبره لئلا يفتتن به ولم يبرزوه
للدعاء عنده والتبرك به ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا عليه بالسيف ولعبدوه من دون الله.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهو إنكار
منهم لذلك فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها ـ ولم يستحب الشارع قصدها ـ فهو من المنكرات
وبعضه أشد من بعض سواء قصدها ليصلي عندها أو ليدعو عندها أو ليقرأ عندها أو ليذكر الله
عندها أو لينسك عندها بحيث يخص تلك البقعة بنوع من العبادة التى لم يشرع تخصيصها به
لا نوعا ولا عينا إلا أن ذلك قد يجوز بحكم الاتفاق لا لقصد الدعاء فيها كمن يزورها
ويسلم عليها ويسأل الله العافية له وللموتى كما جاءت به السنة وأما تحرى الدعاء عندها
بحيث يستشعر أن الدعاء هناك أجوب منه فى غيره فهذا هو المنهى عنه انتهى ملخصا.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (81)
فائدة:
قوله : اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور
أنبيائهم فيه تحريم البناء على القبور وتحريم الصلاة عندها وأن ذلك من الكبائر
وفى القرى للطبرى من أصحاب مالك عن مالك
أنه كره أن يقول : زرت قبر النبي صلى الله عليه و سلم وعلل ذلك بقوله صلى الله عليه
و سلم: [ اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ] الحديث كره إضافة هذا اللفظ إلى القبر لئلا
يقع التشبه بفعل أولئك سدا للذريعة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ومالك
قد أدرك التابعين وهم أعلم الناس بهذه المسألة فدل ذلك على أنه لم يكن معروفا عندهم
ألفاظ زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم ـ إلى أن قال ـ وقد ذكروا أسباب كراهته
لأن يقول: زرت قبر النبي صلى الله عليه و سلم لأن هذا اللفظ قد صار كثير من الناس
يريد به الزيارة البدعية وهو قصد الميت لسؤاله ودعائه والرغبة إليه في قضاء الحوائج
ونحو ذلك مما يفعله كثير من الناس فهم يعنون بلفظ الزيارة مثل هذا وهذا ليس بمشروع
باتفاق الأئمة وكره مالك أن يتكلم بلفظ مجمل يدل على معنى فاسد بخلاف الصلاة والسلام
عليه فإن ذلك مما أمر الله به أما لفظ الزيارة في عموم القبور فلا يفهم منها مثل هذا
المعنى ألا ترى إلى قوله: فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة مع زيارته لقبر أمه فإن
هذا يتناول قبور الكفار فلا يفهم من ذلك زيارة الميت لدعائه وسؤاله والاستغاثة به ونحو
ذلك مما يفعله أهل الشرك والبدع بخلاف ما إذا كان المزور معظما في الدين كالأنبياء
والصالحين فإنه كثيرا ما يعني بزيارة قبورهم هذه الزيارة البدعية الشركية فلهذا كره
مالك ذلك في مثل هذا وإن لم يكره ذلك في موضع آخر ليس فيه هذه المفسدة ا هـ
س159: ما مناسبة هذا الحديث للباب: ولا
بن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد
{أفرأيتم اللات والعزى} قال: كان يلت
لهم السويق فمات فعكفوا على قبره كذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس قال: كان يلت السويق
للحاج ؟
ج:أنهم غلوا فيه لصلاحه حتى عبدوه وصار
قبره وثنا من أوثان المشركين.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (82)
س160: اذكر شواهد هذا الحديث وما صحتها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:[ لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم زائرات القبور
والمتخذين عليها المساجد والسرج ] ؟
ج: في الباب حديث عن أبي هريرة وحديث حسان
بن ثابت فأما حديث أبي هريرة فرواه أحمد والترمذي وصححه وحديث حسان أخرجه ابن ماجه
من رواية عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن أبيه قال:[ لعن رسول الله صلى الله عليه
و سلم زوارات القبور ], وحديث ابن عباس هذا في إسناده أبو صالح مولى أم هانيء وقد
ضعفه بعضهم ووثقة بعضهم, قال علي بن المديني عن يحيى القطان: لم أر أحدا من أصحابنا
ترك أبا صالح مولى أم هاني وما سمعت أحدا من الناس يقول فيه شيئا, ولم يتركه شعبة ولا
زائدة ولا عبد الله بن عثمان,
قال ابن معين: ليس به بأس, ولهذا أخرجه ابن السكن في
صحيحه. انتهى من الذهب الإبريز عن الحافظ المزي.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: وقد
جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم من طريقين : فعن أبي هريرة رضي الله عنه:[ أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم لعن زوارات القبور ] وذكر حديث ابن عباس ثم قال: ورجال هذا
ليس رجال هذا فلم يأخذه أحدهما عن الآخر وليس في الإسنادين من يتهم بالكذب ومثل هذا
حجة بلا ريب وهذا من أجود الحسن الذي شرطه الترمذي فإنه جعل الحسن ما تعددت طرقه ولم
يكن فيه متهم ولم يكن شاذا أي مخالفا لما ثبت بنقل الثقات وهذا الحديث تعددت طرقه وليس
فيها متهم ولا خالفه أحد من الثقات هذا لو كان عن صاحب واحد فكيف إذا كان رواه عن صاحب
وذاك عن آخر ؟ فهذا كله يبين أن الحديث في الأصل معروف
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (83)
س161: علام استدل من أجاز زيارة النساء
للقبور؟ وكيف الرد عليه؟
ج:الذين رخصوا في الزيارة اعتمدوا على
ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن وقالت:(لو شهدتك ما
زرتك) وهذا يدل على أن الزيارة ليست مستحبة للنساء كما تستحب الرجال إذ لو كان كذلك
لا ستحبت زيارته سواء شهدته أم لا.
قلت: فعلى هذا لا حجة فيه لمن قال بالرخصة.
وهذا السياق لحديث عائشة رواه الترمذي من
رواية عبد الله بن أبي مليكة عنها وهو يخالف سياق الأثرم له
عن عبد الله بن أبي مليكة
أيضا: أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين
أليس نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن زيارة القبور ؟ قالت: نعم نهى عن زيارة
القبور ثم أمر بزيارتها
فأجاب شيخ الإسلام رحمه الله عن هذا وقال: ولا حجة في حديث عائشة فإن المحتج عليها احتج بالنهي العام فدفعت ذلك بأن النهي منسوخ
ولم يذكر لها المحتج النهي الخاص بالنساء الذي فيه لعنهن على الزيارة, يبين ذلك قولها
(قد أمر بزيارتها), فهذا يبين أنه أمر بها أمرا يقتضي الاستحباب, والاستحباب إنما هو
ثابت للرجال خاصة, ولو كانت تعتقد أن النساء مأمورات بزيارة القبور لكانت تفعل ذلك
كما يفعله الرجال ولم تقل لأخيها (لما زرتك), واللعن صريح في التحريم والخطاب بالإذن
في قوله (فزوروها) لم يتناول النساء فلا يدخلن في الحكم الناسخ, والعام إذا عرف أنه
بعد الخاص لم يكن ناسخا له عند جمهور العلماء, وهو مذهب الشافعي وأحمد في أشهر الروايتين
عنه وهو المعروف عند أصحابه, فكيف إذا لم يعلم أن هذا العام بعد الخاص ؟
إذ قد يكون
قوله:(لعن الله زوارات القبور) بعد إذنه للرجال في الزيارة, يدل على ذلك أنه قرنه
بالمتخذين عليها المساجد والسرج, ومعلوم أن اتخاذ المساجد والسرج المنهي عنها محكم
كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة وكذلك الآثار.
والصحيح: أن النساء لم يدخلن في الإذن
في زيارة القبور لعدة أوجه :
أحدها: أن قوله صلى الله عليه و سلم (فزوروها)
صيغة تذكير, وإنما يتناول النساء أيضا على سبيل التغليب, لكن هذا فيه قولان: قيل إنه
يحتاج إلى دليل منفصل, وحينئذ فيحتاج تناول ذلك للنساء إلى دليل منفصل, وقيل أنه يحتمل
على ذلك عند الإطلاق, وعلى هذا فيكون دخول النساء بطريق العموم ضعيف, والعام لا يعارض
الأدلة الخاصة ولا ينسخها عند جمهور العلماء, ولو كان النساء داخلات في هذا الخطاب
لا ستحب لهن زيارة القبور, وما علمنا أحدا من الأئمة استحب لهن زيارة القبور, ولا كان
النساء على عهد النبي صلى الله عليه و سلم وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه و سلم علل
الإذن للرجال بأن ذلك [ يذكر الموت ويرقق القلب وتدمع العين ] هكذا في مسند أحمد, ومعلوم
أن المرأة إذا فتح لها هذا الباب أخرجها إلى الجزع والندب والنياحة لما فيها من الضعف
وقلة الصبر, وإذا كانت زيارة النساء مظنة وسببا للأمور المحرمة فإنه لا يمكن أن يحد
المقدار الذي لا يفضي إلى ذلك, ولا التمييز بين نوع ونوع, ومن أصول الشريعة: أن الحكمة
إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها فيحرم هذا الباب سدا للذريعة, كما حرم النظر
إلى الزينة الباطنة وكما حرم الخلوة بالأجنبية وغير ذلك, وليس في ذلك من المصلحة ما
يعارض هذه المفسدة, فإنه ليس في ذلك إلا دعاؤها للميت وذلك ممكن في بيتها
.
ومن العلماء من يقول: التشييع كذلك, ويحتج
بقوله صلى الله عليه و سلم[ ارجعن مأزورات غير مأجورات فإنكن تفتن الحي وتؤذين الميت
]
وقوله لفاطمة:[ أما إنك لو بلغت معهم الكدى لم تدخلي الجنة ] ويؤيده ما ثبت في
الصحيحين من أنه نهى النساء عن اتباع الجنائز, ومعلوم أن قوله صلى الله عليه و سلم:[ من صلى على جنازة فله قيراط ومن تبعها حتى تدفن فله قيراطان ] وهو أدل على العموم
من صيغة التذكير, فإن لفظه يتناول الرجال والنساء باتفاق الناس, وقد علم بالأحاديث
الصحيحة أن هذا العموم لم يتناول النساء لنهي النبي صلى الله عليه و سلم لهن عن اتباع
الجنائز, فإذا لم يدخلن في هذا العموم فكذلك في ذلك بطريق الأولى انتهى ملخصا
.
قلت: ويكون الإذن في زيارة القبور مخصوصا
للرجال, خص بقوله: لعن الله زوارات القبور الحديث فيكون من العام المخصوص.
وعندما استدل به القائلون بالنسخ أجوبة
أيضا:
منها: أن ما ذكروه عن عائشة وفاطمة رضي
الله عنهما معارض مما ورد عنهما في هذا الباب فلا يثبت به نسخ
.
ومنها: أن قول الصحابي وفعله ليس حجة على
الحديث بلا نزاع, وأما تعليمه عائشة كيف تقول إذا زارت القبور ونحو ذلك فلا يدل على
نسخ ما دلت عليه الأحاديث الثلاثة من لعن زائرات القبور لاحتمال أن يكون ذلك قبل هذا
النهي الأكيد والوعيد الشديد والله أعلم.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (84)
باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه
و سلم جناب التوحيد وسده كل طريق يوصل إلى الشرك
س162:ما معنى جناب؟
ج: الجناب: هو الجانب, والمراد حمايته
عما يقرب منه أو يخالطه من الشرك وأسبابه.
س163: ما مناسبة قوله تعالى: {لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم * فإن تولوا فقل
حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} للباب؟
ج: اقتضت هذه الأوصاف التي وصف بها رسول
الله صلى الله عليه و سلم في حق أمته أن أنذرهم وحذرهم الشرك الذي هو أعظم الذنوب وبين
لهم ذرائعه الموصلة إليه وأبلغ في نهيهم عنها ومن ذلك تعظيم القبور والغلو فيها والصلاة
عندها وإليها ونحو ذلك مما يوصل إلى عبادتها كما تقدم وكما سيأتي في أحاديث الباب.
س164:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
(لا تجعلوا بيوتكم قبورا)؟
ج: قال شيخ الإسلام : أي لا تعطلوها من
الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور فأمر بتحري العبادة في البيوت
س165: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
(ولا تجعلوا قبري عيدا)؟
ج: قال ابن القيم رحمه الله تعالى : العيد
ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان مأخوذ من المعاودة والاعتياد فإذا كان اسما للمكان
فهو المكان الذي يقصد فيه الاجتماع وانتيابه للعبادة وغيرها كما أن المسجد الحرام ومنى
ومزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله عيدا للحنفاء ومثابة كما جعل أيام العيد فيها عيدا
وكان للمشركين أعياد زمنية ومكانية فلما جاء الله بالإسلام أبطلها وعوض الحنفاء منها
عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى كما عوضهم من أعياد المشركين المكانية بالكعبة ومنى
ومزدلفة وعرفة والمشاعر.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (85)
س166:إلام يشير النبي صلى الله عليه وسلم
في قوله:(وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)؟
ج:قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : يشير
بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم فلا حاجة
لكم إلى اتخاذه عيدا.
س167: ما صحة هذان الحديثان:
الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم[ لا تجعلوا بيوتكم قبورا ولا تجعلوا قبرى عيدا
وصلوا فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ] رواه أبو داود,
الثاني: عن علي بن الحسين رضي الله
عنه:[ أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه و سلم فيدخل
فيها فيدعو فنهاه وقال : ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله
عليه و سلم ؟ قال : لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني
أين كنتم ] رواه في المختارة؟
ج:هذا الحديث والذي قبله جيدان حسنا الإسنادين.
أما الأول : فرواه أبو داود وغيره من حديث
عبد الله بن نافع الصائغ قال: أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فذكره,
ورواته ثقات مشاهير, لكن عبد الله بن نافع قال فيه أبو حاتم:(ليس بالحافظ, تعرف وتنكر)
وقال ابن معين:(هو ثقة), وقال أبو زرعة:(لا بأس به),
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ومثل هذا إذا كان للحديث شواهد علم أنه محفوظ وهذا له شواهد متعددة,
وقال الحافظ
محمد بن عبد الهادي:(هو حديث حسن جيد الإسناد وله شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة).
وأما الحديث الثاني: فرواه أبو يعلى والقاضي
إسماعيل والحافظ الضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي في المختارة
.
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: فانظر
هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدنية وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه
و سلم قرب النسب وقرب الدار لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط ا هـ
وقال سعيد بن منصور في سننه حدثنا عبد العزيز
بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهل قال : رآني الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم
عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة رضي الله عنها يتعشى فقال : هلم إلى العشاء فقلت
: لا أريده فقال : ما لي رأيتك عند القبر ؟ فقلت : سلمت على النبي صلى الله عليه و
سلم فقال : إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:[ لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما
كنتم لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما أنتم وبني بالأندلس إلا
سواء ]
وقال سعيد أيضا: حدثنا حبان بن علي حدثنا
محمد عجلان عن أبي سعيد مولى المهري قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم [ لا
تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني
]
قال شيخ الإسلام: فهذان المرسلان من هذين
الوجهين المختلفين يدلان على ثبوت الحديث لا سيما وقد احتج به من أرسله وذلك يقتضي
ثبوته عنده, هذا لو لم يرو من وجوه مسندة غير هذين فكيف وقد تقدم مسندا.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (86)
س168: ما حكم قصد القبور لأجل الدعاء والصلاة
عندها؟
ج: قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : ما
علمت أحدا رخص فيه, لأن ذلك نوع من اتخاذه عيدا, ويدل أيضا على أن قصد القبر للسلام
إذا دخل المسجد ليصلي منهي عنه, لأن ذلك لم يشرع, وكره مالك لأهل المدينة كلما دخل
الإنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه و سلم, لأن السلف لم يكونوا يفعلون
ذلك, قال : ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها, وكان الصحابة والتابعون رضي
الله عنهم يأتون إلى مسجد النبي صلى الله عليه و سلم فيصلون؛ فإذا قضوا الصلاة قعدوا
أو خرجوا, ولم يكونوا يأتون القبر للسلام, لعلمهم أن الصلاة والسلام عليه في الصلاة
أكمل وأفضل, وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك أو للصلاة والدعاء فلم
يشرعه لهم بل نهاهم عنه في قوله[ لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني
] ؛ فبين أن الصلاة تصل إليه من بُعد, وكذلك السلام, ولعن من اتخذ قبور الأنبياء مساجد,
وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذا كانت عائشة رضي الله عنها فيها, وبعد
ذلك إلى أن بني الحائط الآخر, وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون عليه
لا للسلام ولا للصلاة ولا للدعاء لأنفسهم ولا لغيرهم ولا لسؤال عن حديث أو علم ولا
كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلاما أو سلاما فيظنون أنه هو كلمهم وأفتاهم وبين
لهم الأحاديث أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج كما طمع الشيطان في غيرهم
فأضلهم عند قبره وقبر غيره, حتى ظنوا أن صاحب القبر يأمرهم وينهاهم ويفتيهم ويحدثهم
في الظاهر وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجا من القبر, ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت
تكلمهم وأن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلى الله عليه و سلم ليلة المعراج.
والمقصود : أن الصحابة رضي الله عنهم لم
يكونوا يعتادون والسلام عليه عند قبره كما يفعله من بعدهم من الخلوف, وإنما كان بعضهم
يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قدم من سفر كما كان ابن عمر يفعله, قال عبيد الله بن عمر
عن نافع: كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه و سلم فقال : السلام
عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف, قال عبيد
الله: ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم فعل ذلك إلا ابن عمر, وهذا
يدل على أنه لا يقف عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير.
قال شيخ الإسلام رحمه الله : لأن ذلك لم
ينقل عن أحد من الصحابة فكان بدعة محضة.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (87)
س169: ما حكم شد الرحال إلى قبره صلى الله
عليه وسلم؟
ج:هذه هي المسألة التي أفتى بها شيخ الإسلام
رحمه الله ـ أعني من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين ـ ونقل فيها اختلاف
العلماء, فمن مبيح لذلك كالغزالي وأبي محمد المقدسي, ومن مانع لذلك كابن بطة وابن عقيل
وأبي محمد الجويني والقاضي عياض وهو قول الجمهور, نص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الأئمة
وهو الصواب؛ لما في الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه و سلم قال:[ لا
تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ] فدخل
في النهي شدها لزيارة القبور والمشاهد فإما أن يكون نهيا وإما أن يكون نفيا, وجاء في
رواية بصيغة النهي, فتعين أن يكون للنهي, ولهذا فهم منه الصحابة رضي الله عنهم المنع
ـ كما في الموطأ والمسند والسنن ـ عن بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لأبي هريرة
ـ وقد أقبل من الطور ـ: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه لما خرجت : سمعت رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقول:[ لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ومسجدي
هذا والمسجد الأقصى ] وروى الإمام أحمد وعمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن
قزعة قال أتيت ابن عمر فقلت: إني أريد الطور فقال: "إنما تشد الرحال إلى ثلاثة
مساجد: المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى فدع عنك الطور ولا تأته"
فابن عمر وبصرة بن أبي بصرة جعلا الطور مما نهي عن شد الرحال إليه؛ لأن اللفظ الذي
ذكراه فيه النهي عن شدها إلى غير الثلاثة مما يقصد به القربة, فعلم أن المستثنى منه
عام في المساجد وغيرها, وأن النهي ليس خاصا بالمساجد, ولهذا نهيا عن شدها إلى الطور
مستدلين بهذا الحديث, والطور إنما يسافر من يسافر إليه لفضيلة البقعة, فإن الله سماه
الوادي المقدس والبقعة المباركة وكلم كليمه موسى عليه السلام هناك, وهذا هو الذي عليه
الأئمة الأربعة وجمهور العلماء, ومن أراد بسط القول في ذلك والجواب عما يعارضه فعليه
بما كتبه شيخ الإسلام مجيبا لابن الاخنائي فيما أعترض به على ما دلت عليه الأحاديث
الصحيحة وأخذ به العلماء وقياس الأولى لأن المفسدة في ذلك ظاهرة.
وأما النهي عن زيارة غير المساجد الثلاثة
فغاية ما فيها : أنها لا مصلحة في ذلك توجب شد الرحال, ولا مزية تدعو إليه, وقد بسط
القول في ذلك الحافظ محمد بن عبد الهادي في كتاب الصارم المنكي في رده السبكي, وذكر
فيه علل الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه و سلم, وذكر هو وشيخ الإسلام
رحمهما الله تعالى أنه لا يصح منها حديث عن النبي صلى الله عليه و سلم ولا عن أحد من
أصحابه, مع أنها لا تدل على محل النزاع إذ ليس فيها إلا مطلق الزيارة, وذلك لا ينكره
أحد, بدون شد الرحال, فيحمل على الزيارة الشرعية التي ليس فيها شرك ولا بدعة
.
فائدة:
المختارة: كتاب جمع فيه مؤلفه الأحاديث
الجياد الزائدة عن الصحيحين, ومؤلفه: هو أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي,
الحافظ ضياء الدين الحنبلي, أحد الأعلام, قال الذهبي: "أفنى عمره في هذا الشأن,
مع الدين المتين والورع والفضيلة التامة والإتقان, فالله يرحمه ويرضى عنه" وقال
شيخ الإسلام: "تصحيحه في مختاراته خير من تصحيح الحاكم بلا ريب", مات سنة
ثلاث وأربعين وستمائة.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (88)
باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
س170: ما سبب نزول قوله تعالى:{ يؤمنون
بالجبت والطاغوت } ؟
ج: روى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: جاء
حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم: أنتم أهل الكتاب وأهل العلم فأخبرونا
عنا وعن محمد فقالوا: ما أنتم وما محمد؟ فقالوا: نحن نصل الأرحام وننحر الكوماء
ونسقي الماء على اللبن ونفك العناة ونسقي الحجيج ومحمد صنبور قطع أرحامنا واتبعه سراق
الحجيج من غفار فنحن خير أم هو ؟ فقالوا : أنتم خيرا وأهدى سبيلا فأنزل الله تعالى:{ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين
كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا } وفي مسند أحمد عن ابن عباس نحوه
.
س171: ما هو الجبت وما هو الطاغوت
ج:قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:"الجبت السحر والطاغوت الشيطان", وكذلك قول ابن عباس وأبو العالية ومجاهد
والحسن وغيرهم, وعن ابن عباس وعكرمة وأبي مالك:"الجبت: الشيطان ـ زاد ابن عباس-
: بالحبشية", وعن ابن عباس أيضا: "الجبت الشرك", وعنه: "الجبت
الأصنام", وعنه: "الجبت : حيى بن أخطب", وعن الشعبي:"الجبت: الكاهن",
وعن مجاهد: "الجبت: كعب بن الأشرف", قال الجوهري:"الجبت كلمة تقع على
الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (89)
فائدة في قوله تعالى: "وجعل منهم القردة
والخنازير":
قال الثوري عن علقمة بن مرثد عن المغيرة
بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد أن ابن مسعود رضي الله عنه قال:[ سئل رسول
الله صلى الله عليه و سلم عن القردة والخنازير أهي مما مسخ الله ؟ فقال : إن الله لم
يهلك قوما ـ أو قال لم يمسخ قوما ـ فجعل لهم نسلا ولا عقبا وإنما القردة والخنازير
كانت قبل ذلك ] رواه مسلم
س172:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"حذو القذة بالقذة"؟
ج:القذة بضم القاف: واحدة القذذ, وهو ريش
السهم, أي: لتتبعن طريقهم في كل ما فعلوه, وتشبهوهم في ذلك كما تشبه قذة السهم القذة
الآخرى, وبهذا تظهر مناسبة الآيات للترجمة, وقد وقع كما أخبر وهو علم من أعلام النبوة
.
س173: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"؟
ج:في حديث آخر:"حتى لو كان فيهم
من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يفعل ذلك", أراد صلى الله عليه و سلم أن أمته
لا تدع شيئا مما كان يفعله اليهود والنصارى إلى فعلته كله؛ لا تترك منه شيئا, ولهذا
قال سفيان بن عيينة:"من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ومن فسد من عبادنا
ففيه شبه من النصارى", قلت: فما أكثر الفريقين لكن من رحمة الله تعالى ونعمته
أن جعل هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة كما في حديث ثوبان الآتي قريبا.
س174: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"زوى لي الأرض"؟
ج:قال التوربشتي: "زويت الشئ جمعته
وقبضته يريد تقريب البعيد منها حتى اطلع عليه إطلاعه على القريب", وحاصله أنه
طوى له الأرض وجعلها مجموعة كهيئة كف في مرآة ينظره, قال الطيبي:"أي جمعها حتى
بصرت ما تملكه أمتي من أقصى المشارق والمغارب منها".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (90)
س175: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض"؟
ج: قال القرطبي:"عنى به كنز كسرى
وهو ملك الفرس وكنز قيصر وهو ملك الروم وقصورهما وبلادهما",وقد قال صلى الله
عليه و سلم:[ والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله ] وعبر بالأحمر عن كنز
قيصر لأن الغالب عندهم كان الذهب, وبالأبيض عن كنز كسرى لأن الغالب عندهم كان الجوهر
والفضة, ووجد ذلك في خلافة عمر؛ فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله
وجميع ما حوته مملكته على سعتها وعظمتها وكذلك فعل الله بقيصر.
س176: ماذا قال الشارح رحمه الله في قوله
صلى الله عليه وسلم:"وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة"؟
ج: هكذا ثبت في أصل المصنف رحمه الله:
"بعامة" بالباء, وهي رواية صحيحة في صحيح مسلم, وفي بعضها بحذفها, قال القرطبي: وكأنها زائدة لأن عامة: صفة السنة والسنة الجدب الذي يكون به الهلاك العام, ويسمى
الجدب والقحط: سنة, يجمع على سنين كما قال تعالى:
{ ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين
} أي الجدب المتوالي.
س177: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"فيستبيح بيضتهم"؟
ج: قال الجوهري: "بيضة كل شئ حوزته",
وبيضة القوم: ساحتهم, وعلى هذا فيكون معنى الحديث: إن الله تعالى لا يسلط العدو على
كافة المسلمين حتى يستبيح جميع ما حازوه من البلاد والأرض ولو اجتمع عليهم من بأقطار
الأرض؛ وهي جوانبها, وقيل : بيضتهم معظمهم وجماعتهم وإن قلوا.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (91)
س178: من هو البرقاني؟
ج: هو الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد
بن أحمد بن غالب الخوارزمي الشافعي, ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة, ومات سنة خمس وعشرين
وأربعمائة, قال الخطيب : "كان ثبتا ورعا لم نر في شيوخنا أثبت منه عارفا بالفقه
كثير التصانيف", صنف مسندا ضمنه ما أشتمل عليه الصحيحان وجمع حديث الثوري وحديث
شعبة وطائفة .
فائدة:
عن زياد بن حدير قال : قال لي عمر رضي الله
عنه : "هل تعرف ما يهدم الإسلام ؟ قلت : لا قال يهدمه زلة العالم وجدال المنافق
بالكتاب وحكم الأئمة المضلين" رواه الدارمي.
س179: ما المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:
"وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي"؟
ج: ليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا؛
فإنهم لا يصحون كثرة لكون غالبهم تنشأ دعوته عن جنون أو سوداء, وإنما المراد من قامت
له شوكة وبدأ له شبهة كمن وصفنا, وقد أهلك الله تعالى من وقع له منهم ذلك وبقي منهم
من يلحقه بأصحابه وآخرهم الدجال الأكبر.
س180: ما الجمع بين أحاديث نزول عيسى عليه
السلام في آخر الزمان وبين حديث"وأنا خاتم النبيين"؟
ج:ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان حاكما
بشريعة محمد صلى الله عليه و سلم, مصليا إلى قبلته, فهو كأحد من أمته, بل هو أفضل هذه
الأمة, قال النبي صلى الله عليه و سلم:
[ والذي نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكما
مقسطا فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليضعن الجزية].
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (92)
س181: من المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم:"ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم"؟
ج:قال يزيد بن هرون وأحمد بن حنبل:"إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم؟", وقال ابن المبارك وعلي بن المديني
وأحمد بن سنان والبخاري وغيرهم:"إنهم أهل الحديث", وعن ابن المديني رواية:"هم العرب"؛ واستدل برواية من روى:"هم أهل الغرب"؛ وفسر الغرب
بالدلو العظيمة لأن العرب هم الذين يستقون بها.
قال النووي: يجوز أن تكون الطائفة جماعة
متعددة من أنواع المؤمنين ما بين شجاع وبصير بالحرب وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وزاهد وعابد, ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين في بلد واحد؛ بل
يجوز اجتماعهم في قطر واحد وافتراقهم في أقطار الأرض, ويجوز أن يجتمعوا في البلد الواحد
وأن يكونوا في بعض دون بعض منه, ويجوز إخلاء الأرض من بعضهم أولا بأول إلى أن لا يبقى
إلا فرقة واحدة ببلد واحد, فإذا انقرضوا جاء أمر الله ا هـ ملخصا مع زيادة فيه قاله
الحافظ.
س182: ما المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم:"حتى يأتي أمر الله"؟
ج:الظاهر أن المراد به ما روي من قبض من
بقي من المؤمنين بالريح الطيبة, ووقوع الآيات العظام, ثم لا يبقى إلا شرار الناس كما
روى الحاكم أن عبد الله بن عمر قال:" لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر
أهل الجاهلية" فقال عقبة بن عامر لعبد الله:"اعلم ما تقول, وأما أنا فسمعت
النبي صلى الله عليه و سلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله ظاهرين
لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك" قال عبد الله:"ويبعث
الله ريحا ريحها المسك ومسها مس الحرير فلا تترك أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا
قبضته ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة", وفي صحيح مسلم:"لا تقوم
الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله", وعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة
وما أشبهه "حتى تأتيهم الساعة": ساعتهم, وهي وقت موتهم بهبوب الريح. ذكره
الحافظ.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (93)
س183: أين مكان هذه الطائفة المنصورة؟
ج: اختلف في محل هذه الطائفة, فقال ابن
بطال:"إنها تكون في بيت المقدس"؛ كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة
قيل: يا رسول الله أين هم ؟ قال :"ببيت المقدس", وقال معاذ بن جبل رضي
الله عنه:"هم بالشام", وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون
في الشام أو في بيت المقدس دائما بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة.
قلت: ويشهد له الواقع وحال أهل الشام وأهل
بيت المقدس, فإنهم من أزمنة طويلة لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام
ابن تيمية رضي الله عنه وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن, فإنهم كانوا في زمانهم
على الحق يدعون إليه ويناظرون عليه ويجاهدون فيه, وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من
يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق والتمسك بالسنة والله على كل شئ قدير
.
ومما يؤيد هذا أن أهل الحق والسنة في زمن
الأئمة الأربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد, بل
هم في غالب الأمصار, في الشام منهم الأئمة, وفي الحجاز وفي مصر وفي العراق واليمن,
وكلهم على الحق يناضلون ويجاهدون أهل البدع, ولهم المصنفات التي صارت أعلاما لأهل السنة
وحجة على كل مبتدع.
فعلى هذا فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تتفرق,
وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره, فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام,
وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمنة لا في كلها.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (94)
باب ما جاء في السحر
س184: عرف السحر؟
ج:السحر في اللغة : عبارة عما خفي ولطف
سببه, ولهذا جاء في الحديث:[ إن من البيان لسحرا ] وسمي السَحَر سَحَرا لأنه يقع
خفيا آخر الليل.
قال أبو محمد المقدسي في الكافي:السحر
عزائم ورقى وعقد يؤثر في القلوب والأبدان فيمرض ويقتل ويفرق بين المرء وزوجه
.
س185: ما معنى قوله تعالى:{ ولقد علموا
لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق }؟
ج:قال ابن عباس :"من نصيب",
قال قتادة: "وقد علم أهل الكتاب فيما عهد إليهم: أن الساحر لا خلاق له في الآخرة",
وقال الحسن: "ليس له دين", فدلت الآية على تحريم السحر, وكذلك هو محرم في
جميع أديان الرسل عليهم السلام كما قال تعالى:{ ولا يفلح الساحر حيث أتى }, وقد نص
أصحاب أحمد أنه يكفر بتعلمه وتعليمه.
س186:هل يكفر الساحر أم لا؟
ج:ذهب طائفة من السلف إلى أنه يكفر, وبه
قال مالك وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله, قال لأصحابه: إلا أن يكون سحره بأدوية وتدخين
وسقى شئ يضر فلا يكفر.
وقال الشافعي: إذا تعلم السحر قلنا له
: صف لنا سحرك؟ فإن وصف ما يوجب الكفر مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرب إلى الكواكب
السبعة وأنها تفعل ما يلتمس منها فهو كافر, وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته
كفر ا هـ.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (95)
س187: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "السبع الموبقات"؟
ج:أي المهلكات وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب
س188: ما الجواب عن كون الموبقات في هذا الحديث سبع وفي غيره تسع وفي غيره بعدد آخر؟
ج:يجاب: بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف, أو بأنه أعلم أو لا بالمذكورات ثم أعلم بما زاد, فيجب الأخذ بالزائد, أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة إلى السائل.
س189: هل لمن قتل مؤمناً متعمداً من توبة؟
ج:ذهب ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما إلى أنه لا توبة له استدلالا بقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها },
وقال ابن عباس: "نزلت هذه الآية وهي آخر ما نزل وما نسخها شئ", وفي رواية:"لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شئ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وما نزل وحي",
وروي في ذلك آثار تدل لما ذهب إليه هؤلاء كما عند الإمام أحمد والنسائي وابن المنذر عن معاوية : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:[كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا]
وذهب جمهور الأمة سلفا وخلفا إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله, فإن تاب وأناب عمل صالحا بدل الله سيئاته حسنات كما قال تعالى:{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} الآيات.
قوله : "ومن يقتل مؤمنا متعمدا"؛
قال أبو هريرة وغيره:"هذا جزاؤه إن جازاه", وقد روي عن ابن عباس ما يوافق قول الجمهور, فروى عبد بن حميد والنحاس عن سعيد بن عبادة أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول:"لمن قتل مؤمنا توبة", وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما, وروي مرفوعا[ أن جزاءه جهنم إن جازاه ].
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (95)
س187: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "السبع الموبقات"؟
ج:أي المهلكات وسميت هذه موبقات لأنها تهلك فاعلها في الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات وفي الآخرة من العذاب
س188: ما الجواب عن كون الموبقات في هذا الحديث سبع وفي غيره تسع وفي غيره بعدد آخر؟
ج:يجاب: بأن مفهوم العدد ليس بحجة وهو ضعيف, أو بأنه أعلم أو لا بالمذكورات ثم أعلم بما زاد, فيجب الأخذ بالزائد, أو أن الاقتصار وقع بحسب المقام بالنسبة إلى السائل.
س189: هل لمن قتل مؤمناً متعمداً من توبة؟
ج:ذهب ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما إلى أنه لا توبة له استدلالا بقوله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها },
وقال ابن عباس: "نزلت هذه الآية وهي آخر ما نزل وما نسخها شئ", وفي رواية:"لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شئ حتى قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم وما نزل وحي",
وروي في ذلك آثار تدل لما ذهب إليه هؤلاء كما عند الإمام أحمد والنسائي وابن المنذر عن معاوية : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:[كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا]
وذهب جمهور الأمة سلفا وخلفا إلى أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله, فإن تاب وأناب عمل صالحا بدل الله سيئاته حسنات كما قال تعالى:{والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} الآيات.
قوله : "ومن يقتل مؤمنا متعمدا"؛
قال أبو هريرة وغيره:"هذا جزاؤه إن جازاه", وقد روي عن ابن عباس ما يوافق قول الجمهور, فروى عبد بن حميد والنحاس عن سعيد بن عبادة أن ابن عباس رضي الله عنه كان يقول:"لمن قتل مؤمنا توبة", وكذلك ابن عمر رضي الله عنهما, وروي مرفوعا[ أن جزاءه جهنم إن جازاه ].
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (96)
س190: قال المصنف رحمه الله:"وعن جندب
مرفوعا[ حد الساحر ضربه بالسيف ]", من هو جندب هذا؟
ج:ظاهر صنيع الطبراني في الكبير أنه جندب
بن عبد الله البجلي لا جندب الخير الأزدي قاتل الساحر, فإنه رواه في ترجمة جندب البجلي
من طريق خالد العبد عن الحسن عن جندب عن النبي صلى الله عليه و سلم, وخالد العبد ضعيف,
قال الحافظ:"والصواب أنه غيره", وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من
وجهين عن الحسن عن جندب الخير: أنه جاء إلى ساحر فضربه بالسيف حتى مات, وقال:"سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:...." فذكره, وجندب الخير هو جندب
بن كعب, وقيل: جندب بن زهير, وقيل : هما واحد كما قال ابن حبان: أبو عبد الله الأزدي
الغامدي صحابي روى ابن السكن من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:[ يضرب
ضربة واحدة فيكون أمة واحدة ].
س191:هل يُقتل الساحر؟
ج: بهذا الحديث أخذ مالك وأحمد وأبو حنيفة,
فقالوا : يقتل الساحر, وروي ذلك عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وجندب بن عبد الله وجندب
بن كعب وقيس ابن سعد وعمر بن عبد العزيز, ولم ير الشافعي القتل عليه بمجرد السحر إلا
إن عمل في سحره ما يبلغ الكفر, وبه قال ابن المنذر, وهو رواية عن أحمد, والأول أولى
للحديث ولأثر عمر وعمل به الناس في خلافته من غير نكير.
س192:هل يستتاب الساحر؟
ج: يقتل من غير استتابة, وهو كذلك على المشهور
عن أحمد, وبه قال مالك, لأن علم السحر لا يزول بالتوبة, وعن أحمد: يستتاب فإن تاب قبلت
توبته, وبه قال الشافعي, لأن ذنبه لا يزيد عن الشرك, والمشرك يستتاب وتقبل توبته, ولذلك
صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم.
س193: ما معنى قول الإمام أحمد رحمه الله:"عن
ثلاث من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم"؟
ج: أي صح قتل الساحر عن ثلاثة, أو جاء قتل
الساحر عن ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, يعني: عمر وحفصة وجندبا والله
أعلم.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (97)
باب بيان شيء من أنواع السحر
س194: ما معنى قوله: "والطرق: الخط يخط بالأرض"؟
ج:كذا فسره عوف, وهو كذلك, وقال أبو السعادات: هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء.
فائدة:
قوله: قال الحسن:"رنة الشيطان"؛ قلت: ذكر إبراهيم بن محمد بن مفلح أن في تفسير بقي بن مخلد أن "إبليس رن أربع رنات: رنة حين لعن, ورنة حين أهبط, ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم, ورنة حين نزلت فاتحة الكتاب",
قال سعيد بن جيير:"لما لعن الله تعالى إبليس تغيرت صورته عن صورة الملائكة, ورن رنة فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم القيامة", رواه ابن أبي حاتم,
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده", رواه الحافظ الضياء في المختارة, الرنين: الصوت, وقد رن يرن رنينا, وبهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه الله تعالى.
س195: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"من اقتبس"؟
ج:قال أبو السعادات: قبست العلم واقتبسته إذا علمته ا هـ.
س196: ما صحة حديث أبي هريرة رضي الله عنه:[ من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه ]؟
ج: هذا حديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي وقد رواه النسائي مرفوعا وحسنه ابن مفلح.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (97)
باب بيان شيء من أنواع السحر
س194: ما معنى قوله: "والطرق: الخط يخط بالأرض"؟
ج:كذا فسره عوف, وهو كذلك, وقال أبو السعادات: هو الضرب بالحصى الذي يفعله النساء.
فائدة:
قوله: قال الحسن:"رنة الشيطان"؛ قلت: ذكر إبراهيم بن محمد بن مفلح أن في تفسير بقي بن مخلد أن "إبليس رن أربع رنات: رنة حين لعن, ورنة حين أهبط, ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه و سلم, ورنة حين نزلت فاتحة الكتاب",
قال سعيد بن جيير:"لما لعن الله تعالى إبليس تغيرت صورته عن صورة الملائكة, ورن رنة فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم القيامة", رواه ابن أبي حاتم,
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده", رواه الحافظ الضياء في المختارة, الرنين: الصوت, وقد رن يرن رنينا, وبهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه الله تعالى.
س195: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"من اقتبس"؟
ج:قال أبو السعادات: قبست العلم واقتبسته إذا علمته ا هـ.
س196: ما صحة حديث أبي هريرة رضي الله عنه:[ من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه ]؟
ج: هذا حديث ذكره المصنف من حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي وقد رواه النسائي مرفوعا وحسنه ابن مفلح.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (98)
س197: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر"؟
ج:اعلم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر
عقدوا الخيوط ونفثوا على كل عقدة حتى ينعقد ما يريدون من السحر قال الله تعالى:{
ومن شر النفاثات في العقد } يعني السواحر اللاتي يفعلن ذلك والنفث هو النفخ مع الريق
وهو دون التفل والنفث فعل الساحر فإذا تكيفت نفسه بالخبث والشر الذي يريده المسحور
ويستعين عليه بالأرواح الخبيثة نفخ في تلك العقيدة نفخا معه ريق فيخرج من نفسه الخبيثة
نفس ممازج للشر والأذى مقارن للريق الممارج لذلك وقد يتساعد هو والروح الشيطانية على
أذى المسحور فيصيبه بإذن الله الكونى القدرى لا الشرعي قاله ابن القيم رحمه الله تعالى.
فائدة:
قوله: ومن سحر فقد أشرك نص في أن الساحر
مشرك إذا لا يتأتى السحر بدون الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم.
س198:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ومن
تعلق شيئا وكل إليه"؟
ج: أي من تعلق قلبه شيئا: بحيث يعتمد عليه
ويرجوه وكله الله إلى ذلك الشئ فمن تعلق على ربه وإلهه وسيده ومولاه رب كل شئ ومليكه
كفاه ووقاه وحفظه وتولاه فنعم المولى ونعم النصير قال تعالى: ' 39: 36 '{ أليس الله
بكاف عبده } ومن تعلق على السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين وكله الله إلى من تعلق
فهلك ومن تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رآى ذلك عيانا وهذا من جوامع الكلم
والله أعلم .
س199: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم"
ألا هل أنبئكم ما العضه ؟"
ج: بفتح المهملة وسكون المعجمة, قال أبو
السعادات: "هكذا يروى في كتب الحديث, والذي في كتب الغريب: ألا أنبئكم ما العضه,
بكسر العين وفتح الضاد", قال الزمخشري: "أصلها العضهة فعلة من العضة وهو
البهت فحذفت لامه كما حذفت من السنة والشفة, وتجمع على "عضين" ثم فسره بقوله: "هي النميمة القالة بين", فأطلق عليها العضه لأنها لا تنفك من الكذب والبهتان
غالبا ذكره القرطبي.
س200: ما وجه كون النميمة من السحر؟
ج: ذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير
قال:"يفسد النمام والكذاب في ساعة ما لا يفسد الساحر في سنة", وقال أبو
الخطاب في عيون المسائل: "ومن السحر السعي بالنميمة والإفساد بين الناس",
قال في الفروع:"ووجهه أن يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه المكر والحيلة, أشبه
السحر, وهذا يعرف بالعرف والعادة؛ أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر فيعطى حكمه
تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين لكن يقال: الساحر إنما يكفر لوصف السحر وهو أمر
خاص ودليله خاص وهذا ليس بساحر وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي حكمه إلا فيما اختص
به من الكفر وعدم قبول التوبة" انتهى ملخصا .
وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة, وهو يدل
على تحريم النميمة, وهو مجمع عليه, قال ابن حزم رحمه الله: "اتفقوا على تحريم
الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة وفيه دليل على أنها من الكبائر".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (99)
س201: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إن من البيان لسحرا"؟
ج:البيان: البلاغة والفصاحة, قال صعصعة
بن صوحان:"صدق نبي الله فإن الرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بالحجج من صاحب الحق
فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق", وقال ابن عبد البر:"تأوله طائفة على الذم,
لأن السحر مذموم, وذهب أكثر أهل العلم وجماعة أهل الأدب إلى أنه على المدح, لأن الله
تعالى مدح البيان", قال:"وقد قال عمر بن عبد العزيز لرجل سأله عن حاجة
فأحسن المسألة فأعجبه قوله, قال: هذا ولله السحر الحلال" انتهى, والأول أصح,
والمراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع وتلبيس.
فائدة:
قوله:"إن من البيان لسحرا"؛
هذا من التشبيه البليغ, لكون ذلك يعمل عمل السحر فيجعل الحق في قالب الباطل والباطل
في قالب الحق فيستميل به قلوب الجهال حتى يقبلوا الباطل وينكروا الحق ونسأل الله الثبات
والاستقامة على الهدى.
وأما البيان الذي يوضح الحق ويقرره ويبطل
الباطل ويبينه فهذا هو الممدوح, وهكذا حال الرسل وأتباعهم, ولهذا علت مراتبهم في الفضائل
وعظمت حسناتهم.
وبالجملة فالبيان لا يحمد إلا إذا لم يخرج
إلى حد الإسهاب والإطناب وتغطية الحق وتحسين الباطل فإذا خرج إلى هذا فهو مذموم وعلى
هذا تدل الأحاديث كحديث الباب وحديث[ إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه
كما تتخلل البقرة بلسانها] رواه أحمد وأبو داود.
باب ما جاء في الكهان ونحوهم
س202: من هو الكاهن؟
ج:الكاهن هو الذي يأخذ عن مسترق السمع,
وكانوا قبل المبعث كثيرا, وأما بعد المبعث فإنهم قليل, لأن الله تعالى حرس السماء بالشهب,
وأكثر ما يقع في هذه الأمة ما يخبر به الجن أولياءهم من الإنس عن الأشياء الغائبة بما
يقع في الأرض من الأخبار فيظنه الجاهل كشفا وكرامة, وقد اغتر بذلك كثير من الناس, يظنون
المخبر لهم بذلك عن الجن وليا لله وهو من أولياء الشيطان.
س203: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم" من أتى عرافا فسأله عن شئ فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوما"؟
ج:إذا كانت هذه حال السائل فكيف بالمسئول
؟ قال النووي وغيره:"معناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض
عنه ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى
العراف إعادة صلاة أربعين ليلة". ا هـ ملخصا .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (100)
فائدة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال:[من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى
الله عليه و سلم] رواه أبو داود .
وفي رواية أبي داود: "أو أتى امرأة"
ـ قال مسدد:"امرأته حائضا ـ أو أتى امرأة", قال مسدد: "امرأته في
دبرها ـ فقد بريء مما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم", فناقل هذا الحديث من
السنن حذف منه هذه الجملة واقتصر على ما يناسب الترجمة.
فائدة:
قال: وللأربعة والحاكم ـ وقال صحيح على
شرطهما عن النبي صلى الله عليه و سلم من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر
بما أنزل على محمد صلى الله عليه و سلم .
هكذا بيض المصنف اسم الراوي, وقد رواه أحمد
والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا.
س204: كيف نجمع بين هذين الحديثين:
1- من أتى عرافا فسأله عن شئ فصدقه بما يقول لم تقبل
له صلاة أربعين يوما.
2- من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على
محمد صلى الله عليه و سلم؟
ج:قال بعضهم: لا تعارض بين هذا وبين حديث
من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلاة أربعين ليلة؛ هذا على قول من يقول هو كفر
دون كفر, أما على قول من يقول بظاهر الحديث فيسأل عن وجه الجمع بين الحديثين, وظاهر
الحديث -أي الثاني- أنه يكفر متى اعتقد صدقه بأي وجه كان, وكان غالب الكهان قبل النبوة
إنما كانوا يأخذون عن الشياطين.
وقوله : فقد كفر بما أنزل على محمد صلى
الله عليه و سلم: قال القرطبي: المراد بالمنزل: الكتاب والسنة ا هـ, وهل الكفر في
هذا الموضع كفر دون كفر فلا ينقل عن الملة أم يتوقف فيه فلا يقال يخرج عن الملة ولا
يخرج ؟ وهذا أشهر الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (101)
س205: من هو العراف؟
ج:قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
تعالى : إن العراف اسم للكاهن والمنجم والرمال ونحوهم كالحارز الذي يدعى علم الغيب
أو يدعى الكشف .
وقال أيضا: والمنجم يدخل في اسم العراف
وعند بعضهم هو معناه.
وقال أيضا: والمنجم يدخل في اسم الكاهن
عند الخطابي وغيره من العلماء وحكى ذلك عن العرب وعند آخرين هو من جنس الكاهن وأسوء
حالا منه فيلحق به من جهة المعنى.
وقال الإمام أحمد: العرافة طرف من السحر
والساحر أخبث .
وقال أبو السعادات: العراف المنجم والحارز
الذي يدعى علم الغيب وقد استأثر الله تعالى به.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: من اشتهر
بإحسان الزجر عندهم سموه عائفا وعرافا .
والمقصود من هذا: معرفة أن من يدعى معرفة
علم الشئ من المغيبات فهو إما داخل في اسم الكاهن وإما مشارك له في المعنى فيلحق به
وذلك أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف ومنه ما هو من
الشياطين ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة
والسحر ونحو هذا من علوم الجاهلية ونعنى بالجاهلية كل من ليس من أتباع الرسل عليهم
السلام كالفلاسفة والكهان والمنجمين وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلى
الله عليه و سلم فإن هذا علوم لقوم ليس لهم علم بما جاءت به الرسل صلى الله عليهم وسلم
وكل هذه الأمور تسمى صاحبها كاهنا أو عرافا أو في معناهما فمن أتاهم فصدقهم بما يقولون
لحقه الوعيد وقد ورث هذه العلوم عنهم أقوام فادعوا بها علم الغيب الذي استأثر الله
بعلمه وادعوا أنهم أولياء وأن ذلك كرامة, ولا ريب أن من ادعى الولاية واستدل بإخباره
ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان لا من أولياء الرحمن, إن الكرامة أمر يجريه الله
على يد عبده المؤمن التقي, إما بدعاء أو أعمال صالحة لا صنع للولي فيها ولا قدرة له
عليها, بخلاف من يدعي أنه ولي ويقول للناس: اعلموا أني أعلم المغيبات! فإن هذه الأمور
قد تحصل بما ذكرنا من الأسباب, وإن كانت أسبابا محرمة كاذبة في الغالب, ولهذا قال النبي
صلى الله عليه و سلم في وصف الكهان:"فيكذبون معها مائة كذبة", فبين أنهم
يصدقون مرة ويكذبون مائة, وهكذا حال من سلك سبيل الكهان ممن يدعى الولاية وتزكية النفس
المنهي عنها بقوله:{ فلا تزكوا أنفسكم} وليس هذا من شأن الأولياء, فإن شأنهم الإزراء
على نفوسهم وعيبهم لها وخوفهم من ربهم, فكيف يأتون الناس ويقولون: اعرفوا أننا أولياء
وأنا نعلم الغيب؟ وفي ضمن ذلك طلب المنزلة في قلوب الخلق واقتناص الدنيا بهذه الأمور
وحسبك, بحال الصحابة والتابعين رضي الله عنهم, وهم سادات الأولياء, أفكان عندهم من
هذه الدعاوى والشطحات شئ؟ لا والله, بل كان أحدهم لا يملك نفسه من البكاء إذا قرآ
القرآن؛ كالصديق رضي الله عنه, وكان عمر رضي اله عنه يسمع نشيجه من وراء الصفوف يبكي
في صلاته وكان يمر بالآية في ورده من الليل فيمرض منها ليالي يعودونه وكان تميم الداري
يتقلب على فراشه ولا يستطيع النوم إلا قليلا خوفا من النار ثم يقوم إلى صلاته, ويكفيك
في صفات الأولياء ما ذكره الله تعالى في صفاتهم في سورة الرعد والمؤمنين والفرقان والذاريات
والطور, فالمتصفون بتلك الصفات هم الأولياء الأصفياء لا أهل الدعوى والكذب ومنازعة
رب العالمين فيما اختص به من الكبرياء والعظمة وعلم الغيب, بل مجرد دعواه علم الغيب
كفر, فكيف يكون المدعي لذلك وليا لله ؟ ولقد عظم الضرر واشتد الخطب بهؤلاء المفترين
الذين ورثوا هذه العلوم عن المشركين, ولبسوا بها على خفافيش القلوب: نسأل الله السلامة
والعافية في الدنيا والآخرة
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (102)
س206: ما حكم كتابة أبي جاد وتعلمها؟
ج: كتابة أبي جاد وتعلمها لمن يدعى بها
علم الغيب هو الذي يسمى علم الحرف وهو الذي جاء في الوعيد, فأما تعلمها للتهجي وحساب
الحمل فلا بأس به.
س207:ما معنى قوله:"وينظرون في النجوم"؟
ج:أي يعتقدون أن لها تأثيرا كما سيأتي
في باب التنجيم, وفيه من الفوائد عدم الاغترار بما يؤتاه أهل الباطل من معارفهم وعلومهم
كما قال تعالى:{ فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما
كانوا به يستهزئون }.
باب ما جاء في النشرة
س208: ما هي النشرة؟
ج: قال أبو السعادات: "النشرة ضرب
من العلاج والرقية يعالج به من يظن أن به مسا من الجن؛ سميت نشرة لأنه ينشر بها عنه
ما خامره من الداء؛ أي يكشف ويزال".
قال الحسن: النشرة من السحر, وقد نشرت
عنه تنشيرا, ومنه الحديث: فلعل طبا أصابه ثم نشره بقل أعوذ برب الناس؛ أي رقاه.
وقال ابن الجوزي: النشرة حل السحر عن المسحور,
ولا يكاد يقدر عليه إلا من يعرف السحر.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (103)
س209: ما صحة حديث جابر رضي الله عنهما
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل عن النشرة ؟ فقال:[ هي من الشيطان ]؟
ج: هذا الحديث رواه أحمد ورواه عنه أبو
داود في سننه والفضل بن زياد في كتاب المسائل عن عبد الرزاق عن عقيل بن معقل بن منبه
عن جابر فذكره, قال ابن مفلح: إسناد جيد وحسن الحافظ إسناده.
س210: ما معنى قول أحمد:"ابن مسعود
يكره هذا كله"؟
ج:أراد أحمد رحمه الله أن ابن مسعود يكره
النشرة التي هي من عمل الشيطان كما يكره تعليق التمائم مطلقا
س211: ما معنى قوله:"رجل به طب"؟
ج:بكسر الطاء أي سحر يقال: طُبَّ الرجل
ـ بالضم ـ, إذا سحر, ويقال: كنوا عن السحر بالطب تفاؤلا كما يقال للديغ: سليم
.
وقال ابن الأنباري: الطب من الأضداد, يقال
لعلاج الداء طب والسحر من الداء يقال له طب.
س112: ما معنى قوله:"يؤخذ عن امرأته"؟
ج: أي يحبس عن امرأته ولا يصل إلى جماعها,
والأُخذة ـ بضم الهمزة ـ: الكلام الذي يقوله الساحر.
س213: ما معنى قوله:"لا بأس به"؟
ج:يعني أن النشرة لا بأس بها لأنهم يريدون
بها الإصلاح أي إزالة السحر ولم ينه عما يراد به الإصلاح وهذا من ابن المسيب يحمل على
نوع من النشرة لا يعلم أنه سحر.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (104)
س215: اذكر شيئاً من النشرة الجائزة؟
ج: ما رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال : بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور: الآية التي في سورة يونس:
{ فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون } وقوله:{ فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون } إلى آخر الآيات الأربع وقوله :{ إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى }
وقال ابن بطال: في كتاب وهب بن منبه: أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به يذهب عنه كل مابه هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.
باب ما جاء في التطير
س216: ما هي الطيرة؟
ج: أصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشارع وأبطله وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع ولا دفع ضر .
س217: ما معنى قوله تعالى { ألا إنما طائرهم عند الله }؟
ج: قال ابن عباس: "طائرهم : ماقضى عليهم وقدر لهم", وفي رواية: "شؤمهم عند الله ومن قِبَلِه"؛ أي إنما جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله.
س218: ما معنى قوله تعالى: "قالوا طائركم معكم"؟
ج: المعنى ـ والله أعلم ـ حظكم وما نابكم من شر معكم؛ بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين, ليس هو من أجلنا ولا بسببنا؛ بل ببغيكم وعدوانكم؛ فطائر الباغي الظالم معه, فما وقع به من الشر فهو سببه الجالب له؛ وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله؛ كما قال تعالى:{ أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون }, ويحتمل أن يكون المعنى : طائركم معكم: أي راجع عليكم, فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم, وهذا من باب القصاص في الكلام, ونظيره قوله عليه الصلاة و السلام:[ إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ] ذكره ابن القيم رحمه الله.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (104)
س215: اذكر شيئاً من النشرة الجائزة؟
ج: ما رواه ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال : بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور: الآية التي في سورة يونس:
{ فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين * ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون } وقوله:{ فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون } إلى آخر الآيات الأربع وقوله :{ إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى }
وقال ابن بطال: في كتاب وهب بن منبه: أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل ثم يحسو منه ثلاث حسوات ثم يغتسل به يذهب عنه كل مابه هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله.
باب ما جاء في التطير
س216: ما هي الطيرة؟
ج: أصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشارع وأبطله وأخبر أنه لا تأثير له في جلب نفع ولا دفع ضر .
س217: ما معنى قوله تعالى { ألا إنما طائرهم عند الله }؟
ج: قال ابن عباس: "طائرهم : ماقضى عليهم وقدر لهم", وفي رواية: "شؤمهم عند الله ومن قِبَلِه"؛ أي إنما جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله.
س218: ما معنى قوله تعالى: "قالوا طائركم معكم"؟
ج: المعنى ـ والله أعلم ـ حظكم وما نابكم من شر معكم؛ بسبب أفعالكم وكفركم ومخالفتكم الناصحين, ليس هو من أجلنا ولا بسببنا؛ بل ببغيكم وعدوانكم؛ فطائر الباغي الظالم معه, فما وقع به من الشر فهو سببه الجالب له؛ وذلك بقضاء الله وقدره وحكمته وعدله؛ كما قال تعالى:{ أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون }, ويحتمل أن يكون المعنى : طائركم معكم: أي راجع عليكم, فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم, وهذا من باب القصاص في الكلام, ونظيره قوله عليه الصلاة و السلام:[ إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا : وعليكم ] ذكره ابن القيم رحمه الله.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (105)
س219: ما معنى قوله تعالى: "أإن ذكرتم"؟
ج:أي من أجل أنا ذكرناكم وأمرناكم بتوحيد
الله قابلتمونا بهذا الكلام {بل أنتم قوم مسرفون} قال قتادة : أئن ذكرناكم بالله
تطيرتم بنا ؟.
س220:ما مناسبة الآيتين للترجمة؟
ج: أن التطير من عمل أهل الجاهلية والمشركين,
وقد ذمهم الله تعالى به ومقتهم, وقد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن التطير,
وأخبر أنه شرك كما سيأتي في أحاديث الباب.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (106)
س221: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى"؟
ج: قال أبو السعادات : العدوى اسم من الإعداء كالدعوى, يقال : أعداه الداء يعديه إعداءً إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء.
وقال غيره : لا عدوى هو اسم من الإعداء, وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره, والمنفي نفس سراية العلة أو إضافتها إلى العلة, والأول هو الظاهر.
وفي رواية لمسلم أن أبا هريرة كان يحدث بحديث لا عدوى ويحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : "لا يورد ممرض على مصح"؛ ثم إن أبا هريرة اقتصر على حديث : "لا يورد ممرض على مصح" وأمسك عن حديث "لا عدوى..." فراجعوه وقالوا : سمعناك تحدث به! فأبى أن يعترف به, قال أبو مسلمة ـ الراوي عن أبي هريرة- : فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر؟
وقد روى حديث: "لا عدوى...." جماعة من الصحابة : أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والسائب بن يزيد وابن عمر وغيرهم؛ وفي بعض روايات هذا الحديث: "وفر من المجذوم كما تفر من الأسد",
وقد اختلف العلماء في ذلك, وأحسن ما قيل فيه : قول البيهقي وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم : أن قوله : "لا عدوى": على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى؛ وأن هذه الأمور تعدي بطبعها؛ وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شئ من الأمراض سببا لحدوث ذلك,
ولهذا قال : "فر من المجذوم كما تفر من الأسد", وقال : "لا يورد ممرض على مصح", وقال في الطاعون : "من سمع به في أرض فلا يقدم عليه", وكل ذلك بتقدير الله تعالى,
ولأحمد والترمذي عن ابن مسعود مرفوعا : " لا يعدي شئ, قالها ثلاثا" فقال أعرابي: يا رسول الله إن النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "فمن أجرب الأول ؟ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصائبها ورزقها " فأخبر صلى الله عليه و سلم أن ذلك كله قضاء الله وقدره, والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية, فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء والنار مما جرت العادة أن يهلك أو يضر فكذلك اجتنب مقاربة المريض كالمجذوم, والقدوم على بلد الطاعون, فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف,
فالله سبحانه هو خالق الأسباب ومسبباتها, لا خالق غيره ولا مقدر غيره, وأما إذا قوي التوكل على الله والإيمان بقضاء الله وقدره فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتمادا على الله ورجاء منه أن لا يحصل به ضرر؛ ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك, لاسيما إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة,
وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي : " أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه ", وقد أخذ به الإمام أحمد وروي ذلك عن ابن عمر وابنه وسلمان رضي الله عنهم, ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه أكل السم, ومنه مشى سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني على متن البحر. قاله ابن رجب رحمه الله.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (107)
س222: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا طيرة"؟
ج: قال ابن القيم رحمه الله تعالى : يحتمل أن يكون نفيا أو نهيا, أي: "لا تطيروا", ولكن قوله في الحديث:"لا عدوي ولا صفر ولا هامة" يدل على أن المراد النفي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها, والنفي في هذا أبلغ من النهي, لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره, والنهي إنما يدل على المنع منه.
وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم " ومنا أناس يتطيرون قال : ذلك شئ يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم " فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالطيرة إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطير به, فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لما رآه وسمعه,
فأوضح صلى الله عليه و سلم لأمته الأمر وبين لهم فساد الطيرة ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليه علامة ولا فيها دلالة ولا نصبها سببا لما يخافونه ويحذرونه, ولتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله وأنزل بها كتبه وخلق لأجلها السماوات والأرض وعمر الدارين الجنة والنار بسبب التوحيد,
فقطع صلى الله عليه و سلم علق الشرك في قلوبهم لئلا يبقى فيها علقة منها, ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة, فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى, واعتصم بحبله المتين, وتوكل على الله قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها, وبادر خواطرها من قبل استمكانها,
قال عكرمة: كنا جلوسا عند ابن عباس فمر طائر يصيح, فقال رجل من القوم: خير خير, فقال له ابن عباس: "لاخير ولا شر" فبادره بالإنكار عليه لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر, وخرج طاوس مع صاحب له في سفر فصاح غراب فقال الرجل: خير, فقال طاوس: وأي خير عند هذا ؟ لا تصحبني ا هـ ملخصا .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (106)
س221: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى"؟
ج: قال أبو السعادات : العدوى اسم من الإعداء كالدعوى, يقال : أعداه الداء يعديه إعداءً إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء.
وقال غيره : لا عدوى هو اسم من الإعداء, وهو مجاوزة العلة من صاحبها إلى غيره, والمنفي نفس سراية العلة أو إضافتها إلى العلة, والأول هو الظاهر.
وفي رواية لمسلم أن أبا هريرة كان يحدث بحديث لا عدوى ويحدث عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : "لا يورد ممرض على مصح"؛ ثم إن أبا هريرة اقتصر على حديث : "لا يورد ممرض على مصح" وأمسك عن حديث "لا عدوى..." فراجعوه وقالوا : سمعناك تحدث به! فأبى أن يعترف به, قال أبو مسلمة ـ الراوي عن أبي هريرة- : فلا أدري أنسي أبو هريرة أو نسخ أحد القولين الآخر؟
وقد روى حديث: "لا عدوى...." جماعة من الصحابة : أنس بن مالك وجابر بن عبد الله والسائب بن يزيد وابن عمر وغيرهم؛ وفي بعض روايات هذا الحديث: "وفر من المجذوم كما تفر من الأسد",
وقد اختلف العلماء في ذلك, وأحسن ما قيل فيه : قول البيهقي وتبعه ابن الصلاح وابن القيم وابن رجب وابن مفلح وغيرهم : أن قوله : "لا عدوى": على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من إضافة الفعل إلى غير الله تعالى؛ وأن هذه الأمور تعدي بطبعها؛ وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح من به شئ من الأمراض سببا لحدوث ذلك,
ولهذا قال : "فر من المجذوم كما تفر من الأسد", وقال : "لا يورد ممرض على مصح", وقال في الطاعون : "من سمع به في أرض فلا يقدم عليه", وكل ذلك بتقدير الله تعالى,
ولأحمد والترمذي عن ابن مسعود مرفوعا : " لا يعدي شئ, قالها ثلاثا" فقال أعرابي: يا رسول الله إن النقبة من الجرب تكون بمشفر البعير أو بذنبه في الإبل العظيمة فتجرب كلها ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "فمن أجرب الأول ؟ لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر خلق الله كل نفس وكتب حياتها ومصائبها ورزقها " فأخبر صلى الله عليه و سلم أن ذلك كله قضاء الله وقدره, والعبد مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية, فكما أنه يؤمر أن لا يلقي نفسه في الماء والنار مما جرت العادة أن يهلك أو يضر فكذلك اجتنب مقاربة المريض كالمجذوم, والقدوم على بلد الطاعون, فإن هذه كلها أسباب للمرض والتلف,
فالله سبحانه هو خالق الأسباب ومسبباتها, لا خالق غيره ولا مقدر غيره, وأما إذا قوي التوكل على الله والإيمان بقضاء الله وقدره فقويت النفس على مباشرة بعض هذه الأسباب اعتمادا على الله ورجاء منه أن لا يحصل به ضرر؛ ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك, لاسيما إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة,
وعلى هذا يحمل الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي : " أن النبي صلى الله عليه و سلم أخذ بيد مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال كل بسم الله ثقة بالله وتوكلا عليه ", وقد أخذ به الإمام أحمد وروي ذلك عن ابن عمر وابنه وسلمان رضي الله عنهم, ونظير ذلك ما روي عن خالد بن الوليد رضي الله عنه أنه أكل السم, ومنه مشى سعد بن أبي وقاص وأبي مسلم الخولاني على متن البحر. قاله ابن رجب رحمه الله.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (107)
س222: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا طيرة"؟
ج: قال ابن القيم رحمه الله تعالى : يحتمل أن يكون نفيا أو نهيا, أي: "لا تطيروا", ولكن قوله في الحديث:"لا عدوي ولا صفر ولا هامة" يدل على أن المراد النفي وإبطال هذه الأمور التي كانت الجاهلية تعانيها, والنفي في هذا أبلغ من النهي, لأن النفي يدل على بطلان ذلك وعدم تأثيره, والنهي إنما يدل على المنع منه.
وفي صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم أنه قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم " ومنا أناس يتطيرون قال : ذلك شئ يجده أحدكم في نفسه فلا يصدنكم " فأخبر أن تأذيه وتشاؤمه بالطيرة إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطير به, فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره ويصده لما رآه وسمعه,
فأوضح صلى الله عليه و سلم لأمته الأمر وبين لهم فساد الطيرة ليعلموا أن الله سبحانه لم يجعل لهم عليه علامة ولا فيها دلالة ولا نصبها سببا لما يخافونه ويحذرونه, ولتطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله وأنزل بها كتبه وخلق لأجلها السماوات والأرض وعمر الدارين الجنة والنار بسبب التوحيد,
فقطع صلى الله عليه و سلم علق الشرك في قلوبهم لئلا يبقى فيها علقة منها, ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهل النار البتة, فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى, واعتصم بحبله المتين, وتوكل على الله قطع هاجس الطيرة من قبل استقرارها, وبادر خواطرها من قبل استمكانها,
قال عكرمة: كنا جلوسا عند ابن عباس فمر طائر يصيح, فقال رجل من القوم: خير خير, فقال له ابن عباس: "لاخير ولا شر" فبادره بالإنكار عليه لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر, وخرج طاوس مع صاحب له في سفر فصاح غراب فقال الرجل: خير, فقال طاوس: وأي خير عند هذا ؟ لا تصحبني ا هـ ملخصا .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (108)
س223: ألا يعارض ما ذكرنا من تحريم الطيرة
حديث: "الشؤم في ثلاث: في المرأة والدابة والدار"؟
ج:قال ابن القيم رحمه الله تعالى: إخباره
صلى الله عليه و سلم بالشؤم في هذه الثلاثة ليس فيه إثبات الطيرة التي نفاها الله سبحانه؛
وإنما غايته أن الله سبحانه قد يخلق منها أعيانا مشؤومة على من قاربها وساكنها؛ وأعيانا
مباركة لا يلحق من قاربها شؤم ولا شر, وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً
يريان الخير على وجهه؛ ويعطى غيرهما ولداً مشؤوماً يريان الشر على وجهه, وكذلك ما يعطاه
العبد من ولاية وغيرها, فكذلك الدار والمرأة والفرس, والله سبحانه خالق الخير والشر
والسعود والنحوس, فيخلق بعض هذه الأعيان سعوداً مباركة, ويقضي بسعادة من قاربها, وحصول
اليمن والبركة له, ويخلق بعضها نحوساً يتنحس بها من قاربها, وكل ذلك بقضائه وقدره,
كما خلق سائر الأسباب وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة, كما خلق المسك وغيره من
الأرواح الطيبة ولذذ بها من قاربها من الناس, وخلق ضدها وجعلها سببا لألم من قاربها
من الناس, والفرق بين هذين النوعين مدرك بالحس, فكذلك الديار والنساء والخيل, فهذا
لون والطيرة الشركية لون. انتهى
س224: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا هامة"؟
ج: قال الفراء:"الهامة طير من طير
الليل"؛ كأنه يعني البومة, قال ابن الأعرابي : "كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت
على بيت أحدهم؛ يقول : نعت إلى نفسي أو أحدا من أهل داري", فجاء الحديث بنفي ذلك
وإبطاله.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (109)
س225: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا صفر"؟
ج: صفر بفتح الفاء, روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال:"هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس, وهي أعدى من الجرب عند العرب, وعلى هذا فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى"؛ وممن قال بهذا سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير.
وقال آخرون : المراد به شهر صفر؛ والنفي لما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء وكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه وهو قول مالك.
وروى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعه يقول: "إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر ويقولون : إنه مشؤوم, فأبطل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك"؛ قال ابن رجب : ولعل هذا القول أشبه الأقوال, والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها, وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء, وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة.
س226: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا غول"؟
ج: قال أبو السعادات : الغول واحد الغيلان وهو جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس, تتلون تلوناً في صور شتى وتغولهم؛ أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي صلى الله عليه وأبطله.
فإن قيل: ما معنى النفي وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم:" إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان "؟
أجيب عنه : بأن ذلك كان في الإبتداء؛ ثم دفعها الله عن عباده؛ أو يقال: المنفي ليس وجود الغول؛ بل ما يزعمه العرب من تصرفه في نفسه؛ أو يكون المعنى بقوله "لا غول": أنها لا تستطيع أن تضل أحدا مع ذكر الله والتوكل عليه؛ ويشهد له الحديث الآخر" لا غول ولكن السعالى سحرة الجن "؛ أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ومنه الحديث " إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان " أي ادفعوا شرها بذلك بذكر الله.
وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها أو عدمه, ومنه حديث أبي أيوب " كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجي فتأخذ ".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (110)
س227: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ويعجبني الفأل"؟
ج: قال أبو السعادات : الفأل مهموز؛ فيما يسر ويسوء, والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء, وربما استعملت فيما يسر, يقال: تفاءلت بكذا وتفاولت, على التحقيق والقلب,
وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا, وإنما أحب الفأل لأن الناس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير, وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله تعالى كان ذلك من الشر, وأما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله وتوقع البلاء,
والتفاؤل : أن يكون رجل مريض فيسمع آخر يقول : يا سالم, أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول : يا واجد, فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته, ومنه الحديث : " قيل يا رسول الله ما الفأل ؟ قال : الكلمة الطيبة ".
فائدة:
قوله : ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال : ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:" أحسنها الفأل, ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ".
قوله: عن عقبة بن عامر: هكذا وقع في نسخ التوحيد وصوابه : عن عروة بن عامر؛ كذا أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما؛ وهو مكي اختلف في نسبه؛ فقال أحمد : عن عروة بن عامر القرشي, وقال غيره: الجهني, واختلف في صحبته؛ فقال الماوردي : له صحبة, وذكره ابن حبان في ثقات التابعين, وقال المزي: لا صحبة له تصح.
فائدة:
النبي صلى الله عليه و سلم كان يعجبه الفأل وروى الترمذي وصححه عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج لحاجته يحب أن يسمع : يا نجيح يا راشد ", وروى أبو داود عن بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يتطير من شيء, وكان إذا بعث عاملاً سأله عن اسمه, فإذا أعجبه فرح به, وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه, وإسناده حسن وهذا فيه استعمال الفأل.
س225: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا صفر"؟
ج: صفر بفتح الفاء, روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال:"هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس, وهي أعدى من الجرب عند العرب, وعلى هذا فالمراد بنفيه ما كانوا يعتقدونه من العدوى"؛ وممن قال بهذا سفيان بن عيينة والإمام أحمد والبخاري وابن جرير.
وقال آخرون : المراد به شهر صفر؛ والنفي لما كان أهل الجاهلية يفعلونه في النسيء وكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه وهو قول مالك.
وروى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعه يقول: "إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر ويقولون : إنه مشؤوم, فأبطل النبي صلى الله عليه و سلم ذلك"؛ قال ابن رجب : ولعل هذا القول أشبه الأقوال, والتشاؤم بصفر هو من جنس الطيرة المنهي عنها, وكذلك التشاؤم بيوم من الأيام كيوم الأربعاء, وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فيه خاصة.
س226: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا غول"؟
ج: قال أبو السعادات : الغول واحد الغيلان وهو جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تتراءى للناس, تتلون تلوناً في صور شتى وتغولهم؛ أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم فنفاه النبي صلى الله عليه وأبطله.
فإن قيل: ما معنى النفي وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم:" إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان "؟
أجيب عنه : بأن ذلك كان في الإبتداء؛ ثم دفعها الله عن عباده؛ أو يقال: المنفي ليس وجود الغول؛ بل ما يزعمه العرب من تصرفه في نفسه؛ أو يكون المعنى بقوله "لا غول": أنها لا تستطيع أن تضل أحدا مع ذكر الله والتوكل عليه؛ ويشهد له الحديث الآخر" لا غول ولكن السعالى سحرة الجن "؛ أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ومنه الحديث " إذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان " أي ادفعوا شرها بذلك بذكر الله.
وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها أو عدمه, ومنه حديث أبي أيوب " كان لي تمر في سهوة فكانت الغول تجي فتأخذ ".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (110)
س227: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"ويعجبني الفأل"؟
ج: قال أبو السعادات : الفأل مهموز؛ فيما يسر ويسوء, والطيرة لا تكون إلا فيما يسوء, وربما استعملت فيما يسر, يقال: تفاءلت بكذا وتفاولت, على التحقيق والقلب,
وقد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا, وإنما أحب الفأل لأن الناس إذا أملوا فائدة الله ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوي فهم على خير, وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من الله تعالى كان ذلك من الشر, وأما الطيرة فإن فيها سوء الظن بالله وتوقع البلاء,
والتفاؤل : أن يكون رجل مريض فيسمع آخر يقول : يا سالم, أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول : يا واجد, فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته, ومنه الحديث : " قيل يا رسول الله ما الفأل ؟ قال : الكلمة الطيبة ".
فائدة:
قوله : ولأبي داود بسند صحيح عن عقبة بن عامر قال : ذكرت الطيرة عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:" أحسنها الفأل, ولا ترد مسلما فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك ".
قوله: عن عقبة بن عامر: هكذا وقع في نسخ التوحيد وصوابه : عن عروة بن عامر؛ كذا أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما؛ وهو مكي اختلف في نسبه؛ فقال أحمد : عن عروة بن عامر القرشي, وقال غيره: الجهني, واختلف في صحبته؛ فقال الماوردي : له صحبة, وذكره ابن حبان في ثقات التابعين, وقال المزي: لا صحبة له تصح.
فائدة:
النبي صلى الله عليه و سلم كان يعجبه الفأل وروى الترمذي وصححه عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا خرج لحاجته يحب أن يسمع : يا نجيح يا راشد ", وروى أبو داود عن بريدة أن النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يتطير من شيء, وكان إذا بعث عاملاً سأله عن اسمه, فإذا أعجبه فرح به, وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه, وإسناده حسن وهذا فيه استعمال الفأل.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (111)
س228: ما حكم الطيرة؟
ج: قال ابن حمدان: "تكره الطيرة"؛
وكذا قال غيره من أصحاب أحمد.
قال ابن مفلح:"والأولى القطع بتحريمها
لأنها شرك, وكيف يكون الشرك مكروها الكراهية الإصطلاحية ؟".
قال في شرح السنن: "وإنما جعل الطيرة
من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن الطيرة تجلب لهم نفعا أو تدفع عنهم ضرا إذا عملوا
بموجبها, فكأنهم أشركوا مع الله تعالى" .
س229: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"وما منا إلا"؟
ج: قال أبو القاسم الأصبهاني والمنذري: في الحديث إضمار التقدير : وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك ا هـ
وقال الخلخاني: حذف المستثنى لما يتضمنه
من الحالة المكروهة, وهذا من أدب الكلام .
س230: ما معنى قول المصنف:"وجعل آخره
من قول ابن مسعود"؟
ج: قال ابن القيم: "وهو من الصواب,
فإن الطيرة نوع من الشرك".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (112)
س231: ما صحة حديث ابن عمرو:" ومن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك "؟
ج: هذا الحديث رواه أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص, وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات.
س232:ما صحة حديث الفضل بن عباس قال:" خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فبرح ظبي فمال في شقه فاحتضنته فقلت: يا رسول الله تطيرت فقال: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك "؟
ج: هذا الحديث عند الإمام أحمد من حديث الفضل بن عباس قال : " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فبرح ظبي فمال في شقه فاحتضنته فقلت : يا رسول الله تطيرت فقال : إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك" وفي إسناده انقطاع, أي بين مسلمة راويه وبين الفضل؛ وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب؛ ابن عم النبي صلى الله عليه و سلم, قال ابن معين:"قتل يوم اليرموك", وقال غيره:"قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة", وقال أبو داود :"قتل بدمشق, كان عليه درع رسول الله صلى الله عليه و سلم".
س233: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك"؟
ج: هذا حد الطيرة المنهي عنها: أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده؛ ويمنعه من المضي فيه كذلك, وأما الفأل الذي كان يحبه النبي صلى الله عليه و سلم فيه نوع بشارة, فيسر به العبد ولا يعتمد عليه بخلاف ما يمضيه أو يرده, فإن للقلب عليه نوع اعتماد, فافهم الفرق, والله أعلم .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (112)
س231: ما صحة حديث ابن عمرو:" ومن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك قالوا فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك ولا طير إلا طيرك ولا إله غيرك "؟
ج: هذا الحديث رواه أحمد والطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص, وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات.
س232:ما صحة حديث الفضل بن عباس قال:" خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فبرح ظبي فمال في شقه فاحتضنته فقلت: يا رسول الله تطيرت فقال: إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك "؟
ج: هذا الحديث عند الإمام أحمد من حديث الفضل بن عباس قال : " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فبرح ظبي فمال في شقه فاحتضنته فقلت : يا رسول الله تطيرت فقال : إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك" وفي إسناده انقطاع, أي بين مسلمة راويه وبين الفضل؛ وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب؛ ابن عم النبي صلى الله عليه و سلم, قال ابن معين:"قتل يوم اليرموك", وقال غيره:"قتل يوم مرج الصفر سنة ثلاث عشرة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة", وقال أبو داود :"قتل بدمشق, كان عليه درع رسول الله صلى الله عليه و سلم".
س233: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك"؟
ج: هذا حد الطيرة المنهي عنها: أنها ما يحمل الإنسان على المضي فيما أراده؛ ويمنعه من المضي فيه كذلك, وأما الفأل الذي كان يحبه النبي صلى الله عليه و سلم فيه نوع بشارة, فيسر به العبد ولا يعتمد عليه بخلاف ما يمضيه أو يرده, فإن للقلب عليه نوع اعتماد, فافهم الفرق, والله أعلم .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (113)
باب ما جاء في التنجيم
س234: عرف التنجيم؟
ج: قال شيخ الإسلام رحمه الله : التنجيم
هو الاستدلال بالأحوال الفكلية على الحوادث الأرضية.
س235: من الذين خرجوا قول قتادة : خلق الله
هذه النجموم لثلاث: زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها
غير ذلك أخطأ وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به؟
ج: هذا الأثر علقه البخاري في صحيحه؛ وأخرجه
عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم؛ وأخرجه الخطيب في كتاب النجوم
عن قتادة؛ ولفظه قال: إنما جعل الله هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء, وجعلها
يهتدى بها, وجعلها رجوما للشياطين,
فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه وأخطأ
حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به, وإن ناسا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه
النجوم كهانة: من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا, ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا
وكذا, ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود, والطويل والقصير, والحسن والدميم,
وما علم هذه النجوم وهذا الدابة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب, ولو أن أحدا علم الغيب
لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شئ. انتهى.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (114)
س236:ما حكم تعلم منازل القمر؟
ج: قال الخطابي : أما علم النجوم الذي يدرك
من طريق المشاهدة والخبر الذي يعرف به الزوال وتعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيما
نهى عنه؛ وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئا أكثر من أن الظل ما دام متناقصا فالشمس بعد
صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي؛ وإذا أخد في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء
نحو الأفق الغربي؛ وهذا علم يصح إدراكه بالمشاهدة, إلا أن أهل هذه الصناعة قد دبروها
بما اتخذوه من الآلات التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته, وأما ما يستدل
به من النجوم على جهة القبلة فإنها كواكب رصدها أهل الخبرة من الأئمة الذين لا نشك
في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها مثل أن يشاهدها بحضرة
الكعبة, ويشاهدها على حال الغيبة عنها, فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة, وإدراكنا
ذلك بقبول خبرهم إذ كانوا عندنا غير مهتمين في دينهم ولا مقصرين في معرفتهم. انتهى
وروى ابن المنذر عن مجاهد أنه كان لا يرى
بأسا أن يتعلم الرجل منازل القمر, وروي عن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسا أن يتعلم الرجل
من النجوم ما يهتدي به, قال ابن رجب : والمأذون في تعلمه: التسيير, لا علم التأثير؛
فإنه باطل محرم قليله وكثيره, وأما علم التسيير فيتعلم ما يحتاج إليه منه للاهتداء
ومعرفة القبلة والطرق, وهو جائز عند الجمهور.
س237: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"ثلاثة لا يدخلون الجنة"؟
ج: هذا من نصوص الوعيد التي كره السلف تأويلها؛
وقالوا: أمروها كما جاءت, ومن تأولها فهو على خطر من القول على الله بلا علم, وأحسن
ما يقال: إن كل عمل دون الشرك والكفر المخرج عن ملة الإسلام فإنه يرجع إلى مشيئة الله؛
فإن عذبه فقد استوجب العذاب, وإن غفر له فبفضله وعفوه ورحمته.
باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
س238: ما هي الأنواء؟
ج:الأنواء جمع نوء؛ وهي منازل القمر. قال
أبو السعادات : وهي ثمان وعشرون منزلة ينزل القمر كل ليلة منزلة منها.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (115)
س239: ما معنى قوله تعالى: { وتجعلون رزقكم
أنكم تكذبون }؟
ج: روى الإمام أحمد والترمذي ـ وحسنه ـ
وابن جرير وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله عليه و سلم: "{ وتجعلون رزقكم } يقول: شكركم { أنكم تكذبون } تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا: بنجم كذا وكذا "؛ وهذ أولى ما فسرت به الآية, وروي ذلك
عن علي وابن عباس وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وغيرهم وهو قول جمهور المفسرين؛ وبه
يظهر وجه استدلال المصنف رحمه الله بالآية.
س240:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"الجهل بالأحساب"؟
ج: أي التعاظم على الناس بالآباء ومآثرهم,
وذلك جهل عظيم, إذ لا كرم إلا بالتقوى كما قال تعالى:{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم
} .
س241:ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"والطعن في الأنساب"؟
ج: أي الوقوع فيها بالعيب والتنقص, ولما
عير أبو ذر رضي الله عنه رجلاً بأمه قال له النبي صلى الله عليه و سلم:" أعيرته
بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية " متفق عليه؛ فدل على أن الطعن في الأنساب من عمل
الجاهلية, وأن المسلم قد يكون فيه شيء من هذه الخصال, بجاهلية ويهودية ونصرانية, ولا
يوجب ذلك كفره ولا فسقه, قاله شيخ الإسلام رحمه الله.
س242: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"والاستسقاء بالنجوم"؟
ج: أي نسبة المطر إلى النوء؛ وهو سقوط النجم؛ كما أخرج
الإمام أحمد وابن جرير عن جابر السوائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:" أخاف على أمتي ثلاثا: استسقاء بالنجوم وحيف السلطان وتكذيبا بالقدر".
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (116)
س243: ما حكم قول القائل: "مطرنا بنجم
كذا"؟
ج: لا يخلو إما أن يعتقد أن له تأثيراً
في إنزال المطر؛ فهذا شرك وكفر؛ وهو الذي يعتقده أهل الجاهلية؛ كاعتقادهم أن دعاء الميت
والغائب يجلب لهم نفعاً أو يدفع عنهم ضراً أو أنه يشفع بدعائهم إياه, فهذا هو الشرك
الذي بعث الله رسوله صلى الله عليه و سلم بالنهي عنه وقتال من فعله كما قال تعالى:{ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } والفتنة الشرك, وإما أن يقول: مطرنا بنوء كذا مثلاً, لكن مع اعتقاده أن المؤثر هو الله وحده, لكنه أجرى العادة
بوجود المطر عند سقوط ذلك النجم, والصحيح : أنه يحرم نسبة ذلك إلى النجم ولو على طريق
المجاز, فقد صرح ابن مفلح في الفروع: بأنه يحرم قول مطرنا بنوء كذا, وجزم في الإنصاف
بتحريمه ولو على طريق المجاز, ولم يذكر خلافاً, وذلك أن القائل لذلك نسب ما هو من فعل
الله تعالى الذي لا يقدر عليه غيره إلى خلق مسخر لا ينفع ولا يضر ولا قدرة له على شيء,
فيكون ذلك شركا أصغر, والله أعلم .
س244: ما هي النياحة؟
ج: النياحة: أي: رفع الصوت بالندب على الميت؛
لأنها تسخط بقضاء الله, وذلك ينافي الصبر الواجب, وهي من الكبائر؛ لشدة الوعيد والعقوبة.
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (117)
س245: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"سربال من قطران"؟
ج: قال القرطبي: السربال واحد السرابيل, وهي الثياب والقميص, يعني أنهن يُلَطَّخن بالقطران؛ فيكون لهن كالقمص؛ حتى يكون اشتعال النار بأجسادهن أعظم, ورائحتهن أنتن, وألمهن بسبب الجرب أشد, وروي عن ابن عباس: إن القطران هو النحاس المذاب
س246: ما معنى قوله تعالى: "مواقع النجوم"؟
ج: قال مجاهد:"مواقع النجوم: مطالعها ومشارقها"؛ واختاره ابن جرير.
س247:ما معنى قوله تعالى:{ في كتاب مكنون }؟
ج: أي في كتاب معظم محفوظ موقر, قاله ابن كثير.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : اختلف المفسرون في هذا؛ فقيل: هو اللوح المحفوظ, والصحيح أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة, وهو المذكور في قوله:{ في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة }؛ ويدل على أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله:{ لا يمسه إلا المطهرون} فهذا يدل على أنه بأيديهم يمسونه.
س248: ما معنى قوله تعالى:{ لا يمسه إلا المطهرون }؟
ج:قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا يمسه إلا المطهرون, قال: الكتاب الذي في السماء, وفي رواية:"لا يمسه إلا المطهرون" يعني: الملائكة, وقال قتادة: لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس, واختار هذا القول كثيرون منهم ابن القيم رحمه الله ورجحه, وقال ابن زيد : زعمت قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين؛ فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال تعالى : { وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون }؛ قال ابن كثير : هذا قول جيد, وهو لا يخرج عن القول قبله, وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في هذه الآية: لا يجد طعمه إلا من آمن به.
وقال آخرون:{ لا يمسه إلا المطهرون } أي من الجنابة والحدث, قالوا : ولفظ الآية خبر معناه الطلب, قالوا: والمراد بالقرآن ههنا المصحف, واحتجوا على ذلك بما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم : أن لا يمس القرآن إلا طاهر
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (117)
س245: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"سربال من قطران"؟
ج: قال القرطبي: السربال واحد السرابيل, وهي الثياب والقميص, يعني أنهن يُلَطَّخن بالقطران؛ فيكون لهن كالقمص؛ حتى يكون اشتعال النار بأجسادهن أعظم, ورائحتهن أنتن, وألمهن بسبب الجرب أشد, وروي عن ابن عباس: إن القطران هو النحاس المذاب
س246: ما معنى قوله تعالى: "مواقع النجوم"؟
ج: قال مجاهد:"مواقع النجوم: مطالعها ومشارقها"؛ واختاره ابن جرير.
س247:ما معنى قوله تعالى:{ في كتاب مكنون }؟
ج: أي في كتاب معظم محفوظ موقر, قاله ابن كثير.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى : اختلف المفسرون في هذا؛ فقيل: هو اللوح المحفوظ, والصحيح أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة, وهو المذكور في قوله:{ في صحف مكرمة * مرفوعة مطهرة * بأيدي سفرة * كرام بررة }؛ ويدل على أنه الكتاب الذي بأيدي الملائكة قوله:{ لا يمسه إلا المطهرون} فهذا يدل على أنه بأيديهم يمسونه.
س248: ما معنى قوله تعالى:{ لا يمسه إلا المطهرون }؟
ج:قال ابن عباس رضي الله عنهما : لا يمسه إلا المطهرون, قال: الكتاب الذي في السماء, وفي رواية:"لا يمسه إلا المطهرون" يعني: الملائكة, وقال قتادة: لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس, واختار هذا القول كثيرون منهم ابن القيم رحمه الله ورجحه, وقال ابن زيد : زعمت قريش أن هذا القرآن تنزلت به الشياطين؛ فأخبر الله تعالى أنه لا يمسه إلا المطهرون كما قال تعالى : { وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن السمع لمعزولون }؛ قال ابن كثير : هذا قول جيد, وهو لا يخرج عن القول قبله, وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه في هذه الآية: لا يجد طعمه إلا من آمن به.
وقال آخرون:{ لا يمسه إلا المطهرون } أي من الجنابة والحدث, قالوا : ولفظ الآية خبر معناه الطلب, قالوا: والمراد بالقرآن ههنا المصحف, واحتجوا على ذلك بما رواه مالك في الموطأ عن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم : أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم لعمرو بن حزم : أن لا يمس القرآن إلا طاهر
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (118)
س249: ما معنى قوله تعالى:{ يحبونهم كحب
الله }؟
ج: في تقدير الآية قولان
:
أحدهما: والذين آمنوا أشد حبا لله من أصحاب
الأنداد لأندادهم وآلهتهم التي يحبونها ويعظمونها من دون الله
.
وروى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى:{ يحبونهم كحب الله} مباهاة ومضاهاة للحق بالأنداد,{ والذين آمنوا أشد حبا لله
} من الكفار لأوثانهم ثم روى عن ابن زيد قال: هؤلاء المشركون أندادهم آلهتهم التي
عبدوا مع الله يحبونهم كما يحب الذين آمنوا الله والذين آمنوا أشد حبا لله من حبهم
آلهتهم انتهى .
والثاني: والذين آمنوا أشد حبا لله من
المشركين بالأنداد لله فإن محبة المؤمنين خالصة ومحبة أصحاب الأنداد قد ذهبت أندادهم
بقسط منها والمحبة الخالصة أشد من المشتركة والقولان مرتبان على القولين في قوله تعالى:{ يحبونهم كحب الله } فإن فيها قولين أيضا:
أحدهما: يحبونهم كما يحبون الله فيكون
قد أثبت لهم محبة الله ولكنها محبة أشركوا فيها مع الله تعالى أندادهم
.
والثاني: أن المعنى يحبون أندادهم كما
يحب المؤمنون الله ثم بين تعالى أن محبة المؤمنين لله أشد من محبة أصحاب الأنداد لأندادهم
.
وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرجح
القول الأول ويقول: إنما ذموا بأن شركوا بين الله وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوها
لله كمحبة المؤمنين له وهذه التسوية المذكورة في قوله تعالى حكاية عنهم وهم في النار
أنهم يقولون لآلهتهم وأندادهم وهي محضرة معهم في العذاب
{تالله إن كنا لفي ضلال مبين
* إذ نسويكم برب العالمين} ومعلوم أنهم ما سووهم برب العالمين في الخلق والربوبية
وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم وهذا أيضا هو العدل المذكور في قوله تعالى {الحمد
لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} به
غيره في العبادة التي هي المحبة والتعظيم .
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (119)
س250: ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يؤمن أحدكم حتى........."الخ؟
ج: أي: الإيمان الواجب, والمراد كماله؛
حتى يكون الرسول أحب إلى العبد من ولده ووالده والناس أجمعين, بل ولا يحصل هذا الكمال
إلا بأن يكون الرسول أحب إليه من نفسه كما في الحديث: " أن عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال : يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي فقال: والذي نفسي
بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر: فإنك الآن أحب إلي من نفسي فقال: الآن
يا عمر " رواه البخاري.
س251: ما الحكم فيمن قال أن المنفي هنا
هو كمال الإيمان؟
ج: إن أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه
ويعرض للعقوبة فقد صدق, وإن أراد أن المنفي: الكمال المستحب؛ فهذا لم يقع قط في كلام
الله ورسوله صلى الله عليه و سلم. قاله شيخ الإسلام رحمه الله.
س252: لماذا جمع بين الله تعالى ورسوله
صلى الله عليه وسلم في الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: "أحب إليه مما سواهما"
مع ورود النهي؟
ج: فيه قولان :
أحدهما: أنه ثنى الضمير هنا إيماء إلى
أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين؛ لا كل واحدة, فإنها وحدها لاغية, وأمر بالإفراد
في حديث الخطيب إشعارا بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية؛ إذ العطف
في تقدير التكرير, والأصل استقلال كل من المعطوفين في الحكم .
الثاني: حمل حديث الخطيب على الأدب والأولى,
وهذا هو الجواز.
وجواب ثالث: وهو أن هذا وارد على الأصل؛
وحديث الخطيب ناقل فيكون أرجح.
يتبع بإذن الله (الجزء الثالث من السلسلة)
يتبع بإذن الله (الجزء الثالث من السلسلة)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق