السبت، 10 أكتوبر 2015

مفاتيح تربى بأحسن القصص "قصة عزير عليه السلام "



 المفتاح 34 "تربى بأحسن القصص"
 سوف نستفتح قصة جديدة في كتاب الله , نستخرج منها الفوائد ونتربى بها :
قال الله تعالى:( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/ 259 .

 عن أي قصة تتكلم هذه الآية ؟
تتكلم عن عزير عليه الصلاة والسلام 
 هل هو نبي أو رجل صالح ؟
"عزير" رجل صالح من بني إسرائيل، لم يثبت أنه نبي، وإن كان المشهور أنه من أنبياء بني إسرائيل، كما قال ابن كثير رحمه الله في "البداية والنهاية" (2/389) .

 وقد روى أبو داود (4674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:( مَا أَدْرِي أَتُبَّعٌ لَعِينٌ هُوَ أَمْ لَا ؟ وَمَا أَدْرِي أَعُزَيْرٌ نَبِيٌّ هُوَ أَمْ لَا ؟ ).
وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
 قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله:
" وهذا قاله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم عن حاله- يعني : تبّع - وقد جاء ما يدل على أنه قد أسلم فلا يكون لعيناً، وأما عزير: فلم يأت شيء يدل على أنه نبي " .
انتهى من " شرح سنن أبي داود" (26 /468) بترقيم الشاملة

 ما هي قصة عزير عليه السلام ؟
مر عزير على هذه القرية - وهي بيت المقدس على المشهور، بعد أن خربها بختنصر وقتل أهلها -
وهي خاوية ليس فيها أحد، فوقف متفكرا فيما آل أمرها إليه بعد العمارة العظيمة، 
 وقال:(أنى يحيي هذه الله بعد موتها) وذلك لما رأى من دثورها، وشدة خرابها، وبعدها عن العود إلى ما كانت عليه، 
قال الله تعالى: (فأماته الله مائة عام ثم بعثه)، وقد عمرت البلدة وتكامل ساكنوها وتراجعت بنو إسرائيل إليها، فلما بعثه الله عز وجل بعد موته، كان أول شيء أحيا الله فيه : عينيه ، لينظر بهما إلى صنع الله فيه،

 كيف يحيي بدنه ؟
فلما استقل سويا قال الله له -أي بواسطة الملك-:(كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم)،
 قالوا: وذلك أنه مات أول النهار ثم بعثه الله في آخر نهار، فلما رأى الشمس باقية، ظن أنها شمس ذلك اليوم، 
 فقال: (أو بعض يوم)؛ 
( قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه) وذلك: أنه كان معه فيما ذكر عنب وتين وعصير، فوجده كما فقده، لم يتغير منه شيء، لا العصير استحال، ولا التين حمض ولا أنتن، ولا العنب تعفن

(وانظر إلى حمارك) أي: كيف يحييه الله عز وجل وأنت تنظر 
(ولنجعلك آية للناس) أي: دليلا على المعاد 
(وانظر إلى العظام كيف ننشزها) أي: نرفعها، فنركب بعضها على بعض، وركب كل عظم في موضعه حتى صار حمارا قائما من عظام لا لحم عليها، ثم كساها الله لحما وعصبا وعروقا وجلدا، وذلك كله بمرأى من العزير، فعند ذلك لما تبين له هذا كله
 (قال أعلم أن الله على كل شيء قدير) أي: أنا عالم بهذا، وقد رأيته عيانا، فأنا أعلم أهل زماني بذلكانظر : "تفسير ابن كثير" (1/ 687-689).




المفتاح 35 "تربى بأحسن القصص" 
 ما زلنا في قصة عزير عليه السلام .
 ما الفرق بين المعجزة والكرامة ؟
قال العلامة السعدي رحمه الله :
 الفرق بين المعجزة والكرامة والأحوال الشيطانية الخارقة للعادة على يد السحرة والمشعوذين:
أن المعجزة هي ما يُجرِي الله على أيدي الرسل والأنبياء من خوارق العادات التي يتحدون بها العباد ، ويخبرون بها عن الله لتصديق ما بعثهم به ، ويؤيدهم بها سبحانه ؛ كانشقاق القمر ، ونزول القرآن ، فإن القرآن هو أعظم معجزة الرسول على الإطلاق ، وكحنين الجذع ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وغير ذلك من المعجزات الكثيرة .

وأما الكرامة فهي ما يجري الله على أيدي أوليائه المؤمنين من خوارق العادات، كالعلم ، والقدرة ، وغير ذلك ، كالظلة التي وقعت على أسيد بن الحضير حين قراءته القرآن ، وكإضاءة النور لعباد بن بشر وأسيد بن حضير حين انصرفا من عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما افترقا أضاء لكل واحد منهما طرف سوطه.

وشرط كونها كرامة أن يكون من جرت على يده هذه الكرامة مستقيمًا على الإيمان ومتابعة الشريعة، فإن كان خلاف ذلك فالجاري على يده من الخوارق يكون من الأحوال الشيطانية.
 ثم ليعلم أن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين لا يدل على نقص إيمانهم ؛ لأن الكرامة إنما تقع لأسباب :
منها: تقوية إيمان العبد وتثبيته ؛ ولهذا لم ير كثير من الصحابة شيئا من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم .
ومنها: إقامة الحجة على العدو كما حصل لخالد لما أكل السم، وكان قد حاصر حصنا، فامتنعوا عليه حتى يأكله، فأكله، وفتح الحصن، ومثل ذلك ما جرى لأبي إدريس الخولاني لما ألقاه الأسود العنسي في النار، فأنجاه الله من ذلك؛ لحاجته إلى تلك الكرامة. وكقصة أم أيمن لما خرجت مهاجرة واشتد بها العطش سمعت حساً من فوقها، فرفعت رأسها، فإذا هي بدلو من ماء، فشربت منها ثم رفعت.
 وقد تكون الكرامة ابتلاء فيسعد بها قوم ويشقى بها آخرون، وقد يسعد بها صاحبها إن شكر، وقد يهلك إن أعجب ولم يستقم " انتهى من " التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة " (ص/107) .

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
 كيف نفرق بين المعجزة والكرامة والكهانة ؟
فأجاب:
المعجزة تكون للأنبياء،
والكرامة للأولياء؛ أولياء الرحمن،
والكهانة لأولياء الشيطان،
والآن المعجزة لا يمكن أن تقع؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء، ولا يمكن أن تقع.
والكرامة موجودة من قبل الرسول ومن بعد الرسول إلى يوم القيامة، تكون على يد ولي صالح إذا عرفنا أن هذا الرجل الذي جاءت هذه الكرامة على يده هو رجل مستقيم قائم بحق الله وحق العباد عرفنا أنها كرامة .
وينظر في الرجل فإذا جاءت هذه الكرامة من كاهن – يعني: من رجل غير مستقيم - عرفنا أنها من الشياطين، والشياطين تعين بني آدم لأغراضها أحياناً " انتهى من
" لقاءات الباب المفتوح " (لقاء رقم/84، سؤال رقم/8)


 
المفتاح 36 "تربى بأحسن القصص" 
قوله تعالى :{أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
 كيف نتربى بهذه الآية ؟
1 – نبحث في معنى اسم الله " القدير " .
قال السعدي: (القدير) كامل القدرة، بقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرها، وبقدرته سواها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء ويريد . تيسير الكريم الرحمن, (301 , 5)

من آثار الإيمان بهذه الأسماء القدير القادر المقتدر:
1- اتفاق سائر المذاهب الإسلامية على أن الله على كل شيء قدير وبالتالي فانه سبحانه لا يفوته مطلوب ولا يعجزه شي فقدرة الله متحققة متعدية لكل شيء.
أما قدرة الناس فمحدودة ولازمة عند أشياء محددة.
2- في وجود المخلوقات التي لا تحصى بتعدد أشكالها وبتنوع أصنافها برهان ساطع ودليل باهر وآية ظاهرة على كمال قدرة الله تعالى. وقد بسط الله سبحانه وتعالى تلك الدلائل في مواضع شتى من كتابه الكريم, فمخلوقاته سبحانه على تنوعها برهان على قدرته اللا متناهية وإرادته اللا محدودة وينبني على هذا الفهم لمخلوقات الله وموجوداته أن الله قادر على الإتيان بكل شيء وإحداثه سواء إن كان كائنا أم لم يكن.
ومن الدلائل على ذلك قوله سبحانه عن نفسه:"وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا" السجدة13 
كذلك قوله سبحانه:"وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ" يونس:99 وغير ذلك من الآيات التي تبرهن وتؤكد على أن الله سبحانه قادر على إحداث كل شيء ولو انه لم يحدثه, فلا يتنافى هذا (عدم الإحداث) من أنه غير قادر عز وجل على إحداثه.
مما سبق نرى أن الله أخبر أنه سبحانه لو شاء لفعل أشياء ولكنه لم يفعلها وهو بالتالي لا ينقص من قدرته جل وعلا شي في حال عدم فعلها.
وبطبيعة الحال فإن الله يكون بذلك قادر ومقتدر وقدير على التحكم بكل أفعال مخلوقاته, إذ أنه قادر على فعل كل شيء وتسيير جميع ما في الكون وبالتالي فهو قادر على المنفصل.
اضغط على الرابط 

http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?5861-%C7%E1%DE%C7%CF%D1-%C7%E1%DE%CF%ED%D1-%96-%C7%E1%E3%DE%CA%CF%D1


المفتاح 37 "تربى بأحسن القصص" 
نبدأ قصة جديدة تابعة للقصة السابقة التث تثبت أهم صفة من صفات الربوبية لله تعالى وهي الإحياء والإماتة.
 ماهي القصة ؟
قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو أبو الأنبياء 
ما هي الآية والسورة التي ذكرت فيها ؟
في سورة البقرة, قال تعالى :
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

نبدأ بذكر القصة :
 إبراهيم قال طالبا من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، فقال الله له: أولم تؤمن .
هل هناك شبهة أثيرت حول هذه الآية ؟
الشبة : 
هل يمكن أن يشك إبراهيم عليه الصلاة والسلام في إحياء الله للموتى ؟
حاشاه عليه الصلاة والسلام وهو إمام الحنفاء وهو خليل الرحمن .

أتت الآية لتزيل الشبهة عن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال إبراهيم:بلى يا رب، قد آمنت أنك على كل شيء قدير، وأنك تحيي الموتى، وتجازي العباد 
ولكن أريد أن يطمئن قلبي، وأصل إلى درجة عين اليقين، فأجاب الله دعوته، كرامة له، ورحمة بالعباد، قال فخذ أربعة من الطير ولم يبين أي الطيور هي، فالآية حاصلة بأي نوع منها، وهو المقصود، فصرهن إليك أي: ضمهن واذبحهن ومزقهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ففعل ذلك، وفرق أجزاءهن على الجبال التي حوله، ودعاهن بأسمائهن، فأقبلن إليه، أي: سريعات، لأن السعي: السرعة، وليس المراد أنهن جئن على قوائمهن، وإنما جئن طائرات، على أكمل ما يكون من الحياة.

لماذا خص الطيور ؟
وخص الطيور بذلك، لأن إحياءهن أكمل وأوضح من غيرهن، وأيضا أزال في هذا كل وهم، ربما يعرض للنفوس المبطلة، فجعلهن متعددات أربعة، ومزقهن جميعا، وجعلهن على رؤوس الجبال، ليكون ذلك ظاهرا علنا، يشاهد من قرب ومن بعد، وأنه نحاهن عنه كثيرا، لئلا يظن أن يكون عاملا حيلة من الحيل، وأيضا أمره أن يدعوهن فجئن مسرعات، فصارت هذه الآية أكبر برهان على كمال عزة الله وحكمته.
من أهم التنبيهات في هذه الآية :
أن البعث فيه يظهر للعباد كمال عزة الله وحكمته وعظمته وسعة سلطانه وتمام عدله وفضله.


المفتاح 37 "تربى بأحسن القصص" 
 (وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
كم مرتبة للعلم ؟
للعلم ثلاث مراتب هي: 
علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
فعلم اليقين يكون بالسمع، وعين اليقين يكون بالبصر، وحق اليقين يكون بالحواس أو بالقلب.
 قال ابن القيم رحمه الله في كتابه (التبيان في أقسام القرآن):
المرتبة الثانية:
عين اليقين... هي التي سألها إبراهيم الخليل ربه أن يريه كيف يحيي الموت ليحصل له مع علم اليقين عين اليقين.
فكان سؤاله زيادة لنفسه وطمأنينة لقلبه، فيسكن القلب عند المعاينة، ويطمئن لقطع المسافة التي بين الحبر والعيان.
وعلى هذه المسافة أطلق النبي صلى الله عليه وسلم لفظ الشك حيث قال:
«نحن أحق بالشك من إبراهيم» ومعاذ الله أن يكون هناك شك ولا من إبراهيم وإنما هو عين بعد علم، وشهود بعد خبر، ومعاينة بعد سماع".
ويستمر رحمه الله في تفسير هذه المرتبة ثم يقول: "وقد ضرب بعض العلماء للمراتب الثلاثة مثلا فقال: إذ قال لك من تجزم بصدقه: عندي عسل أريد أن أطعمك منه فصدقته كان ذلك علم يقين، فإذا أحضره بين يديك صار ذلك عين اليقين، فإذا ذقته صار ذلك حق اليقين".

ما معنى اسم الله الحكيم ؟
قال الطبري في التفسير: وهو الحكيم: في تدبير خلقه ، وتسخيرهم لما يشاء ، العليم بمصالحهم. 
وقال ابن كثير: حكيم في أقواله وأفعاله.
ما أثر الإيمان باسم الله الحكيم ؟
إذا علم العبد أن الحكيم هو المدبر للأمور المتقن لها والموجد لها على غاية الإحكام والإتقان والكمال، والواضع للأشياء في مواضعها، والعالم بخواصها ومنافعها الخبير بحقائقها ومآلاتها..
فإذا عرف العبد ذلك وتيقن هذا المعنى وأن كل ما يجري في هذا الكون هو لحكمة بالغة أرادها الله تبارك وتعالى- علم هذه الحكمة من علمها وجهلها من جهلها- كان لهذه المعرفة الأثر البالغ في حياته وتصرفاته ونظرته للكون والحياة وعاش مطمئن القلب قرير العين مفوضا الأمر كله إلى الله تعالى متقنا لعمله محسنا لعبادته، ومتيقنا أن كل ما يجري في الكون والحياة هو من تقدير الحكيم العليم اللطيف الخبير الذي لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق