الأحد، 29 نوفمبر 2015

وقفات " أكشف على قلبك " سلسلة " حياة القلوب




هذه الدروس المباركة ألقيت حلقات إذاعية في 
إذاعة القرآن -السعودية عام 1430
درر للشيخ/ سعد بن ناصر الشثري 
وهي حياة للقلوب ، تم تفريغ هذه السلسة
المباركة إلي الدرس الرابع 

 سلسلة " حياة القلوب 
الدرس الأول:التقـــــــــــــوى
من أين تصدر التقوى ؟
فإن التقوى تصدر أصالة من القلب ..كما قال النبي: التقوى ها هنا، التقوى ها هنا  وكان يشير إلى صدره، وقد أمر الله تعالى بالتقوى 
فقال (واتقُوا اللهَ واعلَمُوا أنَّ اللهَ شَديدُ العِقَاب) وقال  (وتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَادِ التَقوَى واتَّقُونِي يَا أُولِي الألبَاب) 
وقال ( قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم للِّذِينَ أحسَنُوا فِي هَذِهِ الدُنيَا حَسَنة وأرضُ الله ِوَاسِعَة)، بل إن التقوى هي وصية الله للأمم السابقة ، والأمم اللاحقة (وللهِ مَا فِي السَمَاواتِ ومَا فِي الأرضِ ولَقَد وَصّينَا الّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وإيَّاكُم أنِ اتّقُوا الله).
ومن أجل التقوى ..

بيّن الله الآيات والأحكام 
قال تعالى (كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللهُ آيَاتِهِ للِنّاسِ لَعَلّهُم يَتَّقُون)، والتقوى وضع وقاية بين العبد وغضب الله وبينه وبين النار بفعل الطاعات، وترك الذنوب، وقد فسّر طلق ابن حبيب التقوى 
 بقوله: التقوى العمل بطاعة الله، على نور من الله، رجاء رحمة الله ، والتقوى ترك معاصي الله، على نور من الله، مخافة عذاب الله.
ومن أسباب التقوى .. الصوم ، قال تعالى(يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعلَّكُم تَتَّقُون)
قال السمعاني:  الصوم وصلة إلى التقوى،لما فيه من قهر النفس وكسر الشهوات 
وقال ابن تيمية :  مقصود الصوم التقوى غدا نكمل بإذن الله  


الدرس الثاني: الإخـــــــلاص
سلسلة " حياة القلوب 
قال تعالى في الحديث القدسي: أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه   وفي لفظ:  فأنا منه بريء وهو كله للذي أشرك، قال تعالى) مَن كَانَ يُريدُ الحَيَاةَ الدُنيَا وزِينَتَهَا نُوفّي إلِيهِم أعمَالَهُم فيهَا وهُم فِيهَا لا يُبخَسُون أُولَئِكَ الّذِينَ لَيسَ لَهُم فِي الآخِرَةِ إلّا النّار وحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعمَلُون )) .


(2) أن النافع الضار ، هو رب العزّة و الجلال ..فكيف نقصد بأعمالنا غيره طلباً للنفع ، قال تعالى أمِ اتخَذُوا مِن دُونِ اللهِ شُفَعَاء قُل أوَلَوا كَانُوا لا يَملِكُونَ شَيئَاً ولا يَعقِلُون قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعَا لَهُ مُلُكُ السَّمَاواتِ والأرض ِثُمَّ إليهِ تُرجَعُون.

الدرس الثالث:
سلسلة " حياة القوب 
 نحمد الله بقلوبنا ،وننيب إليه بأفئدتنا ..ونصلّي ونسّلم على رسول الله المنيب إلى ربه.....
فإن من عبادات القلوب ، الإنابة إلى علاّم الغيوب، و الإنابة إقبال القلب على الله عزّ وجلّ وحده ، وانجذاب دواعي القلب لمراضي الله .
قال قتادة :  المنيب هو التائب المقبل على الله  ،
وقال ابن زيد:  الإنابة هي الرجوع إلى الطاعة والنزوع عمّا يُضادّها من معاصي الله .
ومن أنواع العبادة ..
الإنابة وهي التوجه إلى الله ،وهي التوبة النصوح ، وهي الرجوع إلى الله تعالى ، وفي المسند من حديث جابر   مرفوعا :  لا تمنوا الموت ، فإن هول المطلع شديد ، وإن من السعادة أن يطول عمر العبد ويرزقه الله الإنابة .
إنابة أولياء الله .. هي إنابة لإلهيته ، إنابة عبودية ومحبة ، وتتضمن أربعة أمور :
·محبة الله .
·والخضوع له .
·والإقبال عليه .
·والإعراض عمّا سواه .
فلا يستحق اسم المنيب الا من اجتمعت فيه هذه الأربع الخلال .
الإنابة .. هي عكوف القلب على الله عزّ وجل ، كاعتكاف البدن في المسجد لا يفارقه ، وحقيقة ذلك .. عكوف القلب على محبة الله ، وعلى ذكره بالإجلال والتعظيم له ، مع عكوف الجوارح على طاعته بالإخلاص له والمتابعة .

كثيرا ً ما يتكرر في القرآن ذكر الإنابة والأمر بها ، والإنابة هي الرجوع إلى الله ، وانصراف دواعي القلب ودواعيه إليه ، وهي تتضمن المحبة والخشية ، فإن المنيب محباً لمن أناب إليه .. خاضع إليه ، خاضع له ، خاشع ذليل.
   
 الدرس الرابع:
سلسلة " حياة القلوب
تـــدبــّر القـــــــــــــرءان
 فإن من عبادات قلوب المؤمنين ، تدبر القرآن ، وخصوصاً في شهر رمضان ، قال تعالى(شهرُ رَمَضَان الّذي أُنزِلَ فِيهِ القُرآن هُدىً لِلنّاسِ وَبيّناتٍ من الهُدَى والفُرقَان) 
ومن أعظم القُربات ، وأعظم المواعظ ، وأفضل أسباب حياة القلوب .. تدبر القرآن ، والتفكّر في قصصه ومواعظه ، وحججه وبيّناته وأدلّته (لَو أنزَلنَا هَذَا القُرءَانَ عَلَى جَبَل ٍلَرَأيتَهُ خَاشِعَاً مُتَصَدِّعَاً مِن خَشيَةِ الله)
أيها المؤمن .. اسمع ربك وخالقك المتصرف في الكون يقول ( وكَم أهلَكنَا قَبلَهُم مِن قَرن ٍهُم أشدُّ مِنهُم بَطَشَا فَنَقّبُوا فِي البلادِ هَل مِن مَحِيص إنَّ في ذَلِكَ لَذكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أو ألقَى السَمعَ وَهُوَ شَهِيد)
وقال تعالى (أفلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن أم عَلَى قُلُوبٍ أقفَالُهَا)وهذا إنكار على من يعرض عن تدبر القرآن ، وقال ( أفَلا يَتَدَبّرُونَ القُرآن ولَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللهِ لَوَجَدُوا فيهِ اختِلافَاً كَثيرَا)
وقال (أفَلَم يَدبّرُوا القَولَ أم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِي آبَاءَهُمُ الأوَلِين)وقال (كِتَابٌ أنزلنَاهُ إليكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبّرُوا آيَاتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أولُوا الألبَاب)
وقد ذم الله جلَّ وعلا المعرض عن هذا القرآن ، بما يشمل المعرض عن تدبّره ، قال تعالى( ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكِّرَ بِآياتِ رَبّهِ فَأعرَضَ عَنهَا) وقال( ومَن أظلَمُ مِمّن ذُكّرَ بآياتِ رَبّهِ ثُمُّ أعرَضَ عَنهَا ) 
 وترك تدبر القرآن من أنواع هجر القرآن الداخل في قول الله تعالى( وَقَالَ الرَسُولَ يَا رَبّي إنّ قَومِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرآنَ مَهجُورا)
إن من أعظم ما يدعو الإنسان إلى التدبر في كتاب الله ، ما احتواه هذا الكتاب من الخير العظيم قال تعالى(يا أيُّهَا النّاسُ قَد جَاءَكُم بُرهَانٌ مِن رَبِّكُم و أَنزَلنَا إليكُم نُورَاً مُبِينَا) وقال ) قد جَاءَكُم مِنَ اللهِ نُورٌ وكِتَابٌ مُبِين يَهدِي بهِ اللهُ مَنِ اتّبَعَ رِضوَانَهُ سُبُلَ السّلام ويُخرِجُهُم مِنَ الظُلُمَاتِ إلى النورِ بِإذنِهِ ويَهدِيهِم إلى صِرَاطٍ مُستَقيم )وقال(ما كُنتَ تَدرِي مَا الكِتابُ ولا الإيِمَان ولَكَن جَعلنَاهُ نُوراً نَهدِي بِه مَن نَشَاءُ مِن عِبَادِنَا) فإذا كان القرآن نورا .. فكيف تعمى بصيرة عاقل عن الاستضاءة بذلك النور .
وهذا يدل على الحث على تدبر القرءان وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر، أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود .
 وبحسب لب الإنسان وعقله .. يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .
وقال ابن القيم :{ فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته ، من تدبر القرءان وإطالة التأمل فيه ، وجمع الفكر على معاني آياته ، فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرها ، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما ومآل أهلهما ، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة ، والعلوم النافعة ، وتثبّت قواعد الإيمان في قلبه ، وتريه أيام الله في الأمم السالفة، وتبصّره بمواقع العبر ، وتشهده عدل الله وفضله ، وتعرّفه ذاته وأسماءه وصفاته ، وأفعاله وما يحبه وما يبغضه ، وصراطه الموصل إليه }.
ومفتاح حياة القلوب ، تدبر القرءان ، والضراعة بالأسحار ، وتوبة العبد وتركه للذنوب .
والذي يدعوا لتدبر القرءان عدد من الأمور .. منها :
أولاً : طاعة أمر الله جلَّ وعلا الذي أمر بتدبر القرءان ، قال تعالى(إنّا جَعَلنَاهُ قُرءَانَاً عَرَبِيَاً لَعَلّكُم تَعقِلُون)
وثانيها: أن تدبر القرءان ،يعرف العبد بمعالم الخير والشر ، وطرقهما وثمراتهما ، ومآل أهلهما وكيفية التمييز بينهما .
وثالثها: أن تدبر القرءان ، يثبّت الإيمان في القلب ، ويرسّخه بقواعد متينة .
ورابعها: أن تدبر القرءان ، يزيد في عقل الإنسان ، من خلال مطالعة عواقب الأمور ،ومعرفة ما حلّ بالأمم السابقة .
وخامسها: أن بتدبر القرءان ، يعرف المرء معاني أسماء الله الحسنى ، ويتعرف على ما يحبه الله ويرضاه ، ويستجلب بذلك رضا رب العالمين وخير الدنيا وال آخرة .
وسادسها: أن المرء بتدبر القرءان ، يتمكن من تطبيق القرءان على نفسه ، بل وتعرّفه صفات نفسه ، ليتمكن من معالجتها بما يناسبها . وبتدبر القرءان ، تزول كثير من وساوس الشياطين ، ويتمكن المرء من صد هذا العدو عنه .
وأما الوسائل المعينة على تدبر القرءان ..فترتيل القرءان ، وحسن قراءته ، واختيار الأوقات المناسبة لقراءته ، وتفريغ القلب من المشكلات وقت قراءته ، ومراجعة تفسيره من السنّة النبوية ، وكلام أهل اللغة وما كتبه المفسّرون الموثوقون .
وأعظم من ذلك كله .. ســــــــؤال العـبد لـربه أن يـفـهمـه مـعـاني كـتـابـه .
 سلسلة " حياة القلوب 
الدرس الخامس:
الحـــــــــــــــزن
فإن من الأمور التي ترد إلى القلوب ..الحزن ،
والحزن هو ألم القلب لوقوع مكروه ، أو فوات محبوب في الماضي ، والحزن لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، فلا فائدة فيه .. وإذا لم يقترن بالحزن محرم ، فإنه يُعفى عنه لقول النبي صلّى الله وسلم:[ إنّ الله لا يؤاخذ على دمع العين ولا حزن القلب ، ولكن يؤاخذ على هذا أو يرحم ] وأشار إلى لسانه صلّى الله عليه وسلم .
وقد نهى الله المؤمنين عن الحزن ، فقال سبحانه (ولا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوَنَ إنْ كُنتم مُؤمِنِين)أي لا تضعف أبدانكم ولا تحزن قلوبكم بسبب ما أصابكم من المصائب ، فإن الحزن زيادة مصيبة .. وسببٌ لاستظهار عدوكم عليكم ، بل تشجعوا واطردوا عن قلوبكم الحزن ، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر الصدّيق:[لا تحزن إنّ الله معنا ] لما كانوا في الغار في ليلة الهجرة ..
فالحزن مرض للقلب يمنعه من القيام ببعض وظائفه ، وإن كان الحزن ليس من اختيار العبد ، وإنما يقع في قلبه في أحيان كثيرة بدون أن يقصده ، وإنما المراد أن يحاول العبد رفع الحزن الحاصل في قلبه .
والحزن نوع من أنواع المصائب التي يكفّر الله بها الذنوب ، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم : [ ما يصيب المسلم من نصب "أي تعب " ، أو وصب "أي مرض" ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ،حتى الشوكة يشاكها الا كفّر الله بها من خطاياه .] متفق عليه ، وعلى العبد إذا وقع الحزن في قلبه أن يتجنب التسخّط من أقدار الله .
والحزن فد يعرض لبعض عباد الله الصالحين ، كما قال تعالى (حَزَنَاً ألاّ يَجدُوا مَا يُنفِقُون) ولما جاء خبر موت أهل مؤتة ،جلس النبي صلّى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن ، وقال صلّى الله عليه وسلم :[ إنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون
ويمتنّ الله تعالى على بعض عباده بإبعاد الحزن عنهم ؛ كما قال سبحانه (الا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُون الّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتقون لَهُمُ البُشرَى في الحَيَاةِ الدُنيَا وَفي الآخرة)، فالإيمان والتقوى من أسباب إبعاد الأحزان عن القلوب ..
ومن طرق إبعاد الحزن عن القلب إتباع هدي الله الوارد في كتابه ، كما قال سبحانه (فَمَن اتّبَعَ هُدَاي فَلا خَوفٌ عَلَيهم وَلا هُم يَحزَنُون )
ومن هنا جاءت الشريعة بالنهي عن الحزن الذي قد يعتري بعض قلوب المؤمنين ، من أجل صدود غير المؤمنين عن دعوة الإسلام ، أو افتراءهم الكذب على المسلمين ، كما قال تعالى(قَد نَعلمُ إنّهُ لَيَحزُنُكَ الّذي يَقُولُون فَإنَهم لا يُكَذِبُونَك وَلَكنَّ الظَالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجحَدُوُن) وقال (ولا يَحزَنُكَ قَولُهم إنَّ العِزّةَ للهِ جَمِيعَاً هُوَ السَمِيعُ العَلِيم) وقال ) يَا أيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزَنُكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبَهم)وقال (واصّبِر وَمَا صَبرُكَ الا باللهِ ولا تَحزَن عَلَيهِم وَلاَ تَكُ في ضَيق ٍمِمّا يَمكُرُون) ولم يرد في الشرع الأمر بالحزن المنافي لتمام الرضا أبداً ، إذ لا فائدة في الحزن ، بل قد يكون فيه مضرّة ، لكنه يُعفى عنه إذا لم يقترن به ما يكرهه الله ..وقد يقترن بالحزن ما يجعل صاحبه يثاب عليه ويحمد عليه ويكون محموداً من تلك الجهة، كمن يحزن على مصيبة في دينه ، أو يحزن بسبب المصائب التي تصيب إخوانه المسلمين .. فهنا يُثاب العبد على هذا الحزن لما فيه من محبة الخير للآخرين وبغض الشرّ لهم ..
أسأل الله جلَّ وعلا أن يوفقنا وإياكم للخير ..أن يبعد عنا وعنكم الحزن ..هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

 سلسلة " حياة القلوب .  
الدرس السادس
التـــفــاؤل
فإن من أعمال قلوب الصائمين ..التي يتقربون بها لله أن يتفاءلوا .. بحيث يتفاءل المرء بأن يغفر الله له في هذا الشهر الكريم ،شهر رمضان ، ويتفاءل بأن يستجاب له دعاءه ، ونتفاءل أيضا أن يمحّص الله ذنوبنا في شهر رمضان ،وأن يتقبل الله منا عباداتنا .
تأميل الناس في فضل الله عز وجل:
إذا أمّل الناس في فضل الله ، ورجوا إحسانه جلَّ وعلا عند كل سبب ضعيف أو قوي ، فهم على خير ولو غلطوا في جهة الرجاء ، فإن الرجاء خير لهم .
وإذا قطع العباد أملهم من الله ، وقطعوا رجاءهم من الله كان ذلك من أعظم الشرّ عندهم ، وقد جاء في الحديث أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{قال الله ـ عزَّ وجل ـ أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء} وجاء في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{لا طيره وخيرها الفأل ، قالوا :وما الفأل ؟!قال :الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم}.
في الصحيح أن النبي صلّى الله عليه وسلم قد ذكر أن سبعين ألفاً من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم يدخلون الجنّة بغير حساب ولا عذاب ، وقد وصفهم النبي صلّى الله عليه وسلم بأنهم لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون .
فقوله "ولا يتطيرون" أي لا يتشاءمون ، فإذا نهي عن التشاؤم ، دل ذلك على مشروعية ضد الا وهو التفاؤل .
وليس في الإعجاب بالفأل ومحبته شيء من الشرك ، بل ذلك إبانة عن مقتضى الطبيعة ، ومن حب الفطرة الإنسانية ، التي تميل إلى ما يوافقها ويلائمها ، والله تعالى فد جعل في غرائز الناس الإعجاب بسماع الاسم الحسن ومحبته ، وميل نفوسهم إليه .
وكذلك جعل فيها الارتياح والاستبشار والسرور باِسم الفلاح والسلام ، والنجاح والتهنئة والبشرى ، والفوز والظفر ونحو ذلك ..
أما التفاؤل ..فإنه حسن ظن بالله سبحانه وتعالى ، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال .
وإذا كان التفاؤل محبوباً محموداً عند الله ـ عزّ وجل ـ فإن الذي يقابله التشاؤم ، وهو من الأمور المذمومة ، ومن أمثلة ذلك ..أن يتشاءم الإنسان بالأعداد أو الطير أو المرضى ..وهذا من الأمور المحرمة في الشرع .
والتطيّر إنما يضرّ من أشفق منه وخاف ، وأما من لم يبالي به ولم يعبأ به شيئا فإنه لا يضره البتة 
والطيرة باب من أبواب الشرك .. ومن إلقاء الشيطان الوساوس في قلوب العباد، فهو من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ..ولهذا يعظم شأنه ويكبر عند من يكثر العناية به .
وعلاج الطيرة يكون بحسن التوكل على الله ، والاعتماد عليه ، ومعرفة أنه لا يحدث شيئاً الا بتقدير الله وخلقه ،وأن القدر سابق على هذه الحادثة التي تشاءم منها .
خرج عمر ابن عبد العزيز في سفر فقيل له :{ القمر في الدّبران ، وكانوا يتشاءمون من ذلك ..فقال : إنّا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنّا نخرج بالله الواحد القهّار }.
التطيّر ... سيء العاقبة دنيا وآخرة ..فيا أيها المؤمنون اجتنبوا التطيّر في جميع شؤونكم ، واتصفوا بصفة التفاؤل في كل أحوالكم ، والله جلَّ وعلا عند حسن ظن عبده به ، والله جلَّ وعلا قد عوّدكم الجميل ، وبين لكم أنه ينصر أولياءه المؤمنين ، فتفاءلوا بنصر الله تجدوه ...
هذا ... والله جلَّ وعلا أسأله أن يوفقنا وإياكم بخيري الدنيا والآخرة .. وأن يصلح أحوالنا جميعا .. وأن يردّنا إلى دينه ردّاً حميدا .. هذا والله أعلم .
وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
 
سلسلة " حياة القلوب
الدرس السابع
الــــــــرجــــــــــــاء
فإن من عبادات القلوب ..رجاء رحمة علاّم الغيوب ، قال تعالى (أولئكَ الّذينَ يَدعُونَ يَبتَغُونَ إلىَ رَبّهِمُ الوَسِيلَة أيّهُم أقَرَب وَيَرجُونَ رَحمَتَه وَيَخَافُونَ عَذَابَه) وفي الصحيح يقول النبي صلّى الله عليه وسلم :{ لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه }، ويقول:{ قال الله عزّ وجل : أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء }.
قال ابن القيم:{ الرجاء حاد يحدو القلوب إلى بلاد المحبوب وهو الله والدار الآخرة }، أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل ، كرجاء المطيع لثواب ربه ، أو رجاء كائد لمغفرته وعفوه.
الرجاء من الأسباب التي ينال العبد بها ما يرجوه من ربه .. بل هو أقوى الأسباب ، وفي قوله تعالى (إن الّذينَ آمَنُوا والّذينَ هَاجَرُوا وجَاهَدُوا في سَبيلِ اللهِ أولئكَ يَرجُونَ رَحمَةَ الله) دليل على أن الرجاء لا يكون إلا بالقيام بالأعمال، وأما الرجاء المقارن بالكسل فهو غرور وأمن من مكر الله وهو دال على ضعف الهمّة، ونقص العقل، وفي الآية دلالة على أن العبد لا يعتمد على عمله ولا يعّول عليه ، بل يرجو رحمة ربه.
إذا علم العبد أن رحمة الله واسعة، دعاه ذلك إلى أن يكون قلبه معلّقاً برجاء الله، قال تعالى(إنَّ رَحمَتِي وَسِعَت كُلّ شَيء) وفي الحديث الصحيح قال النبي صلّى الله عليه وسلم:{ لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي }.
إن استشعار العبد لعبوديته لربه، وفقره إليه ، وحاجته لما يرجوه من ربه، ويستشرفه من إحسانه، وأنه لا يستغني عن فضل الله وإحسانه طرفة عين، يدعوه إلى أن يملئ قلبه من رجاء الله تعالى.
من أسباب تحصيل الرجاء ..
أن يشاهد العبد عظم فضل الله عليه ، وعموم إحسانه في نفسه
أن يستحضر المؤمن وعد الله للمؤمنين بخيري الدنيا والآخرة، قال تعالى (وبَشّرِ المُؤمِنِينَ بِأنَّ لَهُم مِن اللهِ فَضَلاً كَبِيرَا ))
 أن يعلم أن الله تعالى يغفر ذنوب العباد التائبين مهما تعاظمت، قال تعالى( قُل يَا عِبَادِي الّذينَ أسرَفُوا عَلَى أنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ الله إنَّ اللهَ يَغِفرُ الذُنُوبَ جَمِيعَا).
إذا لاحظ العبد سنّة الله في الكون، بنصر أولياءه المؤمنين، ازداد قلبه رجاءاً لله تعالى(أليس الله بكافٍ عبده(ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، وإذا لاحظنا أن الله تعالى يجيب دعاء الداعين على اختلاف أزمانهم وأماكنهم، وعلى تنوع لغاتهم وألسنتهم ، زادنا ذلك رجاءاً في الله تعالى، ثم إن الثمرات العظيمة التي تحصل من رجاء الله تعالى، تدعونا إلى أن نملئ قلوبنا من رجاء الله .
فمن ثمرات الرجاء ..
أن الرجاء من أسباب مغفرة الذنوب ، كما ورد في الحديث القدسي:{ يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي .}
 *الرجاء من أسباب رضا الله عن العبد ومحبته له وقربه منه .
*الرجاء ينشّط النفس على طاعة الله، فإن من عرف قدر مطلوبه، هان عليه ما يبذله فيه، قال تعالى(فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاءَ رَبّهِ فَليَعمَلَ عَمَلاً صَالِحَاً ولا يُشركَ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أحَدا
*الرجاء يجعل العبد يتلذذ بأنواع الطاعات، فكلما طالع القلب ثمرات الطاعات ، وحسن عاقبتها ، إلتذَّ بها.
*الرجاء يبثّ الطمأنينة في النفس ، ويبعد عنها الوساوس والخطرات ، ويهّون عليها المصائب ، وبذلك يقوى العبد على أعداء الله ، قال تعالى (ولا تَهِنُوا فِي ابتِغَاءِ القَوم إن تَكُونُوا تَألَمُونَ فَإنّهُم يَألَمُونَ كمَا تَألَمُون وَتَرجُونَ مِن اللهِ مَا لا يَرجُون وكَانَ الله عَلِيمَاً حَكِيمَا).
لولا التعلق بالرجاء تقطعت ~~ نفس المحب تحسّراً وتمزقا
لولا الرجاء يحدو ألمطي لما سرت ~~ يحدو لها لديارهم ـ
اللقاء رجاء الله ورجاء ثوابه .. يحدو العبد إلى متابعة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم ، والسير على طريقة عباد الله الصالحين (لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُول ِالله ِأسُوَةٌ حَسَنَة لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ واليَومَ الآخِرَ وذَكَرَ اللهَ كَثيرَا) لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.
الرجاء سبب لتحصيل منافع الدنيا والآخرة .. وفي الحديث{ أن النبي صلّى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت ، قال : كيف تجدك ؟ قال : والله يا رسول الله إني لأرجو الله، وإني أخاف ذنوبي . فقال صلّى الله عليه وسلم:لا يجتمعان في قلب عبد، في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمّنه مما يخاف}
وما أعظم ما ينجز الرجاء.. من انتظار رحمة الله، وتوقع فضل الله، الذي يعلّق القلب بالله
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الثامن
الــخــــــــــوف
ففي لقاءنا هذا في برنامج قلوب الصائمين نتحدث عن امتلاء قلوب المؤمنين بالخوف من رب العالمين، قال الله تعالى (فَليَحذَرِ الّذينَ يُخَالِفُونَ عَن أمرِهِ أن تُصِيبَهُم فِتنَة أو يُصِيبَهُم عَذَابٌ ألِيم)
ومن طرق تحصيل خوف الله تعالى ..تصديق الله في وعده ووعيده ، وذلك أن المرء يخاف أن يدخله الله نار جهنّم ويعذبه بها ، كما قال تعالى(قُل إنَّ الخَاسِرِينَ الّذِينَ خَسِرُوا أنفُسَهُم وأهلِيهِم يَومَ القِيامَة الا ذَلِكَ هُوَ الخُسرَان المُبين لَهُم مِن فَوقِهِم ظُلَل من النّارِ ومِن تَحتِهِم ظُلَل ذَلِكَ يُخَوّفُ اللهُ به عِبَاده يَا عِبَادِي فَتّقُون
من أسباب تحصيل للخوف من الرب تبارك وتعالى :
ملاحظة الآيات الكونية ، وما قدّره الله من المخلوقات العظيمة ، يزرع الخوف من الله في قلب العبد ، قال تعالى(هُوَ الّذِي يُريِكُمُ البَرقَ خَوفَاً وطَمَعَا ويُنشئُ السَّحَابَ الثِقَال ويُسَبِحُ الرَّعدُ بِحَمدِهِ والمَلائِكَةُ مِن خِيفَتِهِ ويُرسِلُ الصَواعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُم يُجَادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَال)وقال سبحانه(ومَا نُرسِلُ بِالآياتِ إلّا تَخويِفَا)
والإنسان إذا لم يخف من الله اتبع هواه، ولا سيّما إذا كان طالباً ما لم يحصل له، فإن نفسه تبقى طالبة لما تستريح به، وتدفع به الغم والحزن عنها ، وليس عندها من ذكر الله وعبادته ما تستريح إليه ، فتظن أن راحتها في المحرمات، من فعل الفواحش وشرب المسكرات، وقول الزور واللهو والعبث، ومخالطة قرناء السوء، ولا تطمئن نفسه إلا بعبادة الله.
إن الخوف من الله تعالى ينتج عنه فوائد عظيمة ..منها ترك الذنوب والمعاصي، روى الحاكم بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة ، فمن تركها من خوف الله ،أثابه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه،ومن ترك المعاصي خوفاً من الله أجر وأثيب}
الخوف من الله سبب لرفع الدرجات في الجنّة ، قال تعالى (ولِمَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان) وقال (وأمَّا مَن خَافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهَىَ النَّفسَ عَنِ الهَوَى فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى) ، وفي حديث السبعة الّذين يظلهم الله يوم القيامة:{ رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال ، فقال إني أخاف الله}.
من استحضر مخافة الله في دعاءه ، كان ذلك من أسباب
إجابة الدعاء ، قال تعالى (وادعُوهُ خَوفَاً وَطَمَعَا إنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنين) وقال(تَتَجَافَىَ جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ ربَّهُم خَوفَاً وَطَمَعَا وَمِمَّا رَزقنَاهُم يُنفِقُون فَلا تَعلمُ نَفسٌ مَا أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أعيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعمَلُون
مخافة الله سبب للتمكين في الأرض، قال تعالى(ولَنُسكِنَنَّكُم الأرضَ من بَعدِهِم ذَلِكَ لِمَن خَافَ مَقَامِي وخَافَ وَعِيد)
مخافة الله سبب للاتعاظ والتذكر ، قال تعالى(فَذَكّر بِالقُرءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيد ).
إذا استحضر المرء مخافة الله في كل وقت، دعاه ذلك لأن يكون مخلصاً لله في كل أعماله .
من خاف الله لم يتكبّر على خلقه ولم يتجبّر على عباده .
وخوف الله يحمل العبد إلى إعطاء أصحاب الحقوق حقوقهم .
(إنّمَا ذَلِكُمُ الشَيطَانُ يُخَوّفُ أولِيَاءَه فَلا تَخَافُوهُم وخَافُونِي إن كُنتُم مُؤمِنِين)، فإذا اتحد مصدر الخوف ، أطمئنت النفس ، وفي بعض الآثار:[ من خاف الله .. خوّف الله منه كل شيء ، ومن لم يخاف الله ..خوفه الله من كل شيء ].
مخافة الله سبب لمغفرة الذنوب ،لقد حرص سلف الأمة على الترغيب في الخوف والاتصاف به 
قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه :{ أيها الناس .. لو نادى منادي من السماء "أيها الناس إنكم داخلون الجنّة كلكم إلا رجلاً واحدا " لخفت أن أكون أنا هو } ،
قال الحسن البصري :{ لقد مضى بين يديكم أقوام لو أن أحدهم أنفق عدد هذا الحصى ، لخشي ألا ينجو من عظم ذلك اليوم } .
قال ابن مسعود :{ إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه جالس في أصل جبل يخشى أن ينقلب عليه ، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه فقال به هكذا فطار }
قال ابن عباس :{ وعد الله المؤمنين الّذين خافوا مقامه وأدّوا فرائضه الجنّة }
وقال عمر ابن عبد العزيز:{ من خاف الله ..أخاف الله منه كل شيء } قال وهب ابن كمنبه:{ ما عبد الله بمثل الخوف }.
هذا، والله أعلم ..وصلى الله على نبينا محمد....
 
سلسلة " حياة القلوب
الدرس التاسع:
التـــــــــواضـــــــــــع
فإن من أخلاق قلوب الصائمين .. التواضع، التواضع أن لا يرى الإنسان لنفسه على غيره فضلا مهما علت منزلته، ومهما قدّم من إحسان لغيره، وقد فسّر النبي صلّى الله عليه وسلّم الكبر بأنه{بطر الحق "أي جحده "، وغمط الناس "أي احتقارهم"}.
متى تصح درجة التواضع؟
ولا يصح للعبد درجة التواضع ، حتى يقبل الحق ممن يحب وممن يبغض، فيقبله من عدوّه كما يقبله من صديقه، ومن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته ، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته حقاً كانت معذرته أو باطلا 
إن أعظم درجات التواضع .. أن تتواضع مع الله، بأن تعرف مقدار نفسك، وأن تستجيب لأمر ربّك، طاعة له سبحانه ، لا استجابة لعاده ولا تحقيقاً لهوى ومحبة ، فلا ترى لنفسك حقاً على الله لأجل عملك، وإنما تتواضع لربك بأن تعرف أن الله جلَّ وعلا قد تكرّم عليك.
لقد أمر الله تعالى بالتواضع في آيات قرآنية عديدة .. وجاء الأمر بالتواضع في أحاديث كثيرة ، ومما ورد في ذلك قول الله تعالى(واخفِض جَنَاحَكَ لِلمُؤمِنِين) وقوله سبحانه (ولا تَمشِي فِي الأرضِ مَرَحَا إنَّكَ لَن تَخرِقَ الأرضَ ولن تَبلُغَ الجِبَالَ طُوُلا) وقوله جلَّ وعلا (ولا تَمشِي فِي الأرضِ مَرَحَا إنَّ اللهَ لا يُحِبُ كُلَّ مُختَالٍ فَخُوُر) وقال سبحانه (وعِبَادُ الرّحمَنِ الّذينَ يَمشُونَ عَلَى الأرضِ هَونَا)
قال ابن عباس:{ بالعفاف، والطاعة، والتواضع }
وفي الحديث يقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:{ إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد }:{ ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله } أخرجه مسلم.
وفي حديث أبي سعيد ألخدري عند ابن حبّان أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:{ من تواضع لله درجة، رفعه الله درجة حتى يجعله في أعلى عليين، ومن تكبّر على الله درجة، وضعه الله درجة حتى يجعله في أسفل سافلين، ولو أن أحدكم يعمل في صخرة صمّاء ليس عليه باب ولا كوّة لخرج ما غيّبه للناس كائناً من كان } رواه مسلم.
من أحسن الأخلاق أن تكون سجيّة العبد التواضع .. ومن أحسن الأفعال ، الإحسان إلى من أساء إليك.
قال ابن حجر:[ الأمر بالتواضع نهي عن الكبر فإنه ضده ] ، وفي الصحيح مرفوعا قال النبي صلّى الله عليه وسلم:{ قال الله عزّ وجل : الكبرياء رداءي ، والعظمة إزاري ، من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم } وقد قال الله تعالى (أفكُلّمَا جَاءَكُم رَسُولٌ بمَا لا تَهوىَ أنفُسِكُم استكبَرتم فَفَرِيقَاً كَذّبتُم وفَرِيقَاً تَقتُلُون)
المتكبر ذليل يوم القيامة، ففي السنن أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال:{ يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان }، وفي الصحيح:{ بينما رجل يتبختر في برديه قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة } وقال:{ من جرّ ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة }.
يحسن بالمسلم أن يكون صيامه من أسباب تواضعه بين يدي الله، وتواضعه لعباد الله، فإن الذي منع العبد من بعض النعم في الصوم، قادر على سلب النعم كلها بالكبر وعدم التواضع.
الصوم .. يجعل الذهن يخلو من المشغلات عن التفكير .. فيتأمل الإنسان في أصل خلقته ، ويتأمل مدى ضعفه وقدرة الله عليه، ويتأمل مساواته لغيره في أحكام الله ، فكيف يتكبر على من كان مساوياً له، ويتذكر وقوفه بين يدي الله، ومحاسبته له على أعماله ، ويتأمل بحسن عاقبة التواضع وسوء عاقبة الكبر، قالت عائشة:{ تغفلون عن أفضل العبادة التواضع }.

أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتواضعين.. والبعد عن التكبر وأهله .

سلسلة " حياة القلوب
الدرس العاشر
التــــــــفكّـــــــر
والتفكر هو تأمل القلب في المعاني لإدراك العواقب وفهم الحقائق..
والاعتبار قياس حال النفس بحال الغير ، إذ ما حلّ بغيرك سيحلُّ بك ، متى كانت أسباب ذلك حاصلة عندك ، والسعيد من وعظ بغيره
ومما تكرر في القرآن ، مدح المتفكّرين .. وفتح الباب للتفكّر والاعتبار ، والأمر الجازم بذلك ، قال تعالى(فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأبصَار)كأنه قال:(انظروا إلى فعل هؤلاء الّذين نزلت بهم العقوبات ، فاجتنبوا فعلهم ، لئلا ينزل بكم عقاب مثل عقابهم).
وأصل الخير والشر:.. من قبل التفكّر ، فإن الفكر مبدأ الإرادة والطلب في الزهد ، والترك والحب والبغض .
إن التفكّر في آيات الله الكونية والشرعية: مفتاح الإيمان ، وطريق العلم والإيقان (فَإنَها لا تَعمَى الأبصَار ولَكن تَعمَى القُلُوبُ التي في الصُدُور إنَّ في ذَلِكَ لآيات لقوم ٍيعقِلُون) أي يستفيد من التفكّر في ذلك ، من لهم عقول يستعملونها في التدبر و التفكّر فيعرفون ما هم مهيئون له ، فيُفارقون حال الغافلين ، الّذين يكون استعمالهم لحواسّهم مماثلاً لحظ البهائم ، إذ لا يجعلون إحساسهم سبب للتفكّر والتأمل .
التفكّر والاعتبار يكون في أمور عديدة ..
منها الاعتبار بنصر الله لأولياءه المؤمنين ،قال تعالى(قَدْ كَانَ لَكُم آيةٌ فِي فِئَتَينِ التَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتلُ فِي سَبِيل ِ اللهِ وَأُخرَى كَافِرة يَرَونَهم مِثلَيهم رَأيَ العَين ِواللهُ يُؤيّدُ بِنَصرِه ِمَن يَشَاء إنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لِأُولِي الأبصَار)

كذلك الاعتبار: بالعقوبات التي نزلها الله على الأمم المكذّبة السابقة ، قال تعالى(هُوَ الّذِي أخرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِم لأوّل ِالحَشر مَا ظَنَنتُم أن يَخرُجُوا وَظَنّوا أنَّهُم مَانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِنَ اللهِ فَآتَاهُمُ اللهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعب يُخرِبُونَ بِيُوُتَهُم بِأيدِيِهِم وَأيدِي المُؤمِنِينَ فَاعتَبِروا يَأولِي الأبصَار
كذلك الاعتبار: بالمخلوقات العظيمة التي خلقها رب العزّة والجلال : قال تعالى (يُقلّبُ اللهُ الليلَ والنّهَار إنَّ في ذَلِكَ لَعِبرَةً لأُولِي الأبصَار)
وكذلك الاعتبار بالتاريخ، وقصص الأمم السابقة ، وخصوصاً ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال سبحانه (لَقَد كَان فِي قَصَصِهِم عِبرَة لأولي الأبصَار مَا كَانَ حَدِيثَاً يُفتَرَى وَلَكن تَصديقَ الّذِي بَينَ يَدَيهِ وتفصيلَ كل شيء وهُدَىً ورحمة لِقوم ٍيُؤمنون)
ومن ذلك تفكّر الإنسان ..في الأحوال التي مرّ عليها طعامه الذّي يأكله ، قال تعالى (فليَنظُر الإنسانُ إلى طَعَامِهِ*أنّا صَبَبنَا المَاءَ صَبّا*ثمّ شَققَنَا الأرضَ شَقّا*فَأنبَتنَا فِيهَا حَبّا*وعِنَبَا ًوَقَضبا*وَزَيتُونَا ًوَنخلاً *وَحَدَائقَ غُلبَا *وَفَاكِهَة ًوأبّا* مَتَاعا ً لَكُم وَلأنعَامِكُم)،فمن نظر في هذه النعم أوجب له ذلك شكر ربه،وجعله يبذل الجهد في الإنابة إليه، والإقبال على طاعته والتصديق بأخباره .
 فوائد التفكر:
إذ في الاعتبار بذلك ، تقوية الإيمان والزيادة له ..في الاعتبار، زيادة الخوف من الله والرجاء له ..في الاعتبار تعريف الإنسان بحقائق المخلوقات ومعرفة الإنسان بحقيقة نفسه .. في الاعتبار، معرفة الدنيا وحقيقتها وزوالها وتذكر الآخرة مع الاستعداد لها .
في الاعتبار بذلك ، قناعة العبد بما رزقه الله، وسعادة قلبه، وطمأنينة نفسه ... بالاعتبار تزيد البصيرة، وتقوى الفراسة ،وتزيد الحكمة.
بالاعتبار و التفكّر .. يدرك المرء عواقب الأمور .. بالتفكّر،يدرك المرء قدرة ربه، وعظمته، ويدرك عدله ورحمته، وحكمته وتمام ملكه، وتفرّده بالتصرف في المخلوقات، مع مشاهدة مقدار بعض نعم الله على العبد.
بالتفكّر والاعتبار... ينتقل العبد إلى حمد الرب وشكر النعم ، والاستعداد ليوم المعاد.. وإذا غذي القلب بالتذكر، وسُقي بالتفكّر، وسلم من الآفات، رأى العجائب وأُلهمَ الحكمة..
أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتفكّرين .. والله أعلم ،
 
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الحادي عشر
(أ) الـــرضــــــا
فإن من الأعمال العظيمة الفائدة ،الكبيرة الأثر ،العميمة الثمرة ،الواسعة النفع ،أن يرضى العباد بقضاء الله ، وأن ترضى القلوب بأمر الله ونهيه ، بحيث تكون القلوب مبتهجة بذلك كله ..راضية به ، فترضى بقضاء الله ، وترضى بأوامر الله ،إذا جاء أمر من أوامر الله أو نهي من نواهيه ، رضيت القلوب بذلك ..
الرضا:سرور القلب بأوامر الله وأقداره ولو كانت مؤلمة ..
الرضا:عدم الجزع مما قضاه الله وقدّره ، فأهل الإيمان يرضون عن الله ، ويرضون بأحكام الله ، فيُسلّمون لها تمام التسليم ، ولا يوجد في قلوبهم أي اعتراض عليها ، سواءً كانت من الأحكام الشرعية أو الأحكام القدرية .
رضا العبد عن الله.. أن لا يكره ما يجري به قضاءه ، وأن لا يسخط شيئاً من أوامره ، كان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء) في سنن ابن ماجه{ما من مسلم أو إنسان أو عبد يقول حين يمسي وحين يصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا الا كان حقاً على الله أن يرضيه يوم القيامة }
فالرضا بإلوهية الله يتضمن:
الرضا بمحبته وحده ، وخوفه ورجاءه ، والإنابة إليه، مع امتداد قوى القلب كلها لله وحده، ولا يحب الا لله ، وذلك فعل الراضي كل الرضا بمحبوبه، وهذا يتضمن عبادة الله والإخلاص له وحده والتبتل إليه سبحانه بحيث لا يريد العبد الا الله ..
وأما الرضا بربوبية الله فيتضمن الرضا بتدبيره لعبده ..
ويتضمن أن العبد يرضى بكل ما قدّره الله عليه ، ولو كان من المصائب ، ويتضمن إفراد الله بالتوكّل عليه، وبالاستعانة به، وأن يكون المرء راضيا ً بكل ما يفعله الله به، فالنوع الأول يتضمن رضا العبد بما يؤمر به، والنوع الثاني يتضمن رضا العبد بما يقدّره الله عليه والثقة به والاعتماد عليه
سلسلة " حياة القلوب .  
الدرس الحادي عشر 
(ب) الـــرضــــــا 
وأما الرضا بنبيه رسولا .. 
فيتضمن كمال الانقياد له ، والتسليم المطلق إليه ، بحيث يكون أولى به من نفسه ، فلا يتلقّى الهدى الا من مواقع كلماته صلّى الله عليه وسلم ،ولا يحاكم الا إليه وإلى كتاب ربه ، ولا يحّكم غيره ،ولا يكون راضيا ً بحكم غيره ، لا في شيء من أحكامه الظاهرة أو الباطنة ، فإن عجز عن العثور على حكمه ، كان تحكيمه لغيره من باب الاضطرار كالمضطر لا يجد طعاما ً الا الميتة والدم .
وأما الرضا بدين الله ..
فإذا قال شرع الله سلّم له ، ورضي به ، أو حكم الله أو أمر أو نهى .. رضي كل الرضا بذلك ، ولم يبقى في قلبه حرج من حكمه ، وسلّم له تسليما ولو كان مخالفا ً لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلّده أو شيخه أو طائفته، وثمرة الرضا بذلك .. الفرح والسرور بالرب تبارك وتعالى .
عدم رضا القلب .. يوجب قلق القلب واضطرابه وهمّه وغمّه ، ومن ارتقى إلى الرضا في المصائب ، علم أن الرضا جنّة الدنيا ، ومستراح العابدين ، وباب الله الأعظم ، ورأى ذلك نعمة لما فيه من صلاح قلبه ، ودينه ، وقربه إلى الله ، وتكفير سيئاته ،ومما يجعله يصدّ عن ذنوب تدعوا إليها شياطين الإنس والجن ، قال الله تعالى (هذا يَومُ يَنفَعُ الصَادِقينَ صِدقهُم لَهُم جَنَّاتٌ تَجِرِي مِن تَحتِهَا الأنهار خَالِدينَ فِيهَا أبَدَا رَضيَ اللهُ عَنهُم ورَضُوا عنه ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيم) وقال(إنَّ الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَالِحاَت أولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيّة جَزَاءُهُم عِندَ رَبّهِم جَنَّاتُ عَدن ٍتَجرِي مِن تَحتِهَا الأنهَار خَالدِين فِيهَا أبَدا رَضِيَ اللهُ عَنهُم وَرَضُوا عَنه ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبّه) .
إن الصبر والإكثار من الصلوات والأذكار ، يجعل العبد يشعر بالرضا ، قال تعالى(فاصبر عَلَى مَا يَقُولُون وَسَبّح بِحَمدِ رَبّكَ قَبلَ طُلُوع ِالشَمس وَقبل غُرُوبِهَا وَمِن آنَاءِ الليلِ فَسَبّح وَأطرَاف النّهَار لَعَلّكَ تَرضَى)
 كتب عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه (الخير كله في الرضا ، فإن استطعت أن ترضى و الا فاصبر)،وفي حديث علي:{ إن الله يقضي بالقضاء ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط}قال الربيع ابن أنس:{علامة الشكر ، الرضا بقدر الله والتسليم لقضائه}.
وليعلم العبد بأنّ دعاءه لله وتضرعه بين يديه ،لا ينافي الرضا ، وأن بذله للأسباب التي تكشف ما يكرهه ، ليس مما ينافي الرضا ..
أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن رضي بقدر الله وأمره .. هذا والله أعلم ، وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الثاني عشر:
القناعـــة
القناعة: أن يقنع الإنسان بما قدر له الله من الرزق، والقناعة رضا العبد بالمقسوم من الأرزاق مع عدم تطلع القلب إلى غير ما في يدي صاحبة القناعة نعمة عظيمة ينعمها الله على بعض عباده، فتهنأ نفوسهم وترتاح قلوبهم وقد بشّرت الحياة الطيبة بقوله تعالى (فَلَنُحِييَنَّهُ حَيَاةً طَيبَةً) بالقناعة والرضا والرزق الحسن.
إن كثرة مال المرء لا تعني غناه ولا سعادته، وإنما الغنى في القناعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس].متفق عليه.
ومن أسباب القناعة عدم تطلع الإنسان إلى من فضّله الله عليه في أمور الدنيا وإنما يطالع من كان أقل منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:[أنظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم] وبذلك يحصل للمرء القناعة و الرضا بما رزقه الله فيكون من أهل العفاف،يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[ومن يستعفف يعفّه الله ومن يستغني يغنه الله]متفق عليه.
إن القناعة كما يحصل بها راحة البال وهدوء النفس.. يحصل بها الفلاح والنجاح دنياً وآخرة، في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنّعه الله بما آتاه]عند ابن حبّان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:[ طوبى لمن هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنّعه الله به]وفي الحديث الاخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم:[من أصبح معافىً في بدنه آمناً في سربه، عنده قوت يومه وليلته،فكأنما حيزت له الدنيا].
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يجعله من أهل القناعة، فقد ورد أن من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بين الركنين ( ربي قنعّني بما رزقتني وبارك لي فيه واخلف عليَ كل غائبةٍ بخير..).
فمن كان كذلك فما أعظم بركة الله عليه، جاء في حديث حكيم ابن حزام قال:[سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضر حلو فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه،ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه وكان كالذي يأكل ولا يشبع].
إن القناعة لا تعني أن يترك الإنسان سبل الاكتساب ، أو أن لا يبذل المرء الأسباب لتحصيل الأرزاق، فذلك ليس من القناعة في شيء ، بل هذا من الكسل وعدم القيام بما رغب الله فيه من الاتّجار ، قال أنس رضي الله عنه:[ أربع من الشقاء .. جمود العين ، و قساوة القلب ، وطول الأمل ،والحرص]
وقال ابن القيم عن سوء الخاتمة :[ لسوء الخاتمة أسباب أعظمها الانكباب على الدنيا وطلبها والحرص عليها والإعراض عن الآخرة .]
إن القناعة تجعل العبد يؤدي حقوق الله المالية ، بل تجعله ينفق في الطاعات من غير الواجبات ، فيعظم بذلك أجره ويخلف الله عليه ما أنفقه ومما يعين العبد على تحصيل القناعة .. العلم بأن الأرزاق بيد الله كما قال سبحانه (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِّن عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ)
و ترك القناعة يؤدي إلى الشح والبخل والظلم وهي أفعال مذمومة شرعا ، فإن أصل الشح شدّة الحرص فيتولد عنه البخل والظلم ، قال تعالى (ومنْ يوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُون)أباح الله لبني إسرائيل الصيد في جميع أيام الأسبوع إلا يوم السبت ، فلم يدعهم حرصهم وجشعهم حتى تعدّوا إلى الصيد فيه ، فعاقبهم الله بالحرمان التام مع تحويلهم قردة وخنازير ، ولذا فيترك المرء مجالسة أهل الحرص على الدنيا لعله يسلم مما هم فيه .
أسأل الله جل ّ وعلا أن يرزقنا وإياكم القناعة وان يبعد عنا الحرص و الجشع وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، هذا والله أعلم ..وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
 
سلسلة " حياة القلوب . 
الدرس الثالث عشر:
اليــقيــــــن
فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى باريها جلّ وعلا أن تحصِّل اليقين وتبتعد عن الشبهات .
واليقين طمأنينة القلب واستقرار العلم فيه ، وضد اليقين الريب و الشك الذي يتضمن الاضطراب وكثرة الحركة ..
واليقين مبني على علم ٍ للقلب وجزم ٍ منه مع عمل القلب بذلك الجزم ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : {خير ما ألقي في القلوب اليقين }وقال:{ اليقين الإيمان كله }.
وعلامة اليقين وفائدته أن صاحبه إذا وردت عليه شبهه أو حصلت له فتنة وابتلاء ، فإنه يثبت ولا ينجرف معها ولا يتبع كل ناعق، قال الحسن:{ باليقين طُلبت الجنة ، وباليقين هُرب من النار ، وباليقين أُدّيت الفرائض، وباليقين صُبر على الحق }.
اليقين مع الصبرمن أسباب نيل الإمامة في الدين ، كما قال تعالى (وَجَعلنا مِنهم أَئِمّةً يَهدُونَ بِأَمرِنا لَمّا صَبَروا وَكَانوا بِآياتِنَا يُوقِنُون )وانظر لموقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقوله تعالى (الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النّاسَ قَد جَمَعوا لَكم فَا اخْشَوهم فَزَادَهم إيماناً وَقَالوا حَسبُنَا اللهُ وَنعمَ الوَكِيل)
 أهل اليقين هم الّذين يستفيدون من الآيات ويتفكرون فيها ، كما قال سبحانه (وفي الأَرضِ آياتٌ لِلمُوقِنين) جاء في الحديث عن أنس رضي الله عنه أنه قال:{ كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: اللهم يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك }فالدعاء من أسباب تحصيل اليقين ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أيضا:{اللهم أرزقني من اليقين ما تُهّون به عليّ مصائب الدنيا }
إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب ، طلب العلم الشرعي مع الاهتداء بالكتاب والسنة ، قال سبحانه : (ذَلِكَ الكِتَابُ لا رَيبَ فِيه هُدىً لِلمُتقين (وقال جلّ وعلا) يُفصِّلُ الآياتِ لَعلَّكم بِلِقاءِ رَبِكم تُوقِنون )
إن من أسباب تحصيل اليقين في القلوب أن يتفكّر العبد في آيات الله الكونية ، وأن يعرف أنها من الله وأن ينظر إلى ما فيها من العجائب ، قال تعالى (سنُرِيهِم آياتِنا فِي الآفاق ِوفي أَنفُسِهِم حَتى يتبيّنَ لَهم أَنّهُ الحقَّ أو لم يكفي بِرَبِكَ أَنّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ شَهِيد) 
إن من أسباب تحصيل اليقين.. أن يتخفف العبد من الذنوب ، بتركها قبل فعلها أو بالاستغفار والتوبة منها بعد حصولها ، وقد ورد في الحديث {أن للقلوب صدأ ً كصدأ النحاس وجلاءها الاستغفار} .
ومن أسباب تحصيل اليقين .. أن يعرف المرء عادة الله جلّ وعلا في نصر أولياءه المؤمنين ، وإنزال العقوبة بأعداءه المجرمين ، قال تعالى (وكُلاً نَقُصُّ عَلَيكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُسُلِ مَا نُثَبِتُ به فُؤَادَك).
إن عدم التزام الإنسان بما أمر الله به من فعل الطاعات من أسباب زوال اليقين ، قال تعالى (فَأَعَقَبَهم نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم إلى يَومِ يَلقَونَهُ بِمَا أَخلَفُوا اللهَ مَا وَعَدوه وبِمَا كَانُوا يكذِبُون)
وليحذر الإنسان من أن يعاقبه الله تعالى فيزيل اليقين من قلبه ، فإن الله قادر على ذلك كما قال سبحانه (فَإِن يشَاءِ اللهُ يَختِمُ عَلَى قَلبِك)وقال (وَاعْلَمُوا أنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المرءِ وَقَلبهِ) ، وقال ( وَكَذَلِكَ يَطبَعُ اللهَ علَى قلوبِ المُعتَدين)
لقد سمع الله قول أولئك الّذين ضعف يقينهم بسبب ما حصل لديهم من المرض مرض القلب ، ووصفهم بقوله (في قُلُوبِهِم مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضَا ) ، فترى اّلذين في قلوبهم مرض يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة
ومما يبعد اليقين ..الغرور بالدنيا ، بحيث تخدع الأمور الدنيوية الإنسان ، فيظن أنها المقصود الأساسي ، فيغفل عن الآخرة ، قال تعالى (الّذِينَ اتَخَذوا دِينَهم لَهُواً وَلَعِبَا وَغرّتُهُمُ الحَياةِ الدُنيا فَاليومَ ننسَاهم كَما نَسُوا لِقَاءَ يَومِهِم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآياتِنا يَجحَدُون)
إن مما يصد عن اليقين..الغرور بوعود الشيطان الكاذبة، قال تعالى(وَمَا يَعِدهُمُ الشَيطَانُ الا غُرُورا)
ومما يصد عن اليقين..اغترار الإنسان بما أعطاه الله من نعم ، وغفلته عن قدرة الله على إزالتها )( وقال (وَقَالوا نَحنُ أكثَرُ أموالاً وَأولاداً وَمَا نَحنُ بِمُعذَّبِين) ، اسمع قول الله تعالى( وَيِلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَة الّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدّدَا يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخلَدَه كلاَ لَيُنْبَذَنَّ فِي الحُطَمَة)
أسأل الله جلّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من أهل اليقين وأن يثبت قلوبنا على دينه.. اللهم برّد قلوبنا باليقين ..هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
 سلسلة " حياة القلوب  
الدرس الرابع عشر:
الاعـتـراف بـفـضـل الـلـه ونـعـمـه
فإن من أعمال القلوب الاعتراف بفضل الله ونعمه , وخصوصاً بما أنعمه الله علينا في شهر رمضان ، من إنزال كتابه ، ومن تعظيم الأجر والثواب على الأعمال فيه ، ومن وجود ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر .
وقد ذكّرنا الله بنعمه في مواطن عديدة من كتابه ، كما قال سبحانه(ألَم تَرَوا أنّ اللهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السَماوَاتِ وَمَا فِي الأرض وأسبَغَ عَلَيكُم نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَه) وقال(الّذي جَعَلَ لَكُم الأرضَ فِرَاشَا ًوالسَمَاء ِبِناَءَ وأنزَلَ مِنَ السمَاء ِمَاءً فَأخرَجَ به منَ الثَمَرَاتِ رزقَاً لَكُم) 
وقد أمرنا الله تعالى بتذكر نعمه ، فقال سبحانه(يا أيُّهَا النّاسُ اذكُرُوا نِعمَةَ اللهِ عَلَيكُم) وقال
( واذكُرُوا نِعمَةَ الله ِعَلَيكُم ومِيثَاقَهُ الّذِي وَاثَاقَكُم بِه ِإذ قُلتُم سَمِعنَا وأطَعنَا) ،فأمر الله المؤمنين بتذكر نعمه الدينية والدنيوية.
ومن نعم الله العظيمة .. التي أنعم بها علينا أن جعلنا من أهل الإسلام والقرآن ، فلابد أن يعرف القلب ذلك ، وأن يفرح به ، قال تعالى(يا أيَّهَا النّاسُ قَد جَاءَتُكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُدُور وهُدَىً ورَحمَةٌ لِلمُؤمِنِين قُل بِفَضل ِاللهِ وبِرَحمَتِهِ فَبذَلِكَ فَليَفرَحُوا هُوَ خَيرٌ مِمَّا يَجمَعُون) 
وأعظم ذلك .. نعمة التوحيد ، بإفراد الله بالعبادة ، وعدم صرف شيء منها لغير الله ، كما قال تعالى عن يوسف عليه السلام (مَا كَانَ لَنَا أن نُشرِكَ بِاللهِ مِن شَيء ذَلِكَ مِن فَضلِ الله ِعَلَينَا وعَلَى النّاس ولَكنَّ أكثَرَ النَّاس ِلا يَشكُرُون) 
والمؤمن معترف بأن الله هو الذي أوجده من العدم، وأمدّه بأسباب الحياة، وواصل عليه النعم ونقله من طور إلى طور حتى سوّاه وجعله رجلاً كامل الأعضاء والجوارح المحسوسة والمعقولة وبذلك يسّر له من الأسباب، وهيّأ له من نعم الدنيا ،ولم يحصل ذلك بقوة العبد ولا بقدرته ولا بحيلته ، بل حصل بنعمة من الله وفضل ، قال تعالى (وأمّا بِنعمَةِ رَبّكَ فَحَدّث)أي فليتحدّث القلب واللسان بنعم الله تعالى، وقال(وَذَكِّرهُم بأيّامَ الله) قال ابن عبّاس:{ بنعم الله }.
 وجاءت النصوص تحذّر من الاغترار بنعم الله .. وإمهال الله للعبد ، قال تعالى(ولَئِن أَذقنَاهُ نَعمَاءَ بَعدَ ضَرّاءَ مَسّته لَيقُولَنَّ ذَهَبَ السَيئَاتُ عَنّي إنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور) وقال(وإذَا أنعَمنَا عَلَى الإنسَانِ أعرَضَ ونَاءَا بجَانِبه) وقال(واللهُ لا يُحِبُّ كُلّ  مُختَالٍ فَخُور) أي متكبر معجب بنفسه ،فخور بنعم الله ينسبها إلى نفسه وــــــــــــــــ وتلهيه تلك النعم .
إن اعتراف القلب بفضل الله .. يكسب رضا الله ومحبته ، اعتراف القلب بفضل الله .. من أسباب حفظ النعمة وزيادتها وعدم زوالها ، فيحسن أن تعالج القلوب غير الشاكرة بأن تعرف وتعرّف بأن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم ترجع ، قال الفضيل ابن عياض:{ عليكم بملازمة الشكر على النعم ، فقلّ نعمة زالت عن قوم فعادت إليهم }.
وقد أمر الله بشكر النعم فقال(فَاذكُرُونِي أذكُركُم واشكُرُوا لِي و لا تكفُرُون) وقال(لَعَلّكُم تَشكُرُون)
إن عدم اعتراف القلب بنعمة الله على العبد ، سبب من أسباب نزول العقوبات الدنيوية ، قال تعالى(فَلَمّا نَسُوا مَا ذُكِرُوا به ِفَتَحنَا عَليهِم أبوابَ كلّ شَيءٍ حَتى إذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أخَذنَاهُم بَغتَة فَإذَا هُم مُبلِسُون فَقُطِعَ دَابِرَ القَومِ الّذينَ ظَلَمُوا والحَمدُ لله ِرَبِّ العَالَمِين) 
ومن أسباب جعل العبد يعترف بنعم الله عليه .. أن يتفكّر في أحوال أولئك الّذين سلبت نعم الله منهم، من المرضى والفقراء وأهل المعاصي، وكيف أن الله ـ جلَّ وعلا ـ تفضّل على العبد فلم  يجعله مماثلا ً لهؤلاء الّذين سلبت منهم نعم الله ـ جلَّ وعلا .
ولذلك على العباد أن يعترفوا بأن الخيرات والنعم الواصلة إليهم هي فضل من الله جلَّ وعلا وأنه سبحانه هو المتكرّم بها ، وأنها لم تحصل بسبب من العبد ، وأنها لم تحصل بفعل العبد ، وإنما حصلت بكرم من رب العزّة والجلال ..
أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه .. المعترفين بها .. ممن كانت قلوبهم تضيف تلك النعم إلى الله وحده .
هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الخامس عشر:
التـسـليـم للـنـصـوص الشـرعــيـة
فإن من أعظم أعمال القلوب أجراً وثوابا .. التسليم للنصوص الشرعية ، وعدم معارضتها ، وليكن من أسهل الأمور على العبد ..أن لا يقبل قلبه ما يخالف الكتاب والسنّة ، سواءً كان رأياً له أو قولاً لغيره .
قال الإمام الشافعي:{ أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ، لم يحلَّ له أن يدعها لقول أحد }.
وقال عمر ابن عبد العزيز :{ لا رأي لأحد مع سنّة سنّها رسول الله صلّى الله عليه وسلم }
وقال ابن عبّاس :{ يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتقولون قال أبوبكر وعمر }.
وهناك نقولات عديدة عن كثير من السلف الصالح ، تؤكد على التشديد فيما إذا ترك المرء النصوص الشرعية ، وعارضها بالرأي أو بتقليد الرجال ، ومن هنا فإنه يجب على كل مؤمن أن ينقاد لما جاء به الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأن يستسلم له ، وأن يُذعن له ، فلا يعارض النصوص الشرعية بما يسمّى المعقولات .
وكذلك لا يعارض المؤمن النصوص الشرعية بالأقيسة الفاسدة ، ولا يعارض النصوص بما يقع في النفس أنه أمر الله كما يفعله بعض المتصوفة ، ولا يعارض النصوص الشرعية بما يزعم بعضهم أنه السياسة وإصلاح أحوال العامّة كما يفعله بعض أصحاب الولايات .
إن النصوص الشرعية .. قد احتوت على المعاني العظيمة ، والمصالح الكبيرة .. لكن إذا لم يذعن العبد لها فلن يعرف مقدارها ، ولن تتضح له معانيها ، ولن يفتح الله قلبه لفهم أسرارها ، قال تعالى (ومَن أعرَضَ عَن ذِكرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَة ًضَنكاً وَنَحشُرُهُ يَومَ القِيامَة ِأعمَى ) .
إن ترك التسليم للنصوص الشرعية وعدم اعتقاد ما تضمنته :، إنما ينشئ من اتباع الهوى وطاعة الشيطان ، وذلك من أسباب الضلال .. اسمع الله تعالى يقول ( واتلُوا عَلَيهِم نَبَأَ الّذي آتَينَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلخَ مِنهَا فَأتبَعَهُ الشَيطَان فَكَانَ مِن الغَاوِين وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَكّنَّهُ أخلَدَ إلى الأرضِ وَاتّبعَ هَوَاه فَمَثَلُهُ كَمثَلِ الكَلب إن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أو تَترُكَهُ يَلهَث).
إن ترك النصوص مع اتباع الهوى من أنواع الضلال ، كما قال جلَّ وعلا ( وإنَّ كَثِيرَاً ليُضِلّونَ بِأهوَائِهمِ بِغَيرِ علمٍ إنَّ رَبّكَ هُوَ أعلمُ بالمُعتَدِين) وكما قال ( ومِن أضلُّ مِمّنِ اتّبعَ هَواهُ بِغَيرِ هُدَىً مِنَ اللهِ إنّ الله لا يَهدِي القَومَ الظَالِمِين) وقال( أفَرَأيتَ مَن اتخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأضَلّهُ الله عَلَى عِلم وَخَتَمَ عَلى سَمعِهِ وَقلبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوة فَمَن يَهدِيهِ من بَعدِ اللهِ أفَلا تَذكّرُون ).
موسم رمضان .. من أحسن المواسم لربط القلوب بالقرآن والسنّة ، قال تعالى( شَهرُ رَمَضَانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القُرآن)، وكان النبي صلّى اللُه عليه وسلّم يدارس جبريل القرآن في كل ليلة من ليالي رمضان، فإن قيل ما الحكمة في مدارسته القرآن في رمضان، قال العيني:{ ذلك لتجديد العهد واليقين}.

هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....
سلسلة " حياة القلوب
الدرس السادس عشر:
التـــوكــــــــــل
فإن من عبادات القلب التي يعظم أجرها ، ويكثر ثوابها ، حسن التوكل على الله ..
والمراد بالتوكل على الله ، صدق اعتماد القلب على الله ـ عزَّ وجل ـ باستجلاب المصالح ودفع المظالم من أمور الدنيا والآخرة ، مع تفويض الأمور إلى الله ، وتحقيق الإيمان بأنه النافع الضار ، لا يعطي ولا يمنع ، ولا يضر ولا ينفع أحد سواه ، مع فعل الأسباب .
💧🍂💧🍂💧🍂💧
فالتوكل على الله .. هو الثقة بما عند الله ، الثقة بما وعد الله به ، والتوكل يكون المؤمن في جميع أعماله عليه ، وفي جميع شؤون حياته متوكل على الله ، ومن أمثلة ذلك :
إذا هم الإنسان بأداء عمل بتحقيق هدف معين , توكل على الله في تحقيق تلك الأهداف ، قال سبحانه(وشَاورهُم فِي الأمرِ فَإذَا عَزمتَ فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِلِين).
وعند تكالب الأعداء على المسلم ، يتوكل المسلم على ربه في دفع شرورهم مع بذل الأسباب في ذلك ،قال تعالى (واللهُ يَكتُبُ مَا يُبيّتُون فَأعرِض عَنهُم وتَوَكّل علَى اللهِ وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلا)
وعند مقابلة العدو في القتال، وحصول القتال ، يشرع تذكر أن النصر من عند الله ، ويشرع التوكل على الله لينصر الله دينه، ويعلي كلمته ، قال تعالى(إن يَنصُرُكُم الله فَلا غَالِبَ لَكُم وإن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الّذِي يَنصُرُكُم من بَعدِه وَعَلَى اللهِ فَليتَوكّلِ المُؤمِنُون)
وعند حلول المصائب ، يتوكل المؤمن على ربه ، فينجيه الله منها ، قال تعالى(والّذينَ هَاجَرُوا في اللهِ مِن بَعدِ مَا ظُلِمُوا لنُبَوِءَنَّهُم في الدُنيا حَسَنَةً ولَأجرُ الآخِرَةِ أكبَر لَو كَانُوا يَعلَمُون الّذينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكّلُون).
وعند التنازع والاختلاف، يتوكل المؤمن على ربه، ويعود إلى كتابه العزيز، قال تعالى (ومَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إلى اللهِ ذَلِكُم ُالله رَبِّي عَلَيهِ تَوَكّلت وإليهِ أُنِيب)
ومن فوائد التوكل على الله 
**أن التوكل من أسباب محبة الله للعبد، قال تعالى (فَتَوكّل عَلَى اللهِ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوكِّلِين)
**طرد الشياطين عن المؤمن المتوكل، قال تعالى(فَإذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذ بِاللهِ مِن الشَيطَان ِالرَّجِيِم إنَّهُ لَيسَ لَهُ سُلطَانٌ عَلَى الّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِم يَتَوَكَّلُون إنَّمَا سُلطَانَهُ عَلَى الّذِينَ يَتَوَلَّونَهُ والّذِينَ هُم بِه مُشرِكُون)،
**أنه من أسباب الرزق، ولذا قال النبي صلّى الله عليه وسلم:{ لو أنكم تتوكلون على الله حق التوكل ، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ً وتروحوا بطانا}
**راحة البال ، وطمأنينة النفس، وهداآت القلب .
**عصمة العبد من معاصي الله، والتوكل من أسباب دخول الجنّة بلا حساب ولا عذاب مع السبعين ألفا.
**وقاية الله لعبده المتوكل من مصائب الدنيا والآخرة ، قال تعالى(الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم فَزَادَهُم إيمَانَا وَقَالُوا حَسبُنَا اللهُ ونِعمَ الوَكِيل فانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضل لَم يَمسَسهُم سُوء وَاتبَعُوا رِضوَان اللهِ واللهُ ذُو فَضلٍ عَظِيِم)
وتتعدّد الأسباب التي تجعل المؤمن يتوكل على ربه 
**ومن ذلك .. أن الأمور كلها بيد الله ، فهو سبحانه الذي يتصرف في خلقه بما يشاء ، 
** أن الله مطلع على أحوال الخلق ،لا يخفى عليه شيء منها ، قال تعالى ( وتَوَكَّل عَلَى العَزِيزِ الرَّحِيم الّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وتَقَلُّبَكَ فِي السَاجِدِين)
ومما يدخل في مفهوم التوكل على الله ..إحسان الظن به سبحانه ، وانتظار الفرج ، وفعل الأسباب 
وأعظم أنواع التوكل .. التوكل على الله في جلب الهداية ونشر الدين وثبات الإيمان .
وتوكل عليه في أن يهيّئ لك من الطاعات ما يرضي ربك عنك ، وتوكل على الله في جميع شأنك .
هذا والله أعلم .. وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .....
سلسلة " حياة القلوب .  
الدرس السابع عشر:
الخـــــــشــــــيــــة
فإن من أعمال القلوب الخشية ، وهي من أعظم الأعمال أجرا ، وأكثرها ثوابا ، والخشية أخص من الخوف .
إذ الخشية خوف مقرون بعلم وتعظيم، وقد أمر الله جلَّ وعلا المؤمنين أن لا يخشوا أحدا ًمن الخلق كائناً من كان، وأن لا يخشوا أحداً من دون الله، كما قال سبحانه (اليَومَ يئسَ الّذينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُم فَلا تَخشَوهُم واخشَوَني )، وقال جلَّ وعلا (فَلا تَخشَوا النَّاسَ واخشَوَنِي)  وقال سبحانه 
(الّذينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَ يَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أحَدَا ً الا الله وَكَفَى بالله ِحَسِيبَا).
 وفي مقدّمتهم نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم الذي قال:{إن الخشية شأن العلماء}، كما قال سبحانه (إنّمَا يَخشَى اللهَ مِن عِبَاده ِالعُلَمَاء) يعني إن الذي يخشى الله حق الخشية هم الّذين عرفوا الله، فعرفوا الله بذاته، وعرفوا شرعه وأمره، والمراد بهذه الآية علماء الشريعة، وقد وصف الله أولي الألباب بأنهم يخشون الله، كما قال سبحانه (والذينَ يَصِلُونَ مَا أمَرَ اللهُ بهِ أن يُوصَل ويَخشَونَ رَبّهُم وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَاب).
إن الخشية من الله .. شأن الملائكة الذين قال الله عنهم (وَهُم مِن خَشيَتِه ِمُشفِقُون) ، الخشية من الله .. شأن أهل التقوى ، كما قال سبحانه (وذِكرَى للِمُتقِين الّذينَ يَخشَونَ رَبّهم بالغَيبِ وَهُم مِنَ السّاعَةِ مُشفِقُون).
ما أعظم أجر أهل الخشية .. أسمع الله تعالى يقول في ذلك(وَمَن يُطِعِ ِاللهَ وَرَسُولَه وَيَخشَىَ الله ويتقهِ فَأولَئكَ هُمُ الفَائِزُون)ويقول سبحانه(إنَّ الّذِينَ يَخشَوَنَ رَبَّهم بِالغَيبِ لَهم مَغفِرة ٌوأَجرٌ كَبِير) وقال سبحانه(وَأُزلِفَت ِالجَنّةُ لِلمُتَّقِينَ غَيرَ بَعِيد* هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكلِّ أَوَّابٍ حَفِيظ * مَن خَشِيَ الرّحمَنَ بِالغيب ِوَجَاءَ بِقَلب ٍمُنيِب* أدخُلُوهَا بِسَلام ذَلِكَ يَومُ الخُلُود* لَهُم مَا يَشَاءُون فِيهَا وَلَدَينَا مَزِيد) 
ومن أسباب الخشية .. 
تدبر القرآن ، وتأمل معانيه ، قال تعالى (مَا أنزَلنَا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقَى* الا تَذكِرَة ًلِمَن يَخشَى)
أن يتأمل المرء، قصص الأمم السابقة التي عذبها الله ، وأنزل بها النكال بعد ما كانوا فيه من قوة وعزة ، قال تعالى عن فرعون ( فَأخَذَه ُالله ُنَكَالَ الآخِرَةِ والأولَى * إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبرةً لِمَن يَخشَى). 
 أن يتذكر المؤمن الموت ، وما بعده من الأهوال العظيمة يوم قيام الساعة ، و تذكر مصير الناس إلى جنة أو نار ، قال تعالى عن الساعة ( إنَّمَا أنتَ مُنذِرُ مَن يَخشَاهَا ).
أن يتضرع المرء بين يدي الله وأن يدعه سبحانه من أجل أن ينيله خشيته ، وكان من دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم (اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة )، ومن دعاءه صلّى الله عليه وسلم:( اللهم أقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك ) 

أسأل الله جلَّ وعلا أن ينزل خشيته في قلوبنا وقلوبكم ، وأن يجعلنا ممن يخشاه جلَّ وعلا في ليله ونهاره ، وفي سائر أوقاته وجميع أحواله ، اللهم يا حي يا قيوم اغفر لنا ذنوبنا ،وزلّاتنا وإسرافنا ، وتجاوز لنا عن خطايانا .. اللهم باعد بيننا وبين خطايانا كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم اجعلنا ممن يخافك ويخشاك ، هذا والله أعلم ..وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الثامن عشر:
الرحـــــــــــــــــــمــــــــــة
فإن من العبادات القلبية التي يتقرب المؤمنون بها إلى ربهم جلَّ وعلا أن يرحم بعضهم بعضا ..
والرحمة خلق فاضل يتضمن الرأفة والعطف والرقة والودَّ ، ومحبة وصول الخير للآخرين ..وهذه الرحمة من مقتضى الأخوة التي يقول عنها جلَّ وعلا(إنّمَا المُؤمِنُونَ إخْوَة ).
وإنما جعل الله المؤمنين إخوة ليتعاطفوا ويتراحموا،
 ولما دمعت عينا النبي صلَّى الله عليه وسلم لموت أحد أسباطه أي أبناء بنته ، قال سعد ابن عباده :{ ما هذا يا رسول الله؟!} فقال :{ إنما هي رحمة جعلها الله في قلوب عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء }، وفي الحديث الآخر{لا تُنزع الرحمة إلا من شقي } وقال صلَّى الله عليه وسلم :{ الراحمون يرحمهم الرحمن..ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء }..
ومن صفات النبي صلّى الله عليه وسلم أنه رحيم بالمؤمنين ، كما قال تعالى واصفاً نبيه صلَّى الله عليه وسلم (بِالمُؤمِنينَ رَؤُوفٌ رَحِيم) أي شديد الرأفة و الرحمة بهم ، فهو أرحم بهم من أنفسهم ومن والدِيهم ، وقال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ منَ اللهِ لِنتَ لَهم وَلَو كُنتَ فَضّاً غَلِيظَ القَلبِ لانفَضّوا مِن حَولِكَ )...
وقد وصف الله جلَّ وعلا نبيه محمد صلَّى الله عليه وسلم فقال(وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنين وَرَحمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا) فصَّلى الله على هذا النبي الكريم الذي وصفه ربه بقوله ( لَقد جَاءَكُم رَسُولٌ منْ أنفُسِكم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتم حَرِيصٌ عَلَيكم بِالمُؤمِنينَ رَؤوفٌ رَحِيم)، بل إن الله جلَّ وعلا قد وصف أصحاب هذا النبي الكريم بهذه الصفة الفاضلة، صفة الرحمة فيما بينهم، يقول الله تعالى (مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الكُفّارِ رُحَمَاءُ بَينَهم )
جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال:{ مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ، كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } ,.جاء في الحديث أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال:{ ليس منا من لم يرحم صغيرنا}، أما بالنسبة للآية السابقة التي فيها(ثُمّ َكاَنَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَتوَاصَوا باِلصّبْرِ وَتوَاصَوا باِلمَرْحَمَة) فالمراد بهذه الآية ،أنه قد أوصى بعضهم بعضا برحمة الخلق، مما يُثمر إعطاء مُحتاجهم وتعليم جاهلهم والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه، مع مساعدتهم لقضاء مصالحهم الدينية والدنيوية ، وأن يُحب المرء لإخوانه ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لنفسه، ومن كان بهذه الصفة .. فهؤلاء هم الذين وفقهم الله لاقتحام العقبة وتجاوز النار إلى الجنة، وبالصبر تكون الشجاعة .. وبالمرحمة يكون الكرم والإحسان.
قال مالك ابن دينار ما ضرب عبد بعقوبة ..أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم ، إلا نزع الرحمة من قلوبهم ) ..
ومن أسباب رحمة العباد بعضهم لبعض ..محبتهم لبعضهم، قال الله تعالى (إنَّ الّذِينَ آمَنُوا وَعمِلُوا الصّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهمُ الرّحَمَنِ وُدّا) أي يلقي بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا ، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله لبعضهم في قلوب بعض ٍ من المحبة،
إن تعاليم الشريعة ..كلها رحمة, و ليست رحمتها مختصة بالمسلمين, بل هي رحمة لجميع المخلوقين , كما قال تعالى(وَمَا أَرسَلنَاكَ إلا رَحْمَة ً لِلعَالَمِين) وفي الحديث أن النبي صّلى الله عليه وسلم قال:{ إنّا لم نُبعث طعّانين ولا لعّانين ، ولكنّا بُعثنا رحمة للعالمين } ، وقد ورد عنه صلّى الله عليه وسلم أنه قال:{ إنما أنا رحمة مهداة }, ومن هنا ..كان النبي صلّى الله عليه وسلم يحسن إلى الخلق, ومن جملة ذلك أن يرحم الخلق بتعليمهم وإرشادهم ودعوتهم وبيان ما ينفعهم وما يضرهم, ولهذا كان النبي صلّى الله عليه وسلم رحمة في حق كل أحدٍ من الناس بحسبه , حتى المكذبين له هو في حقهم رحمة ..ولهذا لما قال ملك الجبال دعني أُطبق عليهم الأخشبين , قال: لا ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله )..
أسأل الله جلَّ وعلا أن يجعل الرحمة في قلوبنا ...
هذا والله أعلم , وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

سلسلة " حياة القلوب
الدرس التاسع عشر:
تصــفيــة القـلــــوب
فقد جاءت الشريعة بأمر المؤمنين بتمنّي الخير لجميع الخلق وخصوصا ًالمؤمنين ، ويدخل في الخير الذي يتمنّاه الإنسان لغيره الهداية لدين الله ، وتمسّكه بشعائر الإسلام والتزام أحكام الدين ، ويدخل في ذلك تمنّي حصول الجميع على منافع الدنيا وثمراتها وخصوصاً مع المؤمنين ،وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:{لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وفي لفظ{ لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير}، وليس هذا خاصا ً بالمؤمنين فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:{ من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنّة فلتدركه منيّته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه}
قال تعالى(ولا تَزَالُ تَطّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنهُم إلّا قَلِيلًاً مِنهُم فَعفُوُ عَنهُم واصفَحْ إنَّ اللهَ يُحِبُ المُحسِنِين) وهذا معنى أعظم من تمنّي الخير لهم 
 وبهذا نعلم الفرق الذي بين المؤمنين وبين غيرهم .. فالمؤمن يتمنى الخير لغيره ، قال تعالى (مَا يَودُّ الّذينَ كَفَرُوا مِن أهَلِ الكِتَابِ ولا المُشرِكِينَ أن يُنَزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم واللهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشَاء) وقال سبحانه (ودَّ كَثِيرٌ مِن أهَلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِن بَعدِ إيمَانِكُم كُفَّارَا حَسَدَاً مِن عِندِ أنفُسِهِم مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقَّ)
وفي المقابل حذّرت الشريعة من عدم تمني الخير للآخرين أو من تمني الشرّ لهم أو من تمني زوال النعم عنهم فإن هذا هو الحسد الذي جاء في سنن أبي داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إيّاكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب}
وقد عاب الله تعالى على أهل صفة الحسد فقال (أم يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَىَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ فَقد آتَيِنَا آلَ إبرَاهِيم الكِتَابَ والحِكمَة وآتينَاهُم مُلكَاً عَظِيِمَاً)،وقال تعالى ( ولا تَتَمنَّوا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعضَكم على بَعض لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِمّا اكتَسَبُوا وَلِلنِسَاءِ نَصِيبٌ مِمّا اكتَسَبن واسألُوا اللهَ مِن فَضلِهِ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمَا )..
ومن أعظم ما يتمكن المرء به من دفع الحسد عن نفسه ..ومن دفع آثارالحسد السيئة أن يلتجئ إلى ربه جلّ وعلا دعاءً وتضرعاً وسؤالا ، بأن ينجيه من شر الحاسدين كما قال تعالى (قُل أعُوذُ بِربِّ الفَلق من شَرِّ مَا خَلَق ومِن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَب ومِن شَرِّ النَفَّاثَاتِ في العُقَد ومِن شَرِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَد) وكان من رقية النبي صلى الله عليه وسلم{ بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك }..
ومما يتمكن المحسود من دفع ضرر الحاسد عنه ..
- أن يقبل على الله عملا ًوإخلاصا، وأن يتوكّل على الله جل وعلا ، فإن من توكّل على الله فهو حسبه أي كافيه شرور خلقه .. 
- بالصبر عليه والإعراض عن أذاه وعدم اشتغال القلب بذكره مع التوبة إلى الله من الذنوب التي سُلّط عليه العدو بسببها ..
- أن يُكثر من الصدقة والإحسان وخصوصا ًأن يُحسن على الحاسد لأن ذلك يُطفئ حسده ..
- إفراد الله بالعبادة وعدم صرف شيء من العبادات لغير الله ، فإن أهل التوحيد يقيهم الله شرور غيرهم ..
إن الحسد يُفسد الدين ، ويُضعف اليقين ، ويُذهب المروءة ، قال معاوية رضي الله عنه:[ ليس في خصال الشر أعدل من الحسد ، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود] وقال أبو الدرداء رضي الله عنه:[ ما أكثر عبد ذكر الموت إلّا قلّ فرحه وقلّ حسده ] وقال الحسن رحمه الله:[ يا ابن آدم لما تحسد أخاك ، فإن كان الذي أعطاه لكرامته عليه فلما تحسد من أكرمه الله ، وإن كان غير ذلك فلما تحسد من مصيره إلى النار]
 ومما قد يلتبس بالحسد والغل .. الغيــــــرة .. فإن مما له تعلّق بذلك من أعمال القلوب الغيرة التي أصلها الأنفة وفي الاصطلاح الغيرة كراهية النفس مشاركة الآخرين للإنسان فيما يظن اختصاصه به ، وقد النبي صلى الله عليه وسلم:{ إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض سبحانه } ..
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الإيمان والتقوى .. وأن يجعلنا ممن يحب الخير للآخرين ولا يحسد أحدا ً من خلق الله ..هذا والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سلسلة " حياة القلوب
الدرس العشرون:
الغــيــــــــــــــــــــــرة
فإن من أعمال القلوب الغيــرة التي أصلها الأنفة .. ومعنى الغيرة في الاصطلاح كراهية النفس أن يشارك الآخرون العبد فيما يظن انه من اختصاصه .. والغيرة منها ما هو محمود ومنها ما هو مذموم ،
جاء في المسند والسنن من حديث جابر رضي الله عنه أنه قال:{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من الغيرة ما يحب الله عز وجل ومنها ما يبغض الله عز وجل،
 فأما الغيرة التي يحب الله عز وجل فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يُبغض الله عز وجل فالغيرة في غير ريبة} وفي حديث علي:{ الغيرة غيرتان.. غيرة حسنة جميلة يُصلح بها الرجل أهله ، وغيرة تُدخله النار تحمله على القتل فيقتل } في الصحيحين من حديث المغيرة أن سعد ابن عُباده قال:{ يا رسول الله لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : تعجبون من غيرة سعد ؟! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني } .
فمن الغيرة المشروعة أن يغار الإنسان على محارمه، ومن ذلك أن يغار على أبناءه من أصدقاء السوء، ومن ذلك أن يغار على شريعة رب العالمين أن يتكلم فيها من يريد صدّ الناس عنها وتحريف أحكامها. ومع مراعاة الغيرة المشروعة، فإن العبد لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تُخشى غوائلها، لكن لا يبالغ في إساءة الظن والتعنّت والتجسس على البواطن ..
إن من الأمور التي ينبغي أن تُلاحظ أن الله تعالى يغار إذا توجّه العباد بعباداتهم لغيره أو كانت قلوبهم معلقة بغيره ، وإنما الواجب على العباد أن يجعلوا أعمالهم كلها لله جل وعلا بحيث يتوجهون بدعائهم وسائر أعمالهم لله جل وعلا ، ومن ذلك أن تحضر قلوبهم عند عبادتهم لله جل وعلا ..
ومما يدخل في معنى حضور القلب .. أن يمتلئ القلب من عظمة الله عز وجل مع الأنس بالقرب من الله ومناجاته و الحياء منه سبحانه أن يطلع على ما لا يرضى من الأقوال والأفعال
إن حضور القلب في العبادات يعني أن يستشعر العبد أنه واقف بين يدي الله عز وجل ، ومن ثم يقف موقف العبد الخادم الخائف الوجل ، فيعرف معاني ما يتكلم به ، ويفهم مقاصد الأفعال التي يؤديها بين يدي سيّده ، وحينئذٍ يسكن لذلك قلبه ، وتطمئن نفسه ..
ومن أمثلة ذلك ..
حضور القلب عند قراءة القرءان ، فإن الله يغار عندما يقرأ العبد القرءان ويكون قلبه في غير تأمل معاني كتابه ،قال تعالى (إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَىَ لِمَن كَانَ لَهُ قَلب أو ألقَىَ السَمعَ وَهُوَ شَهِيد)
في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع الله عز وجل، وذلك منتهى العبادات ، فالدعاء يرد القلب إلى الله عز وجل، قال ابن رجب:[ من أعظم شرائط إجابة الدعاء حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى] كما ورد[ ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، وإن الله لا يقبل دعاء من قلبه غافل لاه ]
من فوائد حضور القلب ..
 إجابة الله لدعاء المسلم إذا دعاه بقلب حاضر مع تعلق القلب بالله عز وجل ، مما ينتج عنه راحة النفس ونقاء القلب ،
 ضرب الحكيم الترمذي رحمه الله أمثالاً لمن كان غافل القلب في عباداته فقال : مثل المصلي الذي يسهو بقلبه عن ربه كمثل رجل جنا جناية في حق الأمير ثم ندم فاستجمع أتباعه وتوجّه إلى باب الأمير معتذرا من أجل أن يصفح عن سوء أدبه، فلما أذن له الأمير ووقف بين يديه ، وأقبل الأمير عليه بوجهه ليقبل عذره ويحسن إليه، أعطى ذلك الرجل جنبه للأمير وبدأ يتحدّث مع أحد خدم الأمير، فما ظنك بموقف الأمير حينئذٍ، ألا يُعرض الأمير عنه، ألا يقع في نفسه أن هذا متلاعب وليس بمعتذر، بل هذا مستخفّ بحق الأمير، ومن ثم فلن يعبئ الأمير بعذره ..
وضرب مثلا لمن يدعو بدون حضور قلب ولا رغبة ولا رهبة، بمن يطرق باباً ويطلب من أهله المساعدة فلما فتحوا له الباب وعرض حاجته عليهم، ودخلوا للبيت ليحضروا ما يقدّمونه له لم يلبث عند الباب ، بل مضى لسبيله، فلما وصلت المساعدة للباب لم يجدوا ذلك الرجل الذي يطلب المساعدة ، فأدخلوها داخل البيت، فكان الرجل ينتقل بين البيوت وهذا شأنه، فلم يحصل على مساعدة ولن يجد معيناً له ..
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإيّاكم ممن حضر بقلبه في عباداته .. فكان قلبه حاضرا في صلاته وفي دعاءه وفي مناجاته ، وفي ذكره وفي ثناءه على ربه .. هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
سلسلة " حياة القلوب 
الدرس الواحد و العشرون:
النـــــــــــــــــدم
فإن من أعمال القلوب التي يعظم أجرها .. الندم على ما حصل من الذنوب ..
والنــدم ركن التوبة ومبدأها ، وفي السنن بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{النــدم تـــــــوبة } ولا خلاف بين أهل العلم أن التوبة من الذنب لا تصح إلا بالندم على فعله، والنــدم على المعاصي لا يكون توبة ولا قربة إلا إذا كان ندما ًلله، فمن نــدم على فعل المعصية لما فيها من ضرر دنيوي أو مرض لم يكن تائبا ..
إن النــدم قد يكون بسبب فعل العبد للمعاصي والسيئات، وقد يكون بسبب فعل العبد للمكروهات  والنـدم قد يكون بسبب ترك العبد للواجبات، وقد يكون بتضييع الإنسان لوقته وعدم فعله للمندوبات، وكذلك قد يكون النــدم بسبب ما حصل على العبد من اعتقادات باطلات .
قال ابن مفلح :[ التوبة هي النــدم على ما مضى من المعاصي والذنوب ، والعزم على تركها دائما ًلله عزّ وجل لا لأجل نفع الدنيا أو زوال أذى] ..
قال الحسن البصري في تفسير التوبة النصوح :[ هي نــدم بالقلب .. واستغفار باللسان ..وترك بالجوارح .. وإضمار ألا يعود] .
إن النـدم والتوبة شأن عباد الله الصالحين ، فهذا إبراهيم عليه السلام يقول (وتُب عَلَينَا إنّكَ أنتَ التَّوّابَ الَّرحِيم)وموسى يقول (سُبحَانَكَ تُبتُ إلَيكَ وَأنَا أوَّلُ المُؤمِنِينَ )) وهكذا كتاب الله مليء من ذكر كلام أنبياء الله في تقديم التوبة بين يدي الله ..
أن التوبة سبب لمحبة الله للعبد التائب .. قال تعالى (إنَّ اللهَ يُحبُّ التوّابين) إن التوبة طريق الفلاح والنجاح كما قال سبحانه (وتُوبُوا إلى اللهِ جَمِيعَا ًأيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعلّكُم تُفلِحُون).
إن التوبة إلى الله والنــدم على المعاصي... سبب لصفاء القلب ، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إنّ العبد إذا أخطئ نُكت في قلبه نُكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صُقل قلبه ، وإن عاد زِيدَ فيه حتى تعلو قلبه } وهو الران الذي ذكر الله (كَلّا بَل رَانَ عَلَىَ قُلُوبِهِم مَا كَانُوا يَكسِبُون) ..
النــدم على الذنوب .. سبب لمغفرتها كما قال سبحانه (قُل يَا عِبَادِيَ الّذِينَ أسرَفُوا عَلَىَ أنفُسِهِم لا تَقنَطُوُا مِن رَّحمَةِ اللهِ إنَّ اللهَ يَغفِرَ الذُنُوبَ جَمِيعَا ًإنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم)
إن النــدم على المعصية الذي يعقبه عمل صالح .. يكون سبب لتبديل السيئات لتكون حسنات ، كما قال تعالى عن أهل المعاصي(إلّا مَن تَابَ وآمَنَ وعَمِلَ عَمَلا ًصَالِحَا فَأولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيّئَاتِهِم حَسَنَات وَكَانَ اللهُ غَفُورَا ًرَحِيمَ)
النــدم على المعصية ينتج كثرة الاستغفار الذي يكون سببا ًلخيري الدنيا والآخرة قال تعالى 
(وإنِ استَغفِرُوا رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمتِعّكُم مَتَاعَا ًحَسَنَاً ويُؤتِي كُلَّ ذِي فَضلٍ فَضلَه).
النــدم على المعصية .. سبب لمحبة الله للعبد وفرحه به وإقباله عليه ، كما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم:{ لله أفرح بتوبة أحدكم ممن ضلّ عنه بعيره وفي فلاة ، وقد آيس منه ، ثم أقبل عليه }.
إن من فضل الله على العباد أنه سبحانه يدعوهم إلى النــدم والتوبة ليُثيبهم ويأجُرهم ، ويمحو عنهم ذنوبهم وزلّاتهم ، فهل من عاقل يستجيب لدعوة الله ؟!! جاء في الحديث الذي رواه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ قال الله عز وجل : يا ابن آدم .. لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي }
 علامة صـــدق النــدم على ما مضى من الذنوب ..شدّة تحفّظ العبد فيما بقي من عمره مع مواظبته لأنواع الطاعات بالجد والاجتهاد ، وكون العبد يرى أن ما يُؤديه من الطاعة قليل ، وأن ما يُنعم الله به عليه كثير ، مع رقة قلبه وصفاءه وطهارته ، وكثرة بكاءه وحزنه ، وتفويض الأمر إلى الله تعالى ..
أسأل الله جل وعلا أن يغفر لنا ولكم .. وأن يهدينا وإيّاكم للتوبـــــــــة النصـــــــــــوح .. هذا والله أعلم ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الثاني و العشرون:
مــراقــبـــة اللـــه 
فإن قلوب المؤمنين العقلاء ، تستشعر أن الله تعالى يراقبهم ، قال تعالى (واعلَمُوا أنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا فِي أنفُسِكُم فَاحذَرُوُه) وقال (يَعلَمُ خَائِنَةَ الأعيّنِ وَمَا تُخفِي الصُدُور) وقال (يَعلَمُ السِّرَ وَأخفَى) وقال (ألم يَعلَم بِأنَّ اللهَ يَرَى)، جاء رجل إلى عبد الله ابن المبارك فقال له:[ أوصني ، فقال : راقب الله ، فقال الرجل: وما مراقبة الله؟! قال : أن تستحي من الله ، وكن أبدًاً كأنك ترى الله ]
فلا تغفل أيها العاقل عن مراقبة من لا يعزب عنه أصغر من مثقال ذرّة ، ولا تشبع ولا تملّ من مراقبة الله فإنه تعالى لا يغفل عنها ، ينظر إليك ويطّلع على ضميرك ويُحصي عليك مثاقيل الذر وموازين الخردل حتى يجزيك بذلك (إنّ اللهَ لا يَظلِمُ مِثقَالَ ذَرّةٍ وإن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفهَا وَيُؤتِي مِن لَدُنهُ أجرًاً عَظِيمَاً) ..
ويا أيها المؤمن .. إذا كنت في خلوتك عملت أعمالا ً، فإذا حضرك صبي أقلعت عن فعلك ، وأحسنت جلوسك حياءً منه ، فما حالك إذا اطلع عليك أمير أو كبير ، فكيف إذا اطلع عليك ملك الملوك الذي يتصرّف في الكون كيف يشاء .. فراقب الله أيها العاقل في جميع حركاتك وسكناتك وخطراتك ولحظاتك ، واجعل عملك كله لله الذي يقول(واللهُ يَعلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُم وكَانَ اللهُ عَلِيمَاً حَلِيمَا) وفي قوله تعالى ( يَا بُنَّيَ إنَّهَا إن تَكُ مِثقَالَ حَبّة ٍ مِن خَردَل ٍ فتَكُن فِي صَخرَة ٍ أو فَي السَّمَاواتِ أو فَي الأرضِ يَأتِي بِهَا الله إنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير)قال ابن سعدي :[ أي لطُف في علمه حتى اطلع على البواطن والأسرار وخفايا القفار والبحار ] والمقصود من هذا الحث على مراقبة الله والعمل بطاعته مهما أمكن ، والترهيب من عمل القبيح قلّ أو كثُر ، وقال بعضهم:[ من اتقى الله في ظاهره عن تناول الشبهات وأصلح باطنه بدوام مراقبة الله عز وجل ، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ..]، وقيل لأحدهم:[ متى يهشّ الراعي غنمه بعصاه عن مراتع الهلكة ، فقال : إذا علم أن عليه رقيبا ].
وقال الإمام الشافعي رحمه الله :
صبرا ًجميلا ً ما أقرب الفرجٍ من راقب الله في الأمور نجا
ومن صدق الله لم ينله أذى وما الرجاء يكون حيث رجا
وقال عمر ابن عبد العزيز :
ومن الناس من يعيش شقيّا جيفة الليل غافل اليقظة
فإذا كان ذا حياء ودين راقب الله واتقى الحفظة
إنما الناس سائر ومقيم والذي سار للمقيم عظة
والذي يدفع العبد إلى أن يستشعر مراقبة الله له أمــور عديـــــدة، منها:
أولا: أن الله لا يخفى عليه شيء ، وقد وكّل بالعبد ملائكة يرصدون عليه جميع أقواله وأعماله (إنَّ عليكم لحافظين* كراما ً كاتبين * يعلمون ما تفعلون)
وثانيها: عظم أجر المؤمن باستشعاره لمراقبة الله ، فمراقبة الله أكثر ثوابا ًمن قيام الليل ، وصيام النهار، وإنفاق المال في سبيل الله ..
وثالثها: أن مراقبة الله ينتج عنها الإقدام على الطاعات ، وترك الخطايا والسيئات ، والندم والتوبة على ما وقع من العبد من زلل ، قال تعالى (إنَّ الّذينَ اتقَوَا إذا مَسّهُم طائِفٌ مِنَ الشَيطَانِ تذكّروا فإذا هُم مُبصِرُون) 
ورابعها: أن العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة مربوطة بمراقبة الله ، فمن راقب الله حفظه الله ، ومن أضمر خلافه خذله الله ، والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، ولسنا مع ذلك نأمن من حوادث الأمور وبغتات الأجل ..
فيا أيها المؤمن.. اعلم أن مراقبتك لله .. من أعظم أعمالك الصالحة .. ومن أعظم ما يقرّبك إلى الله ..ومن أعظم ما يجعلك تأمن من معاصي الله ، ويجعلك تُقدم على التوبة إلى الله ، ويجعل الشياطين تبتعد عنك بإذن الله ..
أسأل الله جل وعلا أن يجعل في قلوبنا جميعا ًمراقبته.. اللهم اجعلنا يا حي يا قيوم نراقبك في جميع أعمالنا .. هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
سلسلة " حياة القلوب .  
الدرس الثالث و العشرون:
الصبــــــــــــــــــــــر
فإن من أعمال القلوب التي يتقرّب المؤمنون بها إلى ربهم جلّ وعلا ..الصبر وعدم الجزع ..
فإن الصبر من أخلاق النفوس الأبيّة ، ومن صفات القلوب المخلصة ، والصبر حبس النفس عن التجزّع سواءًفي أوامر الله الشرعية أو أقداره الكونية ، قال عبيد ابن عُمير:[ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ، ولكنّ الجزع القول السيئ والظن السيئ ] وقد قال الله جل وعلا عن أم موسى (وَلَولا أن رَبَطنَا عَلَىَ قَلبِهَالِتَكُونَ مِنَ المُؤمِنِين) أي ثبتناها بالصبر وبإبعاد الجزع عنها فإن العبد إذا أصابته مصيبة فصبر ولم يجزع زاد ذلك من إيمانه ، فدلّ على أن استمرار الجزع مع العبد دليل على ضعف إيمانه ، وفي الخبر { إذا أحب الله قومًا ابتلاهم فمن صبر فله الصبر ومن جزع فله الجزع} .
ومن طرق علاج الجزع ..    
 نسيان المصائب مع اليقين بأن ما عند الله أفضل وأبرك ، وعند الله جل وعلا الخلف لكل مصيبة .
 التخلّق بخلق الصبر وعدم الشكوى إلى الخلق من أقدار الله المؤلمة ، وإنما يشكوا العبد إلى ربه جلّ وعلا .
ملاحظة صنع الله في عباده ، مما يتمكن المرء معه من علاج جزعه .
أن يتذكر المرء مقارنة الظفر والفوز بالصبر، فإن الله جل وعلا قد وعد الصابرين بالفوز والظفر 
الإكثار من الصلاة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ، وقد قال الله تعالى )إنَّ الإنسَانَ خُلِقَ هَلُوعَا إذَا مَسَّهُ الشَرَ جَزُوعَا وإذا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعَا إلاالمُصَلّين الّذِينَ هُم عَلَىَ صَلاتِهِم دَائِمُون( وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ يا بلال أرحنابالصلاة} .
الإكثار من ذكر الله تعالى كما قال سبحانه (ألا بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُ القُلُوب ) .
 الإيمان بالقضاء والقدر ، بأن يعلم العبد أن ما قدّره الله عليه فلا مناص له منه ،ولا مهرب منه مهما فعل من الأسباب .
إن لترك الجزع مع التخلّق بالصبر .. فــوائــــــــــد عـــظــيـمـــة : ـــ
1-فهو من صفات الصادقين المتقين كما قال سبحانه (والصَابِرِينَ فِي البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأس أولَئِكَ الّذِينَصَدَقُوا وَأولَئِكَ هُمُ المُتَّقُون) .
2-الصابر يعظم أجره عند ربه كما قال تعالى(إنما يُوفَّىَ الصَابِرُونَ أجرَهُم بِغَيرِ حِسَاب) .
3-الصابر محبوب عند الله ، كما قال سبحانه(واللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِين )، ولذا كان من صفات المفلحين التواصي بالصبر كما قال جل وعلا (وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وتَوَاصَوا بِالصَّبر).
4-الإمامة في الدين إنما تُنال بصفات منها الصبر، كما قال سبحانه(وَجَعَلنَا مِنهُم أئِمَّةٍ يَهدُونَ بِأمرِنا لَمَّا صَبَرُواوَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون) .
5- وقد وعد الله الصابرين بأن يكون الله معهم مؤيدًا وناصرا ، قال تعالى (يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين) وقال جل وعلا ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِين)
6-الصبر من أسباب دخول الجنّة كما قال تعالى (إنِّي جَزَيتُهُمُ اليَومَ بِمَا صَبَرُوا أنَّهم هُمُ الفَائِزُون)() وقال جل وعلا (سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبرتُم فَنِعمَ عُقبى الدَار) .
7-الصبر من أسباب الظفر والنصر في الدنيا ، جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرا ، وأن النصر مع الصبر } .
8-الصابرون يجعلهم الله يُفكّرون في العواقب ، ويُدركون مآلات الأمور كما قال سبحانه (إنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور).
9-الصبر مع التقوى .. يحصل بهما فوائـــــد عــظيـــــمة ، وثمرات جزيلة كما قال سبحانه (وإن تَصّبِرُوا وَتَتّقُوا فَإنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُور ) وقال(إنَّهُ من يَتَّقِي ويَصبِر فإنَّ اللهَ لا يُضيِعُ أجرَ المُحسِنِين )وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :{من يصبر يُصبِّره الله ، وماأعطيَ العبد عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر} متفق عليه ،
إن الجزع وترك الصبر يورد الإنسان المهالك، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال {كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزِعَ فأخذ سكيناً فحزَّ بها يده فما رقئ الدم حتى مات، فقال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه ، حرّمت عليه الجنة}.
أسأل الله جل وعلا أن يرزقنا وإيّاكم الصبر .. وأن يبعد عنا الجزع ..
هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
سلسلة " حياة القلوب .  
الدرس الرابع و العشرون:
الحيـــــــــــــــــــاء
إن قلوب المؤمنين تتصف بصفة الحيـــاء .. فهي تستحي من الله ، وتستحي من عباد الله .. والصــوم من الأعمال الصالحة التي تزيد من وجود الحيـــاء في القلوب ، وبالحيـــاء يعظم أجر الصائم ويكثر ثوابه .
الحيــــاء صفة تدفع إلى الإعراض عن القبيح ترفّعا ًعنه ، الحيـــاء مشتق من الحياة ، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيّا ، فيه حياء ٌ يمنعه عن القبائح ، فإن حياة القلوب هي المانعة من القبائح التي تُفسد القلب ، 
الحيـــــــــاء مادّة حياة القلب .. وهو أصل كل خير، وذهاب الحياء ذهاب الخير أجمع ، إن الذنوب تُضعف الحيـــاء عند العبد حتى ربما انسلخ من الحيـــاء بالكليّة بسبب الذنوب ، بحيث لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ..
من استحيى من الله عند معصيته .. استحيى الله من عقوبته يوم لقاه .. خلق الحيـــاء من أفضل الأخلاق وأجلّها وأعظمها قدرا وأكثرها نفعا ، بل إن خلق الحيـــاء هو خاصيّة الإنسانية ، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم .
ولولا خُلُقُ الحيـــاء الفاضل .. لم يكرم الضيف ولم يوفى بالوعد ولم تؤدّى أمانة ، ولم تُقضى لأحد حاجة ، ولا تحرّى الرجل الجميل فآثره، ولا ستر لغيره عورة، ولا امتنع من فاحشة .
إن الحيــــاء نور في قلب العبد .. يجعله ذلك الخلق يرى أنه واقف بين يدي ربّه، فيستحي من الله في خلواته فضلا ًعن غيرها، جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{إن مما ورث الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحي ..فاصنع ما شئت }.
ومما يبعث على الحيـــاء .. أن الله عزّ وجل يحب الحيـــاء ويأمر به ، ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم:{الحيـــــــاء شعبـــة من الإيمــــان }، وفيهما {الحيـــــاء خير كله } ..
ومما يدفع إلى الحيــاء .. أن يعلم العبد أن أنبياء الله عليهم السلام يتصفون بصفة الحيـــاء ، ففي الصحيح أن موسى عليه السلام كان حييّا ًستّيرا لا يُرى من جلده شيء استحياءً من الله ، وفي الصحيحين[كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدّ حيـــاءً من العذراء في خدرها ] يعني المرأة غير المتزوجة أو في ليلة زواجها في خدرها فإنه يكون في قلبها من الحياء ما الله به عليم .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان رضي الله عنه:{ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة} وقال أنس:{ كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحيـــــــاء}
من الأمــور الدافــــعـة إلى أن يتخلّق الإنسان بخلق الحيــــاء .. أن يرى العبد كثرة نعم الله عليه مع تقصيره في جناب ربّه ، فإذا قارن العبد بين نعم الله وبين تقصيره توّلد من ذلك الحيــــــاء من الله . 
إن من أسباب وجود الحيــــــــاء في قلوب المؤمنين .. أن يستشعر العبد اطلاع الله عليه بحيث يجعله ذلك يستحيي من ربه ، فإن العبد متى علم أن الربّ جل وعلا ينظر إليه ويطّلع على جميع شأنه أورثه ذلك الحيـــــاء من الله .
ومن الأمور الدافــــعـة إلى التخلق بخلق الحيــــــــاء .. كثرة المنافع والفوائد التي يجلبها الحيـــاء ، ففي الصحيحين من حديث عمران ابن حصين رضي الله عنهما يقول النبي صلى الله عليه وسلم :{الحيـــاء لا يأتي إلا بخير } وفي السنن{ ما كان الحيـــــاء في شيء قط إلا زانه }.
الحيــــــاء يجعل النفس تتحمل أعباء الطاعات ..
الحيـــــاء يُبعد العبد عن معاصي الله ..
الحيـــــــاء يكفّ النفس عن كل ما يشين ويقدح .. 
الحيـــــــاء يُلبس العبد ثوب الوقار وثياب المروءة ..
الذنوب تُضعف الحيـــــــــــاء من العبد ، حتى ربما انسلخ من الحيـــــــاء بالكليّة ، حتى ربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله ، ولا باطلاعهم عليه ، إن بين الذنوب وبين قلّة الحيـــاء وعدم الغيرة تلازما ًعجيبا ًمن الطرفين وكلٌ منهما يستدعي الآخر ويطلبه ..من استحيى من الله عند معصيته ، استحيى الله من عقوبته يوم يلقاه .
ومن الحيـــاء أن تستحيّ أن تطلب غير مولاك ، وأن تعرض حوائجك على أحد سواه ، قال عمر رضي الله عنه :[ من قلّ حياءه قلّ ورعه ، ومن قلّ ورعه مات قلبه ]،
وقالت عائشة رضي الله عنها :[ خلال المكارم عشر تكون في الرجل ولا تكون في ولده، وتكون في العبد ولا تكون في سيّده يجعلها إليه حيث يشاء] 
أولها: صـدق الحديث، وثانيها: صدق البأس، وثالثها: المكافأة بالصنائع، ورابعها: حفظ الأمانة، وخامسها: صلة الرحم، وسادسها: تذمم للجار، وسابعها: التذمم للصاحب،وثامنها: إعطاء السائل ، وتاسعها: إقراء الضيف، وعاشرهن قالت : ورأسهنَّ الحيـــــــــــاء] 
وقال أبو أيوب الأنصاري:[ أربع من سنن المرسلين.. التعطر والنكاح والسواك والحيـــاء] .. 
أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإيّاكم لخيري الدنيا والآخرة .. وأن يجعلنا وإيّاكم من أهل الحيــــــــــــاء , 
هذا والله أعلم ....وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
سلسلة " حياة القلوب
الدرس الخامسو العشرون:
محبـــــــــــــــة المؤمنــــــــــــيــــن
فإن من العبادات القلبية التي يؤجر العبد عليها .. محبــــــــــة المؤمنيـــــــــن .. بأن يكون بين العبد وبين غيره من المؤمنين مودّة، يفرح بلقائهم، ويستبشر برؤيتهم، ويُسرُّ بوصول الخير إليهم ، ويتعاون معهم ..
إن الأخوّة الإيمانية ..تنطلق بين المؤمنين فتجعل بينهم المحبة والألفة ، ومن ثم يوجد بينهم الأخلاق الفاضلة وحسن العشرة وكريم الصحبة ، جاء في مسند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ المؤمن مألفة ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف } .
 إن من أسباب انتشار المحبة بين المؤمنين .. أن يفشوا السلام بينهم ، فيسلم المرء على من عرف ومن لم يعرف من المؤمنين ، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ لا تدخلون الجنة حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟! أفشوا السلام بينكم}.
 إن من أسباب وجود المحبة بين المؤمنين .. أن يُهدي بعضهم إلى بعض كما في الحديث
{ تهادَوا تحابّوا } جاء عند الطبراني مرفوعا { ثلاث يصفّين لك ودّ أخيك : تُسلّم عليه إذا لقيته ، وتُوسّع له في المجلس ، وتدعوه بأحب أسماءه إليه } وفيه عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إن من عباد الله لأناس ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله .. قالوا: يا رسول الله تُخبرنا من هم؟ قال: هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوا لله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس، أولئك أولياء الله، ثم قرأ ](ألا إنَّ أولِيَاءَ اللهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُون)
اللهم إجعلنا منهم
محبة المؤمنين لبعضهم .. توجد حلاوة الإيمان في القلب، كما في الصحيح {ثلاث من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ...} الحديث .
 إن محبة المؤمنين لبعضهم .. من أسباب كونهم يستظلّون في يوم القيامة ، حيث تدنو الشمس من الرؤوس ،ويلجم العرق بعض العباد كما جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، وذكر منهم رجلين تحابّا في الله اجتمعا عليه وتفرّقا عليه}، وفي صحيح مسلم:{يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي .. اليوم أظلّهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} وفي الترمذي بسند جيد:{قال الله: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور، يغبطهم النبيون والشهداء} .
ولنشر الأخوة والمحبة الإيمانية .. جاءت الشريعة بالترغيب في الأخلاق الفاضلة والأقوال الطيبة ، بل رغّبت الشريعة في الإصلاح بين المتخاصمَين كما قال سبحانه [لا خَيرَ في كَثِيرٍ مِن نَجواهُم إلا مَن أمَرَ بِصَدقَةٍ أومَعروفٍ أو إصلاحٍ بَينَ النّاس ومَن يَفعَل ذَلِكَ ابتِغَاءَ مَرضَاةِ الله فَسَوفَ نُؤتِيهِ أجرَا ًعَظِيمَا] وقال سبحانه [ فاتَّقُوااللهَ وأصلِحُوا ذَاتَ بينِكُم]
إن المحبة الإيمانية .. تزيد في تماسك المسلمين وتآلفهم ، واجتماعهم وقوتهم ، وتجعل بعضهم يعين بعضهم الآخر على الخير ، وبذلك تسلم قلوبهم وتطمئن نفوسهم ، ويرضى عنهم رب العزّة والجلال .
إن من أسباب زوال المحبة الإيمانية .. أن يترك المؤمنون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن بني إسرائيل أول ما وقع فيهم النقص أنه كان الرجل يرى أخاه على الذنب فينهاه عنه ، فإذا كان من الغد لم يمنعه ما رأى أن يكون أكيله وشريبه وخليطه، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض .
 جاء في الصحيح من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام } وما ذاك إلا لأن الشيطان حريص على إيجاد العداوة بين المؤمنين، وإبعاد الأخوة الإيمانية ، وذلك بما يفعله الشيطان من بذل الأسباب المؤدية للبغضاء بينهم ، قال تعالى (إنّمَا يُرِيدُ الشَيطَانُ أن يُوقِعَ بَينَكُمُ العَدَاوَةَ و البَغضَاءَ فِي الخَمرِ والميسِرِ ويَصُدّكُم عَن ذِكرِ اللهِ وَعَنِالصَلاةِ فَهَل أنتُم مُنتَهُون) وقال سبحانه (وقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا التي هِيَ أحسَن إنَّ الشَيطَانَ يَنزَغُ بَينَهُم إنَّالشَيطَانَ كَانَ للإنسَانِ عَدُوّاً مُبِينَا)
 فمن هنا يجب على المؤمنين أن يستشعروا التقرّب لله جل وعلا بإيجاد المحبة بينهم وبين إخوانهم المؤمنين ، فذلك من أعظم العبادات التي يتقرّب بها المؤمنون إلى ربهم جلّ وعلا ...
اللهم اجعل في قلوبنا محبة المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها ..
هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
سلسلة " حياة القلوب
الدرس السادس و العشرون:
التــضــرَّع و الخضــوع
فإن من الأعمال الصالحة التي تتقرب القلوب بها إلى الله جل وعلا ، وخصوصًا في هذا الشهر المبارك ، شهر رمضــــــــــان ..التضرع والخضوع بين يدي الله جل وعلا ..
والمراد بالتضرع.. التدلل لله تعالى والخضوع له ، والانكسار بين يديه محبًة وتعظيمًا ، فإن دين الإسلام مبني على هذا المعنى ، إذ إن تعريف الإسلام هو الاستسلام لله وحده ، فأصل الاستسلام يكون في القلب بالخضوع لله وحده ، وبعبادته سبحانه وحده دون من سواه .
ومن هنا ..فإن الناظر في النصوص الشرعية يجد أنها ترغبّ في التضرّع بين يدي الله والإخبات له سبحانه ، فالتضرّع يكون في الدعاء كما قال تعالى(ادعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعًاً وخُفيَة إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدِين)والتضرع يكون عند ذكر الله تعالى كما قال سبحانه(وَاذكُر رَبَّكَ فِي نَفسِكَ تَضَرُّعًا وخِيفة وَدُونَ الجَهرِ مِنَ القَولِ بِالغُدُوِّ والآصَالِ وَلا تَكُ مِنَ الغَافِلِين)،وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى أداء الصلاة أن يكون متضرّعًا خاضعًا
إن الله تعالى يرسل المصائب للناس لعلهم يخضعون لربهم جل وعلا ، كما قال سبحانه (وَلَقَد أرسَلنَا إلىَ أمَمٍ مِنقَبلِكَ فَأخَذنَاهُم بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُون فَلَولاَ إذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكن قَسَت قُلُوبُهُم)وقال سبحانه(وَمَا أرسَلنَا فِي قَريَةٍ مِن نَبِي إلا أخذنَا أهلَهَابِالبَأسَاءِ والضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعُون)
قال ابن عباس:[هم المتواضعون] وقال غيره:[ المتضرعون ].
الإخبات إلى الله .. يورث الطمأنينة، والثقة بالله وحسن الظن به سبحانه، والإخبات إلى الله يقطع تعلّق القلب بغير الله ..
ومن مظاهر الخضوع لله والإخبات بين يديه .. الركوع والسجود الّلذان يدلّان على غاية الخضوع لله، الخاشع المتضرع يسأل الله مسألة المسكين الذليل الذي انكسر قلبه، وذلّت جوارحه، وخشع صوته حتى إنه لا يكاد تبلغ ذلّتُه ومسكنته وضراعته إلى أن ينكسر لسانه
إن قلوب العابدين تُحصّل في أوقات السحر من الرقة والتضرع وحلاوة العبادة، ما يجعل العبد يحسّ بمخاطبته لربه ..
 إن التضرع بين يدي الله.. يجعل القلب حاضرا ًحال مخاطبتنا مع الله جل وعلا، قال ابن القيم : [ إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب واجتماعه بكلّيّته على المطلوب، وصادف وقتا ًمن أوقات الإجابة، وصادف خشوعا ًفي القلب، وانكسارا ًبين يدي الرب، وذلّا ًله وتضرعا ًورغبة ، واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ، ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ، ثم ثنّى بالصلاة على محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدّم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ، ثم دخل على الله وألحّ عليه في المسألة ، وتملّقه ودعاه رغبة ورهبة ، وتوسّل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده ، وقدّم بين يدي دعاءه صدقة ، فإن هذا الدعاء لا يكاد يُردُّ أبدا ولا سيما إن كان الدعاء بالأدعية المأثورة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والتي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها متضمنة للاسم الأعظم ].
 في الدعاء من الفائدة .. التضرع بين يدي الله جلّ وعلا، وذلك منتهى العبادات ، فالدعاء يرد القلب إلى الله بالتضرع والاستكانة، ولذلك كان أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، لأن الدعاء يرد القلوب إلى الله بالاستكانة والتذلل.
 إن ترغيب الشارع في إخفاء بعض العبادات لتكون أعظم في التضرع بين يدي الله، وأقرب إلى حضور القلب مع الله، وأبعد عن الرياء والمباهاة، وأعون على تدبر معنى ما يدعو به الإنسان أو يذكر به ربه، فيكون ذلك سببا ًمن أسباب علوّ درجته في دنياه وأخراه.
أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من المتضرعين بين يدي الله في كل حين .. كما أسأله جل وعلا أن يصلح قلوبنا، وأن يجعلها متعلقة بالله جل وعلا ..
هذا والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 
سلسلة " حياة القلوب
الدرس السابع و العشرون:
السكينة والطمأنينة
فإن من القربات والأعمال الصالحات والنعم المجزيات ، التي تتصف بها القلوب المؤمنة صفة السكينة والطمأنينة ..
والسكينة هي طمأنينة القلب مع اختلاف الأحوال ومشاهدة الأهوال .. فالسكينة ثبات المرء عند نزول المحن المقلقة والأمور الصعبة التي تشوّش القلوب وتزعج العقول وتضعف النفوس ، بحيث يبقى القلب ثابتا ًمستمرًّاً في إقامة أمر الله ، لا يشغله أمر عن ذلك ، بحيث أنه تشغله ملاحظة وعد الله بنصر أولياءه عن شدّة ما هو فيه من ألم وخوف ..
السكينة هي الطمأنينة والوقار.. والسكون الذي ينزله الله في قلب عبده عند اضطرابه حال شدّة خوفه ، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه مما يوجب زيادة الإيمان وقوة اليقين والثبات .. إذا نزلت السكينة على القلب اطمئن بها وسكنت إليها الجوارح ، وخشعت واكتسبت الوقار ، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة ، وحالت بينه وبين قول الخنا والفحش ، واللغو والهجر،وكل باطل ..
إذا ترحّلت السكينة زال السرور ، وابتعد الأمن وفارق المرء الراحة ..
السكينة منّة من الله ، ونعمة من رب السماوات والأراضين كما قال سبحانه (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )الفتح: ٤
وقال: (إِذ يُوْحِي رَبُّك إِلَى الْمَلَائِكَة أَنِّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذِيْن ءَامَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوْب الَّذِيْن كَفَرُوَا الْرُّعْب فَاضْرِبُوْا فَوْق الْأَعْنَاق وَاضْرِبُوْا مِنْهُم كُل بَنَان)
انظر إلى حال أهل الكهف الذين قال الله عنهم: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )الكهف: أي ثبتنا قلوبهم بالطمأنينة والسكينة حتى يطمئنوا ، فلا ينجزعوا ولا يخافوا من الناس ، وحتى يصدعوا بالحق ، وحتى يصبروا على فراق الأهل والنعيم عند فرارهم بدينهم ، في غار،و جبل لا أنيس فيه ولا ماء به ولا طعام ، ولا يخفى عليك خبر الهجرة حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وهما وحيدان أعزلان ، لا سلاح معهما ، يدخلان الغار ، وقريش بكمالها وما لديها من عدد وعُدّة يقفون على ذلك الغار ، بقلوب حانقة وسيوف مُسلّه وآذان مرهفة ، فيقول أبوبكر الصدّيق:[ لو نظر أحدهم تحت نعليه لأبصرنا ، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في غاية الطمأنينة ومنتهى السكينة : ما بالك باثنين الله ثالثهما ]..
وأعجب من ذلك في يوم بدر ..تأتي قوى الشر في خُيلائها وتكبّرها وعُدّتها وعتادها ، وأمامهم جند الله في قلّة من العدد وقلّة من السلاح ، فتنزل الطمأنينة على المؤمنين ويعقبها النصر المبين في تلك المواطن الخطيرة ..
من أسباب تنزّل السكينة :
1- الاجتماع في طلب العلم وإقراء القرءان .. ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
{ ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفّتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده }. 
2- ومن أسباب تنزّل السكينة في القلوب قراءة القرءان فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
{ تلك السكينة تنزّلت للقرءان } .
3- ومن أسباب السكينة الدعاء .. فقد جاء في الأثر أن الصحابة دعو [ فانزلن سكينة علينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا] فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد هذه الكلمات في يوم الأحزاب مع الصحابة فنصرهم الله على عدوّهم ، وثبّت قلوبهم .
4- ومن أسباب الطمأنينة ..الإكثار من ذكر الله كما قال:(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
5- ومن أسباب تحصيل الطمأنينة .. ورع الإنسان عن المشتبهات، ففي الحديث:{ البر ما سكنت إليه النفس واطمئن إليه القلب } وفي الآخر { البر ما اطمئن إليه القلب وسكنت إليه النفس ، والآثم ما حاك في صدرك وتردّد في قلبك وإن أفتاك الناس }.
6- من أسباب تحصيل الطمأنينة.. الصدق كما في الحديث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
{ الصدق طمأنينة والكذب ريبة }..
 ما أعظم أجر المطمئن ، اسمع لقول تعالى:(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
وفي مقابل هؤلاء يزيل الله عن بعض العباد أمن القلوب ، ويرفع عنهم الطمأنينة ، ويمنع عنهم السكينة، كما قال (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ )
اللهم يا حي يا قيّوم ..أنزل السكينة والطمأنينة في قلوبنا .. هذا والله أعلم ..صلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين 

سلسلة " حياة القلوب
الدرس الثامن و العشرون:
الخــشــــــــــــوع
فإن من أعظم عبادات القلوب الخشــــــــوع لله ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
{ اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع وقلب لا يخشع } ..
الخشــــــوع .. قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل ، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن من صفات المؤمنين الخشوع .
الخشــــــوع .. خضوع القلب و طمأنينته وسكونه لله ، وانكساره بين يدي الله ، ذُلّاً وافتقارا ، وإيماناً به وبلقائه .
الخشــــــوع.. معنىً يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار، أجمع العارفون على أن الخشــوع محلّه القلب، وثمرته على الجوارح , وهي التي تُظهره .

الخشــــــوع .. اتصاف القلب بالذلّة والاستكانة ، والرّهب بين يدي الرب ، جاء في حديث ابن عمر في تفسير قوله تعالى (الّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُونَ) قال:[كانوا إذا قاموا في الصلاة .. أقبلوا على صلاتهم ، وخفضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم ، وعلموا أن الله يُقبِلُ عليهم ، فلا يلتفتون يميناً ولا شمالا ].
قال الحسن البصري:[ كان خشوعهم في قلوبهم ، فغضّوا لذلك أبصارهم ، وخفضوا لذلك الجناح ] ، وقال قتادة:[ الخشــوع في القلب ..هو الخوف وغض البصر في الصلاة ].
ويتضمّن الخشـــــوع معنيين : أحدهما التواضع والذل ، والثاني السكون والطمأنينة .
ولذلك فإن الخشـــوع يستلزم لين القلب المنافي للقسوة ، فخشوع القلب يتضمّن عبودية الله ، وطمأنينة القلب بالله ، ولهذا كان الخشوع في الصلاة يتضمّن التواضع والسكون .
الخشـــــــوع .. حالة في القلب تنشأ من الخوف والمراقبة ، والتذلل لعظمة المولى ، ويظهر اثر الخشـــوع على الجوارح بالسكون والإقبال على الله تعالى ، وعدم الالتفات إلى غيره مما يورث البكاء والتضرع .
أثنى الله على الخاشعين في صلواتهم ، فقال سبحانه (إنَّ الّذِينَ أوتُوا العِلمَ من قَبلِهِ إذا يُتلَى عَلَيهِم يَخرُّونَ لِلأذقَانِ سُجَّداً0وَيَقُولُونَ سُبحَانَ رَبِّنَا إن كَانَ وَعدُ رَبِّنَا لَمَفعُولا0 وَيَخِرُّونَ لِلأذقَانِ يَبكُونَ ويَزِيدُهُم خُشُوعَا) أنه ربما ردَّ صلاته ولم يقبلها ].
الخشــــــوع .. هو روح الصلاة ، وبه يتفاوت أجرها كما ثبت في الحديث :{ أن الرجل يصلي ..فيكون له من صلاته نصفها ، ثلثها ، ربعها ....} الحديث ، وما ذاك إلا لتفاوت المصلين من جهة الخشوع وحضور القلب ، وقطع النظر عن ما سوى الله جلَّ وعلا .
وإذا كانت الجبال تخشع من خشية الله ، فكيف بابن آدم ؟!! ، قال تعالى[لَو أنزَلنَا هَذَا القُرءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللهِ وَتِلكَ الأمثَالُ نضرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ] ..
الخشـــــــوع.. من صفات الأنبياء ، كما قال سبحانه [إنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ ويَدعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وكَانُوا لَنَا خَاشِعِين]
الفلاح والنجاح معلّق على الخشــــــوع في الصلاة .. قال تعالى (قَد أفلَحَ المُؤمِنُون الّذينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُون ) ، وقد عدَّ الله الخشوع من صفات اللذين أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيما في قوله (والخَاشِعِينَ والخَاشِعَاتِ )
عاب الله على أولئك اللذين لا يخشعون .. فقال سبحانه (ألَم يَأنِ لِلَذِينَ ءَامَنُوا أن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ اللهِ ومَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ ولا يَكُونُوا كَالّذِينَ أوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم وَكَثِيرٌ مِنهُم فَاسِقُونَ.)
الخاشعـــــــون تسهل عليهم الطاعات، كما قال سبحانه(واستَعِينُوا بِالصَّبرِ والصَّلاةِ وَإنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إلا عَلَى الخَاشِعِينَ) وذلك لأن الخشوع وخشية الله ورجاء ما عنده يوجب للعبد أن يفعل الطاعة ، منشرحًا صدره بما يترتب على ذلك من ثواب عظيم .
الخشــــــــوع في الصلاة .. سبب لتكثير الأجر الحاصل بها ، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيُحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفّارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأتي كبيرة وذلك الدهر كله}، وفي السنن {مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم الخاشع الراكع الساجد } .
التعظيم لأمر الله يكون في الخشــــوع والتواضــع .. وذلك أصل التقوى وأصل الرحمة لعباد الله بالإحسان إليهم ، وهذان هما حقيقة الصلاة والزكاة ، فإن الصلاة متضمنة للخشوع لله ، والعبودية له والتواضع والذل له ، وليس كل من صلّى ببدنه يكون قلبه منوّرًا بذكر الله والخشوع وفهم القرءان ، وإن كان يثاب على صلاته ، ويسقط عنه الفرض في أحكام الدنيا ، وكل من خشع قلبه ..خشعت جوارحه .
إذا أردت أن تعرف هل في قلبك خشـــــــوع لله ؟!! فانظر إلى قلبـــــــــــك عند ذكر الله وسماع آيات القرءان ،هل يوجل قلبك لذكر الله وهل يخاف ، قال الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أحسَنَ الحَدِيثَ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقشَعِرُّ مِنهُ جُلُودُ الّذِينَ يَخشَونَ رَبَّهُم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُم وَقُلُوبُهُم إلى ذِكرِ اللهِ )
هذا والله أعلم ... وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
تــــــــــــــــم بحمــــــــــــــد الله
الحمد لله الذي منّ علينا باكتمال سلسلة " حياة القلوب،ونسأل الله أن ينفعنا بها ....منقول.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق