إن من أوائل ما يتعلمه المرء المسلم منذ
صغره قصار السور، و منها "سورة الناس" إذ يقول الحق تعالى فيها ( قل أعوذ
برب الناس. ملك الناس. إله الناس. من شر الوسواس الخناس. الذي يوسوس في صدور الناس.
من الجنة و الناس )،
و يعلم كل مؤمن بالضرورة وجود الشيطان و أن له وساوس يوسوس بها
إليه ليثنيه عن كل خير و يدنيه من كل شر، لكن ما هي ماهية تلك الوسوسة و كيف يوصلها
الشيطان للإنسان و هل للشيطان قوة في جعل الإنسان يرتكب تلك الشرور التي يوصلها إليه.
إن الوسوسة تعرف بأنها حديث بلا نطق أي أنها فكر باطن داخل نفس الإنسان الواعية ، و
نفس الإنسان هي روحه التي تسكن جسده.
و النفس لها عالمان تعيش فيهما هما: العالم المادي
الذي نعرفه فهي تسكن الجسد و تتواصل مع عالم المادة من خلال ذلك الجسد، و العالم الآخر
الذي تعيش فيه هو العالم المغيب عنا، حيث تتواصل النفس معه عبر طرق مختلفة منها ما
يبث فيها أفكار الخير مثل الإلهام و الرؤيا الصالحة، و ذلك يكون من ملك من الملائكة
بإذن الله جل و علا، و منها ما يبث فيها أفكار الشر و منها وساوس الشيطان. فالشيطان
لا يسكن العالم المادي المحسوس، و لا يؤثر فيه مباشرة، و إنما يسكن العالم الغيبي، و بالتالي يؤثر في النفس في ذلك العالم الغيبي بتلقينها أفكار السوء و الفحش و هذا
هو كنه الوسوسه،
هكذا يوسوس لها الشيطان بكل أذى و فجور و معصية و كل ما لا يليق بذات
الله سبحانه، و حيث أن للنفس عالمان كما أسلفنا و أن تلك الوسوسه تتم في العالم المغيب
فإن الإنسان لا يفهم كنهها ولا يسمع صوت الشيطان و هو يوسوس له، حيث أنه يوسوس لنفسه
في عالم لا يدركه عقله ، و لكن في العالم المادي المحسوس لدينا تبدأ النفس بتفريغ تلك
الوساوس الشيطانية
كحديث نفسي و وسوسة من النفس داخل كيان الإنسان الواعي فتبدأ نفسه
تحدثه بتلك الشرور، و هو ما يشير إليه الحق تعالى ( إن النفس لأمارة بالسوء )، و
هنا يشعر المرء أنه إنسان غير جيد حيث أنه يشعر بالنفاق إذ أنه يبدي أخلاقا جيدة، و
بداخله تتصارع أفكار سيئة تحدثه نفسه بإتيانها، لكن الله و رسوله يطمئنان المرء بأن
ذالك الحديث معفو عنه طالما كان حديثا و لم يهم المرء به، و أمرنا الله و رسوله بالإستعاذة
من وسوسة الشيطان و وسوسة النفس حتى ترتاح نفوسنا و تصبح مطمئنة.
إن الشيطان قد تعهد
بإغواء بني آدم حقدا و حسدا منه عن طريق تلك الوسوسة و هو لا يملك مطلقا أي قوة أو
نفوذ في إجبار أي كان من البشر على إتيان فاحشة أو إثم، و إنما فعله الوسوسة فقط ،
فهنا ملاذنا ذكر الله دائما وأبدا حيث أنه بذكر الله تطمئن القلوب فتطمئن النفس؛ فتطرد
ما قذف فيها الشيطان من الوساوس، نسأل الله لنا و لكم النفوس المطمئنة التي ترجع لربها
راضية مرضية، يقول تعالى ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ
رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الجزء: ٣٠ | الفجر (٨٩) | الآية: ٣٠]
اللهم اجعلنا من أهل الفردوس الأعلى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق