سمعت في أحد المقاطِع الوعظيِّة توصيةً بالشكوى لله تعالى خاصةً في السُّجود ، وأن يخبِر المؤمِنُ ربّه بكلّ حكايته ويشكو له، وأنَّ الله تعالى لن يردَّ أحدًا يفعل مثل ذلك .
بما يبتليهم الله به وفي المقطع حثٌّ على ترك الشكوى للنَّاس أو إخبارهم
فهل وردَ في الكتاب أو السُّنـَّة النهي
عن الشَّكوى لغير الله تعالى ؟
وهل شكوى العبد لغير الله فيه تقليل مِن
توقير الله تعالى لربِّه أو عِلمه بعظمته سبحانه ؟
وهل الأنبياء والصَّالِحون كانوا يكتمون
ما يبتليهم الله به ويشكون لربِّهم فقط ؟
وإذا تكرَّمتم فضيلة الشيخ - أسأل الله
أن يزيدكم عِلمًا ونورًا - أن توجّهوا أهل البلاء بكلمة، حيث أنّهم قد يطول بأحدهم
البلاء وربما سمِع مثل ذلك المقطع ثمّ اشتكى لربّه همّه في سجوده وأطال السجود ولكنه
لا يرى أثرًا لإجابة دعائه فربما اُفتِتِن وظنَّ بربِّه السوء
فكيف يُجاب عن مِثل ذلك ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
آمين، ولك بِمثل ما دعوت.
أولاً : ينبغي أن يُعلَم أنه ليس كلّ داعٍ
يُستجاب له؛ إذ لا يُستجاب لِمن كان عنده شيء مِن موانع إجابة الدعاء، إلاّ أن يكون
مُضطرًّا.
ومَن ذلك:
أن يدعو الإنسان دعاء مَن يُجرِّب : هل
يُستجاب له أوْ لا ؟
والمسلم مأمور بأن يدعو بإلْحَاح وأن يعزِم
المسألة .
أوْ يدعو وقلبه في وادٍ آخر ! كَمَن يدعو
الله ، وقلبه يلتفت إلى أحدٍ مِن البشر يأمَل فيه ويُؤمِّل أن يقضي له حاجاته ، وأن
يُلبّي له مطالبه !
وهذا فيه سوء أدب مع الله ، كيف يسجد بين
يدي الله ، أو يرفع يديه ، وقلبه مُتعلِّق بِمخلوق ضعيف، لا يملك لِنفسه ضَرًّا ولا
نَفْعا ولا مَوتا ولا حَياة ولا نُشورا ؟
ومتَى ما خلا الإنسان مَن موانع إجابة الدعاء
، وسأل الله بِصِدْق ، فإنه لا يكاد يُردّ دعاؤه .
ولذلك يستَجَاب للمُضطَرّ ؛ لأن قلبه يتعلّق
بِالله ، وينقطع أمَله ورَجاؤه بالمخلوقين .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : لا يَسمعُ
اللهُ من مُسمِّع ، ولا مُراءٍ ، ولا لاعِبٍ ، إلاَّ داعٍ دعا يُثبت من قلبه
.
قال مالك بن الحارث : كان ربيع يأتي علقمة
. قال : فأتاه ولم يكن ثمة ، فجاء رجل فقال : ألا تعجبون مِن الناس وكثرة دعائهم وقلة
إجابتهم ؟ فقال ربيع : تدرون لم ذاك ؟
الله لا يقبل إلاَّ الناخلة من الدعاء ،
والذي لا إله غيره لا يَسمع الله مِن مُسمِّع ولا مُرائي ولا لاعِبٍ ولا داع إلاَّ
داعٍ دعا بتثبّت مِن قلبه
قال يحيى بن معاذ : من جَمَعَ الله عليه
قلبَه في الدعاء لم يردّه .
قال ابن القيم معلّقاً على قوله : إذا اجتمع
عليه قلبُه ، وصدقت ضرورتُه وفاقتُه ، وقوي رجاؤه ، فلا يكادُ يُردُّ دعاؤه
.
ثانيا: ينبغي أن يُعلَم أن الله قد يستجيب
لبعض عباده مُباشرة ، وقد يدّخِر الإجابة لبعض عباه إلى يوم القيامة ، وقد يَصْرِف
عن بعض عباده شرًّا ، فيكون خيرًا له مِن إجابة الدعاء .
قال عليه الصلاة والسلام: مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلاَّ أَعْطَاهُ
اللهُ بِهَا إِحْدَى ثَلاثٍ: إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ
يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا
.
قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللهُ أَكْثَرُ.
ثالثا: قد يُؤخِّر الله عَزّ وَجَلّ إجابة
الدعاء لِحِكَم يَعْلَمها سبحانه وتعالى ، ومِن ذلك :
أن يكون في التأخير خير ، وذلك لِعِظَم
الأجر ، ورِفعة الدرجات ، وحصول العاقبة التي يحمدها صاحبها في الدنيا وفي الآخرة.
وقد يُشدّد في البلاء على إنسان لِزيادة
إيمانه ، ولكي ترتفع درجاته في الآخرة .
قال عليه الصلاة والسلام: إن مِن أشد الناس
بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . رواه الإمام
أحمد والنسائي في الكبرى .
لَبِث نبيّ الله أيوب عليه الصلاة والسلام
في البلاء ثمان عشرة سنة ، ثم فرّج الله عنه .
وذَكَر غير واحد من المفسِّرين أن بَين
دعوة موسى عليه الصلاة والسلام على فِرعون وقومه ، وبَين قول الله عَزّ وَجَلّ لهما:(قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا): أربعين سَنَة
وقد لَبِث نبينا صلى الله عليه وسلم ومَن
معه من المؤمنين في الحصار في الشِّعب ثلاث سِنين .
رابعا: ما يتعلّق بالشكوى
وَرَدَت الشكوى في القرآن وفي السنة
.
أما في القرآن ففي قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) قالت عائشة رضي الله عنها : تبارك
الذي أوْعى سمعه كل شيء ، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ، ويخفى عليّ بعضه ، وهي تشتكي
زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
المسلم يشكو حاله إلى ربه، ويجوز للمريض والمصاب أن يشكو للقريب والصديق والطبيب ما
يجده من الألم والمرض، ما لم يكن ذلك على سبيل التسخط، وإظهار الجزع،
وذلك لا ينافي الصبر؛ لأن لكل داء دواء،
وقد أمرنا الله بالتداوي، ولا يُعلم ذلك إلا بكشف الحال.
وقال الله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو
بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّكَ
لَتُوعَكُ وَعْكاً شَدِيداً؟ قال: «أجَلْ، إِنِّي أوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلانِ مِنْكُمْ».
قُلْتُ: ذَلِكَ أنَّ لَكَ أجْرَيْنِ؟ قال: «أجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ
يُصِيبُهُ أذىً، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ،
كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». متفق عليه.
أحوال الناس عند المصائب:
الإنسان إذا أصابته مصيبة له أربعة أحوال:
التسخط، وهو محرم.
الصبر، وهو واجب.
الرضا، وهو مستحب.
الشكر، وهو أعلاها وأكملها.
الشيخ عبدالرحمن السحيم
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق