الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام
على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم
وبعد:


وتحريم شهر رجب يقتضي عظم حرمته بين الشهور
وتعظيم المعاصي فيه والسيئات في ظلم النفس وظلم الغير



ورد في عمل اليوم والليلة لابن السني وشعب
الإيمان للبيهقي عن أنس بن مالك قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال
اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان). وهذا الدعاء شائع عند العامة ولكنه حديث
منكر لا يصح ضعفه ابن رجب وابن حجر لأنه من رواية زائدة بن أبي الرقاد تكلم فيه البخاري
وغيره قال أبو حاتم: (يحدث عن زياد النميري عن أنس أحاديث مرفوعة منكرة).
فعلى هذا
لا يشرع الدعاء بهذا الدعاء ولا يخصص دخول رجب بشيء من الدعاء لأنه لم يرد في الشرع
وما ورد في فضل الاستغفار والتهليل في رجب موضوع لا يعرف إلا عند الرافضة.

اشتهر عند العامة تبادل التبريكات والتهنئة
بدخول شهر رجب فترى أحدهم يستفتح حديثه بتهنئة السامعين أو يرسل تهنئة لغيره بدخول
رجب ويشكر الله على هذه النعمة وهذا العمل مجرد استحسان ليس له أصل في السنة لأن الشارع
لم يعتبر دخول رجب مناسبة خاصة فلا ينبغي للإنسان أن يعمل عملا لم ينقل عن النبي صلى
الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن أئمة الهدى المتحرين للسنة الحريصين على متابعة
الشرع.

انتشر عند بعض الطوائف مشروعية الاغتسال
في أول ليلة من رجب وفي ليلة النصف من رجب ويرون أن هذه من الأغسال المستحبة وهذا القول
أحدثه الرافضة وليس له أصل في السنة ولا يعرف من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا
عن الصحابة ولا السلف فيما اطلعت عليه فعلى هذا لا يشرع للمسلم أن يعتقد أفضلية الغسل
في رجب أو يخصه بيوم معين بالغسل وإنما يغتسل في الوقت والحال المشروع في يوم الجمعة
وغيره مما ورد في السنة.

اشتهر عند العامة تخصيص رجب بعمرة ويرون
لها فضلا عظيما ومزية خاصة ويوردون فيها آثارا مرجوحة فترى أحدهم يعتقد سنية عمرة رجب
ويجتهد في أدائها وربما يبالغ فيها أكثر من اجتهاده وحرصه على عمرة رمضان وهذا العمل
صار من شعار الجهال ولا يعرف عن أهل العلم المحققين والحق أنه لا يشرع تخصيص رجب بالعمرة
لأنه لم يرد دليل في الشرع يدل عليها ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في
رجب ألبتة كما جاء في البخاري عن ابن عمر (رضي الله عنهما قال: (إن رسول الله اعتمر
أربع عمرات إحداهن في رجب قالت (أي عائشة): يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة
إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط).
ولهذا أنكر أهل العلم تخصيصه بعمرة قال ابن العطار:
(ومما بلغني عن أهل مكة اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب وهذا مما لا أعلم له أصلاً).


يستحب بعض العامة الصوم في رجب ويعتقد أن
له مزية فتراه يصوم الشهر كله أو أياما معينة وهذا العمل ليس له أصل وإن استحبه طائفة
من الفقهاء لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخص رجب أو بعض أيامه بصيام
ولا يثبت في هذا الباب شيء.
قال ابن تيمية: (وأما صوم رجب بخصوصه فأحاديثه كلها ضعيفة
بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل بل
عامتها من الموضوعات المكذوبات).
وقال ابن القيم: (كل حديث في ذكر صيام رجب وصلاة بعض
الليالي فيه فهو كذب مفترى).
وورد إنكار الصحابة لهذا العمل ففي مصنف أبي شيبة قال
خرشة بن الحر: (رأيت عمر يضرب أكف الناس في رجب حتى يضعوها في الجفان ويقول كلوا فإنما
هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية)
وذكر ابن قدامة في المغني: (أن أبا بكرة رضي الله عنه
دخل على أهله وعندهم سلال جدد وكيزان فقال ما هذا فقالوا رجب نصومه قال أجعلتم رجبا
رمضان فأكفأ السلال وكسر الكيزان). فعلى هذا تخصيص رجب بصوم الشهر كله أو بعضه واعتقاد
سنيته غير مشروع لكن لو صام بعضه المسلم لفراغه أو كانت له راتبة في الصوم على سبيل
التطوع العام أو وافق صوم الأيام الشرعية كالإثنين والخميس وأيام البيض فحسن أما أن
يعتقد الخصوصية في صوم يوم معين وأن له فضل خاص كيوم عاشوراء فلا يصح.

استحب المتصوفة الجهال صلاة ثنتي عشرة ركعة
في أول ليلة جمعة من رجب بين المغرب والعشاء وروا في ذلك حديثا موضوعا مختلقا عن النبي
صلى الله عليه وسلم لا يثبت عنه وهذه البدعة أحدثت في بيت المقدس في أواخر القرن الخامس
ولا تعرف عن أهل القرون المفضلة.
قال ابن تيمية: (هذه الصلاة لم يصلها رسول الله صلى
الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أئمة المسلمين ولا رغب فيها رسول
الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من السلف ولا الأئمة ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة
تخصها والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة
بذلك ولهذا قال المحققون إنها مكروهة غير مستحبة). وقال ابن رجب في بيان بدعيتها:
(فأما الصلاة فلم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به والأحاديث المروية في فضل صلاة
الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح وهذه الصلاة بدعة عند جمهور
العلماء).
وكذلك الصلاة في ليلة النصف من رجب عمل محدث ليس له أصل في السنة.

يظن بعض العامة أن إخراج الزكاة في شهر
رجب له فضيلة خاصة فيتحرون إخراجها في هذا الشهر ولو لم يوافق انتهاء الحول تحريا لشرف
رجب وكذلك يعتقدون أن الصدقة في رجب لها فضل خاص وهذا العمل منكر ليس عليه دليل في
الشرع ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن العطار: (وما يفعله الناس في هذه
الأزمان من إخراج زكاة أموالهم في رجب دون غيره من الأزمان لا أصل له بل حكم الشرع
أنه يجب إخراج زكاة الأموال عند حولان حولها بشرطه سواء كان رجبا أو غيره).
وقال ابن
رجب: (وأما الزكاة فقد اعتاد أهل هذه البلاد – يعني دمشق – إخراجها في شهر رجب ولا
أصل لذلك في السنة ولا عرف عن أحد من السلف).
فعلى هذا ينبغي على المسلم أن لا يتحرى
إخراج الزكاة في رجب ولا يتكلف موافقة هذا الشهر لكن لو وافق حوله رجب فلا حرج عليه
حينئذ إخراجها فيه ولا ينبغي أن يعتقد للصدقة مزية خاصة في هذا الشهر.

كان أهل الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها
العتيرة يتقربون بها إلى الله في رجب وقد استحبها بعض العلماء ثم جاء الإسلام ونسخها
وذهب عامة الفقهاء إلى إبطالها وعدم مشروعيتها وهو الصحيح لما ثبت في صحيح مسلم في
النهي عنها و ما ورد في مشروعيتها فيه مقال ولا يقوى على معارضة الصحيح ولأن هذا العمل
من شعار الجاهلية والشريعة جاءت بالنهي عن التشبه بأهل الجاهلية ولهذا قال الحسن البصري:
(ليس في الإسلام عتيرة إنما كانت العتيرة في الجاهلية كان أحدهم يصوم رجب ويعتر فيه).
وقال ابن رجب في اللطائف: (العتيرة اختلف العلماء في حكمها في الإسلام فالأكثرون على
أن الإسلام أبطلها وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: لا فرع ولا عتيرة).
وذهب بعض القائلين باستحبابها إلى عدم نخصيصها في رجب
لما ورد في السنة. فعلى هذا لا يشرع للإنسان أن يخص رجب بذبح ذبيحة وتقسيمها على الفقراء
أو تخصيص يوما معينا لذلك لأنه لم يرد في السنة.

اعتاد المبتدعة على الاحتفال في ليلة السابع
والعشرين في رجب على أنه اليوم الذي أسري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق