الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذه سلسلة متجددة بإذن الله تعالى ، بعنوان
ثلاثون خطوة للإستعداد لـشهر رمضان.
أسأل الله التوفيق و السداد ؛ آمين.
الخطوة الأولى : الصوم في شعبان
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، قَالَ : قُلْتُ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْتُكَ تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ صَوْمًا لا تَصُومُهُ فِي
شَيْءٍ مِنَ الشُّهُورِ إِلا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ؟ قَالَ : " ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفَلُ
النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَشَهْرِ رَمَضَانَ ، تُرْفَعُ فِيهِ أَعْمَالُ النَّاسِ
، فَأُحِبُّ أَنْ لا يُرْفَعَ عَمَلِي إِلا وَأَنَا صَائِمٌ ". رواه الترمذي و
النسائي
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على قوة ملاحظة الصحابة رضوان الله
تعالى عنهم لاهتمام النبي صلى الله عليه و آله و سلم بهذا الشهر؛ فأدركوا أن هذا الحرص
النبوي فيه من الخير ما لم يطّلعوا عليه أو يدركوا كنهه؛ فما كان منهم -كما هي عادتهم-
إلا أن سألوا عن سرِّ هذا الاهتمام النبوي بهذا الشهر؛
2) قوله صلى الله عليه و آله و سلم [ يغفل الناس عنه
بين رجب ورمضان ] فيه إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص
قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقاً، أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون
بالمشهور عنه، ويفوِّتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم؛
3) فيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة
وأن ذلك محبوب لله جلّ جلاله كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين
بالصلاة ويقولون : هي ساعة غفلة؛
4) فيه دليل على أن شهر شعبان ترفع فيه الأعمال إلى
رب العالمين، فكان صلى الله عليه و آله و سلم يحبّ أن يُرفع عمله وهو صائم؛
5) صيام شهر شعبان تمرين لصيام رمضان، قال ابن رجب:
"وقد قيل في صوم شعبان معنى آخر، وهو أن صيامه كالتمرين على صيام رمضان، لئلا
يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، ووجد بصيام
شعبان قبله حلاوة الصيام ولذّته، فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط"؛
6) وفي هذا الحديث أنه لا بأس بإظهار نوافل العبادة
من الصوم والصلاة وغيرهما إذا دعت إليه حاجة كتعليم الناس السنن مثلا، و إلا فالمستحب
إخفاؤها إذا لم تكن حاجة.
الخطوة الثانية : القضاء في شعبان.
عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت
: " كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ
أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على حرص أم المؤمنين عائشة رضي الله
تعالى عنها لمصاحبة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في أمره كله، حتى صومه؛
2) يؤخذ أيضا من حرصها رضي الله تعالى عنها على ذلك
في شهر شعبان ، أنه لا يجوز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان آخر ؛
3) فيه دليل على أن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى
عنها كانت تهيئ نفسها لرسول الله صلى الله عليه و آله وسلم مترصدة استمتاعه لها في
جميع أوقاتها إن أراد ذلك ، ولا تدري متى يريده، ولم تستأذنه في الصوم مخافة أن يأذن،
وقد يكون له حاجة فيها فتفوتها عليه، وهذا من أدبها معه عليه الصلاة و السلام؛
4) فيه جواز تأخير القضاء إلى شعبان. إلا أنه يستحب
المبادرة به للاحتياط فيه، فإن أخره فالصحيح عند المحققين من الفقهاء وأهل الأصول أنه
يجب العزم على فعله، حتى لو أخره بلا عزم عصى ، وقيل : لا يشترط العزم ، وأجمعوا أنه
لو مات قبل خروج شعبان لزمه الفدية في تركه، عن كل يوم مد من طعام؛
5) المرأة تؤجر إذا تركت بعض النوافل لرعاية بيتها
وزوجها. فإذا نوت صيام التطوّع ومنعها زوجها فإنها تؤجر على ذلك ؛
6) في الحديث دليل على عِظم حق الزوج، إذ يُقدّم حق
الزوج على نوافل الطاعات، ومثله حق الأهل يُقدّم على نوافل الطاعات؛ لأن الحقوق واجبة
لازمة، بخلاف النوافل.
الخطوة الثالثة : شعبان شهر رسول الله.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي قَيْسٍ سَمِعَ
عَائِشَةَ تَقُولُ: " كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه
وسلم أَنْ يَصُومَهُ: شَعْبَانُ، ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ " رواه أبو داود
وصححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على فضل الصوم في شهر شعبان؛
2) قال ابن رجب رحمه الله : صيام شعبان أفضل من صيام
الأشهر الحرم ، وأفضل التطوع ما كان قريب من رمضان قبله وبعده ، وتكون منزلته من الصيام
بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها وهي تكملة لنقص الفرائض ، وكذلك صيام
ما قبل رمضان وبعده ، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة فكذلك يكون
صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بَعُد عنه؛
3) في الحديث دليل على أن ما كان رسول الله صلى الله
عليه و آله وسلم يصومه من شعبان ما لا يصومه من غيره من الشهور إلا رمضان؛
4) قولها رضي الله تعالى عنها [ يصوم شعبان ثم يصله
برمضان ]. مع الأحاديث الواردة و الدالة على أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستكمل
شهراً إلا رمضان تدل على عدم إكماله شعبان، ولكن كونه يصوم كثيراً منه فإنه يعطي الأكثر
حكم الكل . قال ابن عثيمين رحمه الله تعالى : والأولى أن يقال ما فعله النبي صلى الله
عليه وسلم فهو حق، سواء علمنا حكمته أم لا، وأنه ينبغي الإكثار من الصيام في شهر شعبان.
الخطوة الرابعة : شعبان شهر التطوع.
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لا يُفْطِرُ ، وَيُفْطِرُ حَتَّى
نَقُولَ لا يَصُومُ ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلا رَمَضَانَ ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ
صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ". متفق عليه.
فوائد الحديث
1) قولها رضي الله تعالى عنها : [مَا رَأَيْتُهُ فِي
شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ] دليل على أن صومه - صلى الله عليه وآله وسلم - لم
يكن مختصاً بشهر دون شهر ؛
2) من فوائد الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
لم يستكمل شهراً غير رمضان لئلا يظن وجوبه ؛
3) مشروعية إكثار الصوم في شعبان يؤخذ من قوله [وَمَا
رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ ]؛
4) يُؤخذ من قولها رضي الله عنها [كان يصوم حتى نقول
لايفطر ويفطر حتى نقول لايصوم ]، أن عمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان بحسب المصالح؛
5) يؤخذ من هذا الحديث ، أنه لا ينبغي للإنسان أن يصوم
في التطوع شهرا كاملا؛
6) فيه دليل على فضيلة الصوم لأن النبي صلى الله عليه
وآله وسلم كان يكثر منه حتى يقال لا يفطر ؛
7) يستفاد كذلك من هذا الحديث ، أنه ينبغي للإنسان
أن يَسُوسَ نفسه في العمل الصالح ويُروضها على العمل و يتبع ما هو أنسب؛
8) في الحديث منقبة لعائشة رضي الله عنها وغيرها من
أمهات المؤمنين كونهن أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيته.
يتبع
الخطوة الخامسة : الترغيب في الصوم.
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قَالَ اللَّهُ
: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي
بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ
وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ
مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ
وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ". متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث رد على المعتزلة و غيرهم و هذا في قول
رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم:[ قال الله ] أي كلام الله في لفظه ومعناه بلا
كيفية، إلا أنه ليس بمعجز، وليس له حكم القرآن؛
2) في الحديث دليل على فضيلة الصيام ومزيته من بين
سائر الأعمال وأن الله اختصه لنفسه من بين أعمال العبد. فلم يُعبد غير الله جل وعلا
بالصوم؛
3) قوله [ الصوم لي ] فيه دليل على أنه أحب العبادات
إلى الله والمقدم عنده جل وعلا؛
4) قوله [ وأنا أجزي به] بيان لعظم فضله، وكثرة ثوابه.
لأن الكريم إذا أخبر بأنه يتولى بنفسه الجزاء اقتضى عظم قدر الجزاء وسعة العطاء؛
5) في الحديث أيضا ، دليل على انفراد علم الله بمقدار
ثواب الصائم وتضعيفه لحسناته . قال القرطبي : " معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير
ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله
يثيب عليه بغير تقدير" ؛
6) في الحديث دليل على أن الصيام سترة من الآثام أو
من النار أو من جميع ذلك، قال ابن العربي:"إنما كان الصوم جُنّة من النار لأنه
إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بالشهوات "؛
7) في الحديث دليل على جواز إظهار العبادات مخافة فسادها؛
8) فيه فضيلة و منزلة الصائم عند الله عز وجل ؛
9) فيه جواز إظهار فرحة العبد بما أنعم الله عليه من
الطاعات ؛
10) في الحديث دليل على لقاء الله يوم القيامة و فرح
المؤمن يكون به؛
الخطوة الخامسة عشرة : أهلا رمضان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ » صححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على مشروعية التهنئة و الفرح بمواسم الخيرات و الطاعات عموما ، و شهر رمضان خصوصا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: التهنئة بشهر رمضان لا بأس بها، وهي عادة معروفة عند الناس يتخذونها من باب الدعاء، يدعو بعضهم لبعض بهذا ولا بأس به، وقد ذكر بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يبشر أصحابه برمضان، يقول: (أتاكم رمضان) مبشراً لهم به؛
2) قوله عليه الصلاة و السلام:( أتاكم) فيه دليل على أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يترقبونه . قال معلى بن الفضل: " كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم" و قال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم:" اللهم سلمني إلى رمضان ، و سلم لي رمضان، و تسلمه مني متقبلاً "؛
3) قوله عليه الصلاة و السلا: (شهر مبارك)، دليل على خيريته، قال القاري : " أي كثر خيره الحسي والمعنوي كما هو مشاهد فيه. ويحتمل أن يكون دعاء أي جعله الله مباركا علينا وعليكم، وهو أصل في التهنئة المتعارفة في أول الشهور بالمباركة "؛
4) فيه دليل على وجوب صوم رمضان و من أنكره فهو كافر.
الخطوة السادسة عشرة : رمضان شهرٌ لله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». رواه مسلم.
فوائد الحديث
1) في هذا الحديث دليل على رحمة الله بعباده حيث ضاعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها، وأما السيئات فلا يضاعفها، وإنما السيئة بسيئة واحدة.
2) فيه اختصاص الله بالصيام وإضافته إليه تشريفاً له، دون سائر العبادات ( إلا الصوم فإنه لي) ، وذلك لأن الصوم سرّ بين العبد والمعبود، لا يطلع عليه أحد إلا الواحد الأحد؛
3) فيه أن الصيام جزاءه غير محدد بعدد معين، وإنما يوفى الصائم أجره بغير حساب، بخلاف بقية العبادات، ( وأنا أجزي به)؛
4) فيه أن للصائم فرحتين، فرحةٌ عند فطره، وذلك لقيامه بطاعة خالقه، وإكمال صوم يومه، وتناوله ما أباحه الله له من الطعام والشراب، وهذا الذي ينبغي أن يفرح به، قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]. وفرحة عند لقاء ربه، وذلك بما يجد من الأجر الوفير، والثواب العظيم الذي لا حد له، بالفوز بدخول الجنة من الباب الذي اختص به الصائمون (الريان)، وأعظم منه لقاء رب العالمين، والنظر إلى وجهه الكريم ؛
5) أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.. فهذا التغير لما كان ناشئاً عن طاعة الله كان عند الله كذلك، وإن كان ذلك مكروهاً عند الناس.
الخطوة السابعة عشرة : رمضان شهرٌ لا مثل له
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ قَالَ: " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ " وفي رواية " لَا عَدْلَ لَهُ " صححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث بيان الهمة العالية لأبي همامة و حرصه على الخير والتزام الأفضل ؛
2) فيه دليل على أن الصيام لا يعادل ثوابه بشيء من الأعمال الصالحة كما ذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم؛
3) فيه بيان فضيلة الصوم و أنه لا مثيل له في القربات ، إلا أن المشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة .وجمعا بين الأحاديث في أفضل الأعمال قال أهل العلم جوابا أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أجاب كل سائل بحسب ما هو الأفضل في حقه و بحسب ما يناسبه والأصلح له وما يقدر عليه ويطيقه ولهذا وفق أهل العلم بين هذه الأحاديث بحمل اختلاف الإجابات على اختلاف أحوال السائلين ؛
4) فيه الحث على الإكثار من الصيام.الخطوة الثامنة عشرة : وجوب صوم رمضان.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ »: ثم قال : « وَصَوْمِ رَمَضَانَ ». متفق عليه.
فوائد الحديث
1) هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه في لفظ بليغ وجيز . قال ابن رجب - رحمه الله -: والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان، وهو قائم لا ينتقض بنقض ذلك، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس، فإن الإسلام يزول بفقدها جميعًا بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين ؛
2) تشبيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المعنويات بالحسيات؛
3) فيه أن من لم يأتِ بهذه الأركان الخمسة فليس في دائرة الإسلام بالإجماع؛
4) فيه دليل على أن صيام رمضان أصل من أصول الإسلام؛
5) فيه دليل على وجوب الصيام كما نص عليه الشرع، قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. قال السعدي رحمه الله تعالى : يخبر تعالى بما منَّ به على عباده, بأنه فرض عليهم الصيام, كما فرضه على الأمم السابقة, لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان. وفيه تنشيط لهذه الأمة, بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال, والمسارعة إلى صالح الخصال, وأنه ليس من الأمور الثقيلة, التي اختصيتم بها.
الخطوة التاسعة عشرة : رمضان شهر القرآن
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ». متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث تعظيم لشهر رمضان إذ فيه ابتدئ نزول القرآن و فيه كان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كل ما نزل من القرآن . قال ابن حجر رحمه الله تعالى : فيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس، فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة -رضي الله عنها؛
2) فيه إستحباب زيارة الصلحاء و أهل الخير في رمضان و تكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه ؛
3) فيه إستحباب الإكثار من القراءة في رمضان ، لأن رمضان موسم الخيرات و نعم الله على عباده فيه زائدة ، وفيه تضاعف الحسنات ؛
4) فيه أن قراءة القرآن أفضل من سائر الأذكار ، إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعله رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و جبريل عليه السلام ، فاجتمع بذلك أفضلية النازل ، وأفضلية المنزول عليه ، و المنزول به ، و الوقت ؛
5) فيه أن القرآن يطلق على بعضه و على معظمه ، كما يطلق على كلمة . لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ؛
6) فيه أن مداومة القرآن توجب زيادة الخير ؛
7) فيه المذاكرة مع الفاضل في القرآن و العلم ، و إن كان الفاضل لا يخفى عليه ما يذاكره للعبادة و الإتعاظ ؛
8) فيه دليل على كثرة نزول جبريل فيه . و في كثرة نزوله من توارد الخيرات و البركات ما لا يحصى ؛
9) فيه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة فيه ؛
10) فيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره ؛
11) فيه جواز قول رمضان من غير شهر ؛
12) فيه الحث على الجود في كل وقت ؛
13) فيه استحباب زيادة الجود في رمضان ، وعند الإجتماع بأهل الصلاح ؛
14) فيه تشبيه المعقول بالمحسوس ، لتقريبه إلى الأذهان ؛
15 فيه جوده صلى الله عليه و آله و سلم ؛
16) فيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر .
الخطوة العشرين : رمضان شهر المغفرة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». رواه مسلم.
فوائد الحديث
1) في الحديث فضل الصلوات الخمس، وأنها مكفرة للصغائر، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ؛
2) فيه فضل الجمعة، وأنها من أفضل أيام الله، وفيها ساعة لا يوفق عبد مسلم للدعاء فيها إلا استجاب الله له ؛
3) فيه فضل شهر رمضان، وأن الله يكفر به ما صغر من الذنوب ؛
4) هذا الحديث يدل صراحة على أن الذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر؛
5) فيه أن هذه الأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب، وأما الكبائر فإنه لابد لها من توبة خاصة؛ لقوله: (إذا اجتنب الكبائر) ؛
6) فيه رد على المرجئة لقولهم : بأن الأعمال تكفر الكبائر، و النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ( مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) فدل قوله صلى الله عليه و آله و سلم أنه إذا لم يجتنب الكبائر فإن هذه الأعمال لا تقوى على تكفير كبائر الذنوب
الخطوة الواحدة و العشرين : رمضان تفتح فيه الأبواب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:« إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ». رواه البخاري
فوائد الحديث
1) في هذا الحديث دليل على أن الجنة في السماء ؛
2) فيه إشارة إلى كثرة الثواب ؛
3) فيه أن سبب فتح أبواب السماء إنما يكون بفعل الصائمين ؛
4) فيه إذا علم المكلف ذلك بإخبار الصادق له ، يزيد في نشاطه و يتلقاه بأريحية ؛
5) يؤخذ من قوله ( وسلسلت الشياطين ) فيه إشارة إلى رفع عذر المكلف ، كأنه يُقال له : قد كفت الشياطين عنك ، فلا تعتل بهم في ترك الطاعة و لا فعل المعصية ؛
6) فتح أبواب السماء في رمضان هو من أوقات استجابة الدعاء ، فهو فرصة عظيمة لشغل هذا الزمن بالذكر والدعاء والتضرع . و الله أعلم.
الخطوة الثانية و العشرين: رمضان شهر القيام
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ:« إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ» ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: « نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ » يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري
فوائد الحديث
1) في الحديث جواز الإئتمام بالمصلي و إن لم ينوي الإمامة؛
2) فيه أن الإجتماع على واحد أنشط للمصلين؛
3) يؤخذ من ( إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ) دليل على نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم و صلاح دينهم
4) قال المهلب: وفيه أن اجتهاد الإمام ورأيه فى السنن مسموع منه مؤتمر له فيه ، كما ائتمر الصحابة لعمر فى جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله تعالى لقوله: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [ النساء: 83 ]
5) فيه جواز الاجتماع لصلاة النوافل
6) فيه أن الجماعة المتفقة فى عمل الطاعة مرجو بركتها، إذ دعاء كل واحد منهم يشمل جماعتهم ، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ، فيجب أن تكون النافلة كذلك
7) فيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه، وقد أخبر عليه الصلاة و السلام بالعلة التى منعته من الخروج إليهم، وهى خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي أقام هذه السنة وأحياها، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة فى صدر خلافته
8) قال المهلب: "وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة، وزالت العلة أنه لا بأس بإعادة العمل ، كما أمر عمر صلاة الليل فى رمضان بالجماعة، وفيه أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم، فلذلك قال عمر : أُبَي أقرؤنا، فلذلك قدمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن ؛ لأن عمر قدم أيضًا تميمًا الدارى ، ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة أقرأ منه، فدل هذا أن قوله عليه الصلاة و السلام: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) إنما هو على الإختيار" إهـ
9) يؤخذ من قوله رضي الله تعالى عنه ( ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ) أنه رضي الله عنه كان لا يواظب على الصلاة معهم، و كأنه كان يرى أن الصلاة في بيته و لا سيما في آخر الليل أفضل، لقوله رضي الله تعالى عنه:( وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ )
10) قوله ( ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ) دليل على عدم وجوب صلاة القيام لأن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه لا يتأخر عن واجب. قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى: صلاة التراويح سنة مؤكدة وليست واجبة فلو تركها الإنسان فلا إثم عليه لكنه إذا فعلها فإنه ينال خيرًا كثيرًا وثوابًا جزيلاً لمن صلحت نيته وخلصت سريرته لله عز وجل
11) يؤخذ من قوله رضي الله تعالى عنه: ( وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ ) هذا تصريح منه بأن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله، لكن ليس فيه أن الصلاة في قيام الليل فرادى أفضل من التجميع
12) قول عمر:( نِعْمَ الْبِدْعَةُ) فالبدعة اختراع ما لم يكن قبل، فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هُدى، وقد سئل ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعم البدعة.
الخطوة الثالثة و العشرين : رمضان شهر الإعتكاف
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ . متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على أن الإعتكاف سنة واظب النبي صلى الله عليه و آله و سلم 2) فيه دليل على مشروعية إعتكاف العشر الآواخر
3) يؤخذ من قولها رضي الله تعالى عنها ( الْعَشْرَ الْأَوَاخِر )فيه دليل على أنها أفضل و أكمل ما يكون في الإعتكاف، و أجمع العلماء رحمهم الله على تأكيد استحباب اعتكاف هذه العشر، و العشر من رمضان كما تقدم هي آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في اعتكافه
4) قولها رضي الله تعالى عنها:( حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ) فيه دليل على أن الأمر محكم غير منسوخ
5) فيه حرص أمهات المؤمنين زوجاته رضي الله تعالى عنهن على متابعة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و أنهن لم يتركن هذه السنة من بعده عليه الصلاة و السلام
6) فيه دليل على مشروعية اعتكاف المرأة في المسجد، وهذا مقيد بالضوابط الشرعية: أن تؤمن الفتنة و أن يكون وفق السنة
7) قولها رضي الله تعالى عنها ( رَمَضَانَ ) فيه دليل على أن الإعتكاف يشترط له صوم ، و في هذا مسألة. قال ابن قدامة في المغني: " المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم روي ذلك عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء و الشافعي وإسحاق ثم ذكر الدليل وهو ما رواه البخاري أن عمر -رضى الله عنه- قال: ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً - وَفِي رِوَايَةٍ : يَوْماً - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . قَالَ : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ ) ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه ولأن الاعتكاف عبادة فصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة وسائر العبادات ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع، ثم روي عن عمر بن عبد العزيز قال: ليس عليها صوم إلا أن تجعله على نفسها ومثله عن طاووس وروي عن أحمد قول آخر أنه يلزم في الاعتكاف الصوم وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والزهري والثوري ، والصحيح القول الأول . ومع ذلك يستحب الصوم مع الاعتكاف ويتأكد لقوة الخلاف ولأن النبي -صلى الله عليه وأله و سلم- لم يعتكف إلا وهو صائم كالعشر الأواخر من رمضان فكذا يلحق برمضان " إهـ .والله أعلم.
الخطوة الرابعة و العشرين : ليلة القدر .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مَنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا كُلُّ مَحْرُومٍ » . رواه ابن ماجة و حسنه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث إشارة للتعظيم و التنبيه و التذكير و هذا في قوله صلى الله عليه و آله و سلم : (إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ )؛
2) فيه الحث على زيادة الاجتهاد في الأعمال الصالحة ؛
3) فيه دليل على فضيلة شهر رمضان حيث أن الله خصه بليلة هي خير من ألف شهر ؛
4) فيه إثبات لليلة القدر و الرد على من قال بأنها رفعت أصلا ورأسا حكاه المتولي في التتمة عن الروافض والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية ، وكأنه خطأ منه . أو من قال بفرضية أنها توافق جميع أيام السنة ، بناءا على دوران الزمان لنقصان الأهلة . وهو قول مشهور عند الحنفية أيضا حكاه قاضي خان وأبو بكر الرازي منهم . إلا أن جميع هذه الأقوال فاسدة ؛
5) فيه إبهام ليلة القدر ، وقد اختلف العلماء اختلافا كثيرا في تعيينها، فذهبوا في ذلك إلى أكثر من أربعين قولا ، و لعل الراجح إن شاء الله ما ذهب إليه الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى ، قال : والصحيح أنها تتنقّل فتكون عاماً ليلة إحدى وعشرين، وعاماً ليلة تسع وعشرين، وعاماً ليلة خمس وعشرين، وعاماً ليلة أربع وعشرين، وهكذا؛ لأنه لا يمكن جمع الأحاديث الواردة إلا على هذا القول، لكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، ولا تتعين فيها كما يظنه بعض الناس، فيبني على ظنه هذا، أن يجتهد فيها كثيراً ويفتر فيما سواها من الليالي. اهـ ؛
6) فيه دليل على أن فضل ليلة القدر كثير عظيم ؛
7) فيه أن من وافق ليلة القدر على الوجه المطلوب شرعًا فقد حاز الخير كله ؛
8) فيه أن المحروم منها لا يكون محروما إلا بسبب تهاونه لأنه عرف فضائل هذه الليلة ثم ضيعها و لم يجتهد فيها .
الخطوة الخامسة و العشرين : العمرة في رمضان
عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : لَمَّا رجعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ حَجَّتِهِ قالَ لأِمِّ سِنانٍ الأنْصَارِيَّةِ : « مَا منَعَكِ مِنَ الحَجِّ » قالَتْ أبُو فُلانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كانَ لَهُ ناضِحَانِ حَجَّ عَلَى أحَدِهِمَا والآخَرُ يَسْقِي أرْضًا لَنَا قَالَ : « فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ حجَّةٌ مَعِي ».متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث جواز تطوع النساء بالحج وهذا إذا كانت الطرق مأمونة وكان مع المرأة ذو محرم أو كانت في جماعة نساء يعين بعضهن بعضاً وينبغي أن ينضم الرجل إليهن عند الركوب والنزول ؛
2) فيه أن الأعمال قد يفضل بعضها بعضاً في أوقات وأن الشهور بعضها أفضل من بعض والعمل في بعضها أفضل من بعض وأن شهر رمضان مما يضاعف فيه عمل البر وذلك دليل على عظيم فضله ؛
3) فيه أن الحج أفضل من العمرة وذلك والله أعلم لما فيه من زيادة المشقة في العمل والإنفاق ؛
4) فيه العمل اليسير يقابله الأجر العظيم ؛
5) فيه فضل العمرة في رمضان و أنها سنة مشروعة ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " يحتمل أنه صلى الله عليه و سلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة وخشي من المشقة على أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشيـة أن يفرض على أمته وخـوفا من المشقة عليهم " ؛
6) قال الشوكاني رحمه الله : قوله : ( تعدل حجة ) . فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ؛
7) اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين ، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت : (الحج حجة ، والعمرة عمرة ، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أدري أَلِي خاصةً . – تعني : أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف ، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" .
القول الثاني : أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه ، ثم عوضه بعمرة في رمضان ، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم .قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) : واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر... – وذكر أمثلة لذلك منها - : وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة ، قال : ( اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ) " انتهى . ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث : ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم ، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان ، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس ، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال . جاء في الشرح الممتع على الروض المربع لابن عثيمين 7 / 102 : الرد على الذين قالوا بالخصوصية قلت : الأصل في التشريع العموم ، والتخصيص يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة والخصوصية لا تثبت بالاحتمال بل لا بد فيها من دليل شرعي وليس فيها مجال للرأي ولا الاجتهاد ولا الاستنباط ، والتخصيص يكون بالذكر والمكان والحال فالتخصيص بالذكر وإفراده بالحكم خصوصاً كقوله تعالى : ( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) إهـ .
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير.
الخطوة السادسة و العشرين: العشر الأواخر من رمضان
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ».متفق عليه
فوائد الحديث
1) يؤخذ من قولها رضي الله تعالى عنها (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ) عنايته الخاصة صلى الله عليه و آله و سلم بالليالي العشر و الحرص على مداومة قيامها
2) فيه إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة ، ختم الله لنا بخير آمين
3) فيه أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزلهن ليتفرغ في طلب ليلة القدر
4) فيه استحباب قيام العشر من رمضان
5) فيه دليل على أن رمضان إذا كان تسعا وعشرين كتب الله للأمة الأجر تاما
6) يؤخذ من قولها رضي الله تعالى عنها ( وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) عنايته صلى الله عليه و آله و سلم بأهله ، وتحفيزهم إلى الخير . قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك
7) و فعله صلى الله عليه وآله و سلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه، ومبادرته الأوقات واغتنامه الأزمنة الفاضلة
الخطوة السابعة و العشرين : الرجاء و كثرة الدعاء
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ» .رواه أحمد، وصححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث منقبة عظيمة لرمضان وصوامه، وللدعاء والداعي
2) فيه دليل على إثبات النار كما أنه دليل على إثبات اليوم الآخر والبعث والحساب والجزاء
3) فيه كَثْرة العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بمغفرة ذنوبهم، وقَبول عبادتِهم، وحفظهم من المعاصي التي هي أسباب العذاب
4) فيه الوعد بهذا الكسب العظيم يَشْحَذُ هِمَمَ الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم عسى أن يفوزوا بكَرَمه بالعتق من النار
5) فيه لكل عتيق دعوةً مستجابة، وهذا يُحمِّس الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤال ربهم إجابةَ دعَوَاتهم.
الخطوة السادسة : شعبان شهر القراء.
عن أبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِي رضي الله
عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
" اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ
... " رواه مسلم
وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلق
حانوته وتفرغ لقراءة القرآن.
فوائد الحديث
1) هذا الحديث دليل على فضل تلاوة القرآن؛
2) فيه الحث على قراءة القرآن؛
3) فيه دليل على أن القرآن يشفع لأصحابه يوم القيامة؛
4) وفي هذا الحديث دليل على أن الذي يشتغل بالقرآن
تلاوة وقراءة، وتدبراً وتفكرا وتفسيرا، وتعليماً وتعلما، ليلاً ونهارا، يجازيه الله
سبحانه وتعالى أفضل الجزاء وأعظم الإجابة يوم القيامة ؛
5) في عمل عمرو بن قيس رحمه الله تعالى، دليل على
أن السلف كان يجدّون في شعبان، و يتهيئون فيه لرمضان؛
6) ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع
في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على
طاعة الرحمن.
الخطوة السابعة : فضل حفظ القرآن و الإشتغال
به.
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ قَالَ شُعْبَةُ: قُلْتُ لَهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» أخرجه البخاري
وأبو داود والترمذي والنسائي.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على أن القرآن الكريم هو أفضل ما
يُتعلم، وأفضل ما يُعلَّم ؛
2) في قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم:[ خيركم
من تعلم ] فيه دليل على أن الصحابة خير الناس؛ لأنهم تعلموا القرآن من النبي صلى الله
عليه و آله و سلم وهم أهل لسان عربي فصيح، ففهموا القرآن الذي أنزله الله على المعنى
الذي يريده سبحانه وتعالى؛
3) قوله: [خيركم من تعلم القرآن وعلمه ]. قال المناوي
في فيض القدير: أي خير المتعلمين والمعلمين من كان تعلمه وتعليمه في القرآن إذ خير
الكلام كلام الله فكذا خير الناس بعد النبيين من اشتغل به ؛
4) فيه الحث على تعلم القرآن وتعليمه؛
5) في الحديث دليل على الخيرية التي يناله معلم القرآن.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " مِن أشرف العمل تعليم الغير ، فمعلم غيره يستلزم
أن يكون تعلمه ، وتعليمه لغيره عمل وتحصيل نفع متعد ، والقرآن أشرف العلوم ، فيكون
من تعلمه وعلمه لغيره أشرف ممن تعلم غير القرآن.
الخطوة الثامنة : فضل الإستماع للقرآن.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قَالَ لِي
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" اقْرَأْ عَلَيَّ
" ، قُلْتُ : أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟،قَالَ:" إِنِّي
أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي"، قَالَ: فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ ،
حَتَّى بَلَغْتُ:{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا
بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا } سورة النساء آية 41، قَالَ: " حَسْبُكَ
" ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ . متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في هذا الحديث: فضل البكاء عند قراءة القرآن أو
الإستماع له من خشية الله تعالى؛
2) وفيه أيضا: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع
أصحابه؛
3) في الحديث: فضل استماع القرآن، وأنه مستحب وسنة
نبوية، ولا سيما إذا كان القارئ متقنا حافظا؛
4) في الحديث: أن ابن مسعود لما وقف عن القراءة، لم
يقل : صدق الله العظيم، ولا أمره النبي عليه الصلاة والسلام بذلك ولا غيره، وإنما قال
له: « حسبك الآن» وقد بوب له البخاري باب : قول المقرئ للقارئ: حسبك.
5) في الحديث رد على المرجئة و هذا في بكاء النبي عليه
الصلاة و السلام ، دليل على أن بعض أمته يعذب يوم القيامة و بكاؤه عليه الصلاة والسلام
بكاء رحمة . قال ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري : « وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ
بَكَى رَحْمَةً لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ
بِعَمَلِهِمْ وَعَمَلُهُمْ قَدْ لَا يَكُونُ مُسْتَقِيمًا فقد يفضى إِلَى تعذيبهم وَالله
أعلم »؛
6) هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة لعبد الله بن مسعود
رضي الله تعالى عنه بقراءته القرآن على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم؛
7) فيه كذلك استحباب طلب العالم بكتاب الله مَن هو
دونه بقراءة القرآن عليه.
الخطوة التاسعة : فضل القيام بالقرآن.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ
قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أيُحِبُّ أحَدُكُمْ إِذَا رَجَعَ إِلَى
أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فِيهِ ثَلاثَ خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ؟». قُلْنَا: نَعَمْ. قال:«فَثَلاثُ آيَاتٍ يَقْرَأُ بِهِنَّ أحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلاثِ
خَلِفَاتٍ عِظَامٍ سِمَانٍ». أخرجه مسلم.
(الخَلِفَة ) الحامل من النوق.
فوائد الحديث
1) يؤخذ من الحديث فضل قراءة القرآن في الصلاة؛
2) فيه الترغيب في ثواب الآخرة مقارنة بمنافع الدنيا؛
3) في الحديث : دليل على أن الصلاة و القرآن هما المفزع
إلى الله تعالى لدفع الضر و جلب النفع ؛
4) فيه جواز حب المال لأن النفس مجبولة على ذلك. والمؤمن
لا ينسى نصيبه من الدنيا ـ فيتمتع بها تمتعاً مباحاً، لا يجره إلى الحرام، ويستعين
بهذا المباح على طاعة الله تعالى، فهو ترويح عن النفس، واستجماع لنشاطها؛
5) في الحديث: أدب أسلوب طرح السؤال على المتعلم،
و هذا من حسن تعليمه صلى الله عليه و آله وسلم لأصحابه.
الخطوة العاشرة : التقرب بنوافل الطاعات.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى
لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِي بِشَيءٍ
أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ
بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ
بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ
الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي
لأُعِيْذَنَّهٍُ». رواه البخاري.
فوائد الحديث
1) في الحديث: إثبات الولاية لله عز وجل ، أي أن لله
تعالى أولياء وهذا قد دل عليه القرآن الكريم قال الله تعالى: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ
اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ؛ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا
يَتَّقُونَ } [يونس:63،62] ؛
2) فيه كرامة الأولياء على الله حيث كان الذي يعاديهم
قد آذن الله بالحرب؛
3) وفيه أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب لأن
الله جعل ذلك إيذانا بالحرب؛
4) و فيه أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة لقوله
عزّ وجل:" وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا
افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ "؛
5) وفيه الإشارة إلى أن أوامر الله عز وجل نوعان:
فرائض، نوافل؛
6) فيه الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى في الحديث
القدسي: "وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"
7) فيه أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن:(حتى) للغاية، فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك
8) فيه إثبات المحبة لله عزّ وجل لقوله: " أَحَبَّ
إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ "،والمحبة صفة قائمة بذات الله عز وجل
، ومن ثمراتها الإحسان إلى المحبوب وثوابه وقربه من الله عز وجل. كما أن فيه إثبات
الحرابة لله عزّ وجل، لقوله:"آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ"
9) فيه أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها
10) فيه الدلالة على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة
من أن الإيمان يزيد وينقص لأن الأعمال من الإيمان فإذا كانت تتفاضل في محبة الله لها
يلزم من هذا أن الإيمان يزيد وينقص بحسب تفاضلها ؛
11) فيه أن في محبة الله عزّ وجل تسديد العبد في سمعه
وبصره ويده ورجله مؤيدا من الله عزّ وجل ؛
12) فيه أنه كلما ازداد الإنسان تقرباً إلى الله بالأعمال
الصالحة فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه واعاذته مما يستعيذ الله منه لقوله تعالى في
الحديث:" وَلَئِنْ سَأَلَنِي لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيْذَنَّهُ
"
الخطوة الحادية عشرة : التعاهد بالأعمال
الصالحة.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ:« أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاةِ الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ ». متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث : إستحباب المداومة على صيام ثلاثة أيام
من كل شهر، ولا حرج في أن تكون من أوله أو وسطه أو من آخره، وهذه الأيام غير الأيام
البيض التي يستحب صيامها أيضا، قال الحافظ ابن حجر: وقال الروياني: صيام ثلاثة أيام
من كل شهر مستحب، فإن اتفقت أيام البيض كان أحب، وفي كلام غير واحد من العلماء أن استحباب
صيام البيض غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛
2) فيه دليل على استحباب المحافظة على صلاة الضحى،
وأن أقلها ركعتان، وعدم مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على فعلها لا ينافي استحبابها، لأنه حاصل بدلالة القول، وليس من شرط الحكم أن تتضافر عليه أدلة القول والفعل،
لكن ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مرجح على ما لم يواظب عليه؛
3) فيه استحباب تقديم الوتر على النوم، وذلك في حق
من لم يثق بقيامه آخر الليل؛
4) اختلاف وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه،
مبني على علمه - صلى الله عليه وسلم - بأحوال أصحابه، وما يناسب كل واحد منهم، فالقوي
يناسبه الجهاد، والعابد تناسبه العبادة، والعالم يناسبه العلم، وهكذا؛
5) في الحديث : إشارة إلى المربين والقائمين على التربية
والتعليم والتوجيه، أن يوجهوا كل متعلم لِما يناسبه؛
6) قول أبي هريرة رضي الله عنه: " أوصاني
"دليل على اهتمام النبي صلى الله عليه و آله و سلم بأصحابه ، و تحفيزهم و ترغيبهم
إلى الخير؛
7) قوله رضي الله تعالى عنه : " خليلي "
، دليل على عظيم محبته و افتخاره بمنزلته من النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، و قيل
أن الخلة أكثر من المحبة؛
8) يؤخذ من قوله رضي الله تعالى عنه " خليلي
"جواز الإفتخار بصحبة الأكابر، إذا كان ذلك على معنى التحدث بالنعمة و الشكر
لله، لا على وجه المباهات؛
9) قوله رضي الله تعالى عنه:" حتى أموت
"، دليل على حرص إمتثال الصحابة رضوان الله تعالى عنهم لأوامر النبي صلى الله
عليه و آله وسلم؛
10) فيه إختصاص أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بالوصية، إلا أن الإمام المنذري رحمه الله تعالى علق على هذا الحديث فقال: الوصية النبوية
العظيمة لأبي هريرة رضي الله عنه وصية للأمة كلها . لأن وصية النبي صلى الله عليه وسلم
وتوجيهه لواحد من أمته هو خطاب لأمته كلها، ما لم يدل دليل على الخصوصية.
الخطوة الثانية عشرة : إصلاح ذات البين
.
عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ ـ رضي الله عنه
ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ
مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّدَقَةِ ؟»؛ قَالُوا: بَلَى ؛ قَالَ
: «صَلاَحُ ذَاتِ البَيْنِ؛ فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ». جاء
تفسيرُ الحالقةِ مرفوعًا من قول النَّبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ
الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ». حسنه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث : حث و ترغيب في الإصلاح بين المتخاصمين
و اجتناب الإفساد بين المسلمين . قال الطيبي: فيه حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب
عن الإفساد فيها، لأن الإصلاح سبب للاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين، وفساد
ذات البين ثلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها نال درجة فوق ما يناله الصائم
القائم المشتغل بخويصة نفسه. فعلى هذا ينبغي أن يحمل الصلاة والصيام على الإطلاق، والحالقة
على ما يحتاج إليه أمر الدين؛
2) فيه دليل أن إفساد العلاقات بين الناس يهدمُ الدين
والدنيا؛
3) فيه أفضلية من يخالط الناس مخالطة يأمرهم فيها بالمعروف
و ينهاهم عن المنكر، ويحسن معاملتهم؛
4) فيه دليل على أنه لا حرج على الإنسان أن يتدخل في
النزاع بين المتخاصمين، إذا لم يكن ذلك سراً بينهما؛
5) فيه دليل على خيرية و أفضلية الصلح من الصلاة ،
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : هنا الحديث أطلق وقال: (الصلاة)، وما قال نافلة
ولا فريضة؟ نقول: قد يكون إصلاح ذات البين أفضل من صلاة الفريضة، لو فرضنا أن إنساناً
أراد أن يصلي الظهر، ورأى اثنين خارج المسجد، كل منهما يحمل سكيناً على صاحبه ليقتله،
فهنا لا يصلي بل يخلصهما مع قدرته على ذلك بدلاً من أن يسقط واحد منهما قتيلاً، حتى
لو خرج وقت الصلاة وأنت تمنع جريمة قتل تقع بين هؤلاء فتصلح يكون خيراً لك، والصلاة
تدرك، أما الموت فلا يدرك، فلذلك قد يكون في حالة من الأحوال أفضل من صلاة الفريضة،
وصلاة الفريضة قد تجمع مع غيرها في السفر، وقد تجمع مع غيرها في علة المطر، وقد تجمع
مع غيرها في علة من العلل
الخطوة الثالثة عشرة : فضل ليلة النصف من
شعبان .
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« إِنَّ
اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ
إِلا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ »رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على بيان علم الله سبحانه و تعالى
بأحوال العباد
2) فيه التنبيه والإشارة إلى الحذر من مواقعة ما حذر
منه سبحانه و تعالى، والجدّ فيما حث عليه، فإذا الإنسان استشعر هذا القرب والمعية
والإطلاع والعلم الإلهي بأحوال الخلق، لعله يُحفَّز إلى الخير
3) فيه تذكرة للغافلين وتجديد العلم للعارفين بمعرفة
الله تعالى
4) فيه أفضلية الصالحين من البشر على سائر المخلوقات، إلا أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص
في أفضلية الصالحين على الملائكة أو العكس؛
5) فيه بيان عموم مغفرة الله تعالى لجميع الخلق إلا
من استثني، وهم صنفان: مشرك، ومشاحن
6) فيه أن الشرك والشحناء يحلق الدين ويفسده؛
7) فيه فضيلة لشهر شعبان إلا أنه لم يثبت عن النبي
صلى الله عليه وآله و سلم تخصيصه لهذه الليلة بعبادة، وكان عامة ما ورد فيها إما موضوع
أو ضعيف، ولم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم شيء في هذا، وإنما جاء عن بعض التابعين،
مع مخالفة الأكثر لهم، فلا وجه إذن لاتخاذ ليلة النصف شعبان شعيرة للعبادة تضاهي أيام
الجمعة والأعياد وصلاة التراويح، فما صح غاية ما فيه الحث على الإقلاع عن كبيرتين من
كبائر الذنوب هما: الشرك، والشحناء.
الخطوة الرابعة عشرة : كراهة صوم النصف
الثاني من شعبان .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ
فَلا تَصُومُوا » صححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على كراهية الصوم في النصف الثاني
من شعبان لحال رمضان، أي ابتداءً من اليوم السادس عشر. و الحكمة من ذلك:
قال القاري في المرقاة: " والنهي
للتنزيه رحمة على الأمة أن يضعفوا عن حق القيام بصيام رمضان على وجه النشاط . وأما
من صام شعبان كله فيتعود بالصوم ويزول عنه الكلفة ولذا قيده بالانتصاف أو نهى عنه ؛
لأنه نوع من التقدم ، والله أعلم " إهـ ؛
قال القاضي : " المقصود استجمام من
لا يقوى على تتابع الصيام فاستحب الإفطار كما استحب إفطار عرفة ليتقوى على الدعاء ،
فأما من قدر فلا نهي له ، ولذلك جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الشهرين في الصوم
" إهـ
2) فيه دليل على النهي في الوصال بين شعبان و رمضان، و منهم من قال المنع يراد به صوم ليلة الشك احترازا:
قال الشَّوكاني رحمه الله تعالى:
" لأنَّ ذلك جائز عند المانعين مِن صوم يوم الشَّكِّ، لما في الحديث الصَّحيح
المتَّفق عليه ".
و قال العلامة ابن باز رحمه الله تعالى
في مجموع الفتاوى : " أمَّا الحديث الذي فيه النَّهي عن الصَّوم بعد انتصاف شعبان:
فهو صحيح، كما قال الأخ العلاَّمة الشَّيخ ناصر الدِّين الألباني، والمراد به: النَّهي
عن ابتداء الصَّوم بعد النِّصف، أمَّا مَن صام أكثر الشَّهر، أو الشَّهر كلَّه: فقد
أصاب السُّنة، والله وليُّ التَّوفيق " إهـ
فصل:
لمن لم يُقدَر له صيام النصف الأول من شعبان
مع النهي الوارد في صوم آخره، يُحتج علينا بسؤال رسول الله صلى الله عليه و آله و
سلم للرجل عن صومه سرر شعبان، إلا أن الجمع بينهما ممكن بحمد الله تعالى، وذلك بأن
يُحمل سؤاله صلى الله عليه وآله وسلم للرجل عن صومه سرر شعبان أي آخره بأن ذلك عادة
لهذا الرجل أن يصوم آخر شعبان.
وبهذا يتبن أن الصواب في هذه المسألة أنه
لا يجوز الصوم بعد النصف من شعبان لمن يصوم نفلا مطلقا لحديث أبي هريرة في النهي عن
الصيام بعد نصف شعبان والحديث الآخر في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم، أو يومين.
كما أنه يجوز الصيام بعد نصف شعبان لمن كان يصوم عادة
له كالاثنين والخميس، أو صيام يوم وإفطار يوم، أو صيام آخر الشهر وكان يصل صيام النصف
الثاني من شعبان بالنصف الأول، أو كان يصوم صوما واجبا كقضاء رمضان الماضي، أو صيام
نذر، أو كفارة, وبهذا الجمع بين الأحاديث يزول ما يتوهم من التعارض بين الأحاديث، ويعمل
بالأحاديث كلها. و الله أعلمالخطوة الخامسة عشرة : أهلا رمضان
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ » صححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على مشروعية التهنئة و الفرح بمواسم الخيرات و الطاعات عموما ، و شهر رمضان خصوصا. قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: التهنئة بشهر رمضان لا بأس بها، وهي عادة معروفة عند الناس يتخذونها من باب الدعاء، يدعو بعضهم لبعض بهذا ولا بأس به، وقد ذكر بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يبشر أصحابه برمضان، يقول: (أتاكم رمضان) مبشراً لهم به؛
2) قوله عليه الصلاة و السلام:( أتاكم) فيه دليل على أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم كانوا يترقبونه . قال معلى بن الفضل: " كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ويدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم" و قال يحيى بن أبي كثير كان من دعائهم:" اللهم سلمني إلى رمضان ، و سلم لي رمضان، و تسلمه مني متقبلاً "؛
3) قوله عليه الصلاة و السلا: (شهر مبارك)، دليل على خيريته، قال القاري : " أي كثر خيره الحسي والمعنوي كما هو مشاهد فيه. ويحتمل أن يكون دعاء أي جعله الله مباركا علينا وعليكم، وهو أصل في التهنئة المتعارفة في أول الشهور بالمباركة "؛
4) فيه دليل على وجوب صوم رمضان و من أنكره فهو كافر.
الخطوة السادسة عشرة : رمضان شهرٌ لله
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ». رواه مسلم.
فوائد الحديث
1) في هذا الحديث دليل على رحمة الله بعباده حيث ضاعف لهم الحسنة إلى عشر أمثالها، وأما السيئات فلا يضاعفها، وإنما السيئة بسيئة واحدة.
2) فيه اختصاص الله بالصيام وإضافته إليه تشريفاً له، دون سائر العبادات ( إلا الصوم فإنه لي) ، وذلك لأن الصوم سرّ بين العبد والمعبود، لا يطلع عليه أحد إلا الواحد الأحد؛
3) فيه أن الصيام جزاءه غير محدد بعدد معين، وإنما يوفى الصائم أجره بغير حساب، بخلاف بقية العبادات، ( وأنا أجزي به)؛
4) فيه أن للصائم فرحتين، فرحةٌ عند فطره، وذلك لقيامه بطاعة خالقه، وإكمال صوم يومه، وتناوله ما أباحه الله له من الطعام والشراب، وهذا الذي ينبغي أن يفرح به، قال تعالى:{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58]. وفرحة عند لقاء ربه، وذلك بما يجد من الأجر الوفير، والثواب العظيم الذي لا حد له، بالفوز بدخول الجنة من الباب الذي اختص به الصائمون (الريان)، وأعظم منه لقاء رب العالمين، والنظر إلى وجهه الكريم ؛
5) أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.. فهذا التغير لما كان ناشئاً عن طاعة الله كان عند الله كذلك، وإن كان ذلك مكروهاً عند الناس.
الخطوة السابعة عشرة : رمضان شهرٌ لا مثل له
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ قَالَ: " عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ " وفي رواية " لَا عَدْلَ لَهُ " صححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث بيان الهمة العالية لأبي همامة و حرصه على الخير والتزام الأفضل ؛
2) فيه دليل على أن الصيام لا يعادل ثوابه بشيء من الأعمال الصالحة كما ذكر النبي صلى الله عليه و آله و سلم؛
3) فيه بيان فضيلة الصوم و أنه لا مثيل له في القربات ، إلا أن المشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة .وجمعا بين الأحاديث في أفضل الأعمال قال أهل العلم جوابا أن رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم أجاب كل سائل بحسب ما هو الأفضل في حقه و بحسب ما يناسبه والأصلح له وما يقدر عليه ويطيقه ولهذا وفق أهل العلم بين هذه الأحاديث بحمل اختلاف الإجابات على اختلاف أحوال السائلين ؛
4) فيه الحث على الإكثار من الصيام.الخطوة الثامنة عشرة : وجوب صوم رمضان.
عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ »: ثم قال : « وَصَوْمِ رَمَضَانَ ». متفق عليه.
فوائد الحديث
1) هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين، وعليه اعتماده، وقد جمع أركانه في لفظ بليغ وجيز . قال ابن رجب - رحمه الله -: والمقصود تمثيل الإسلام ببنيان، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإسلام كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان، وهو قائم لا ينتقض بنقض ذلك، بخلاف نقض هذه الدعائم الخمس، فإن الإسلام يزول بفقدها جميعًا بغير إشكال، وكذلك يزول بفقد الشهادتين ؛
2) تشبيه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المعنويات بالحسيات؛
3) فيه أن من لم يأتِ بهذه الأركان الخمسة فليس في دائرة الإسلام بالإجماع؛
4) فيه دليل على أن صيام رمضان أصل من أصول الإسلام؛
5) فيه دليل على وجوب الصيام كما نص عليه الشرع، قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }. قال السعدي رحمه الله تعالى : يخبر تعالى بما منَّ به على عباده, بأنه فرض عليهم الصيام, كما فرضه على الأمم السابقة, لأنه من الشرائع والأوامر التي هي مصلحة للخلق في كل زمان. وفيه تنشيط لهذه الأمة, بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال, والمسارعة إلى صالح الخصال, وأنه ليس من الأمور الثقيلة, التي اختصيتم بها.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ». متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث تعظيم لشهر رمضان إذ فيه ابتدئ نزول القرآن و فيه كان جبريل عليه السلام يعارض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كل ما نزل من القرآن . قال ابن حجر رحمه الله تعالى : فيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان، لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث ابن عباس، فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة -رضي الله عنها؛
2) فيه إستحباب زيارة الصلحاء و أهل الخير في رمضان و تكرار ذلك إذا كان المزور لا يكرهه ؛
3) فيه إستحباب الإكثار من القراءة في رمضان ، لأن رمضان موسم الخيرات و نعم الله على عباده فيه زائدة ، وفيه تضاعف الحسنات ؛
4) فيه أن قراءة القرآن أفضل من سائر الأذكار ، إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعله رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و جبريل عليه السلام ، فاجتمع بذلك أفضلية النازل ، وأفضلية المنزول عليه ، و المنزول به ، و الوقت ؛
5) فيه أن القرآن يطلق على بعضه و على معظمه ، كما يطلق على كلمة . لأن أول رمضان من البعثة لم يكن نزل من القرآن إلا بعضه ؛
6) فيه أن مداومة القرآن توجب زيادة الخير ؛
7) فيه المذاكرة مع الفاضل في القرآن و العلم ، و إن كان الفاضل لا يخفى عليه ما يذاكره للعبادة و الإتعاظ ؛
8) فيه دليل على كثرة نزول جبريل فيه . و في كثرة نزوله من توارد الخيرات و البركات ما لا يحصى ؛
9) فيه أن فضل الزمان إنما يحصل بزيادة العبادة فيه ؛
10) فيه أن ليل رمضان أفضل من نهاره ؛
11) فيه جواز قول رمضان من غير شهر ؛
12) فيه الحث على الجود في كل وقت ؛
13) فيه استحباب زيادة الجود في رمضان ، وعند الإجتماع بأهل الصلاح ؛
14) فيه تشبيه المعقول بالمحسوس ، لتقريبه إلى الأذهان ؛
15 فيه جوده صلى الله عليه و آله و سلم ؛
16) فيه استحباب تكثير العبادة في آخر العمر .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ : « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ». رواه مسلم.
فوائد الحديث
1) في الحديث فضل الصلوات الخمس، وأنها مكفرة للصغائر، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ؛
2) فيه فضل الجمعة، وأنها من أفضل أيام الله، وفيها ساعة لا يوفق عبد مسلم للدعاء فيها إلا استجاب الله له ؛
3) فيه فضل شهر رمضان، وأن الله يكفر به ما صغر من الذنوب ؛
4) هذا الحديث يدل صراحة على أن الذنوب تنقسم إلى قسمين: صغائر وكبائر؛
5) فيه أن هذه الأعمال الصالحة تكفر صغائر الذنوب، وأما الكبائر فإنه لابد لها من توبة خاصة؛ لقوله: (إذا اجتنب الكبائر) ؛
6) فيه رد على المرجئة لقولهم : بأن الأعمال تكفر الكبائر، و النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: ( مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) فدل قوله صلى الله عليه و آله و سلم أنه إذا لم يجتنب الكبائر فإن هذه الأعمال لا تقوى على تكفير كبائر الذنوب
الخطوة الواحدة و العشرين : رمضان تفتح فيه الأبواب
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:« إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ». رواه البخاري
فوائد الحديث
1) في هذا الحديث دليل على أن الجنة في السماء ؛
2) فيه إشارة إلى كثرة الثواب ؛
3) فيه أن سبب فتح أبواب السماء إنما يكون بفعل الصائمين ؛
4) فيه إذا علم المكلف ذلك بإخبار الصادق له ، يزيد في نشاطه و يتلقاه بأريحية ؛
5) يؤخذ من قوله ( وسلسلت الشياطين ) فيه إشارة إلى رفع عذر المكلف ، كأنه يُقال له : قد كفت الشياطين عنك ، فلا تعتل بهم في ترك الطاعة و لا فعل المعصية ؛
6) فتح أبواب السماء في رمضان هو من أوقات استجابة الدعاء ، فهو فرصة عظيمة لشغل هذا الزمن بالذكر والدعاء والتضرع . و الله أعلم.
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ:« إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ» ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: « نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ » يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ. رواه البخاري
فوائد الحديث
1) في الحديث جواز الإئتمام بالمصلي و إن لم ينوي الإمامة؛
2) فيه أن الإجتماع على واحد أنشط للمصلين؛
3) يؤخذ من ( إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ) دليل على نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم و صلاح دينهم
4) قال المهلب: وفيه أن اجتهاد الإمام ورأيه فى السنن مسموع منه مؤتمر له فيه ، كما ائتمر الصحابة لعمر فى جمعهم على قارئ واحد؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله تعالى لقوله: ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [ النساء: 83 ]
5) فيه جواز الاجتماع لصلاة النوافل
6) فيه أن الجماعة المتفقة فى عمل الطاعة مرجو بركتها، إذ دعاء كل واحد منهم يشمل جماعتهم ، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ، فيجب أن تكون النافلة كذلك
7) فيه أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه، وقد أخبر عليه الصلاة و السلام بالعلة التى منعته من الخروج إليهم، وهى خشية أن يفترض عليهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحي أقام هذه السنة وأحياها، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة فى صدر خلافته
8) قال المهلب: "وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة، وزالت العلة أنه لا بأس بإعادة العمل ، كما أمر عمر صلاة الليل فى رمضان بالجماعة، وفيه أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم، فلذلك قال عمر : أُبَي أقرؤنا، فلذلك قدمه عمر، وهذا على الاختيار إذا أمكن ؛ لأن عمر قدم أيضًا تميمًا الدارى ، ومعلوم أن كثيرًا من الصحابة أقرأ منه، فدل هذا أن قوله عليه الصلاة و السلام: (يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ) إنما هو على الإختيار" إهـ
9) يؤخذ من قوله رضي الله تعالى عنه ( ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ) أنه رضي الله عنه كان لا يواظب على الصلاة معهم، و كأنه كان يرى أن الصلاة في بيته و لا سيما في آخر الليل أفضل، لقوله رضي الله تعالى عنه:( وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ )
10) قوله ( ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ ) دليل على عدم وجوب صلاة القيام لأن أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه لا يتأخر عن واجب. قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله تعالى: صلاة التراويح سنة مؤكدة وليست واجبة فلو تركها الإنسان فلا إثم عليه لكنه إذا فعلها فإنه ينال خيرًا كثيرًا وثوابًا جزيلاً لمن صلحت نيته وخلصت سريرته لله عز وجل
11) يؤخذ من قوله رضي الله تعالى عنه: ( وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ ) هذا تصريح منه بأن الصلاة في آخر الليل أفضل من أوله، لكن ليس فيه أن الصلاة في قيام الليل فرادى أفضل من التجميع
12) قول عمر:( نِعْمَ الْبِدْعَةُ) فالبدعة اختراع ما لم يكن قبل، فما خالف السنة فهو بدعة ضلالة، وما وافقها فهو بدعة هُدى، وقد سئل ابن عمر عن صلاة الضحى فقال: بدعة، ونعم البدعة.
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ . متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث دليل على أن الإعتكاف سنة واظب النبي صلى الله عليه و آله و سلم 2) فيه دليل على مشروعية إعتكاف العشر الآواخر
3) يؤخذ من قولها رضي الله تعالى عنها ( الْعَشْرَ الْأَوَاخِر )فيه دليل على أنها أفضل و أكمل ما يكون في الإعتكاف، و أجمع العلماء رحمهم الله على تأكيد استحباب اعتكاف هذه العشر، و العشر من رمضان كما تقدم هي آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في اعتكافه
4) قولها رضي الله تعالى عنها:( حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ) فيه دليل على أن الأمر محكم غير منسوخ
5) فيه حرص أمهات المؤمنين زوجاته رضي الله تعالى عنهن على متابعة النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و أنهن لم يتركن هذه السنة من بعده عليه الصلاة و السلام
6) فيه دليل على مشروعية اعتكاف المرأة في المسجد، وهذا مقيد بالضوابط الشرعية: أن تؤمن الفتنة و أن يكون وفق السنة
7) قولها رضي الله تعالى عنها ( رَمَضَانَ ) فيه دليل على أن الإعتكاف يشترط له صوم ، و في هذا مسألة. قال ابن قدامة في المغني: " المشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم روي ذلك عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء و الشافعي وإسحاق ثم ذكر الدليل وهو ما رواه البخاري أن عمر -رضى الله عنه- قال: ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً - وَفِي رِوَايَةٍ : يَوْماً - فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . قَالَ : فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ ) ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل لأنه لا صيام فيه ولأن الاعتكاف عبادة فصح في الليل فلم يشترط له الصيام كالصلاة وسائر العبادات ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع، ثم روي عن عمر بن عبد العزيز قال: ليس عليها صوم إلا أن تجعله على نفسها ومثله عن طاووس وروي عن أحمد قول آخر أنه يلزم في الاعتكاف الصوم وهو قول مالك وأبي حنيفة والليث والزهري والثوري ، والصحيح القول الأول . ومع ذلك يستحب الصوم مع الاعتكاف ويتأكد لقوة الخلاف ولأن النبي -صلى الله عليه وأله و سلم- لم يعتكف إلا وهو صائم كالعشر الأواخر من رمضان فكذا يلحق برمضان " إهـ .والله أعلم.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مَنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا كُلُّ مَحْرُومٍ » . رواه ابن ماجة و حسنه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث إشارة للتعظيم و التنبيه و التذكير و هذا في قوله صلى الله عليه و آله و سلم : (إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ )؛
2) فيه الحث على زيادة الاجتهاد في الأعمال الصالحة ؛
3) فيه دليل على فضيلة شهر رمضان حيث أن الله خصه بليلة هي خير من ألف شهر ؛
4) فيه إثبات لليلة القدر و الرد على من قال بأنها رفعت أصلا ورأسا حكاه المتولي في التتمة عن الروافض والفاكهاني في شرح العمدة عن الحنفية ، وكأنه خطأ منه . أو من قال بفرضية أنها توافق جميع أيام السنة ، بناءا على دوران الزمان لنقصان الأهلة . وهو قول مشهور عند الحنفية أيضا حكاه قاضي خان وأبو بكر الرازي منهم . إلا أن جميع هذه الأقوال فاسدة ؛
5) فيه إبهام ليلة القدر ، وقد اختلف العلماء اختلافا كثيرا في تعيينها، فذهبوا في ذلك إلى أكثر من أربعين قولا ، و لعل الراجح إن شاء الله ما ذهب إليه الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى ، قال : والصحيح أنها تتنقّل فتكون عاماً ليلة إحدى وعشرين، وعاماً ليلة تسع وعشرين، وعاماً ليلة خمس وعشرين، وعاماً ليلة أربع وعشرين، وهكذا؛ لأنه لا يمكن جمع الأحاديث الواردة إلا على هذا القول، لكن أرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، ولا تتعين فيها كما يظنه بعض الناس، فيبني على ظنه هذا، أن يجتهد فيها كثيراً ويفتر فيما سواها من الليالي. اهـ ؛
6) فيه دليل على أن فضل ليلة القدر كثير عظيم ؛
7) فيه أن من وافق ليلة القدر على الوجه المطلوب شرعًا فقد حاز الخير كله ؛
8) فيه أن المحروم منها لا يكون محروما إلا بسبب تهاونه لأنه عرف فضائل هذه الليلة ثم ضيعها و لم يجتهد فيها .
عَن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ : لَمَّا رجعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْ حَجَّتِهِ قالَ لأِمِّ سِنانٍ الأنْصَارِيَّةِ : « مَا منَعَكِ مِنَ الحَجِّ » قالَتْ أبُو فُلانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كانَ لَهُ ناضِحَانِ حَجَّ عَلَى أحَدِهِمَا والآخَرُ يَسْقِي أرْضًا لَنَا قَالَ : « فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ حجَّةٌ مَعِي ».متفق عليه.
فوائد الحديث
1) في الحديث جواز تطوع النساء بالحج وهذا إذا كانت الطرق مأمونة وكان مع المرأة ذو محرم أو كانت في جماعة نساء يعين بعضهن بعضاً وينبغي أن ينضم الرجل إليهن عند الركوب والنزول ؛
2) فيه أن الأعمال قد يفضل بعضها بعضاً في أوقات وأن الشهور بعضها أفضل من بعض والعمل في بعضها أفضل من بعض وأن شهر رمضان مما يضاعف فيه عمل البر وذلك دليل على عظيم فضله ؛
3) فيه أن الحج أفضل من العمرة وذلك والله أعلم لما فيه من زيادة المشقة في العمل والإنفاق ؛
4) فيه العمل اليسير يقابله الأجر العظيم ؛
5) فيه فضل العمرة في رمضان و أنها سنة مشروعة ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " يحتمل أنه صلى الله عليه و سلم كان يشتغل في رمضان من العبادة بما هو أهم من العمرة وخشي من المشقة على أمته إذ لو اعتمر في رمضان لبادروا إلى ذلك مع ما هم عليه من المشقة في الجمع بين العمرة والصوم وقد كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشيـة أن يفرض على أمته وخـوفا من المشقة عليهم " ؛
6) قال الشوكاني رحمه الله : قوله : ( تعدل حجة ) . فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ؛
7) اختلف أهل العلم فيمن يُحَصِّلُ الفضيلة المذكورة في الحديث ، على ثلاثة أقوال :
القول الأول : أن هذا الحديث خاص بالمرأة التي خاطبها النبي صلى الله عليه وسلم ، وممن اختار هذا القول: سعيد بن جبير من التابعين ، نقله عنه ابن حجر في "فتح الباري" ومما يستدل به لهذا القول ما جاء في حديث أم معقل أنها قالت : (الحج حجة ، والعمرة عمرة ، وقد قال هذا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما أدري أَلِي خاصةً . – تعني : أم للناس عامة-) رواه أبو داود (1989) غير أن هذا اللفظ ضعيف ، ضعفه الألباني في "ضعيف أبي داود" .
القول الثاني : أن هذه الفضيلة يحصلها من نوى الحج فعجز عنه ، ثم عوضه بعمرة في رمضان ، فيكون له باجتماع نية الحج مع أداء العمرة أجر حجة تامة مع النبي صلى الله عليه وسلم .قال ابن رجب في "لطائف المعارف" (ص/249) : واعلم أن مَن عجز عن عملِ خيرٍ وتأسف عليه وتمنى حصوله كان شريكا لفاعله في الأجر... – وذكر أمثلة لذلك منها - : وفات بعضَ النساءِ الحجُّ مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم سألته عما يجزئ من تلك الحجة ، قال : ( اعتمري في رمضان ، فإن عمرة في رمضان تعدل حجة أو حجة معي ) " انتهى . ونحو ذلك قاله ابن كثير في التفسير (1/531) .وذكر هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية احتمالا في "مجموع الفتاوى" (26/293-294) .
القول الثالث : ما ذهب إليه أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم ، أن الفضل في هذا الحديث عام لكل من اعتمر في شهر رمضان ، فالعمرة فيه تعدل حجة لجميع الناس ، وليس مخصوصا بأشخاص أو بأحوال . جاء في الشرح الممتع على الروض المربع لابن عثيمين 7 / 102 : الرد على الذين قالوا بالخصوصية قلت : الأصل في التشريع العموم ، والتخصيص يحتاج إلى دليل من الكتاب أو السنة والخصوصية لا تثبت بالاحتمال بل لا بد فيها من دليل شرعي وليس فيها مجال للرأي ولا الاجتهاد ولا الاستنباط ، والتخصيص يكون بالذكر والمكان والحال فالتخصيص بالذكر وإفراده بالحكم خصوصاً كقوله تعالى : ( وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) إهـ .
والأقرب من هذه الأقوال – والله أعلم - هو القول الأخير.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ».متفق عليه
فوائد الحديث
1) يؤخذ من قولها رضي الله تعالى عنها (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ) عنايته الخاصة صلى الله عليه و آله و سلم بالليالي العشر و الحرص على مداومة قيامها
2) فيه إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة ، ختم الله لنا بخير آمين
3) فيه أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم كان يصيب من أهله في العشرين من رمضان ثم يعتزلهن ليتفرغ في طلب ليلة القدر
4) فيه استحباب قيام العشر من رمضان
5) فيه دليل على أن رمضان إذا كان تسعا وعشرين كتب الله للأمة الأجر تاما
6) يؤخذ من قولها رضي الله تعالى عنها ( وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) عنايته صلى الله عليه و آله و سلم بأهله ، وتحفيزهم إلى الخير . قال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: أحب إلي إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه، وينهض أهله وولده إلي الصلاة إن أطاقوا ذلك
7) و فعله صلى الله عليه وآله و سلم هذا يدل على اهتمامه بطاعة ربه، ومبادرته الأوقات واغتنامه الأزمنة الفاضلة
قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ» .رواه أحمد، وصححه الألباني.
فوائد الحديث
1) في الحديث منقبة عظيمة لرمضان وصوامه، وللدعاء والداعي
2) فيه دليل على إثبات النار كما أنه دليل على إثبات اليوم الآخر والبعث والحساب والجزاء
3) فيه كَثْرة العتقاء من النار في أيام الصوم في رمضان بمغفرة ذنوبهم، وقَبول عبادتِهم، وحفظهم من المعاصي التي هي أسباب العذاب
4) فيه الوعد بهذا الكسب العظيم يَشْحَذُ هِمَمَ الصائمين للتسابق إلى إحسان عبادتهم، وإخلاص صيامهم عسى أن يفوزوا بكَرَمه بالعتق من النار
5) فيه لكل عتيق دعوةً مستجابة، وهذا يُحمِّس الصائمين للإكثار من الدعاء وسؤال ربهم إجابةَ دعَوَاتهم.
يتبع بإذن الله.....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق