أسباب انشراح الصدور
-١-
● القبضُ والبسطُ أمران يتعاقبان على النفس، فالنفسُ تارة تشهد تجليات البسط فترى الإنسان سعيداً، متفائلاً، منطلقاً، واسع التحمل، لا تكسره الصدمات...
وتارة تشهد تجليات القبض فتراهُ منقبضاً، مكدراً، ثقيل النفس، وكأنه محبوس داخل نفسه يتنفسُ من ثقب إبرة..!!
• فالقبض هو ضم الشئ المنبسط من أطرافه، وهو التضييق والتقتير..
والبسطُ .. هو النشرُ والسعة ..
وأصعب القبض قبض القلوب
وأعظم البسط بسط القلوب..!
• واللهُ هو القابض الباسط...
هو قابضٌ هو باسطٌ هو خافضٌ
هو رافعٌ بالعدل والميزانِ
أسباب انشراح الصدور
-٢-
﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾
• القبض والبسط إنما هو حسب حكمة الله وعلمه وعدله، فالله هو الحكيم الذي يضع كل شيء في موضعه..
والعليم الذي يعامل عباده بحسب علمه فيهم، فاللهُ لا يظلم أحدا من خلقه، حكمٌ عدْلٌ منزهٌ عن كل ظلم ونقص..
• إن استحقّ العباد البسط بسَط لهم، فيبسُط القلوب والألسنة والأرزاق والأسباب وكل شيء..
وإن استحقوا القبض ضيَّقَ عليهم،فإذا قبض الله الأرزاق قلِّت ..وإذا قبض العافية ذهبت ..وإذا قبض العقول أُغلقت ..وإذا قبض القلوب ضاقت..وإذا قبض الأعمار انتهت...!
والمؤمن في هذه الدنيا يتقلب بين حالتي القبض والبسط...
-٣-
• إذا شعرتَ بحرجٍ في صدرك، والحرج هو أضيق الضيق..
أو رأيت تقتيراً في أحوالك ورزقك فاعلم أن الله ضيقَ عليك..!
ربما أنك عصيت فضيق الله عليك بسبب معصيتك، أو ربما ضيعتَ حقا من حقوق الخلق، والحقوق شأنها عظيم، كلها أمانات...
هي امتحانٌ كبيرٌ في هذه الدنيا، منا من ينجح ومنا من يرسب، وللأسف كثيرٌ منا يرسبُ في هذا الامتحان!!
والله يقول ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونََ﴾ ..
لاسيما حق الوالدين الناجحون فيه قليل!!
وربما اُبتليت بالضِيق بسبب تضييقك على الناس والجزاء من جنس العمل ..
ومن أساء سيرى عاقبة سيئته على نفسه لأن السيئة ما سميت بالسيئة إلا لأنها تسوء صاحبها...
-٤-
• شرح الصدر من أعظم أرزاق القلوب، وهو جزء من الحياة الطيبة التي وُعد بها المؤمن، بل هو السعادة الحقيقة التي يتنفسُ بها القلب...
• تأمل في كلام هذا العالم الرباني الجليل الشيخ أبوبكر الجزائري _حفظه الله_ وهو يفسر لطلابه سورة الشرح، ويريد أن يُوصل لهم المعنى بمثلٍ محسوس يبقى مستقرا في أذهانهم، فقال:
"الصدر صدر، ولكن إذا شرحه الله تحمّل ما لا يتحمله الملايين من الناس..!
مثل البالون إذا نفخته، فانظر كيف يتسع ويتسع ويكبر ويتمدد، هكذا الشرح....."
• واليوم ونحن نسمع و نعيش وسط كثير من الاضطرابات والانتحارات والكوارث والحروب والمظالم والديون والأسحار، و قد امتلأت العيادات النفسية بالمرضى، ثم وسط كل هذا الضجيج ترى أن الله قد شرح صدرك..!!
عندها اعلم .. أنك قد رُزقت برزقٍ شريف ،،
-٥-
● وأعظم أسباب شرح الصدر:
[التوحيد]
• فعلى حسب كماله وقوته وزيادته يكون انشراح صدر صاحبه،
ومن أهم ما يغرسه التوحيد في قلبك أنه لا سعيد إلا من أسعده الله..
فالسعادة ليست بالزوج ولا الأولاد ولا بالأموال والسفريات والأصدقاء، وإنما السعادة كل السعادة باتصالك بالله
وتعلق قلبك بالله، وتعاملك مع الله...
[فمن لم يجعل لله مكانا في قلبه فلن يكون للسعادة في قلبه مكان...]
• التوحيد يعلمك كيف تستقبل الأقدار والمصائب والفواجع بكلمة
" إنا لله وإنا اليه راجعون " ..
وتصبح هذه الكلمة يقينا راسخا بالقلب، الحياة لله المال لله، الأولاد لله، الزوج والأب والأم لله، القلب لله، الأعضاء لله..
فلو فقدت ما فقدت فلله ما أعطى ولله ما أخذ ..
[وفي الله عِوضٌ عن كل فائت...]
• التوحيد يعلمك بأن أمور الدنيا سهلة إن أقبلتْ أو أدبرتْ، المهم أمر الآخرة ..
المهم أن لا تكون مصيبتك في دينك...
• التوحيد يعلمك أن لا تغالب أقدار الله ولا تسيء الظن بالله، فإذا صرف الله عنك أمر من أمور الدنيا كنت تريده، وبذلت أسبابه، وقلبك تعلق به وبتحصيله فكن مطمئنا بالله..
واعلم أن الله عليم حكيم،
وقد صرف عنك من البلاء والشر ما لا تعلمه، والله يعلم وأنتم لاتعلمون..
فسل الله الخيرة دائما وأن يبارك لك فيما قضاه لك من أقداره...
-٦-
● السبب الثاني: العلم
فالعلم يشرح الصدر ويوسعه، والجهل يورثه الضيق والحصر والحبس..
ومن جلس في مجالس العلم رُزق بأرزاق شريفة ..
• فالملائكة تطلب مجالس العلم وتتنزل فيها وتحيط بأهلها وهذه الإحاطة فيها خيرٌ كثير وبركة كبيرة، حيث تقترب منهم وتدعو لهم وتستغفر لهم، فتسمو أرواحهم وتنشرح صدورهم فهم في صحبة الملأ الأعلى ..!
• تتنزل عليهم السكينة ، والسكينة إذا نزلت هدأ القلب وأمِن وزال قلقه وتبددت وحشته...
• وتغشاهم الرحمة، ومن رحمه الله فلن يجعله محبوسا محصورا داخل نفسه بل سيفسح له وأول ما يكون هذا الفسح والبسط يكون في قلبه وصدره...
• أكثر من يتعرض لمحو سيئاته طالب العلم، فتعلّم العلم حسنه وتعليمه حسنه والله يقول { نَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }..
ويستغفر له عدد لا حصر له من المخلوقات حتى النمل في جحورها والحوت في بحره فكلهم يصلون على معلمي الناس الخير...
• والذنوب هي إغلاق وإطباق، هي اكثر ما يقبض الصدر ويضيقه، فإذا تخفف الإنسان منها بتعلم العلم وتعليمه انشرح صدره....
-٧-
● السبب الثالث: تعلق القلب بالله،،
• هذا القلب وديعة استودعك الله إياها، خلقه الله من أجل أن يبقى محفوظا لا يُسلّم لأحدٍ غير الله ولا يتعلق إلا بالله فهذا مقتضى العبودية..
فلواحدٍ كُن واحداً في واحدٍ
أعني سبيل الحق والإيمان
• فمن خالف طريق العبودية وسلّم هذا القلب لغير الله، وبعثره هنا وهناك لابد أن تأتيه العقوبة!!
وما هي العقوبة؟
[من تعلّق بشيء وُكِلَ إليه..!]
سيكلك الله إلى الجهة التي تعلقتَ بها فيجعل شقاءك وحزنك وألمك وهمك وغمك وضيق صدرك من هذه الجهة!!
ولن تجد في الدنيا أشقى وأتعس وأخيب وأضيق صدرا ممن سلّم قلبه لمخلوق...
فمن أحب شيء عُذّب به،
و استعباد القلب أعظم من استعباد البدن..
فالحرية حرية القلب،
والعبودية عبودية القلب ..!
-٨-
● السبب الرابع: الإحسان للخلق ،،
فإن المحسن الكريم أشرح الناس صدراً وأنعمهم قلباً..
• وسنة من سنن الله التي لا تتبدل ولا تتغير لأهل العطاء والإحسان أيّا ما كان نوعه، إحسان بالمال، بالبدن، بالجاه، بالعلم، بالنصح، بالخُلق ...
فإن هذا المحسن سيجد من الله تيسيرا وفسحاً في سائر شأنه.. {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ}
• وإذا كان الله جعل جزاء من يفسح لأخيه في المكان بأن يُفسح له و يوسع له الرزق في الدنيا والمنزل في الجنة..!
فكيف بمن أحسن وفرج كربةً عن مسلم، أو دفع عنه مسغبة، أو قضى له حاجة...
فأيّ ُ توسعةٍ وفسحٍ سيناله ويظفر به..؟؟!!
:[افسح يُفسح الله لك، وأحسن يُحسن الله إليك...]
-٩-
● السبب الخامس: الشجاعة
فالشجاع من أشرح الناس صدرا، وأقواهم قلبا فقد حرر نفسه من الخوف والجبن والتردد والوهن وكثرة القيود...
• وإن من شر الصفات التي يُبتلى بها الإنسان "الجُبن" ،
و قد نفاها رسول الله عن نفسه وقال: "ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوباً ولا جباناً...."
•والجرأة والجُبن غرائز يضعها الله حيث شاء، ولكنها تقوى بالمِران والتدريب وخوض المواقف والمواجهة واقتحام الصعاب، وأن لا يستسلم الإنسان لهذا الجبن ولا يرتضيه ..
ويستعيذ بالله منه ومن ثم يقرأ في سير أهل الشجاعة والقوة لعل شيئا من شجاعتهم يسري في روحه و جسده ...
-١٠-
● السبب السادس: إخراج دغل القلب ،،،
فبعض الناس يعيش في الدنيا وقلبه كأنه كهفٌ مظلم تعوي فيه الذئاب..!
قلوبٌ حاقدة، قلوبٌ حاسدة
قلوبٌ مُبغضة متناحرة متطاحنة لا تقدر أن تهدأ أو ترتاح أو تنام..!!
قلوبٌ منزوعة البركة، تسلط عليها الشيطان، وبذر بذرة فيها وتعاهدها وسقاها حتى أصبحت ملكا له...
فضاقت الصدور، وقست القلوب وتحجرت، وثقُلت الأرواح، وتقاطع الناس وتهاجروا وتدابروا وتباغضوا، وفسد ما بينهم، حتى قُطع الود
وقُطِع الخير ونُسي المعروف بين الأهل والأرحام والجيران...
إنها علل وأورام تُضيّق الصدر وتكدر القلب، وتفسد الأخلاق، ويجد الإنسان حرها وألمها وأثرها عليه في الدنيا والآخرة ...
-١١-
● السبب السابع: ترك الفضول ،،،
فضول الكلام، والنظر، والنوم، والأكل، والخلطة بالناس...
• إنها مفسدات القلوب، تحصر القلب وتحبسه وتضيقه..
تُضعف عزيمة القلب وهمته فيصيبه التراخي والكسل والثقل، فلا ينشط لطاعة ولا مسابقة ولا نفل ولا خير..
• تثبط الروح فتخلد للأرض، لذلك يقول أهل العلم:
"ترك الفضول من أعظم الاحتياطات التي تؤدي إلى حراسة القلب..."
والقلب يحتاج إلى حراسة.!!
ولو حفظنا الله في قلوبنا لحُفظنا في جوارحنا وعباداتنا وسائر حياتنا..
-١٢-
● السبب الثامن: ذكر الله ،،،
يقول ربنا جل وعلا (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ .....)
ويقول نبينا عليه الصلاة والسلام: "مثل الذي يذكر ربه والذي لايذكر ربه كمثل الحي والميت..."
• فالذكرُ للقلب مثل الماء للسمك،
و للذكر سرٌ عجيب في الفتح والبسط والانشراح ..
• فهو يُزيل الهم، ويفرح القلب، ويقويه، ويطرد الشيطان ..
جاء في الأثر أن الشيطان واضعٌ خطَمَه على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل التقم قلبه..
• وبالرغم أن الذكر من أيسر العبادات إلا أن المسألة مسألة توفيق ..!!
فقد تمر الساعات تلو الساعات والإنسان لم يحرك لسانه بكلمة ذكرٍ واحدة..!
و الموفق من وفقه الله...
فيارب توفيقاً منك ومعونةً تُجري ألسنتنا بالذكر فتنشرح صدورنا وتتنفس قلوبنا وتنكشفُ همومنا...
وبحمدالله انتهت سلسلتنا اسأل الله القبول والنفع لي ولكم ،،،
_________
•• الأربعاء، ١ / ١ / ١٤٣٦هـ
خدمة ربيع القرآن | ٠٠٩٦٦٥٦٠٦٤٢٦٥٦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق