الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

شرح ثلاثــــة الأصـــــول لسماحة الشيخ العلامة /عبد العزيز بن عبد الله بن باز

    
ثلاثةُ الأُصُول .
*اعْلَمْ ـ رَحِمَكَ اللهُ ـ أنَّه يَجِبْ عَلَينَا تعلُّمَ أربعِ مسائلَ :
 هذه رسالة مهمة في العقيدة ألفها الشيخ أبو عبد الله الإمام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي التميمي الحنبلي الإمام المشهور المجدد لِما أن درس من معالم الإسلام في النصف الثاني من القرن الثاني عشر ـ رحمه الله وأكرم مثواه
وقد كان ـ رحمه الله ـ يلقن الطلبة والعامة هذه الأصول ليدرسوها ويحفظوها ولتستقر في قلوبهم لكونها قاعدة في العقيدة.
*وكانت وفاته سنة ست ومائتين وألف من الهجرة . وكان مولده سنة خمس عشرة ومائة وألف من الهجرة ، فقد عمَّر إحدى وتسعين سنة . وقد كان عمرا مليئا بالخير والدعوة إلى الله والتعليم والإرشاد والصبر على ذلك . وقد أنقذ الله به العباد والبلاد في زمانه في هذه الجزيرة ، وانتشرت دعوتُه في غير الجزيرة من الشام ومصر والعراق والهند وغيرها ، بسبب الدعاة الذين حملوا عنه العلم وانتقلوا إلى تلك البلدان والدول ، وبسبب المكاتيب والكتب التي انتشرت منه ـ رحمه الله ـ ومن أتباعه وأنصاره والدعاة التابعين له في الدعوة الله                                            
-1  العِلمُ  وهو معرفةُ اللهِ
 فعلى الإنسان أن يتعلم ويتبصر حتى يكون على بينة ، ويعرف دين الله الذي خلق من أجله . وهذا العلم هو معرفة الله  ومعرفة نبيه ، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة ؛ فهذا أول شيء : أن يتبصر العبد ؛ من هو ربه ؟ فيعرف أن ربه الخالق الذي خلقه ، ورزقه ، وأسدى إليه النعم ، وخلق من قبله ، ويخلق من بعده ، هو رب العالمين ، وأنه الإله الحق المعبود الذي لا يستحق العبادة سواه أبدا . لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا جن ، ولا إنس ، ولا صنم ، ولا غير ذلك .
بل العبادة حق لله وحده ، فهو المعبود بحق ، وهو المستحق بأن يعبد ، وهو رب العالمين ، وهو ربك وخالقك وإلهك الحق سبحانه وتعالى .

*فتعرف هذه المسألة الأولى
 وهي أن تعرف ربَّك ونبيَّك ودينَك بالأدلة ـ قال الله وقال الرسول ـ لا بالرأي ولا بقول فلان ، بل بالأدلة من الآيات والأحاديث ، وذلك هو دين الإسلام الذي أنت
مأمور بالدخول فيه ، والالتزام به . وهو عبادة الله الذي قال فيها سبحانه وتعالى:
" وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ" . هذه العبادة هي الإسلام ، وهي طاعة الله ورسوله ، والقيام بأمر الله وترك محارمه . هذه هي العبادة التي خلق الناس لأجلها وأمر الله بها الناس في قوله:   يَا أيُّها النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ" يعني اعبدوه بطاعة أوامره واجتناب   نواهيه ، وإسلام الوجه له وتخصيصه بالعبادة سبحانه وتعالى.
   2- و معرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة
الثانية : العمل به
الثالثة : الدعوة إليه
 ومن ذلك أن تعرف نبيك وهو محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب الهاشمي القرشي المكي ثم المدني ـ عليه الصلاة والسلام ـ فتعرف أنه نبيك وأن الله أرسله إليك بدين الحق يعلمك ويرشدك فتؤمن بأنه رسول الله حقا وأن الله أرسله للعالمين جميعا من الجن والإنس ، وأن الواجب اتباعه  والسير على منهاجه . وسيأتي تفصيل هذا في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة.                 
أي أن تعمل بهذا الدين من صلاة وصوم وجهاد وحج وإيمان وتقوى فتعمل بالإسلام ؛ لأنك مخلوق له ، ومخلوق لعبادة الله ؛ فعليك أ ن تعلم وتعمل به فتعبد الله وحده ، وتقيم الصلاة ، وتؤدي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه وباليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، وتأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتبر والديك ، وتصل الأرحام ، إلى غير ذلك فتعمل بما أمرك الله به ، وتنتهي عما نهاك الله عنه ، وتترك المعاصي التي أنت منهي عنها  وتفعل الواجبات التي أنت مأمور بها                                                                               
أي أن تدعو إلى هذا الدين فتنصح الناس بأن يستقيموا عليه ، وترشدهم وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر . هذه هي الدعوة إلى دين الإسلام . فعلى كل مسلم أن يدعو إلى الله حسب طاقته وعلمه . فكل واحد ـ رجل أو امرأة ـ عليه قسط من هذا الواجب من التبليغ والدعوة والإرشاد والنصيحة . وأن يدعو إلى توحيد الله ، وإلى الصلاة والمحافظة عليها ، وإلى الزكاة وأدائها ، وإلى صوم رمضان ، وحج البيت مع الاستطاعة ، وإلى بر الوالدين ، وصلة الأرحام ، وترك المعاصي كلها                                                                                                
الرابعة: الصبر على الأذى فيه.
أي يصبر على الأذى في هذه الأشياء ، فقد يحصل للإنسان أذى ، قد يتعب من المدعو أو غيره ، من أهله أو غيرهم  فالواجب الصبر واحتساب الأجر عند الله . فالمؤمن يصبر على إيمانه بالله ، ويصبر على العمل بما أوجب الله عليه ، وترك ما حرم الله عليه ، ويصبر في الدعوة إلى الله ، والتعليم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . فلا بد من الصبر في هذه الأمور كلها . فالدين كله يحتاج إلى صبر . صبر على دعوة الله وحده  وصبر على أن تصلي ، وتزكي ، وتصوم ، وتحد ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، وصبر عن المحارم والسيئات، فتحذر من قربها . فالإنسان إذا لم يصبر ؛ وقع فيما حرم الله عليه ، أو ترك ما أوجب الله عليه . ولهذا قال تعالى لرسوله "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل". وقال سبحانه "وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا "، وقال تعالى  "وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ"  وقال تعالى "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " وقال تعالى :  "وَاصْبِرْ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" . يعني اصبروا على طاعة الله ، وترك معصيته . واحذروا مخالفة أمره وارتكاب نهيه .
والدليل: قوله تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم :"وَالْعَصْرِ ـ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِيْ خُسْرٍ ـ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"

قال الشافعي لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم.
وقال البخاري : باب العلم قبل القول والعمل ، والدليل : قوله تعالى:"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" ؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل .
الشافعي : هو الإمام المشهور ، أحد العلماء الكبار ، وأحد الأئمة الأربعة ، وهو محمد بن إدريس الشافعي المطلبي ، المولود سنة خمسين ومائة ، وتوفي سنة أربع ومائتين
 يقول ـ رحمه الله ـ : "لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم" ، وفي رواية
لو فكر الناس في هذه السورة لكفتهم " ؛ أي لو نظروا فيها وتأملوا فيها لكانت كافية في إلزامهم بالحق ، وقيامهم بما أوجب الله عليهم ، وترك ما حرمه عليهم ؛ لأن الله بين "أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"هم الرابحون ، ومن سواهم خاسر ، وهذه حجة قائمة على وجوب التواصي ، والتناصح ، والإيمان والصبر ، والصدق   وأنه لا طريق للسعادة والربح إلا بهذه الصفات الأربع : إيمان صادق بالله ورسوله  وعمل صالح ، وتواص بالحق  وتواص بالصبر.
البخاري : هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ، من بخارى في الشرق الأوسط . ولد سنة أربع وتسعين ومائة ، في آخر القرن الثاني ، ومات سنة ست وخمسين ومائتين في وسط القرن الثالث . كان عمره اثنتين وستين سنة . وهو صاحب الصحيح ، وله مؤلفات أخرى عظيمة نافعة ـ رحمه الله ـ . يقول : باب : العلم قبل القول والعمل ؛ لقول الله سبحانه "فَاعْلَمْ أنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ" ؛ فبدأ بالعلم قبل القول والعمل . فالإنسان عليه أن يتعلم أولا  ثم يعمل ؛ فيتعلم دينه ، ويعمل على بصيرة   والله أعلم .
باعلم ـ رحمك الله ـ أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلم هذه المسائل الثلاث والعمل بهن :
 أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملا.
هذه المسائل الثلاث من أهم المسائل التي تتعلق بالتوحيد وحقوقه .
فالله خلق الخلق ليعبدوه فلم يخلقهم هملا ، ولا سدا ، ولا عبثا ، لكنه خلقهم لأمر عظيم ، ولحكمة عظيمة فيها سعادتهم ، وفيها نجاتهم ، وهي أن يعبدوا الله وحده لا شريك له كما
قال تعالى:  "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون" و هذه العبادة أمرهم الله بها في قوله الله سبحانه "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ"، وفي قوله "وَاعْبُدُواْ اللهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا"، وفي قوله "وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" ، في آيات كثيرة أمرهم فيها بالعبادة ، وهي توحيده جل وعلا ، وتخصيصه بالعبادة من دعاء وخوف ورجاء وتوكل ورغبة ورهبة وصلاة وصوم وغير ذلك . فهو المستحق للعبادة ـ جل وعلا ـ دون كل ما سواه . ويدخل في ذلك فعل الأوامر ، وترك النواهي ؛ فأداء الأوامر التي أمرك الله بها ورسوله ، وترك النواهي التي نهاك الله عنها ورسوله ؛ كل هذا داخل في العبادة ، وهذا هو الإسلام ، وهو الدين ، وهو الإيمان ، وهو الهدى . فلا تصل إلا لله ، ولا تركع إلا له ، ولا تذبح إلا له   ولا تدع إلا إياه ، ولا تتوكل إلا عليه إلى غير ذلك من العبادات . أما الاستعانة بحاضر قادر فيما يقدر عليه ؛ فهذا ليس بعبادة ، كما قال سبحانه في قصة موسى : "فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ" ؛ فإن موسى قادر على أن يغيثه.                                   
 أما دعاء الميت ، ودعاء الغائب الذي لا يسمع كلامك ، أو دعاء الصنم أو الجن أو الأشجار ، ونحوها ؛ فهذا شرك المشركين ، وهو الشرك الأكبر الذي قال الله فيه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، وقال تعالى "وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ" ، وقال سبحانه :   "إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء" بل أرسل إلينا رسولا ، فمن أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ، والدليل قوله تعالى  "إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ـ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا "
الشرح
1- وأرسل إلينا رسولا : هو محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ بكل ما تقدم ، وأنزل عليه القرآن بذلك ، لنستقيم على ما فيه من الهدى ، ونعمل بما فيه من الأوامر ، وننتهي عما فيه من النواهي ، وعلى يد محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم النبيين والمرسلين . جاء ليعلم الناس دينهم ؛ فهو خاتم الأنبياء وإمامهم وأفضلهم .
 2-فمن أطاع هذا الرسول واستقام على دينه ؛ فله الجنة ، ومن عصى هذا الرسول وحاد عن دينه فله النار، كما قال تعالى "إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُم" : يعني : بأعمالكم  "كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا "، فهو مرسل ـ عليه الصلاة والسلام ـ" فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا "؛ أي أخذنا فرعون أخذا وبيلا في الدنيا بالغرق ، وفي الآخرة بالنار


المسألة الثانية من مسائل الثلاثة الثي يحب علينا تعلمها
1 أن الله لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد ، لا مللك مقرب، و لا نبي مرسل .و الدليل قوله تعالى : "و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحد"
شرحها  
هذه المسألة الثانية إنما هي تحقيق للمسألة الأولى : أن تعلم أن الله لا يرضى أن يشرك معه أحد في عبادته ، كما أنه الخالق الرازق المحيي المميت ، الذي خلقك وأعطاك النعم ، فهو سبحانه لا يرضى أن يشرك معه أحد من الخلق ، لا نبي مرسل ، ولا ملك مقرب ، ولا غيرهما ؛ لأن العبادة حق الله وحده ، كما قال تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ" ، وكما قال تعالى:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" ؛ لأن الشرك به هو أعظم الذنوب ، وقد جاء في الآيات الكثيرة الأمر بإخلاص العبادة لله وحده ، والنهي عن عبادة ما سواه ن فتجمع بين أمرين : فتؤمن بأن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ، وتؤمن بأنه سبحانه هو المستحق للعبادة من ذبح وصلاة وصوم وغير ذلك من العبادات ، كما قال سبحانه:  "وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَّاحِدٌ"، وقال سبحانه:"فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا"
المسالة الثالثة : أن من أطاع الرسول ووحد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب ، والدليل قوله تعالى:"  لَا تَجِدُ قَوْمًا يُّؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"
الشرح:
المسألة الثالثة وهي من أهم الواجبات أن يعلم كل مسلم ومسلمة أنه لا يجو له أن يوالي المشركين أو يحبهم . فكل من أطاع الله ورسوله ووحد الله جل وعلا يلزمه أن يعادي الكفار ويبغضهم في الله ، ولا يجوز له موالاتهم ومحبتهم لقوله تعالى لَا تَجِدُ قَوْمًا : أي لا تجد يا محمد قوما أهل إيمان صادق يوادون من حاد الله ورسوله . وقال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَّتَوَلَّهُم مِّنـْكـُمْ فَإِنَّـهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" وقال عز وجل:  "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَى تُؤْمِنُواْ بِاللهِ وَحْدَه".   فلا بد من البغضاء والعداوة لأعداء الله ، ومودة المؤمنين ومحبتهم . هكذا المؤمن يحب أولياء الله ، ويتعاون معهم على الخير ، ويكره أعداء الله ويبغضهم ويعاديهم في الله ـ وإن دعاهم إلى الله ، وإن أقرهم في بلاده وأخذ منهم الجزية كوليّ الأمر ؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ الجزية من اليهود والنصارى والمجوس ـ  وأخذ الجزية منهم فيه عون للمسلمين ، لا محبة لهم . فإن أبوا الإسلام والجزية قوتلوا مع القدرة . وهذا خاص بأهل الكتاب والمجوس      
أما بقية الكفار فلا تقبل منهم الجزية ، بل يقاتلون حتى يدخلوا في الإسلام  كالوثنيين والشيوعيين وغيرهم من أصناف الكفرة مع القدرة على ذلك ؛ لقول الله سبحانه:" وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله" وقوله سبحانه:"انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِنَّ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ "وقوله سبحانه:" فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " والآيات في هذا المعنى كثيرة . ومراده سبحانه مع القدرة على ذلك ؛ لقوله عز وجل:"لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، وقوله سبحانه: "فَاتَّـقُواْ اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"الآية . ولأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقاتل المشركين حتى قوي على ذلك . ثم قال تعالى في آخر الآية:﴿  أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ" ؛ أي قواهم بقوة منه.
اعلم أرشدك الله لطاعته أن الحنيفية  ملة إبراهيم أن تعبد الله وحده مخلصا له الدين .

الشرح:
 قال ـ رحمه الله ـ : اعلم أرشدك الله لطاعته ، جمع ـ رحمه الله ـ بين التعليم والدعاء .
(2) الحنيفية ملة إبراهيم ، وهي أن تعبد الله مخلصا له الدين ، وهي التي قال الله فيها لنبيه: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا". فالحنيفية هي الملة التي فيها الإخلاص لله وموالاته ، وترك الإشراك به سبحانه . والحنيف هو الذي أقبل على الله ، وأعرض عما سواه ، وأخلص له العبادة   كإبراهيم وأتباعه، وهكذا الأنبياء وأتباعهم .وبذلك أمر الله :  جميع الناس وخلقهم لها ، كما قال تعالى:" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون"                                                                                                                                                                          الشرح 
قال : وبذلك أمر الله جميع الناس وخلقهم لها ؛ فأمرهم بالتوحيد والإخلاص  وخلقهم ليعبدوه ، وأمرهم بأن يعبدوه وحده في صلاتهم ، وصومهم ، ودعائهم ، وخوفهم ، ورجائهم ، وذبحهم ، ونذرهم ، وغير ذلك من أنواع العبادة ، كله لله ، كما قال تعالى "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواْ إِلَّا إِيَّاهُ"، وقال:" إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" ، وقال سبحانه:  "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ" . هذه العبادة هي التي خلق لها الناس ، خلق لها الثقلان وهي توحيد الله ، وطاعة أوامره ، واجتناب نواهيه ، قال تعالى : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ" : يعني يوحدوني في العبادة ويخصوني بها ، بفعل الأوامر ، وترك النواهي إلى غير ذلك من الآيات  وكل من سوى الله عالم ، وأنا واحد من ذلك العالمفإذا قيل لك : بم عرفت ربك  فقل : بآياته ومخلوقاته ، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر ، ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع ومن فيهن وما بينهما ..
الشرح :
 وكل ما سوى الله عالم ، من الجن والإنس والحيوانات والجبال كلها عوالم . وأنا واحد من ذلك العالم الذي خلقه الله وأوجده ووأجب عليه طاعته. فعلى جميع العالمين من المكلفين من الجن والإنس أن يطيعوا الله ورسوله ويوحدوه جل وعلا . وهكذا الملائكة عليهم أن يعبدوا الله وحده، ولهذا قال تعالى عن الملائكة:  "لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" ، وقال تعالى:" لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ـ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِفُونَ "..إذا قيل لك أيها المسلم بم عرفت ربك الذي أنت تعبده ؟  فقل : عرفته بآياته ومخلوقاته ؛ أي بآياته الكثيرة ، وبمخلوقاته العظيمة ، التي تدل على أنه الرب العظيم، وأنه الخلاق العليم ، وأنه المستحق لأن يعبد ، وأنه الذي يخلق ما يشاء ، ويعطي ويمنع ، وينفع ويضر، بيده كل شيء سبحانه وتعالى ، فهو المستحق بأن نعبده بطاعته ودعائه واستغاثته وسائر أعمالنا وعباداتنا ؛ لأن الله خلقنا لهذا . قال تعالى : "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونَ"، وهذه العبادة هي توحيده ، وطاعته ، واتباع شريعته ، وتعظيم أمره ونهيه قولا وعملا . والدليل قوله تعالى:  "وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ"وقوله "يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا" ، أي يغطي هذا بهذا وهذا بهذا ،"يَطْلُبُهُ حَثِيثًا" ؛ أي سريعا ، وكل واحد يطلب الآخر ، إذا انتهى هذا ؛ دخل هذا ، وهكذا .. حتى تقوم الساعة "وَالشَّمْسُ وَالْقَمَر":  أي وخلق الشمس والقمر والنجوم خلقها مسخرات بأمره ، مطيعات مذللات لأمره سبحانه . ثم قال سبحانه : "أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ، فالخلق له والأمر له هو الخلاق الذي لا يخالف أمره الكوني الذي هو نافذ في الناس كما قال تعالى "إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ . وقوله :" وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ"،فأمر الله الكوني القدري لا راد له ، ولهذا قال:" أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " فتَبَارَكَ بلغ في البركة النهاية ، وهي صيغة لا تصلح إلا لله ، فلا يقال للعبد تباركت يا فلان ، هذا لا يصلح ، وإنما هو خاص بالله كما قال تعالى:"تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ"، وإنما يقال للمخلوق بارك الله في فلان ، أو فلان مبارك ، أما تباركت ؛ فإنها لا بصلح إلا لله وحده  والرب : هو المعبود ، والدليل قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ـ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءْ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ فَلَا تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" 
الشرح :
 والرب هو المعبود ، و الْعَالَمِينَ  : المخلوقات كلها من الجن والإنس والسماء والأرض ، وهو ربها سبحانه وتعالى ، وهو رب الجميع ، وخالق الجميع جل وعلا .
 *قال تعالى:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"  خلق الجميع  الذين قبلنا ، والذين بعدنا من آدم وما قبله وما بعده ـ 
**ثم قال سبحانه:" الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا" الآية ؛ فهو خلق الجميع ليتقوه  ويعبدوه
**كما قال تعالى:" لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"   ثم بين سبحانه بعض أفعاله
**فقال:" الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً"، فجعل الأرض فراشا للناس ، ومهادا لهم، عليها يسكنون ، وعليها يبنون ، وعليها ينامون  وعليها يمشون،وأرساها بالجبال .
**ثم قال:"وّالسَّمَاءَ بِنَاءً" فجعلها بناء وسقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون ، وزينها بالنجوم والشمس والقمر "وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً"؛أي من السحاب  (فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُم أنواع الأرزاق في كل مكان ويحيي الله به الأرض بعد موتها ثم
**قال تعالى: "فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" : أي أشباها ونظراء تعبدونها معه ، لا صنما ولا جنا ولا ملكا ولا غير ذلك . فالعبادة حق الله وحده ، ليس له نديد ولا نظير ولا مثيل ، بل هو الإله الحق . وكان المشركون يتخذون له الأنداد والنظائر والأمثال من الأصنام والجن والملائكة ويعبدونهم من دون الله ، ويستغيثون بهم فأنكر الله عليهم ذلك ، وبين أن هذه المخلوقات ليس لها حق في العبادة ، ولا قدرة لها على شيء إلا بإذنه سبحانه وتقديره .الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة ..
الشرح :
 قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره : الخالق لهذه الأشياء من سماء وأرض وثمار وأشجار ومطر وغير ذلك : هو المستحق للعبادة سبحانه وتعالى ، وأن يطاع ؛ لأنه رب الجميع ، وخالق الجميع ، كما قال تعالى :"وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَّاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" .
وأنواع العبادة  التي أمر الله بها ، مثل الإسلام ..
الشرح :
العبادة أنواع :
**فمنها الإسلام بأركانه ، فلك ما أمر الله به من أعمال الإسلام عبادة : من صلاة وصوم وغير ذلك ، وهكذا الإيمان بأعماله الباطنة ، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره ، وكذلك الخوف والمحبة والرجاء إلى غير ذلك . فكل ما يتعلق بالقلوب داخل في العبادة بل هو أعلى أنواع العبادة وأعظمها . فالواجب على كل مكلف إخلاص العبادة لله وحده ، فلا يدعو مع الله الأنبياء ولا الأولياء ولا الأصنام ولا الأشجار ولا الأحجام ولا النجوم ؛ لأن العبادة حق لله وحده ، قال تعالى : "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُو مَعَ اللهِ أَحَدًا"
وقال عز وجل : "ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ـ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير" ، فسمى سبحانه دعاءهم شركا ، فالواجب على جميع المكلفين إخلاص العبادة لله وحده ، رجاء وخوفا واستعانة واستغاثة وذبحا ونذرا وخشية لله وصلاة وصوما إلى غير ذلك ، كله لله وحده......


أنواع العبادة الإسلام :                                                                      
وقال تعالى:"إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" ، وقال تعالى :"وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرَّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ" . وقال سبحانه وتعالى :"وَمَنْ يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ"، وقال عز وجل :" ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ـ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُواْ دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُواْ مَا اسْتَجَابُواْ لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِير"، فسمى سبحانه دعاءهم شركا ، فالواجب على جميع المكلفين إخلاص العبادة لله وحده ، رجاء وخوفا واستعانة واستغاثة وذبحا ونذرا وخشية لله وصلاة وصوما إلى غير ذلك ، كله لله وحده فمن تقرب لغير الله من ولي أو نبي أو صنم أو شجر أو حجر بالدعاء أو بالذبح أو بالنذر أو بالصلاة أو بالصوم ونحو ذلك ، فهو مشرك كافر أشرك بالله وعبد معه سواه ، كفعل المشركين الأولين من عباد القبو وعباد الأشجار والأحجار والأصنام ، ولهذا قال عز وجل :{وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} ، وقال تعالى :{إِنَّهُ مَن يُّشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ}. وقال سبحانه وتعالى :  "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ـ بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ"
**والإيمان والإحسان ومنه الدعاء ، و الخوف  ، والرجاء والتوكل ، والرغبة والرهبة والخشوع والخشية والإنابة والاستعانة والاستغاثة والاستعاذة والذبح والنذر وغير ذلك من العبادة التي أمر الله بها ، كلها لله  والدليل قوله تعالى :{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا}.
الشرح :
 فكل هذه العبادات يجب إخلاصها لله ، ومن صرف منها شيئا لغير الله من صنم أو شجر أو حجر أو قبر فهو مشرك بالله .فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك كافر ، والدليل قوله تعالى :{وَمَن يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} . وفي الحديث : " الدعاء مخ العبادة " ، الدليل قوله تعالى :{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .

الشرح :
 لقوله تعالى:{وَمَن يَّدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}، ولغيرها من الآيات السابقات ، وهذا دليل على ما تقدم .
 وفي الحديث : "الدعاء مخ العبادة" ، وفي لفظ آخر :"الدعاء هو العبادة " ، وقال سبحانه : {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ، فسمى الدعاء عبادة في قوله: {أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ} يعني عن دعائي . فالدعاء هو أن يضرع إلى الله يدعوه ، ويسأله النجاة ، ويسأله الرزق ، كل هذا عبادة . فإذا صرفها للصنم أو للشجر أو للحجر أو لميت ، صار مشركا بالله عز وجل فيجب الحذر من الشرك كله ، دقيقه وجليله ، وأن تكون العبادة لله وحده.
 ما الحكم لو قلت لأخيك المسلم و أعطني هذا ؟
لكن دعاء الحي الحاضر القادر ، والاستعانة به في الشيء المقدور عليه ، لا بأس به ولا يعتبر داخلا في الشرك ؛ فلو قلت لأخيك الحاضر : يا عبد الله ! أعنّي على قطع هذه الشجرة أو على حفر هذه البئر ؛ فلا بأس بذلك كما قال سبحانه في قصة موسى :{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}  الآية .
*استغاثة الاسرائيلي على القبطي ؛ لأن موسى قادر على إغاثته ، يتكلم ويسمع . أما إذا اعتمد على المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله حاضرا أو غائبا أو ميتا ، واعتقد أنه ينفع من دعاه أو يضر لا بالأسباب الحسية من الشرك بالله . كما قال تعالى عنهم أنهم قالوا:{هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ} ، فيظنون أنهم يستطيعون بعبادتهم إياهم أن يشفعوا لهم عند الله في حصول مطالبهم أو أنهم يقربونهم إلى الله زلفى . كما قال الله سبحانه عنهم في الآية الآخرى:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}  وهذا من جهلهم وضلالهم بالشافع والمشفوع إليه . والله سبحانه له الشفاعة جميعا  وهو الذي يتصرف في عباده كيف يشاء ، فلا يأذن بالشفاعة إلا فيمن يرضى الله عمله ، ولا يشفع أحد عنده إلا بعد إذنه ، كما قال تعالى :{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} ، وقال تعالى :{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} ، فالشفاعة لا تكون إلا بإذنه للشافع ، ورضاه عن المشفوع فيه . وهو سبحانه لا يرضى بالشفاعة إلا لأهل التوحيد ، كما صحَّ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال ـ لما سأله أبو هريرة قائلا : "من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ ـ قال : " من قال : لا إله إلا الله خالصًا مِن قلبه" [ أخرجه البخاري في صحيحه ]  ولا تكون الشفاعة إلا لمن ارتضى قوله وعمله من أهل التوحيد والإيمان 
ودليل  الخوف قوله تعالى:{ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِين}
 ومن ذلك الخوف وهو أقسام ثلاثة
الأول :خوف السر وهذا خاص بالله ؛ لأنه القادر على كل شيء وهو الذي يخاف ويخشى . كما قال تعالى :{فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} ، وقال تعالى :{وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ}. وقال:{فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَونِ} . فالواجب خشية الله وخوفه ؛ لأنه مصرف القلوب ومقلبها والقادر على كل شيء ، وهو الذي ينفع ويضر ، ويعطي ويمنع ، فالواجب تخصيصه بالخوف وألا يخاف إلا الله في كل الأمور . ولكن خوف السر يختص به سبحانه وهو كون الإنسان يخاف من أجل قدرة خاصة سرية ليست حسب الحس . ولذلك يعتقد عباد القبور أن بعض الناس له القدرة على التصرف في الكون مع الله جل وعلا ، ويعتقدون ذلك أيضا في الأصنام والجن وغيرها ، وهذا هو الشرك الأكبر ، ويعتقد فيهم أيضا أن لهم القدرة على العطاء والمنع ، وزيغ القلوب،وموت النفوس دون أسباب حسية .
الثاني : خوف الأسباب الحسية كما قال تعالى في قصة أُحُد لما قيل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن المشركين قد جمعوا لكم وسيرجعون إليكم فأنزل الله في ذلك : {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخّوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} ، فالشيطان يخوف الناس من أوليائه ، ويعظمهم في صدور الناس حتى يخافوهم ، والله يقول : {فَلَا تَخَافُوهُمْ} ، بل اعتمدوا علي ، وأعدوا العدة ، ولا تبالوا بهم ن كما قال تعالى : {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّنْ قُوَّةٍ} ، وهذا الخوف الحسي لا بأس به لكن الخوف القلبي خوف السر هذا هو المنهي عنه أما الخوف الحسي ، مثل أن يخاف اللص أو السارق أو العدو ، فيعد العدة من السلاح اللازم كل هذا لا بد منه ولهذا قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} ، وقال سبحانه في قصة موسى لما خرج من مصر خائفا من فرعون وقومه : {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ} ؛ فإن هذا الخوف خوف حسي لا بأس به لكن لا يجوز خوف العدو خوفا يمنع من جهاده،ونصر الحق ، وإنما يحمله هذا الخوف على الإعداد للعدو وأخذ الحذر. 

الثالث : الخوف الطبيعي الذي جبل عليه الإنسان وهذا لا حرج فيه مثل خوف الإنسان الحية والعقرب والسبع ، فيتباعد عنها ويقتلها ويتباعد عن مظنة السباع حتى لا يتأذى بها . هذا أمر لا بد منه . والله جبل الناس على الخوف مما يؤذي حتى يتحرز منه ؛ يخاف البرد فيلبس الثياب الغليظة ، ويخاف من الجوع فيأكل ، ويخاف العطش فيشرب . هذه أمور طبيعية لا بأس بها .
ودليل  الرجاء قوله تعالى : {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوْ لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} .
 *وهكذا الرجاء عبادة لله فيرجو الله ويحسن به الظن كما قال تعالى :{فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} . فالرغبة إليه ، ورجاء ما عنده ؛ عبادة له سبحانه وتعالى ، قال تعالى : {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ} . فالرغب : الرجاء . الرهب : الخوف . وكلاهما : عبادة . وعلى العبد أن يحسن ظنه بربه ، ويعمل بالأسباب الشرعية . وإن الظن الحسن مع الأخذ بالأسباب يعود على العبد بالخير وبالرحمة وبدخول الجنة وبمغفرة الذنوب .
ودليل التوكل  قوله تعالى : {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} ،{وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه}
*وهكذا التوكل عبادة ، وهو التفويض إلى الله ، والاعتماد عليه في كل الأمور مع الأخذ بالأسباب  فتعتمد على الله في السلامة من الشر ، والعافية من الفتن ، وحصول الرزق ، وفي دخول الجنة ، والنجاة من النار  مع الأخذ بالأسباب المشروعة ، قال تعالى{وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُواْ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} ، وقال تعالى : {وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} : يعني كافيه .
ودليل الرغبة والرهبة والخشوع قوله تعالى : {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ } .
ودليل الخشية قوله تعالى : {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} الآية .
*وهكذا الرغبة والرهبة والخشية من الله كل هذه عبادات . قال تعالى عن الأنبياء والصالحين :  {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُواْ لَنَا خَاشِعِينَ} يعني : خائفين يخشون الله ، ويخشعون لعظمته:أي يذلون .
ودليل الإنابة  قوله تعالى : { وَأَنِيبُواْ إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ } الآية .
*وهكذا الإنابة عبادة : قال تعالى : {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له} . والإنابة معناها : الرجوع إلى الله ، والتوبة إليه ، والاستقامة على طاعته   فهذه عبادة لله ، يجب على الناس أن ينيبوا إلى الله ، ويرجعوا إليه ، ويتوبوا إليه ، ويستقيموا على طاعته .
ودليل الاستعانة  قوله تعالى : {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وفي الحديث : " إذا استعنت فاستعن بالله " 
*وهكذا الاستعانة عبادة كما قال تعالى : {إياك نعبد وإياك نستعين} ، وفي الحديث : " إذا استعنتَ فاستعنْ بالله " . فيستعين العبد بالله ؛ فتقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك ،اللهم أعني على طاعتك، اللهم أعني على كل خير،إلى غير هذا ، تستعين بالله في كل المهمات .

ودليل الاستعاذة قوله تعالى : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} وقوله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} .
*وهكذا الاستعاذة عبادة : أن تستعيذ بالله من الشرور ، وتلجأ إليه ، كما قال تعالى : { قل أعوذ برب الفلق } وقوله : {قل أعوذ برب الناس} . فالاستعاذة بالله من الشيطان ، ومن كل مؤذ ، ومن كل عدو، أمر مأمور به   كما قال تعالى : {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} .
ودليل الاستغاثة  قوله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } الآية .ودليل الذبح  قوله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} ومن السنة:  " لعن الله من ذبح لغير الله " .
*وهكذا الاستغاثة عبادة أن تستغيث بالله في الشدائد من عدو ، أو تطلبه إنزال الغيث المبارك، أو يكشف الضر ، كما قال تعالى : { إذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} .
(2) 
وهكذا الذبح عبادة : قال تعالى : {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} أي ذبحي   { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
ودليل النذر قوله تعالى : { يُوْفُوْنَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } .
*وهكذا النذر عبادة ، قال تعالى : { يُوْفُوْنَ بِالنَّذْرِ } . وقال تعالى : { وَمَا أَنْفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ } الآية . وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مَنْ نَذَرَ أنْ يطيعَ اللهَ فـلْيـُطِعْهُ ، ومن نذَرَ أنْ يعصِهِ فلا يعْصِه" . فالنذر عبادة وطاعة لله . إذا فعله الإنسان لزمه الوفاء ، والنذر مكروه ؛ لأن في التزاما ، وفيه مشقة . ولهذا نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن النذر وقال : " إن النذر لا يأتي بخير " ، ولكن إذا نذر طاعة لزمه الوفاء ؛ لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " مَنْ نذر أن يطيعَ الله؛فليطعه " . فإذا نذر عبادة من صلاة أو صوم أو غيرهما لزمه الوفاء لما تقدم 

                 
الأصل الثاني معرفة دين الإسلام  بالأدلة ؛ وهو الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، والبراءة من الشرك وأهله. وهو ثلاث مراتب :
الإسلام و الإيمان والإحسان ، وكل مرتبة لها أركان .فأركان الإسلام خمسة:شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ...
*هذا هو الأصل الثاني : وهو دين الإسلام ، وهو ثلاث مراتب بينها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم  فأولها الإسلام وهو الإخلاص لله وحده : يعني الاستسلام لله بالعبادة ، وتخصيصه بها دون كل ما سواه . والبراءة من الشرك وأهله . فإذا فعل ذلك فقد أسلم يعني : انقاد وذل وخضع لله وحده بالعبادة دون كل ما سواه ، وتبرأ من الشرك وأهله . قال تعالى : { فَمَن يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } ، والكفر بالطاغوت معناه : البراءة من الشرك وأهله ، وإنكار ذلك ، واعتقاد بطلانه . وهناك مرتبة الإيمان ، ومرتبة الإحسان ، وكلها داخلة في دين الإسلام ، الدين الذي شرعه الله لعباده وأرسل به الرسل جميعا . ومرتبة الإسلام تشمل الأعمال الظاهرة .
وأركانه خمسة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.كما ثبت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله : " بُنِيَ الإسلامُ على خمس ٍ: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقامِ الصلاة ، وإيتاءِ الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت " .
فأول أركان الإسلام :
شهادة أن لا إله إلا الله 
*فدليل الشهادة : قوله تعالى : { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم } .ومعناها : لا معبود بحق إلا الله وحده . " لا إله " : نافيا جميع ما يعبد من دون الله . " إلا الله" مثبتا العبادة لله وحده ، لا شريك له في عبادته ، كما أنه ليس له شريك في ملكه . وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون ـ إلا الذي فطرني فإنه سيهدين ـ وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون}.


وبها يدخل العبد في الإسلام ؛ فيشهد أن لا إله إلا الله : أي لا معبود حق إلا الله . وهي نفي وإثبات ؛ فلا إله : نفي ، وإلا الله: إثبات . قال تعالى   { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وقال : وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } الآية . وقال تعالى : 
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ }
 . أما قولها بدون العمل بها ، فلا تنفع  كأن يقول : لا إله إلا الله ، ولا يخص الله بالعبادة ؛ فإن شهادته لا تنفع؛ كالمنافقين ، فإنهم يقولونها ولا يعتقدونها   فهم في الدرك الأسفل من النار . فالذي يقول لا إله إلا الله ، ويعبد القبور والأصنام ؛ لا تنفعه بل هي باطلة . وأما الشهادة الثانية وهي : أن محمدا رسول الله؛ فدليلها قوله تعالى :{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ} ، يعني : محمدا ـ عليه الصلاة والسلام ـ تعرفونه؛ لأنه من أنفسكم ، وهو من أشرف قبائلكم من بني هاشم : { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنتُِّمْ }:أي يشق عليه ما يشق عليكم،{ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } : يعني على هدايتكم ، وإنقاذكم من النار . وقال تعالى : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ} . وبعد هذه الشهادة على العبد أن يطيعه فيما أمر ، وأن يصدقه فيما أخبر،وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر ، وألا يعبد الله إلا بما شرع .
*فلا بد من هذه الأمور الأربعة :
الأول : طاعته فما أمر من الصلاة والزكاة وغيرها .
الثاني : تصديقه فيما أخبر عن الآخرة والجنة والنار وغير ذلك .
الثالث : واجتناب ما عنه نهى وزجر ، كالزنا والربا وغير ذلك مما نهى الله عنه ورسوله .
الرابع : وأن لا يعبد الله إلا بما شرع ؛ فلا يبتدع في الدين مما لم يشرعه الله ؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من عمِل عمَلًا ليسَ عليهِ أمْرُنا فهو رَدٌّ " . وفي رواية :" مَنْ أحْدَث في أمرنا ما ليس منه فهو ردّ" : أي مردو
وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان .
*ودليل الصلاة والزكاة وتفسير التوحيد ؛ قوله تعالى : { وَمَا أُمِرُواْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُواْ الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة } . وقال تعالى : { فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } . وقال تعالى : { فَإِنْ تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } . ودليل الصيام : قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } إلى قوله سبحانه :{ شَهْرُ رَمَضَانَ} ، أي أن الصيام واجب عليكم كل عام في شهر رمضان .
وحج بيت الله الحرام 
* ودليل الحج قوله تعالى : { فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } الآية ، وهو مرة في العمر ؛ لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الحج مرة ، فمن زاد فهو تطوع " .


الأصل الثالث
معرفة نبيكم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو محمد  بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم ، وهاشم من قريش ، قريش من العرب ، والعرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هذا هو الأصل الثالث وهو نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فعلى الإنسان أن يعرف نبيه الذي أرسله الله إليه ، وبلغه الرسالة ، وبين له الشرائع التي أمره الله بها ، وأوضح له العبادة التي خلقنا الله لها .*هذا النبي هو محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، خاتم الأنبياء ، ورسول الله لهذه الأمة من الجن والإنس ، أرسله الله للناس جميعا ، قال تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا }  وقال سبحانه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَّنَذِيرًا } . فاسمه محمد ، واسمه أحمد ، واسمه الحاشر ، والماحي ، والمقفي ؛ لأنه خاتم الأنبياء ، وهو نبي التوبة ، ونبي الرحمة ، ونبي الملحمة . هذه كلها أسماؤه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، لكن أشهرها وأفضلها وأعظمها محمد الذي سماه به أهله ، وجاء به القرآن ، قال تعالى : { مُحَمَّد رَّسُولُ اللهِ } . وهكذا (أحمد) كما بشّر به عيسى : { وَمُبَشِّرًا بِرَسُول يَّأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد } ، فهو محمد وأبوه اسمه عبد الله ، وجده اسمه عبد المطلب . وعبد الملب لقب ، وإلا فاسمه شيبة وأبو جده اسمه هاشم وهو سيد من سادات قريش كما أن عبد المطلب كذلك . وهاشم من قريش قبيلة عظيمة وهي أفضل العرب   والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خاصتهم من بني هاشم وهم أفضل قريش . واسمه فهر بن مالك ، وقيل قريش هو النضر بن كنانة جد فهر بن مالك . وقريش من العرب المستعربة التي استعرب لسانها فصار لها لسان عربي واضح ، فهي أكثر عروبة من قحطان. ولهذا يقال لهم العرب العاربة ، والعرب المستعربة . وهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل .
وله من العمر ثلاث وستون سنة ، منها أربعون قبل النبوة ، وثلاث وعشرون نبيا رسولا ، نبئ بـ ( اقرأ )
*وهذا النبي العظيم وهو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبئ بـ (اقرأ) ؛ فأول ما نزل عليه :  {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ، وصار بها نبيا . وقال أتاه جبريل وهو في الغار ـ غار حراء ـ فأقرأه هذه السورة .
*وأرسل بـ ( المدثر ) . وبلده مكة ، بعثه الله بالنذارة عن الشرك ، ويدعو إلى التوحيد . والدليل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ـ قُمْ فَأَنْذِرْ ـ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ـ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ـ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ـ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرْـ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} . ومعنى { قُمْ فَأَنْذِرْ } : ينذر عن الشرك ، ويدعو إلى التوحيد    {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ }:عظمه بالتوحيد . { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } : أي طهر أعمالك عن الشرك . { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } : الرجز : الأصنام ، وهجرها : تركها وأهلها ، والبراءة منها وأهلها .
*ثم بعد مدة يسيرة جاءه بـ (المدثر) ، فصار رسولا بقوله : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ـ قُمْ فَأَنْذِرْ} . والمدثر : الملتحف؛ لأنه جاء بعد ما جاءه الوحي ، اشتد عليه الأمر وقال : زملوني زملوني ... دثروني دثروني ؛ من شدة ما أصابه من الخوف لما ضغط عليه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرات . ثم قال : اقرأ ؛ تمهيدا لأعباء الرسالة وعظمتها . ثم قال الله : {قُمْ فَأَنْذِرْ} ؛ أي قم فأنذر الناس . فصار رسولا بأمره بالنذرة .{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} : أي عظمه بالتوحيد . { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}  أي طهر أعمالك من الشرك ؛ لأن تطير الملابس غير مراده في هذه الآية ؛ لأن الصلاة لم تفرض في ذلك الوقت ، فالمراد هنا الأعمال كما قال تعالى :{ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} ، فالعمل يسمى لباسا . { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ } : فالرجز : الأصنام ، وهجرها تركها ، والبراءة منها وأهلها .
*أخذ على هذا عشر  سنين يدعو إلى التوحيد ، وبعد العشر عرج به إلى السماء ، وفرضت عليه الصلوات الخمس ، وصلى في مكة ثلاث سنين ..
*أخذ على هذا الأمر عشر سنين ، يدعو إلى التوحيد ويحذر من الشرك ، ويأمر بخلع عبادة ما سوى الله سبحانه ، وترك عبادة الأصنام والأوثان ، ويأمرهم أن يخصوا الله بالعبادة في دعائهم ونذرهم وذبائحهم وغير ذلك.  *ثم بعد العشر عرج به ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى السماء مع جبرائيل ، وفتحت له السموات إلى موضع رفيع فوق السماء السابعة ، حتى سمع فيه صريف الأقلام ، ثم ناداه الله جل وعلا وكلمه ، وفرض عليه الصلوات الخمس،فرضها خمسين صلاة ثم لم يزل يطلبه التخفيف حتى جعلها الله خمسا ، فقال الله سبحانه : هي خمس في العدد ، وهي خمسون في أم الكتاب ، فمن حافظ على الصلوات الخمس وأداها ؛ كتب الله له أجر خمسين ، فالحسنة بعشر أمثالها . فنزل بذلك ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، فاستقرت الصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة : الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر . صلاهما في مكة ثلاث سنين قبل أن يهاجر .
*وبعدها أمر بالهجرة  إلى المدينة . والهجرة : الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام ، وهي باقية إلى أن تقوم الساعة ، والدليل قوله تعالى : { إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنْتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ـ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفًِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا ـ فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا } وقوله تعالى : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } .قال البغوي ـ رحمه الله ـ سبب نزول هذه الآية في المسلمين الذين في مكة لم يهاجروا ، ناداهم الله باسم الإيمان  والدليل على الهجرة من السنة : قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها".


ثم هاجر إلى المدينة بعد ما اشتد عليه أذى قريش له ولأصحابه ، فأذن الله له بالهجرة من مكة ؛ لأجل أذى وظلم قريش ، إلى المدينة إلى الأنصار وقد بايعوه في موسم الحج على أن ينتقل إليهم وينصروه ـ رضي الله عنهم وأرضاهم ـ . فلما تمت البيعة وأذن الله له بالهجرة هاجر إليهم . وكان بعض أصحابه قد هاجر قبل ذلك إلى الحبشة ومكثوا عند النجاشي مدة . ثم هاجر بقيتهم إلى المدينة . فلما استقر بالمدينة جاء الذين في الحبشة إلى المدينة ، واستقر الجميع في المدينة ، والحمدلله .فلما استقر  في المدينة أمر ببقية شرائع الإسلام ، مثل الزكاة ، والصوم ، والحج ، والأذان ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغير ذلك من شرائع الإسلام .
* فلما استقر في المدينة بعد الهجرة أمره الله ببقية شرائع الإسلام من الزكاة وصيام رمضان وحج البيت والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأن المدينة صارت دار إسلام وهي العاصمة الأولى للمسلمين ؛ فلهذا أمروا بهذه الأمور ؛ لأنهم يتمكنون حينئذ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا من رحمة الله عز وجل أن أجل هذه الواجبات إلى أن هاجر إلى المدينة  وكان أصل الزكاة مشروعا في مكة ، كما قال تعالى في سورة الأنعام وهي مكية : { وَآَتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ، ولكن أنصباؤها ومصارفها وتفاصيل أحكامها ؛ كل هذا صار في المدينة ، وهكذا صيام رمضان شرع في السنة الثانية من الهجرة ، وهكذا الحج شرع في السنة التاسعة أو العاشرة من الهجرة ، وأنزل الله فيه :{ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} في سورة آل عمران وهي مدنية . وهكذا الجهاد أمر به في المدينة ، وكان في أول الأمر يجاهد من جاهده ، ويكف عمن كف عنه ، ثم أمر بأن يبدأ بالقتال ، وأن يجاهد الكفار وإن لم يبدؤوا ، فيدعوهم إلى الله يرشدهم إليه ، فإن أجابوا وإلا قاتلهم حتى يستجيبوا للحق إلا أهل الكتاب فإنه يقبل منهم الجزية . وسن الله في المجوس سنة أهل الكتاب ؛ إما إسلام وإما جزية ، وأما بقية الكفار إما الإسلام وإما السيف مع القدرة .


أخذ على هذا عشر سنين ، وتوفي  ـ صلاة الله وسلامه عليه ـ ودينه باق ، وهذا دينه . لا خير إلا دل الأمة عليه ، ولا شر إلا حذرها منه . والخير الذي دلها عليه التوحيد ، وجميع ما يحبه الله ويرضاه ، والشر الذي حذرها عنه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه .بعثه الله إلى الناس كافة ، وافترض طاعته على جميع الثقلين ، الجن والإنس ، والدليل قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } وكمل الله به الدين ، والدليل قوله تعالى : { تَخْشَوهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } والدليل على موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله تعالى:{ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ـ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} .
وبعدما أكمل الله به الدين توفاه الله إليه بعد عشر سنين من الهجرة ، قال تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } . وقال جل وعلا : { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَّإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ـ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}  .
*والناس إذا ماتوا يبعثوا ، والدليل قوله تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } .وقوله تعالى : { وَاللهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ـ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا } . وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم ، والدليل قوله تعالى : { وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى} . ومن كذب بالبعث كفر ، والدليل قوله تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنْ لَنْ يُّبْعَثٌواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ}
والناس إذا ماتوا يبعثون ، كما قال تعالى : { وَاللهُ أَنْبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ـ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا } . وقال تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنْ لَنْ يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ } . وقال تعالى : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى } ، فهم محاسبون ومجزيون يوم القيامة ، ويعطون كتبهم بأيمانهم وشمائلهم ، فالسعيد يعطى كتابه بيمينه ، والشقي يعطى كتابه بشماله . السعيد يرجح ميزانه ، والكافر يخف ميزانه ، وأصحاب المعاصي على خطر فقد يرجح ميزانهم بالتوبة ، أو بعفو الله ، أو بالحسنات ، وقد يخف ميزانهم فيكونوا من أهل النار ، فيعذبون فيها ما شاء الله ، ثم يخرجهم الله من النار بسبب موتهم على الإسلام . فالواجب على كل مكلف أن يحذر سيئات العمل ، وأن يلزم التوبة والاستقامة ؛ لأنه لا يدري متى يهجم عليه الأجل . فالحزم كل الحزم أن يأخذ المسلم بالعزيمة ن ويجاهد نفسه حتى يستقيم على الحق ، والتوبة النصوح من جيمع الذنوب ، حتى إذا هجم عليه الأجل ؛ إذا هو على خير عمل ، وعلى استقامة ؛ فيفوز بالسعادة والنجاة يوم القيامة .


وأرسل الله  جميع الرسل مبشرين ومنذرين ، والدليل قوله تعالى : { رُسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكٌونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}  .
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرسل إلى جميع الناس إلى الجن والإنس ، كما قال تعالى : {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}،وقال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا } ؛ فهو خاتم الأنبياء ليس بعده نبي . وهكذا الرسل جميعا أرسلوا إلى أممهم مبشرين ومنذرين ، من أولهم إلى آخرهم ، فأولهم نوح بعثه لما وقع الشرك في قومه . وقبله آدم ني رسول مكلف ، أرسله الله إلى ذريته ؛ ليعبدوا الله بالشريعة التي جاء بها أبوهم آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ . واستمروا على الإسلام والاستقامة ، حتى وقع الشرك في قوم نوح ، فلما وقع الشرك في قوم نوح ؛ أرسل الله إليهم نوحا ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهو أول الرسل إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك . وكل أمة بعث الله إليهم رسولا ؛ فعاد أرسل الله إليهم هودا ، ثم أرسل الله صالحا إلى قومه ثمود ، ثم أرسل إبراهيم ولوطا وشعيبا وهارون وعيسى وأيوب وداود وسليمان ، ثم ختموا بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ .وأولهم نوح ـ عليه السلام ـ وآخرهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهو خاتم النبيين ، والدليل على أن أولهم نوح قوله تعالى : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}  
ثم ختموا بمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ ، وهو خاتمهم وآخرهم وأفضلهم ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال تعالى : { رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } ، فقوله مبشرين : يعني : يبشرون من أطاعهم بالجنة ، ومنذرين : يعني ينذرون الناس من الشرك بالله ن ومن النار والعذاب الأليم إذا خالفوا أمر الله . . وهكذا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسله الله بشيرا ونذيرا ، كما قال تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ـ وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا } ، وقال تعالى : { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ } . فالواجب على جميع الأمم اتباع رسلهم . فكل أمة يجب عليها أن تتبع رسولها ، وتنقاد لما جاء به من الهدى . وقد وعدها الله على ذلك السعادة في الدنيا والآخرة ، وأكثر الخلق قد عصوا رسلهم وخالفوا ما جاءت به الرسل ، قال تعالى : { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنينَ} وقال تعالى : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ } ، وقال تعالى  { وَقَلِيل مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، وقال تعالى : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} 
 
وكل أمة بعث الله إليهم رسولا من نوح إلى محمد يأمرهم بعبادة الله وحده.
وكل رسول يدعو أمته إلى توحيد الله ، وطاعته وترك الشرك به ومعصيته.قال تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } ، اعبدوا الله يعني : أطيعوه ووحدوه واستقيموا على دينه ، واجتنبوا الطاغوت .وينهاهم عن الطاغوت . والدليل قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ } وافترض الله على جميع العباد الكفر بالطاغوت والإيمان بالله .قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ معنى الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع ، والطواغيت كثيرون ، ورؤوسهم خمسة : إبليس ـ لعنه الله ـ ، ومن عبد وهو راض ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه ، ومن ادعى شيئا من علم الغيب ، ومن حكم بغير ما أنزل الله ، والدليل قوله تعالى : { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}  .والطاغوت : هو كل ما عبد من دون الله وهو راض ، وكل من حكم بغير ما أنزل الله ، أو دعا إلى ذلك . والطاغوت : هو الذي يتجاوز الحد إما بشركه وكفره ، وإما بدعوته إلى ذلك ، وشرهم ورأسهم إبليس ـ لعنه الله ـ. وهكذا كل من دعا إلى عبادة نفسه ، أو رضي أن يعبد من دون الله ، كفرعون والنمرود ، أو ادعى شيئا من علم الغيب ؛ كالكهنة والعرافين والسحرة في الجاهلية وفي الإسلام . وكذلك من حكم بغير ما أنزل الله متعمدا ، فهؤلاء رؤوس الطواغيت . وكل من جاوز الحد ، وخرج عن طاعة الله ؛ يسمى طاغوت . قال تعالى ك { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } ؛ فالرشد : الإسلام وما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والغي : الكفر بالله والضلال . قال تعالى : { فَمَن يَّكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} . فيكفر بالطاغوت : يعني يتبرأ منه ، ويعتقد بطلانه ، فيتبرأ من الشرك ، { وَيُؤْمِنْ بِاللهِ } : يعني يصدق أن الله معبوده ، وإلهه الحق ، ويؤمن بالشريعة وبمحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ وينقادلذلك . هذا هو المؤمن . ثم قال : { فَقَدِ اسْتَمْسَكَ } : يعني : استعصم ، { بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى } : وهي لا إله إلا الله ؛ كلمة التوحيد ، يعني : فقد استمسك بالعروة التي لا انقطاع لها ، بل من استمسك بها صادقا واستقام عليها ، وصل إلى الجنة والكرامة ؛ لأن لها حقوقا ، وهي : توحيد الله ، وطاعته ، واتباع شريعته . ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وهو رسول الله إلى جميع أهل الأرض ، من الجن والإنس ، فيجب على جميع المكلفين طاعته واتباع شريعته ، ولا يجوز لأحد الخروج عنها . وجميع الشرائع الماضية كلها نسخت بشريعته ـ عليه الصلاة والسلام ـ كما قال الله عز وجل :  {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } الآية . وقال قبلها سبحانه : { فَالَّذِينَ آَمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } . وقال سبحانه : { وَمَن يَّكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ } ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في الحديث الصحيح : " والذي نفسي بيده ؛ لا يسمع بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ يهوديّ ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمنْ بالذي أرسِلْتُ به إلا كان من أهل النار " [ أخرجه مسلم في صحيحه ] . والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة . وقد أجمع أهل العلم ـ رحمهم الله ـ على أنه لا يسع أحدا من هذه الأمة الخروج على شريعة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ، وأن من اعتقد ذلك ؛ فهو كافركفرا أكبر مخرجا من الملة  نسأل الله العافية والسلامة .
*وهذا هو معنى لا إله إلا الله ، وفي الحديث : " رأس الأمر(1) الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " . والله أعلم .


وفي الحديث " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " . فعلى جميع المكلفين أن يوحدوا الله ، ويعبدوه دون كل ما سواه ، وأن يكفروا بالطاغوت وينكروا عبادته ، ويلتزموا بالتوحيد ، واتباع شريعته ـ سبحانه وتعالى ـ ، وتعظيم أمره ونهيه. و "رأس الأمر"  : يعني رأس الدين هو الإسلام ، يعني شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله. فمن التزم بها دخل الإسلام . وعموده الصلاة : وهي الركن الثاني ، وهي أعظم الأركان بعد الشهادتين ، ثم يلي ذلك الزكاة، والصيام ، والحج ، وبقية أوامر الله . " وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " ؛ لأن به صيانة الدين وحمايته ، وبه دعوة الناس إلى دين الله وإلزامهم بالحق . فهو ذروة سنامه  من جهة ما تضمنه من حماية الدين والدعوة إلى الحق . والله أعلم .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق